عواصف التغيير، والحكم الإلهية في التدبير (٤)
د.عبدالعزيز كامل
(سنة الله في مداولة الأيام )
أحوال المسلمين وغير المسلمين في العالم تتغير بسرعة، وستظل تتغير، من سراء إلى ضراء، ومن ضراء إلى سراء، فمن سنن التغيير التي تأتي عواصفها على الأخيار والفجار : (سنة التداول) ، التي تتصرف وتنتقل بها الغلبة وتتداول بين أطراف الناس، وقد أشار إليها القرآن في قول الله تعالى: { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (آل عمران/ ١٤٠) .. والآيات نزلت بعد أن كثر ( القرح) أو الجراح على المسلمين في غزوة أحد، بعد أن استعر القتل بالمشركين في غزوة بدر ..
★.. وسنة "التداول" أو "المداولة" يجري بموجبها تصريف الأقدار بحلوها تارة، وبمرها تارة ، على أهل الحق وعلى أهل الباطل على السواء، ولكن لأن من أركان الإيمان أن نؤمن بالقدر خيره وشره؛ فعلينا أن نوقن مع ذلك أن أمر المؤمن كله له خير، فإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له _ كما صح في الحديث _ .. فتداول الأيام بين الناس يكون على الصالحين تمحيصا وتطهيرا.. ويكون على المفسدين عقوبة وتنكيلا.
★ .. وقد أورد الطبري عند تفسيره لهذه الآية عن التابعي الجليل (قتادة) أنه قال: (وتلك الأيام نداولها بين الناس) " إنه والله لولا الدُّوَل ما أوذي المؤمنون، ولكن قد يُدال للكافر من المؤمن، ويبتلى المؤمن بالكافر، ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه، ويعلم الصادق من الكاذب " ..
وفي حديث البخاري عن محاورة أبي سفيان لعظيم الروم في الشام، أن هرقل قال لأبي سفيان في ضمن أسئلة أخرى :
( سَأَلْتُكَ كيفَ كانَ قِتَالُكُمْ إيَّاهُ؟ فَزَعَمْتَ أنَّ الحَرْبَ سِجَالٌ ودُوَلٌ، فَكَذلكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لهمُ العَاقِبَةُ).
★.. وهذه العاقبة ليست خاصة بالرسل، بل بكل المؤمنين من أتباع الرسل، كما في قول الكليم موسى لقومه :
{ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } (الأعراف/١٢٨) وكما في قول الله لخليله محمد - صلى الله عليه وسلم :{ تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } (هود/٤٩)
فاللهم يا سميع الدعاء.. يسر أسباب العاقبة للمستضعفين من المؤمنين فوق كل أرض وتحت كل سماء ، واجعل أقدار التداول بين الناس ؛ لصلاح خير أمة أخرجت للناس ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق