أين ذهبت مصر والسعودية شركاء امريكا فى الشرق الأوسط أم حلت روسيا مكانها؟
مساعدات أمريكا للجيش المصرى بدون حساب
بقلم الخبير السياسى والإقتصادىد.صلاح الدوبى 20/02/2022
حلفاء واشنطن وشركاؤها الاستراتيجيون في الشرق الأوسط الآخرون سكتوا وتواروا وإختفوا تحت إختيار واحد من إثنين “أمريكا أم روسيا“، فمصر حليفة استراتيجية للولايات المتحدة ومستفيدة من المساعدات الأميركية منذ أمد بعيد، لكنها تشتري أيضاً أسلحة من روسيا وتحتاج إلى تعاون موسكو من أجل الحفاظ على الاستقرار في ليبيا المجاورة، والقاهرة غير مهتمة باتخاذ موقف ضد بوتين في مسألة أوكرانيا، لا سيما في وقت قررت فيه إدارة بايدن الضغط بسبب حقوق الإنسان والوضع المذرى فى مصر وآلآف الشباب والنساء فى سجون السيسى ومواصلة تعليق المساعدات الأميركية ذرا فى الرماد امام المجتمع الدولى لمصر البالغة قيمتها 130 مليون دولار.
ووصفت جماعات حقوق الإنسان، التي دعت الإدارة الأمريكية لحجب المساعدات كاملة، هذا التحرك بأنه “خيانة” لالتزام الولايات المتحدة بوضع حقوق الإنسان على رأس الأولويات في سياستها الخارجية وتحديدا مع مصر.
السعودية فى واد آخر
منذ نشأتها كانت السعودية حليفاً وازناً وراسخاً في الجهود الرامية إلى احتواء الشيوعية السوفياتية في الشرق الأوسط الكبير، وكثيراً ما استخدمت قدرتها على زيادة إنتاج النفط لخفض السعر كلما احتاجت الولايات المتحدة إلى ذلك، لكن في الأزمة الأوكرانية لا يتعاون السعوديون، على الأقل ليس بعد، فسوق النفط الضيقة جراء انتعاش اقتصادي عالمي أسرع من المتوقع بعد ويلات جائحة “كوفيد-19″، وتوقع وقوع اضطرابات في العرض ناجمة عن الأزمة الأوكرانية، دفعا الأسعار إلى ما يتجاوز 90 دولاراً للبرميل، وإذا غزت روسيا أوكرانيا فمن المتوقع أن يرتفع السعر إلى 120 دولاراً، وستكون نتائج ذلك سلبية على جهود بايدن للجم التضخم في الاقتصاد الأميركي قبل الانتخابات النصفية نهاية هذا العام”.
السعودية لن تساعد أوروبا فى هذه المحنة!!!!!
وتناول إنديك الأسباب وراء الإحجام السعودي عن المسارعة إلى دعم أميركا في المواجهة مع روسيا، منها الامتعاض من مواقف إدارة بايدن السلبية. وأشار إلى أن بايدن قد يقوم بالاتصال بالرياض لكنه قد لا يلقى جواباً أو تعاوناً، فصادرات روسيا من النفط صارت خلال السنوات الأخيرة تضاهي نظيرتها السعودية، وصارت موسكو تتولى أخيراً دوراً ريادياً في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك+) زائداً روسيا، وتجمع المنظمة بلداناً منتجة للنفط وتتحكم في الأسعار من خلال تحديد حصص إنتاجية لأعضائها جميعاً، ففي بداية الجائحة عام 2020، عندما انخفض الطلب إلى حد كبير، نشبت حرب لخفض الأسعار دفعت أسعار النفط نزولاً إلى الصفر تقريباً، وتدخل ترمب وتوسط لإبرام اتفاق بين روسيا والمملكة العربية السعودية خفضت إنتاج “أوبك” النفطي في شكل كبير، وجعلت موسكو شريكة للرياض في تثبيت أسعار النفط.
حتى إسرائيل!!!
لكي نرى مقدار التغيير الذي طرأ علينا ألا ننظر إلى أبعد من أقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، إسرائيل، ففي منتصف يناير (كانون الثاني) عقدت الولايات المتحدة وإسرائيل جولة من المشاورات الاستراتيجية، وكان من المفهوم أن التركيز انصب على طموحات إيران النووية، في حين تحاول واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون بشراسة إنقاذ اتفاق العام 2015 مع إيران الذي انسحب منه ترمب، لكن في حين تسعى إدارة بايدن سعياً حثيثاً إلى معارضة تكتيكات الضغط الروسية إزاء كييف، لم يشر البيان الصادر عن الاجتماع قط إلى أوكرانيا. وفي الواقع فإنه منذ بدأت القوات الروسية تتجمع الخريف الماضي تحلت إسرائيل بصمت مطبق، باستثناء عرض قدمه رئيس الوزراء نافتالي بينيت للتوسط بين أوكرانيا وروسيا، وهي فكرة رفضتها موسكو رفضاً قاطعاً.
وفي وقت أقرب، عارض وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد علناً تقدير إدارة بايدن أن غزواً روسياً بات وشيكاً، فقد ناقش بايدن وبينيت قضية أوكرانيا بين مسائل أخرى خلال مكالمة هاتفية أوائل فبراير (شباط)، وتضمن البيان الذي أصدره البيت الأبيض تكراراً قوياً لالتزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، لكن من دون أي ذكر لأمن أوكرانيا.
ترتبط إسرائيل بعلاقات وثيقة مع أوكرانيا، لا سيما مع الجالية اليهودية التي يبلغ تعدادها حوالى 300 ألف نسمة، مما يجعلها واحدة من كبرى الجاليات اليهودية في العالم، ورئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي يهودي، وهذا التقارب كان يفترض أن يعززه التزام إسرائيل بتحالفها الوثيق مع الولايات المتحدة واعتمادها على الحفاظ على النظام الدولي الليبرالي الذي ربطت إسرائيل نفسها به منذ تأسيسها، وافتخارها بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وانشغالها بتأمين حدودها الضيقة من غزو تشنه قوات معادية، ومع هذا فالخبراء الإسرائيليون الذين يزعمون ألا خلاف يجب أن يطرأ بين الولايات المتحدة وإسرائيل عندما يتعلق الأمر بحاجات بلدهم الأمنية، يؤكدون الآن أن على إسرائيل التزام موقف محايد من الأزمة الأوكرانية.
رعب المانيا بسبب الغاز الروسى ما البديل؟
تم التوقيع على اتفاقية بناء الخط الأول من نورد ستريم في سبتمبر/ أيلول 2005 بحضور المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد فترة وجيزة من الخسارة الانتخابية للائتلاف الذي كان يقوده. وبعد أسبوعين فقط من تركه لمنصبه أصبح شرودر، باقتراح من بوتين، رئيسًا لمجلس الإشراف على شركة تشغيل خطوط الأنابيب “إن.إي.بي.غي”. وتثير الصداقة بين شرودر وبوتين كثيرا من التعليقات اللاذعة في ألمانيا. موقع “تاغسشاو” التابع للقناة الألمانية الأولى كتب معلقا (العاشر من فبراير) “الرجل الذي صنع لنفسه ذات مرة سمعة وتقديرا بوقوفه في وجه حرب العراق (..) باتت لديه أجندته الخاصة. لقد تم تخفيض رتبته إلى مجرد رجل عجوز حزين من قبل صديقه الديمقراطي الذي لا تشوبه شائبة فلاديمير بوتين، الرجل الذي يتقاضى رواتب ويأخذ الأوامر”.
من جهتها، واصلت خليفته أنغيلا ميركل دعم المشروع رغم كل الانتقادات والتحفظات، مؤكدة كل مرة أن الأمر يتعلق بمشروع اقتصادي محض وليس بمشروع سياسي. ويعتبر الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي إليه المستشار الحالي أولاف شولتس من أكبر داعمي المشروع، إضافة إلى حزب اليسار وحزب البديل من أجل ألمانيا ورؤساء وزراء ولايات شرق ألمانيا. فيما عرف عن حزب الخضر، وهو عضو في الائتلاف الحاكم حاليا في برلين، دعواته المتكررة للتخلي عن المشروع بسبب الانقسامات حوله في الاتحاد الأوروبي ولأنه يرى أيضا أنه يقوي روسيا.
أهمية نورد ستريم للأمن الطاقي لألمانيا
تعتبر ألمانيا المستورد الرئيسي للغاز الروسي في أوروبا، وقد ساهمت في إنجاز خطي أنابيب نوردستريم، مشروع تجنب الطريق البري عبر بيلاروسيا أو أوكرانيا حيث سلك بحر البلطيق بربط روسيا مباشرة بألمانيا، الأمر الذي أغضب عددا من دول شرق أوروبا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، ما أثار عددا من الإشكالات الاقتصادية والجيوسياسية. ورغم تحفظات حلفاء ألمانيا حول المشروع منذ البداية، فإنهم لم ينجحوا تماما في منع إنجاز المشروع. غير أن الاستعدادات الروسية المفترضة لغزو أوكرانيا جعلت من ذلك موضوع استقطاب سياسي حاد.
بسبب الانتقال الطاقي، توقعت الشركة المشغلة لخط الأنابيب عام 2016 بأنه سيكون لأوروبا طلب إضافي على الغاز الطبيعي لا يقل عن 100 مليار متر مكعب سنويًا. كما أن إئتلاف “إشارة المرور” (حكومة برلين) يعتبر الغاز مصدرًا مهمًا للطاقة في مرحلة التخلص التدريجي من الطاقة النووية والفحم، وحتى تتمكن البلاد من تغطية احتياجاتها من الطاقة بشكل تصاعدي وكامل من خلال مصادر غير أحفورية. غير أن المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية اعتبر في عام 2018 أن نورد ستريم ليس ضروريا كما شكك في جدواه الاقتصادية، متوقعا انخفاض الطلب على الغاز في ألمانيا وأوروبا على المدى الطويل. كما اعتبر المعهد أن ألمانيا تملك خيارات أخرى، من خلال دول أخرى منتجة للغاز بكميات كافية.
موسكو تضرب الجميع بحجر واحد
مرور خط نورد ستريم 2 عبر المياه الدولية وليس عبر البر بتفادي المرور ببيلاروسيا وبولندا، أو أوكرانيا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك، مكن روسيا من توفير مليارات اليورو التي تدفعها سنويا لدول العبور. وقد وظفت تلك الدول موقعها في الماضي للتفاوض على شروط أسعار أفضل، وبالتالي فهي تعتبر من أكبر المتضررين لأنها تخشى من أن نورد ستريم 1 و2 سيجعل الأنابيب الأرضية غير ضرورية على المدى الطويل، ما سيقطع عنها إمدادات الغاز المباشرة وبأسعار تفضيلية. وبعد مفاوضات ماراثونية، وقعت روسيا وأوكرانيا في 30 ديسمبر/ أيلول 2019، عقدًا لنقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا، ساري المفعول حتى نهاية عام 2024، وبعد ذلك يمكن تمديده لمدة عشر سنوات أخرى. وهو ما يضمن إيرادات لأوكرانيا بقيمة ثلاثة مليارات دولار أمريكي سنويًا.
وهذا ما يفسر شكاوى موسكو التي تتهم فيها الغرب وبالأخص واشنطن باستخدام خط أنابيب الغاز كأداة للضغط في الأزمة الأوكرانية. وقال نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، (التاسع من فبراير) “للأسف هذا انعكاس للحقائق الموجودة في أوروبا والناتو (..) سيرك سياسي ينظمه الغرب”. وتعتبر روسيا أكبر مصدر للغاز والنفط في العالم، بإيرادات بلغت 337 مليار دولار عام 2020 وهو المصدر الأكبر للميزانية الروسية. يعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكثر أهمية لموسكو، وتولد روسيا حوالي نصف حجم التجارة الخارجية مع دول المجموعة.
حلفاء برلين قلقون من احتمالات الابتزاز الروسي
الحجة الرئيسية التي دأب معارضو المشروع على رفعها هو أن ألمانيا وأوروبا ستفقدان استقلاليتهما الطاقية تجاه روسيا المتهمة باستعمال الطاقة كسلاح للابتزاز السياسي. وبالتالي فإن الاعتماد على الغاز الروسي سيعني بالضرورة المزيد من التبعية السياسية. ويعتبر عدد من دول الاتحاد الأوروبي أن الاعتماد على مُورد واحد، شركة غازبروم الروسية المملوكة للدولة، خطرا استراتيجيا، وتدعو بالتالي إلى تنويع مصادر الإمداد الطاقي. واتهمت بولندا، على سبيل المثال، ألمانيا وروسيا باتخاذ قرار بشأن المشروع دون الدول المعنية وعدم مراعاة مصالح دول العبور السابقة.
موقف الولايات المتحدة بدوره كان متحفظا منذ البداية حتى أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب هدد بفرض عقوبات على ألمانيا إذا تم استكمال مشروع الخط الثاني.
وأدى تهديد واشنطن إلى تجميد المشروع لمدة عام تقريبًا، لكن خليفته جو بايدن تراجع عن هذا الموقف المتشدد. ويذكر أنه في عام 2017، قرر الكونغرس الأمريكي تشديد العقوبات ضد روسيا وشملت في المقام الأول قطاع الطاقة.
ومن الناحية الاقتصادية المحضة، فان للولايات المتحدة مصلحة في بيع غازها الصخري لأوروبا أيضا بدلا من الغاز الروسي. صحيفة “هاندلسبلات” الاقتصادية الألمانية (25 يناير) “لقد تسبب المشروع بالفعل في إلحاق ضرر جسيم بالسياسة الخارجية الألمانية في السنوات الأخيرة، إذ أدى لانقسامات كبيرة في ألمانيا وأجزاء كبيرة من الاتحاد الأوروبي. وتعمل أوكرانيا وبولندا ودول شرقية أخرى بعرقلة المشروع لأنها تخسر رسوم العبور مهمة أثناء التكليف، فيما تسعى الولايات المتحدة لبيع غازها الطبيعي المسال لأوروبا”.
أزمة أوكرانيا تؤكد ضرورة تنويع مصادر الغاز
ويتوقع عدد من المراقبين فرض عقوبات اقتصادية غربية ضد موسكو في حالة غزوها لأوكرانيا وقد يعني ذلك مناسبة لإعلان موت نورد ستريم 2. ووفق المستشار الألماني أولاف شولتس، فإن “كل شيء” سيطرح على طاولة النقاش في حال اجتياح روسي لأوكرانيا. وفي كل مرة يمتنع فيها المستشار شولتس عن تأكيد أن خط أنابيب نورد ستريم 2 سيتوقف في حالة الغزو الروسي لأوكرانيا، تتزايد الشكوك لدى حلفاء ألمانيا، ليس لأنهم لا يثقون بشولتس، ولكن لأنهم يعرفون أن ألمانيا تعتمد على الغاز الروسي”.
وحول قدرة قطر على سد فجوة إمدادات الغاز الروسي كتب موقع “شبيغل أونلاين” (التاسع من فبراير) “يعمل الرئيس الأمريكي جو بايدن على توفير بدائل لإمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا. غير أن خبير الطاقة ديفيد باتر يرى أن ذلك سيكون صعبا وأن إغلاق نورد ستريم 2 لن يكون مفيدا بشكل كبير”. وبالتالي لن يكون بوسع قطر سد الفجوة التي سيخلفها توقف الغاز الروسي عن أوروبا.
20/02/2022
حلفاء واشنطن وشركاؤها الاستراتيجيون في الشرق الأوسط الآخرون سكتوا وتواروا وإختفوا تحت إختيار واحد من إثنين “أمريكا أم روسيا“، فمصر حليفة استراتيجية للولايات المتحدة ومستفيدة من المساعدات الأميركية منذ أمد بعيد، لكنها تشتري أيضاً أسلحة من روسيا وتحتاج إلى تعاون موسكو من أجل الحفاظ على الاستقرار في ليبيا المجاورة، والقاهرة غير مهتمة باتخاذ موقف ضد بوتين في مسألة أوكرانيا، لا سيما في وقت قررت فيه إدارة بايدن الضغط بسبب حقوق الإنسان والوضع المذرى فى مصر وآلآف الشباب والنساء فى سجون السيسى ومواصلة تعليق المساعدات الأميركية ذرا فى الرماد امام المجتمع الدولى لمصر البالغة قيمتها 130 مليون دولار.
ووصفت جماعات حقوق الإنسان، التي دعت الإدارة الأمريكية لحجب المساعدات كاملة، هذا التحرك بأنه “خيانة” لالتزام الولايات المتحدة بوضع حقوق الإنسان على رأس الأولويات في سياستها الخارجية وتحديدا مع مصر.
السعودية فى واد آخر
منذ نشأتها كانت السعودية حليفاً وازناً وراسخاً في الجهود الرامية إلى احتواء الشيوعية السوفياتية في الشرق الأوسط الكبير، وكثيراً ما استخدمت قدرتها على زيادة إنتاج النفط لخفض السعر كلما احتاجت الولايات المتحدة إلى ذلك، لكن في الأزمة الأوكرانية لا يتعاون السعوديون، على الأقل ليس بعد، فسوق النفط الضيقة جراء انتعاش اقتصادي عالمي أسرع من المتوقع بعد ويلات جائحة “كوفيد-19″، وتوقع وقوع اضطرابات في العرض ناجمة عن الأزمة الأوكرانية، دفعا الأسعار إلى ما يتجاوز 90 دولاراً للبرميل، وإذا غزت روسيا أوكرانيا فمن المتوقع أن يرتفع السعر إلى 120 دولاراً، وستكون نتائج ذلك سلبية على جهود بايدن للجم التضخم في الاقتصاد الأميركي قبل الانتخابات النصفية نهاية هذا العام”.
السعودية لن تساعد أوروبا فى هذه المحنة!!!!!
وتناول إنديك الأسباب وراء الإحجام السعودي عن المسارعة إلى دعم أميركا في المواجهة مع روسيا، منها الامتعاض من مواقف إدارة بايدن السلبية. وأشار إلى أن بايدن قد يقوم بالاتصال بالرياض لكنه قد لا يلقى جواباً أو تعاوناً، فصادرات روسيا من النفط صارت خلال السنوات الأخيرة تضاهي نظيرتها السعودية، وصارت موسكو تتولى أخيراً دوراً ريادياً في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك+) زائداً روسيا، وتجمع المنظمة بلداناً منتجة للنفط وتتحكم في الأسعار من خلال تحديد حصص إنتاجية لأعضائها جميعاً، ففي بداية الجائحة عام 2020، عندما انخفض الطلب إلى حد كبير، نشبت حرب لخفض الأسعار دفعت أسعار النفط نزولاً إلى الصفر تقريباً، وتدخل ترمب وتوسط لإبرام اتفاق بين روسيا والمملكة العربية السعودية خفضت إنتاج “أوبك” النفطي في شكل كبير، وجعلت موسكو شريكة للرياض في تثبيت أسعار النفط.
حتى إسرائيل!!!
لكي نرى مقدار التغيير الذي طرأ علينا ألا ننظر إلى أبعد من أقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، إسرائيل، ففي منتصف يناير (كانون الثاني) عقدت الولايات المتحدة وإسرائيل جولة من المشاورات الاستراتيجية، وكان من المفهوم أن التركيز انصب على طموحات إيران النووية، في حين تحاول واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون بشراسة إنقاذ اتفاق العام 2015 مع إيران الذي انسحب منه ترمب، لكن في حين تسعى إدارة بايدن سعياً حثيثاً إلى معارضة تكتيكات الضغط الروسية إزاء كييف، لم يشر البيان الصادر عن الاجتماع قط إلى أوكرانيا. وفي الواقع فإنه منذ بدأت القوات الروسية تتجمع الخريف الماضي تحلت إسرائيل بصمت مطبق، باستثناء عرض قدمه رئيس الوزراء نافتالي بينيت للتوسط بين أوكرانيا وروسيا، وهي فكرة رفضتها موسكو رفضاً قاطعاً.
وفي وقت أقرب، عارض وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد علناً تقدير إدارة بايدن أن غزواً روسياً بات وشيكاً، فقد ناقش بايدن وبينيت قضية أوكرانيا بين مسائل أخرى خلال مكالمة هاتفية أوائل فبراير (شباط)، وتضمن البيان الذي أصدره البيت الأبيض تكراراً قوياً لالتزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، لكن من دون أي ذكر لأمن أوكرانيا.
ترتبط إسرائيل بعلاقات وثيقة مع أوكرانيا، لا سيما مع الجالية اليهودية التي يبلغ تعدادها حوالى 300 ألف نسمة، مما يجعلها واحدة من كبرى الجاليات اليهودية في العالم، ورئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي يهودي، وهذا التقارب كان يفترض أن يعززه التزام إسرائيل بتحالفها الوثيق مع الولايات المتحدة واعتمادها على الحفاظ على النظام الدولي الليبرالي الذي ربطت إسرائيل نفسها به منذ تأسيسها، وافتخارها بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وانشغالها بتأمين حدودها الضيقة من غزو تشنه قوات معادية، ومع هذا فالخبراء الإسرائيليون الذين يزعمون ألا خلاف يجب أن يطرأ بين الولايات المتحدة وإسرائيل عندما يتعلق الأمر بحاجات بلدهم الأمنية، يؤكدون الآن أن على إسرائيل التزام موقف محايد من الأزمة الأوكرانية.
رعب المانيا بسبب الغاز الروسى ما البديل؟
تم التوقيع على اتفاقية بناء الخط الأول من نورد ستريم في سبتمبر/ أيلول 2005 بحضور المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد فترة وجيزة من الخسارة الانتخابية للائتلاف الذي كان يقوده. وبعد أسبوعين فقط من تركه لمنصبه أصبح شرودر، باقتراح من بوتين، رئيسًا لمجلس الإشراف على شركة تشغيل خطوط الأنابيب “إن.إي.بي.غي”. وتثير الصداقة بين شرودر وبوتين كثيرا من التعليقات اللاذعة في ألمانيا. موقع “تاغسشاو” التابع للقناة الألمانية الأولى كتب معلقا (العاشر من فبراير) “الرجل الذي صنع لنفسه ذات مرة سمعة وتقديرا بوقوفه في وجه حرب العراق (..) باتت لديه أجندته الخاصة. لقد تم تخفيض رتبته إلى مجرد رجل عجوز حزين من قبل صديقه الديمقراطي الذي لا تشوبه شائبة فلاديمير بوتين، الرجل الذي يتقاضى رواتب ويأخذ الأوامر”.
من جهتها، واصلت خليفته أنغيلا ميركل دعم المشروع رغم كل الانتقادات والتحفظات، مؤكدة كل مرة أن الأمر يتعلق بمشروع اقتصادي محض وليس بمشروع سياسي. ويعتبر الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي إليه المستشار الحالي أولاف شولتس من أكبر داعمي المشروع، إضافة إلى حزب اليسار وحزب البديل من أجل ألمانيا ورؤساء وزراء ولايات شرق ألمانيا. فيما عرف عن حزب الخضر، وهو عضو في الائتلاف الحاكم حاليا في برلين، دعواته المتكررة للتخلي عن المشروع بسبب الانقسامات حوله في الاتحاد الأوروبي ولأنه يرى أيضا أنه يقوي روسيا.
أهمية نورد ستريم للأمن الطاقي لألمانيا
تعتبر ألمانيا المستورد الرئيسي للغاز الروسي في أوروبا، وقد ساهمت في إنجاز خطي أنابيب نوردستريم، مشروع تجنب الطريق البري عبر بيلاروسيا أو أوكرانيا حيث سلك بحر البلطيق بربط روسيا مباشرة بألمانيا، الأمر الذي أغضب عددا من دول شرق أوروبا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، ما أثار عددا من الإشكالات الاقتصادية والجيوسياسية. ورغم تحفظات حلفاء ألمانيا حول المشروع منذ البداية، فإنهم لم ينجحوا تماما في منع إنجاز المشروع. غير أن الاستعدادات الروسية المفترضة لغزو أوكرانيا جعلت من ذلك موضوع استقطاب سياسي حاد.
بسبب الانتقال الطاقي، توقعت الشركة المشغلة لخط الأنابيب عام 2016 بأنه سيكون لأوروبا طلب إضافي على الغاز الطبيعي لا يقل عن 100 مليار متر مكعب سنويًا. كما أن إئتلاف “إشارة المرور” (حكومة برلين) يعتبر الغاز مصدرًا مهمًا للطاقة في مرحلة التخلص التدريجي من الطاقة النووية والفحم، وحتى تتمكن البلاد من تغطية احتياجاتها من الطاقة بشكل تصاعدي وكامل من خلال مصادر غير أحفورية. غير أن المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية اعتبر في عام 2018 أن نورد ستريم ليس ضروريا كما شكك في جدواه الاقتصادية، متوقعا انخفاض الطلب على الغاز في ألمانيا وأوروبا على المدى الطويل. كما اعتبر المعهد أن ألمانيا تملك خيارات أخرى، من خلال دول أخرى منتجة للغاز بكميات كافية.
موسكو تضرب الجميع بحجر واحد
مرور خط نورد ستريم 2 عبر المياه الدولية وليس عبر البر بتفادي المرور ببيلاروسيا وبولندا، أو أوكرانيا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك، مكن روسيا من توفير مليارات اليورو التي تدفعها سنويا لدول العبور. وقد وظفت تلك الدول موقعها في الماضي للتفاوض على شروط أسعار أفضل، وبالتالي فهي تعتبر من أكبر المتضررين لأنها تخشى من أن نورد ستريم 1 و2 سيجعل الأنابيب الأرضية غير ضرورية على المدى الطويل، ما سيقطع عنها إمدادات الغاز المباشرة وبأسعار تفضيلية. وبعد مفاوضات ماراثونية، وقعت روسيا وأوكرانيا في 30 ديسمبر/ أيلول 2019، عقدًا لنقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا، ساري المفعول حتى نهاية عام 2024، وبعد ذلك يمكن تمديده لمدة عشر سنوات أخرى. وهو ما يضمن إيرادات لأوكرانيا بقيمة ثلاثة مليارات دولار أمريكي سنويًا.
وهذا ما يفسر شكاوى موسكو التي تتهم فيها الغرب وبالأخص واشنطن باستخدام خط أنابيب الغاز كأداة للضغط في الأزمة الأوكرانية. وقال نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، (التاسع من فبراير) “للأسف هذا انعكاس للحقائق الموجودة في أوروبا والناتو (..) سيرك سياسي ينظمه الغرب”. وتعتبر روسيا أكبر مصدر للغاز والنفط في العالم، بإيرادات بلغت 337 مليار دولار عام 2020 وهو المصدر الأكبر للميزانية الروسية. يعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكثر أهمية لموسكو، وتولد روسيا حوالي نصف حجم التجارة الخارجية مع دول المجموعة.
حلفاء برلين قلقون من احتمالات الابتزاز الروسي
الحجة الرئيسية التي دأب معارضو المشروع على رفعها هو أن ألمانيا وأوروبا ستفقدان استقلاليتهما الطاقية تجاه روسيا المتهمة باستعمال الطاقة كسلاح للابتزاز السياسي. وبالتالي فإن الاعتماد على الغاز الروسي سيعني بالضرورة المزيد من التبعية السياسية. ويعتبر عدد من دول الاتحاد الأوروبي أن الاعتماد على مُورد واحد، شركة غازبروم الروسية المملوكة للدولة، خطرا استراتيجيا، وتدعو بالتالي إلى تنويع مصادر الإمداد الطاقي. واتهمت بولندا، على سبيل المثال، ألمانيا وروسيا باتخاذ قرار بشأن المشروع دون الدول المعنية وعدم مراعاة مصالح دول العبور السابقة.
موقف الولايات المتحدة بدوره كان متحفظا منذ البداية حتى أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب هدد بفرض عقوبات على ألمانيا إذا تم استكمال مشروع الخط الثاني.
وأدى تهديد واشنطن إلى تجميد المشروع لمدة عام تقريبًا، لكن خليفته جو بايدن تراجع عن هذا الموقف المتشدد. ويذكر أنه في عام 2017، قرر الكونغرس الأمريكي تشديد العقوبات ضد روسيا وشملت في المقام الأول قطاع الطاقة.
ومن الناحية الاقتصادية المحضة، فان للولايات المتحدة مصلحة في بيع غازها الصخري لأوروبا أيضا بدلا من الغاز الروسي. صحيفة “هاندلسبلات” الاقتصادية الألمانية (25 يناير) “لقد تسبب المشروع بالفعل في إلحاق ضرر جسيم بالسياسة الخارجية الألمانية في السنوات الأخيرة، إذ أدى لانقسامات كبيرة في ألمانيا وأجزاء كبيرة من الاتحاد الأوروبي. وتعمل أوكرانيا وبولندا ودول شرقية أخرى بعرقلة المشروع لأنها تخسر رسوم العبور مهمة أثناء التكليف، فيما تسعى الولايات المتحدة لبيع غازها الطبيعي المسال لأوروبا”.
أزمة أوكرانيا تؤكد ضرورة تنويع مصادر الغاز
ويتوقع عدد من المراقبين فرض عقوبات اقتصادية غربية ضد موسكو في حالة غزوها لأوكرانيا وقد يعني ذلك مناسبة لإعلان موت نورد ستريم 2. ووفق المستشار الألماني أولاف شولتس، فإن “كل شيء” سيطرح على طاولة النقاش في حال اجتياح روسي لأوكرانيا. وفي كل مرة يمتنع فيها المستشار شولتس عن تأكيد أن خط أنابيب نورد ستريم 2 سيتوقف في حالة الغزو الروسي لأوكرانيا، تتزايد الشكوك لدى حلفاء ألمانيا، ليس لأنهم لا يثقون بشولتس، ولكن لأنهم يعرفون أن ألمانيا تعتمد على الغاز الروسي”.
وحول قدرة قطر على سد فجوة إمدادات الغاز الروسي كتب موقع “شبيغل أونلاين” (التاسع من فبراير) “يعمل الرئيس الأمريكي جو بايدن على توفير بدائل لإمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا. غير أن خبير الطاقة ديفيد باتر يرى أن ذلك سيكون صعبا وأن إغلاق نورد ستريم 2 لن يكون مفيدا بشكل كبير”. وبالتالي لن يكون بوسع قطر سد الفجوة التي سيخلفها توقف الغاز الروسي عن أوروبا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق