الأحد، 25 أغسطس 2024

من أي صنف أنت؟

 من أي صنف أنت؟


د.ليلي حمدان
كاتبة وباحثة في قضايا الأمة
من يتأمل في واقع المسلمين اليوم يلاحظ كيف ترتفع الآمال كثيرا جدا مع كل تجربة تحرر بغض النظر عن تفاصيلها واختلافاتها وقصور فيها، ليعكس هذا الارتفاع حجم الإحباط الذي تفشى بين الناس من وطأة الهيمنة والاحتلال حتى يتعلق الناس بأي أمل مهما كان غير واضح أو أكيد، ثم ما تلبث أن تتحطم الآمال أو تهدأ لشدة طغيان الكافر المحارب واتساع تكلفة الدماء. والناس في النوازل أصناف:
الاول:صنف قد عضه الواقع الأليم ولكنه حالم جدا عند أول موجة ارتفاع، لدرجة أنه يطوّع كل أعناق المعطيات لصالح تصوير مشهد الفتح المبين واقعا الآن ولا بد، ولا يجد حرجا في مخالفة الحقائق حين تعانده ليخرج بالرواية الحالمة التي يحب ويتمنى، وتتسارع لديه القراءات فيعيش أحاديث آخر الزمان في التمكين كأن موعدها اللحظة الراهنة. ومثله يصعب جدا أن يتعقل حتى لو كانت المعطيات صادمة لهواه، سيبحث عن مبررات هنا أو هناك وقد يصل لحد الفجور والعدوان على من يخالفه. والثاني:صنف يائس بطبعه لم يعد يرى أملا في واقعه، ينظر للمشاهد بنظرة ريبة، حتى لو كان أمامه نصر محقق أو غنائم تُعد وتحصى، قد أصابته فوبيا العدوان، وعلم أن المعطيات دائما في كفة المؤامرة والغلبة للكافر المحارب لقوته وجبروته، قد تعايش مع هذه الفكرة المنهزمة واستسلم لها فيصعب أن تستل منه بصيص أمل ولا أثر عمل ولا حتى ذرة إنفاق لتخفيف كرب أو دفع أذى! والثالث:صنف، متأهب ومتريث، ينظر بعيدا في الأفق، يعلم أن التدافع ماضٍ والصراع تطول فصوله والتجارب تتوالى، والتكلفة مثخنة لأن ثمن الاستضعاف موجع لطول مدته واستمرار الوهن. وهو صنف أكثر واقعية يتعامل مع المعطيات بجدية، فيبني وفقها أحكامه، لا يخدع نفسه قد أدبه رصيد التجارب الماضية، ويساعده في ذلك أنه متقبل للنتائج كما هي مهما كانت سيئة دون تحريف أو مبالغة، فيمكنه التعامل مع الأزمات والتأثير في المشاهد بإحسان وبذل. لا تهزمه الهزائم ولا الإحباطات قد علم أن النتائج في نهاية خط السباق نصر أو شهادة وأن العمل هو الفريضة وإن لم يشهد نتائجه. والرابع:صنف يشاهد وكفى، ليس له إلا المشاهدة لا يشعر أنه معني بالأمر، ويسهل عليه جمع المبررات. وقد يتجاوز مرحلة المشاهدة إلى التعليق أو النقد بدون أثر على الواقع. قد تكون هناك أصناف أخرى لكنها أقل بروزا من الأربع التي نرصد بشكل مستمر عند كل تجربة تحرر أيا كانت، سترافقها اصوات مناصرة يصاب بعضها بتعصب مزمن، وأخرى مخونة قد تتحول لعدو مرجف، وثالثة واقعية تنصف باجتهاد، ورابعة لا أثر لها ولا وقع! جميع الأصناف لا تقدم شيئا في واقع الصراع سوى الصنف الثالث لأنه ما تحتاج له الأمة حقا بعد كم التجارب المثخنة، فالعاقل يربي نفسه على الابتعاد عن التهويل والتهوين، ويسعى لتحصيل الإحاطة الأوسع والأوفى لما يجري فيتحصن من الصدمات ويستعد لما هو آت بلا وهن ولا ضعف ولا استكانة. ويصنع ذلك التربية على الصدق والشجاعة والكرم.
فالله الله في ترسيخ هذه المفاهيم في الأجيال، لتكون صادقة في حمل الرسالة، شجاعة في تحمل تكاليفها، وكريمة في جبر النقص والضعف بلا منّ ولا أذى. ولله الأمر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق