الأربعاء، 23 نوفمبر 2022

“هاتريك” فلسطيني في “أريئيل” والهدّاف ابن ثمانية عشر عامًا

 “هاتريك” فلسطيني في “أريئيل” والهدّاف ابن ثمانية عشر عامًا



محمد صوف

الهاتريك يا كرام كلمةٌ أعجميّة قادمةٌ من الإنجليزيّة ” Hat trick” وتعني “الثلاثيّة” ويُقصد بها أن يحرزَ اللاعبُ نفسُه ثلاثة أهدافٍ في مباراةٍ واحدة.

في سلفيت إحدى مدن الضّفة الغربيّة في فلسطين نشأ فتىً اسمه محمّد صوف، ولد في ظلّ “أوسلو” وعاش مراحل اجتهاد الصهاينة في صناعة “الفلسطيني الجديد” حتى إذا بلغ الفتى ثمانية عشر عامًا قرّرَ منفردًا كالصقرِ المحلّق في فضاءات العزّة أن يلعب مباراته منفردًا فكانت مباراته زاخرة بالثلاثيّات؛ ثلاثيّة في التنفيذ وثلاثيّةً في النتائج وثلاثيّةً في الرّسائل.

هاتريك التنفيذ

سيسجل التاريخ طويلًا أنّه في يوم الثلاثاء الخامس عشر من نوفمبر “تشرين الثّاني” من عام 2022م تقدّم شاب اسمه محمّد صوف يبلغ من العمر ثمانية عشر عامًا من مغتصبة “إريئيل” الحصينة المقامة بقوة العدوان الصّهيوني على أرضنا المحتلّة في فلسطين؛ فنفّذ ثلاثيّةً ملحميّةً في مواجهةِ جيشٍ مدجّجٍ بالسلاح وهو لا يملكُ إلّا سكينًا في يده وقلبًا في صدره لا يهاب المنايا.

الهدف الأوّل في التنفيذِ كان حارس المستوطنة الحصينة إذ تقدّم محمّد فطعنه ثمّ نفّذ الهدف الثّاني فاستولى على مركبةٍ صهيونيّة فركبها وقادها ودهس عددًا من المستوطنين والجنود الصّهاينة ثمّ نفّذ الهدف الثّالث فنزل من مركبته وباشر طعن عددٍ من المستوطنين المحتلين قبل أن يتلقّى جسده الرصاص فيرتقي إلى علياء الشّهادة.

لقد نُفّذت العملية بمراحلها الثلاثة في ظلّ غياب قوات الاحتلال التي لم تأت إلا بعدَ أكثر من عشرين دقيقة، وحتى استشهاد محمد صوف لم يكن على أيدي القوّات الصهيونيّة بشكلٍ مباشر بل من جنديّ في إجازة كان يحمل سلاحه وأطلق النار على الفتى الشّهيد.

هاتريك النتائج

وكما كان التنفيذ ثلاثيّةً ملحميّةً فقد جاءت النّتائجُ أيضًا ثلاثيّةً مبهرةً هزّت أركان الكيان المدججّ بأعتى الأسلحة التقليديّة والنّووية؛ إذ أعلن الكيان الصّهيونيّ عن مقتلِ ثلاثةٍ من المحتلّين في هذه العمليّة البطوليّة.

كان يومًا أوقفَ فيه فتىً فلسطينيّ يبلغ من العمر ثمانية عشر عامًا بسكينه وزنده الكيان الذي تخطب الأنظمة المهترئة ودّه رهبًا ورغبًا على قدمٍ واحدة.

يومها قال رئيس الوزراء الصّهيوني يائير لبيد: “لقد استيقظ الإسرائيليّون اليوم على صباحٍ عصيبٍ ومؤلم، نفّذ فلسطينيّ هجومًا إرهابيًّا خطيرًا في أريئيل”

لقد كشفَ هذا الفتى عن هشاشةٍ بالغةٍ في المنظومة الأمنيّة الصّهيونيّة التي ما تزال موضع اعتزاز هذا الكيان، وأفصحت العمليّة عن ضآلة حجم القوّة الصّهيونيّة عندما تمتلك الشّعوب إرادة الشّباب وإقدام الفتيان.

هاتريك الرسائل

إنّ عمليّة “أريئيل” توجّه ثلاثيّةً في الرسائل على النّحو الآتي:

الرّسالة الأولى: إلى الكيان الصّهيونيّ

ومفاد هذه الرّسالة أنّ المقاومة مستمرّة وباقية؛ مستمرّة بوصفها نهجًا وثقافةً تشرّبتها روح الشّعب الفلسطينيّ، ومستمرّةً بوصفها آليّاتٍ وأدواتٍ تتجدّد وتزداد تطورًا وتنظيمًا متحديةً كلّ الوقائع التي تحاول سلطات الاحتلال الصّهيونيّ فرضها على الأرض.

وليس أمام الكيان الصّهيونيّ إلّا أن يذوق الرّعب في كلّ مرة يكتشفُ فيها أنّ منظومته الأمنيّة وأسلحة الرّدع كلّها تسقطُ أمام إرادة شاب فلسطينيّ قرّر منفردًا أن يقتحم المنايا بسكين من مطبخ بيته وأن يلقى الله شهيدًا؛ فماذا تفعلُ كلّ أسلحةِ الدُّنيا مع إرادةٍ كهذه؟!

الرّسالة الثّانية: إلى المتهافتين على التطبيع مع الكيان الصّهيوني

ويحكم؛ أما ترونَ كيفَ تتساقطُ أسطورة الرّدع والرّعب الصّهيونيّة أمام سواعد شاب لم يبلغ من العمر ثمانية عشر عامًا؟ لماذا تصرّون على أن تكونوا ممّن قال الله تعالى فيهم: “فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ”.

إنّ رهانكم على العلاقة مع الكيان الصّهيونيّ للحفاظ على عروشكم أو نيل رضا الحاكم الأمريكيّ هو رهانٌ فاشل يتساقط تحت أقدام شابٍّ مثل الشّهيد محمد صوف.

إنّ الشّعوب وحدها القادرة على حمايتكم إن أقبلتم عليها والتحمتم بها، والشّعوب وجّهت وجهها قِبَل بيت المقدس ورفض التطبيع مع المحتلّ الذي يتهدّد الأمة كلّها في وجودها وليس أرض فلسطين وحدها؛ فيا أيّها المتهافتون على التطبيع لقد آن الأوان أن توقنوا أنّ المتغطّي بالكيان الصّهيوني عريان.

الرّسالة الثّالثة: إلى الشباب في الأمّة الإسلاميّة عامّة والشّعب الفلسطيني خاصّة

إنّ أسامة بن زيد الذي أمّره رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو ابن ثمانية عشر عامًا على جيشٍ فيها كبار الصّحابة ليسَ حالةً خاصّة مضت وانقضت، وإنّ محمّد الفاتح الذي قاد الجيوش لفتح القسطنطينيّة وتحقيق بشارة النبيّ صلى الله عليه وسلّم وهو ابن اثنتين وعشرين سنة لم يكن حالةً خارج السّياق العام لما يربّي عليه الإسلام الشباب المسلم.

ومثل أسامة بن زيد ومحمّد الفاتح كثيرٌ في تاريخنا وواقعنا؛ ولقد جاء الشهيد محمّد صوف ليقول للشباب المسلم في كلّ مكان بكلّ وضوح: إنّ أسامة بن زيد ومحمّد الفاتح والأرقم بن أبي الأرقم وسعد بن معاذ وغيرهم من الشباب يجب أن يبقوا أحياء فيكم؛ فأنتم من تحملون مسؤوليّة تجديد ولادة هذه النماذج كما أتقن توليدها الشهيد محمّد صوف بكلّ اقتدار.

وإنّ مسؤوليّتكم في إحياء هذه النماذج تغدو أكبر في هذا الواقع الذي يراد فيه سلخ الشباب عن هويّتهم وانتمائهم، ويعيشُ فيه الشباب الجادّ الثابت على رفعته ومبادئه غربةً في هذا الواقع السائل.

إنّ الشّهيد محمد صوف وعمليّة “أريئيل” تندبكم لتكونوا ممّن قال الله تعالى فيهم: “إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ۖ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا”.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق