مشهد خطير وفارق ومفصلي
هل رأيتم جنازة الجندي الإسرائيلي العربي المسلم؟! ذلك الذي قُتِل في غزة..
هل رأيتم صورته وهو في المسجد، ثم صورته بثياب الجندية تحت العلم الإسرائيلي؟!
هل رأيتم جثمانه، وهو يُصلَّى عليه، ويُدعى له بدخول الجنة؟! وتقرأ له الفاتحة؟!
هذا المشهد مشهد ممتاز وخطير وفارق ومفصلي لكل مسلم على وجه الأرض! ويجب أن تتأمل فيه جيدا!!
هذا مشهد يخبرك كيف هو الفارق بين شعار الإسلام الذي جاء به محمد ﷺ «لا إله إلا الله»، وبين شعار الدين الذي جاءت به العلمانية: «لا إله إلا الدولة».
دين العلمانية هذا يعتنقه الكثير من المسلمين وهم لا يشعرون!
لذلك لا يشعر الكثيرون بمعنى «لا إله إلا الله» في باب السياسة والاجتماع والاقتصاد وسائر أمور الحياة العامة.
إذا كنت ترى الدين (الإسلام) مجرد علاقة شخصية بين الإنسان وربه.. فهذا الجندي الإسرائيلي هو شهيد بكل المعاني، لأنه قُتِل في جيش دولته، وهو يؤدي مهمته المكلف بها من قبل رؤسائه!
إذا كنت ترى أن الإسلام هي الصورة التي يقدمها المداخلة والجامية والصوفية المطيعة، فهذا الجندي الإسرائيلي شهيد بكل المعاني، لأنه قتل في عمل كان يطيع فيه وليّ الأمر!
أزيدك من الشعر بيتا: هذا الجندي الإسرائيلي لو قُتِل وهو يهدم بنفسه المسجد الأقصى، فهو -وفق هذا المنطق العلماني أو المدخلي أو الصوفي الخرافي- شهيدٌ أيضا.. ينبغي أن يدخل الجنة!
لن أطيل في هذا الكلام لأن الأمر واضح لنا جدا.. إنما أريده مدخلا للكلام الخطير الذي لا يقال والذي يتعلق بنا نحن في بلادنا.
لو كنت تؤمن بأن الإسلام حقا، كما أنزله الله، كما جاء به محمد ﷺ، فستعرف حتما أن الدين فوق الدولة، وأن الدولة خاضعة للدين، وأن المسلم مكلف بألا يطيع أحدا إذا أمره بمعصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الله.
وهنا سندخل إلى المحنة الحقيقية والكاشفة: إن خدمة هذا الجندي الإسرائيلي في جيش الصهاينة لقتل أهل غزة.. هي نفسها قد تكون كالخدمة في جيش مصر أو السعودية أو الإمارات أو سوريا أو حفتر أو في أجهزة أمن السلطة الفلسطينية!!
ما الفارق بين أن تقتل غزاويا بالنار؟ أو أن تقتله بالحصار؟!!
إذا كنت ترى أن الجندي مكلف بطاعة رؤسائه طاعة مطلقة، فتقبل أن يكون الجندي الإسرائيلي شهيدا لكي تتقبل معه أن يكون الجندي المصري معذورا!!
فإذا لم تتقبل أن يكون الإسرائيلي شهيدا، وتراه مجرما.. فلماذا لا ترى أن الجندي المصري الذي ينفذ سياسات القتل مجرما كذلك، مرتكبا لجريمة تدور بين الكفر وبين الكبيرة كذلك!!
ثم لماذا يتعلق الأمر بأهل غزة وفلسطين وحدهم.. لماذا يكون القاتل الذي قتل مسلما في رابعة العدوية أو في مسجد الفتح أو في حمص أو في حلب أو في بنغازي أو في درنة أو في تعز أو في صنعاء أو في الحديدة…. إلخ! لماذا لا يكون كذلك؟!
هل حرمة المسلم في غزة وحرمة المسجد في غزة تختلف عن حرمة المسلم والمسجد في مصر أو الشام أو ليبيا أو اليمن؟!!
صدقني.. إن نموذج هذا الجندي الإسرائيلي هو نموذج واضح وكاشف وخطير يجب أن تتوقف أمامه لتتأمل:
– إذا كان الدين فوق الدولة، فأكثر الأنظمة الحاكمة الآن هي كنظام الصهاينة، وأكثر العاملين في أجهزتهم يقترفون منكرا كبيرا وجريمة خطيرة، وبعضهم لا شك يقترف كفرا بواحا.. كهذا الذي يحرص على حصار غزة أو على تعذيب الناس أو على التمكين للأعداء في بلادنا.
– وأما إذا كانت الدولة فوق الدين، فيجب أن تعتبر هذا الجندي الإسرائيلي شهيدا ترجو له الجنة، فقد كان يؤدي واجبه، مثلما يؤدي كل جندي في أجهزة الجيش وأمن الدولة والمخابرات والإعلام واجبهم، من وجهة نظر رؤسائهم، مهما كان هذا الواجب لا أخلاقيا ولا إنسانيا.. ومهما كان محرما بميزان الدين.. وتلك هي حقيقة العلمانية، وحقيقة الوطنية، وإن كنت لم تشعر بذلك ولم تفكر فيه من قبل.
عند بداية الحرب نشر توماس فريدمان مقالا طويلا عن المجهود الذي يقوم به المواطنون “المسلمون” في إسرائيل، لكنه كان مقالا طويلا والفكرة فيه تحتاج إلى تفصيل فلم أشأ أن أعلق عليه، لكن هذه الحادثة لهذا الجندي الإسرائيلي كانت مباشرة وقوية وساطعة بما لا يحتاج الأمر معه إلى كثير تفصيل.
لكنك إذا قرأت هذا المقال المذكور ستعرف بجلاء ووضوح معنى النهي عن الإقامة في ديار المشركين، ومعنى أن الدين يضيع ويزول مع طول الأمد وغلبة الكافرين على المسلم.. وهو ما يحدث بالفعل في الأجيال التالية في أوروبا وأمريكا.
لقد نشأ في إسرائيل قوم ممن ينتسبون إلى المسلمين يتعاملون معها باعتبارها وطنا، يجاهدون في سبيلها، ويموتون في سبيلها، ويرون أن مصلحتهم مرتبطة بوجودها وبقائها وقوتها.. ولقد كان هذا المذكور واحدا منهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق