الأحد، 25 أغسطس 2024

من الفتوحات إلى التفكك: دروس التاريخ للحاضر العربي

من الفتوحات إلى التفكك: دروس التاريخ للحاضر العربي



بقلم: أدهم أبو سلمية


كثيرون لم يعجبهم مصطلح “الفتوحات الإسلامية”، وكان المتصيد يقذف فتوحات المسلمين بتهم الاستعمار ونهب الثروات. والحقيقة أن تلك الفتوحات انطلقت لخير الناس متسلحة بقيم الإنسانية والرحمة والعدل ورعاية خلق الله، ولم تكن سوى ردة فعل دفاعية وطبيعية ضد الاضطهاد الذي كان يمارسه الفرس والرومان في مناطق العرب والمسلمين.

واليوم، بقراءة التاريخ ومقاربته مع الواقع، نعرف أن تلك الفتوحات وتلك الراية كانت الخلاص للشعوب وضمانتها، وحصنها المنيع ضد أطماع الإمبراطوريات التي لا يحكمها شرف ولا قيم.

لقد كانت حضارة عابرة للجغرافيا والأعراق ولكل ما يقسّم الشعوب، وخصوصًا في هذه المنطقة- الشرق الأوسط-، حيث رأينا الأوزبكستاني ابن سينا طبيبًا للأمة، وابن خلدون المغاربي يؤرخ لحضارات قلب العرب، والبخاري ومسلم من أواسط آسيا، والرازي من إيران، وغيرهم ممن كانوا رموزًا لوحدة الأمة في عصورها الزاهرة.. 
هذه الشخصيات لم تكن نتاج دولة قومية واحدة، بل كانت نتاج أمة متحدة.
وفي هذا الصدد، يقول المستشرق الأمريكي مارشال هودجسون:
“لقد أظهر المسلمون من خلال حضارتهم القدرة على جمع الشعوب المختلفة تحت راية واحدة، ما أدى إلى نهضة      علمية وثقافية غير مسبوقة”.                                    

واليوم، بعد قرن ونصف من انقطاع تدفق الماضي نحو حاضرنا كأمة إسلامية، أما آن الأوان لوقفة مصارحة ومكاشفة؟! 
ألم يحن الوقت لنستفيد من دروس الأمس، لنتحد قولًا وعملًا هذه المرة؟ لندرك أن النجاة الفردية لا تلبّي تطلعاتنا بالحد الأدنى من الحياة الكريمة والحرّة؟ 
فمنطقتنا تحتاج أن تشفى من جلسات غسيل الأدمغة، وعلينا أن ندرك أنّ الجميع في عُرف الظالمين، بكل أعراقنا ومذاهبنا وطرائقنا، ليس لنا حق في الحياة، وأن كل ما يصنّفنا هو اختلاف لا يُرى إلا في عين وعينا المغيّب وأذهاننا المستعمَرة.

أما آن لنا أن نسأل: ما الخير الذي أتى على الشام حين قُسمت إلى سوريا وفلسطين والأردن ولبنان؟ بل إن تقسيم المنطقة عبر اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 كان بداية لتفتيت كل الأمة الإسلامية والعربية.. هذا التقسيم مهد الطريق لوعود بلفور، وإقامة دولة إسرائيل في قلب العالم العربي.

أما آن لنا أن نعي بأننا نعيش ارتدادات قبولنا بغزو العراق؟ لماذا تركنا بغداد تسقط وفشلنا في امتحان وحدتنا؟ لماذا تركنا الشام تُذبح؟ لماذا تغرق ليبيا بدمائها؟ السودان سلة العالم كيف قبلنا أن تقسم وتجوع؟ اليمن كيف يُضرب ونصمت؟ لبنان كيف يُهدد؟ فلسطين كيف قبلنا أن تُحتل؟ غزة كيف قبلنا أن تُباد؟ ضجيج المتفجرات هناك ألم يكن كافياً لتستفيق هذه الأمة من غفلتها، لتعرف أن الخطر قادم إليها لا محالة؟ ثم كيف قبلنا أن يصفق هذا العالم فوق خيبتنا؟ لماذا نحن أمة بلا منبر، بلا كلمة، بلا موقف، بلا قائد، بلا جيش، بلا راية.. راية جامعة؟..

أما آن لنا أن نقول:
لا لحراك التطبيع ومحاولة جرّ المنطقة إلى القبول بهذا السرطان والتعايش معه، ولا لتضييع حقوق المظلومين والتنازل عن المقدسات من أجل النجاة الفردية التي تؤصل الفرقة بيننا؟! ويا ليتها نجاة حقيقية!. 
أليس ما يفعله الغرب مع العرب المطبعين هو شيء من مبدأ الجزية مع كثير من البلطجة؟. 
لن نحتلك، طبّع ستنال نجاتك، ولكنك ستدفع لنا بترولك ومالك وثرواتك، ولكن ليس بالنسبة التي تعرفها، سنحدد لك مصيرك بما يتناسب مع أطماعنا، ورغم ذلك لا تعتد السلم دائمًا، ربما سنشن عليك حربًا في أي وقت، إما بأيدينا أو عبر أدواتنا، لا تأمن مكرنا ونحن أول من ينقض بالعهود.

يقول الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي:
 
“إن سياسة الغرب في الشرق الأوسط      تعتمد على استراتيجية فرق تسد، لضمان  سيطرة   دائمة على الموارد والنفوذ”.     
وهكذا نحن اليوم بين محتلين ومحارَبين ومذلولين! 
أما آن لنا أن نعرف أن الانقسام هو طريق الضعف والهوان، بينما القوة الحقيقية تكمن في الوحدة والتماسك؟.

أما آن لنا أن ندرك خطر مشروع “إسرائيل الكبرى”، التهديد الوجودي لجميع دول المنطقة؟.. 
بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، قال بصراحة: 
“يجب أن نكون واضحين، حدودنا تمتد من النيل إلى الفرات”.
هذا التصريح يعكس بجلاء الطموحات التوسعية التي لا تقتصر على فلسطين فحسب، بل تمتد لتشمل مناطق واسعة من العالم العربي.

متى ستصبح وحدة أمتنا حقيقة وليست حديثًا ممزوجًا بالحنين إلى الماضي؟ متى سنعرف أنها درب النجاة الوحيد، نجاتنا الجماعية؟! متى سندرك أن مصيرنا مشترك؟ متى نتجاوز تفكيرنا القطري والفردي، ونعمل جميعاً من أجل تحقيق مستقبل مشرق لأمتنا الإسلامية ولأمتنا العربية؟





ا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق