السبت، 24 أغسطس 2024

كيف تشكّل حرب نتنياهو اللانهائية على غزة تهديدًا وجوديًّا للأردن؟


كيف تشكّل حرب نتنياهو اللانهائية على غزة تهديدًا وجوديًّا للأردن؟

ترجمة وتحرير: نون بوست



مع كل جولة فاشلة من المفاوضات؛ يصبح واضحًا للجمهور العالمي أين يكمن العائق أمام وقف إطلاق النار في غزة: في عقل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وهو أمر أكثر وضوحًا ليوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، وديفيد بارنيع، مدير الموساد الذي يقود فريق التفاوض الإسرائيلي.

صفقة وقف إطلاق النار على غرار بيان الرئيس الأمريكي جو بايدن والقرار اللاحق للأمم المتحدة، القريبة من تلك التي وافقت عليها حماس بالفعل، ستؤدي إلى أمرين: إسقاط حكومة نتنياهو وحرمانه من القدرة على شن حرب دائمة ومتقطعة.

حتى لو كان وقف إطلاق النار على الورق قد يسمح له باستئناف الحرب في نهاية المرحلة الأولى من إطلاق سراح الرهائن والأسرى، في حال كانت إسرائيل ستعطل المفاوضات، فإن هذه الفرصة ستتضاءل في الواقع بعد ستة أسابيع من السلام.

الآن يتضح أن الطريقة الوحيدة لاستمرار نتنياهو في السلطة، والبقاء حرًا، هي إبقاء إسرائيل على طريق الحرب، في حالة دائمة من الصراع المنخفض المستوى على جميع حدودها.

حالة الحرب هي قبة حديدية لنتنياهو، وهي بطاقته للخروج من السجن وتجنب المحاسبة التي لم يواجهها بعد بشأن أحداث 7 أكتوبر والعملية التي استمرت 11 شهرًا في غزة، والتي فشلت بوضوح في إجبار حماس على الركوع.

الحرب هي حمايته من فقدان العرش للمنافس الشاب، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ومن احتمال الحكم عليه بالسجن بتهم فساد متعددة.

ومع عدم قدرة أو رغبة الرئيس الأمريكي الحالي، أو أي رئيس مستقبلي، في استخدام أدوات حقيقية لكبح جماح إسرائيل، مثل قطع إمدادات الأسلحة – حيث وافقت الولايات المتحدة للتو على تزويدها بأسلحة بقيمة 20 مليار دولار أخرى – يبقى نتنياهو ثابتًا في نهجه.

الاتجاه الوحيد هو نحو الجبهة التالية، وقد بدأ بالفعل تقليص العملية في غزة مع إعادة نشر الوحدات للتحضير للحرب التالية مع حزب الله في لبنان، فجميع المسارات الأخرى تؤدي إلى الهلاك بالنسبة لنتنياهو.

لكن السماح لهذا الرجل بمواصلة الصراع على خمس جبهات إلى ما لا نهاية يأتي بثمن باهظ.

أوضح وأسرع طريقة لحساب تكلفة السماح لنتنياهو بالبقاء في السلطة يمكن رؤيتها في الأردن، المنطقة العازلة التي استوعبت اللاجئين على مدى عقود من الحروب في المنطقة.

الطريقة المتعبة والساخرة للتفكير في الأردن هي القول إن المملكة تحقق مكاسب جيدة من الأزمات، وأيديها ممتدة بشكل دائم للحصول على المساعدات الخارجية.

هذا الافتراض المتهاون يفترض أن المملكة الهاشمية ستستمر في العمل بغض النظر عن الفوضى التي يسببها جيرانها؛ هذا اليوم هو افتراض كبير.

بدلاً من ذلك، يجب على العالم الغربي أن يسأل نفسه: كيف سيكون شكل المنطقة إذا أصبحت الأردن مرة أخرى ساحة معركة، كما كانت خلال حربها الأهلية مع منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1970؟

التهديد الوجودي

أكبر تهديد للأردن موجود في أذهان الإسرائيليين؛ إنها الفكرة القائلة بأن “الأردن هو فلسطين”. وقد ظهرت نسخ مختلفة من هذه الفكرة، بما في ذلك خطة ألون، التي سميت على اسم السياسي الإسرائيلي يغئال ألون، والتي دعت إلى ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية لإسرائيل وأن يصبح ما تبقى جزءًا من الأردن، وهذه الخطة تلقى قبولاً لدى ما يُطلق عليهم “المعتدلين” في الطيف السياسي الإسرائيلي.

حزب الليكود دعا إلى أن تأخذ إسرائيل كامل الضفة الغربية وتعلن ببساطة أن الأردن هي الدولة الفلسطينية.

في الآونة الأخيرة؛ أثار فريق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فكرة اتحاد أردني فلسطيني.

أبسط نسخة من هذا المخطط تنطوي على تهديدات مباشرة لسكان القرى والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة إما بالرحيل أو أن يتم حرقهم من قبل المستوطنين.

“الخيار الأردني” لم يختفِ أبدًا من الخطاب الإسرائيلي. ففي عام 2010؛ وهو عام شهد نسبيًّا سلامًا وأمنًا لإسرائيل؛ قدم حوالي نصف أعضاء الكنيست المكون من 120 عضوًا اقتراحًا للنقاش حول “دولتين لشعبين على جانبي نهر الأردن”، وهو ما يعني الترحيل الجماعي للفلسطينيين إلى الأردن.

قبل زيارة نتنياهو الأخيرة للولايات المتحدة؛ مرر الكنيست قرارًا يحظر إقامة دولة فلسطينية في المستقبل، وكان نص القرار واضحًا في معناه.

وجاء في نصه: “يعارض الكنيست الإسرائيلي إقامة دولة فلسطينية على أي قطعة أرض غرب نهر الأردن. إن وجود دولة فلسطينية في قلب إسرائيل سيشكل تهديدًا وجوديًا لدولة إسرائيل ومواطنيها، وسيزيد من تأجيج الصراع الإسرائيلي-العربي الفلسطيني ويكون مصدرًا لعدم الاستقرار في المنطقة بأكملها.”

تم تمرير القرار بأغلبية 68 صوتًا مقابل تسعة، بما في ذلك جميع أعضاء الائتلاف الحاكم ومعظم أعضاء المعارضة.

بالنسبة لأي أردني، فإن عبارة “أي قطعة أرض غرب نهر الأردن” واضحة بشكل صارخ، فهي تعني أن المكان الوحيد الذي ستقبل فيه إسرائيل وجود دولة فلسطينية سيكون في الأردن.

ولهذا فإن إعلان الملك الأردني عبد الله هذا الأسبوع أن المنطقة “لن تقبل أن يُحتجز مستقبلها رهينة لسياسات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة”؛ لم يكن من دون سبب.

لكن مشاكله ـ الملك عبد الله ـ في الحفاظ على ولاء شعبه وسيادة مملكته لم تبدأ إلا للتو.
التصرف الخطير للملك عبد الله

الاعتداء الإسرائيلي الوحشي ضد سكان غزة وضع الملك عبد الله أمام معضلة كبيرة؛ حيث كان رده حتى الآن يتأرجح بشكل متطرف بين سياستين متناقضتين، وهذا التوازن الخطير يُعتبر بمثابة الاستقرار في الأردن.

الرد الأول والواضح هو اعتبار ما يحدث في الضفة الغربية المحتلة تحت قيادة بن غفير تهديدًا وجوديًا للمملكة؛ فتسليح المستوطنين، والهجمات المتكررة على القرى والمدن الفلسطينية، والمداهمات على مجمع المسجد الأقصى، وأخيرًا تصريح بن غفير بأن الصلاة اليهودية مسموح بها في المسجد، لها هدف واحد فقط: دفع أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين إلى مغادرة منازلهم نحو الشرق.

ويتعمد بن غفير إذلال الوصاية الهاشمية على المواقع المقدسة في القدس، فهذه الوصاية كانت المهمة الوحيدة المعترف بها دوليًا التي أصر والد عبد الله، الملك حسين، على الاحتفاظ بها عندما قطع جميع الروابط القانونية والإدارية مع الضفة الغربية في يوليو 1988.

هذا الوضع خلق تيارًا قويًا من الرأي داخل البلاط الملكي، والذي تم التعبير عنه من قبل وزير الخارجية، وهو المنصب الذي يعكس تقليديًا وجهات نظر الملك، فلم يتردد أيمن الصفدي في التعبير عن ذلك؛ حيث دق ناقوس الخطر باستمرار.

صرح الصفدي بأن أي محاولة إسرائيلية لدفع الفلسطينيين نحو النزوح من غزة يمكن أن تدفع بالمنطقة نحو هاوية صراع إقليمي، ووصف إسرائيل بأنها دولة مارقة بعد مقتل الزعيم السياسي لحماس، إسماعيل هنية، في طهران.

وعندما جدد نظيره الإسرائيلي، وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، دعوته لبناء جدار على طول الحدود مع الأردن لمنع “التهريب”، قال الصفدي: “لا الاتهامات المفبركة ولا الأكاذيب التي يروج لها المسؤولون الإسرائيليون المتطرفون، بما في ذلك تلك التي تستهدف الأردن، يمكن أن تخفي حقيقة أن عدوان إسرائيل على غزة، وانتهاكاتها للقانون الدولي، وانتهاكها لحقوق الشعب الفلسطيني هي أكبر تهديد لأمن واستقرار المنطقة.”

الملكة رانيا، وهي نفسها فلسطينية، تعد الصوت البارز الآخر لهذا التيار. وقد أدانت الجوع الجماعي في غزة، قائلة في مقابلة مع وكالة سي إن إن إنه “أمر مشين”.
إلقاء اللوم على إيران

في المقابل؛ هناك تيار معاكس في الأردن يرى أن كل ما يحدث هو من عمل إيران. فهذا هو رأي جهاز المخابرات الأردني القوي، وهو منظمة ذات نفوذ واسع لدرجة أنه تعمل كحكومة موازية، وقد تم تدريبه من قبل المخابرات البريطانية، وهو مرتبط بأجهزة المخابرات الإسرائيلية والغربية وكذلك بالإمارات، العضو الأحدث في هذا النادي.

المخابرات الأردنية تعيش في خوف دائم من استيلاء جماعة الإخوان المسلمين على السلطة، حيث ترى في الشعبية الكبيرة للجناح العسكري لحركة حماس في شوارع الأردن منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر تهديدًا وطنيًا. وبناءً على ذلك، تقوم بكل ما في وسعها لقمع الاحتجاجات الشعبية.

وقد وسعت السلطات الأردنية مؤخرًا نطاق وتعريف الجرائم الإلكترونية لتشمل “نشر الأخبار الكاذبة”، ة”إثارة الفتنة”، و”تهديد السلم المجتمعي” و”ازدراء الأديان”، وهي سلاح يُستخدم بشكل حصري ضد المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، وقد تم اعتقال العشرات بموجب هذا البند، وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش.

قوى كهذه لا تؤدي إلا إلى الاستفزاز، للقد أثار اعتداء قوات الأمن الأردنية واعتقالها لسارة الظاهر ووالدتها غضبًا عارمًا، وذلك لمجرد رفعهما لافتة تشكك في الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى بعد الاقتحامات التي قادها بن غفير.

المخابرات الأردنية تخدم فقط سيدًا أجنبيًا يحتقرهم؛ حيث تتبنى إسرائيل موقف التفوق الطبيعي على حلفائها في العالم العربي، وتحرج داعميها السريين بلا داعٍ من خلال تسريبات في وسائل الإعلام الإسرائيلية تكشف عن مستوى التعاون الاقتصادي والعسكري الحقيقي الجاري.

حاليًّا؛ هناك نقص في الطماطم في إسرائيل، لأن تركيا أوقفت إرسالها كجزء من المقاطعة التجارية بسبب غزة، كما أوقفت إسرائيل استيراد الطماطم من الأردن خوفًا من احتمال إصابتها بالكوليرا.

وجاء الإعلان الإسرائيلي عن وقف استيراد الطماطم من الأردن كتذكير مرير للأردنيين بأن التجارة ما زالت مستمرة، فقد كام وزير الزراعة خالد الحنيفات قد أعلن للتو أن الصادرات ستتوقف تدريجيًا لضمان توفير الإمدادات للأسواق المحلية.

وبالمثل، تستمر إسرائيل في وضع الأردن في موقف محرج من خلال الإصرار على أن يكون لسلاحها الجوي الحق في الوصول إلى المجال الجوي الأردني في حالة وقوع هجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة من إيران.

لم تمضِ فترة قصيرة بعد أن نقلت قناة 12 الإسرائيلية عن مسؤول قوله إن الأردن سيسمح للطائرات الحربية الإسرائيلية باستخدام مجاله الجوي لإحباط الهجوم المتوقع من إيران ردًا على اغتيال إسماعيل هنية في طهران، حتى اضطرت السلطات الأردنية إلى إصدار نفي ساخن – ولكنه فارغ – لهذه الادعاءات.

ونقلت قناة المملكة التلفزيونية الأردنية المملوكة للدولة عن مصدر مطلع قوله إن المملكة لن تسمح باستخدام مجالها الجوي “تحت أي ظرف من الظروف لأي طرف، ولن تسمح برد عسكري لأي طرف متحارب حاليًا”.

أي من التصريحين يصدق الأردنيون؟ بالطبع، التصريح الإسرائيلي لأن الجميع يعلم أن الأردن ليس لديه القوة لمنع إسرائيل أو الولايات المتحدة من استخدام مجاله الجوي.

مثل هذه الحوادث تضعف الملك وتزيد من صعوبة الحياة لأولئك في الأردن الذين يريدون الاستمرار في التعاون السري مع إسرائيل التي تستغل كل فرصة لتفاقِم هذا الجرح، رغم أن مصلحة تل أبيب تقتضي التزام الصمت.

الحدود القابلة للاختراق

كل هذا له عواقب فورية، فأطول الحدود الإسرائيلية، التي كانت تقليديًا الأكثر هدوءًا، أصبحت تزداد قابلية للاختراق أسبوعًا بعد أسبوع.

ووفقًا لتقرير في صحيفة “معاريف”، تسلل أكثر من 4000 شخص عبر الحدود مع إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، وتتمكن السلطات الإسرائيلية من القبض على جزء صغير فقط منهم.

وتتنوع دوافع المتسللين؛ فقد يبحث البعض عن وظائف أو يقوم بتهريب المخدرات، لكن البعض الآخر يقوم أيضًا بتهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية المحتلة.

وزير النقب والجليل الإسرائيلي، يتسحاق فاسرلوف، دعا مؤخرًا إلى جلسة عامة للحكومة لمناقشة ما أسماه “التسلل الجماعي من الأردن”.

ووفقًا لتقرير “معاريف”، أضاف فاسرلوف: “الأمر لا يتعلق فقط بمشكلة ديمغرافية… إنه تهديد حقيقي لوحدة دولة إسرائيل. فالحدود المفتوحة تُستخدم كقناة لتهريب الأسلحة والمخدرات والمواد الخطرة، وتسمح لأعدائنا بالتسلل إلى أراضينا”.

وبالتالي سيكون رد إسرائيل بناء جدار آخر وعسكرة الحدود؛ أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي مؤخرًا أن رئيس أركان الجيش، هرتسي هليفي، يفكر في إنشاء فرقة عسكرية جديدة لنشرها على طول مئات الكيلومترات على الحدود الأردنية.

وعندما تعهد حزب الله وإيران بالانتقام لاغتيال إسماعيل هنية والقائد في حزب الله فؤاد شكر، ذهب الصفدي إلى طهران لتجنب تكرار ما حدث في الأجواء الأردنية في نيسان/أبريل، عندما أسقطت الطائرات الحربية الإسرائيلية والأمريكية طائرات مسيرة قبل أن تصل إلى إسرائيل.

وكانت هذه أول زيارة رسمية لوزير خارجية أردني إلى إيران منذ عقدين، ولكن في الواقع، أظهرت زيارته فقط مدى صعوبة الحفاظ على التوازن الحالي.

وحتى مذيعو الأخبار البارزين المعرةفين بتبعيتهم للمخابرات لم يعد يتم الاستماع إليهم عندما يستخدمون لغة طائفية ضد الشعب الفلسطيني من خلال تذكيرهم بما حدث في عام 1970، فالأردنيون من الضفة الشرقية الذين كانوا يتأثرون بهذا الخطاب باتوا ينظرون إلى حماس كقوة قيادية.

إسرائيل ليس لديها القوة لوقف هذا الاتجاه، وكل ما يمكنها فعله هو جلب الحرب والصراع إلى منطقة أكبر بكثير من غزة والضفة الغربية.

وإذا تم السماح لنتنياهو بالاستمرار في مهمته الحالية لحل القضية الفلسطينية بالقوة، فإن التوازن القائم في الأردن سيكون من المستحيل الحفاظ عليه، وسيكون تأثير الانهيار واسع النطاق.

المصدر: ميدل إيست آي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق