11/ 11 وثورات الهاشتاغ
هكذا كتب صحافي كويتي عائد من مصر، معلقا على "الهاشتاغ" الذي تصدّر تغريدات المغردين في الأيام القليلة الماضية، والذي حدد يوم غد الجمعة 11/11 للنزول إلى الشوارع في أرض الكنانة لتغيير النظام.
لا أحد يمكنه أن يجزم بما سيحصل غدا، فقد يمرّ كما تمر باقي الأيام، وقد يشهد بعض الاستجابات المتواضعة للنزول والتظاهر، وقد يتحوّل إلى يوم "تاريخي" وفق تعبير متنبئي منصّات الإعلام الشعبي، الذين أسرفوا في التنبؤ وقراءة طالع الشعب العربي، فقد سبق أن أطلق معارضو الخارج مواعيد للنزول إلى الشارع والتظاهر، وكانت الاستجابات متواضعة أو معزولة، ولعل السبب الأهم لهذا حجم الخوف الذي سرى في كل مفاصل الحياة، ونتيجة سيادة سياسة العصا الغليظة التي "جمعت" نحو مائة ألف معتقل في سجون مصر، بعضهم لا يدري لماذا هو معتقل، وبعضهم ينتظر تنفيذ حكم الإعدام، وآخرون وهم كثر، كل ذنبهم أنهم عبّروا عن آرائهم في الانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه البلد، والذي عبّر عن نفسه بتدحرج سعر الجنيه مقابل الدولار وتآكل قوته الشرائية، ناهيك عن جملةٍ من القرارات والمشروعات الضخمة التي نفذتها الحكومة من دون أن تحسّن من حياة الناس، بل "جرحت" الشعور الوطني الجمعي، مثل تنازل النظام عن جزيرتي تيران وصنافير، وتفريطه في ملف مياه النيل وعجزه عن مواجهة إثيوبيا التي تبني سدّا على النيل الأزرق يهدّد الحياة في مصر، إلى جانب توجهه إلى بيع الأصول والشركات المصرية للمستثمرين العرب والأجانب، جميعها كانت نقاطا فاصلة في معارضة كثيرين نظامه. .. ويمكن لأي مراقبٍ أن يسرد قائمة طويلة من التراجعات والإخفاقات التي سجلتها حكومات ما بعد الانقلاب على أول رئيس مدني منتخب قبل نحو عقد.
شنّ حملات اعتقال موسّعة في عموم البلاد، طاولت نشطاء سابقين وحاليين ومعتقلين سابقين أفرجت عنهم السلطات في وقت سابق
بدت التسريبات التي تداولها "ثوار الهاشتاغات" وكأنها أمان مكتومة أكثر من أنها حقائق لا يرقى إليها الشك، بشأن ما يجري وراء الأبواب المغلقة، وفي كواليس الحكم، حيث تداول هؤلاء أنباء عن مدى الاضطراب الذي يشعر به صاحب القرار، جرّاء الدعوة إلى التظاهر ودعوته إلى الرحيل، وإنْ كانت كلها ضربا في الغيب الممزوج بتفاؤلٍ قد لا يكون له أي رصيد في الواقع.
حسب ما قيل وكتب، لجأت الأجهزة الأمنية إلى ثلاثة مسارات لمحاولة إجهاض دعوات النزول التي تتزامن مع استضافة البلاد قمة المناخ العالمية في منتجع شرم الشيخ على ساحل البحر الأحمر، بحضور عديد من الرؤساء والملوك ورؤساء الحكومات. الأول، شنّ حملات اعتقال موسّعة في عموم البلاد بواسطة الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا)، طاولت نشطاء سابقين وحاليين ومعتقلين سابقين أفرجت عنهم السلطات في وقت سابق، واحتجازهم في مراكز شرطية، والتحقيق معهم. الثاني، نشر قوات أمنية ومخبرين سرّيين في لباس مدني وسط العاصمة القاهرة وعواصم المحافظات والمدن، وتوقيف عشوائي للمارّة في الشوارع، خصوصا من الشباب، وتفتيش هواتفهم المحمولة من دون إذن قضائي، واحتجاز بعضهم واستجوابهم، واعتقال آخرين. الثالث، مراقبة شبكات التواصل ورواد مواقع الإعلام الشعبي، وتتبّع حساباتهم، وملاحقتهم، والقبض على أصحاب تلك الحسابات، كما حدث مع رئيسة تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون، والعضو في نقابة الصحافيين المصريين، منال عجرمة، على خلفية انتقادها على صفحتها الشخصية الأوضاع الاقتصادية المتردّية في البلاد.
بعد مرور نحو 11 عاما على تفجّر ثورات الربيع العربي، بقيت أسباب الثورة والتظاهر قائمة في جل البلاد العربية
وقد حصرت منظمات حقوقية محلية اعتقال مئات بشكل تعسّفي في الحملات الأمنية التي تشنها السلطات، المرتبطة بالدعوات إلى احتجاجات 11/11، واحتجازهم في مقارّ أمنية متعدّدة، وتحقيق جهاز الأمن الوطني معهم، وإحالة بعضهم إلى النيابة.
اللافت في هذا كله أن أزلام النظام لم يقصّروا في تخويف الناس من أي تحرّك، وربطوا الدعوة إلى التظاهر بالإخوان المسلمين، فأحدهم ربط "11/ 11" بإشارة رابعة، وحذّر من الاستجابة لدعوة "الخونة الإخوان"، على حد تعبيره، بل اعتبر أن الدعوة تلك فرصة لظهور "خلاياهم النائمة" وتصفيتها!
يؤكّد هذا كله أن السلطات تأخذ الدعوات إلى التظاهر على محمل الجدّ، فهي تعلم قبل غيرها أن كل الظروف نضجت لقيام تحرّك شعبي ضخم، لتغيير الواقع البائس، لكن موضوع التوقيت يبقى هو الحاسم في هذا الأمر، فبعد مرور نحو 11 عاما على تفجّر ثورات الربيع العربي، بقيت أسباب الثورة والتظاهر قائمة في جل البلاد العربية، وليس في مصر وحدها، بل تفاقمت الأوضاع في غير بلد عربي بشكل أسوأ مما كانت عليه الأحوال قبل الربيع، ما يؤكّد أن الثورة قادمة، ولكن ما هو في عالم الغيب موعد تفجّرها، ولربما يكون يوم غد هو ساعة الصفر، وربما يكون مجرّد "فقاعة" ضخمة افترشت مساحاتٍ واسعةً على الشبكة العنكبوتية، ومضى كغيره من الأيام الكسولة المتثائبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق