الأربعاء، 21 أغسطس 2024

لماذا توقفت العمليات الاستشهادية ولماذا تعود؟

 

لماذا توقفت العمليات الاستشهادية ولماذا تعود؟



في الأسبوع الماضي، كتبت هنا مقالا بعنوان سلاح الاغتيالات بين المقاومة والاحتلال، تساءلت في نهايته عن احتمالات عودة المقاومة الفلسطينية إلى هذا السلاح الذي برعت فيه من قبل لمواجهة سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية لقادتها، كما ألمحتُ فيه أيضا إلى سلاح العمليات الاستشهادية الذي تميزت به حركتا حماس والجهاد منذ منتصف التسعينيات. يوم الأحد الماضي، تبنت الحركتان عملية تل أبيب (تفجير استشهادي فلسطيني لعبوة ناسفة كان يحملها في قلب تل أبيب)، كما أعلنت الحركتان في بيانهما المشترك أن العمليات الاستشهادية في الداخل ستعود إلى سابق عهدها، بفعل استمرار مجازر الاحتلال، وعمليات التهجير وسياسة الاغتيالات.

لم يعد هناك محل للسؤال إذن: هل تعود العمليات الاستشهادية؟ فقد أجابت المقاومة عمليا وبيانيا، ولكن السؤال الذي يدور في الأذهان الآن: لماذا توقفت العمليات الاستشهادية؟ ولماذا تعود بعد هذا التوقف الذي استند إلى حيثيات سياسية وميدانية وفقهية أيضا؟!

تاريخ حافل

لنعد إلى البدايات، فقد كانت العملية الاستشهادية الأولى في 16 إبريل/نيسان 1993، ضد مطعم في غور الأردن يرتاده الجنود الصهاينة بجانب قاعدة عسكرية إسرائيلية، وقد تم تفجيره بشاحنة تحمل لوحات إسرائيلية، ومحملة بـ150 كيلوغراما من المتفجرات استطاعت اجتياز الحواجز الإسرائيلية وصولا إلى الهدف وتفجيره، وقتل عدد كبير من مرتاديه، ثم جرى تطوير أسلوب العمليات الاستشهادية لتكون عبر أحزمة ناسفة لتسهيل الحركة على المقاتلين، والقدرة على اختراق مواقع الاحتلال بسهولة.

ووفقا لبعض الإحصاءات، فخلال المرحلة الأولى من العمليات الاستشهادية منذ عام 1993، وقعت 5 عمليات استشهادية، 4 منها لكتائب القسام، وواحدة لحركة الجهاد الإسلامي. وفي عام 1994، نفذت كتائب القسام 4 عمليات استشهادية، وواحدة لحركة الجهاد الإسلامي، نتج عنها مقتل 40 مستوطنا ونحو 144جريحا. وفي الفترة ما بين 1995 و2000، وقعت 22 عملية استشهادية،11 منها لحركة حماس، و4 لحركة الجهاد، وعمليتان مشتركتان، إضافة إلى 5 عمليات لم يعلن أي فصيل المسؤولية عنها، وأسفرت تلك العمليات عن مقتل 97 مستوطنا وإصابة 844 آخرين بجروح متفاوتة.

مع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، ردا على اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون للمسجد الأقصى، تصاعدت العمليات الاستشهادية كما ونوعا، وتوسعت لتشمل الأراضي المحتلة عام 1948. وفي عام 2001، وقعت 27 عملية ضد أهداف إسرائيلية. ووفقا للإحصاءات، فقد بلغ مجموع العمليات الاستشهادية في السنوات الأربع الأولى من انتفاضة الأقصى 219 عملية، قُتل فيها 650 بين جنود إسرائيليين ومستوطنين، وأصيب جراءها 3277 آخرون (كانت هناك فتوى شرعية تَعُد المستوطنين محاربين مثل جنود جيش الاحتلال تماما لأنهم جزء من قوات الاحتياط، كما أنهم احتلوا أرضا ليست لهم).

لماذا توقفت العمليات؟

توقفت العمليات الاستشهادية منذ عام 2005، وكان لهذا التوقف أسبابه، فعقب تفجيرات برجَي مركز التجارة العالمي تصاعدت حالة “الإسلاموفوبيا”، وتم الربط بين عمليات تنظيم القاعدة والعمليات الاستشهادية الفلسطينية به

5، انعقدت قمة فلسطينية إسرائيلية في شرم الشيخ تم فيها الاتفاق على وقف جميع العمليات العسكرية بين الطرفين، وإطلاق سراح 900 أسير فلسطيني، والانسحاب من مدن الضفة الغربية، التي أعيد احتلالها خلال فترة الانتفاضة. وفي عام 2005، انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي من غزة بقرار أحادي، وقبل ذلك بنت سلطات الاحتلال السور الواقي ليفصلها عن مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني، مما وضع صعوبات جديدة على العمليات الاستشهادية، وفي المحصلة وصلت المقاومة إلى فرض قواعد اشتباك جديدة، تتضمن وقف الاغتيالات الإسرائيلية لقادتها مقابل وقف المقاومة لعملياتها الاستشهادية، وكان ذلك بالتزامن أيضا مع دخول حماس معترك الانتخابات النيابية الفلسطينية التي خرجت منها بأكثرية برلمانية دفعتها إلى صدارة المشهد وتشكيل حكومة في عام 2006، وبالتالي كان أحد أسباب وقف العمليات لتمكين الحكومة الفلسطينية الجديدة من القيام بمهامها، وتخفيف الضغوط الدولية عليها.

من الناحية الشرعية، كانت العمليات الاستشهادية تستند إلى فتوى شرعية أسَّس لها الراحل الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وذلك في مواجهة فتاوى أخرى تعارضها، غالبها من فقهاء السلاطين، إلا ان الدكتور القرضاوي راجع فتواه لاحقا في ضوء بعض المستجدات التي عرضها عليه بعض تلاميذه، لكنه لم يغلق الباب تماما، بل ربطه بتقديرات القادة السياسيين والميدانيين، وما يحقق مصلحة النضال الفلسطيني، وبالتالي فإنه لا توجد عوائق شرعية لدى المقاومة من إعادة استخدام هذا السلاح إذا رأت فيه مصلحة.

نقض قواعد الاشتباك

المعادلة التي كانت المقاومة قد وصلت إليها، وهي وقف عمليات الاغتيال الإسرائيلي لقادتها مقابل وقف المقاومة لعملياتها الاستشهادية تم نقضها من الجانب الإسرائيلي، وكان مظهرها الأبرز اغتيال إسماعيل هنية قائد الحركة ومن قبله نائبه صالح العاروري، كما تم اغتيال عدد من قادة حركة الجهاد، كما أن المخاوف من ربط العمليات الاستشهادية الفلسطينية بعمليات داعش والقاعدة زال تدريجيا مع الوقت، وبالتالي فإن الطريق أصبح مفتوحا أمام المقاومة لاستخدام هذا السلاح بجانب غيره من الأسلحة لصنع معادلة جديدة، وفي حال عودة العمليات الاستشهادية فإن حكومة نتنياهو ستكون هي المسؤولة عن ذلك بفعل سياساتها وحرب الإبادة التي تقودها ضد الشعب الفلسطيني.

المقاومة للاحتلال هي عمل مشروع وفقا للشرائع السماوية، والمواثيق الدولية، وبالتالي فمن حق المقاومة استخدام كل الأساليب العسكرية والسياسية التي تعينها على تحرير أوطانها، ولا يمكن اعتبار ذلك أعمالا إرهابية، فالإرهاب الحقيقي هو ما تمارسه قوات الاحتلال تحت سمع وبصر العالم أجمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق