الثلاثاء، 8 نوفمبر 2022

القضية علاء عبد الفتاح: هنا شرم الشيخ

 القضية علاء عبد الفتاح: هنا شرم الشيخ


 وائل قنديل

كلّ شيء في شرم الشيخ انتهى إلى غير ما خُطِّط له.

قمة المناخ أرادها النظام المصري تظاهرة دولية رسمية تحتضن استبداده وتشدّ على يديه وتكافئه، أو على الأقل لا تُوقف رغبته المجنونة في الاندفاع، فتحوّلت إلى فضيحة عالمية كاشفة لمناخ فاشي مقبض ومخيف في دولة اختيرت لاستضافة قمّة لإنقاذ المناخ على مستوى العالم.

كلّ الأشياء لم تبق على حالها، لا الدبلوماسية بقيت دبلوماسية، ولا الإعلام احتفظ لنفسه ببعض ملامحه، ولا القمّة العالمية بقيت عالميًة، فرأينا المسؤول الأول في الدبلوماسية، سامح شكري، يتحوّل في لحظة من وزير للخارجية إلى رئيس لجنة إلكترونية تعنى بالنشاط الخارجي. 

ظهر أمام المذيعة الأميركية مثل زعيم للشبّيحة، يتحدّث بلسان إعلامي ضئيل الحجم عديم الحس، باصقًا حزمة من الأكاذيب على الهواء مباشرًة، ملقيًا على أسماع الجميع ما يشبه البيان الأمني الكاذب، مستخدمًا تلك المنهجية الغبية التي تعتمد على التشكيك في كلّ شيء، بدءًا من محاولة نفي حصول الناشط، علاء عبد الفتاح، على الجنسية البريطانية، وانتهاءً بمحاولة نفي كونه مضربًا بشكل كامل عن الطعام والمياه، بل ولم يجد حرجًا في الإشارة إلى إمكانية إطعام السجين الأسير عنوةً، متجاهلًا أنّ هذه جريمة أخرى ضد الإنسانية إجبار أسير مضرب عن الطعام، على تناوله.

المشكلة أنّ النظام المصري تعاطى مع التظاهرة الدولية بشأن المناخ والبيئة باعتبارها مناسبة محلية خالصة، لا تختلف في تصوّره عن مؤتمرات الشباب والندوات المسمّاة تثقيفيةً التي يعقدها الجنرال الحاكم كلما استشعر حاجة لاستعمار الوعي العام وتلغيمه بحزام من الأوهام القومية العملاقة عن الرخاء والتنمية ومصر التي "قد الدنيا".

ظهر ذلك في أداء من يفترض أنه رئيس المؤتمر حين أنهى كلمته الرسمية المكتوبة، وشرع في وصلة الارتجال الاعتيادية، وكأنه يخاطب طلابًا وطالباتٍ في مؤتمراته الشبابية، أو جنودًا وضباطًا، من الجيش والشرطة والإعلام، في ندواته التثقيفية، غير أن ذلك كله لم ينجح في التشويش على القضية الرئيسية في القمّة: قضية الحرب التي تشنها دولة كاملة على سجين شاب، اسمه علاء عبد الفتاح، الذي كان نجم القمة بلا منازع، وفرض مسألة حريته وحياته المهدّدة بعد الدخول في الإضراب عن تناول المياه، بعد ثمانية شهور من الإضراب عن الطعام، فرضها موضوعًا أساسيًا على أجندة الرأي العام الدولي، على الرغم من الكلام الكثير الذي جرى على ألسنة زعماء العالم بشأن البيئة والمناخ والوقود الأحفوري والتمويل والمساعدات التي يبرع النظام المصري في استجدائها.

شبّيحة النظام من إعلاميين وبرلمانيين وقطعان ذئاب إلكترونية لم يخيّبوا الظن فيهم كالعادة، فكان السلاح هو إنتاج وترويج كميات هائلة من أكاذيب الدعاية السوداء، القائمة على التلفيق والتلاعب بالصور. 

وفي المجمل، بدا النظام معزولاً في تلك الغابات الفسيحة بالفضاء الإلكتروني، ومعه كتائبه الإلكترونية، ينتجون خطابًا معاديًا لأي معيار إنساني، ويعلنون الحرب على كلّ من يذكر مفردات مثل حريات وحقوق إنسان وعدالة.

على مستوى الهيئات الدولية الكبرى، وكذا حكومات الغرب التي لطالما ابتزّها النظام المصري بمعادلة لا حريات أو حقوق مع الحرب على الإرهاب، طغت قضية علاء عبد الفتاح بوصفها عنوانًا كبيرًا لامعًا لمأساة أكثر من ستين ألف سجين في مصر، على قضية المناخ والطاقة، فأعلنت الأمم المتحدة بلهجة حاسمة أنها تنتظر الإفراج فورًا عن علاء، كما تناولت العفو الدولية جوهر المأساة المصرية بإهدار حقوق الإنسان على نحو كامل، يعبّر عنه وجود عشرات الآلاف من السجناء السياسيين في زنازين النظام، كما تحدّث رئيس وزراء بريطانيا، ريشي سوناك، عن علاء بوصفه مواطنًا بريطانيًا تعهد لأسرته بتحريره.

حتى الذين كانوا ينطلقون من حملة الحرية لعلاء عبد الفتاح، ومجموعة أسماء لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة فقط، وجدوا أنفسهم في العراء، حين تفاعل الملايين مع المناسبة وفرضوا موضوع الستين ألف معتقل وسجين على الضمير العالمي، منتقلين من ضيق التخصيص والفئوية والطبقية إلى براح المأساة العامة.

باختصار، كانت قمّة شرم الشيخ بمثابة السحر الذي انقلب على الساحر، ليحضر علاء عبد الفتاح عنوانًا لقضية تلوّث الطقس الإنساني والاجتماعي في مصر، وتتوارى قضية المناخ والبيئة.

ما بعد قمة شرم الشيخ ليس مثل ما قبلها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق