دين المؤتفكات
علي فريد الهاشمي
منذ سنوات؛ وحين كان الأخ الحبيب الأستاذ عمرو عبد العزيز يُحدثني عن (اللو.. ط..؛ يَّ.. ة) وخطرِهَا، وفلسفتِها، وما يُراد لها وبها؛ كنتُ أقول لنفسي أحياناً: لعله يبالغ في تخوفاته بسبب كثرة قراءاته عن الموضوع أو انغماسه في تفاصيله..
كنتُ أناقشه وأنا خالي الذهن من خلفيات الأمر أو تاريخه..
وشيئاً فشيئاً- وبسبب أحاديثي معه- بدأتُ أدركُ خطورةَ الأمر وبشاعةَ ما يُراد للإنسان من حيث كونه إنساناً، وللإنسانية من حيث كونها إنسانية؛ بهذه الفلسفة الكاملة والكامنة في مفهوم (اللو.. ط..؛ يَّ.. ة)!!
لقد انتقلوا من حَربِ مُطلقِ الدين لإعلاءِ شأن الإنسانية وجعلها ديناً؛ إلى حَربِ مُطلقِ الإنسانية لإعلاء شأن الإنسان وجعله إلهاً، إلى حرب مُطلَقِ الإنسان لإعلاء شأن اللاشيء وجعله شيئاً.. وهم في كل حروبهم هذه لا يُسقطون إلا ما يريدون إعلاءه، ولا ينفون إلا ما يريدون إثباته؛ فوقعوا بذلك- وأوقعوا الإنسانية كلها- في حالةٍ لا أجد لها تعريفاً سوى: تماهي كل شيء في كل شيء؛ لإعلاء كل شيء بإسقاط كل شيء!!
ولا مصطلح يمكن أن يُعَرِّفَ هذه الحالة تعريفاً دقيقاً.. ولعل هذا هو المقصود ابتداءً؛ فإسقاط المصطلحات هَمٌ أولي عندهم؛ لأن المصطلح وجهٌ وعنوان، وإسقاط الوجه والعنوان مقدمةٌ أولية لإعادة الخلق والتكوين؛ فلا الذكر يظل ذكراً ولا الأنثى تظل أنثى.. وليس ثمة تيه أبشع من تيه نزع الأسماء عن مسمياتها سواءً أعطيتها أسماء أخرى أو لم تعطها.. ولذلك كانت مِنَّة الله العظمى على آدم- بعد خلقه- أن عَلَّمَه الأسماءَ كلها!!
***
كَتَبَ الأستاذ عمرو عبد العزيز كتابه (دين المؤتفكات)- وما أشد مناسبة عنوان الكتاب لما نحن فيه- ثم شَرَّفَني- من سنتين تقريباً- بقراءة نسخته الأولية قبل نشرها؛ فوجدتُ علماً غزيراً، وفهماً عميقاً، وإلماماً بموضوعٍ لا أعرف في عالم العربية (حتى الآن) أحداً كتب عنه مثل هذه الكتابة واهتم به مثل هذا الاهتمام، وشرح أبعاده ومصائبه مثل هذا الشرح.. وقد قلتُ له وقتها: لو كان لي من الأمر شيء لفرضت قراءة هذا الكتاب على الآباء ليشرحوا لأبنائهم ما يمكن أن يستغلق عليهم منه؛ لأنهم الجيل الذي سيواجه من المصائب (في هذا الأمر) ما لم تواجهه البشرية منذ عهد (ل..،و..،طٍ) عليه السلام إلى الآن!!
وإني والله لا أمدح أو أبالغ في المدح؛ فإن كل إنسانٍ يؤخذ من كلامه ويُرد عدا سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم.. ولكني أصف ما شعرت به حين قرأت الكتاب في نسخته الأولى.
وقد علمتُ اليوم أنَّ هذا الكتاب موجودٌ الآن في (معرض القاهرة للكتاب)، فمن استطاع أن يصل إلى نسخةٍ منه فهو خير كبير يُضاف لمكتبته.. كما علمتُ أيضاً أنَّ كتباً أخرى للأستاذ عمرو موجودة في المعرض، وهي: (هلال السيادة)، (وطن الراشدين)، (الداروينية المتأسلمة)، (الأشعرية الجديدة).
وفي كُتب الأستاذ عمرو خير كثير، وفيه هو- رفع الله قدره وحفظه- ذكاء وفطنة في اختيار موضوعات كتبه وعناوينها.. ومَن عانى أعباء الكتابة عرفَ معاناة أهلها في اختيار الموضوع والعنوان.. والمعاناة في اختيار العناوين أشد!!
أسأل الله أن ينفع الأستاذ عمرو عبد العزيز وينفع به، وأن يبارك في عقله وعلمه، ويرزقه الإخلاص والقبول والصواب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق