المتلاعبون بملف المناخ والاحتباس الحراري
خدعة كبرى تعيشها مؤتمرات المناخ بزعم إنقاذ الأرض من الاحترار وارتفاع درجة الحرارة؛ فالدول الصناعية الكبرى التي جعلت الغلاف الجوي مكبا للنفايات الكربونية تلقي المسؤولية على الدول النامية، وفي الوقت الذي تعتمد فيه أوربا وأمريكا على الطاقة النووية والوقود الأحفوري يطالب الغرب الدول النامية بالاعتماد على طاقة الشمس والرياح!
لم تلتزم الدول الغربية الموقعة على إعلان باريس عام 2015 وتوصيات مؤتمر جلاسكو 2021 بالسيطرة على الاحترار بل تتوسع في مشروعات النفط والغاز والفحم، وتنضم الصين للقائمة كأكبر منتج للغازات الدفيئة لكونها أكبر دولة صناعية في العالم، وقد كشفت الحرب الروسية الأوكرانية أزمة الطاقة في أوربا عندما تأثرت خطوط إمداد النفط والغاز.
تنافق الحكومات الغربية بادعاء مواجهة الاحتباس الحراري على خلاف ما تقوم بتنفيذه، تحت ضغط جماعات الدفاع عن المناخ التي صعّدت من احتجاجاتها في السنوات الأخيرة، وبلغت ذروة نشاطها مع عقد مؤتمر المناخ في شرم الشيخ بالهجوم على المتاحف في بريطانيا وفرنسا وألمانيا ودول أخرى، وتشويه اللوحات التي رسمها مشاهير الفنانين العالميين، وظهور جماعات باسم ” أوقفوا النفط” تخرب محطات البنزين في المدن الأوربية.
شكوك وتناقضات
تشهد قضية المناخ جدلا واسعا في الغرب منذ بداية طرح فكرة الاحتباس الحراري التي تبناها آل غور نائب الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون، وشكك اليمين الأمريكي في الفكرة واتهمها بأنها غير علمية، وكان ذلك سببا في انسحاب ترمب من اتفاقية المناخ قبل أن يعود إليها الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، لكن مع موجة حرائق الغابات والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة بدأ أنصار النظرية يزدادون حماسا لكن مع مبالغات غير منطقية.
الحقيقة أن العالم لا يزال يعتمد على الوقود الأحفوري من نفط وغاز وفحم كمصدر للطاقة لا يمكن الاستغناء عنه، ولم تنجح البدائل المطروحة في تحقيق ما يطالب به أنصار البيئة، فالطاقة المتولدة من الرياح والشمس هي طاقة مكملة وليست بديلة ولا يمكن الاعتماد عليها، ولا توجد تجارب ناجحة يمكن الاحتذاء بها، وإلا لكانت أوربا قد سبقتنا وغيرت نظام الطاقة بها.
أيضا من الغرائب التي يطالبون بها هي التقليل من الثروة الحيوانية، ويتهمون الأبقار والفيلة ومزارع الدواجن بأنها المسؤولة عن ضخ غاز الميثان الذي يعتبرونه أخطر من ثاني أكيد الكربون بعشرة أضعاف، ولتخفيف الانتقادات للكربون صدرت دراسات تؤكد أن روث الحيوانات والغازات التي تصدرها الأبقار تمثل خطرا على الكوكب، ويضعون التوصيات لوضع أجندة أممية وتحالف دولي لتقليل انبعاثات الميثان.
حصد المزيد من الأرباح
تستغل الرأسمالية الغربية والشركات متعددة الجنسيات ملف المناخ لحصد المزيد من الأرباح، مدعومة من البنوك الأوربية والأمريكية بإغراق الدول النامية في المزيد من الديون في إطار ما يسمى عمليات التخفيف والتكيف، لبناء محطات توليد الطاقة من الشمس والرياح، ويقدمون الرشاوي والإغراءات لكبار الموظفين لتقبل وتمرير خطط التحول إلى ما يسمى الاقتصاد الأخضر!
هذه البنوك التي تمول الاقتصاد الأخضر في البلدان النامية هي التي تمول مشروعات الطاقة الأحفورية في أوربا وأمريكا، وهذا التمويل ليس لصالح الفقراء، وإنما لتكديس الأموال في أيدي الرأسماليين الغربيين، وفتح فرص العمل للشركات الغربية بتمويل مشروعات القطارات الكهربائية والمترو والسيارات الكهربائية التي تثقل كاهل الدول الفقيرة.
يصدر قادة الدول الصناعية الغربية التوصيات والقرارات ليحتكروا هم استخدام النفط والغاز والفحم ويحرمون الدول الفقيرة من استخدام الوقود الأحفوري الأرخص والمتاح، وفي نفس الوقت يتباكون على الكوكب، والأغرب في هذا الملف هو الصمت عن استخدام الطاقة النووية لتبقى حكرا على حفنة من الدول.
شيطنة الطاقة النووية
يتعمدون تجاهل الحديث عن حق دول العالم في استخدام التكنولوجيا النووية في توليد الطاقة، وعندما تفكر أي دولة إسلامية في الحصول على التقنية النووية تقوم قيامة الدول الغربية ويقدمون الإغراءات ويفرضون العقوبات لتبقى هذه الطاقة خاصة بهم وحدهم.
تعتمد دول الغرب على اليورانيوم الموجود في أفريقيا لتشغيل مفاعلاتهم النووية، فالولايات المتحدة بها 104 مفاعلات نووية، وبريطانيا بها 23 وألمانيا بها 17 وفرنسا بها 59 مفاعلا وتحتل فرنسا دول غرب أفريقيا منذ عقود، وتستولي على اليورانيوم لتشغيل محطاتها النووية التي تنتج 80% من الكهرباء.
في العالم الإسلامي لا توجد غير باكستان التي دخلت المجال النووي بدعم صيني لمواجهة الهند، وكان هذا الصراع سببا في إفلات الباكستانيين مع ضوابط فرضت فيما بعد، وفي الوقت الحالي نشاهد المفاوضات والقمم التي تجري بشأن مشروع إيران النووي والذي يأتي في سياق انفراد ” إسرائيل” بالتكنولوجيا النووية في محيط خال من هذه التقنية.
بالتأكيد تحتاج الأرض إلى الاهتمام، ولكن على من أفسدها أن يصلح سياساته، وليس بتوظيف الأهداف النبيلة لاستمرار نهب ثروات العالم الثالث، وتحويل الأزمة المناخية إلى بيزنس لتشغيل المصانع الغربية وإغراق الدول النامية في مزيد من الديون وحرمانها من تنويع مصادر الطاقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق