الأربعاء، 4 سبتمبر 2024

بيني وبينك.. سَلامٌ عليكم

 

بيني وبينك.. سَلامٌ عليكم


سلامٌ عليكم وأنتم تخوضون أشرسَ معركةٍ وأشدَّ مَلحمة، وتتعرّضون لأبشع أنواع الإبادة والتّطهير العرقيّ، وتُسامُون الذُّلَّ وهَيْهات، وتُرغَمون على أنْ تَرِدُوا ماءَ الاستسلام وهَيْهات، وتُقسَرون على أنْ ترحلوا وهَيْهات!!
إنّها سَنَواتٌ خَدَّاعات، وإنَّ أخي لم يعدْ لي أخًا، وإنَّ إلْفَ الذُّلِّ صارَ ديدَنًا، وإنَّه افتُرِيَ عليكم كما لم يُفتَرَ على شعب، فخُوِّنتُمُ وأنتمُ الأمناء، وكُذِّبتم وأنتمُ الصَّادقون، ونُسِيتُم وأنتم الأولى أنْ تذُكَروا، وإنّ منارَ دمِكم ما زال شاهِدًا، غيرَ أنّه لا يجد الصّريخ:
رَكَزُوا رُفاتَكَ فِي الرِّمالِ لِواءَ
يَسْتنهِضُ الوادي صَباحَ مَساءَ
سلامٌ عليكم وأنتم تجوعون فلا تجدون كِسرة خُبزٍ يابِسة، وتعطَشون فلا تجدونَ قَطرةَ ماءَ سائِغة، وتحرمكم أصواتُ القذائف والأحزمةُ النّارية وطنينُ «الكواد كابتر» النّومَ فلا تجدون سِنة مِنه، وتبحثون عن فِراشٍ مُهتِرئٍ فلا تجدون، وتبيتونَ على الرَّمل والشّوك والأشلاء، وتتشمّمُكم الهوامُّ والضّوالُّ كما لو كنتم صيدًا، وتتقلَّبون على جمْرِ الغَضا، وحصى الرَّدم، وشبكِ الحديد، وما أمرَّ ما تجدون!
سلامٌ عليكم وأنتم تُودِّعون أطفالَكم الّذين ذَوَوْا، صِبيانَكم الّذين كانوا في عمر الورد فذبلوا، وفي نضرة الرّوض فيَبِسوا، وفي شذى الرّياحين فحُرِّقوا، آباؤكم الّذين فَغَرَ الموتُ فاهُ فابتلعَهم أمامَكم وأنتم لا تملكون له دفعًا ولا لهم نجاةً، أبناؤكم الّذين ذهبتم إلى استخراج شهادات ميلادٍ لهم في زمن الموت والجوع والجنون والهذيان، فلمَّا عُدتم فرحين بشهادات الميلاد كان الموت قد رحل بهم إلى عالَم الآخِرة، فهل ستعودون وسطَ هذا الألم الّذي لا يُمكن أنْ يتخيّله بشريّ من أجل أنْ تستخرجوا لهم شهادات الوفاة، وإنّها أوراق، وإنّهم فوقَ أنْ تكون الأوراق هي ما يُثبِتُ وجودهم أو ينفيه، وإنّ وجودَهم يُثبته الله، وإنّ رحيلهم لا يكون إلاّ رحمة من اللهِ بهم ورأفة، رحمةً ألا يُعانُوا من هذا الجنون لو عاشوا، ورأفةً بهم لكي يرحّب بهم في ضيافته، ضيافته الّتي لا يكون أبرَّ منها ولا أكرمَ ولا أحنّ، بعيدًا عن وطنٍ لا يمرُّ به الفرح إلاّ باكِيًا!
سلامٌ عليكم وأنتم تجمعون أشلاءَكم، فتُرتّبونها وسطَ بحرٍ من اللّوعة والجمر، هذه اليدُ لهذا الكَتِف، وهذا الرأسُ لهذا العنق، وهذه السّاق لهذا الجسد! أيُّ قلبٍ يُمكن أنْ يصبر على هذا؟ أيُّ حزنٍ يمكن أن يُعبّر عن هذا؟! أيُّ لغةٍ يُمكن أنْ تشرحَ هذا؟!
سلامٌ عليكم وأنتم تنزحون من موتٍ إلى موت، وترحلون من خيمةٍ إلى خيمة، وتهجَّرون ردمًا إلى رَدم، وتتركون حيًّا مذبوحًا إلى حَيٍّ مذبوح… سلامٌ عليكم لا سلامُنا نحنُ البشر، لا سلامُنا نحنُ الجيران، فقد خذلناكُم أكبر خذلانٍ وأشدَّه، بل سلام الله الّذي هو أرأفُ بكم منّا وأرحم، سلامُ الله الّذي لا يُضِيع عبادَه، ويُؤوي في كنفه المَحزونين والمُعذّبين؛ «سلام عليكم بما صبرتُم فنعم عُقبى الدَّار» .

 

 

otoom72_poet@yahoo.com

AymanOtoom@

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق