لماذا لم يخرج المصريون في 11/11؟
على مدار الأسابيع الماضية، انتشرت دعوات للتظاهر في مصر يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أطلقها عدد من النشطاء والإعلاميين المصريين المعارضين بالخارج، وهو ما لم يحدث؛ لم يخرج الناس للتظاهر، وذلك في ظل انتشار غير مسبوق لقوات الأمن والشرطة المصرية في كافة المدن والميادين؛ وهو ما يثير كثيرا من الأسئلة حول حقيقة ما حدث، ولماذا لم يخرج المصريون للتظاهر، ومصير أية دعوات أخرى لذلك.
ابتداء، ليست هذه المرة الأولى التي تخرج فيها دعوات للتظاهر، خاصة من خارج البلاد، ولم تحظ باستجابة واسعة كما أرادها وتوقعها الداعون للتظاهر؛ فقد جاءت دعوات أخرى مشابهة خلال الأعوام الأخيرة وخرجت أعداد محدودة من المتظاهرين كما حدث عامي 2019 و2020 بعد ظهور المقاول ورجل الأعمال المصري محمد علي المقيم حاليا خارج البلاد ودعوته للتظاهر. وظن الداعون للمظاهرات أن الوضع ربما يكون مختلفا هذه المرة، وأن استجابة الناس لدعوتهم قد تلقى صدى أكبر، في حين اعتقد البعض أن البلاد على وشك القيام بثورة شبيهة بما حدث في 25 يناير/كانون الثاني 2011.
بنى الداعون للتظاهر دعوتهم هذه المرة على 4 عناصر أساسية قد تكون لها وجاهتها ومنطقها، وهي:
- أولا- إقامة مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP27) في مصر، وحضور آلاف المسؤولين والباحثين والنشطاء والإعلاميين في هذا الحدث العالمي قد يقلل فرص لجوء النظام المصري لقمع أي حراك أو مظاهرات، وذلك خوفا من الإحراج الدولي.
- ثانيا- الرهان على ارتفاع وانتشار منسوب الرفض والغضب الداخلي، خاصة بين الطبقات الفقيرة، وذلك بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، والتي اعترف بها النظام نفسه في أكثر من مناسبة، وكان آخرها تصريحات "الجنرال عبد الفتاح السيسي" أثناء المؤتمر الاقتصادي الذي عقده أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
- ثالثا- ما بدا كأنه تراجعا للدعم المالي والاقتصادي الإقليمي للنظام المصري، والذي اعترف به السيسي شخصيا في المؤتمر المذكور؛ وهو ما فسره البعض بأن النظام يمر بحالة من الضعف يجب استغلالها.
- وأخيرا- انشغال الولايات المتحدة بالحرب في روسيا والصراع مع الصين، وبالتالي تراجع دعمها للنظام المصري، خاصة في ظل مواقفه تجاه روسيا وعدم تبنيه الموقف الأميركي من الحرب على أوكرانيا بشكل كامل.
ولكن، غاب عن الداعين لهذه المظاهرات عدة أمور، أهمها:
- حالة القمع الشديد التي تعيشها البلاد منذ الإطاحة بحكم الرئيس الراحل محمد مرسي في يوليو/تموز 2013 وقيام نظام دكتاتوري فردي لديه حساسية شديدة تجاه أي دعوات للتظاهر، ويعاني من "فوبيا" تكرار ثورة يناير التي يحذر منها في كل شاردة وواردة. وهو ما يعني أن خروج الناس أمام آلة قمع عمياء هو أشبه بعملية انتحار ذاتي، خاصة إذا لم تكن هناك خطة واضحة أو إستراتيجية للتظاهر، ناهيك عن وجود قيادة وتنظيم واضحيْن لها.
- كذلك غاب عن الداعين للتظاهرات أن الغضب الشعبي وحده لا يكفي للخروج للشارع أو إحداث حراك، ناهيك عن القيام بثورة. ولو كان الأمر كذلك لما توقف الناس عن التمرد والثورة طيلة الوقت، خاصة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
- كما أن هناك قطاعا لا بأس به من المصريين يخاف من المجهول، ومن غياب البدائل والخيارات السياسية المتاحة التي يمكنها الوثوق بها بحيث يمكنه التضحية لأجلها.
أصل التغيير داخلي، والخارج عامل مساعد ومساند له؛ وبالتالي الاعتقاد بإمكانية أن تقود ثورة من على بعد آلاف الأميال عن البلاد يعد أمرا ساذجا بل وتهورا غير مدروس
وإذا كان من دروس يجب تعلمها في ظل تكرار هذه الدعوات للتظاهر، فيمكن الإشارة إلى 6 منها:
أولا: لا ميعاد محددا للثورة
فالثورات حدث مفاجئ لا يحمل موعدا محددا أو توقيتا مسبقا، وتحدث غالبا في وقت قد لا يتوقعه النظام ولا الداعون لها أصلا، وهي في أغلب الأحوال بحاجة لقادح أو شرارة أو حادثة ما كي تشعلها، وذلك على غرار ما حدث للشاب التونسي محمد بوعزيزي الذي أحرق نفسه في ديسمبر/كانون الأول 2010 اعتراضا على سوء معاملة الشرطة له؛ فأطلق بذلك شرارة الثورة التونسية.
ثانيا: لا تكرار لثورة يناير
لا يزال بعض النشطاء وقطاع من المصريين أسرى النموذج الرومانسي الذي رسمته "ثورة يناير" في أذهانهم وذاكرتهم ومخيلتهم، ولديهم قناعة بإمكانية تكراره بحذافيره (دعوات للتظاهر، وتجمعات في المساجد، والزحف للميادين، إلخ). وهذا المنطق -فضلا عن سذاجته وسطحيته- فهو لا يزال أسير تجربة كانت لها ظروفها وسياقها ووضعها الخاص، الذي يصعب -إن لم يكن يستحيل- تكراره بنفس الطريقة والآليات والأدوات.
فنحن اليوم أمام واقع مختلف في كل شيء تقريبا؛ نظام مختلف تماما عن نظام مبارك، وجيل مختلف لا يعرف السياسة ولم يمارسها طيلة العقد الماضي، بل يعدها أحيانا خطيئة يجب الابتعاد عنها، وعدم الوقوع فيها، وذلك نتيجة التخويف والترهيب المستمرين للوعي الجمعي، وواقع إقليمي ودولي مناهض أو رافض للثورات؛ وبالتالي ما تم تجريبه في الماضي ليس بالضرورة أن ينجح حاليا.
ثالثا: لا ثورة من دون تنظيم وقيادة على الأرض
الانتفاضات والثورات ليست مجرد حدث عابر أو عادي، ولكنها منظومة عمل وجهد متواصل بحاجة للترتيب والتنسيق على الأرض، بحيث تساعد في تعبئة وحشد وقيادة المتظاهرين، ودون ذلك يعد الأمر مجرد هبّة غضب تنتهي في غضون ساعات وبقليل من القمع.
رابعا: لا ثورة من الخارج
أصل التغيير يكون داخليا، والخارج عامل مساعد ومساند له؛ وبالتالي الاعتقاد بإمكانية أن تقود ثورة من على بعد آلاف الأميال عن البلاد يعد أمرا ساذجا، بل وتهورا غير مدروس.
خامسا: لا ثورة من دون جبهة وطنية عريضة
لا يمكن أن تكون هناك ثورة من دون جبهة تضم معظم أطياف المعارضة السياسية؛ فالعمل الجبهوي -خاصة في ظل أنظمة دكتاتورية- شرطا ضروريا وأساسيا لنجاح أي انتفاضة أو ثورة. وهو ما حدث في معظم ثورات الربيع العربي التي لم يكن لتنجح من دون وجود حد أدني من التوافق السياسي بين المعارضين.
وأخيرا: الثورة لا تحدث في يوم وليلة
الثورة مسار تراكمي قد يأخذ شهورا أو سنين، وربما عقودا. والتاريخ مليء بالأمثلة التي ظلت الانتفاضات والثورات قائمة ومتواصلة حتى تحقق أهدافها؛ لذلك من السذاجة اعتقاد البعض بأنه سيقوم بثورة خلال يوم واحد إلا إذا كانت فقط في أحلامه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق