تعبئة القرن للإنقاذ والإغاثة في كارثة القرن
يتضح حجم الدمار الذي خلفه الزلزال، الذي يوصف بأنه كارثة القرن خلال التاريخ التركي، يومًا بعد يوم. ما رأيناه وما حدث أمام أعيننا يستحق أن يوصف بأنه أعظم كارثة ليس فقط لقرن، ولكن ربما لعدة قرون مضت.
بلغ عدد ضحايا الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا حدود 40 ألفًا، ومن المتوقع أن يرتفع الرقم أكثر. ومن المعروف أن تركيا تقع في منطقة الزلازل، حيث كانت هناك زلازل مدمرة للغاية في أنطاكيا على مدى التاريخ، وكان عدم حدوث زلزال لفترة طويلة مقلقا للغاية، إذ تم توقعه والتنبؤ به منذ مدة. ومع ذلك؛ بغض النظر عن مقدار توقعه، فإنه لم تكن هناك قدرة على معرفة مكانه بالتحديد أو حجم الخسائر التي قد يخلفها. في الزلزال الذي أصاب 15 مليون شخص بشكل مباشر وغير مباشر؛ دُمرت مئات الآلاف من المباني، وتصدعت الطرق السريعة، وحدثت انهيارات كبيرة في بعض الأراضي الزراعية.
منذ الساعات الأولى، تفرق جميع الوزراء في الولايات العشر المنكوبة، وتولوا تنظيم إدارة الكوارث، وهكذا جعلوا المواطنين يشعرون أن الدولة بجانبهم. وقد قاد الرئيس أردوغان جميع أعماله من مركز إدارة الكوارث والطوارئ في أنقرة في اليوم الأول
إن كارثة القرن هذه تكشف أيضًا عن الجهد والتنظيم الطويل في مكافحة الكوارث، إذ إن هناك إدارة كوارث رائعة أنشأتها الدولة، تكاتفت فيها بكل عناصرها وقدمت ولا تزال تقدم عملاً بطوليا لن ينساه التاريخ التركي. على الرغم من وجود الدولة في الميدان بكل مؤسساتها ومسؤوليها، فإن الأهم من ذلك بكثير هو أن التضامن والتعبئة الهائلة للشعب التركي بكل أفراده يلفتان الانتباه؛ إذ يُظهر الشعب التركي صورة التضامن والوحدة دائما في الأوقات الحرجة، ولقد رأينا مثالًا على ذلك في ليلة الانقلاب الفاشل في 15 يوليو/تموز 2016.
في الواقع، لدينا أمثلة لا حصر لها أيضًا من حملات المساعدة العظيمة للشعب التركي في الحروب والكوارث التي تحدث في الخارج من وقت لآخر. في الماضي، سجلت تعبئة أو حشد المساعدات الإنسانية للبوسنة وفلسطين والصومال واليمن وباكستان وكشمير، ومؤخرًا سوريا؛ والأتراك، شعبا ودولة، يعدون أكبر مقدمي المساعدات الإنسانية في العالم في الآونة الأخيرة.
قبل الزلزال الأخير، تعرضت تركيا للعديد من الكوارث مثل الزلازل والفيضانات والحرائق خلال 20 عامًا الماضية، واكتسبت تجربة استثنائية في كل هذه الأحداث. لكن حجم الزلزال الذي نواجهه اليوم لا يمكن مقارنته بما حدث من قبل حتى الآن. وعلى الرغم من ذلك، فإن التجارب التي قدمتها إدارة الكوارث قد نجحت بشكل جيد في مواجهة هذا الزلزال.
استدعى حجم وشدة وانتشار الزلزال، الذي ضرب 10 ولايات وجميع المدن فيها، التدخل في عشرات الآلاف من النقاط أو المواقع في الوقت نفسه. لذلك؛ لم يكن من الممكن التدخل في كل هذه النقاط مرة واحدة، ومن الواضح أنه كان من المحتم أن يكون هناك بعض العثرات في هذا الموضوع في البداية. ومع ذلك، فإن أحد أسباب هذه العثرات هو وجود عاصفة ثلجية ومطرية شديدة في معظم أنحاء تركيا يوم وقوع الزلزال، وخاصة على الطرق المؤدية إلى منطقة الزلزال.
علاوة على ذلك، ومع إغلاق بعض الطرق المتصلة بمناطق الزلزال، حدثت بعض العقبات في إيصال المساعدات في اللحظة الأولى. ولكن لم تكن العقبات مرتبطة بغياب أعمال الإغاثة، بل متصلة بالبحث عن وسيلة للتنظيم في ظل الظروف المناخية السيئة وحجم الكارثة. ففي وقت قصير، تم تنظيم جميع المساعدات تحت هيئة إدارة الكوارث والطوارئ (أفاد)، وظهرت أكبر منظمة تدخلٍ وإنقاذ ومساعدة ضد أكبر كارثة في تاريخ تركيا.
منذ الساعات الأولى، تفرق جميع الوزراء في الولايات العشر المنكوبة، وتولوا تنظيم إدارة الكوارث، وهكذا جعلوا المواطنين يشعرون أن الدولة بجانبهم. وقد قاد الرئيس أردوغان جميع أعماله من مركز إدارة الكوارث والطوارئ في أنقرة في اليوم الأول، ومن اليوم الثالث زار منطقة الكارثة بأكملها لمدة 5 أيام متتالية، بزيارة مدينتين كل يوم. والتقى أردوغان، مع زوجته السيدة أمينة التي رافقته خلال زياراته، بأسر ضحايا الكارثة على انفراد، وقدّم واجب العزاء والمواساة لهم.
وبحسب البيانات اليوميّة الصادرة عن إدارة الكوارث والطوارئ، يعمل في الميدان حوالي 35 ألف عنصر بحث وإنقاذ، وقد تم تعيين 35 واليًا أو محافظا و133 إداريًّا محليا و19 من كبار المديرين في رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ و68 مدير مقاطعة. ويشارك ما يقرب من 250 ألفا من موظفي الخدمة المدنية، بمن فيهم القادمون من 71 محافظة أخرى في تركيا، في الأعمال الإغاثية في منطقة الزلزال.
بالإضافة إلى ذلك؛ تم توجيه 12 ألفا و235 آلية حفر، و76 طائرة، و121 مروحيّة، و26 سفينة، و45 طائرة من دون طيار إلى منطقة الزلزال. وتم أيضًا توفير 320 مطبخا متنقلا تابعا لمؤسسات مختلفة توزع بشكل يومي الوجبات الساخنة في المنطقة؛ حيث يوزع الهلال الأحمر وحده 20 مليون وجبة من الطعام الساخن، وقد بلغ عدد الخبز الموزع 22 مليون رغيف، وقوارير مياه الشرب 15.5 مليون قارورة.
وبالنسبة للقوات المسلحة التركية، فإنها تعمل بالفعل في منطقة الزلزال بقوام قدره 25 ألفا و67 عنصرا، حيث تم إرسال 9780 خبيرا و625 طنا من المواد إلى النقاط المعنية عن طريق 707 طلعات جوية من 63 طائرة حتى الآن.
لا شك في أن إدارة الكوارث هذه تقوم الآن بعمل ناجح للغاية، لكنها في الوقت نفسه لا يمكنها أن تكون كافية لإرجاع من فقدوا أرواحهم، وهذا هو الجانب السيئ من الكارثة. ومع ذلك؛ فإن على رأس أولويات الدولة أن تجعل مواطنيها يشعرون أنها تقف معهم في هذه الكارثة، وأنها ستكون دائما بجانبهم وفي خدمتهم.
أما بالنسبة للمعارضة في تركيا فإنها تريد تحميل الحكومة مسؤولية هذه الكارثة. بالطبع، لا أحد يمكن أن يكون سبب الزلزال، لكن الادعاء بعدم اتخاذ أي إجراءات ضد الزلزال المتوقع هو أهم بيان تتمسك به المعارضة الآن. وهناك دائما انتقادات يمكن طرحها من ذلك أنها لم تصل إلى كل النقاط على الفور منذ الدقائق الأولى. ولكن لا يمكن أن تكون هناك دولة ومنظمة في العالم يمكنها التدخل في الوقت نفسه في المناطق المتعددة لهذه الكارثة.
هناك انتقاد آخر يستند إلى الادعاء بأن جزءًا كبيرًا من المباني المدمرة تم بناؤه خلال الـ20 عامًا -أي خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية- ولم يتم بناؤه وفقًا لأنظمة الزلزال، أو لم تفحصه الحكومة. للأسف، فإن هذا الادعاء منتشر على نطاق واسع خارجيًّا، وأولئك الغاضبون من أردوغان يتمسكون بهذا الادعاء كما لو أنهم وجدوا أمرا يحاصره. ويمكن دحض هذا الادعاء فور الفحص الأول للمباني المدمرة.
فقد اتضح أن ما يقرب من 98% من المباني المدمرة تم بناؤها قبل عام 1999. بالإضافة إلى ذلك؛ من المعروف الآن أن مباني الهيئة العامة للإسكان الحكومية (توكي)، والتي عددها حوالي 150 ألف مبنى في هذه المناطق والتي تم بناؤها خلال فترة حزب العدالة والتنمية، لم تتضرر مطلقا.
ومع ذلك، فإن الزلزال بالنسبة لتركيا لم يدمر الأشياء فقط، بل ربما قدّم أيضًا فرصة لإعادة بناء بعض الأشياء فيها. وفي الواقع؛ كل الزلازل توفر مثل هذه الفرص، على الرغم من كل أبعادها الكارثية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق