الأربعاء، 16 نوفمبر 2022

آخر قلاع الإسلام فوق الزلازل فلا تتركوها

آخر قلاع الإسلام فوق الزلازل فلا تتركوها


الدكتور عزت السيد أحمد

قبل أن ندخل في صلب الموضوع لا بُدَّ من توسيع المشهد بل فتحه إلىٰ أقصاه لنعرف من هي قلعة الإسلام الأخيرة، ولماذا هي قلعة الإسلام الأخيرة. 
بل ولتتأكد وتتيقن من أنَّهَا فعلاً هي القلعة الوحيدة والأخيرة الباقية المدافعة عن الإسلام، وأنَّنا لا نلقي الكلام جزافاً، ولا افتراءً، ولا تعاطفاً. 
بل لترى مدىٰ حراجة موقف قلعة الإسلام الأخيرة، ومدىٰ خطورة واتساع الجبهات المفتوحة عليها الآن والمحتمل أيضاً الآن وفي قريب قادم الأيام.
من دون لف ولا دوران، ومن دون دبلوماسيات ولا مجاملات سياسيَّة ولا نفاقيَّات للآخرين ولا بهلوانيَّات حَتَّىٰ يقال عنا إنَّا لبقين… بعيداً عن ذٰلكَ كلِّه فإنَّ الإسلام والمسلمين أهداف لغير المسلمين منذ نشأ الإسلام، ولا أقول الإسلام في حالة عداء معهم بل هم في حالة عداءٍ مع الإسلام وحقد عليه يسدُّ عين الشَّمس من شدَّة ظلاميته. 
وهٰذا حديث طويل تجلَّىٰ فيما يسمَّىٰ فوبيا الإسلام، ولي فيها كتاب موسَّع هو انهيار أوهام فوبيا الإسلام، الذي صدر في 2016م. والجميع يعلم بما فيهم الحاقدون علىٰ الإسلام مدىٰ تسامح الإسلام وسلميته وإنسانيته التي من الظُّلم أن توضع في مقارنة مع غيره، الإسلام ليس في عداء مع الجميع وهٰذه من بداهات الفقه الإسلامي.
كلُّ غير المسلمين أعداء للإسلام، وبالضَّرورة للمسلمين، يتربَّصون بهما الدوائر ويكمنون لهما في كلِّ الزاويا. 
وحسبك اليوم هٰذا اليوم وليس بعيداً أنَّ الأديان كلها في أرجاء الأرض ترتكب المجازر الوحشية بلا حدود بالمسلمين في جمهورية إفريقيا الوسطى، في مالي، في مينمار، في الصين، في الهند… وقبل سنين في الشيشان ومعها في الوقت ذاته في البوسنة والهرسك… 
كل الأديان لا تكره الإسلام والمسلمين وحسب بل اليوم ترتكب فيهم المجازر. ومن الخطأ القول إن الجميع متواطئ علىٰ الصَّمت والسكوت وتمرير المجازر لأن الصَّواب أنَّ الجميع يرتكب هٰذه المجازر… وهٰذه أمثلةٌ قليلةٌ والسِّلسلة طويلةٌ.
إذن هٰذا القسم لا يعنيناً من جهة ما بقي من قلاع الإسلام، فهٰذا القسم تاريخيًّا هو هو لم يتغيَّر مبدئيًّا وإن كان يمكن أن تكون الجغرافيا تغيَّرت أو ستتغيَّر… وهٰذا القسم طرف والإسلام والمسلمون طرف آخر… المسلمون الذين يفترض أن يكونوا قلعةً واحدةً لكثرة ما ألحَّ القرآن عليهم أن يكونوا قلعةً واحدةً، ولكثرة ما ألحَّ عليهم رسول السلام والإسلام عليه الصَّلاة والسلام أن يكونوا قلعةً واحدةً، ولأنَّ المنطق السِّياسي والأخلاقي والاقتصادي والعسكري والنفسي يفرض عليهم أن يكونوا قلعةً واحدةً وهم يرون حروب الآخرين عليهم متَّفقين عليهم علىٰ اختلافهم بَيْنَهم.
كلمة أو تعبير آخر قلاع الإسلام ليست كثيرة الحضور في تاريخ الإسلام. ما عدا ما يتصل بالعبادات كقولك الدعاء آخر قلاع الإسلام، أو الصَّلاة آخر قلاع الإسلام… وهي تعابير مجازية يوجد فيها اختلاف آراء، فإنَّ تعبير آخر قلاع الإسلام قلَّما ورد في تاريخ الإسلام، فمنذ عهد النُّبوَّة والإسلام في تصاعدٍ وازدياد شوكةٍ حَتَّىٰ بالكاد يمكن القول إنَّ الأمَّة الإسلاميَّة وصلت إلىٰ مرحلة الكلام عن آخر قلعة للإسلام أو المسلمين.
محطَّات جزئيَّة مرَّت بها الأمَّة إثر انهيار الخلافة العباسيَّة، تعرَّضت فيها الأمَّة الإسلاميَّة للخطر، ولٰكنَّهَا ظلَّت صاحبة السُّؤدد والسِّيادة وهي الأقوى من الأعداء علىٰ ما فيها من ضعفٍ وتشتُّتٍ وتشرذمٍ. 
فما تنتهي دولة للإسلام حَتَّىٰ تنبثق إثرها دولة تحمل الراية، ولٰكنَّهَا كلَّها، بعد العباسية، كانت دون أن تكون خلافةً إسلاميَّة علىٰ مستوى الأمَّة حَتَّىٰ جاءت الخلافة العثمانيَّة واحتوت الأمَّة وحملت راية الإسلام.
ومع نهاية الحرب العالميَّة الأولىٰ التي كانت فيما يبدو بَيْنَ الدُّول الأوروبيَّة ولٰكنَّ الوقائع والوثائق تثبت أنَّ الهدف منها كان القضاء علىٰ الخلافة العثمانيَّة، هٰذا الأمر الذي كان يُخَطَّط له منذ أكثر من مئة سنة قبل الحرب العالميَّة الأولىٰ.
وكان ما خطَّط له الغرب وعلىٰ رأسهم البريطانيون والفرنسيون علىٰ نحوٍ خاصٍّ. واحتفلت به سائر الدول الأوروبية ولدينا عددٌ هائلٌ من التَّصريحات في هٰذا الشَّأن، منها ما ذكره الحاج أمين الحسيني في مذكراته عن رئيس مجلس العموم البريطاني سنة 1924 كرزون الذي قال: «لقد قضينا علىٰ تركيا التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم لأنَّنا قضينا علىٰ قوتها المتمثلة في أمرين الإسلام والخلافة ولن نسمح لتركيا أن تعود قوَّة يلتف حولها المسلمون حَتَّىٰ لا تعود الخلافة». 
 كان ما خططوا له من القضاء علىٰ الخلافة، وعلىٰ مفهوم الخلافة، وتمزيق الأمَّة الإسلامية وتحويلها إلىٰ أمم وقوميات، وقوميات مفتتة إلىٰ أقاليم متحاربة، وتحارب كلها الإسلام… 
والسُّلطة التي لم تحارب الإسلام تمَّ ترتيب انقلاب عليها باسم ثورة حَتَّىٰ استقر النِّظام الحاكم في سائر الدُّول العربيَّة والإسلاميَّة في عقد الستينيات علىٰ هدف واحدٍ هو محاربة الإسلام بقفازات ناعمة… 
وانقسمت الأنظمة قسمين؛ قسم يدعي أنَّهُ متدين يدافع عن وهم كاذبون كما بدا بالأدلة القاطعة اليوم، وقسم يفاخر بالعهر والفجور ويصرح بمحاربة الإسلام ولٰكن تحت اسم التَّقدميَّة، والعصريَّة، والحداثة، والعلمانيَّة، والحرية، والديمقراطيَّة، والدين لله والوطن للجميع… وكلهم معاً بقسميهم كاذبون آفاقون مستبدون بالوكالة لا بالأصالة لاستنزاف خيرات الأمة ومحاربة دينها وحرق أبنائها. والحديث في ذٰلكَ طويل وكثير التفاصيل.
المهم في ذٰلكَ الآن أنَّهُ في كل المراحل السابقة لم يصل الأمر بالأمة إلىٰ حدِّ القول بأنَّهُ لم يبق للإسلام إلا قلعة. كانت السياسة العالمية والمحلية ومعطياتها تسير من طور إلىٰ طور ومن ظرف إلىٰ ظرف علىٰ نحو لا يستدعي القلق علىٰ مصير الإسلام والمسلمين. بل كانت الأمور تسير، ولو بصورها الخارجية علىٰ الأقل، علىٰ نحو مريح للإسلام والمسلمين، انتشار الإسلام في العالم، الإنجازات العلمية التي كانت في كل طور تأتي بما يعزز عظمى القرآن ويؤكِّد أنَّها إلۤهي معجز فوق قدرات البشر… وهكذا كان المسلمون يشعرون بارتياح نسبي، ويفرحون بانتصارات لا يحققونها هم، رُبَّما شعوراً بالذنب تجاه تقصيرهم الذي فرضته عليهم الأنظمة الحاكمة إلىٰ حدٍّ كبير.
ولم يدر المسلمون ما حيك ويحاك لهم في الظُّلمات من وراء ظهورهم علىٰ الرَّغْمِ من انفضاح الكثير من الأمور في أوقاتها بطريقة غير مقصودة رُبَّما أرادها الله لتكون حجة عليهم، ولٰكنَّهُم عنها تعاموا وعليها ناموا.
بطبيعة الحال وباليقين الموثق بالوثائق والبراهين والحقائق لم يتوقف الغرب عن الكيد للإسلام إثر القضاء علىٰ الخلافة الإسلامية، ولٰكنَّهُم اطمئنوا نسبيًّا سحابة نصف القرن حَتَّىٰ السبعينيات إذ بدا واضحاً تمدد الإسلام في أوروبا علىٰ نحو ملفت، وبدأت تسمع أقوالاً لمفكرين تتوقع بأن يسود الإسلام العالم وأن القرن الحادي والعشرين هو قرن الإسلام فاستنفر الغرب في الظلمات من جديد وبدأوا البحث والتفكير والتَّخطيط والتَّدبير… عشرون سنة من الأبحاث وجميع البيانات من جديد لرسم معالم عصر جديد للمسلمين…
لم يكونوا مستعجلين، الحكام بَيْنَ أيديهم وهم لهم جند محضرون. وبفضل مفكرين محسوبين علىٰ الإسلام من الشام ومصر والمغرب وصلوا إلىٰ مبدأ تعديل الإسلام، أوروبة الإسلام. استقروا علىٰ الفكرة في أوائل التسعينيات، ومنذ ذٰلكَ الحين ازداد استخدام اصطلاح التَّطرف، والسلفيين، والإسلام المعتدل، والإسلام الوسطي حَتَّىٰ صار هٰذا الكلام في السَّنوات العشر الأخيرة هو فيصل التَّفرقة بَيْنَ الإسلام والزندقة.
قدر الله عز وجل أن تكون الثورة السورية والثورة السورية لا سواها هي الكاشفة الفاضحة التي جعلت الجميع عراة تماماً تماماً. وصار اللعب علىٰ المكشوف. 
أزال الحكام العرب الأقنعة، أركز علىٰ حكام العرب لأنَّ العرب عمود الإسلام الفقري وهٰذا ما لا ينكره مسلم ولا غير مسلم. كثير من الأنظمة العربيَّة كانت معروفة بعلاقاتها مع إسرائيل، تتهرب من التُّهمة أحياناً، وتضحك علىٰ الشعوب أحياناً أُخْرَىٰ بشعارات وهلوسات… ولٰكنَّهَا كانت متهمة بأنها تخدم إسرائيل وعميلة لإسرائيل.
المصيبة الكبرى والصدمة الصاعقة كانت في فريقين: فريق المقاومة والمانعة، وفريق السلاطين حماة الإسلام. حَتَّىٰ الآن فإنَّ كثيراً من النَّاس يعجز عن استيعاب ما حدث. يعجز عن تصديق ما انكشف. 
والمصيبة الأكبر في ذٰلكَ أنَّهُ لم تتساقط الجبهات بل تساقطت الأقنعة. كل هٰذه الأنظمة خائنة وعميلة وتابعة لإسرائيل منذ نشأتها وليس الأمر أمر تغيير مسار، أو تعديل سياسة، أو انقلاب علىٰ تاريخها… أبداً. هي كذٰلكَ هي منذ نشأتها. 
الأدلة أكثر من أن تحصى وأحصن من أن تُطْعن. وليس هٰذا موضع الإثبات وسرد الأدلة، وأصلاً أصلاً ما عادت هٰذه الأدلة سريًّة ولا مجهولة، بات أكثرها في متناول الجميع من دون قيد أو شرط. محمد ابن سلمان ولي العهد السُّعودي له تصريحات واضحة تمام الوضوح يؤكد بأن جدَّه وأعمامه الملوك السَّابقون كانوا ينفذون ما تريده أمريكا من تنشيط الوهابية، إلىٰ صنع الجهاديين، إلىٰ دعم الأخوان المسلمين، إلىٰ محاربة الأخوان… 
بل وفي يوتيوب منشور مشهور لمسؤول أمريكي يتحدث فيه عن لقائه مع محمد بن سلمان يقول له ابن سلمان بأن أمه يهودية، حَتَّىٰ لقد انصعق الأمريكي فاستفسر منه، فقال محمد بن سلمان: المرأة التي ربته، أي مربيته، منذ الطفولة هي امرأة يهودية. ولا تعليق.
إذن باتت الصُّورة شبه واضحةٍ الآن. شبه واضحةٍ؛ السُّعودية، بلد الحرمين، مهوى أفئدة المسلمين في العالم، التي تقود العالم الإسلامي، واشترت ذمم حكام بلاد المسلمين أكثرهم وطوتهم تحت جناحها، والتي يفديها مسلموا العالم بأرواحهم دون غيرها من بقاع الأرض، بل يعشقونها ويفدونها أكثر من بلدانهم وأوطانهم… تبين أنَّها تابعة لإسرائيل وخادمة لإسرائيل، وترى إسرائيل صديقاً.
المنافقون فقهاء السوء يبتدعون من الاجتهادات والفتاوى ما تقشعر له الأبدان لتسويغ العلاقة مع إسرائيل بأن اليهود أبناء عم، وأن اليهود لم يعتدوا علىٰ السعودية، وأن اليهود كتابيون… وهلم جرًّا وجرجرة في هٰذه السَّفاهات التي تستخدم الصَّحيح لجعل الباطل حقًّا والحق باطلاً.
تمهَّل، المسألة أخطر من ذٰلكَ بكثير. فلو توقف الأمر علىٰ مهادنة إسرائيل والتآخي معها لكان الأمر مهضوماً وإن علىٰ مضض ما بعده مضض.
لننظر الآن إلىٰ ما تفعله السُّعودية مباشرة وبالوكالة من خلال واجهتها الإمارات العربية المتحدة. في منتصف تشرين الثاني 2014م أعلنت الإمارات العربية المتحدة قائمة الإرهاب وفق سياستها، وهي نفسها عند السعودية تماماً فيما أعلنته السعودية لاحقاً. تضم القائمة 83 منظمة وحركة ومؤسَّسة كلها إسلامية ليس فيها غير إسلامي، بل سنيَّة أيضاً… وفيها من المدهشات ما يصعق العقل عن مدى ما تتضمنه اللاحقة من رغبة في محاصرة أي نشاط إسلامي حَتَّىٰ الإغاثي في أرجاء العالم والعالم الإسلام أيضاً.
تمهل أيضاً، فالمدهش أكثر هو القادم.
ما كان يقينا من غير دليل عندي كشفت عنه الوثائق والتسريبات التي نشرتها الصحافة الفرنسية والبريطانية والأمريكية تؤكد وتقطع بالبيانات والحقائق أنَّ الإمارات العربية المتحدة هي التي مولت وتمول كل الحروب علىٰ الإسلام والمسلمين في أرجاء العالم، هي التي تدفع أثمان الأسلة وأجور القتلة وليس في ذٰلكَ أدنى مبالغة؛ في مالي، في جمهورية إفريقيا الوسطى، في مينمار، في سوريا، في اليمن، في مصر، في ليبيا… في أي مكان توجد مجزرة ضد المسلمين فاعلم أنَّ الإمارات العربية المتحدة، ومن ورائها السعودية هي التي تمول هٰذه الحرب علىٰ الإسلام والمسلمين. وأكرر لا مبالغة أبداً في ذٰلكَ… ابحث في الإنترنت عن هٰذه المعلومات وستجدها بسهولة.
تذكر وما الأمر ببعيد أنَّهُ عندما بدأت الهند بمجازرها ضدَّ الإسلام والمسلمين قبل شهر تقريباً انفتح الدعم السُّعودي والإماراتي للهند، وتكاثرت الزيارات، وتوثقت العلاقات، وتم تكريم رئيس الوزارء الهندي، وزادت العقود التجارية… ومثل ذٰلكَ مع مينمار، ومع الصين. والذباب الإلكتروني يقول: «من أجل الضغط علىٰ الهند لحماية المسلمين»، مثلما كان يذهب وزير الخارجية السعودي إلىٰ موسكو حاملاً حقائب الدولارات ثمناً للسِّلاح الذي تصدره روسيا إلىٰ النِّظام السُّوري، والحيوانات تقول: «لشراء الموقف الروسي». علىٰ مدار نشأة الممكلة السُّعودية لم يذهب مسؤول سعودي إلىٰ موسكو ولا العكس، ومنذ استخدم النظام السُّوري السِّلاح ضدَّ شعبه صار سعود الفيصل كلَّ شهرين يزور موسكو بالشِّيكات المفتوحة حَتَّىٰ لا يتوقَّف إمداد النِّظام بالسِّلاح الروسي. ناهيكم بعد ذٰلكَ عن تمويل الحرب الروسية كلها في سوريا من قبل الإمارات والسُّعودية كما كشفت الحقائق.
من المؤكد، مثل العادة، سيوجد من يعترض بأنَّهُ لا توافق سعودي إماراتي، والإمارات هي الأخطر… وهٰذا كلام مساطيل بصراحة. الإمارات لا تعدو أن تكون صبيًّا بيد السعودية، السعودية هذ التي تشغلها وتخطط لها، لأن آل سعود حريصين كل الحرص علىٰ عدم الظهور في الواجهة، وإن كان محمد بن سلمان لم يعد يأبه بهٰذا التراث. وأي كلام عن خلافات بَيْنَهما لا يعود أن يكون وهماً، ومن لا يعلم الآن سيعلم يوماً ما بهٰذه الحقيقة التي أكررها منذ تسع سنوات أو أقل قليلاً. وحَتَّىٰ الآن قل من يقتنع بها. وعلىٰ أي حال أي نبيه يدرك من الانسجام بَيْنَهما، بل مدىٰ التَّطابق في كل شيء علىٰ الرَّغْمِ مما يشاع من خلافات وما يحدث مما يبدي للناس أنهما علىٰ خلاف، حسبك ما حدث من خلاف بَيْنَهما في اليمن منذ سنة ونصف تقريباً حَتَّىٰ توقع المحللون دخول السُّعودية في حربٍ مع الإمارات، ليتبين أنَّهُما طبخوها معاً.
أسهبت قليلاً لأبين مدى التطابق الإماراتي السعودي. وأن ما صح علىٰ أحدها صحَّ علىٰ ثانيهما.
المهم من ذٰلكَ كله أنَّ هذين القطبين بما هما هما أعداء الإسلام والمسلمين. والشواهد كثيرة لا وقت لها، حسبك الانقلاب علىٰ الربيع العربي ومحاربة الثورات لتوقعهم بأن القادم هو حكم إسلامي، وليس خوفاً من تغيير العروش كما يحلو لبعضهم أن يقول… وليس هٰذا الاحتمال أصلاً ببعيد عن هدفهم في محاربة الإسلام، فكل الأنظمة كما أبنا بداية مهمتها محاربة الإسلام، ومن ثمَّ فإنَّ محاربة الثورات إمكان هي لبقاء الأنظمة التي تحارب الإسلام. في الحالين النَّتيجة واحدة.
والسُّؤال الآن: إذا كانت السُّعودية تفعل ذٰلكَ كله فماذا بقي من قلاع الإسلام؟
الدول الإسلامية أكثرها هامشية، حَتَّىٰ مع كبر عدد سكانها مثل أندونيسيا علىٰ سبيل المثال. لها قيمتها وتقديرها شأن كل الشعوب الإسلامية ولٰكنَّهَا وشأن أكثر الدول الإسلامية تفتقر إلىٰ تكون محورية ومرجعية في العالم الإسلامي، حَتَّىٰ الباكستان النووية أيضاً ليست ذات فاعلية وتأثير… ومع ذٰلكَ فالدول الإسلامية شأنها شأن الدول العربية في أنظمة حكمها لا تختلف عنها أبداً إلا في استثناءات قليلة.
بعد ضياع العالم العربي علىٰ النحو الذي أسلفنا فيها، ولم نتوسع في بقية الدول لأنها لا تختلف عن السعودية بحال من الأحوال، فإنَّهُ لم يبق إلا ورثة الخلافة العثمانية.
واللافت اليوم أنَّ جميع الدول العربية وعلىٰ رأسها السعودية والإمارات ومصر تسلخ نصف جهودها وأموالها لمحاربة تركيا. من البداهة بمكان بعد الصورة السابقة أنَّهُ لولا التوجه الإسلامي للسلطة التركية لما كانت هٰذه الحروب عليها من قبل هٰذه الأنظمة العربيَّة. لو كانت السلطة الحاكمة في تركيا تحارب الإسلام مثلهم لما هاجموها وحاربوها هٰذه الحروب.
من البداهة بمكان أن ما يغيظ سلاطين العرب اليوم وهو ما يغيظ دول الغرب عامَّة أيضاً هو التوجه الإسلامي للسُّلطة في تركيا.
وهٰذا التَّوجُّه الإسلامي الصادق لتركيا هو الذي جعل أردوغان المثل والقدوة للمسلمين العرب عامة، وكلهم يفضلونه علىٰ حكامهم، ويضربون به المثل، ويدعون له ولتركيا في صلواتهم في كل ملمة أو خطر يحيط بتركيا أو أردوغان، حَتَّىٰ رفعوا صور أردوغان في مظاهراتهم قائيلين: نريد حاكماً مثله، وحَتَّىٰ لقد قال الرئيس الباكستاني عمران خان قبل شهر: «لو ترشَّح أردوغان لرئاسة الباكستان لفاز علىٰ جميع المرشحين». 
هٰذا لا يغيظ السلاطين العرب بقدر ما يغيظهم توجهه الإسلامي. الهدف هو الحرب علىٰ الإسلام وليس علىٰ أردوغان.
وإذا نظرت إلىٰ خريطة حروب وأهداف السلطة السعودية والإماراتية وهما رأس الحربة في الحرب علىٰ الإسلام، تجد أنَّ الهدف والعدو الوحيد لهم هو تركيا والأخوان المسلمين وحماس، في حين أنهم يعمقون علاقاتهم مع إسرائيل في العلن، وعبر عشرات السنين الماضية كانت في السر، بل أضيف لكم أنَّ كل ميزانية إسرائيل وتمويلها منذ نشأتها هي من المال السعودي المباشر والمخصص لإسرائيل وليس من فوائد أموالهم كما يحسب بعض غير قليل. وأعني أنَّ العلاقات السعودية الإسرائيلية ليست من إنتاج ابن سلمان علىٰ الإطلاق، وإنما هي تاريخية تعود إلىٰ نشأة إسرائيل. وكانت لدينا الكثير من القرائن والأدلة علىٰ ذٰلكَ.
تركيا هي هدف الجميع الآن. هدف أعداء الإسلام من غير المسلمين، وهدف أعداء الإسلام من المحسوبين علىٰ المسلمين. 
وكل ما يقال عن التنسيق الخليجي الإسرائيلي أنَّهُ لمحاربة إيران هو كذب وتضليل، فالسُّعودية والإمارات أكبر داعم للشيعة في إيران والعراق وسوريا واليمن… ومن المحال أن يكون بينهم أي عداء.
تركيا هي القلعة الأخيرة للإسلام، أمانة في أعناق المسلمين جميعاً. تركيا التي وضعت يدها بيد روسيا وهي تعلم والجميع يعلم أنَّها، في أحسن الاحتمالات والأحوال، لا تريد الخير لها؟
لأنَّهَا لم تجد صديقاً من بَيْنَ المسلمين يقف معها. 
نعم اضطرت تركيا إلىٰ التَّحالف مع خصمين لدودين هما إيران وروسيا لأنَّهَا لم تجد صديقاً يقف معها.
من البلاهة بمكان أن تسأل: أيعقل أنَّ الجميع علىٰ خطأ وهي وحدها علىٰ صواب؟ وهٰذا ما يروج له الكثيرون. ولن أقول لك انظر إلىٰ ما تفعله تركيا وما يفعله سلاطين العرب لأنَّك إن لم تكن ترى ما يحدث فأنت أعمى البصر والبصيرة.
والحرب علىٰ تركيا من قبل هٰذه الأنظمة التي تحارب الإسلام وتحارب تركيا لأنها تريد نصرة الإسلام، ليست جديدة، إنها منذ تمكن حزب العدالة والتنمية من السلطة في تركيا. وفي ذٰلكَ حديث طويل. المهم الذي أريد الإشارة إليه هنا هو أنَّ سلاطين العرب أطبقوا الحصار علىٰ تركيا وأرغموها أن تعيد علاقاتها مع إسرائيل عام 2013م أو 2014 فيما أذكر كي يعيروها بعلاقتها مع إسرائيل ويصورنها علىٰ أنَّها صديقة لإسرائيل، وكأنهم هم يحضِّرون لحرب تحرير بيت المقدس من إسرائيل. والعجيب أنهم مع كل ما انفضح من عبوديتهم لإسرائيل ما زالوا يعيرون تركيا وأردوغان بأن لها علاقة مع إسرائيل.
وكذٰلكَ أمر إجبار تركيا علىٰ الانفتاح علىٰ عدوها التاريخي إيران. أطبقوا عليها الحصار حَتَّىٰ اضطرت للتَّنفُّس عن طريق إيران، كي يتهموها أيضاً بالتَّحالف مع إيران ضدَّهم. فيما هم خدم إيران وعبيدها، وكيف لا وإيران هي إسرائيل وإسرائيل هي إيران بمعنىٰ من المعاني. لم يكن شيء من ذٰلكَ مصادفة أبداً، كلها أمور تدبر بليل للإجهاز علىٰ قلعة الإسلام الأخيرة.
أفلا يعني ذٰلكَ لك شيئاً؟
لا تتفلسف وتحاول إيجاد المخارج للهروب من مسؤوليتك في الدِّفاع عن آخر قلاعك. 
أن تنتصر تركيا أو تنكسر لا سمح الله فلن يضرَّ اللهَ ذٰلكَ شيئاً ولن ينفعه، فالله غني عن العالمين… أنت من سيفوز أو يخسر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق