هَلُمّ إلينا، فالسّاحة والميادين والثغور أغلبها شاغرٌ ولن تجدوا إلا الترحاب والفرح بكم!
حربُ غزّة.. وترتيبُ سُلّمِ القيم والرموز وقادة الرأي
إنّ المطالبين المقاومةَ بتجديد خطابها؛ لتَتخلّى عن كثير من مصطلحاتها المرتبطة بالعقيدة، والشريعة بذريعة أن قضيتهم صارت قضية عالمية حتى لا تفقد الزخمَ؛ هُم، في واقع الأمر (سفلةٌ)، ومطالبتهم بهذا التّخلي إنّما حَاصلٌ لإدراكهم ببوار مصادر تكَسّبهم، وتخطيهم، وانزواء الضوء عنهم، وتخلُّفهم في مؤخرة الصفوف بعد أن كانوا في مقدمة نخبة المجتمعات ورموزه، وصانعي قِيمه ومحددات علاقاته.
أمّا مَنْ يُحدّدون الصواب والخطأ (وهي مصادر التشريع والتجريم والإثابة)، وينتظر الناس خطابتهم فليس لهم الاحتفاظ بهذه المكانة والرمزية مستقبلاً إلا بتبني العقيدة ومقتضياتها ولوازمها قولًا وعملًا لاحتفاظهم بمكانتهم. فلقد استدار الزمان، وكما وضع النبي -عليه الصلاة والسلام- الربا، ودماء الجاهلية تحت قدمه فخطابكم المزعوم باسم الإنسانيّة كذبٌ وزورٌ وتزييفٌ؛ وقد وضعته المقاومة تحت قدمها، وأظهرت الحربُ الأخيرة عطشها لخطاب المُلثّم المفعَّم بمصطلحات تعبر عن العزة والكرامة، وأنه منتج عقدي قُحّ، وليس من بين خطاباتكم ما يبعث ما تبعثه العقيدة في النفوس، فتحرّك الساكنَ وتستخرج الكامنَ، وتمدّ اليد للضعيف وتحنو عليه فتقويه، وتزيد القويَّ قوةً، وتستخرج الخير من النفوس، وتكبت شياطينهم من الإنس والجن.
فما جعل قضية فلسطين قضية عالمية إلا التمسك بالعقيدة والانطلاق منها؛ فالجهاد في عقيدتنا وسيلةٌ للدعوة والسلام والأمن لكل الناس باختلاف أجناسهم وألوانهم ومِلَلِهم؛ وليس غايةً في ذاته، فضلًا عن الدفاع عن العرض والأرض وتعبيرٍ عن هُوية الأمة.
ولعل التربية العملية المصحوبة بالأمثلة الواقعية هي أحد أهم وأخطر الطرق الناجعة في التربية للنشء، وأهمُّ طريقة ناجعة للبحث العلمي والطبي، وإظهار رحمة الإسلام الذي غابت من حياة البشرية في معاملة الآخر، وتحمّل مسؤولياته بينهم والتي هي مادة تماسك المجتمعات وتحليها بالقيم الفاضلة.
فما في وحل رفح ومخاضتها من البرك (والتي تلف خيم المهجرين من قيم إنسانية) تسري بين سكانها بعد الشتاء القارص والبرد الغير مطاق للرضع والاطفال والنساء والرجال المجردين مما يدفئهم من لباس لا تجده في المدن الفاضلة التي كتب عنها أفلاطون.
فتلك قيم من عقيدتهم التي يدفعون ثمن التمسك بها فأسرت قلوب الشعوب في العالم كله شرقه وغربه؛ ويتساءلون مَن هؤلاء؟ وما عقيدتهم وقيمهم التي جعلت هؤلاء يهزمون كل تلك المعاناة والصعاب ويصبرون عليها؟
فالجواب هو العقيدة التي حذفتموها من كل أجنداتكم لقرن كامل، وأردتم استنساخ مجتمعاتنا مِن بشرٍ وحجرٍ وعمارةٍ وتربيةٍ كصورة من أسوأ نماذج الغرب والشرق.
واخيرًا، هلم إلينا، لتحتفظوا بمكانتكم ورمزيّتكم وإلا فالمستقبل سيتجاوزكم، ويَطوى صفحاتِكم، ويندرس ذكركم؛ فالقادم لن يتقدم فيه إلا مَنْ بذل لله، وليس للعلو في الأرض بغير الحق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق