الجنرال الذي حمل إسرائيل على ظهره لفتح أفريقيا
وائل قنديل
من بين سبع دول تشكلت منها لجنة للبتّ في عضوية الكيان الصهيوني، بصفة مراقب، في الاتحاد الأفريقي، لم توجد مصر. ووسط كل هذا الحشد من الرؤساء والقادة في قمة الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لم يظهر الجنرال الذي يحكم مصر، بانقلاب عسكري، أدّى إلى تعليق عضوية مصر بالاتحاد عام 2013 قبل أن تستأنف بعد ذلك بنحو سنة.
ومن بين ملفات وقضايا أفريقية عديدة، متفاوتة الأهمية، لم يتطرّق المؤتمرون في أديس أبابا إلى موضوع سد النهضة الأثيوبي الذي يخنق مصر (دولة المصبّ) مائيًا، ويؤثر سلبًا على السودان (دولة المعبر) لنهر النيل القادم من دولة المنبع.
فقط ورد اسم سد النهضة في الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية المصرية، سامح شكري، من دون أن يتوقف عندها أحد أو يهتم، باعتبارها من العبارات المعلّبة التي تسكن الكلمات الرسمية، من دون أن تكون لها فاعلية على الأرض، تمامًا كما يرد تعبير "قضية الشرق الأوسط" في المحافل الدولية والإقليمية، من باب تسديد الخانات وملء بياض الأوراق.
حتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، كانت دول أفريقيا السمراء تدير علاقاتها الدبلوماسية وفقًا لمعادلة: إما مصر (ودول عرب أفريقيا) أو الكيان الصهيوني.
وبما أن مصر كانت في ذلك الوقت لا تزال تحترم تاريخها وجغرافيتها، وتصون عمقها الاستراتيجي، وتحافظ على انتمائها الحضاري، فقد كانت المسألة محسومة للغالبية العظمى من دول القارّة، فتسلك مع إسرائيل على النحو الذي يحترم الحق العربي، ويحتفظ بعلاقات جيدة وراسخة مع كبرى دول القارّة، مصر العربية الأفريقية، داعمة ثورات التحرّر وقبلة المناضلين ضد الاستعمار من كل مكان.
كل هذه الحقائق التاريخية أهينت وأهدرت وأخذت في التآكل منذ قرّر أنور السادات أن يتصالح مع العدو التاريخي، ويتخاصم مع التاريخ والجغرافيا، ثم تفاقمت الأمور في زمن حسني مبارك، حتى وصلنا إلى مرحلة الجنرال الذي اعتبرته إسرائيل هدية السماء لها، والذي استطاعت من خلاله أن تتوغّل في خرائط العرب وأفريقيا، حتى باتت تنتقي وتختار من تطبّع معه علاقاتها، بالنظر إلى تزاحم طوابير طالبي التطبيع على أبوابها.
وفيما كان الزعماء والقادة متجهين إلى القمة الأفريقية المنعقدة في أديس أبابا، استقلّ جنرال مصر طائرته إلى العاصمة الصينية للمشاركة في افتتاح دورة الألعاب الشتوية، تاركًا للجزائر وجنوب أفريقيا والكونغو الديمقراطية والكاميرون ونيجيريا شرف التصدّي لقرار ضم إسرائيل عضوًا مراقبًا في الاتحاد الأفريقي، بعد معركة دبلوماسية اختارت فيها المملكة المغربية، التي يسمي ملكها نفسه رئيس لجنة القدس، دعم قرار قبول عضوية العدو الذي يحتل القدس وفلسطين.
وحدها الجزائر، من بين الدول العربية التي ينتمي أكثر من ثلث عددها للقارّة الأفريقية، كانت في جبهة مقاومة دمج الكيان الصهيوني في القارّة السمراء، فيما لم نسمع صوتًا لأمين جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، قبل مناقشة القرار، لكنه حضر بعد إسقاط القرار ليعبر عن ترحيب الجامعة بهذه الخطوة.
مبكرًا، وفي العام 2016 سجلتُ في مقال أن إسرائيل قرّرت "فتح أفريقيا"، بتعبير رئيس حكومتها في ذلك الوقت بنيامين نتنياهو، بعد أن وضعت حاكم أكبر دولة عربية وأفريقيا في جيبها، حيث قال نتنياهو قبل جولته في سبع دول أفريقية: إنني أخرج الآن في زيارة تاريخية في أفريقيا، نحن نفتح أفريقيا أمام إسرائيل من جديد".
كتبت وقتها إن نتنياهو ذهب إلى أفريقيا محمولاً فوق عربةٍ تجرّها خيول الانتصار، من هذه الخيول، عبد الفتاح السيسي، حاكم مصر النموذجي، وفقاً للمعايير والمواصفات الصهيونية.
هل كانت مصادفةً أن يقال في صحافة الكيان الصهيوني، يوم توغل رئيس حكومتها في عمق أفريقيا، إن السيسي يعشق نتنياهو؟ أتذكر أيضًا أن إسرائيل كشفت في العام 2017 عن لقاء سري، عُقد في أبريل/ نيسان 2016 في القاهرة، بين عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبحسب صحيفة هآرتس الصهيونية، حضر اللقاء زعيم المعارضة الإسرائيلية في ذلك الوقت يتسحاق هرتسوغ، الذي هو رئيس الكيان الصهيوني حاليًا، والذي زار أبوظبي ويستعد لزيارة أنقرة.
شكرًا أفريقيا واللعنة على عرب سلام أبراهام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق