الأحد، 13 نوفمبر 2022

عواصف التغيير، والحكم الإلهية في التدبير (٥)

 عواصف التغيير، والحكم الإلهية في التدبير (٥)


( سنة الله في استدراج المكذبين)
ماجري ويجري في خلفيات الأحداث العالمية من تطاحن وتشاحن دولي؛ يظهر أن الجميع فيها يمكر بالجميع، ويريد جميعهم أن يورطوا غيرهم، وهذا ينبئ بأن هناك استدراجا إلهيا قدريا لهم جميعا ؛ يهيئ لأمر عظيم ..
والعلم عند الله..
★.. فتوريط أمريكا لروسيا في حرب أوكرانيا؛ و وسعي روسيا لتفكيك وإفقار أوروبا ؛ وتربص كل من الصين وأمريكا ببعضهما، عن طريق حلفائهما؛ ثم تخبط الطغاة المنافقين في بلاد المسلمين وسط هذه القوى المتقلبة والمتغلبة، حائرين بين الرجوع للشعوب أو الركون للأعداء، مذبذبين بين ذلك ، لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء ..
كل ذلك يدل على أن السنة الكونية الإلهية (سنة الاستدراج) تعمل بقوة وخفاء..
★.. ومعنى (سنة الاستدراج) أن يقاد أهل الباطل إلى هلاكهم وحتوفهم درجة بعد درجة، وخطوة بعد خطوة، وهذه السنة التغييرية تجري في الغالب الأعم على الجبابرة المكذبين بالدين؛ لتثبيت اليقين بأن الله مولى الذين آمنوا، وأن الله مخزي الكافرين، كما قال سبحانه وتعالى ﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِيّ مَتِينٌ ﴾ [الْأَعْرَاف/١٨٢_١٨٣] .
وَفِي آيَةٍ أُخْرَى قال عز وجل : ﴿ فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِيّ مَتِينٌ ﴾ [الْقَلَم/ ٤٤-٤٥].
★.. وعندما تبدو ظواهر الأمور عند البشر على غير حقيقتها في المقادير؛ تظهر إشارات هذه السنة الإلهية من اللطيف الخبير، الذي يخبئ بها منحا في المحن، فيجعل شدة الابتلاءات مفتاحا لما بعدها من عطايا وكرامات، كما قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم لحبر الأمة وترجمان القرآن ( ابن عباس) : ( واعلَمْ أنَّ النَّصرَ مع الصَّبرِ ، وأنَّ الفرَجَ مع الكرْبِ ، وأنَّ مع العُسرِ يُسرًا). أخرجه الترمذي برقم (٢٥١٦) وأحمد برقم( ٢٨٠٣) بإسناد صحيح.
★..وسنة الاستدراج لا تسير فقط على المكذبين الكفار، بل على سائر العصاة المعاندين الفجار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود/١٠٢]
والحديث مُتَّفَقٌ عليه.
فهذه السنة تعمل في كل ظالم بحسبه" فيحمل كل على ما يليق به " كما قال ابن حجر في شرح الحديث بفتح الباري(٢٠٥/٨)
★.. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا رأيتَ اللهَ يُعطي العبدَ من الدنيا على مَعاصيه ما يُحِبُّ.. فإنما هو اسْتدراجٌ، ثم تلا : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ، حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } [ الأنعام/٤٤]
والحديث أورده الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (٤١٣)
★.. ونلاحظ في نصوص الاستدراج والإمهال والإملاء؛ أن المستدرجين يمهلهم الله ويملي لهم وهم {لايعلمون}.. لكنهم بعد فوات الأوان سيعلمون، كما قال القوي العزيز سبحانه ..{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء/ ٢٢٧]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق