مع مذكرات أخطر سفير إسرائيلي في مصر (1)
لديّ قناعة أن ذهاب الرئيس أنور السادات إلى خيار التسوية مع إسرائيل؛ وزيارته إلى القدس في 1977، وصولًا إلى توقيع اتفاقات كامب ديفيد في 1979، ذلك من أسباب كل ما كان بعده من عربدة إسرائيلية في المنطقة، واستفرادها بكل طرف عربي.
وفي خضم المحرقة القائمة في قطاع غزة، نتوقّف عند الدور المصري، وإمعان إسرائيل في جرائمها دون حسيب أو رقيب.
موشيه ساسون (1925-2006)، السفير الثاني لإسرائيل في القاهرة، ولسنا أمام مذكرات كاملة، كالتي تتناول عادة سيرة الشخص منذ ولادته، وحتى الحديث عن تاريخ عائلته؛ بل أمام سبع سنين تقصّد الرجل الحديث عنها، باعتبارها- ربما- الأهم في حياته
مذكرات موشيه ساسون
لا بد من العودة إلى الجذور وأساس المشكلة، ولا بد من مجاهدة النفس المستهلَكة في متابعة الأخبار المستجدة وتحديثاتها العاجلة على مدار الساعة، والعودة إلى الدراسات والكتب والمذكرات.
واخترت لهذا السبب كتاب "مذكرات أخطر سفير إسرائيلي في مصر" والذي وسمه المؤلف بــ"7 سنوات في بلاد المصريين"، أي أننا أمام ترجمة لمذكرات، كاتبها هو موشيه ساسون (1925-2006)، السفير الثاني لإسرائيل في القاهرة، ولسنا أمام مذكرات كاملة، كالتي تتناول عادة سيرة الشخص منذ ولادته، وحتى الحديث عن تاريخ عائلته؛ بل أمام سبع سنين تقصّد الرجل الحديث عنها، باعتبارها- ربما- الأهم في حياته، بدأت عندما مضى من عمره 56 سنة، وانتهت وقد مضى منه 63 سنة، مع إشارات مقتضبة إلى وظائفه ومناصبه السابقة في الحكومة الإسرائيلية.
والنسخة العربية المترجمة صادرة عن دار الكتاب العربي في دمشق والقاهرة، وقد صدرت الطبعة الأولى (1414هـ – 1994م)، في 291 صفحة من القطع المتوسط، أما النص العبري الأصلي فقد صدر في 1992.
مقدمة جيدة وأخطاء إملائية
إن المقدمة (من ص1 إلى ص11) الصادرة عن المترجم جيدة ومفيدة، وتساعد القارئ على سبر أغوار النص من جهة، ومن جهة أخرى ترد على السردية الإسرائيلية. بيد أن ما يزعج القارئ كثرة الأخطاء الإملائية والمطبعية في الكتاب (المذكرات) المترجمة، والتي لا تكاد تخلو منها صفحة تقريبًا، وبعضها يقلب أو يغيّر المعنى.
ولست أدري كم طبعة صدرت من هذه الترجمة، لأن ما قرأته هو الطبعة الأولى، ولا علم لي إن تمّ تصويب وتصحيح الأخطاء الإملائية والمطبعية أم لا، في طبعات لاحقة مفترضة.
أما مقدمة المذكرات فقد كتبها آبا إيبان، السياسي والدبلوماسي الإسرائيلي النشط، والذي له اطلاع ومعرفة باللغة العربية وآدابها، وهي مقدمة قصيرة جاءت في أقل من صفحة واحدة (ص13).
هل ساهم موقف نجيب محفوظ المتماهي مع السادات في العلاقة مع إسرائيل في تسهيل -أو لنقل إزالة – العقبات المفترضة، وحصوله على جائزة نوبل في الآداب سنة 1988؟
شخصي وسياسي
يمتاز نص الكتاب (المذكرات) بالمزج بين الحديث عن المهمة السياسية والدبلوماسية للكاتب (موشيه ساسون) بحكم موقعه الحساس، والذي دام فيه سبع سنوات متتالية (1981 إلى 1988) سفيرًا لإسرائيل في القاهرة خلفًا للسفير الأول (إلياهو بن أليسار)، والانطباعات الشخصية والملاحظات والاستنتاجات الخاصة، والحديث عن تفصيلات حياته الشخصية، مثل مرض زوجته (طوفا) بألزهايمر وموتها وموت ابنهما، وهو ما قرر بسببه – كما يقول- ترك منصبه لكي يعيش إلى جانب ابنته وزوجها وأحفاده.
وفي تمهيده للمذكرات ينوّه إلى ما يلحظه القارئ فيها؛ حيث لا توجد هناك صور لأية وثيقة أو مراسلة، ولا صورة فوتوغرافية واحدة، مع أنه أشار إلى وجود مصوّرين محترفين في بعض المناسبات التي شارك فيها.
بالتأكيد لا يمكن اعتبار الرجل مجرد سفير، وقد شغل منصب سفير سابق في روما قبل القاهرة، وعمل في وزارة الخارجية؛ فهو أساسًا خدم في شبابه في استخبارات الهاغاناه، أي أن ساسون عسكري ورجل مخابرات صهيوني في الأساس، كما أن كل السفارات الإسرائيلية، هي بالضرورة أفرع عمل للموساد إلى جانب مهمتها الدبلوماسية المعلنة.
ومما لا شك فيه أن موشيه ساسون كان معنيًا – كما يتضح من المذكرات – أن يتغلغل في المجتمع المصري، بالتزامن مع توطيد العلاقات مع المسؤولين المصريين؛ والذين أكثر الإشادة بهم، وخاصة الرئيس السابق أنور السادات، وكمال حسن علي (وزير خارجية)، ويوسف والي (وزیر زراعة و نائب رئيس وزراء)، وغيرهم.
نجيب محفوظ وأنيس منصور
في المقدمة التي خطّها المترجم انتقاد لنجيب محفوظ، الذي تجاوز دور الأديب ودخل ما لا يعنيه، وهو نقد مهذب من المترجم مردّه ربما إلى مكانة نجيب محفوظ، الذي نقل الأدب المصري – بل العربي- الحديث إلى العالمية.
وقد طال الأديبَ الشهير نجيب محفوظ، والكاتب الصحفي أنيس منصور، مدحٌ وإشادة واضحان من موشيه ساسون، لأنهما أظهرا تأييدًا للسلام والتطبيع مع إسرائيل، وتحدث ساسون عن لقائه بهما، وتطرق إلى مواقفهما التي كانت معلنة وصريحة. وهنا وجب السؤال المشروع: هل ساهم موقف نجيب محفوظ المتماهي مع السادات في العلاقة مع إسرائيل في تسهيل -أو لنقل إزالة – العقبات المفترضة، وحصوله على جائزة نوبل في الآداب سنة 1988؟
مما يتبين لنا في السياق ذاته أن الحاكم ونظامه لا يستغنيان عن رجال وشخصيات من الوسط الثقافي يروّجون لخطواته السياسية. وفي حالة السادات فإن الأمر أكثر تعقيدًا، فهو استخدم أدیبًا بارزًا مخضرمًا، وصحفيًا معروفًا، لتسويق فكرة السلام والتطبيع مع إسرائيل، التي كان بينها وبين مصر حروب منذ أيام الملكية، وخلال فترة الجمهورية المصرية الأولى وجزء من فترة الجمهورية الثانية التي كان السادات على رأسها. أي أنك أمام تاريخ حافل من الحروب، التي يردف النشاط العسكري فيها تعبئة، يشارك فيها الوسط الثقافي والفني والإعلامي، ولا يغيب هذا عن السادات، ولكنه باستخدام نجيب وأنيس أراد (خرق الجدار)، وإحداث صدمة وتهيئة نفسية لتوجهاته نحو إسرائيل.
السادات كان يريد (سلامًا دافئًا) مع إسرائيل، وهو من الذين تأثروا أو اقتنعوا بالفكرة المتداعية، التي تقول إن الازدهار والرخاء سيعمّان مصر والمنطقة، إذا (توحّدت) الكفاءات العلمية والتقنية الإسرائيلية مع الموارد المصرية والعربية
تمجید السادات
يتحدث موشيه ساسون عن أنور السادات، وعن زوجته جيهان التي التقاها وتبادل الحديث معها مرارًا، بل لم تفوّت جيهان فرصة دعوته إلى زيارة منزلها في خواتيم أيام مهمته كسفير في مصر، وقد لبّى الدعوة.
وواضح تمامًا أن السادات كان يريد (سلامًا دافئًا) مع إسرائيل، وهو من الذين تأثروا أو اقتنعوا بالفكرة المتداعية، التي تقول إن الازدهار والرخاء سيعمّان مصر والمنطقة، إذا (توحّدت) الكفاءات العلمية والتقنية الإسرائيلية مع الموارد المصرية والعربية، سواء البشرية أو الطبيعية، في المخزون والإرث التاريخي والحضاري لمصر والعرب.
ومع أن أكثر فترة مهمة في حياة موشيه ساسون بمصر كانت بعد اغتيال السادات، فهو سافر إلى القاهرة من مطار بن غوريون في 18 مايو/ أيار 1981 (كما أوضح في ص19)، أي أن معاصرته كسفير للسادات لم تتجاوز بضعة أشهر فقط، وبقية المدة كانت في زمن الرئيس حسني مبارك، فإنه أكثر من الإشادة وكيل المديح والتمجيد للسادات وزوجته، وأكد أن موقفه من السادات هو موقف دولته، وخاصة رئيس الوزراء آنذاك، مناحيم بيغن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق