الجمعة، 25 فبراير 2022

مقال غير جائز كتابياً!

 مقال غير جائز كتابياً!

خواطر صعلوك


عندما تفتح أي قاموس للمصطلحات السياسية، سيواجهك مصطلح حديث نسبياً - ربما لا يزيد عمره عن خمسين عاماً- وهو «التصريح غير الجائز سياسياً»، ويقصد به الكلام الذي قد يكون صحيحاً ولكنه يتعارض مع قناعات وآراء الرأي العام، وأنه من الخطر قول الحقيقة التي تتعارض مع قناعات القواعد الشعبية حتى لا تفقد شعبيتك وتقدير الناس لك.

هناك قناعات شعبية منتشرة، والويل كل الويل لمن يُصرح عكسها حتى لو كان كلامه صحيحاً تماماً... ليس فقط على مستوى التصاريح السياسية ولكن أيضاً على مستوى الكُتاب والمقالات، ومدى الاستعداد لقول الحقيقة كاملة في الصحف. وإليك بعض القناعات:

يرغب المقترضون في اسقاط القروض، وترغب النساء المتحررات في ممارسة اليوغا في الشوارع، وفي ارتداء البكيني في الشواطئ وفي الحصول على حقوق الكلاب والقطط في مجتمع لا يزال ينادي بحقوق فئات من البشر يعيشون معنا، ويرغب المحافظون في حشمة البلد وجعله يرتدي نقاباً وعباية، وأن يطلق لحيته ويتحدث بلهجة بني أسد، ويمنع التماثيل والحفلات، وأن تبقى المرأة في البيت براتب كامل ويبقى الرجل في العلاج بالخارج مع ثلاثة مرافقين بمخصصات مالية، ويبقى الكلب على عتبة باب الجاخور، ويرغب طلاب الثانوية في السماح لهم بمساعدة بعضهم البعض في الامتحانات من باب التعاون على البر والتقوى، ويرغب الكثيرون في جعل مجلس الأمة حلبة مصارعة على المحاصصة والمكتسبات الفئوية والقبلية والتجارية، ويرغب الموظفون في دوامات أقل حضوراً، وفي أداء أقل إنتاجية وفي إفطار شهي...

الجميع يرغب والجميع يريد والجميع يعلم أننا نعيش في حالة «غير الجائز سياسياً» وغير الجائز كتابياً... وأنه لن يجرؤ عضو مجلس أمة أو مثقف في قول كلمة «لا» للقناعات الشعبية، وتضيع الحقيقة ولا تقال الحقيقة إلا في «كبت أمي»، وأحياناً تبقى الحقيقة في «كبت أمي» لا يعرفها إلا الله والراسخون في تحقيقات النيابة العامة ومباحث الأموال العامة وقيادات «نزاهة».

يصرح الكثيرون عكس ما هو واقع، ذلك من باب أن قول الحقيقة الآن غير جائز سياسياً، وأن الكتابة في ذلك غير جائزة كتابياً... فالجميع يريد أن يحافظ على قواعده حتى لو على حساب الحقيقة، وكثير من الناخبين يعلمون أن العلاقة بينهم وبين من يمثلونهم هي تبادل مصالح للمعاملات وتخليص أوراق وتمرير صفقات، ولكن يتم صبغ الموضوع برمته بالصبغة الوطنية حتى النخاع والرقبة.

لا شك أن الجميع يحب الكويت، والجميع يرغب مزيداً من الخير للكويت، ولكن ليس الجميع قادراً على سماع الحقيقة الكاملة، ولذلك فإن أول مصطلح سيواجهك في أي معجم سياسي هو «غير الجائز سياسياً»، ولكي تعرف مصير بلد سار على هذا المصطلح وأين وصل به الحال، انظروا إلى لبنان، وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر.

Moh1alatwan@


22 فبراير 2022 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق