وائل قنديل
المبالغون في إظهار الدهشة من الإعلان عن مناورات عسكرية بحرية مشتركة بين 11 دولة عربية وتركيا والكيان الصهيوني أشبه بشخص عاش أحداث زلزال رئيس من دون أن يتأثر أو يُصاب بالهلع، ثم قرّر فجأة أن يهتز ويملأ الدنيا صياحًا مع التوابع الصغيرة لذلك الزلزال الكبير.
الدخول في مناورات عربية إسرائيلية مشتركة أمر منطقي تمامًا، وتطبيقٌ عمليٌّ لقرارٍ مزلزل اتخذته واشنطن في يناير/ كانون الأول من العام الماضين ولم تحرّك عاصمة عربية ساكنًا، أو حتى تُبدي امتعاضًا أو قلقًا بشأنه، ولم يتوقف عنده السادة المندهشون العرب، ذلك أنهم في ذلك الوقت لم يكونوا قد انتهوا بعد من التمايل على موسيقى وصول الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى البيت الأبيض، مقصيًا دونالد ترامب من سباق الرئاسة.
كان القرار الذي اتخذه ترامب، قبل أن يلمّ متعلقاته من المكتب البيضاوي، ضم الكيان الصهيوني إلى عمليات القيادة الوسطى (المركزية) الأميركية بالشرق الأوسط، ومن أهم البلدان الواقعة ضمن نطاق عمليات القيادة المركزية بلدان دول الخليج (الكويت، السعودية، قطر، سلطنة عمان، البحرين، الإمارات)، والعراق، وسورية، والأردن، ولبنان، ومصر، وإيران، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وباكستان، وأوزبكستان. وكانت إسرائيل قبل هذا القرار ضمن منطقة عمليات القيادة العسكرية الأميركية في أوروبا، بالنظر إلى أنّ واشنطن كانت تدرك صعوبة دمجها مع الدول العربية في قيادة واحدة بالشرق الأوسط، حتى وجدت الولايات المتحدة أنّ العلاقات الرسمية بين الدول العربية وإسرائيل أكثر دفئًا من أحلامها وخططها المستقبلية.
مع الإعلان عن ضمّ إسرائيل للقيادة الوسطى المركزية، والتي توجد قواتها وقواعدها العسكرية في دول الخليج ومصر، قلت إن هذا يعني مباشرًة أنّ الجندي العربي سوف يحارب، بالأمر، جنبًا إلى جنب، ويدًا بيد، وكتفًا بكتف، مع جندي الاحتلال الصهيوني، تحت قيادة الولايات المتحدة، حتى لو كان العدو المستهدف في وقت ما هو غزة نفسها أو إيران أو حتى جنوب لبنان، أو أي بقعة في العالم تريد واشنطن ضربها.
وللتذكير، بعد قرار دمج إسرائيل في عمليات القيادة الوسطى المركزية، تحدّث جو بايدن الذي كان قد احتفل بفوزه للتو، محدّدًا رؤية واشنطن للشرق الأوسط، من خلال تصريح أدلى به في مؤتمر صحافي مع رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي إن، إذ قال: "دعونا نتحدث بوضوح هنا، حتى تعترف المنطقة بأسرها، وبشكل لا لبس فيه، بالحق الوجودي لإٍسرائيل دولة يهودية مستقلة، لن يكون هناك سلام". وما زلت أرى هذا التصريح ما زلت من وعد بلفور وأخطر من هلوسة ترامب عن صفقة القرن، ذلك أنه بهذا التصريح يسوق العرب أمامه للقتال من أجل "يهودية إسرائيل"، ما داموا ملتزمين باستحقاقات الانضمام في القيادة المركزية الأميركية، صحبة الكيان الصهيوني، وما داموا، كذلك، متماهين مع التعريف الأميركي الإسرائيلي للإرهاب، المتضمّن تصنيف كل أشكال مقاومة الاحتلال الصهيوني إرهابًا.
قائمة الدول المشاركة في المناورات البحرية المرتقبة، وبحسب ما نشرته البحرية الأميركية، بالترتيب، تضم إسرائيل وتركيا فيما يشارك من الدول العربية السعودية والإمارات والبحرين وعُمان ومصر والأردن والسودان والمغرب وجيبوتي والصومال واليمن. ولكل الدول المشاركة سجل تطبيعي حافل، والجديد هذه المرّة هو اليمن الجريح، والذي تحوّل إلى ساحة حرب إقليمية بين "عرب القيادة المركزية وإيران"، مع الأخذ في الاعتبار أنّ الإعلان عن بدء المناورات يتزامن مع زيارة رئيس الكيان الصهيوني الإمارات، والتي تعقبها زيارة أخرى له إلى تركيا، كان مقررًا لها أن تكون في مطلع شهر فبراير/ شباط الحالي، لكنها تأجلت إلى منتصف الشهر المقبل (مارس/ آذار)، بحسب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي يتردّد أنه طلب من وسائل الإعلام والصحافة في بلاده التوقف عن وصف إسرائيل بالاحتلال الصهيوني، خصوصًا وهو مقبلٌ بحماسة شديدة على التطبيع، في ظل تمنع وتردّد صهيوني واضحين.
الشاهد أنّ الكلام عن إخضاع الشرق الأوسط جغرافيا وسياسيًا وتاريخيًا وثقافيًا للكيان الصهيوني ليس تحليقًا في فضاء نظرية المؤامرة، بل تعبيرٌ عن واقع يتحرّك على الأرض ينطق بأنه يتم تهيئة المنطقة لقيادة مركزية إسرائيلية، لتصبح النكتة الحقيقية هنا أن يبقى عربٌ يتعاركون مع عرب آخرين على الريادة فيما بينهم، بينما يعملون، بمنتهى الهمّة، في مشروع إسناد ريادة (وقيادة) المنطقة كلها لعدوها التاريخي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق