لكن النجاة فردية للأسف
وائل قنديل
قبل شهور قليلة، أطلق الأسير علاء عبد الفتاح صيحة من داخل الزنزانة، نقلتها عنه شقيقته، قال فيها إنه ليس ثمّة مجال للنجاة الفردية من قبضة السجان، وكانت صيحة تؤشّر بوضوح إلى أن المطلوب هو جهد جادّ يستهدف الحرية لجميع المحبوسين ظلمًا.
ولكن المأساة التي تكشف عنها الشهور والأسابيع الماضية أن معركة الحرية باتت فردية، وبالحد الأقصى فئوية أو شللية، إذ ضاقت الشعارات إلى الاكتفاء بالقول "الحرية لفلان"، وفي الفقرة الأخيرة من الحيثيات الفضفاضة للمطالبة بحرية هذا "الفلان" تلصق عبارة "ولكل سجناء الرأي".
.. مسألة تحديد مفهوم سجناء الرأي تبقى إشكالية أخرى، إذ يقول السياق العام لاستعمالها إن المقصود بها هو سجين الرأي الذي نفضّله ونعتنقه، بينما سجين الرأي المخالف فغير مشمولٍ بهذه المظلة الفئوية التي تتخذ، في بعض الأحيان، شكلًا من أشكال العنصرية والشوفينية.
منذ أفطر حمدين صبّاحي على مائدة عبد الفتاح السيسي في شهر رمضان الماضي، تم تدشين "النجاة الفردية" منهاجًا وآلية معتمدة للمطالبة بالعفو من صاحب العفو للأقربين سياسيًا وأيديولوجيًا، الذين هم أوْلى بالحرية وبالحياة من غيرهم، الذين يخرُجون من السجون وسط احتفالات إعلامية صاخبة يصاحبها الكلام المعتاد عن تلك الانفراجة الكاذبة في ملف الحريات.
من أسفٍ أن النجاة ليست، فقط، فردية، بل إنها باتت مرهونةً بالثقل الدولي الذي تصنعه حملات إعلامية لا تشمل إلا أسماءً بعينها، تستهدف دوائر دولية ذات تأثير عند السلطات المصرية، وتنجح في تحرير شخصٍ أو أكثر من المختارين عنوانًا لقضية الحريات وحقوق الإنسان في مصر، بينما عشرات الآلاف الآخرين لا يذكرون إلا بشكل عابر وذرًّا للرماد في العيون.
من المحبوسين من اتخذ موقفًا محترمًا في لحظة ما فصار اسمه "سجين الموقف".. وهناك محبوسون هم الموقف المحترم مجسّدًا في أشخاص، اسمهم "سجناء المبدأ" أو يمكن، من دون مبالغة أو مجاملة، اعتبارهم من أولي العزم من السجناء، لكن أحدًا لا يذكُرهم في مهرجانات الثرثرة والتصنيفات التي تلهو بمنح الألقاب والرتب الثورية على الأصدقاء والرفاق، فيما تسقط أسماء نبلاء ومناضلين حقيقيين، مثل الوزير محمد علي بشر والسفير محمد رفاعة الطهطاوي، وعصام سلطان ومحمد البلتاجي، وحازم صلاح أبو اسماعيل والوزير باسم عودة وأحمد عارف وحسام أبو البخاري وأسامة محمد مرسي، وقائمة طويلة من الذين يعلمهم الله غيّبتهم السجون منذ أكثر من تسع سنوات.
هؤلاء ليسوا منسيين من صولات وجولات "الحرية لفلان"، بل يتم إسقاطهم عمدًا من جدول أعمال النضال الفئوي الضيق، وكأن بقاءهم في زنازينهم بات واقعًا فلكلوريًا لا يشتبك معه أحد أو يفكّر فيه، أو كأنه إقرار صامت ومتواطئ بأن السجن مكانهم الطبيعي ومصيرهم العادل.
إقصاء هؤلاء من قضية العدالة واستبعادهم من كل حوار أو نقاش عن الحرية والديمقراطية بمثابة جريمة قتل عمد لكل قيم النضال الحقيقي ومعانيه، وإعلان عن الإذعان الكامل لغطرسة القوة وتسليم بأنه ليس في الإمكان أكثر من البقاء عبيدًا لإحسانات السلطة الباطشة، التي لا تأتي إلا استجابة لرغباتٍ دوليةٍ تأخذ شكل الضغوط والرشى.
والحال كذلك، لا يمكن، بحال من الأحوال، أن نلوم بايدن أو ماكرون، أو كل من يستخدم نفوذه لدى السلطة للحصول على عفو عن هذا السجين أو ذاك، كما لا يمكن المزايدة على أهالي المظلومين المغيبين في الزنازين، حين يطرقون كل الأبواب، ويلجأون لكل الوسائل لإنقاذ حياة سجنائهم. وكما قلت، أكثر من مرّة، فإن خروج أي سجينٍ من ضيق الزنزانة إلى براح الحياة العادية خبرٌ يستحق التهنئة لمن خرجوا، ولمن ينتظرونهم عند بوابات السجون، مهما كانت الأساليب التي أدّت إلى خروجهم.
اللوم على من ارتضوا أن تصبح الحرية منحةً من أعدائها، ولم تعد حقًا ينتزع بالنضال من أجل المجموع، لا الاستجداء من أجل فرد.
ولكن المأساة التي تكشف عنها الشهور والأسابيع الماضية أن معركة الحرية باتت فردية، وبالحد الأقصى فئوية أو شللية، إذ ضاقت الشعارات إلى الاكتفاء بالقول "الحرية لفلان"، وفي الفقرة الأخيرة من الحيثيات الفضفاضة للمطالبة بحرية هذا "الفلان" تلصق عبارة "ولكل سجناء الرأي".
.. مسألة تحديد مفهوم سجناء الرأي تبقى إشكالية أخرى، إذ يقول السياق العام لاستعمالها إن المقصود بها هو سجين الرأي الذي نفضّله ونعتنقه، بينما سجين الرأي المخالف فغير مشمولٍ بهذه المظلة الفئوية التي تتخذ، في بعض الأحيان، شكلًا من أشكال العنصرية والشوفينية.
منذ أفطر حمدين صبّاحي على مائدة عبد الفتاح السيسي في شهر رمضان الماضي، تم تدشين "النجاة الفردية" منهاجًا وآلية معتمدة للمطالبة بالعفو من صاحب العفو للأقربين سياسيًا وأيديولوجيًا، الذين هم أوْلى بالحرية وبالحياة من غيرهم، الذين يخرُجون من السجون وسط احتفالات إعلامية صاخبة يصاحبها الكلام المعتاد عن تلك الانفراجة الكاذبة في ملف الحريات.
من أسفٍ أن النجاة ليست، فقط، فردية، بل إنها باتت مرهونةً بالثقل الدولي الذي تصنعه حملات إعلامية لا تشمل إلا أسماءً بعينها، تستهدف دوائر دولية ذات تأثير عند السلطات المصرية، وتنجح في تحرير شخصٍ أو أكثر من المختارين عنوانًا لقضية الحريات وحقوق الإنسان في مصر، بينما عشرات الآلاف الآخرين لا يذكرون إلا بشكل عابر وذرًّا للرماد في العيون.
من المحبوسين من اتخذ موقفًا محترمًا في لحظة ما فصار اسمه "سجين الموقف".. وهناك محبوسون هم الموقف المحترم مجسّدًا في أشخاص، اسمهم "سجناء المبدأ" أو يمكن، من دون مبالغة أو مجاملة، اعتبارهم من أولي العزم من السجناء، لكن أحدًا لا يذكُرهم في مهرجانات الثرثرة والتصنيفات التي تلهو بمنح الألقاب والرتب الثورية على الأصدقاء والرفاق، فيما تسقط أسماء نبلاء ومناضلين حقيقيين، مثل الوزير محمد علي بشر والسفير محمد رفاعة الطهطاوي، وعصام سلطان ومحمد البلتاجي، وحازم صلاح أبو اسماعيل والوزير باسم عودة وأحمد عارف وحسام أبو البخاري وأسامة محمد مرسي، وقائمة طويلة من الذين يعلمهم الله غيّبتهم السجون منذ أكثر من تسع سنوات.
هؤلاء ليسوا منسيين من صولات وجولات "الحرية لفلان"، بل يتم إسقاطهم عمدًا من جدول أعمال النضال الفئوي الضيق، وكأن بقاءهم في زنازينهم بات واقعًا فلكلوريًا لا يشتبك معه أحد أو يفكّر فيه، أو كأنه إقرار صامت ومتواطئ بأن السجن مكانهم الطبيعي ومصيرهم العادل.
إقصاء هؤلاء من قضية العدالة واستبعادهم من كل حوار أو نقاش عن الحرية والديمقراطية بمثابة جريمة قتل عمد لكل قيم النضال الحقيقي ومعانيه، وإعلان عن الإذعان الكامل لغطرسة القوة وتسليم بأنه ليس في الإمكان أكثر من البقاء عبيدًا لإحسانات السلطة الباطشة، التي لا تأتي إلا استجابة لرغباتٍ دوليةٍ تأخذ شكل الضغوط والرشى.
والحال كذلك، لا يمكن، بحال من الأحوال، أن نلوم بايدن أو ماكرون، أو كل من يستخدم نفوذه لدى السلطة للحصول على عفو عن هذا السجين أو ذاك، كما لا يمكن المزايدة على أهالي المظلومين المغيبين في الزنازين، حين يطرقون كل الأبواب، ويلجأون لكل الوسائل لإنقاذ حياة سجنائهم. وكما قلت، أكثر من مرّة، فإن خروج أي سجينٍ من ضيق الزنزانة إلى براح الحياة العادية خبرٌ يستحق التهنئة لمن خرجوا، ولمن ينتظرونهم عند بوابات السجون، مهما كانت الأساليب التي أدّت إلى خروجهم.
اللوم على من ارتضوا أن تصبح الحرية منحةً من أعدائها، ولم تعد حقًا ينتزع بالنضال من أجل المجموع، لا الاستجداء من أجل فرد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق