السبت، 24 أغسطس 2024

مفـاوضـــات وســــط المــجــــزرة

 مفـاوضـــات وســــط المــجــــزرة

محمد هنيد

الصادم في سياق الأحداث المأساوية التي عرفتها غزة أن الاحتلال لم يتوقف عن المراوغة وعن استغلال السياق واللعب بورقة المفاوضات من أجل ربح الوقت ومواصلة المذبحة. 

آخر جولة من هذه المفاوضات كشفت سعي المحتل الصهيوني إلى إفشال كل الجهود الرامية إلى هدنة حقيقية تحقن دماء الفلسطينيين.

دفعت الدوحة بكل طاقمها الدبلوماسي ب ومنذ الأسابيع الأولى للحرب من أجل تفادي حمام الدم ونجحت في إبرام صفقة الأسرى الأولى والتي ظنها كثيرون مؤشرا لبداية الهدنة. لكن الصهاينة كانت لهم خطط أخرى تتمثل في مواصلة المجزرة وفي محو القطاع من الخريطة بمباركة أميركية علنية وسرية.

كانت حكومة نتانياهو عازمة منذ البداية على إبادة غزة وإرسال رسالة دامية إلى كل من تسوّل له نفسه مقاومة الاحتلال أو دعم المقاومة لكنها قبلت بفكرة المفاوضات وهي اللعبة التي تجيدها منذ احتلال فلسطين والتي حققت عبرها مكاسب كبيرة. 

في هذه الحالة الراهنة دخلت حكومة الاحتلال المفاوضات لكي تحقق جملة من الأهداف.

أولها طمأنة الداخل الاسرائيلي بأن الحكومة تهتم لأمر الرهائن وأنها جادة في إطلاق سراحهم لتخفيف الضغط على الحكومة وامتصاص غضب الشارع في حين أن الحكومة لا تهتم لأمن الرهائن إلا بما هم ورقة للضغط والمفاوضات وتبرير المجزرة. وهو الأمر الذي يؤكده تطبيق الجيش لمبدأ «هانيبال» من خلال تعمده قتل الأسرى حتى لا يقعوا رهائن في يد المقاومة.

أما الهدف الثاني فيتمثل في إيهام المجتمع الدولي بأن حكومة الاحتلال دولة تتعامل بدبلوماسية وقابلة للتفاوض والحلول السلمية في حين أن إسرائيل كيان إجرامي محتل لا يعرف غير لغة القوة والقتل كما رأينا ذلك منذ سنة تقريبا. إسرائيل ليست دولة بل مجموعة مستوطنات وقواعد عسكرية لا تحترم القرارات الدولية ولا تلتزم بالمواثيق والأعراف.

يتمثل الهدف الثالث في استعمال المفاوضات لقياس ردود الأفعال العربية والدولية من جهة وللتغطية على المجازر بالمفاوضات ففي كل مرة تصل فيها الأطراف المفاوضة إلى شبه اتفاق مبدئي يقوم الجيش الصهيوني بالتصعيد عبر مجزرة جديدة. وهو ما يؤكد أنه لا يرغب في المفاوضات وإنما يذهب إليها بضغط أميركي ليتفادى الوكيل إحراج كفيله.

لا شك أن الحكومة الصهيونية لم تقدم على كل هذه المذابح دون غطاء دولي وموافقة أميركية أطلسية لكنها في الوقت نفسه عرّت كل الأقنعة التي كانت تستر مشروعها الاستيطاني. وهو ما يمثل طورا جديدا من أطوار الصراع العربي الصهيوني والذي لن يكون كالأطوار السابقة.

hnidmohamed@gmail.com -

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق