عواصف التغيير، والحكم الإلهية في التدبير (٨)
د. عبد العزيز كامل
( سنة الله في المكر بالماكرين)
المكر الكبار الذي يدير به أكابر المجرمين شؤون عالم اليوم لحسابهم ومصالحهم؛ لا يخفى على من لا تخفى عليه خافية، فمهما كان مكرهم أكبر فالله أكبر ، وهو لهم بالمرصاد و من ورائهم محيط، لأنهم يمكرون مكر المخلوق الضعيف المغرور ؛ { وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ } [فاطر/١٠]
★.. ولأن معنى المكر في الأصل : التدبير الخفي؛ فقد يكون لخير أو لشر، ولا يوصف الله تعالى به استقلالا، ونسبته لله في كتاب الله لا تجئ إلا على معنى يليق بعظمته وعدله وحكمته، فتدبيره - سبحانه - يأتي خفيا لإيقاع أهل المكر السيئ في أسوأ العواقب والعقوبات { وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ } [فاطر/ ٣٤]. وشتان بين مكر ومكر {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [ الانفال/٣٠]
★..ومن السنن الإلهية في الماكرين، أن الله تعالى يجعل مكرهم ذاته وبالا عليهم ، فيصير تدميرهم في تدبيرهم، وكأنهم يوجهون سهامهم نحو نحورهم ..
= وقد قال الله سبحانه : { وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٠)فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١)} من سورة النمل.
= وقال: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ } [النحل/٢٦].
= وقال : { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}[الانعام/١٢٣]
★..وقد توالى مكر الماكرين بسائر المرسلين، كما قال الله عز وجل : { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} ( الأنعام/ ١١٢).
واجتمع مكر مشركي العرب على إمام المرسلين صلى الله عليه وسلم .. { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال/٣٠] .
★..و مع التأمل في آيات القرآن ؛ سنجد أن كل مكر سيئ بالمؤمنين يحيق عاجلا او آجلا بأعداء الدين ، ولكن مع شدة عقوبات الله للماكرين عبر التاريخ ؛ فلا نجد لهم عقوبة أسوأ من أن يمد الله لهم في غيهم، وقد يزيد الله في إمهالهم ويطيل اعمارهم، حتى يزدادوا إثما، فيخسرون الآخرة بعد الدنيا ، كما قال الله عز وجل : { بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٣) لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ ۖ وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ (٣٤)من سورة الرعد.
وقال سبحانه: { وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (٤٦)فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (٤٧).يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨)وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٤٩)سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠)لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٥١)} ..من سورة إبراهيم.
فلا يليق بأهل اليقين إذن أن يظنوا _مجرد ظن _ أن الله لا يتولى الصالحين، أوأنه سيصلح عمل المفسدين، بل ينبغي لهم أن يراقبوا فيما يستقبل من الزمن.. جريان هذه السنن ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق