لماذا تزايدت أعداد المهاجرين غير الشرعيين من مصر؟
مجموعة من المهاجرين أمام لوحة للفنان براغا لاست وان في فرنسا
حسب بيان لوزارة الداخلية الإيطالية، فإن المصريين أصبحوا هم ثاني أكبر مجموعة بعد التونسيين الذين يصلون إلى إيطاليا في قوارب التهريب عبر المتوسط، وفي أحدث البيانات التي نشرتها قوات “فرونتكس” التابعة للاتحاد الآوربي والمنوط بها القيام بدوريات في بحر إيجه والمتوسط لحماية السواحل الآوربية من تدفق المهاجرين غير الشرعيين، كان المصريون هم الجنسية الأكثر عدداً التي تحاول الوصول إلى أوربا عبر منافذ ووسط البحر الأبيض المتوسط خلال الفترة الزمنية ما بين يناير وأبريل 2022.
هجرات جماعية لشباب القرى
منذ العام الماضي والأخبار تتوالى بقصص الموت الجماعي لشباب حديث السن من القرى المصرية النائية غرقا في عرض البحر، في محاولاتهم اليائسة للهجرة عير المتوسط، ففي أغسطس من العام الماضي غرق 11 شابا من قرية تلبانة من المنصورة قبالة السواحل الليبية، وفي الرابع من هذا الشهر اتشحت قرية “كوم الزمراني “التابعة لمركز الدلنجات، محافظة البحيرة، بالسواد بعد غرق 17 شاباً من أبنائها في مركب للهجرة غير الشرعية قبالة سواحل اليونان.
لا شك أن مصر تمر بظروف اقتصادية سيئة، وحالة من التردي الاجتماعي بسبب تلك الظروف، وهذا في حد ذاته يشكل سببا رئيسيا في لجوء الكثير من الشباب المصري العاطل عن العمل إلى ترك البلاد والبحث عن فرصة عمل في مكان آخر، ليس هذا فقط بل أيضا وللحاصلين على شهادات عليا كالأطباء والمهندسين والعاملين في مجالات التكنولوجيا والحاسبات الآلية، فبينهم سباق كبير الآن على السفر في ظل احتياجات السوق الأوربية إلى تلك الكوادر، خاصة الأطباء المصريين الذين يتجهون بكثافة الآن إلى السوق الألمانية المفتوحة لهم منذ سنوات.
اتفاقيات أوربية مصرية لعرقلة الهجرة غير الشرعية
الحكومة المصرية لا تسمح للمهاجرين غير الشرعيين باستخدام قوارب التهريب من شواطئها، والبحرية المصرية تراقب الشواطئ بشكل كامل، وهي ملتزمة باتفاقيات موقعة مع الاتحاد الأوربي تحصل بمقتضاها على 50 مليون دولار سنويا منذ سنة 2016، كما أن هناك اتفاقيات فردية موقعة مع اليونان وإيطاليا ومالطة ودول من وسط أوربا مثل التشيك، يتم بمقتضاها إعادة المهاجرين الهاربين من الشواطئ المصرية إلى مصر، لهذا يتحايل الهاربون علي هذه الاتفاقيات ويلجؤون إلى السفر عبر الشواطئ الليبية وهي أحد أهم مسارات الهجرة المنظمة إلى أوربا خاصة إيطاليا في الوقت الحالي، وعند وصولهم إلى هذا البلد لا يذكرون أبدأ أنهم قدموا من مصر خوفاً من إعادة ترحيلهم بسبب توقيع تلك الاتفاقيات، ولذلك يؤكد الكثيرون منهم أنهم قدموا من السواحل الليبية، حتى أن بعضهم يؤكد أنه من جنسية أخرى غير المصرية.
إذن، وفي ظل هذه المخاوف الأوربية من نشاط الهجرة المصرية الكثيفة في الآونة الأخيرة، فإن الاتحاد الأوربي أبرم اتفاقا جديدا قبل أيام مع الحكومة المصرية لتعزيز مراقبة الحدود المصرية، ومساعدة حرس الحدود على الحد من الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر بقيمة 80 مليون يورو، كما تضمن الاتفاق تمويلاً لشراء معدات مراقبة مثل سفن البحث والإنقاذ والكاميرات الحرارية وأنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية.
الهروب عبر منافذ ليبيا البحرية
الشواطئ الليبية هي الأقرب لهجرة المصريين، والأراضي الليبية بشكل عام هي المفضلة والمعروفة للعمالة المصرية منذ سنوات، أيضا الوصول إلى ليبيا من مصر عبر الطريق البري سهل وغير معقد، ثم إن ليبيا كانت من قبل سنوات الحرب هي من أكبر الأسواق التي استوعبت العمالة المصرية بشتى مستوياتها، لهذا لا يسافر المصريون مباشرة إلى أوربا بعد دخولهم ليبيا، وأفاد استطلاع للمنظمة الدولية للهجرة بأن 46٪ من المهاجرين المصريين الذين شملهم الاستطلاع بقوا في ليبيا لأكثر من عامين حاولوا فيها البحث عن فرصة عمل قبل مخاطرة عبور المتوسط.
وفقا للمفوضية الأوربية لشؤون اللاجئين فإنه في سنة 2021 تم توقيف أكثر من 26 ألف مهاجر مصري على الحدود الليبية… وتشير وثيقة المفوضية إلى أنه من المرجح أن تشهد مصر “تدفقات كثيفة” من المهاجرين على المدى المتوسط إلى الطويل بسبب عدم الاستقرار الإقليمي وتغير المناخ والتحولات الديموغرافية وتراجع الفرص الاقتصادية وتقليص مناخ الحريات المسموح به.
ضبط الشواطئ مقابل المال
مصر لا تستخدم ملف الهجرة الذي يزعج الأوربيين مجانا، ففي أكثر من مرة لوحت الحكومة المصرية، ولوح إعلاميون مصريون بأن انفلات الأمور في مصر سيغرق أوربا بالمهاجرين غير الشرعيين، ردا علي ضغوط أوربية بشأن ملف الحريات في مصر، وفي أكتوبر من عام 2021 كرر الرئيس المصري حديثه عن منع مصر موجات الهجرة غير المنظمة التي كانت تخرج من بلاده سابقا باتجاه أوربا في سياق مطالبته الدول اﻷوربية بمزيد من الدعم لمصر، بل وللدول التي تعاني من أوضاع غير مستقرة تؤدي لهجرة مواطنيها.
رغم ذلك لم تتوقف أوربا عن العمل على عدة مسارات لوقف الهجرة المتدفقة عليها من شواطئ الشمال الأفريقي، وفي نوفمبر سنة 2015 تم إطلاق صندوق التنمية التابع للاتحاد الأوربي لأفريقيا بهدف تعزيز الاستقرار ومكافحة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية والنازحين في أفريقيا، وتمت الموافقة على خمسة مليارات يورو موزعة على 250 مشروعا في 26 دولة أفريقية، وحصلت مصر على 60 مليون يورو في عام 2017 في إطار هذا المشروع.
لكن الهجرة لم تتوقف ولن تتوقف، وبالإضافة إلى كل ما ذكر من أسباب فإن الفساد المستشري، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية التي خلفتها الكورونا، ثم الحرب الأوكرانية وآثارها السيئة على سلة الغذاء العالمية هي أسباب كافية لاستمرار هجرة قوارب المتوسط على الأقل في المنظور القريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق