من التمرد على جاهلية العصر .. انطلاق واستدراك تقي
لقد رأينا كيف يجيز بعض الناس لأنفسهم المعصية بحجة “الفرح” و”العرس” وقد بلغ الأمر ببعض الأزواج أن أباحوا لأنفسهم شرب الخمر في”ليلة العمر” بحجة أنها مرة واحدة ليسعدا، فكانت نهاية حياتهما معا، الشقاء والضنك والفقر! وما من زوجان اشترطا أن تكون البداية تقية نقية.. إلا وكانت عاقبتهما خيرا.
قبل أن تحدثنا كيف تخطط لإدارة حياتك بهدي الإسلام العظيم أرنا كيف تبدأ فرحة زواجك. هذه الانطلاقة مهمة جدا وكفيلة بفرض هيبتك بين الناس، كل معصية امنعها، وسد الذرائع، ولا تقل “يوم ويمضي” فوالله إن شؤم المعصية لثقيل ويمتد! أعلنها صراحة منذ أول يوم (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
هل يعقل أن تترك العروس عمدا صلاةً يوم عرسها بحجة عدم إفساد زينتها! هل يعقل أن تطمع هذه العروس في سعادة زوجية وبدايتها معصية متعمدة! من هنا يبدأ تمردك على جاهلية العصر، حياتنا تُبنى على طاعة الله وفداء لدين الله، ولو سخط كل الناس .. صلاتك أخية أهم من زينة العرس! والذكية تدير المواقف.
لا أزال أذكر قصة تلك العروس التي قامت لتصلي صلاتها يوم عرسها فسخط من حولها وعاتبوها خشية أن تفسد زينتها! فأبت وقامت تصلي وما أن شرعت في الصلاة حتى فاضت روحها في سجودها، وماتت في طاعة يوم عرسها، تلك الفتاة كانت درسا عظيما لكل من نهى عبدا إذا صلى! ويحسبونه هينا، لقد بكاها زوجها مرتين!
نصيحتي لكل مقبلين على الزواج، بدايتكما يجب أن تكون “تمردا على جاهلية العصر” انطلاقتكما يجب أن تكون انطلاقة سهمين نحو الجنة! مرجعيتكما وهديكما يجب أن يكون شريعة الله، لا قوانين وضعية ولا عادات عبثية! هذا أول امتحان صدق يليه امتحانات ستكون أسهل بكثير .. إن نجحتما في تجاوزه بإخلاص.
(إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) هذه الآية الجليلة مفتاح الفتوحات الربانية، إن نصرتم شريعة الله وأقمتموها في أنفسكم وحياتكم، أبشروا بنصر الله وبالثبات في سبيل الله. ومن استعان بالله تعالى تذللت له العقبات واستشعر البركة في كل خطوة، و(إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) مقاييس الإسلام لا البشر.
لا تقل فات الأوان، تزوجنا وكان ما كان، الاستدراك سلاح فتاك .. وقد يبلغ المرء بالاستدراك ما لم يكن ليبلغه بانطلاقة قوية! استغفر الله من كل ما فات من تقصير، وأقبل سهما لا يحيد .. يبصر منازل الفائزين في جنة الخلد. اتفق مع زوجتك على تصحيح المسيرة والاحتكام لشريعة الله واتباع هدي نبيه ﷺ!
لن تندم على الصراحة بين الزوجين .. تحدث إليها وتحدثي إليه بكل صدق، نريد بداية على نور الكتاب والسنة، في حوار بناء يتجاوز الأخطاء السابقة وينطلق بتوبة وإنابة، يعين الزوج زوجه والزوجة زوجها على مرضاة الله والعشرة بالمعروف (وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ) يجمعان أسباب الثبات والاستقامة معا!
ليس عيبا ولا منقصة الاعتراف بالتقصير والرغبة في التصحيح، إنما العيب كل العيب الاستمرار بمكابرة واستهانة وتبرير هدام لكل فرصة ارتقاء وعيشة طيبة. كل أسرة بيدها اليوم – مهما فاتها من خير – فرصة عظيمة لتصحيح المسيرة .. والله حين يرى صدقكما .. يذهلكما عطاؤه ومعيته جل جلاله، وذلك الظفر وأي ظفر!.
إن كنت تشكو زوجتك.. وتشكين زوجك ..وحياتكما بعيدة عن هدي الله، جربا أن تعلناها صراحة توبة إلى الله وإقامة للبيت على هدي الإسلام بإخلاص، اتفقا على ذلك بكل صدق واحترام .. ووالله من صدق في صناعة التغيير ليبصرن عاجل بشرى المؤمنين في حياته، والقصص في ذلك كثيرة ومؤثرة! لكن أين الموقنون!
تحضرني الآن قصة فتاة من عائلة غنية تزوجت شابا من طبقتها، وسافرا معا إلى أوروبا، وتعاونا على الإثم والعدوان منذ بداية حياتهما، فكان لباسها فاضحا وتضييعها لدينها فاجرا، وكان زوجها مثلها تماما، حتى شاء الله أن يهتديا معا!
تقسم الأخت التائبة أنهما اهتديا في اليوم نفسه وأجهشا بالبكاء معا!
بدون الحديث عن تفاصيل توبتهما، تعاهدا على التعاون على البر والتقوى، والتكفير عن كل ما فات، فلبست الزوجة الحجاب الشرعي كاملا، وأقبل زوجها على صلواته مثابرا، يتعلمان دينهما، تدفعهما حرقة التفريط والمعصية، واستمر حالهما حتى رزقهما الله 4 أطفال جميعهم من حفاظ كتاب الله، وتربية إسلامية راقية!
لقد كان أثر صدقهما ظاهرا في مشاريع الخير والصدقات وكل مضمار مسابقة، ولا أخال هذا الخير كان سيخرج بمثل هذا الجمال والعظمة لولا أن توبتهما كانت عظيمة وصادقة، ونشاهد كيف أن البداية الخاطئة لا تحرم الزوجين الاستمرار بنجاح وتوفيق وتصحيح، هذا درس مهم جدا لكل أسرة ضلت الطريق لتستدرك مسابقة.
إن فضل الله عظيم على هذه الأسرة، فمن صدق الله صدقه، ولم يمنع اللباس القصير والمجتمع المخملي والمظاهر الخادعة المرأة من أن تبدأ من جديد أبية بلباسها الشرعي كاملا .. مستعلية بإيمانها، فرأت بركات هذا الصدق نحسبها والله حسيبها، وأصلح الله زوجها ورزقها ذرية صالحة نحسبها، فنعم التجارة!
العلاقات والأسر يجب أن تبنى على الحديث الصحيح عن النبي ﷺ قال:”ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان:أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار”.
و”لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين”.
حب الله ورسوله قبل كل شيء فمن أبى .. فسنة الاستبدال!
نحن بحاجة لكثير من الإصلاح وأول الإصلاح إصلاح علاقتنا بالله جل جلاله، علاقتنا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم .. علاقتنا بالإسلام جملة وتفصيلا. حين تصلح هذه العلاقة تبدأ مرحلة عظيمة أخرى إنها مرحلة التحليق! مرحلة من التمكين لا يعرف لذتها مثل من ترك الدنيا خلفه وسابق للفردوس الأعلى.
نحن بحاجة ماسة لفقه “بداية المهاجرين والأنصار”، فقه صناعة الخير في النفوس وإرشادها لصلاح دينها ودنياها، فقه الانبعاث والإصلاح، بحاجة لأن ننزل من برج عاجي من التنظير الحالم إلى واقع الناس لنحدث قلوبهم بما يعقلوه. نحدثهم عن واجباتهم قبل الموت. إن الهداية فضل وإعانة الناس عليها فضل، وطوبى للمصلحين!
ليكن منهجك في هذه الدنيا (ومن أَحياها فكأَنَّما أَحيا النَاس جمِيعاً)
سنحارب ظلمات الجاهلية بنور التوحيد.
ونكسر جمود الدنيا بحركة العمل للآخرة.
ونحدث الناس عن حب الله ورسوله، عن الرجاء والخوف، عن مراتب الجنة ولذة المسابقة بالخيرات .. حتى تتصدع قلوبهم وتخشى وتبصر بنور من الله.
نستوعب الضعف ونجبر الكسر ونعين المسلمين على شياطينهم حتى يقوموا قومة الفارس البطل.
فمن استجاب لأمر الله فاز بخيري الدارين ومن أبى فسنة الله في الظالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق