الأربعاء، 2 ديسمبر 2020

رسائل الانتصار الأذربيجاني والسلاح التركي المتفوق

 


رسائل الانتصار الأذربيجاني والسلاح التركي المتفوق




يؤكد الانتصار العسكري الذي حققته أذربيجان في حربها لاسترداد أراضيها من أرمينيا أن تغييرا استراتيجيا كبيرا حدث على الساحة الدولية، وهو صعود الدور التركي الذي فرض نفسه كلاعب رئيسي لا يمكن تجاهله، ويشير إلى أن تركيا بعد مائة عام من الاحتلال والتبعية هاهي تعود قوية تستعيد دورها الإسلامي القيادي.

استطاع الجيش الأذربيجاني بالسلاح التركي المتطور أن يضع نهاية للاحتلال الأرميني لإقليم ناجورنو كارباخ وتحرير الولايات الست التي استولى عليها الأرمن منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، وشاهد العالم بانبهار لقطات الفيديو اليومية التي كانت تصورها المسيرات التركية وهي تقصف الدبابات والمدافع والأهداف الأرضية بدقة متناهية.

لقد نجحت أذربيجان بالدعم التركي في تحرير أرضها في أسابيع قليلة بعد أن فشلت في استعادتها بالمفاوضات على مدار ثلاثة عقود، واستطاعت أن تسحق الجيش الأرميني الذي يحظى بالدعم الأوروبي والأمريكي ويمتلك أفضل الأسلحة ومنظومات الدفاع الجوي الحديثة، وظهرت الطائرات بدون طيار التركية وهي تتجول بحرية بعد أن سيطرت على الأجواء.

التفوق العسكري التركي
من أهم الرسائل التي وصلت إلى أرجاء العالم من كاراباخ هي التقدم النوعي للأسلحة التركية ونجاح الأتراك في تحقيق طفرة كبرى في الصناعات العسكرية وقفزوا بسرعة نحو الريادة في مجال الأسلحة الإلكترونية والطائرات بدون طيار، المسلحة بصواريخ وقذائف ذكية تصيب أهدافها بدون أي خطأ، وقد تم تجريب هذه الأسلحة النوعية من قبل في إدلب ثم ليبيا، وبلغت قمة قوتها في أقاليم أذربيجان المحتلة.

لقد تلاعبت طائرات البيرقدار والعنقاء بالجيش الأرميني، وكانت مفاجأة الحرب هي الطائرات الانتحارية “ألباجو” التي ضربت كل منظومات الدفاع الجوي دون أن تتعرف عليها الرادارات، واستطاعت قصف المنظومات الروسية بكل أنواعها وأهمها S300 وأخرجتها من الخدمة.

لم يستطع الجيش الأرميني استخدام المقاتلات الروسية المتطورة، وتم إسقاط كل المقاتلات التي حاولت الطيران ودخول المعركة، وتم تحييد القوة الجوية تماما فاسترد الجيش الأذربيجاني أراضيه بدون خسائر تذكر، وحرر الأقاليم المحتلة ودخل إلى قلب إقليم ناجورنو كراباخ وسيطر على مدينة شوشة الاستراتيجية وكان قاب قوسين أو أدني من دخول العاصمة ستيفانا كيرت.

لو استمرت الحرب أياما أخرى لتم إبادة كل الجيش الأرميني لكن رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان أعلن الاستسلام وطلب من روسيا التدخل لإنقاذ ما تبقى، ويبدو أن بوتين استخدم ورقة إسقاط الأذربيجانيين لمروحية روسية على الحدود الأرمينية الأذربيجانية للضغط والتعجيل بالاتفاق على وقف إطلاق النار.

مع المكاسب التي حققتها أذربيجان في اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم، فإن الرابح الأكبر من المعركة هو تركيا، التي فرضت واقعا جديدا، وفتحت طريقا للتواصل مع جوارها المسلم، ووسعت نفوذها إلى عمقها التاريخي في القوقاز حيث الشعوب التركمانية، وأحيت الرابطة العرقية مع الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى، ويمثل هذا الفضاء الواسع مكسبا استراتيجيا يضع نهاية للقطيعة المفروضة مع هذه الشعوب من أكثر من قرن.

درس للتطرف الإيراني
ضربت تركيا المثل في الوحدة الإسلامية، ولم تتصرف بعقل مذهبي ضيق؛ فاعتناق أغلبية الشعب الأذري للتشيع (55% شيعة و45% سنة حسب عبد العزيز التويجري ‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏المدير العام السابق للإيسيسكو) لم يمنع أردوغان من تقديم كل الدعم وأحدث الأسلحة التركية لشقيقه الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، لاسترداد الأرض والكرامة دون الالتفات للدول الكبرى التي تساند أرمينيا خاصة فرنسا وروسيا.

ومع أن تركيا تعاملت مع أذربيجان من منطلقات أخوية وعرقية، فإن هذا الموقف فضح الموقف الإيراني المساند للأرمن المسيحيين ضد إخوانهم الأذريين المسلمين، وكشف أن الإيرانيين يتحركون كفرس وليس كمسلمين، يستخدمون التشيع لتحقيق أهدافهم الانتهازية، وتؤيد إيران أرمينيا لمنع تركيا من التواصل البري مع أشقائها في الجمهوريات السوفيتية السابقة، وهذا التعصب المعادي للأخوة الدينية أثار غضب السكان الأذربيجانيين في الشمال الإيراني الذين يمثلون 20% من سكان إيران.

الدرس التركي هام جدا في ساحة الأفكار، وهو رد عملي على الشيعة المتطرفين، ونموذج للوحدة الإسلامية يمكن البناء عليه، وهو رد عملي واقعي على الممارسات الإيرانية التي أفسدت العلاقة بين الشيعة والسنة بسبب التعاون مع الغرب المسيحي الذي ظهر بشكل واضح في التحالف مع أمريكا في غزو العراق وأفغانستان ومع روسيا في غزو سوريا.

هل يستوعب الأرمن الدرس؟
الهزيمة المذلة لأرمينيا تأتي بعد تاريخ طويل من الصراع بين الأرمن والأتراك المسلمين، وهي كسر لطموحات الأرمن الذين كانوا أداة في يد روسيا والدول الغربية لطعن المسلمين منذ القرن الثامن عشر، ولكن هل تدفع الهزيمة الأرمن ليعيدوا التفكير في سلوكهم العدواني والبحث عن طريق جديد للتعايش مع المسلمين وفتح صفحة جديدة من التسامح وتبادل المصالح بدلا من التعصب الذي لن يوصلهم إلى شيء؟

لقد عاش الأرمن في ظل الدول العثمانية في أمن وطمأنينة، وكان السلاطين الأتراك يعاملونهم باحترام وتقدير ويستعينون بهم في دوائر السلطة العليا، لكنهم بمجرد غزو الروس للقوقاز والأناضول انقلبوا وخانوا، طمعا في تأسيس دولة أرمينية فارتكبوا المذابح ضد المسلمين لتهجيرهم وإخلاء غرب القوقاز وشرق الأناضول، وكانت ثورتهم ضد جيرانهم بالحرق والابادة.

حتى الأرمن في جنوب الأناضول استغلوا الاحتلال الفرنسي في ارتكاب المذابح ضد المسلمين الذين كانوا بالأمس يعيشون معهم، ولولا ترحيل الأرمن –في حماية الحكومة التركية- من شرق الأناضول إلى أماكن آمنة لقطع المدد عن الثوار لاختفى المسلمون في شرق تركيا وأصبح مصير الأناضول كاليونان والبلقان.

أرمينيا الحالية دولة مصطنعة مثل إسرائيل، كيان حاجز يمنع تواصل تركيا مع الشعوب التركية في القوقاز وحتى الصين، وتم تغذية التعصب الصليبي لدى الأرمن فلا يوجد مسلمون في أرمينيا بينما يعيش الأرمن في الدول العربية بين المسلمين في طمأنينة، وفي تركيا، وحتى في أذربيجان رغم أرضها المحتلة من أرمينيا.

الانتصار نموذج يمكن تكراره
ما تحقق في حرب كارباخ نموذج لأهمية التعاون العسكري مع الأتراك للدفاع عن الحقوق ولتحقيق الاستقلال، وكما نعلم فإن الضعف العربي والإسلامي منذ أكثر من قرنين يرجع إلى التفوق العسكري الغربي وسيطرة أساطيل الدول الاستعمارية على البحار والمحيطات، واستمر هذا التفوق مع تصنيع الطائرات المقاتلة والصواريخ ووسائل الدفاع الجوي، واليوم نجحت تركيا في تصنيع ما يحقق التوازن.

حتى الآن تسيطر الدول الغربية على العالم الإسلامي وتنهب خيراته، وتمنع تصدير الأسلحة النوعية التي تحقق لأي دولة درجة من التفوق والدفاع عن نفسها، بل وتضمن أمريكا وأوروبا التفوق العسكري الإسرائيلي على كل الدول العربية مجتمعة، وتسبب هذا الضعف العسكري في حالة الهزيمة الاستراتيجية التي يعيشها المسلمون.

اليوم أصبح الطريق مفتوحا للانعتاق من الهيمنة، والخروج من القبضة الأمريكية والأوروبية، فالتكنولوجيا التركية متاحة، ونجح أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الإفلات من قيود الهيمنة وتحقيق الاستقلال، وأثبت في أكثر من مواجهة أن تركيا الجديدة تقف بصلابة أمام الهيمنة الغربية، التي بدأت تضعف ويصيبها العطب، خاصة مع التغيرات الدولية وصعود الإمبراطوريات القديمة ونهاية نظام القطب الواحد.

ورغم ما قد يبدو من مؤامرات وتحريض من حكومات محسوبة على العرب ضد تركيا، فإن النجاح التركي سيفرض نفسه على العقلاء وسيصحح الكثير من الحسابات الخاطئة، وسيجعل الكثير من الدوائر الوطنية المخلصة في العالم الإسلامي تسعي مكرهة لطرق أبواب التواصل مع الأتراك، للاستفادة من حليف صادق، ليس له أطماع استعمارية ويعلن ترحيبه بالدعم العسكري للأشقاء بدون شروط.

***

أمام العالم الإسلامي فرصة تاريخية لوضع نهاية للهزيمة، وركوب قطار الانتصارات وسط ظروف مواتية، حيث تغلق الدول الكبرى على نفسها بسبب كورونا، وتنشغل أمريكا بصراعها الداخلي المتصاعد بين ترامب وأنصاره من المحافظين وبايدن والأقليات التي تلتف حول الحزب الديمقراطي، وتعاني أوروبا من الأزمات ومعها فرنسا التي تشعر بأن حكمها الاستعماري يقترب من النهاية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق