الخميس، 17 نوفمبر 2022

الأجيال الجديدة.. وانكسار موجة الربيع العربي

 الأجيال الجديدة.. وانكسار موجة الربيع العربي

إن كثيرا من الأصول والمبادئ التي كنا نتشربها مع حليب الأمهات،وفي رياض المساجد، بل في الشارع والمذياع وخطب الجمعة هي الآن في حكم المجهول أو في حكم المشكوك فيه لدى هذه الأجيال الجديدة!

ومع ذلك، يجب أن نقول أيضا، إن هذه الأجيال تخلصت أيضا من جرعة التدجين الهائلة التي كانت تُمَرَّر عبر الدين في المساجد والمذياع،وعبر الدعاة والعلماء الذين كانوا مقتنعين -حقا أو عجزا- أن المواجهة مع هذه الأنظمة هي شرٌّ من حيث المبدأ أو من حيث الواقع والحسابات والنتائج!

هذه الأجيال الجديدة تملك بفطرتها، ثم عبر قدرتها العالية على التواصل مع العالم، تمردا على واقعها، وقدرة على نقده ومحاكمته ومعرفة مواضع الخلل،لم يكن شيء من هذا التمرد لدى الأجيال السابقة،بل كان مجرد الحديث عن أن هذه الأنظمة هي العدو الحقيقي للدين والأمة يجعل صاحبه في عداد المتطرفين بغير تردد!

ستظل المشكلة الأبرز هي مشكلة الشهوات، فالإنسان حين يكون أسيرا لشهوته فإنه نادرا ما يكون حاملا لقضية حق أو مكافحا في سبيلها،أغلب أسرى الشهوات أن يكونوا «مناضلين» في سبيل تقنين شهوتهم وإخضاع المجتمع لها!

ولكن، حتى مشكلة الشهوات هذه ليست عائقا بلا حل، فمع أن وقوع الإنسان في أسر الشهوة يعطل قدراته ويلوث نبل نفسه وشرف طبعه،إلا أن الشهوة لا تعطي للحياة معنى، إن كثيرا من الواقعين في أسر الشهوات ينفرون من أنفسهم ويتأففون من وضعهم هذا..

ويبحثون في منتصف الطريق أو آخره عن المعنى الذي يعيشون به وله ويكافحون في سبيله!

وفي أمتنا،بل في هذا العالم كله، لم تعد ثمة قضية تعطي لصاحبها معنى للحياة والوجود إلا الإسلام..

فالليبرالية تكاد تلفظ أنفاسها كفكرة محركة للخيال وباعثة على الأمل،ولقد ارتكست حتى صارت في قعر المادية، والفكرة الشيوعية ماتت ولم يعد أحد يتطلع إلى مجتمع عدالة اجتماعية وتوزيع للثروة كما كانت قبل ثلاثين عاما!

وحتى حضارات الصين والهند واليابان صارت نسخا باهتة من الحضارة الغربية ولا تقدم فكرة منافسة!

الفكرة الوحيدة التي ربما يُقال إنها تثير خيالا للعدالة والتحرر هي فكرة «الأناركية» التي تحاول التخلص من طغيان السلطة،ولكن هذه الفكرة -مهما كان نُبل بعض حامليها وصدقهم- لن يمكنها أن تتحول إلى تيار شعبي لأنها جزئية ومحدودة وناقصة!

لذلك، فحتى الذين قد نحتقرهم الآن لولوغهم في الشهوات، سيخرجون يوما من هذا العفن المادي المتشبث بالجسد،

ليبحثون عن إشباع لأرواحهم التي تتشوق وتسأل عن المعنى والغاية والقضية والكفاح!

عندئذ، يجب أن يكون دعاة الإسلام بالانتظار..

أولئك الدعاة الذين خلت منهم المساجد والمحافل والقنوات، يجدون بالفعل مكانا واسعا وثغرة كبيرة على الانترنت..

ولا يزال الانترنت يطرح كل يوم أنماطا جديدة من التواصل والشبكات تتسع بدورها للمزيد من المجهود الدعوي الذي يدفع إلى تكييف وتحسين وتجديد الخطاب الدعوي!

وهذا العالم الإلكتروني، وهذه الحالة الجديدة، وهذا الجمهور غير المدجن،لن يحتمل ولن ينصت لخطاب دعوي يعيد تدجينه وحقنه بكلام السمع والطاعة والإيمان بولي الأمر!!

إنما هو عالم وحالة وجمهور يبحث عن أشواق الروح، ويحاول تلبية غريزة النفخة الربانية العلوية التي صار بها إنسانا مفارقا للحيوان ذي الغريزة الشهوانية..

وهذا الوضع الذي نحكيه يجب أن يثير في دعاة الإسلام الحماسة والنشاط، لا الركود ولا الإحباط..

ويوجب عليهم أن يستعدوا لحال تتدفق الناس عليهم فيه، لا أنهم هم الذين سيطرقون أبواب الناس!

إنه جزء من التحدي القادم الكبير لأمتنا الخالدة..

لا يفوز فيه إلا من نهض ونشط وتوكل على الله وقال 

قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ)يوسف






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق