حوار مع د. خليل العناني حول تجربة الحركات الإسلامية في الحكم في العالم العربي
ضيفنا في هذه المناسبة هو الدكتور خليل العناني أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية. د. العناني هو أستاذ مشارك في برنامج العلوم السياسية والعلاقات الدولية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، وزميل أول في المركز العربي بواشنطن دي سي.
قام بالتدريس في عدد من الجامعات الأمريكية والأوروبية مثل جامعة جورجتاون، وجامعة جونز هوبكنز، وجامعة جورج واشنطن، وجامعة جورج ماسون، وجامعة دورهام بالمملكة المتحدة. وعمل بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، وعمل كباحث زائر في معهد بروكينغز للأبحاث في واشنطن، وكباحث بقسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة دورهام.
ألف الدكتور العناني عدة كتب باللغتين العربية والإنجليزية منها: “الإخوان المسلمون: تفاعلات الدين والهوية والسياسية” عن دار نشر جامعة أكسفورد (2016)،
وكتاب “الانتخابات والتحول الديمقراطي في الشرق الأوسط” عن دار بالجراف ماكميلان (Palgrave Macmillan) 2014، وكتاب “الإخوان المسلمون في مصر: شيخوخة تصارع الزمن” عن مكتبة الشروق الدولية بمصر (2007).
نود في البداية أن نوجه التحية والشكر للدكتور خليل العناني. على قبوله التواصل مع قراء “أواصر للفكر والثقافة والحوار”.
***
د.خليل من وجهة نظركم .. ما هي أهم الأخطاء التي ارتكبتها الحركات والأحزاب الإسلامية من موقع السلطة في العالم العربي خلال العقد المنصرم؟لا يمكن التعميم فيما يخص تقييم تجربة الحركات والأحزاب الإسلامية في العالم العربي. فكل حالة لها ظروفها وسياقاتها وملابساتها الخاصة. فما يواجهه إسلاميو مصر مختلف عما يواجه أقرانهم في المغرب وتونس وهكذا. لكن بوجه عام يمكن القول إن هناك ثلاثة مساحات مهمة كانت بحاجة لمزيد من الفهم والخبرة من طرف الإسلاميين: أولها تتعلق بكيفية تدبير الشأن العام خاصة ما يتعلق بمعاش الناس وحياتهم اليومية، فشعوبنا ومجتمعاتنا العربية تعاني من مشاكل بنيوية مزمنة كالبطالة والفساد وضعف البنية التحتية ناهيك عن مشاكل التعليم والصحة والخدمات الأساسية؛ ثانيها، يتعلق بالقدرة على بناء شراكات وتوافقات حقيقية مع بقية الفرقاء من القوى السياسية؛ وثالثها، فهم تعقيدات الساحة الإقليمية والدولية واتباع سياسة خارجية حذرة وذكية بعيداً عن الشعارات الكبرى.
وفيما يخص تجارب الإسلاميين في السلطة، فعلى سبيل المثال لم يتمتع إسلاميو مصر بخبرة اقتصادية واجتماعية فيما يخص إدارة شؤون الدولة والحكم وذلك نتيجة لأسباب سياسية وتاريخية أهمها الإقصاء والتهميش الذي تعرضوا له على مدار عقود من الأنظمة السلطوية المختلفة التي حكمت مصر منذ انقلاب ١٩٥٢ وحتى ثورة يناير ٢٠١١. لذا عندما استلموا السلطة واجهوا تحديات وعقبات كثيرة أهمها مؤسسات الدولة العميقة وأهمها المؤسسة العسكرية التي تهيمن على البلاد والعباد منذ سبعين عاما ولا تتخيل نفسها خارج السلطة. كذلك فإن إنهاء تجربة الإخوان في الحكم لم تتم بطريقة شرعية من خلال الانتخابات ولكن من خلال انقلاب دموي أدى إلى الإطاحة بهم من السلطة في صيف عام 2013. كذلك لم يفهم الإخوان تعقيدات المشهدين الإقليمي والدولي بشكل ذكي وهو ما ساهم في تقليل مؤيديهم وداعميهم بشكل ساهم في سقوطهم أو إسقاطهم من السلطة.
أما فيما يخص تونس، فضعف الخبرة الاقتصادية وكذلك الوقوع في فخ الاستقطاب السياسي خاصة خلال السنوات الخمس الماضية لعب دوراً مهماً في إضعاف أداء حزب “حركة النهضة” في السلطة. كذلك التساهل مع بقايا نظام بن علي سواء رجال الأعمال الفاسدين أو الأعضاء السابقين في حزب التجمع الدستوري أساء لصورة النهضة في الوعي الجمعي وساهم في تعبئة الشارع ضدها وبالتالي تسهيل الانقلاب عليها في 25 جويليه 2021.
وفيما يخص تجربة حزب “العدالة والتنمية” المغربي، فالمؤسسة الملكية (المخزن) هي التي تملك مفاتيح السلطة والثروة مع مساحة محدودة للقوى السياسية بمختلف توجهاتها. ولنتذكر جميعا تجربة البلوكاج عقب الانتخابات التشريعية ٢٠١٦ حيث فرض المخزن شروطه على العدالة والتنمية بضرورة ضم حزب التجمع الوطني للأحرار ورجل الأعمال القريب من القصر عزيز أخنوش، واضطر حزب العدالة والتنمية في النهاية الرضوخ لضغوط المخزن مما دفع عبد الإله بنكيران للتنحي من رئاسة الحكومة والحزب.
صحيح أن الحزب وقع في أخطاء وأهمها عدم مكافحة الفساد بالشكل الكافي وتقنين زراعة القنب والتطبيع الشائن مع إسرائيل، ولكن هذا لا ينفي أن المخزن هو مصدر السلطات وليس الشعب المغربي.
ولا يعني ما سبق إعفاء الإسلاميين من المسؤولية عن الإخفاق في ممارسة السلطة، ولكن يجب أن يتم وضع ذلك في سياق المشهد السياسي الأوسع وذلك حتى يمكن تقييم أدائهم بشكل موضوعي.
كيف تقيمون استجابة حزب العدالة والتنمية في تركيا للتحديات المتعاقبة السياسية والاقتصادية التي واجهت تركيا منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو\ تموز عام 2016؟ وما رأيكم بشأن الانتقادات الحادة التي وجهتها أطراف غربية وبعض أطراف المعارضة التركية إلى الحزب وإلى سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال الفترة نفسها؟
التجربة التركية لها ظروفها وسياقاتها الخاصة، وهي مرتبطة بتطور الدولة القومية في تركيا منذ بدايات القرن العشرين بعد سقوط الخلافة العثمانية في مارس ١٩٢٤. وهناك فرق كبير بين عملية التحديث وتطور نشأة الدولة في تركيا مقارنة مع الحالة العربية. فعلى سبيل المثال فإن النظام السياسي التركي هو أكثر مرونة وقبولاً بالتعددية الحزبية والسياسية من الأنظمة العربية. صحيح أنه كان هناك موقف سلبي من التيارات والأحزاب الإسلامية، ووقعت انقلابات عديدة ضد حكومات يشارك فيها الإسلاميون، إلا أن آثار عملية التحديث التي قام بها أتاتورك لعبت دوراً مهما في تحقيق قدر من التنافسية داخل النظام السياسي التركي. وفيما يخص حزب العدالة والتنمية التركي فهو ليس حزباً إسلاميا بالمعني التقليدي الذي قد يتبادر إلى الذهن. وهو يختلف كثيراً عن الأحزاب الإسلامية العربية. وهو أقرب للأحزاب الأوروبية المحافظة التي لديها مرجعية قيمية وأخلاقية تستند إلى مبادئ دينية عامة. فمثلاً ولاء الحزب هو للدولة القومية التركية وليس لشيء آخر، كما أنه حزب يتمتع بخبرة اقتصادية وسياسية كبيرة ساعدت في نجاحه إلى حد بعيد. صحيح أن الحزب لم يعد بنفس درجة التماسك التي كان عليها قبل خروج رموز كبيرة منه مثل الرئيس السابق عبد الله جول أو رئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أوغلو، ولكنه نجح اقتصاديا واجتماعيا وكذلك في السياسة الخارجية. مأزق الحزب حاليا يكمن في موضوع خلافة أردوغان، حيث لا يبدو أن هناك من بإمكانه أن يملأ فراغه بعد رحيله وهو ما سوف يضع الحزب في ورطة كبيرة. ولربما ينقسم الحزب إلى حزبين أو أكثر إذا خسر في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة.
على المستوى النظري، هل ترون دكتور خليل في أطروحة د. وائل حلاق عن “الدولة المستحيلة” واستعصاء مواءمة وتركيب النظام السياسي والفقهي الإسلامي في بنية أو هيكل الدولة الحديثة، علاقة بشكل أو بآخر بالإشكالات التي واجهتها الأحزاب الإسلامية في موقع السلطة العالم العربي في السنوات الماضية؟
للأسف أساء كثيرون فهم أطروحة وائل حلاق الخاصة بالدولة المستحيلة، وتم تسييس الموضوع وفي بعض الأحيان تطييفه وذلك دون الاشتباك المعرفي والموضوعي الجاد معها. ولكن باختصار فإن أطروحة حلاق تقوم على أنه من المستحيل إقامة دولة إسلامية بالمعني الكلاسيكي نتيجة لانتفاء الشرط التاريخي لذلك، وعدم ملاءمة الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لها.
فدولة الخلافة أو الدولة السلطانية كانت تجربة تاريخية لها ظروفها وملابساتها التي من الصعب استنساخها مرة أخرى بنفس الشكل والطريقة. أما فيما يخص علاقة ذلك بالدولة الحديثة، فالعبرة هنا ليست بالشكل أو البنية بقدر ما هي بمنظومة القيم الأخلاقية والإنسانية التي يقوم عليها نموذج هذه الدولة. فحتى الآن لا توجد لدينا دولة عربية حديثة بالمعني الحقيقي وإنما لدينا محاولات لإنشاء هذه الدولة. وهو ما رأيناه على مدار القرن الماضي حيث كانت لدينا محاولات لإنشاء دولة حديثة ولكنها جميعها محاولات فاشلة.
ولعل أحد أهم أسباب فشل مشروع بناء الدولة العربية الحديثة يكمن في إقصاء المجتمعات والشعوب العربية عن عملية بناء هذه الدولة، وبالتالي غياب أي عقد اجتماعي يربط بين هذه الدولة ومجتمعها. فالدولة العربية لم تأت نتيجة لتعاقد بين الطرفين، وإنما تم فرضها من أعلى من خلال نخب حداثية فوقية وذلك دون اعتبار لرغبات الشعوب العربية وقيمها وهويتها.
ولذلك فالدولة العربية الحالية هي دولة قاهرة ومتغلبة لا تتمتع بأي شرعية حقيقية لأنها لا تمثل مجتمعاتها وإنما دخيلة عليهم. ولذلك فإن انتفاضات الربيع العربي كانت محاولة أولى لتغيير العقد القهري بين الدولة والمجتمع واستبداله بعقد قائم على الرضا والكفاءة والشرعية ولذلك تمت محاربتها وإجهاضها. ليس بالضرورة أن تكون الحركات الإسلامية هي المسؤولة عن إنشاء الدولة العربية المنشودة. فالعبرة هنا بالقيم وأهمها قيم الحرية والعدالة والمواطنة والتعددية والتسامح وهي قيم تقع في قلب حضارتنا وهويتنا العربية والإسلامية وليست بغريبة عنها.
– كيف تقرؤون د. خليل اللحظة السياسية العربية اليوم، وإلى أين هي ذاهبة بعد مرور أكثر من عشر سنوات على اندلاع ثورات الربيع العربي؟
اللحظة العربية الراهنة هي لحظة الفشل الذريع للعلاقة بين الدولة العربية ومواطنيها. فالدولة العربية هي دولة فاشلة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وفي نفس الوقت تمارس كافة أنواع القمع والقهر والعنف ضد مواطنيها من أجل ضمان بقاء الوضع كما هو عليه. الدولة العربية دخلت في معادلة صفرية مع مجتمعها ومواطنيها وفق منطق: إما نحن أو أنتم، فهي دولة تريد أن تأخذ ولا تعطي. وهو منطق من المستحيل بقاؤه في ظل ارتفاع الوعي بين مختلف الشرائح العربية. ولذلك أعتقد أن العالم العربي حالياً هو أشبه ببرميل بارود يغلي وسوف ينفجر في وجوه الجميع بطريقة أسوأ بكثير مما حدث مع ثورات الربيع العربي ٢٠١١.
- أخيرًا، هل للإسلاميين دور سياسي في المستقبل في عالمنا العربي؟
سيظل للإسلاميين حضور ما دام هناك طلب على الدين في مجتمعاتنا. فالحركات الإسلامية ليست مجرد أحزاب أو حركات اجتماعية ولكنها تعكس طلبا على الهوية الإسلامية التي هي مكون أصيل في المجتمعات العربية. كذلك فإن القمع والإقصاء يلعب دوراً مهما في زيادة شعبية الإسلاميين الذين يتم تقديمهم باعتبارهم ضحايا.
ولكن بوجه عام فإن تجربة العقد الماضي تشير إلى حاجة الإسلاميين إلى تغيير وتطوير خطابهم وسياساتهم وممارساتهم بشكل يجعلهم أكثر التحاما بمطالب شعوبهم واحتياجاتهم. فلم تعد الشعارات الدينية كافية لتعبئة الناس وضمان تأييدهم وإنما يجب أن يكون هناك فهم لمشاكل الناس وتقديم حلول عملية لها بعيداً عن الشعارات.
وبوجه عام، فإن الأنظمة العربية الحالية لن تسمح للإسلاميين بالعودة للسلطة مرة أخرى، وذلك بسبب الحرب التي يشنها محور الثورة المضادة الذي تقوده بعض دول المنطقة مثل الإمارات والسعودية ومصر وإسرائيل والتي تنفق أموالا باهظة من أجل محاربة الإسلاميين حتى وإن أدى ذلك إلى تدمير الدول والمجتمعات. ولذلك فإن التحدي الذي يواجه الشعوب العربية هو إما أن تكون مع الديمقراطية وقيمها كالحرية والعدالة والمواطنة…إلخ أو ضدها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق