السبت، 26 أغسطس 2017

«استهداف أهل السُنّة» للدكتور نبيل خليفة

«استهداف أهل السُنّة» للدكتور نبيل خليفة
قراءة وعرض /يقظان التقي
«استهداف أهل السنّة». من يتزعم العالم العربي الإسلامي: السعودية أم إيران؟، المخطط الاستراتيجي للغرب وإسرائيل وإيران للسيطرة على الشرق الأوسط واقتلاع النفوذ السنّي منه.

كتاب جديد للدكتور نبيل خليفة (عن «منشورات بيبلوس للدراسات» 2014).

تحية الإهداء تحمل بعداً رمزياً للعلامة الشيخ عبدالله العلايلي، والشيخ الشهيد صبحي الصالح، أمانة للتاريخ والتفوّق والانفتاح والتسامح.

الدكتور نبيل خليفة باحث معروف، له مساهمات عديدة في الشأن اللبناني والشأن الجيوبوليتيكي وقد نال كتابه الأخير عن ميشال شيحا جائزة أدبية، واليوم دفع للقراء بكتاب سيكون له شأن في الحوارات والجدالات الجارية.

والكتاب غني بالإشارات التي لا تستنفدها الخلاصات السريعة أو المتسرّعة.

وإن الكتاب يحمل عنواناً صادماً فهو في جوهره دعوة إلى الحوار واتقاء الكوارث السياسية قبل وقوعها لا سيما التفسخات الاجتماعية والإنسانية على قاعدة التقسيمات المذهبية والطائفية.

ويخشى أن يجنح بعض القراء إلى فهم العنوان، «استهداف أهل السنّة» وبعض تفاصيل الكتاب كما لو كانت الأمور تعبّر عن نظرية تآمرية لما يجري من أمور على الساحة الإقليمية العربية. وما أسهل أن ينساق الناس في المنطقة إلى الفهم التآمري في ظل أجواء مأزومة وشديدة الحساسية.

ولعل الكتاب لا يعطي القدر الكافي من الاهتمام للقوى الرافضة وهي عريضة للمنطق التقسيمي المؤامراتي ومنطق الفتنة السنّية الشيعية والفتنة بين السنّة والأٌقليات، وهو المنطق الذي يقود جوهر البحث الجيو استراتيجي الذي يؤشر إلى برهان جدي على مقاطعة منطق فرز المنطقة بين أغلبية وأقليات متناحرة لولا المتغير الخارجي.

وإذا جرى استعراض السياسة الدولية فالموضوع المطروح بالنسبة إليها بالدرجة الأولى ليس موضوع السنّة من منطق الشرق الأوسط والأقليات، بل موضوع محاربة الإرهاب.

وهذا الإرهاب سنّي بقدر ما هو شيعي ولا تستطيع لا الأغلبية ولا الأقليات أن تتبرأ منه، إما مباشرة أو غير مباشرة عبر الانحياز الأعمى وغير النقدي لأحد الطرفين.

موضوع الإرهاب يشغل اليوم الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية كما يشغل روسيا ودولاً أخرى وهو همّ مشترك على الرغم من تباعد المواقف السياسية في أمور كثيرة بين الغرب وروسيا.

الولايات المتحدة الأميركية لا يمكن أن يُنكر دورها في الوقوف بوجه الإرهاب «الشيعي»، الذي مارسه المالكي في العراق والإرهاب الطائفي الذي اعتبرته الولايات المتحدة الأميركية سبباً رئيسياً من أسباب ظهور دولة الخلافة الإسلامية (داعش) والإصرار الأميركي على ضرورة إنصاف الطائفة السنّية في العراق، لا بل تشكيل جيش سنّي لمحاربة التطرّف الداعشي بما يتناقض مع أطروحة المؤامرة. ثم إن الموقف الروسي المشتبك مع الإرهاب داخل روسيا وحولها، يمكن أن يشكل إضافة في هذا الاتجاه.

وهذا لا يلغي ولا يصرف عن الارتباك بأوجهه الكثيرة الذي يشوب السياسات الدولية في تجاوز حتى النظريات في العلاقات الدولية وهذا قد يتلاقى مع بعض طروح الكتاب. ثم إن هناك إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل والذي ما زال العالم الغربي والولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص توارب مواقفها معه وتتجنب الاصطدام به على الأقل بشكل سياسي مباشر، على الرغم من التوترات في العلاقات الأميركية الإسرائيلية حول مواضيع محددة.

ومن يتابع التطورات الأخيرة في إسرائيل وتأجيل البت بقانون يهودية الدولة في إسرائيل يدرك أن هذا الأمر ما تم من دون ضغط أميركي أو أوروبي، وما الدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة في آذار المقبل إلا محاولة تجهيز الساحة بالكامل لليمين الإسرائيلي لمواجهة سياسية مقبلة مع أميركا ومع الاتحاد الأوروبي.

ومن ينابيع ما يجري في القدس، المدينة المقدسة للمسلمين والمسيحيين معاً ومقدسة نظرياً لليهود حيث لم يعثّر إلى الآن وخلال 60 سنة من أعمال التنقيب عن أثر يهودي واحد يخدم الأساطير المؤسسة لليهود، وهذا يدفع إلى خلاصة جوهرية في الكتاب أن إسرائيل تدفع المنطقة دفعاً إلى الصراع الديني وفي مواجهة الأغلبية السنّية في الشرق الأوسط وتحاول تصوير نفسها ضحية لها في مستقبل الديموغرافيا التي تحاصرها.

هذا الحراك الإسرائيلي وتحالفاته الإقليمية والغربية يعود به المؤلف إلى منتصف الثمانينات حين كان طالباً للدكتوراه في السوربون في باريس ويتابعه تفصيلياً منذ انتقال الإمام الخميني من ضواحي باريس إلى إيران لتسلّم السلطة وهو يتابع مسألة التحضير للفتنة السنّية الشيعية منذ العام 1994.

ويقرأ في استراتيجية الغرب وإسرائيل لبناء نظام إقليمي تفكيكي جديد فيه مجال واسع لضرب وتفكيك العالم الإسلامي.

ويجزم د. نبيل خليفة «أن دور المسيحيين في الشرق الأوسط دور رئيس ولا ينبغي أن يكونوا حرس حدود للغرب ولا لإسرائيل ومن واجبهم درء الفتنة عن المسلمين، لأن سلام المسلمين هو سلام للمسيحيين...».

في الكتاب فصول عدة تتناول أوجهاً متعددة لما يجري في المنطقة والقوى المتواجهة في الصراع، والمحفزات لدى كل منها، ولماذا تشارك في الصراع وما هي نواياها وأهدافها عبر هذا الصراع ومنه وما هو المجال الجغرافي الذي يسعى كل جانب للسيطرة عليه وعلى سكانه؟

ويشير نبيل خليفة الى أن أهل السنّة اليوم في مواجهة العالم وفي مواجهة مع العالم اليهودي وفي مواجهة مع العالم الشيعي ومع العالم الهندي ومع العالم الصيني.. وما بروز الحركات الإسلاموية المتشددة لا يهدف إلى تطبيق الشرعية، بل مواجهة الغرب وإحداث شرخ سوسيولوجي تاريخي. والفرق بين الإسلامَين السنّي والشيعي أن الإسلام السنّي ينطلق من طرح سياسي ومن ثم يشرعنه دينياً، فيما الإسلام الشيعي ينطلق من طرح ديني ومن ثم يبرره سياسياً.

ويشير خليفة إلى أهمية وثيقة الأزهر وعنوانها الرئيس الإسلام الذي يتوافق مع الديموقراطية والانفتاح والتسامح والتعددية.

أما مصير ما يجري في سوريا اليوم، يعكس مصير بشار الأسد، بل مصير إسرائيل المستقبلي بمعنى قدرة الأنظمة الأقلوية المقاومة والاستمرار في مواجهة القدرات الجيو استراتيجية السنّية. والهدف شرخ أقلوي خال من النفوذ السنّي ومحكوم بالنفوذ الشيعي الإيراني الذي يحظى برضى إسرائيل ودعم غربي روسي.

كتاب مهم جداً يثير جدلاً وناقداً للأكثرية السنّية منذ زمن الخلافة إلى زمن العثمانيين، إلى زمن الأنظمة العربية، الأغلبية التي أخافت الأقليات بالاضطهاد والاستبداد، أما اليوم فالإشكالية من التأثير الأقلوي من جانب الشيعة وميولها السياسية غير العصرية. أما تاريخ لبنان هو تاريخ محكوم بأن يكون ملجأ الأقليات والجبال والحرية، وتاريخ السرية، وبلد كهذا يجب أن تحكمه الأفكار لا الأوهام أو «الحرية التي بقيت بصوتين: صوت الجبل (سويسرا) وصوت البحر (إنكلترا) كما في توصيف أرنولد توينبي الشهير.

هنا مقتطف من مقدمة كتاب الدكتور نبيل خليفة:



 (1)

في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، وفي صفحة «من حصاد الأسبوع» الفكرية التي كنت أحررها في صحيفة «العمل» اللبنانية، كل أحد، كتبت دراسة مطولة في اربع حلقات تحت عنوان: «صراع سني ـ شيعي مكشوف بين المتوسط والخليج» والملفت فيها العنوان الفرعي للحلقة الرابعة والأخيرة، وفيه: «في ظل الكلام على تغييرات محتملة في خريطة المنطقة: معركة طرابلس المفتوحة تقرر هوية الهلال الخصيب ومصيره كله»!

أعترف أني كنت، ولا زلت، متأثراً جداً، بفريدريتش راتزل، العالم الألماني، في كتابه المرجعي «الجغرافيا السياسية»، وهو بدون منازع أبو الجيوبوليتيك المعاصر، وفيه يعرّف السياسة بأن «السياسة هي التوقّع» «La politique est la prévoyance». فرجل الفكر السياسي مدعو لأن يهتم بالمعطيات والأحداث الموضوعية والموضوعة بين يديه، ولكنه مدعو أيضاً لأن يحسن تحليل واستغلال هذه المعطيات والأحداث لصياغة رؤية مستقبلية يكون له فيها دور المبادر في صناعة وتوجيه التاريخّ!

(2)

لا أخفي أن وجودي في باريس في النصف الثاني من السبعينيات وبداية الثمانينات (1978 ـ 1980): طالباً للدكتوراه في السوربون (الحضارة العربية ـ الإسلامية) ومساعداً لرئيس تحرير مجلة «المستقبل» (المرحوم نبيل خوري) ومسؤولاً عن المركز العربي للدراسات الدولية، ومذيعاً للأخبار في إذاعة «راديو مونت كارلو»، كلها سمحت لي بالإطلالة على توجهات الثورة الإسلامية الإيرانية الصاعدة آنذاك، خاصة وأن قائد الثورة الإمام الخميني كان يومها مقيماً في ضواحي باريس (في نوفل لي شاتو) (Neauphle-le- Château). 

وعندما طار الإمام الخميني من باريس إلى طهران (شباط/فبراير 1979) ليستلم السلطة فيها، كتبت دراسة مطولة نشرها «المستقبل» على عدة صفحات، وهي بعنوان: «ثورة الإمام الخميني على ضوء تاريخ إيران المعاصر والفلسفة السياسية للإسلام»، وترجمت لأهميتها إلى الفرنسية وأشاد بها دكتور جاك فيريي أمام طلاب العلوم السياسية في السوربون، واتصل الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل بسكرتير التحرير في «المستقبل الزميل شكري نصر الله ليطلب منه أعداداً من المجلة التي نشرت الدراسة، لأنه كان يحضر آنذاك لوضع كتاب حول الثورة الإيرانية.

(3)

في التسعينيات، تابعت التحذير من وقوع الفتنة السنية ـ الشيعية. ففي محاضرة لي أمام بطاركة الشرق الكاثوليك في الربوة (1994) بعنوان: «قراءة حالية لوضع المسيحيين في الشرق»، قلت: «إن استراتيجية الغرب وإسرائيل اليوم في الشرق الأوسط مبنية على نظام إقليمي تفكيكي جديد يستجيب لمصالح الغرب وإسرائيل في المنطقة وفيه مجال واسع لضرب وتفكيك العالم الإسلامي بإدخاله في الفتنة الشيعية ـ السنية»، واضفت منبهاً ومحذراً: «نحن، المسيحيين، كنائس حدودية ولكننا لسنا ولا ينبغي ان نكون حرس حدود لا لإسرائيل ولا للغرب من واجبنا العمل لمنع كل فتنة بين المسلمين لأن سلام المسلمين هو سلام لنا ايضاً. وعلى الآباء (البطاركة) العمل منذ اليوم بوعي وإصرار لإبعاد المسيحيين ليس عن التدخل في هذه الفتنة فقط، لأنهم سيكونون أولى ضحاياها، بل عليهم عمل كل ما باستطاعتهم لمنع وقوعها».

وأتبعت ذلك في العام 1995 بدراسة عنوانها يعبّر عنها، وهو: «جيوبوليتيك العالم الإسلامي واستراتيجية الفتنة»، نشرت في «يوميات» (مجلد 2، 1995).

(4)

ما ذكرته في بداية هذا التقديم، لا أقصد منه التبجح بذاتي بل لإبراز أهمية التنبه والتوقع، ذلك أن الدهشة بالاستغراب لما يحدث في المنطقة اليوم من عنف وإرهاب على يد «داعش» وسواها، يبين أن شعوب هذه المنطقة: من سياسيين ودينيين ومواطنين، وعلمانيين ومذاهب وأحزاب وجماعات لم يكونوا على دراية بما يواجه المنطقة ويحدث فيها من مخططات واستراتيجيات منذ ما يزيد على ثلث قرن من الزمن. لقد عاشوا في ظل التاريخ ولم يتبينوا وجهه الصحيح، ووجهته المرسومة.

هذا الكتاب الذي رغب إلي العديد من الأصدقاء في العالم العربي وأوروبا أن اضعه بين أيديهم نظراً لأهمية واستباقية الافكار الواردة فيه، وكانوا قد قرأوا بعض دراساتي في الصحف، هو محاولة متواضعة لجلاء الأمور ووضعها في نصابها الصحيح من خلال تحليل جيوبوليتيك يتجاوز الإيديولوجيات والاستيهامات (Fantasmes) والمذهبيات ليكون المدخل الوحيد لصياغة الاستراتيجيات وليطرح بجلاء ووضوح الوجه الصحيح لما يجري في المنطقة والعالم:

أولاً: القوى المتواجهة في الصراع: مَن ضد مَن؟

ثانياً: المحفزات لدى كل منها: لماذا تشارك في الصراع؟

ثالثاً: ما هي نواياها وأهدافها عبر هذا الصراع ومنه؟

رابعاً: ما هو المجال الجغرافي الذي يسعى كل جانب للسيطرة عليه وعلى سكانه.

(5)

عندما نشرت دراستي «استهداف أهل السنة» (اللواء، 23 أكتوبر 2013)، تفاجأ الكثيرون لأنهم كانوا يظنون ان ما يجري هو العكس تماماًّ والآن أود أن أخرج من التخصيص إلى مزيد من التعميم لأضع هذا التقديم تحت عنوان اكثر واقعية وخطورة وتحدياً وهو:

«اهل السنة في مواجهة العالم»ّ!

ـ في مواجهة العالم المسيحي: بفرعيه البروتستنتي (الولايات المتحدة وألمانيا)؛ وفرعه الكاثوليكي (فرنسا وإيطاليا وأوروبا): وفرعه الانغليكاني (بريطانيا): وفرعه الأرثوذكسي (روسيا). وخلاصته أن الكتلة السنية هي في مواجهة مع الحضارة الغربية المسيحية!

ـ وفي مواجهة مع العالم اليهودي: إسرائيل وأجهزتها السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية.. والصهيونية وامتداداتها في كل أنحاء العالم.

ـ وفي مواجهة مع العالم الشيعي ـ الإيراني: بكل أهدافه ومطامحه ومطامعه لتزعّم العالم الإسلامي وفرض سيطرته الكاملة على شرق المتوسط.

ـ وفي مواجهة مع العالم الهندي: استمراراً للصراع الهندي ـ الباكستاني حول الانفصال وحول كشمير وحول الكتل السنية في الهند وهي في حدود 150 مليون نسمة فقط...!

ـ وفي مواجهة مع العالم الصيني: انطلاقاً من مشاكل مقاطعة كنغ ـ سيانغ (Xinziang) على امتداد 1.2 مليون م2، في غرب الصين، وما يزيد على 50 مليون مسلم يشكلون أزمة للمجتمع الصيني «الذي يخشى من امتداد العالم الإسلامي داخل الصين».

(6)

إذا كانت الكتلة السنية، التي تشكل نسبة 85% من مسلمي العالم (نحو 1،4 مليار نسمة ـ للعام 2014) على تماس ومواجهة وصراع مع مختلف هذه الكتل العالمية.. فماذا يبقى بعد من العالم؟ّ يبقى أمر مهم جداً، اشار اليه اكثر من باحث غربي، وهو ان الكتلة السنية كانت في منافسة مع الغرب وكان لديها «كراهية للغرب» كما يقول البروفسور الشهير برنار لويس، ولكنها بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 اصبحت البديل للاتحاد السوفياتي في صراع الكتلتين الدوليتين! بناء عليه، يجدر، بل ينبغي التوكيد على أمور اساسية في الوضعية الجيو ـ استراتيجية للمنطقة لاستيعاب ما جرى، وما يجري حالياً، وما سوف يجري من تحولات وتطورات جذرية ودراماتيكية وذلك في سياق استراتيجية اقليمية ـ كونية في آن (ماكرو ـ استراتيجية) وفيها ثلاثة أهداف أساسية كبرى يراد تحقيقها: أولها إزاحة النفوذ السني عن دول شرق المتوسط واستبداله بالنفوذ الإيراني الشيعي، وثانيها إدماج إسرائيل كجسم طبيعي في المنطقة ضمن دولة كونفدرالية، وثالثها السيطرة على نفط العراق: افضل وأغزر نفط في العالم (380 مليار برميل بحسب آخر التقديرات) (احتياط السعودية 265 مليار برميل). وبهذا تفهم سياسة اميركا في المنطقة: مصير إسرائيل، واحتواء الأنظمة والنفط ببعديهما السني والشيعي على السواء: باليد اليمنى السعودية ودول الخليج، وباليد اليسرى إيران وتوابعها الإقليمية! «ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالاستسلام».

إن بروز الحركات الاسلاموية (Islamisme) لا يهدف إلى تطبيق الشريعة فقط بل إلى مواجهة الغرب وإلغاء الحدود داخل العالم الاسلامي التي رسمها الاستعمار الغربي وقسّم المسلمين إلى عشرات الدول «وهم أمة واحدة». «إنهم، كما يقول عنهم إيف لا كوست، مؤمنون فخورون بعظمة ديانتهم وهم يرون ان وحدة امتهم ستجعل منها واحة التقدم ومركزاً جيوبولتيكياً سوف يؤثر على البشرية كلها» (جيوبوليتيك، ص 312). من هنا تجهد فئات كثيرة لخلق التناقضات بين العالمين المسيحي والاسلامي وخاصة على يد الأنظمة الديكتاتورية الاقلوية في العالم العربي خاصة والإسلامي عامة. ولذا تتبنى هذه الفئات استراتيجية تشويه العالم الإسلامي السنوي أو ما أسميناه في دراساتنا «أبلسة السنة» (Diabolisation du Sunnisme) لكي تبرر هذه الأنظمة الديكتاتورية بقاءها في السلطة ولكي تمنع الغرب من التعاون مع السنة، ولكي تشد من أزر الأنظمة والجماعات الشيعية في المنطقة.

 (7)

إن ظاهرة داعش، التي يراد منها ان تكون نموذجاً للإسلام الأصولي السني هي بحاجة إلى شرح علمي سوسيولوجي تاريخي وليس إلى تبرير أو مجرد تنديد بظاهرة بربرية إرهابية اصولية. إنها في الاساس، التعبير عن طرح فكري شرحه الاب بولس نويا اليسوعي، وتبنّاه أدونيس «في الثابت والمتحوّل»، وهو «أن الماضي لدى الاصولي هو الكمال»: ماضي الدين والشريعة والحياة والأخلاق والقيم والتاريخ، والمأكل والملبس والمسكن والمشرب في زمن الجهاد. «فالتمرّد لا يكون إلى الامام نحو إبداع جديد، بل ليعود إلى الوراء وعودة النهاية إلى البداية». 
فالبداية خزانة كل كمال وكل خير لأن كل حقيقة وكل معرفة وكل خبرة صالحة إنما أعطيت للأولين. وبقدر ما يبتعد التاريخ عن منبعه، تنضب فيه المياه الحية وتزداد جراثيم الموت. كل ابداع بدعة وكل بدعة ضلال.
 فلا نجاة إلا بالعودة لما كان عليه الآباء في سالف الزمان. إن داعش، بكل بساطة، تحاول ان تحتذي (IMITER) هذا الماضي الجهادي بكل تفاصيله، رابطة لأول مرة مشروعها بالأرض (العراق والشام) ثم عدلته الى الدولة الاسلامية لتفسح في المجال لإعلان الخلافة على كل بقاع المسلمين: الشريعة والسيف والخنجر والجلد والعبودية والمرأة والحجاب، والرجم وأهل الذمة. وكل تفاصيل الحياة العامة والخاصة بما فيها من إشراقات إيجابية وممارسات سلبية.. وهو ما نراه بربرية وتوحشاً. ففي الزمن الماضي.. كانوا يستعملون السيف والخنجر وليس الرشاش الخ... ذلك ان الحركات الإسلامية الاصولية الإرهابية اخرجت الدين الإسلامي من روحيّته التاريخية السمحة وأدخلت مكانها روحيّة العنف على حساب حياة الإنسان وحريته وكرامته. في ضوء هذه الرؤية، يكون التاريخ لدى هؤلاء يسير في خط دائري (CIRCULAIRE) اي بالعودة إلى الماضي، ماضيهم الخاص المشوَّه والمشوِّه، إلى القرون الوسطى، وليس في خط طولاني (LINÉAIRE) أي بالاتجاه الى الحاضر والمستقبل! ومثل هذا التوجه اثر بشكل سلبي على الحضارة العربية ـ الإسلامية عبر التاريخ!

 (8)

إن الاستراتيجية الإيرانية الهجومية ومعها النظام السوري وحزب الله والقوى الشيعية، النابعة من اضطهاد تاريخي هي استراتيجية مبنية على الألم ولذا فهي تستخدم كل اساليب الذكاء والدهاء والرياء، مدعومة من قوى دولية، ومستخدمة كل امكانات وامكانيات الطاقات الشيعية للسيطرة على الهلال الخصيب كمدخل للسيطرة على العالم العربو ـ إسلامي، ومتخذة القضية الفلسطينية كرافعة تاريخية لتحقيق هذه السيطرة. بالمقابل، فان المسلمين السنة، ككتلة دولية كبرى (Bloc) وكجماعات إقليمية، وكدول ليس لديهم حتى الآن استراتيجية دفاعية مناسبة بل مجرد مواقف وبيانات سياسية. فالسنة الذين كانوا بشكل شبه دائم هم حكام الدولة الإسلامية: من زمن الخلفاء الراشدين إلى زمن الأمبراطورية العثمانية، ولم يعانوا الاضطهاد إلا نادراً، زمن الفاطميين، يرون ربما (ولكن بأسف) أنهم ليسوا بحاجة لأن يفكروا في صياغة استراتيجية تقيهم المخاطر التي يتعرضون لها في المرحلة الراهنة بفعل التحدي العالمي لهم. ولأنه لا مرجعية «بابوية» دينية في الإسلام، إذ لا كهنوت في الإسلام، فان كل ازمة يمر فيها الفكر الديني ـ السياسي الإسلامي تفتح الباب واسعاً امام اجتهادات كثيرة، أمام إمارات يعلنها بعض المجتهدين والمتعصبين والطامحين في تحقيق سلطة دينية ـ زمنية متأثرين بمفهوم سني تاريخي هو «ولاية المتغلّب«. وبمفهوم شيعي تاريخي هو «ولاية الفقيه». هذا مع التأكيد على حقيقة يجهلها أو يتجاهلها الكثيرون من محللي الفكر الديني ـ السياسي لدى السنة والشيعة على السواء وهي:

إن الإسلام السني ينطلق من طرح سياسي ومن ثمّ يشرعنه دينياً!

وإن الإسلام الشيعي ينطلق من طرح ديني ومن ثم يبرّره سياسياً!

(9)

إن الهدف الأكبر، من الحراك القائم في العالمين العربي والإسلامي اليوم هو التوصل الى بلورة رؤية للدولة الإسلامية الحداثية في القرن الحادي والعشرين: دولة المواطنية والمساواة وحقوق الإنسان. ولقد كان لجامعة الأزهر، بشخص رئيسها المتنوّر الشيخ أحمد الطيّب السوربوني الحامل قضايا ومشاكل وآلام الإنسان العربي/ ألمسلم في القرن الحادي والعشرين، كان له فضل السبق والرؤية في الوثائق التي أصدرها الأزهر حتى الآن والتي تعتبر قفزة نوعية في الفكر الإسلامي الديني والسياسي (ببُعده السنّي) على حد سواء، وذلك بهدف الاستفادة من مساهمات كبار المفكرين المسلمين (محمد أركون وسواه مثلاً) لصياغة مثل هذه الرؤية. من هنا تعمّدت أن أضع هذه الوثائق كملاحق في الكتاب ليطّلع عليها القرّاء العرب كي يدركوا أهمية دور الأزهر والأفكار الحداثيّة التي طرحها وتبنّاها ودافع عنها وفي وجه قوى الرجعية والأصولية في مصر وخارج مصر. ولعلّ أولى ثمار هذه القفزة كانت في انتخابات تونس النيابية الأخيرة (أوكتوبر 2014) لأنها أكدت أن الإسلام يمكن أن يتوافق ويتصالح مع الديموقراطية رغم وجود اختلافات أساسية بينهما.

ختاماً، «إن الخليج هو المنطقة الأقل استقراراً على الكرة الأرضية». «والشرق الأوسط هو بؤرة تفجير العالم»، وما ذلك إلا لاحتوائه ثروات نفطية هائلة، وتواجد قوى كبرى فيه وحوله، وتشابك النزعات القومية والدينية فيه وحوله. 
إن حرب الثماني سنوات (1980 1988) بين العراق وإيران لم تكن كما يقول إيف لاكوست على «عشرة أمتار في شطّ العرب»، بل على حدود تاريخية بين عالمَين: عربي وفارسي، وحدود دينية بين مذهبَين: السنّة والشيعة. وهو صراع يأخذ اليوم معاني جديدة وأبعاداً جديدة في ظل المعطيات الجديدة التي تواجهها المنطقة والعالم. إن أهل السنّة، وعلى رأسهم السعودية، لم يتبيّنوا من قبل، أن الغرب، وعلى رأسه أميركا، يعمل على إضعاف السنّة خدمة لإسرائيل ولنفسه على الأقل وخدمة لإيران بشكل ربما غير مباشر. ومأزق السعودية ودول الخليج أنها في العمق، لا تثق بأميركا، ولكنها لا تجد قوة بديلة قادرة على حماية الخليج خارج أميركا.. وهذا هو مأزقها الحقيقي!

أما النظرة إلى الإمام الخميني ولثورته الإيرانية، فقد أكد أستاذي الشهيد الشيخ صبحي الصالح (في مقابلة مع صحيفة «لوموند» الفرنسية: «أنها ليست ثورة إسلامية، بل هي في حقيقتها ثورة إيرانية شيعية»، كما عبّرت عنها موسوعة أونيفرساليس (Encyclopedie Universalis) (ملحق العام 1990، ص 60) بالقول إن الخميني هو «رجل من الماضي ويريد إحياء الماضي بالاختباء خلف ثورة يستغلها المحافظون (الملالي والرأسماليون) وتعبّر عن إسلام متطرّف، بديل أن تكون ثورة لإنشاء دولة يمكن أن يتعايش فيها الدين والتقدّم والديموقراطية».

.. ويبقى السؤال الأساسي الذي يختصر معظم الأسئلة ويدور حوله الصراع، ويؤرّق المسلمين في القرن الحادي والعشرين: مَن يتزعّم العالم العربي الإسلامي: السعودية أم إيران؟



قراءة وعرض فهمي شراب
محاولة استئصال التأثير السُني العربي



 العنوان: محاولة استئصال التأثير السُني العربي.. 
تحليل جغرافي إستراتيجي للسعي الغربي والإسرائيلي والإيراني للهيمنة
- المؤلف: نبيل خليفة
- الناشر: سوسكس أكاديميك بريس، أميركا
- الطبعة: الأولى 2017
- الصفحات: 264محاولة استئصال التأثير السُّني العربي


عرض/ فهمي شُرابيقدم هذا الكتاب تقييماً هاماً لمجريات الأحداث التي ألمت بالمنطقة العربية، ويذكر المؤلف -وهو الخبير الإستراتيجي اللبناني الدكتور نبيل خليفة- أن هناك عدة تقارير أجنبية رصينة تؤكد أن ما وقع من ثورات أوائل عام 2011 هو مقدمة لثورات أعنف وأكثر وعياً وتنظيماً، ستشتعل نيرانها لتحرق أنظمة فاسدة ودكتاتورية استغلت تعثر وعدم وجود رأس وهيكلية لتلك الثورات.
ويضيف أن هناك دولا تلعب دوراً تصحيحياً لإتاحة الفرصة لثورات تقوم على الوعي الجماهيري وإنضاج الرأي العام، لتواجه الأنظمة القمعية.
ويستعرض حرص كثيرٍ من الدول العربية السُّنية على عدم الانزلاق في الصراعات المذهبية، ويقول إنها بذلت جهداً كبيراً لم يتوج للأسف بالنجاح بسبب الفخاخ التي نُصبت لها بُعيد ثورات الربيع العربي، وقد سقطت الدول الضعيفة وأدت الحروب التي طال أمدها إلى تدمير الثروة والتماسك العربي.

وفي حين كانت الدول العربية تسعى للانعتاق من شرنقة الأنظمة الشمولية القمعية ونيل الحرية والديمقراطية؛ ظهرت الحركات المتطرفة وما سُمي بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فقامت باستهداف المجتمعات السُّنية دون الشيعية بالعنف الشديد.
يتألف الكتاب من مقدمة مطولة وستة فصول وخاتمة، وفي المقدمة يطرح المؤلف ثلاثة أقسام:
الأول: يسعى لرصد وشرح الأسباب التي قادت إلى فشل مختلف عمليات الدمقرطة في الوطن العربي، وإلى صعود المتشددين.
الثاني: يقدم تحليلا لتيار المفكرين المسيطر منذ أيام هنري كيسنجر إلى باراك أوباما، ومن ابتكر ووضع الخطط والإستراتيجيات؟ ومن تبنى هذه الإستراتيجيات؟ ومن الذي قدمها لصانع القرار لكي يتبنى سياسة التقسيم للسيطرة.
الثالث: يتعامل مع ظاهرة صعود الطائفية التي ستخلف فوضى إضافية، ستؤول إلى صراع الحضارات وتخلف كوارث تقليدية.
تقييم ثورات الربيع العربي
في الفصل الأول يطرح المؤلف سؤالا مركزيا يتمحور في: لماذا لم تحقق هذه الثورات التي دخلت عامها السادس أهدافها؟ وهل ذهب هدفها الأساسي أدراج الرياح؟
وبعد قراءة المؤلف للعديد من الكتابات والمقالات الغنية؛ يتفق مع أصحابها في أن فكرة إسقاط رموز الحكم الدكتاتوري بدون تعزيز مَوَاطِن القوة لدى أفراد الشعب، وتعزيز إدراكهم بضرورة المشاركة في السلطة، أدت إلى هذه النتائج الدرامية.
ويستعرض سبل تطوير فكرة المشاركة وإعداد القطاعات وفئات المجتمع لكي ينجحوا فور اندلاع أي انتفاضات مشابهة للثورات السابقة، التي بدأت أولى شرارتها في تونس. حيث أحرزت تونس تقدماً كبيراً ملموساً، ويعزى ذلك إلى العوامل التالية:1- لانفتاحهم السابق على الثقافة الغربية.
2- احتكامهم لنظام دستوري متوافق عليه.
3- سيادة الروح الديمقراطية أكثر من باقي البلدان التي شهدت انتفاضات.
4- قبولهم لحزب النهضة "الإسلامي" واعتباره جزءا من النسيج المجتمعي التونسي
يؤكد المؤلف أن التخلص من رموز الحكم لم يكن كافياً للوصول إلى النظام الديمقراطي المنشود، وخاصة في الدول العربية التي تسير منذ قرون وفق أنظمة استبدادية (أوتوقراطية)، وإذا لم تكن الثورات منظمة ومخطَّطة ولها جسد، فستتم تعبئة فراغ القوة بالمتشددين، ويدخل المجتمع في معارك أخرى جانبية يحتاج معها إلى فترة كي يستقر.
وقد حصلت هذه التجارب في دول أوروبا (مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا) التي شهدت معارك طائفية ونزف دماء وحروبا مدمرة، ولكن وصلت في النهاية إلى مستويات متقدمة من الحريات الحقيقية والديمقراطية. وقد كان من السذاجة بمكان أن نتصور أن العرب -بتاريخهم الطويل مع الاستبداد- سيحصلون بين ليلة وضحها على التركيبة الديمقراطية.
استهداف الإسلام السُّنييؤكد المؤلف -في الفصل الثاني من الكتاب- أن الغرب يدرك أن صعود الحركات الإسلامية لا يهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية فقط، بل إلى التصدي لسياسات الهيمنة التي تفرضها دول الغرب، وإلغاء الحدود داخل دول العالم الإسلامي التي رسمها الاستعمار، وفق سياسته لتقسيم دول عديدة كانت في الأصل "أمة واحدة".
يرى المؤلف أن الأنظمة العربية الدكتاتورية تجهد نفسها بصب مزيد من الزيت على النار لتكرس نظرة مشوهة للمسلمين السُّنة، وليصبح تنسيق الغرب مع هذه الدول لا غنىً عنه، ولتضمن هذه الدول مجرد بقائها في الحكم. ويقول إن الإسلاميين وحدهم من يستطيع الوصول لنهضة حقيقية،  إذا ما حصلوا على فرصة كافية في الحكم

ويضيف أن الأنظمة العربية الدكتاتورية تجهد نفسها بصب مزيد من الزيت على النار لتكرس نظرة مشوهة للمسلمين السُّنة، وليصبح تنسيق الغرب مع هذه الدول لا غنىً عنه، ولتضمن هذه الدول مجرد بقائها في الحكم. ويقول إن الإسلاميين وحدهم من يستطيع الوصول لنهضة حقيقية، وبناء شبكات وكيانات اقتصادية مستقلة، إذا ما حصلوا على فرصة كافية في الحكم.
ويقرر المؤلف -ضمن الفصل الثالث- أن أميركا البروتستانتية وأوروبا الكاثوليكية وروسيا الأرثوذكسية -مع امتداد فرعها العبري في إسرائيل- تعمل ضد الإسلام السُني بكل ضراوة.
وإن المستهدف من الغرب والشرق هم العرب السنة بالدرجة الأولى، والدول غير المسلمة ذات الأقليات المسلمة الكبيرة مثلا كالصين والهند. ويذكر المؤلف أن نسبة المسلمين 1.57 مليار، منهم 1.35 سُني، وفقط 220 مليون شيعي، أي أن نسبة 85% من المسلمين سُنة.
ويقول إن الغرب والشرق -رغم ما يطبع علاقاتهما أحيانا من خلافات وتباينات- على قلب رجل واحد في محاربة الإرهاب. وإن الغرب وإسرائيل أدركا خطورة وقوع الأخيرة بين دولتين سُنيتين (مصر والأردن)، فسارعا لتوقيع اتفاقيات سلام معهما رغم القناعة النخبوية بهشاشة هذه الاتفاقيات التي تحكمها أنظمة بمعزل عن شعوبها.
ويضيف أن المدير السابق لوكالة المخابرات الأميركية جيمس وولسي صرح بما يشير لتبني مثل هذه المخططات والقناعات، حيث أكد عام 2013 -في مؤتمر هيرتزيليا الذي يعقد سنويا في إسرائيل- أنه: "لا توجد أي ذرة شك في أن الغرب عليه العمل على إفلاس وإضعاف جميع المسلمين لكي يربح الحرب العالمية الثالثة".
ويقدم الكتاب توضيحات جديدة بشأن مقولات هنري كيسنجر بالخصوص التي جاء فيها أن "‘السُّنة السياسية‘تمثل خطراً كبيراً يجب أن نعمل على تقليص مداه"، ويورد أسماء العديد من المفكرين والفلاسفة الغربيين أمثال ألكسيس دو توكفيل وأرنولد توينبي وشيشرون، ليؤكد أن مؤامرات الغرب ستؤول إلى الفشل لأن المجتمعات السُّنية تمتلك عوامل بقائها وضمان عودتها لأزمان المجد والانتصار.
ويطرح المؤلف أسئلة من قبيل: هل فعلاً سيحقق الغرب من وراء هذه الحروب مصلحة خاصة به؟ وماذا سيستفيد من فتح حروب دائمة ومواجهات مع أكثر من مليار ونصف مليار مسلم سُني؟
الصراع الطائفي لمصلحة من؟يحاول المؤلف -خلال الفصل الرابع- تقديم تقدير موقف حول تداعيات ومآلات الصراع الطائفي المشتعل الآن، وهل تم وضع خطط مسبقة للقضاء على الإسلام السُّني؟ وأيضا تقويض سيطرة العرب السُنة؟
يقدم الكتاب نظرة في عمق التفكير الإسرائيلي لما بعد الثورات، ويطرح المسارات التي تحصد إسرائيل ثمارها بسبب حالة الفوضى الحالية التي نتجت عن فشل الثورات في عدة بلدان. ويرى المؤلف أن اهتمام الغرب وروسيا بالمنطقة هدفه احتواء الأنظمة والنفط ببعديهما السُني والشيعي

ويقدم نظرة في عمق التفكير الإسرائيلي لما بعد الثورات، ويطرح المسارات التي تحصد إسرائيل ثمارها بسبب حالة الفوضى الحالية التي نتجت عن فشل الثورات في عدة بلدان. ويرى المؤلف أن اهتمام الغرب وروسيا بالمنطقة هدفه احتواء الأنظمة والنفط ببعديهما السُني والشيعي، وأن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالاستسلام.
وفي الفصل الخامس؛ يرى المؤلف أن دور المسيحيين -ضمن هذا المشهد في الشرق الأوسط- دور رئيسي، ويقول إنهم لا ينبغي أن يكونوا حرس حدود للغرب ولا لإسرائيل، ومن واجبهم درء الفتنة عن المسلمين لأن سلام المسلمين هو سلام المسيحيين. كما يتحدث المؤلف عن تأثيرات الثورات العربية على لبنان.
ويؤكد أن إستراتيجية الغرب وإسرائيل اليوم في الشرق الأوسط مبنية على نظام إقليمي تفكيكي جديد يستجيب لمصالح الغرب وإسرائيل، وفيه مجال واسع لضرب وتفكيك العالم الإسلامي بدوام إدخاله في الفتنة السُّنية الشيعية.
وفي الفصل السادس؛ يوضح الكتاب أن الدول السُنية -وعلى رأسها السعودية- لم تدرك أن الغرب -وعلى رأسه أميركا- يعمل على إضعاف السُنة خدمة لإسرائيل ولنفسه، وخدمة لإيران.
وأن مأزق السعودية وبعض دول الخليج يكمن في أنهم -وهم في عمق الأزمة- لا يثقون في أميركا ولكنهم لا يجدون عنها بديلاً في توفير الأمن والحماية للخليج العربي، مضيفا أن السعودية -كدولة ريعية بالدرجة الأولى- لا تملك رؤية وإستراتيجية خاصة بها، ولا اقتصادا حقيقيا، فهي تفتقر إلى آليات قيادة العالم الإسلامي، وأكثر الدول الإسلامية والعربية تدرك ذلك.
أما الإستراتيجية الإيرانية فقد ظلت -في تفاعلاتها الخارجية- مبنية على الشعور بالقهر والاضطهاد التاريخي بسبب الانتصارات السُنية عليها، لكنها استخدمت كل أساليب الذكاء والدهاء والرياء ضمن دوائر الحلفاء (النظام السوري وحزب الله والقوى الشيعية الأخرى)، وساعدها أن المسلمين السُّنة ليست لديهم -ككتل دولية كبرى وجماعات إقليميةٍ- إستراتيجيةٌ دفاعية مناسبة، وإنما تُسجل لهم فقط مجرد مواقف وبيانات شجب واستنكار.
ويؤكد المؤلف أن الثورة الإيرانية لم تكن إلا ثورة شيعية تختبئ خلف لافتة ثورة إسلامية، كما وصفتها موسوعة أونيفرساليس؛ ولم يكن الخميني إلا رجلا من الماضي يعبر بثورته عن محدودية ونظام دكتاتوري متطرف يحمل في ثناياه بذور فنائه.

للإطلاع على عرض الدراسة كاملاً

هناك تعليق واحد:

  1. يقول الكاتب
    عندما نشرت دراستي «استهداف أهل السنة» (اللواء، 23 أكتوبر 2013)، تفاجأ الكثيرون لأنهم كانوا يظنون ان ما يجري هو العكس تماماًّ والآن أود أن أخرج من التخصيص إلى مزيد من التعميم لأضع هذا التقديم تحت عنوان اكثر واقعية وخطورة وتحدياً وهو:

    «اهل السنة في مواجهة العالم»ّ!

    ـ في مواجهة العالم المسيحي: بفرعيه البروتستنتي (الولايات المتحدة وألمانيا)؛ وفرعه الكاثوليكي (فرنسا وإيطاليا وأوروبا): وفرعه الانغليكاني (بريطانيا): وفرعه الأرثوذكسي (روسيا). وخلاصته أن الكتلة السنية هي في مواجهة مع الحضارة الغربية المسيحية!

    ـ وفي مواجهة مع العالم اليهودي: إسرائيل وأجهزتها السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية.. والصهيونية وامتداداتها في كل أنحاء العالم.

    ـ وفي مواجهة مع العالم الشيعي ـ الإيراني: بكل أهدافه ومطامحه ومطامعه لتزعّم العالم الإسلامي وفرض سيطرته الكاملة على شرق المتوسط.

    ـ وفي مواجهة مع العالم الهندي: استمراراً للصراع الهندي ـ الباكستاني حول الانفصال وحول كشمير وحول الكتل السنية في الهند وهي في حدود 150 مليون نسمة فقط...!

    ـ وفي مواجهة مع العالم الصيني: انطلاقاً من مشاكل مقاطعة كنغ ـ سيانغ (Xinziang) على امتداد 1.2 مليون م2، في غرب الصين، وما يزيد على 50 مليون مسلم يشكلون أزمة للمجتمع الصيني «الذي يخشى من امتداد العالم الإسلامي داخل الصين».

    ردحذف