الأسوأ لم يأت بعد!
"هذه هي مصر التي وعدكم بها السيسي"- عربي21
أو بتعبير الرئيس الشهيد محمد مرسي: "قعر الزبالة".. ففي تسريب صوتي للرئيس، بثته (في حينه) صحيفة "المصري اليوم" الموالية لانقلاب، قال الرئيس مرسي لأحد محاميه، في حديث جانبي، وأظنه الدكتور سليم العوا:
".. إذا استمر السيسي، فالقعر بتاعه لِسَّه مَبَنْش.. هيجيب لكم من تحت الزبالة"! وبالفصحى: إذا استمر انقلاب السيسي، فانتظروا منه أسوأ مما يخطر ببالكم.. فليس في جعبته إلا الخراب والعذاب.. خراب مصر.. وعذاب المصريين!
ولعل قطاعا لا يستهان به من المصريين سخروا من كلام الرئيس مرسي (رحمه الله) يومئذ.. فعن أي "زبالة" وعن أي "قعر" يتحدث مرسي العياط، كما كان يحلو لهؤلاء أن يسموا أول رئيس منتخب (بحق) في تاريخ مصر.. الرئيس الذي كان يرجو للمصريين (كل المصريين بلا استثناء) كل خير.. الرئيس الذي أراد أن يقدم نموذجا للرئيس المواطن، أو الرئيس الأجير الذي لا يميز نفسه بشيء (ولو يسير.. ولو وفق القانون والدستور) عن مواطنيه، وما علموا (جهالة وغرورا) أن الرجل لم ينطق إلا حقا، وكأنه كان يقرأ من اللوح المحفوظ، بإذن الله! (الفيديو متاح على يوتيوب).
أقامت أذرع الانقلاب الأفراح والليالي الملاح ابتهاجا بزوال "حكم المرشد"، و"سقوط الإخوان المتأسلمين"، وأشاد العلمانيون الذين يدللون أنفسهم باسم "التيار المدني" بجرأة السيسي الذي نجح في قطع الطريق على "الفاشية الدينية"، فلم يمكنها من حكم مصر (الدولة المدنيَّة، اللي طول عمرها مدنيَّة، وهتفضل مدنيَّة) حتى أن (المثقف) علاء الأسواني شبّه السيسي بأيزنهاور!
وإن أنسى فلا أنسى "موضة" الملابس النسائية الداخلية التي اجتاحت الأسواق الشعبية بُعيد الانقلاب؛ إذ "حملت" هذه الملابس (شديدة الخصوصية) صورة السيسي "الدكر" كما كان يصفه (حينذاك) هذا القطاع من المصريين، النساء منهم والرجال! ولا أعرف من أي طينة خُلق أولئك الذي سمحوا لزوجاتهم بارتداء "ملابس داخلية" عليها صورة "دكر" آخر!
"إنسانية" لا مثيل لها!
بلغت نشوة مؤيدي الانقلاب ذروتها يوم مجزرتي رابعة والنهضة اللتين حلت ذكراهما الأليمة في الرابع عشر من هذا الشهر (آب/ أغسطس).. فشوهدت النساء من هذا القطاع وهن يرقصن على دماء الشهداء في ميدان رابعة ويزغردن فرحا بالفض الدموي للاعتصام السلمي.. (الفيديو متاح على يوتيوب).
أما أذرع الانقلاب وأبواقه والمجاملون له فراحوا يبررون سفك كل هذه الدماء في يوم واحد.. فمن أغرب ما قرأت في هذا الصدد، ذلك التقرير الذي نشرته صحيفة "المصري اليوم" في اليوم الرابع للمجزرة، بعنوان "نتيجة عنف الإخوان: الزرافة والفيل والغزال تفكر في الانتحار".. وإليك (عزيزي القارئ) هذا الاقتباس، آملا أن تقرأه كواحد من ذوي ضحايا المجزرة:
"انتهت إدارة حديقة الحيوان بالجيزة [الكائنة بميدان النهضة محل المجزرة] من إعداد أول تقرير من نوعه يرصد الحالة النفسية لهذه الحيوانات (..) وأوضح التقرير أن الزراف، والفيلة، والدببة، ووحيد القرن، والغزلان الأكثر تأثرا بهتافات المتظاهرين؛ بسبب الأصوات العالية لهم، مشيرا إلى أن هذه الحيوانات تمتلك حاسة سمعية مرتفعة، مما يعرضها للإصابة بحالة هياج شديد في حال تعرضها للهتافات، وقد تسبب الأذى لنفسها، ويدفعها للانتحار بمحاولتها الاصطدام بأسوار أماكن إيوائها، فتتعرض للكسور والجروح، وقد تؤدى حالة الخوف لدى هذه الحيوانات إلى دخولها في حالة من الحزن الشديد المؤدى إلى البكاء، وانسياب دموعها، خاصة لدى الزراف".. انتهى الاقتباس!
أي أن إسكات آلاف المعتصمين السلميين (إلى الأبد) بالرصاص الحي كان السبيل الوحيد المتاح أمام فرق الموت التي شكلها السيسي؛ لتوفير الهدوء وراحة الأعصاب للسادة الحيوانات سكان حديقة الحيوان، على اعتبار أن صوت الرصاص (عند هذه الحيوانات) بمثابة موسيقى رومانسية تريح الأعصاب، أما هتافات المعتصمين فوقعها على السادة الحيوانات أشد من الزلازل والبراكين!
إنها إنسانية الانقلابيين على اختلاف مواقعهم ووظائفهم التي لا مثيل لها! وعند الله تجتمع الخصوم.
وذهبت السَّكْرة!
بدأ الجنرال المنقلب في توزيع المخدرات على المصريين بغير حساب؛ لإفقادهم الشعور بالزمن، وتخديرهم لإفقادهم الإحساس بألم "الخوازيق" التي تم إعدادها لهم.. نعم المخدرات.. بل أسوأ أنواع المخدرات.. الوعود الكاذبة التي بدأ في إطلاقها مع أول ظهور له بعد الانقلاب مباشرة.. "إنتو مش عارفين إنكو نور عيننا وللا إيه؟ صحيح".. "مصر أم الدنيا وهتبقى أد الدنيا.. صحيح".. ومنذ تلك اللحظة، لم يتوقف السيسي عن توزيع المخدرات.. "صنف فاخر" يحمل اسما مختلفا في كل مرة: اصبروا وستروا العجب العُجاب".. "اصبروا سنتين".. "اصبروا كمان ست شهور".. أما ما لم يسعفه الوقت لتوزيعه، فيوكل مهمة توزيعة لأولئك "الإعلامجية" الذين لم تعرف مصر نظائر لهم في سوقيتهم وسفالتهم وكذبهم من قبل!
فأحمد سعيد الذي حمَّله نظام عبد الناصر وزر تضليل المصريين، في هزيمة 67 المُذِّلة، كان مجرد قارئ "بلاغات عسكرية" كانت تأتيه من مكان ما في "عزبة الضباط الأحرار"، وعلى الأرجح من "خولي العزبة" محمد حسنين هيكل! أما "إعلامجية" ياسر جلال، فهم مجتهدون ومبدعون في التضليل والتخدير!
انتظر المصريون "السَّمنة من وِرك النملة" كما يقول التعبير الدارج الذي يعني استحالة تحصيل المراد! ولمَّا لم يروا سَمنا، ولا حتى مِشّا بدأوا في التذمر (المِش: إدام أو غموس من الجُبن الغني بالدود يتناوله المعدمون من الفلاحين يوميا)، وامتلأ الفضاء الأزرق بالصراخ والشكوى، وكان أول الصارخين، وفي مقدمة الشاكين، أولئك الذين لعنوا الإخوان، وأيدوا ياسر جلال، وصفقوا له، واستبشروا (خيرا) بانقلابه على الرئيس المنتخب، ورقصوا على دماء الشهداء في أرض رابعة!
مع كل مطلع شمس، ترتفع الأسعار بصورة جنونية، وأصبح للسلعة الواحدة أسعار تختلف من منطقة إلى أخرى، بل ومن أول الشارع إلى نهايته.. ومع كل غروب تخسر مصر جزءا من أرضها وسيادتها لصالح الصهاينة؛ ممثلين في محمد بن زايد وأشباهه من الأعراب المتصهينين.. ومع انتصاف كل نهار، يشير المؤشر الاقتصادي إلى زيادة الدين العام داخليا وخارجيا، وفي نهاية كل شهر، تشير الإحصاءات إلى زيادة عدد النازحين إلى ما تحت خط الفقر.. ومع كل فنجان نسكافيه يتناوله السادة الوزراء، تُفرض إتاوات جديدة.. نعم إتاوات، وليست ضرائب! فالإتاوة تذهب إلى جيوب فريق محدد في السلطة، أما الضريبة فتذهب إلى الخزانة العامة؛ لتنفقها الحكومة على مواطنيها! هذا هو حال مصر اليوم بإيجاز شديد.. هذا هو الحاضر، فماذا عن المستقبل؟
"جاي أبشركم بأيام سودا"!
هذا "البشرى" ليست من عندي، وإنما جاءت على لسان توكتوكر مصري شاب يدعى عادل، يقدم محتوى فنيا، يمكن اعتباره نقدا فنيا للأفلام والمسلسلات.. أتابع هذا الشاب لجديته في الطرح، وكذلك لجرأته المنضبطة.. شاهدته (أمس) يتناول موضوعا "اجتماعيا" في صلب "السياسة" بلغة متشائمة، ليس أدل عليها من هذا العنوان الذي اخترته لهذا المحور من المقال..
"جاي أبشركم بأيام سودا على دماغنا كلنا".. استهل الشاب حديثه بهذه الجملة، وأتبعها بقوله: وأي كلام عن الأمل، فهو نوع من الوقاحة والسذاجة. ثم ساق بعض الظواهر التي باتت تشكل ملامح الشارع المصري، بعد 11 عاما من الانقلاب ووعود المنقلب الكاذبة..
أضاف عادل: "حضرتك بتبدأ يومك الصبح بتنزل الشارع، بتشوف أشكال ما يعلم بيها إلا ربنا.. دي بلدنا دي الوقت.. هتبص هتلاقي جنبك البودرجي [متعاطى المساحيق المخدرة] متساب عادي في الشارع.. خطر عليك، على أهلك، على أولادك..
وتابع: "هتعدي الشمام، هتلاقي البلطجي، في الشارع عادي.. البلطجي اللي هو لو دخلت ضده في موقف لصالح رجل شريف مصيرك هيبقى الموت.. داخل تحوش ليه"؟
واستطرد: "هتعدي البلطجي، هتلاقي المتسول.. مش المتسول اللي محتاج.. لا.. المتسول الزبالة.. اللي مستخبية في نقاب، اللي بيشتم بألفاظ قبيحة.. اللي بيشرب سجاير"..
ثم أضاف متسائلا: طيب وأنا ليه ببشرك بأن الأيام اللي جاية أيام سودا؟ بهذا التساؤل يكون الشاب قد دخل في صلب الموضوع الذي جعله يخرج عن محتواه المعتاد:
"الجياع في مصر.. بدأينها شيك أوي وبذوق.. واحد هيجي ياخد منك فلوس مقابل إنك تركن عربيتك في الشارع، مش في موقف خاضع للرسوم.. في الشارع.. الجياع ذوق لحد دي الوقت.. الجياع (قسما بالله) هيجي عليهم وقت ياكلوا الأخضر واليابس.. المحلات هتتسرق عيني عينك.. البيوت هتتسرق.. المعدل والمؤشر [السرقة] هيطير لفوق، ومحدش هيلحقه.. هيجي علينا وقت نشيل كلنا سلاح؛ عشان ندافع عن نسائنا وأهالينا وناسنا"..
وتابع عادل: "الجياع منتشرين في الشارع بشكل لطيف حتى الآن.. عشرة جنيه يا باشا، مسحت لك العربية.. عشرة جنيه لركنة العربية.. في الشارع! عشرة جنيه أجيب فطار.. عشرة جنيه أجيب غدا.. عشرة جنيه أجيب عشا.. عشرين جنيه عشان أروح بلدي.. انت لو أعطيت واحد من دول فلوس مش بتعمل صدقة.. انت بتفدي نفسك! بتفدي عربيتك! بتفدي أي حاجة تخصك من الأذى!
ويختم عادل "بشراه" بقوله: هيجي عليك وقت تبقى النجاة بالنسبة لك هي إنك تكون من مجتمع الصفوة إللي عايشين في الكومباوندات.. مصر كلها هتبقى عشوائيات ما عدا الكومباوندات، حيث لا تكاتك [جمع توكتوك.. مركبة يستعملها الفقراء] وإن سواق التوكتوك يقتل الزبون عشان عشرة جنيه! ضلمة.. ضلمة.. ضلمة"! (انتهى كلام التوكتوكر)..
إذا لم يكن هذا هو "قعر الزبالة" فما هو قعرها إذن؟
هذه هي مصر التي وعدكم بها السيسي، الأمين أوي، الشريف أوي، الصادق أوي، الذي سأله أحدهم يوما في لقاء مع (لا مؤاخذة) المثقفين: ليه بتتأخر في الكلام؟ وأظن أن السؤال كان مُعَدا سلفا؛ ليلقيه المثقف السائل، فأجاب السيسي (ساعتها لم يكن حمل اسم ياسر جلال) في أسى:
"بتأخر في الكلام؛ لأن الكلام عندي بيعدي على فلاتر: فلتر الصدق، وفلتر الأمانة، وفلتر الحق، ثم في الآخر، ده يرضي ربنا أقوله وللا مقلوش؟ تصور حضرتك إن كل كلامي كده؟ يعني أنا بتعذب أوي عشان أتكلم"!
ولأن السيسي يتعذب كلما تكلم، فليس من العدل ولا الإنصاف أن يتعذب هو ويرتاح المصريون.. لذا، قرر (وهو العادل) أن يعذبهم معه، بأن يجعل من مصر "صندوق زبالة" كبير، لا مكان للمصريين فيه إلا قعره.
ليس لها من دون الله كاشفة..
x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com
".. إذا استمر السيسي، فالقعر بتاعه لِسَّه مَبَنْش.. هيجيب لكم من تحت الزبالة"! وبالفصحى: إذا استمر انقلاب السيسي، فانتظروا منه أسوأ مما يخطر ببالكم.. فليس في جعبته إلا الخراب والعذاب.. خراب مصر.. وعذاب المصريين!
ولعل قطاعا لا يستهان به من المصريين سخروا من كلام الرئيس مرسي (رحمه الله) يومئذ.. فعن أي "زبالة" وعن أي "قعر" يتحدث مرسي العياط، كما كان يحلو لهؤلاء أن يسموا أول رئيس منتخب (بحق) في تاريخ مصر.. الرئيس الذي كان يرجو للمصريين (كل المصريين بلا استثناء) كل خير.. الرئيس الذي أراد أن يقدم نموذجا للرئيس المواطن، أو الرئيس الأجير الذي لا يميز نفسه بشيء (ولو يسير.. ولو وفق القانون والدستور) عن مواطنيه، وما علموا (جهالة وغرورا) أن الرجل لم ينطق إلا حقا، وكأنه كان يقرأ من اللوح المحفوظ، بإذن الله! (الفيديو متاح على يوتيوب).
أقامت أذرع الانقلاب الأفراح والليالي الملاح ابتهاجا بزوال "حكم المرشد"، و"سقوط الإخوان المتأسلمين"، وأشاد العلمانيون الذين يدللون أنفسهم باسم "التيار المدني" بجرأة السيسي الذي نجح في قطع الطريق على "الفاشية الدينية"، فلم يمكنها من حكم مصر (الدولة المدنيَّة، اللي طول عمرها مدنيَّة، وهتفضل مدنيَّة) حتى أن (المثقف) علاء الأسواني شبّه السيسي بأيزنهاور!
وإن أنسى فلا أنسى "موضة" الملابس النسائية الداخلية التي اجتاحت الأسواق الشعبية بُعيد الانقلاب؛ إذ "حملت" هذه الملابس (شديدة الخصوصية) صورة السيسي "الدكر" كما كان يصفه (حينذاك) هذا القطاع من المصريين، النساء منهم والرجال! ولا أعرف من أي طينة خُلق أولئك الذي سمحوا لزوجاتهم بارتداء "ملابس داخلية" عليها صورة "دكر" آخر!
"إنسانية" لا مثيل لها!
بلغت نشوة مؤيدي الانقلاب ذروتها يوم مجزرتي رابعة والنهضة اللتين حلت ذكراهما الأليمة في الرابع عشر من هذا الشهر (آب/ أغسطس).. فشوهدت النساء من هذا القطاع وهن يرقصن على دماء الشهداء في ميدان رابعة ويزغردن فرحا بالفض الدموي للاعتصام السلمي.. (الفيديو متاح على يوتيوب).
أما أذرع الانقلاب وأبواقه والمجاملون له فراحوا يبررون سفك كل هذه الدماء في يوم واحد.. فمن أغرب ما قرأت في هذا الصدد، ذلك التقرير الذي نشرته صحيفة "المصري اليوم" في اليوم الرابع للمجزرة، بعنوان "نتيجة عنف الإخوان: الزرافة والفيل والغزال تفكر في الانتحار".. وإليك (عزيزي القارئ) هذا الاقتباس، آملا أن تقرأه كواحد من ذوي ضحايا المجزرة:
"انتهت إدارة حديقة الحيوان بالجيزة [الكائنة بميدان النهضة محل المجزرة] من إعداد أول تقرير من نوعه يرصد الحالة النفسية لهذه الحيوانات (..) وأوضح التقرير أن الزراف، والفيلة، والدببة، ووحيد القرن، والغزلان الأكثر تأثرا بهتافات المتظاهرين؛ بسبب الأصوات العالية لهم، مشيرا إلى أن هذه الحيوانات تمتلك حاسة سمعية مرتفعة، مما يعرضها للإصابة بحالة هياج شديد في حال تعرضها للهتافات، وقد تسبب الأذى لنفسها، ويدفعها للانتحار بمحاولتها الاصطدام بأسوار أماكن إيوائها، فتتعرض للكسور والجروح، وقد تؤدى حالة الخوف لدى هذه الحيوانات إلى دخولها في حالة من الحزن الشديد المؤدى إلى البكاء، وانسياب دموعها، خاصة لدى الزراف".. انتهى الاقتباس!
أي أن إسكات آلاف المعتصمين السلميين (إلى الأبد) بالرصاص الحي كان السبيل الوحيد المتاح أمام فرق الموت التي شكلها السيسي؛ لتوفير الهدوء وراحة الأعصاب للسادة الحيوانات سكان حديقة الحيوان، على اعتبار أن صوت الرصاص (عند هذه الحيوانات) بمثابة موسيقى رومانسية تريح الأعصاب، أما هتافات المعتصمين فوقعها على السادة الحيوانات أشد من الزلازل والبراكين!
إنها إنسانية الانقلابيين على اختلاف مواقعهم ووظائفهم التي لا مثيل لها! وعند الله تجتمع الخصوم.
وذهبت السَّكْرة!
بدأ الجنرال المنقلب في توزيع المخدرات على المصريين بغير حساب؛ لإفقادهم الشعور بالزمن، وتخديرهم لإفقادهم الإحساس بألم "الخوازيق" التي تم إعدادها لهم.. نعم المخدرات.. بل أسوأ أنواع المخدرات.. الوعود الكاذبة التي بدأ في إطلاقها مع أول ظهور له بعد الانقلاب مباشرة.. "إنتو مش عارفين إنكو نور عيننا وللا إيه؟ صحيح".. "مصر أم الدنيا وهتبقى أد الدنيا.. صحيح".. ومنذ تلك اللحظة، لم يتوقف السيسي عن توزيع المخدرات.. "صنف فاخر" يحمل اسما مختلفا في كل مرة: اصبروا وستروا العجب العُجاب".. "اصبروا سنتين".. "اصبروا كمان ست شهور".. أما ما لم يسعفه الوقت لتوزيعه، فيوكل مهمة توزيعة لأولئك "الإعلامجية" الذين لم تعرف مصر نظائر لهم في سوقيتهم وسفالتهم وكذبهم من قبل!
فأحمد سعيد الذي حمَّله نظام عبد الناصر وزر تضليل المصريين، في هزيمة 67 المُذِّلة، كان مجرد قارئ "بلاغات عسكرية" كانت تأتيه من مكان ما في "عزبة الضباط الأحرار"، وعلى الأرجح من "خولي العزبة" محمد حسنين هيكل! أما "إعلامجية" ياسر جلال، فهم مجتهدون ومبدعون في التضليل والتخدير!
انتظر المصريون "السَّمنة من وِرك النملة" كما يقول التعبير الدارج الذي يعني استحالة تحصيل المراد! ولمَّا لم يروا سَمنا، ولا حتى مِشّا بدأوا في التذمر (المِش: إدام أو غموس من الجُبن الغني بالدود يتناوله المعدمون من الفلاحين يوميا)، وامتلأ الفضاء الأزرق بالصراخ والشكوى، وكان أول الصارخين، وفي مقدمة الشاكين، أولئك الذين لعنوا الإخوان، وأيدوا ياسر جلال، وصفقوا له، واستبشروا (خيرا) بانقلابه على الرئيس المنتخب، ورقصوا على دماء الشهداء في أرض رابعة!
مع كل مطلع شمس، ترتفع الأسعار بصورة جنونية، وأصبح للسلعة الواحدة أسعار تختلف من منطقة إلى أخرى، بل ومن أول الشارع إلى نهايته.. ومع كل غروب تخسر مصر جزءا من أرضها وسيادتها لصالح الصهاينة؛ ممثلين في محمد بن زايد وأشباهه من الأعراب المتصهينين.. ومع انتصاف كل نهار، يشير المؤشر الاقتصادي إلى زيادة الدين العام داخليا وخارجيا، وفي نهاية كل شهر، تشير الإحصاءات إلى زيادة عدد النازحين إلى ما تحت خط الفقر.. ومع كل فنجان نسكافيه يتناوله السادة الوزراء، تُفرض إتاوات جديدة.. نعم إتاوات، وليست ضرائب! فالإتاوة تذهب إلى جيوب فريق محدد في السلطة، أما الضريبة فتذهب إلى الخزانة العامة؛ لتنفقها الحكومة على مواطنيها! هذا هو حال مصر اليوم بإيجاز شديد.. هذا هو الحاضر، فماذا عن المستقبل؟
"جاي أبشركم بأيام سودا"!
هذا "البشرى" ليست من عندي، وإنما جاءت على لسان توكتوكر مصري شاب يدعى عادل، يقدم محتوى فنيا، يمكن اعتباره نقدا فنيا للأفلام والمسلسلات.. أتابع هذا الشاب لجديته في الطرح، وكذلك لجرأته المنضبطة.. شاهدته (أمس) يتناول موضوعا "اجتماعيا" في صلب "السياسة" بلغة متشائمة، ليس أدل عليها من هذا العنوان الذي اخترته لهذا المحور من المقال..
"جاي أبشركم بأيام سودا على دماغنا كلنا".. استهل الشاب حديثه بهذه الجملة، وأتبعها بقوله: وأي كلام عن الأمل، فهو نوع من الوقاحة والسذاجة. ثم ساق بعض الظواهر التي باتت تشكل ملامح الشارع المصري، بعد 11 عاما من الانقلاب ووعود المنقلب الكاذبة..
أضاف عادل: "حضرتك بتبدأ يومك الصبح بتنزل الشارع، بتشوف أشكال ما يعلم بيها إلا ربنا.. دي بلدنا دي الوقت.. هتبص هتلاقي جنبك البودرجي [متعاطى المساحيق المخدرة] متساب عادي في الشارع.. خطر عليك، على أهلك، على أولادك..
وتابع: "هتعدي الشمام، هتلاقي البلطجي، في الشارع عادي.. البلطجي اللي هو لو دخلت ضده في موقف لصالح رجل شريف مصيرك هيبقى الموت.. داخل تحوش ليه"؟
واستطرد: "هتعدي البلطجي، هتلاقي المتسول.. مش المتسول اللي محتاج.. لا.. المتسول الزبالة.. اللي مستخبية في نقاب، اللي بيشتم بألفاظ قبيحة.. اللي بيشرب سجاير"..
ثم أضاف متسائلا: طيب وأنا ليه ببشرك بأن الأيام اللي جاية أيام سودا؟ بهذا التساؤل يكون الشاب قد دخل في صلب الموضوع الذي جعله يخرج عن محتواه المعتاد:
"الجياع في مصر.. بدأينها شيك أوي وبذوق.. واحد هيجي ياخد منك فلوس مقابل إنك تركن عربيتك في الشارع، مش في موقف خاضع للرسوم.. في الشارع.. الجياع ذوق لحد دي الوقت.. الجياع (قسما بالله) هيجي عليهم وقت ياكلوا الأخضر واليابس.. المحلات هتتسرق عيني عينك.. البيوت هتتسرق.. المعدل والمؤشر [السرقة] هيطير لفوق، ومحدش هيلحقه.. هيجي علينا وقت نشيل كلنا سلاح؛ عشان ندافع عن نسائنا وأهالينا وناسنا"..
وتابع عادل: "الجياع منتشرين في الشارع بشكل لطيف حتى الآن.. عشرة جنيه يا باشا، مسحت لك العربية.. عشرة جنيه لركنة العربية.. في الشارع! عشرة جنيه أجيب فطار.. عشرة جنيه أجيب غدا.. عشرة جنيه أجيب عشا.. عشرين جنيه عشان أروح بلدي.. انت لو أعطيت واحد من دول فلوس مش بتعمل صدقة.. انت بتفدي نفسك! بتفدي عربيتك! بتفدي أي حاجة تخصك من الأذى!
ويختم عادل "بشراه" بقوله: هيجي عليك وقت تبقى النجاة بالنسبة لك هي إنك تكون من مجتمع الصفوة إللي عايشين في الكومباوندات.. مصر كلها هتبقى عشوائيات ما عدا الكومباوندات، حيث لا تكاتك [جمع توكتوك.. مركبة يستعملها الفقراء] وإن سواق التوكتوك يقتل الزبون عشان عشرة جنيه! ضلمة.. ضلمة.. ضلمة"! (انتهى كلام التوكتوكر)..
إذا لم يكن هذا هو "قعر الزبالة" فما هو قعرها إذن؟
هذه هي مصر التي وعدكم بها السيسي، الأمين أوي، الشريف أوي، الصادق أوي، الذي سأله أحدهم يوما في لقاء مع (لا مؤاخذة) المثقفين: ليه بتتأخر في الكلام؟ وأظن أن السؤال كان مُعَدا سلفا؛ ليلقيه المثقف السائل، فأجاب السيسي (ساعتها لم يكن حمل اسم ياسر جلال) في أسى:
"بتأخر في الكلام؛ لأن الكلام عندي بيعدي على فلاتر: فلتر الصدق، وفلتر الأمانة، وفلتر الحق، ثم في الآخر، ده يرضي ربنا أقوله وللا مقلوش؟ تصور حضرتك إن كل كلامي كده؟ يعني أنا بتعذب أوي عشان أتكلم"!
ولأن السيسي يتعذب كلما تكلم، فليس من العدل ولا الإنصاف أن يتعذب هو ويرتاح المصريون.. لذا، قرر (وهو العادل) أن يعذبهم معه، بأن يجعل من مصر "صندوق زبالة" كبير، لا مكان للمصريين فيه إلا قعره.
ليس لها من دون الله كاشفة..
x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق