عودة “نتنياهو”.. ماذا تعني؟!عامر عبد المنعم
أعاد الإسرائيليون انتخاب بنيامين نتنياهو المتهم بالفساد للتأكيد على أن المستوطنين يبحثون عن الأكثر دموية وليس عن القيم والطهارة، فنتنياهو الذي فاز هو والمتحالفون معه من الأحزاب الدينية بـ64 من 120 مقعدًا في الكنيست سيشكّل أكبر حكومة يمينية من المتطرفين الذين يريدون هدم المسجد الأقصى لبناء هيكل سليمان المزعوم.
صعود الأحزاب الدينية الإسرائيلية يشير إلى أن فلسطين المحتلة مقبلة على تصعيد من حكومة تحركها الأحلام التلمودية، تجاهر بمواقفها العدوانية تجاه الفلسطينيين وتسعى لفرض الهوية اليهودية على كامل التراب الفلسطيني المحتل، وتسريع وتيرة الاستيطان لإزاحة الفلسطينيين إلى خارج أرضهم.
يأتي هذا الصعود للمتدينين اليهود في وقت يمر فيه العالم العربي بنكسة كبيرة بسبب تخلي بعض الحكام في دول المواجهة عن ثوابتهم والانسلاخ من عقيدتهم، وإعطاء ظهورهم للشعب الفلسطيني الذي يواجه التطرف وحده، بل وهرولة البعض إلى التطبيع المهين دون أي اكتراث بالقضية التي كانت محور شرعيتهم.
الخطر على المسجد الأقصى
الهدف الرئيسي للحركة الدينية الإسرائيلية التي وضعتها الانتخابات الأخيرة في السلطة هو هدم المسجد الأقصى، فالصهيوني المتطرف إيتمار بن غفيرالذي قاد الاقتحامات المتكررة للمسجد في حماية الشرطة سيصبح من أعمدة الحكومة الجديدة، وهذا التيار لا يبالي بالاتفاقات الدولية والمجتمع الدولي ويصر على تحقيق التقسيم الزماني والمكاني بالقوة كحل مرحلي قبل السيطرة الكاملة.
ارتفاع صوت التيار الديني سيزيح الخطاب الصهيوني العلماني الماكر، الذي كان يراعي تباين المواقف العالمية والخلافات الطفيفة بين الأوربيين والأمريكيين، وبين الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة، ويعيد إلى الواجهة المطالب التوراتية الصريحة التي تدور حول إعادة تأسيس مملكة سليمان بحدودها القديمة من الفرات إلى نهر (وادي) العريش.
هذا التيار ينطلق من نصوص مزعومة في التوراة عن وعد من الله بأن أرض فلسطين وما حولها ملك لليهود، وهناك جدل حول صحة هذا الوعد الذي أُعطِي لإبراهيم وأولاده، حيث إن إسماعيل من أولاده أيضًا، كما إن معظم المستوطنين اليهود اليوم ليسوا من بني إسرائيل وإنما أعراق أخرى غرباء عن هذه الأرض التي احتلوها وطردوا أهلها منها.
معظم قادة الكيان الصهيوني اليوم من يهود الخزر القادمين من روسيا وأوربا الشرقية وامتداداتهم في أوربا الغربية وأمريكا، وكانت الخزر مملكة وثنية في جنوبي روسيا، اعتنق ملكها اليهودية ليتميز عن الإسلام والمسيحية.
ولم يَثبت حتى اليوم وجود أي حفريات تُثبت المزاعم حول وجود الهيكل أسفل المسجد الأقصى، بل لم يجد اليهود وبعثات التنقيب الغربية منذ الانتداب البريطاني في القرن الماضي أي دليل على الوجود الإسرائيلي نفسه، بل وجدوا آثارًا تخص الأمم التي عاشت في المنطقة قبل وجود اليهود وبعد اختفائهم منها منذ أكثر من ألفي عام.
المقاومة تواجه العلو الصهيوني
يتباهى نتنياهو بأنه استطاع تركيع العالم العربي من خلال غواية بعض الحكام، ويتعمد فضحهم أمام الشاشات ويفشي أسرارهم وما يدور في الجلسات السرية لإذلالهم، وهذا الإنجاز الصهيوني من عوامل إعادة انتخابه وإعادته إلى رئاسة الوزراء، لكن الرد المقابل للعلو الصهيوني كان في تصعيد حالة المقاومة في الداخل الفلسطيني.
ولأن لكل فعل رد فعل، فإن صعود التطرف الإسرائيلي يقابله صعود للعمل المسلح في الضفة، فالشعب الفلسطيني الذي انتظر أن تحقق له اتفاقات السلام وحل الدولتين قدرًا من الأمن وجد نفسه مع الضعف والخذلان العربي أمام آلة القتل الصهيونية وجهًا لوجه، وتبددت الأمنيات في إقامة دولة فلسطينية على ما تبقى من أرض فلسطين، وهنا وجدت دعوات المقاومة طريقها أمام الجيل الجديد.
قد يظن نتنياهو وحلفاؤه من الأحزاب الدينية أن الفرصة مواتية لتحقيق كل أهدافهم، ويظنون أنهم طالما ضمنوا صمت أهل الحكم في الدول العربية الرئيسية فإن الطريق مفتوح لتوجيه ضرباتهم ووضع العالم أمام أمر واقع جديد، لكن هذه الغطرسة يواجهها تحدٍّ جديد لم يكن في حسبان المخطط الإسرائيلي وهو اتساع حركة المقاومة كمًّا ونوعًا.
لقد عجز الجيش الإسرائيلي عن كسر الصمود الفلسطيني في غزة، وحققت حماس والمقاومة الفلسطينية إنجازات عسكرية كبيرة، جعلت الحروب الإسرائيلية مغامرات فاشلة، تنتهي في كل مرة بالطلب من الوسيط المصري للتدخل لإيقاف الحرب والقبول بالشروط الفلسطينية.
اليوم تنضم الضفة إلى غزة، بطبيعة تسليح مختلفة ولكنها مؤثرة لكونها تضرب في خاصرة الاحتلال، وترعب المستوطنين الذي حاولوا تمزيق الضفة وتقطيع أوصالها، فأصبحوا في مرمى الرصاص من كل جانب، من شبان ليس لهم حسابات تقليدية، يُقبلون على الموت من دون خوف، وكلما ارتقي شهيد وُلِد آخرون في طوفان ليس له نهاية.
أيًّا كان شكل الحكومة الإسرائيلية الجديدة فإن الشعب الفلسطيني قد فهم الدرس، ولا ينتظر الحلول من المجتمع الدولي ولا حتى من الجامعة العربية وحكوماتها التي تلاشت وتبخرت، ويعتمد الفلسطينيون على الله ثم على أنفسهم في الدفاع عن حقوقهم ورد العدوان المتواصل عليهم، وهذا مصدر قوتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق