الأربعاء، 16 نوفمبر 2022

الأخطاء الكبرى أثناء الحكم

 الأخطاء الكبرى أثناء الحكم

د. عطية عدلان  

مدير مركز «محكمات» للبحوث والدراسات – اسطنبول

بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ..

على الرغم من الأخطاء القاصمة التي ارتكبها الإخوان وسائر الإسلاميين أثناء الثورة وبعدها؛ مَنَحَنَا اللهُ فرصةً ثانية، كانت كافية -لو أنّنا تعلمنا من أخطاء الماضي- في محو آثار تلك الأخطاء،

هذه الفرصة هي فرصة الحكم، لقد آلت إلينا شرعية الحكم مرتين، مرة بالبرلمان وأخرى بالرئاسة، كلتاهما كانت تمكينا وإنْ بشكل جزئي،

وإذا كانت الشرعية وحدها لا تكفي حتى ينضم إليها حيازة أدوات الحكم فإنّ مجيء هذه الشرعية بعد ثورة يؤهلها لاستكمال دائرة الحكم عبر الضغط من خلال الشارع،

وإذَا كان الشارع قد أَعْطى ظهره للإخوان بسبب ما ارتكبوه من أخطاء فإنّه كان بالإمكان استعادته -وإن بصورة غير كاملة- بخطاب جديد،

فيه تجديد للثورة، مع حسن استعمال للتمكين السياسي في استمرار الثورة بأدوات جديدة أكثر تنظيما وإحكاما،

لكنّ شيئا من ذلك كله لم يقع؛ لا لشيء إلا لأنّ الذين يتحكمون في المشهد (الإخوان والعسكر) لا يريدون له أن يقع؛ لمواطأة وقعت بينهما!

لماذا لم يتوجه البرلمان بالمحاسبة للمجلس العسكريّ مرة واحدة، وهو يعلم علم اليقين أن كل ما كان يقع إبَّانَ انعقاد البرلمان من جرائم على كل المستويات إنّما كان سببه العسكر وأجهزتهم المخابراتية والأمنية والإعلامية والاقتصادية،

سيقول ظريفٌ مُتَقَوْنِنٌ: إنّ المجلس العسكريّ كان في موضع رئيس الجمهورية،

ودستوريا لا يحاسب البرلمان رئيس الجمهورية، هذا قول من لا يؤمن بأنّ ثورة قامت،

ولا يدرك معنى أن يكون البرلمان هو الجهة الوحيدة التي لها -بعد الثورة- شرعية،

ولم يفهم الوضع الذي ينبغي أن تكون عليه السلطة المؤقتة التي تدير مرحلة انتقالية،

الواقع أنّ المجلس العسكري أخذ دورا أكبر من دوره، وأنّ البرلمان قد عزز من سلطته وأعطاه شرعية لا يستحقها.

ماذا فعل الإخوان برئاسة الجمهورية؟

على الرغم من ذلك كله تداركتنا رحمة الله تعالى؛ فصرنا في رئاسة الجمهورية، فماذا فعلنا بها؟

ألم يكن من الجدير بنا أن نشكل قوة في صورة حرس ثوريّ تحمي ذلك المكتسب وتمهد الأرض لتفعيله؟

لماذا لم نتقدم بقوة للقبض بيد من حديد على مفاصل السلطة؟ ولماذا سمحنا لهؤلاء الأوغاد أن يتلاعبوا بمؤسسة الرئاسة؟

أيكفي أن يكون الرئس وَرِعًا عابدا فيلقي الدروس في المساجد وينام كل ليلة في شقته تاركا القصر الرئاسي لأوغاد مبارك يرتعون فيه؟

أيَكفي أن يكون رمزا لأهل السنة فيترضى على الصحابة في زيارته لإيران،

ويتوعد المسيئين للرسول  على منبر الأمم المتحدة؟ أيكفي هذا؟

لو كان هذا يكفي في شرع الله ودينه -بل لو كان يسوغ فعله من الأصل-

لكنّا اليوم حسب السنن الإلهية نصول ونجول في بلاد الإسلام لنبعث فيها التغيير، بدلا من صولاتنا وجولاتنا بحثا عن ملجأ آمن!

لم تكن تلك الأخطاء أخطاء الرئيس وحده، وإنّما هي أخطاء جيل من الإسلاميين بأكمله،

جيل لم يتعلم أبسط قواعد إدارة الصراع، إنّ إدارة الدولة بالنسبة لإدارة الصراع أهون من إمضاء السكين في قالب الحلوى،

الجزء الأكبر من إدارة الدولة ولاسيما في مراحل الإنشاء هو إدارة الصراع.

رضي الإخوان بأن يُشْتم الرئيس 

لقد رضي الإخوان بأن ترفض عناصر الداخلية العودة للعمل دون أن يعتبروا ذلك تخريبا متعمدا وهدما مقصودا،

ثم لم يتخذوا إجراء من الإجراءات التي تعد بالعشرات،

ورضوا بأن يُشْتم الرئيس وينكل به ويغتال معنويا وتقتل هيبته قتلا في جميع وسائل الإعلام، دون أن يروا ذلك تمهيدا للانقلاب عليه،

ثم لم يحروا جوابا من مئات الأجوبة التي كانت مطروحة آنذاك، وسكنوا وركنوا لوغد حقير قصير، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث وجمع المعلومات عنه،

وهم الذين يعرفون عدد كل زفير وشهيق تردد عند صناديق الانتخابات،

حتى بعد أن جاءهم النذير تلو النذير لم يصدقوا فيمن وثقوا فيه قالة من عدو ذميم أو صديق حميم؛

كأنّهم كانوا يتدربون على إحسان الظن بالمسلم في جلدة بشرية محشوة دناءة وخبثا.

أمّا عن كوارث الأيام الأخيرة فحدث ولا حرج، إلى حدّ أنّنا كنّا نستنطق الرئيس فلا ينطق؛

ليس لأنّه عاجز أو حائر أو جبان، ولكن لأنّ هذه هي ثقافة جيلنا «المغفور له»!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق