المقاومة الفلسطينية: طوفان العدل ونجاة الحق
بقي الطوفان من بعد نبي الله نوح رمزًا لإرادة الله التي تعصف بالظلم وتنصر المغلوب وتطهّر الأرض من الدنس والفساد، رمزا لتربة طاهرة تنبت واقعا بلا قهر. وبقيت سفينته رمزًا لنجاة صاحب كلمة الحق في زمن الجحود، واليقين بالعدل في زمن الشك.
قال تعالى: ﴿كذّبت قبلهم قوم نوحٍ فكذّبوا عبدنا وقالوا مجنونٌ وازدجر * فدعا ربّه أنّي مغلوبٌ فانتصر * ففتحنا أبواب السّماء بماءٍ منهمرٍ * وفجّرنا الأرض عيونًا فالتقى الماء على أمرٍ قد قدر * وحملناه على ذات ألواحٍ ودسرٍ * تجري بأعيننا جزاءً لمن كان كفر * ولقد تركناها آيةً فهل من مدّكرٍ * فكيف كان عذابي ونذر﴾ [القمر: 9- 16].
وها هي مقاومتنا الباسلة، “نوح” هذا الزمان، صامدة وصابرة، كذّبها حتى من أيقنوا سنة الله في كونه، يغضون الطرف عما أنبأهم به ربهم، يعرفون الحق وثلته الطاهرة ويحيدون، وفي معارك الله قعدوا مع القاعدين! وها هي قد زجرها حتى من هم من عشيرتها، ينهونها بغلظة وشدّة! إلا غزة كانت أول من آمن بالمقاومة، بل غزة وحدها من آمنت، ورأت واقعا لهذا العالم خارج سياق الظلم والقهر، ولأجل ذلك تموت على عين القريب والبعيد وتدعو ربها أن “يا الله، مغلوبة فانتصر”، وتزيد فوق ذلك وتقول: “اللهم إني بلّغت، اللهم فاشهد”، وكأنها أقامت حجتها على الناس أجمعين.
إن الطوفان الكبير قادم لا محالة، ولن يمرّ أيضا كحدث عابر، وغزة ليست كأي أرض منذ الآن، بل منذ أن أعدّت، بل منذ أن خلقت. هي الجودي الذي ترسو عنده قلوب الأحرار، وكل من لا يأوي إليها سيغرق وإن كان منها بمنزلة ابن نوح من نوح، وستبقى المقاومة -سيدة غزة وسيدة هذا الطوفان وسفينته- عصية على الانكسار، عصية على الأمواج، وعصية على الغرق..
وسيبقى رجالها مشاعل نور تضيء درب التحرير لكل من يأتي بعدهم، فهم البحارة الأشاوس الذين أعلنوا للعالم أجمع أن الحق لا يضيع، وأن الطوفان سيجرف كل من يقف في طريقه، وسيعيد للأمة عزها وكرامتها.
المقاومة ستبقى سفينة كل غزاوي، تثأر لجراحه وأحبابه وشهدائه، وبيته المدمر، ومسجده وحيّه وبحره.. بل لكل فلسطيني كذلك.
ستثأر لكل من عاش الظلم والاضطهاد، لكنه لم يستسلم ولم يترك قضيته مهما اشتدت عليه المحن، مدركاً أن طريق الحق معبّدٌ بالتضحيات، وأن النصر وعدٌ من الله لمن صدق ووفّى، وأن شروقاً جديداً لوطننا حتماً سيسطع من جديد بعد الطوفان.
المقاومة ستبقى سفينة المستضعفين في كل المنطقة والعالم، تماماً كطوفان نوح عليه الصلاة والسلام. هذه المعركة التي بدأها أولئك الرجال بإيمانهم الراسخ وصدق نواياهم، بدمائهم وأرواحهم، لن تحرر فلسطين والقدس والمنطقة فقط، بل ستعمّ كل هذه الأرض. كيف لا وأمريكا هي قطب العالم الأوحد وعدوّة المستضعفين الأولى والأخيرة، وإن بحثت عن جذر الظلم في كل قضية ستجد إصبعاً، بل يداً، بل جسداً كاملاً لأمريكا، من العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى السودان إلى مصر إلى إفريقيا مسلوبة الثروات، إلى كل شبر فيه من المظالم ما فيه…
بعد طوفان فلسطين سيشرق العدل في كل هذه الأرض، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ثم لا مكان للمنافقين في تلك السفينة، لا لأنهم يتمنّعون، بل لأن السفينة نفسها تلفظهم وتلفظ عار خيانتهم، فلا مكان فيها إلا لطاهر وشريف.
وفي مواجهة المنافقين الذين يسعون لتحريف الرسالة وتحويل الحق إلى باطل، نجد أولئك الثابتين على مواقفهم، الذين يدركون أن المعركة ليست على الأرض فقط، بل هي معركةٌ على المبادئ والقيم والعقيدة أيضاً؛ فما صنعه أبطالنا ليس إلا امتدادًا لتلك الإرادة التي أرادها الله عز وجل، ليكون طوفانًا يعصف بالظالمين والمستبدين والمحتلين، ويطهر الأرض من دنسهم.
نعم، الطوفان القادم الذي بدأه أبناء الأرض المباركة هو بداية النهاية لهذا الكيان الغاصب، ومن خلفه أمريكا وقوى الظلم والكفر.
وهذا نداء إلى كل حر وشريف في الأمة، في هذه اللحظة الفاصلة من تاريخ الأمة، علينا أن نستذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر”، فإن كان الفاجر يسخَّر لخدمة الدين، فكيف بأولئك المؤمنين الصادقين الذين نذروا حياتهم للدفاع عن مقدساتهم وأرضهم؟ إنهم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم، الذين أقسموا أن يعيشوا كراماً أو يموتوا شهداء، وأن يتركوا لأجيالهم القادمة إرثًا من العزة والكرامة لا يمحى.
هذا نداء لكل حر.. أن اقترب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق