الجمعة، 25 فبراير 2022

قراءة في كتاب أقسمت أن أروي

 قراءة في كتاب أقسمت أن أروي

شهادة الصحفي اللبناني روكس معكرون على معاملة الإخوان المسلمين في ليمان طرة عام 1957

اسم الكتاب: أقسمت أن أروي

الكاتب :روكس معكرون

وصف كامل لكتاب:نبأ المجزرة الرهيبة

التي تقشعر لها الأبدان

1398هـ

الطبعة الثالثة

1978م

تقــــديــــم

إن الدكتاتورية تبدو في العادة ضخمة خطيرة من الخارج …

إنها تبدو صلبة براقة لا تقاوم …… 

أما من الداخل فهي عفنة ……

إنها أشبه بأضرحة البيضاء التي تبدو جميلة فعلا في مظهرها .. ولكنها من الداخل مليئة بعظام الموتى وجميع أنواع القذارة . 

المذبحة 

إلى أرواح الشهداء ..

إلى الشباب النضر كزهور الربيع ..

إلى الإيمان المجرد كأنه جوهر الحق 

إلى التضحية الصادقة بالدم والروح 

إلى الوطنية وإلي الإخلاص 

إلي شباب مصر شهداء مذبحة ليمان طره .. 

إلي أصدقائي: على حمزة .. إبراهيم قعوار .. حيري .. وبقية الأصدقاء الشهداء .. 

.. لقد عشت معكم أياما وليالي .. وأنا مسيحي وأنتم مسلمون .. وما شعرت معكم بغير الألفة والود والمحبة والإقدام المتبادل .. وما لمست فيكم غير أيمانكم بدينكم . وأيمانكم بوطنكم وأيمانكم بإنسانيتكم .. وهو منتهى المعرفة .

.. لقد عشت معكم صديقا نأكل ونشرب كأس السجن والعذاب معا .. جمعتني وكثير منكم رابطة الألفة والصداقة ومشاركة العمر والثقافة والميول فكنتم لي أخوة في المحنة .. وكنت لكم أخا .. وشهدت الكارثة الرهيبة ورأيت أخوتي يسقطون صرعى .. ورصاص الطغاة الآثمين يسلبكم الحياة .. بعد أن فشلت كل أساليب الغادرين ، أن تسلبكم الإيمان .. وأقسمت أن أروي للتاريخ مأساتكم الهائلة ..

إلى الرأي العالمي ..

وإلى الضمير الإنساني ..  

أقدم قصة هذه الأيام والليالي السوداء التي عشتها في ليمان طره ودفعت من كل ساعة من ساعاتها بل في كل لحظة من لحظاتها دمي وأعصابي ونور عيني . ويخطئ من يظن أنني في هذا الفصل سوف أستغل صناعة الكتابة أو براعة القلم في تجسيم الحقائق ! في التزيين أو التزييف  أو التشويه .. أنني لا يمكن أن ألجأ إلى شئ من هذا فإن الحقيقة وحدها تكفي ، وأن الواقع لأكثر هولا مما قد يخطر على أي بال .. وأن الأحداث لأفظع لأقدمها للتاريخ شاهدا ولأهدي هذا المجهود إلى أرواح الشهداء الذين استشهدوا لإيمانهم بالحق لوجه الحق وحده ، وأشهد الله على ما أقول .. والله على ما أقول شهيد.

لقد قلت : بأنني أؤمن بأن الله قد خلق عباده أجمعين من تراب وروح، وأنه قد خلقنا نحن أبناء لبنان من التراب والروح وجوهر الحرية .. ولازلت أقول أيضا .. أن الخبرة التي اكتسبتها من هذه الرحلة وممارستي حياة العبودية في جزيرة العذاب ، قد أتاحت لي في سنوات سجني ما كان لا يمكن أن يتاح لي في أي مكان آخر ولو في نصف قرن . فالحمد لله على المحنة .. وأنا قد اخترت هذه الحقيقة الواحدة التي ضمنتها هذا الفصل دليلا على ما شهدته وشاهدا على خبرته ..

استبداد الزعيم

وزعامة المضللين

في الشرق العربي .. ومنذ سنوات قليلة .. دعوة جارفة تحشد القوى .. أضخم القوى ، وتجند الوسائل .. حتى الدنيئة منها ، تدعو كلها إلى زعامة عبد الناصر .. أبواق تهتف ونشرات تخرج وصور وشعارات وألوان جذابة ومغريات هائلة .. وكلمات براقة ووعود خلابة .. طوفان من الدعاية ، كلها تساهم في بناء الغاية الكبرى: زعامة عبد الناصر .. بعض الناس يمضي في الطريق ويستجيب أغلبهم يستجيب عن طيبة أو سذاجة أو فراغ وأقلهم يستجيب عن مصلحة واقتناع .. وبعض الناس يقف في هذه الدعوة موقف المحارب المستميت يفضح مزاعمها ويفند أكاذيبها ينذر ويحذر .. تضليل ووهم ، تهريج وخداع .. وبعض الناس يقفون حيارى في مفترق الطرق .. أي الدعوة خير وآيتها شر ؟  ولو أن دعوة زعامة عبد الناصر داخل نطاق مصر لما تدخلنا ولما كان لغير المصريين أن يفصلوا في أمر الدعوة خير أم شر .. ولكن الطوفان أخذ يزحف إلى الشرق العربي حاملا الدعوة الدنيئة وانزلق أكثره في الطريق .. وبذلك وحده أصبح من حق كل مواطن عربي بل من واجبه مادام يملك ولو شعاعا ضئيلا من النور يكشف الحقيقة أن يتقدم فورا ومهما كان ثمن التضحية والفداء .. فمن حزمة الإشعاعات الضئيلة ستكون شعلة الرواد الذين يحررون الناس في الوهم .. من الزيف .. من الضلال .. من الزعامة الفردية .. من الاستبداد الدكتاتوري المطلق .. أنني قلت مهما كانت التضحية والفداء لأن دعوة عبد الناصر قد وطدت العزم على بلوغ الهدف بأي سبيل حتى ولو سلكت سبلا دنيئة بذيئة يلوثها  العار والخسة والانحطاط .. ولعلنا في لبنان قد ذقنا هذه الكأس المرة .. ودفعنا افدح الثمن .. دفعنا الخراب والدمار الذي أصاب لبنان ودفعنا أرواح القتلى .. وعذاب الأحياء ..

على أية حال هذا ليس مجال مناقشة الدعوة من الوجهة السياسية . وإنما أردت أن أعترف للقارئ اللبناني بهذا السؤال: ماذا نعرف نحن عن حقيقة الحياة في ظل زعامة عبد الناصر ؟ أنهم سيقولون أن عبد الناصر وبطانته يدعون للوحدة والاتحاد ويعملون من أجل رفاهية الشعب . أنهم يؤمنون بالعزة والكرامة والحرية .. هذا قول جميل يمكن أن يخدع ويغري الملايين .. وسؤال آخر : أليس من حقنا قبل أن ننطق بكلمة تأييد لهذه الدعوة أن ننظر في جوف الإناء لنرى ماذا هناك .. وماذا حققوا لمجتمعهم من خير ؟.    

وهنا يظهر السؤال المباشر

أيهما أقرب إلى زعامة عبد الناصر فأحق بدعايته وبكفاحه وببرامجه وبأفكاره العبقرية الخالصة ؟ مصر أم لبنان ؟ .. المجتمع في مصر أم المجتمع في لبنان ؟ .. الشعب في مصر أم الشعب في لبنان ؟؟؟ فتعالوا نشهد ماذا صنع عبد الناصر لمصر . وماذا فعل بالمجتمع المصري .. وبأي عملة تجري بينه وبين الشعب في مصر المعاملات . وأنا لست خبيرا في السياسة ولا أزعم أني قائد محنك أو زعيم مجرب .. وإنما أنا أسرد حديثي للقارئ واسأل فقط أليس من حقنا أن نعرف الحقيقة ؟… حقيقة الطرق الذي يدعونا عبد الناصر إليه ؟ ,اعتقد أني في هذا الفصل سأقدم حقيقة جانب من أهم جوانب الحياة في ظل حكومة عبد الناصر .. وستبقى هذه الحقيقة ، الضوء أسطع الضوء على حرية الفرد والحياة السياسية . والتكافل الاجتماعي . والقيم الأخلاقية . وأخيرا مقاييس الإنسان والحضارة في نظر عبد الناصر ونظام عبد الناصر وأنني لأحب أن أسأل سؤالا بسيطا أن كان من حقي كمواطن عربي شهد مأساة سجون الجمهورية العربية المتحدة : لماذا يتحدث حكام القاهرة عن العزة والكرامة والحرية وليس عندهم إلا الوحشية والعبودية والمذلة .. تجار الضجيج باعة السراب .. صناع العذاب ..

لقد قدر لي أن أكون الإنسان الوحيد الذي شهد هذه المحنة الفظيعة .. وخرج من السجن .. ومن سجون الجمهورية العربية المتحدة وحدودها جميعا ليتصل بالعالم الحر .

من منبر لبنان الشامخ ، حصن الحريات والحقوق .. من وطني .. فلتتطلع الإنسانية علي ما رأيت واشهد التاريخ ..  وكي انصف الواقع أقول  انه شهد هذه النكبة الوحشية معي أيضا الصديق اللبناني جورج يونس .. ويرى القراء قصة رحلته في جزيرة العذاب في غير هذا المكان .. وكأنها سخرية من القدر بتدابير الطغاة .. فيكشف الخبئ من حيث لا يقدرون .

كنت أجلس في زنزانتي الكئيبة لأكتب هذا الفصل .. وأرواح هؤلاء الأصدقاء تحوم حولي .. وستظل تحوم حول هذا المكان وستبقى الجريمة خالدة والدم البريء المراق .. والأرواح الطاهرة المزهقة ستظل تضرع وتشير إلى الجناة .. إلى الطغاة صناع الدمار أعداء الحياة .

وليس هؤلاء كل من عرفتهم وراء القضبان .. هناك الكثيرون وأبطال الكفاح من أجل إيمانهم .. شباب كثيرون جاءوا بهم من مقاعدهم بالجامعات ومن منابرهم في الصحافة والمحاماة والقضاء والطب والهندسة وساقوهم إلى اليمان من أجل إيمانهم بحق بلادهم في الحرية والكرامة .. وكنت أحس كلما جلست بينهم أن هذا الشعب سيحقق أمانيه وأن هؤلاء الذين يستبدون به إنما يخدعون أنفسهم وأن الحقيقة لا بد واقعة ولكن بعد الثمن الفادح .. بعد  الذل الهوان والعذاب .. ومن يدفع الثمن؟ مصر لا شك والمجتمع العربي بأسره. 

الطغاة يهدرون دماء الشهداء ويسومونهم سوء العذاب

واليوم ذهب بعضهم شهداء واختصروا  الطريق إلى أهدافهم العليا والآخرون بعثرهم الطغاة في سجون كثيرة بعضهم في قلب الصحاري وأعماق الفيافي هناك على مسيرة مئات الأميال من الحضارة والعمران .. في سجون الواحات ..

وأنا أخال أرواحهم تطوف بمسرح المصيبة .. وأذكر أحاديثهم وهم أحياء أخال انهم يحملوني أمانة الشهادة وواجب البلاغ .. وأنا كمسيحي لا بد مؤد حق الشهادة الخالصة .. وأنني كمواطن عربي لا بد ملب واجب البلاغ الصادق .. وكصديق للشهداء الذين ذهبوا .. وللسجناء الذين يرسفون إلى اليوم إنما أؤدي الأمانة ، و الواجب .. وأنا أضرع إلى الله في صلاة التوسل والرجاء أن يعينني على ما أنا بسبيله .. فلتقر أرواح الأصدقاء الشهداء .. رحمهم الله .. وتحية لنفوس الأبرياء السجناء الذين ما عرفت عنهم إلا تمسكهم بعقيدتهم .. ودفاعهم عن مثلهم وكفاحهم من أجل حقوقهم فنصب لهم المشانق .. وفتحت لهم السجون بظلمها وعذابها وما وجدتهم في محنتهم وسياط العذاب مسلطة عليهم إلا رجالا لها صابرين .. مؤمنين .. قادرين .. تهون عليهم أبدانهم والعذاب من أجل كلمة .. الله .. والوطن .. وهو منتهى الوفاء .

ونعقت غربان الشؤم .. وأخذت الطغاة العزة بالإثم فأطلقوا الرصاص على صدورهم فتنفجر منها آيات الطهر والقداسة .. وهتفوا حتى في لحظة الموت والرصاص يصرعهم . الله أكبر .. الله أكبر .. وهو منتهى الإيمان . 

ونظرت فرأيتهم قتلى .. صرعى والدماء تسيل .. وكانوا منذ لحظة ملء الحياة .. ولكنني والحق أشهد أنهم لم يكونوا قتلى ولا ضحايا .. كانت لهم حتى وهم في العدم  هيبة وجلال .. سيما الشهداء وهو منتهى الخلود .. وأنني لأخال هذه الأرواح تتحدث إلى .. وأكاد ألمح نورها يضئ ظلمة السجن وهمسها يرن كالمعزوفة الجنائزية .. تروي قصة الأحزان الخالدة .. أخال هذه الأرواح .. كما كنت أجلس بين أصحابها وهم ملء الحياة يملأهم الإيمان والأماني .. كانوا يعبدون الله .. ويعشقون الوطن ويعملون بوحي إيمانهم .. لأجل بلادهم .. وكانت كل كلمة منهم وكل تصرف لهم إنما هو مدفوع بالعبودية لله .. والكفاح من أجل الوطن .. كنت أعرف فيهم الأب الذي انتزع من لأسرته وتحطم بيته ..والزوج الذي فرق من زوجه وشرد أولاده .. والشاب الذي يقف على باب مستقبله العريض موظفا أمينا أو طالبا مجدا أو محاميا بارعا أو مهندسا ناجحا أو طبيبا عبقريا .. فذهب ذلك كله ألقى به إلى المشنقة أو إلى السجن ..

ولا قدم للرأي العام العالمي والضمير الإنساني تقصيا هذه المأساة المروعة :

مجزرة القرن العشرين

قصة المذبحة فظيعة ، بل أفظع قصة عرفها القرن العشرون .. بدأت مقدماتها يوم صلاة الجمعة ، حيث كان السجين الشيخ حسن أيوب وهو من جماعة الإخوان المسلمين ، يقوم بالوعظ والإرشاد لكل من حضر الصلاة .. وكان ذلك في فناء العنبر ، ولم يكد ينتهي الشيخ حسن من وعظه حتى فوجئ المصلون بسياط الزبانية تلسع ظهورهم وتفرقهم .. وقد نال النصيب الأكبر من هذه السياط الشيخ حسن المسكين .. ولماذا كل هذا ؟ لست أدري .. ولكن لم تمض ساعة من الزمن حتى انجلى الموقف.

في الليمان سجين وصولي عبد الوهاب الشعراني محكوم عليه في قضية قتل وإجرام الأشغال الشاقة المؤبدة .. له صلة قرابة بواعظ الليمان المدني الشيخ الصاوي شعلان .. كان عبد الوهاب يحقد كثيرا على الإخوان ينعتهم حينا بالخونة وحينا بالمأجورين لأنه  على ما علمت  من نزلاء الليمان ( عياش) يصفق ويهلل لكل عهد جديد ، يعيش بلا مبدأ ولا ضمير .. أسر الشعراني في إذن الشيخ الصاوي بكلمات كلها حقد وبطلان .. قال أن الشيخ حسن يتمادى في وعظه ويلمح عن طغيان الثورة وعهد الثورة .. وحمل الصاوي ما قاله الشعراني للسادة ضباط السجن وهؤلاء بدورهم أرسلوا زبانيتهم بأوامر  مشددة دون تحقيق ولا روية .. ووقعوا على الشيخ حسن وعشرات المصلين محاضر جلد . ووضعوهم في غرفة التأديب .. وجن جنون المسجونين ( كل المسجونين) من هذا التصرف الأحمق .. منهم من قال : لا صلاة بعد اليوم .. ومنهم من قال الكفر سيد في هذا المكان .. وتكهرب الجو بين الإدارة والإخوان .. وبدأت المعاكسات السخيفة ..  

أصدر طبيب أول الليمان محمد فؤاد السيد أمرا بإخراج الإخوان المرضى بالمستشفى إلى عنابرهم .. وقد كتب على تذكرة علاج كل فرد منهم .. كلمة (خروج) أي الخروج من الملاحظة لأنه شفى ! – وذلك دون مراعاة الضمير الإنساني الذي يحتم عليه أن يقف إلى جانبهم ويبقيهم في أسرتهم في المستشفى  لما يعانون من أمراض خطيرة ، كان سببها آلات تعذيب حكام القاهرة .

وأبي طبيب أول الليمان أن يقف بعيدا عن ممالأة أسياده ؟! 

وفى الصباح خرج الإخوان من المستشفى محمولين إلى العنبر ، كل يئن من آلامه وأوجاعه .. آلام الضرب والتعذيب قبل مجيئهم إلى الليمان .. آلام لا تطاق أذاقتهم إياها المخابرات المصرية في السجن الحربي .. حيث تفننت هذه المخابرات المصرية في السجن الحربي .. حيث تفننت هذه المخابرات بأساليب العذاب وألوانه .. فمن كماشة حديدية تطوق الرأس وتضغط حسب الطلب ! إلى نفخ في الأدبار حتى يصبح الآدمي بالونا معلقا على السقف .. إلى غير ذلك من أساليب وحشية دنيئة .

 وعند الظهيرة نادى السجان كشفا يحمل أسماء المسجونين المطلوبين للزيارة الخصوصية .. ونادى فيها منادى اسم السجين كمال عبد العزيز زوج الفنانة زوزو ماضي ، والمحكوم عليه بالشغال الشاقة المؤبدة في قضية المخدرات الكبرى مع زوجته .. ونادى كذلك الدكتور مصطفى حمدي وهو من جماعة الإخوان ، وغيرهم ودخلوا جميعا مكتب النقيب عبد الله ماهر آمر الزيارة . 

أعطت "زوزو" في نهاية الزيارة أكياسا كثيرة من المأكولات والحلوى لزوجها السجين ثم تقدمت والدة الدكتور حمدي تستأذن النقيب بإعطاء وحيدها دجاجة كانت تحملها في كيس صغير من "السلوفان" .. رفض الضابط طلبها وأصرت الوالدة … وإزاء إصرار الأم الحنون ، أخذ الضابط الهمام الكيس من يد الأم وقذف به خارجا وطردها .. وثارت ثأره الدكتور حمدي وقال للضابط كلمات كثيرة كانت درسا قاسيا في الأدب والتربية .. ووقع الضابط المنتصر  القصاص على حمدي وأودعه غرفة التأديب ..

أبلغ النقيب بطولته في معركة سيناء لمديره ورؤسائه ، وأضاف بأن الإخوان المسلمون يريدون به شرا .. وجمعت الزبانية في لحظة ، وأعطيت إليهم الأوامر من جديد :

1. 1.    عدم السماح للإخوان بالصلاة جماعة 

2. 2.    تفتيش الدور الثالث من العنبر أي حيث يسكن الإخوان تفتيشا استفزازيا صباحا ومساءا.

3. 3.  إخراج جميع الإخوان من غرفهم صباح الغد وسوقهم إلى الجل لتكسير الحجار دون استثناء المرضى منهم وتكهرب الجو من جديد وبات الإخوان ليلتهم في قلق شديد ينتظرون الغد ويحسبون ألف حساب لملاقاة المجهول .. 

وجاء الصباح المنتظر .. وجاوزت الساعة السابعة صباحا ولم تفتح الأبواب .. وذلك على غير عادة .. قفزت من غرفتي إلى الفتحة الصغيرة بباب الزنزانة استطلع الخبر .. ثم أر شيئا .. إلا أنني سمعت وقع إقدام كثيرة .. ثم رأيت ضباطا أعرفهم .. 

البكباشي : فؤاد سعد الدين 

النقيب: محمد صبحي 

الملازم الأول : عبد العال سلومه

النقيب: أحمد زكي 

الملازم : حسين سعيد 

وكلهم من ضباط السجن ، وكلهم مدججون بالسلاح ومعهم عدد وافر من الزبانية يشكلون حلقة ويشاورون ..

ولم تمض دقائق معدودات على هذا الوضع حتى توجه السجانون إلى الدور الثالث وفتحوا أبواب الزنازين بكاملها واخرجوا الأصحاء من الإخوان إلى شرفة الدور .. وتركوا بقية الدور مقفلة .. وبعد دقائق دوت طلقات نارية كثيرة ، ولم أسمع سوى صوت واحد ردده الجميع – جميع الإخوان – الله أكبر .. الله أكبر .. وبقى الرصاص يدوي إلى أن اطمأن الطغاة إلى استشهاد المجموعة البريئة ..

وخيم صمت رهيب على سكان العنبر حدادا على الشهداء .. وتمخضت المجزرة عن استشهاد إحدى وعشرون شهيدا وستة وخمسون جريحا استشهد منهم بعد ذلك أحد عشر متأثرين بجراحهم . جاوزت الساعة العاشرة ولم تفتح الدور الباقية وكنت أود ألا تفتح .. لأن قلبي كاد ينصهر من فرط الألم لاستشهاد الأصدقاء الأوفياء .. ونظرت إلى من معي بالغرفة ، جورج المذكور وقد احتل زاوية من الغرفة مذهولا خائفا .. وقلت له أهذه هي قومية عبد الناصر وديمقراطية الثورة وعدالة العهد ؟ وأجابني بصوت خفيض خلته ينبعث من القبور : "شو بدك بهالحكي .. مش وقته"..

وظننت بأن الأبواب لن تفتح قبل أن ينقلوا الجثث من العنبر .. إلا أن آدمية الطغاة خيب ظني وفتحت الزنازين _ كل الزنازين – وأمرنا بالخروج من الغرف لقضاء حاجياتنا 

وما بالك أيها القارئ العزيز إذا علمت بأننا كنا نتخطى الجثث وكأننا في ميدان حرب .. جثث في كل مكان أمام غرفتي وفى الفناء وعى سلم العنبر ..

كم كنت أود أن يطلق الرصاص على الأعداء .. أعداء بلادنا ، وليس في صدور أبناء عروبتنا الخلص الأبطال .. ولكنه الطغيان بأقسى أنواع ظلمه ووحشيته .. 

أعود إليك أيها القارئ العزيز لا سرد لك بقية القصة .. قصة المجزرة .. مجزرة القرن العشرين

أطلقت صفارة السجان .. ونودي علي جميع سكان العنبر بالنزول إلى الفناء .. وامتثل السجناء للأمر .. آمر سجانهم صاحب الحول والطول يفعل بهم ما يسعده من الآن العذاب والحرمان .. فهو يعرف قانون الليمان حاكم مطلق الصلاحية .

اجتمعنا نحن السجناء في فناء العنبر .. وأجلسونا القرفصاء .. وجلست هذه المرة دون مجرد التفكير والاعتراض علي هذا الوضع .. وكانت إدارة السجن قد استدعت بقية الإخوان الذين كانوا في غرف تأديب ومنهم الدكتور حمدي .. ووقف الملازم أول عبد العال سلومة لنا جميعا :

أيها النزلاء ..

يسر إدارة الليمان أن تسعدكم بمشاهدة الإخوان المسلمين يقومون بألعاب بهلوانية للترفيه عنكم ! وحضرتني في تلك اللحظة صورة نيرون يقهقه وروما تحترق ..

وأعطى الضابط الخليع أوامره للأخوات المسلمين ليدوروا سريعا حول العنبر ،  ومن ورائهم شرذمة من الزبانية تلهب ظهورهم بالسياط .. 

وشرذمة أخرى تقذفهم بالكلس الحارق علي وجوههم .. إن وحشيه هولاكو كانت لتبدو معدومة إذا ما قورنت بوحشية القائمين علي سكان الجزيرة يستمدون أوامرهم من وزارة الداخلية فينفذوها بدقة وإخلاص..

ثم نودي على الإخوان مرة أخرى ليوزع عليهم الضابط الهمام أسماء جديدة .. ولكنها أسماء لنساء صورة من المهانة والتحقير لم تعرفها الإنسانية من قبل .

ولم يكتف سلومة بهذا القدر من التحقير بل سولت له نفسه أن يأمر أحدهم – أعرفه جيدا يدعى محيي الدين عطية وهو طالب في كلية الحقوق – أمره بأن يضاجع أخا له .. واقشعرت الأبدان – أبدان السجناء كل السجناء – وبكى محيي من فرط الألم واستنكر بشدة أمر الضابط الرفيع . ، لم يكن سليط زكريا محيي الدين لتنال درة من أدميته .. فأوقعته أرضا ومغشيا عليه ..

وتمتمت بصوت خاشع : اللهم أرفع عنهم هذا الكأس وارحم الشهداء – شهداء الإيمان وأعداء الطغاة الآثمين .

الدكتاتورية المطلقة:

أسلوب الحكم البغيض  

عزيزي القارئ .. طالما أني تعرضت في حديثي عن طرق التعذيب وأساليبه التي ابتدعتها مخابرات عبد الناصر وزكريا محيي الدين واتبعها القائمون على السجون في مصر ، فلا بد أن أروي لك قصة تعذيب سجين عرفته الجامعة العربية.

من أنشط رجالها . أنه الأستاذ صالح أبو رقيق الذي كان يشغل منصب رئيس قسم شمالي إفريقيا في الجامعة ، وعضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين. وكان قد جئ به إلى الليمان مع مجموعة من زملائه أعضاء مكتب الإرشاد ، بعد أن عوقبوا بالشغال المؤبدة من محكمة الثورة ، وجاء معهم أيضا الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان .. والذي خفضت عقوبته من الإعدام للأشغال الشاقة المؤبدة .

أدخلوهم الليمان حفاة وشبه عراة .. ووضعوهم في الدور الثاني من عنبر "1 " أي العنبر الذي أسكنه .. وقد عرضت منهم صديقا قديما هو الأستاذ صالح المذكور وهرعت فورا لمقابلته .. ولكن الضابط المسؤول عن مراقبتهم خيب أملي ، إذ منعني من مقابلته .. وأضاف بأن لديه أوامر مشددة بالنسبة للإخوان ويحظر على جميع المسجونين الاتصال بهم .. ورضخت للأمر وعدت إلى زنزانتي .. 

جمعت كل ما فيها من معلبات محفوظة .. لحم وسردين وخضار إلى غير ذلك ، وأرسلتهم لصالح خفية من النوبتجي الذي يقوم على خدمتي . وأرسلت أيضا حذاء خفيفا للمرشد العام .. وفى اليوم التالي التقيت بصالح بعيدا عن الضابط المراقب فشكرني من الأعماق وقدمني للمرشد العام .. وشكرني الأستاذ الهضيبي بدوره أيضا .. ولم استطع الجلوس معهم نظرا للرقابة الشديدة التي كانت قد فرضتها عليهم إدارة الليمان .

وبعد أيام سمح لهم بالخروج إلى فناء العنبر .. حيث أصبح الاتصال بهم أمرا ليس بالعسير وجلست معهم .. وكان صالح يتحدث مع سعد كامل المحامي والدكتور شريف حتاته، وهما من مجموعة الشيوعيين المسجونين في الجزيرة وقلت لصالح:

لقد سمعنا من الزبانية هنا .. إنكم كنتم ضيوفا على الباستيل .. والباستيل كما يعرف جميع المساجين هو السجن الحربي .

وتنهد صالح وقال :

أيوه يا أخي ، كنا بالباستيل ، وأي باستيل .. رحم الله باستيل فرنسا ..

وقلت بالله عليك يا صالح ، اخبرنا ماذا جرى معك شخصيا هناك ؟!..

وقبل أن أترك له مجال التردد ..

قلت مضيفا :

لقد تسربت إلينا أخباركم وأنتم في الباستيل ، بواسطة الزبانية هنا .. إلا أنني أرجو سماع القصة منك بالذات ..

وقال صالح: ماذا أقول ؟ أشياء لا تقال .. ولا يمكن أن يتصورها عقل..

قلت : فليكن .. لقد صممنا على أن نسمع القصة منك على حقيقتها ..

وقال صالح : فتح باب الباستيل الضيق ، فاستقبلوني بلون جديد من الشتائم والسباب .. والسياط أيضا ..

ثم صدرت أوامر حمزة البسيوني قائد السجن الحربي هكذا :

- معك دقيقة من الوقت تتكون بعدها ( عريان زى ما ولدتك أمك !) ..

قلت للجاويش : ولماذا ؟

قال : هنا يا (...).. ؟؟ لا يسأل لماذا ؟ ولم نتعود أن نسمعها من أحد من قبل..  اخلع ثيابك فورا .. وإلا ..

قلت للجاويش : لا داعي لكل هذا التهديد .. سأترك شيئا يستر عورتي فقط! وخلعت ملابسي ولكن " البسيوني " لم يرتح لي .. فأمر زبانيته بإهدار كرامتي .. وحاولت الاحتجاج بشدة .. فتناولتني السياط من كل جانب وبكل غلاظة ، حيث مزقت جسدي وأنهكت قواي .. وغبت عن وعيي ..

وأفقت أخيرا لأجد نفسي في غرفة مظلمة ضيقة يعلو أرضها شبر من ماء .. وبابها موصد .. صنعت خصيصا لهذه الغاية .. غاية التعذيب والإرهاب وقضيت ليلة ليلاء عرفت فيها أبشع صور التنكيل والإجرام .

كنت مرهقا للغاية .. ألتمس هنيهة من رائحة .. ولكن كيف الوصول إلى ذلك .. كيف أنام وفراشي من مياه ولم أستطع الجلوس . وبقيت واقفا أنتفض من البرد وأتلوى من العذاب والألم .. إلى أن جاء الصباح .

أخرجوني من الغرفة منهوك القوى ، لا أستطيع حراكا .. ولكن ليدخلوني هذه المرة في غرفة كبيرة يتدلى من سقفها جنزيران من حديد .. في نهاية كل منهما حلقة حديدية.

وسألت الزبانية .. ألا من راحة ؟

فأجابني أحدهم .. كل الراحة .. إنه وقت الفطور.. سنقدم لك الآن وجبة الإفطار ثم بعد ذلك نتركك لتأخذ قسطا وافرا من الراحة !..  

واقترب اثنان منهم لوضع قدمي في حلقات الحديد .. وثرت عليهما وعلى هذا التنكيل ببني البشر .. وعلى الثورة البربرية .. وعلى الدكتاتورية ، وعلى الاستبداد المطلق ! واستجمعت قواي وأشبعتهم ضربا .. وازداد عددهم وتغلبوا علي .. ووضعوا قدمي بالحلقات الحديدية ، حيث تدلى رأسي إلى أسفل وشدت قدماي إلى فوق ، وانتظرت تمزيق جسدي بالسياط .. ولكن يا لهول ما فعلوا .. 

كم كنت أتمنى الموت .. ولا أرى ذلك ..؟؟

وسكت صالح : وفلتت من عينه دمعه تروي قصة التعذيب والتحقير وهدر الكرامة.

وسادنا الصمت جميعا .. وكان على رؤوسنا الطير .

ثم قطع السكوت الأليم أحدنا ، إذ قال : نحن مسيرون هنا .. فلا تحزن يا أستاذ صالح .. اكمل .

وقال صالح باختصار .. لقد حضروا منفاخا ووضعوا مقدمته في مؤخرتي .. ونفخوني به ، حتى أصبحت تماما كالبالون .. وإما عن الآلام وتقطيع الأوصال .. فحدث ولا حرج .

وقلت لصالح .. شكرا لله على خروجك  من الباستيل حيا .. وكلمات مواساة كثيرة.

ولم يشأ أحد منا بعد ذلك أن يسأل عن بقية وجبات الطعام ..

وقلت لصالح:

أن الخلود لرجال الميادين ..

 

 

محتويات الكتاب

هذا الكتاب

تقديم

المذبحة 

استبداد الزعيم وزعامة المضلين 

الطغاة يهدرون دماء الشهداء  ويسومونهم سوء العذاب 

مجزرة القرن العشرين

الدكتاتورية المطلقة " أسلوب الحكم البغيض "

الفهرس 

 

دار الأنصار

مكتبة طباعة  نشر توزيع

18 ش البستان ناصية شارع الجمهورية عابدين

ت:931581

انتهى الكتاب

 

 

 ملحوظة: نظرا لطول المقال تعذر نشر البريد وننشره في المقال القادم إن شاء الله

 




________________________________________

 [1] - لا يتجاوز متوسط توزيع العدد ألف نسخة ، ثمن النسخة جنيه مصري واحد، ويوزع مع معظم الأعداد كتاب كهدية مجانية، وقيمة الكتاب بأسعار هيئة الكتاب لا تقل عن خمسة جنيهات.. أما مرتب ص ع عن ذلك فيتجاوز 14000 جنيه.. أي أنه بحساب تكلفة الكتاب والصحافيين و.. و.. فإن كل عدد من الصحيفة المهجورة يكلف الأمة المنهوبة أكثر من مائة جنيه مصري.. وكل ذلك لأنه صنيعة الأمريكان والسلطان لتشويه الإسلام.. 

 [2] - المحزن جدا.. أن بعضا من إخوتنا الأفاضل من كتاب الشعب لم يفطنوا لذلك فبادروني بالعتاب عندما كتبت في مقال سابق أن جمال البنا  شقيق للإمام حسن البنا.. لكنه ليس من أهله.

 [3] - عادل حمودة- كيف يسخر المصريون من حكامهم- سفنكس للطباعة والنشر.

 [4]  - الوصف بتصرف عن فولتير في روايته القصيرة الشهيرة: الساذج- ترجمة عبد الله المشنوق- منشورات دار المقاصد الإسلامية- بيروت.

 [5] - القصيمي أيضا هو صاحب الكتاب الشهير: العرب ظاهرة صوتية.

 [6] - موقع إيلاف على الشبكة.

 [7] -  كتاب عملاق الفكر الإسلامي الشهيد سيد قطب  بقلم: الدكتور الشهيد  عبد الله عزام  

 [8] - من استن سنة سئة فعليه وزرها إلى يوم القيامة.. في الأسبوع الماضي هاجمت قرية في محافظة المنيا رجال الأمن و أحرقت سيارات الشرطة.. فقبلها بأسوع ذهبت المباحث لإلقاء القيض على أحد شباب القرية.. وبعدها بأسبوع وجد أهله جثته متعفنة في المزارع!!..

 [9] - مجلة آخر ساعة العدد 3470  

 [10] - موقع إيلاف على الشبكة العنكبوتية.

 

 [12] - لقد تحدثت عن مرتب صلاح عيسى في القاهرة.. وهو ضئيل جدا بالمقارنة لما يحصل عليه سواه.. جابر عصفور مثلا يحصل على ربع مليون جنيه سنويا  من وزارة الثقافة فقط (  وهناك غيرها ) مقابل نشر الكفر والعهر والتطبيع.. كما أن مرتب رجال الإدارة العليا ومنهم رؤساء الجامعات ومدراء الأمن ورؤساء الهيئات خاصة اإعلامية يتجاوز مرتب الواحد منهم 300000 جنيه شهريا.. نعم.. بالأرقام ثلاثمائة ألف جنيه شهريا.. وهذا ليس ثمن " عمل" بل ثمن بيع دين وأمة..

 [13] - الوفد- 6 أبريل 2002.

 [14] - أخبار الأدب 28-12-2003 .

 [15] - نفس منهج الحكومة السعودية في إخراج مناسك الحج خارج الحرمين  وكأنها ديكور فيلم ليوسف شاهين.. والأمر يحتاج لمقال طويل ليس مكانه ههنا.. ومرحبا بأي مشقة في الحج إلا أن تكون هذه المشقة مصنوعة من الأجهزة السعودية. من ذلك أنه لا يوجد جندي ينظم مرور الحجيج في رمي الجمرات فتراهم يتدافعون في كل اتجاه بلا نظام وهو ما ترتب عليه في العام الأخير سقوط عشرات من الحجيج شهداء..و أظن أن الحكومة السعودية ملزمة بدفع الدية لهم.. ومن أوجه القصور أيضا: عدم النظافة والنظام بصورة مذهلة في مني.. وكذلك أزمة دورات المياه و الأزمة في المواصلات خاصة بين منى ومكة.. حيث تقوم الحكومة بتعطيل وسائل المواصلات العامة في تصرف مذهل في لا منطقيته بحجة إتاحة فرصة للرزق لأصحاب التاكسي!!..

 [16] - منذ أيام كنت أشاهد ولي العهد على التلفاز يلقي أوامره للمسئولين أن يطاردوا الإرهابيين في كل مكان بلا رحمة ولا شفقة و أن يأتوا بهم إليه شخصيا..وذهلت.. فماذا يفعل ولى العهد بهؤلاء الآلاف أو حتى المئات.. هل سيذبحهم ليقدمهم وليمة لضيوفه؟!.. ولقد سبقه في ذلك الإنجليز.. حين قدموا لآخر ملك هندي مسلم على مائدة الطعام: رؤوس أبنائه.

 [17]- مذاهب فكرية معاصرة- الأستاذ محمد قطب- دار الشروق.

 [18] - ( إلا إذا نجحت المحاولات الدائبة للدكتور محمد سليم العوا كي يسحب البساط من تحت قدميه .. ليحل محله!)..

 [19] - وتلك نقطة أنبه القراء إليها.. خاصة أولئك الذين يعتمدون على الشبكة العنكبوتية كمصدر رئيسي للمعرفة.. لأنه يتم الآن تزييفها.

 [20] - آفاق عربية – 16-6-2004

 

________________________________________


لا شرعية إلا للمقاومة.. وهي تحكم ولا يُحكم عليها..

 

الأمة لا تواجه ربابنة أخطئوا الطريق بل قراصنة سرقوا السفينة..

 

الاستعانة بالأمريكيين في دارفور كفر..

 

حثالات بشرية

 

يا ولي العهد: إرسال  جيش إلى العراق كفر وخيانة..

 

يا ولي العهد: زادت أخطاؤك فليتك تتنحى..

 

حكام لهم صفات العبيد..

 

بقلم د محمد عباس

www.mohamadabbas.net

mohamadab@gawab.com

 

غاص قلبي..

أحسست بلفح النار واعتصار الألم وفزعة الغصة وترويع الاختناق..

كانت قناة الجزيرة تتحدث عن حزب سياسي في الدول الاسكندنافية يطالب باعتبار مجرد اعتناق الإسلام جريمة تستوجب السجن وباعتبار القرآن كتابا محرما لأنه كتاب إرهابي مرفوض وغير إنساني ولا يختلف عن كتاب هتلر: "كفاحي".. و أن الواجب تجريم اقتنائه..

وفي نفس الوقت كنت أقرأ:

" وصف  مقدم أحد البرامج الحوارية في  أكبر شبكات الإذاعة الأمريكية وهي شبكة وستوود وان ويدعى جاكي مايسون .. وصف "الدين الإسلامي كله" بأنه "منظمة قاتلة" تعلم "الكراهية والإرهاب والقتل".

و أضاف قائلا ما يلي:

" كل الدين الإسلامي يدعو إلى ويعلم الكراهية والإرهاب والقتل ولا أحد يعلم ذلك، وقد حان الوقت لأن يعلموا ذلك عن (الإسلام). القرآن يعبر بخمسين أسلوب عن الكراهية والحقد والعداء والقتل، (القرآن) موهوب للإرهاب. أنا لا أعلم كيف يمكن أن نسمي (الإسلام) دينا بالمعني التقليدي للكلمة. يجب أن نسميه منظمة قاتلة معنية بقتل الناس".

*** 

وغاص قلبي وحرقتني النار واعتصرني الألم وفزّعني الغصة وروعني الاختناق..

ورحت أتذكر مقتطفات من التلمود  الذي لم يهاجمه أحد، التلمود الذي ينص على أن  قتل الأممي (غير اليهودي)  قربان إلى الله يرضيه ويثيب عليه، لأن الأمميين أعداء لله واليهود، وهم بهائم لا حرمة في قتلهم بأي وسيلة، و يقول: "إن اليهود أحب إلى الله والملائكة، وانهم من عنصر الله كالولد من عنصر أبيه، ومن يصفع اليهود كمن يصفع الله، والموت جزاء الأممي إذا ضرب اليهودي، ولولا اليهود لارتفعت البركة من الأرض واحتجبت الشمس وانقطع المطر، واليهود يفضلون الأمميين كما يفضل الإنسان  البهيمة، والأمميون جميعاً كلاب وخنازير، وبيوتهم كحظائر البهائم نجاسة، ويحرم على اليهودي العطف على الأممي  لأنه عدوه وعدو الله، والتقية أو المدارة معه جائزة للضرورة تجنباً لأذاه. وكل خير يصنعه يهودي مع أممي فهو خطيئة عظمى، وكل شيء يفعله معه قربان لله يثيبه عليه، والربا غير الفاحش جائز مع اليهودي كما شرع موسى وصموئيل (في رأيهم). والربا الفاحش جائز مع غيره. وكل ما على الأرض ملك لليهود، فما تحت أيدي الأمميين مغتصب من اليهود وعليهم استرداده منهم بكل الوسائل [1].

ورحت أسترجع: "أصدر حاخام يهودي امس فتوى تحلل قتل المدنيين الفلسطينيين خلال الحرب. وقال الحاخام دوف ليئور مسؤول الكنيس في مستوطنة كريات اربع شرق الخليل، ان التوراة تأمر بحماية اليهود فقط" [2]..

وغاص قلبي وحرقتني النار واعتصرني الألم وفزّعني الغصة وروعني الاختناق..

وراح قلبي ينوح:

- -    هنيئا لكم انتصاركم.. هنيئا لكم يا حسني مبارك ويا جمال عبد الناصر ويا محمد علي.. هنيئا لك يا عبد العزيز آل سعود ويا ولي العهد.. هنيئا للقذافي وبورقيبة وكمال أتاتورك.. هنيئا للبشير وجارنج.. هنيئا لعلى عبد الله صالح ولجمال مبارك.. هنيئا للطهطاوي و أحمد لطفي السيد وسلامة موسى وعلى عبد الرازق وطه حسين ولويس عوض وجابر عصفور..هنيئا لشبلي شميل وفرح أنطون.. هنيئا لنازلي فاضل ومدرستها وللورد كرومر و تلاميذه.. هنيئا لسعد زغلول وإسماعيل صدقي وقاسم أمين.. هنيئا لصلاح عيسي ومصباح قطب ونوال السعداوي وجمال الغيطاني  وهويدا طه و أنيس منصور.. هنيئا لسمير رجب والإبراهيمين: العدة ونافع.. هنيئا للغذامي والحمد وفندي.. هنيئا للكاذب النيهوم والأسود غير العفيف و أركون والعظم وأدونيس .. هنيئا لفاروق حسني و أشباهه وهم كثر.. هنيئا لمباحث أمن الدولة والمباحث العامة والأمن القومي والحرس الوطني والبوليس السياسي.. هنيئا للجلادين والمرتدين والخونة.. هنيئا للشيوعيين واليساريين والقوميين..

ثم واصلت النواح:

- -    ها هم قد عادوا يا صلاح الدين.. عادوا يا عمر بن عبد العزيز يا على يا عثمان يا عمر يا أبا بكر ( رضى الله عنكم جميعا).. ها هم قد عادوا.. عادوا يا رسول الله صلى الله عليك وسلم وليس فينا من يقودنا من صحابتك.. أما إخوانك فموزعون على كهوف أفغانستان وسجون أمريكا والقاهرة والرياض وصنعاء وعمان وتونس و..و..و..أما في الأرض المقدسة يا رسول الله صلى الله عليك وسلم فقد منحوا المجاهدين ذوي الأجر أو الأجرين  مهلة شهر يتوبون فيها إلى الشيطان وينكصون عن الجهاد... عادوا..  عادوا.. وليس ثمة من يقودنا إلى طريق النجاة.. عادوا وليس فينا سوى أبي جهل و أبي لهب وابن المغيرة  والوليد والحارث بن قيس بن عدي وأمية بن خلف وأخيه أبي و  أبو قيس بن الفاكه والعاص بن وائل، والنضر بن الحارث  و زهير بن أبي أمية  و عقبة بن أبي معيط و الأسود بن المطلب، و مالك بن الطلاطلة الحافظ لدين الله وما حفظ  و أين الفائز بنصر الله وما انتصر، عادوا وكل حكامنا ابن سبأ بل يفوقونه..

 عادوا والمطلوب من الأمة أن توالي أعداء الله و أن تبرأ من المجاهدين في سبيله..

هل من حق ابن سبأ أن يحدد لنا ما هو الحلال وما هو الحرام؟!..

 أو من حق أبي جهل أن يعرفنا ما هو الإيمان وما هو الكفر..؟!

 أو من حق أبي لهب أن يميز لنا بين الرحمة والقسوة؟!.. 

أو من حق الوليد بن عتبة أن يقول لنا ما هو الصواب وما هو الخطأ..

هل من حق ابن سبأ السعودي أن يحدد لنا من هم المجاهدون ومن هم الخوارج؟!..

هل من حق ابن سبأ المصري أن يخون الدين والأمة كما لم يخن ابن سبأ الأصلى أمته ودينه..

هل من حق الخنزير – ابن سبأ العراقي- أن يعترف في وقاحة أنه هو الذي سلط الأمريكيين ليقصفوا أهلنا في الفلوجة .. والله يعلم أنه لكاذب فهو أحقر و أهون من أن يسلطهم  و أنهم هم الذين يسلطونه كما يسلط الصياد كلبه.. نعم.. هم يفعلون ما يشاءون ويتركون له مهمة النباح..

هل..

هل..

هل..

*** 

ها قد عادوا..

عادوا وفينا من يتهم الإسلام بأبشع مما يتهمونه به .. 

وزراء داخليتنا و أجهزة أمننا وكتابنا و إذاعاتنا وتلفازنا وصحافاتنا ومجلاتنا ونيابتنا وقضاؤنا!!..

عادوا وكلابنا تمزق لحمنا بأكثر مما تمزقها كلابهم..

بل إنهم عندما يعجزون يسلطون كلابنا مباشرة كما حدث في العراق..

عادوا..

عادوا..

عادوا..

لكنني من ديجور الظلام انتبهت على حقيقة باهرة..

أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.. كما أن أدنى صور  الحياة هي صورتها البيولوجية.. وأنهم يستطيعون قتل الملايين منا  لكن هل يستطيعون قتل في ظلال القرآن، أو الموطأ أو المسند أو الجامع أو الصحيحين.. يستطيعون مع الخونة والجهلة تغيير برامج التعليم.. لكن هل يستطيعون تغيير القرآن؟..

هل يستطيعون التسلل إلى قلوبنا ليتنزعوا منها تقوى الله وحب الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؟..

قد يستطيعون قتل البطل العظيم أسامة بن لادن رضى الله عنه أو أبي مصعب الزرقاني حفظه الله و أيده بنصره لكن خالد الوليد سيظل فينا رابضا ينتهز الفرصة كي يقلب الدائرة عليهم.. و أبي عبيدة بن الجراح سينهض ليطرد قيصر: كلب الروم بوش.

وقد يستطيعون أسر العالم الفقيه الشجاع حين جبن الناس: الدكتور عمر عبد الرحمن .. لكنهم لن يتمكنوا منا إلا إذا تمكنوا من المقداد بن عمرو  أبي ذر الغفاري وسعد بن أبي وقاص ومصعب بن عمير  ومعاذ وصهيب وآلاف وآلاف يحفل بهم تاريخنا وتضئ بهم سماواتنا لا يستطيعون الوصول إليهم أبدا مهما بلغ عدهم وعتادهم لذلك فإن النصر محتم لنا مهما تراجعنا والهزيمة حتم عليهم مهما انتصروا..

إذن ..

النصر قادم لا ريب فيه..

قادم مهما غاص القلب ولفحت النار واعتصر الألم وفزعت الغصة  وآلم الاختناق..

*** 

ولست أخاف يا أمة على الإسلام فهو محفوظ ومنتصر لكنني أخاف على أجيالنا أن يغضب الله عليها فيذهب بها ويأتي بقوم يحبهم ويحبونه فيكتب للإسلام على أيديهم النصر..

لا أحول أن أنقذ الإسلام بل أحاول أن أنقذكم يا ناس ويا أمة..

أحاول أن أنقذكم.. أحاول أن أنقذكم من خزى الدنيا وخرابها ومن فضيحة الآخرة وعذابها.. فلو لم تكونوا كما أنتم لما تمكنت منكم تلك الحثالات البشرية التي نصبت نفسها عليكم حكاما ونخبة..

لماذا لم تقاوموا كما ينبغي للمقاومة أن تكون..

لماذا خافتّم بإبطال الجهاد حتى قبل أن تجهر أمريكا بأمرها لإبطاله.

لماذا انقلبت عندكم المفاهيم..

لماذا تبنيتم مصطلحات أعدائكم و آرائهم فيكم..

منذ أسابيع قتل عملاء الأمن أو عملاء أمريكا مفتي الباكستان.. فهل تعلمون ماذا كان عنوان صحيفة الحياة؟ لقد كان:

"متشددون يثيرون فوضى في كراتشي بعد اغتيال المرشد الروحي لـ"طالبان"

مدريد, لندن, إسلام آباد, كابول     الحياة     2004/05/31

شهدت مدينة كراتشي جنوب باكستان امس, اعمال عنف نظمها متشددون احتجاجاً على اغتيال المفتي نظام الدين شامزاي الذي يعتبر المرشد الروحي لحركة "طالبان" في باكستان.

و إنني أنبه القارئ إلى هذه التغطية الفاجرة فالتمويه يتم على الشهيد وعلى وظيفته الحقيقية وعلى سبب اغتياله كما أن المحتجين على الاغتيال هم المتشددون.

أما الحقيقة فهي أن الرجل مفتي السنة وكان على وشك إصدار فتوى بكفر برويز مشرف لتعاونه مع أمريكا عدوة الإسلام.. فاستبق الخائن الفتوى و أمر العملاء الإرهابيين حقا بقتله.

حتى صحيفة الشرق الأوسطن التي يطلقون عليها في المنتديات: " الشر الأوسخ" كانت أفضل في تغطيتها من الحياة:

الشرق الأوسط:

شغب في باكستان بعد مقتل مفتي السنة

كراتشي ـ لندن: «الشرق الأوسط» والوكالات

اجتاحت كراتشي في جنوب باكستان أمس موجة عنف واسعة النطاق بعد ان قتل مجهولون بالرصاص مفتي السنة في باكستان، نظام الدين شامزاي، خارج مسجده.

وقالت الشرطة ان المفتي نظام الدين شامزاي الموالي لطالبان والذي دعا إلي الجهاد ضد الولايات المتحدة بعد غزو افغانستان والعراق مني باصابة أفضت إلي موته. كما أصيب ابنه وقريب اخر له وأحد حراسه وسائقه. ولم يتضح على الفور من وراء الهجوم او ما ان كانت له صلة بأحداث العنف الطائفية. وقال وزير الشؤون الدينية اعجاز الحق للتلفزيون الباكستاني : كان هذا قتلا عمدا ووفقا لمعلوماتنا فقد شارك فيه نحو 10 إلي 12 شخصا».

*** 

نعم..

بل لقد انتقلت العدوى .. وعمت..

 لقد ذهلت من وصول العطب إلى نخاع الكتاب الإسلاميين أنفسهم.. ومنذ أيام كان أحدهم يقول على إحدى الفضائيات مستعيدا أحداث رواية الفسق والكفر والجنون" وليمة لأعشاب البحر".. وكان الكاتب الإسلامي يقول أن القاهرة كادت تحترق لولا أن الله سلم..

الله سلم..

القاهرة كادت تحترق..

لكن التعبير لإبراهيم سعدة، وهو ابن سبأ آخر، فلماذا يكرر الكاتب الإسلامي إفكه..

الحمد لله على كل حال.. الحمد لله بالصبر.... ولقد سلم الله حسني مبارك وعصبته لحكمة لا ندريها و أجل حسابهم لزمن قد نستعجله لكننا نعرف أنه تقدست صفاته وتنزهت أسماؤه لا يعجل بعجلتنا..  لكن القاهرة لم تسلم ولا مصر بسلامة مبارك و أركان حكمه إلا إذا كانت السلامة في إزاحة الطواغيت و إزالة أغواتهم.. ليس بالسيف الذي هدد بتقويم اعوجاج ابن الخطاب إن اعوج ، ولا بالجهاد كما ينبغي أن يكون، بل بالمظاهرات والاحتجاج المدني ( وهما حلال في شرع اللات بوش والعزي : دول الاتحاد الأوروبي).. وبرغم أنهما حلال على كافة المذاهب فإن الكل يستعيذ مما كان يمكن أن يحدث..

ماذا كان يمكن أن يحدث..

أن تستعيد الأمة أمرها وتقبض على طواغيتها وتحاكم أكابر مجرميها وتقتل من فسقوا فيها..

ماذا كان يمكن أن يحدث لو تمكن الشباب الذين غضبوا من أجل لا إله إلا الله من الاستيلاء على الحكم لتحقيق إرادة الأمة.. 

ماذا كان يمكن أن يحدث؟..

أن تقف مصر الحرة لتقول لأمريكا : لا.. فتكبح جماح الخنزير الهائج بوش.. ولو أن مصر قالت لا لما فعلت أمريكا ما فعلته في أفغانستان والعراق.. ولما فعلت إسرائيل ما تفعله في فلسطين..

أن تقف مصر المسلمة نواة تتجمع حولها باقي دول المسلمين لاستعادة دولة الخلافة العظمى..

أن تخجل السعودية مما تفعل وقد رأت مصر تثوب إلى رشدها فتتوقف عن ممارسة دور العبد مع السيد في علاقتها بأمريكا.. و أن تتوقف عما تفعله من خيانة لدينها و أمتها وقومها..

هل هذا هو ما أخاف أخانا..

أهذا هو ما نستعيذ منه..

ما هو هدف المعارضة في مصر إذن ؟

وما هو هدف الإسلاميين جميعا ..

أليس القضاء على الطواغيت جميعا؟..

لماذا إذن نسقط بين الإيمان والكفر والجهل والغفلة والخيانة والنفاق  فنقول أننا سعداء لأن حركة الأمة أجهضت فلم تبلغ غايتها بتغيير نظام الحكم بالوسائل المدنية ( المصرح بها من الأمم المتحدة ومن اتفاقيات جنيف!!)؟؟..

لماذا..

لماذا..

لماذا..

*** 

هذه الغشاوة على البصائر والضمائر وهذا النكوص عن الحق والإصرار على الباطل هي التي تدفعني إلى مجال لم أكن أريد الولوج فيه أبدا..

مجال الفتوى..

***  

في الطب، لا يبيح القانون لغير طبيب ممارسة المهنة، فإذا مارسها، ولو بأدوات الطبيب وآلاته فإن القانون يعامله بحسم بالغ، ويعتبر أن فتح خراج مثلا  جريمة تكييفها القانوني هو: طعنة نافذة بآلة حادة..

هذا هو القانون.. أما الاستثناء فهو يحدث حين يتعرض مريض لحالة خطيرة في غياب الطبيب، كانسداد الحنجرة بطعام أو بسواه.. فإنه يباح للموجود أيا كان عمله أن يقوم بعملية جراحية أشبه بالذبح.. إذ عليه أن يطعن  رقبة المريض من الأمام في منطقة القصبة الهوائية  ولو بسكين مطبخ  أو شظية زجاج ليفتح فيها ثغرة تمكن  المريض أن يتنفس.. وليس أمام المريض من فرصة في الحياة إلا ذلك..

لا تسئ بي الظن أيها القارئ ولا تظنن أنني أستدرجك إلى درس في الطب..

لكنني أردت أن أقول لك أن الإقدام على فعل  ما قد يشكل  جريمة في الأحوال العادية .. و أن النكوص عن نفس الفعل قد يكون هو الجريمة في الظروف الاستثنائية.

أطلت المفتتح..

و أعترف أنني خائف..  بل وترتعد فرائصي لأنني مقدم على الفتوى.. و أنا غير مؤهل للفتوى.. لكن ما حيلتي إن غاب الطبيب و أحدق بالمريض الخطر..

لست خائفا من ملك قد أفتي بجواز قتله.. لكنني خائف من ملك الملوك أن يضلني الهوى.. وما كان أغناني لو تقدم غيري..

نعم..

أقدم على الفتوى دون جرأة عليها يا حبيبي ومولاي صلى الله عليك وسلم.. دون جرأة.. لكنني وجدت  علماءنا يتوارون ويتخلفون ويناورون ويتأولون.. ويسارعون في الفتوى إذا كانت للشيطان فإن كانت في سبيل الله ثقلت ألسنتهم واشمأزت قلوبهم..

أقدم على الفتوى لأقول أن مصدر الشرعية الوحيد هو المقاومة.. وليس من حق أحد الحكم عليهم .. ولهم هم الحق أن يحكموا علينا جميعا.. وليس من حق أي واحد منا أن يحكم عليهم..

يقف العالم الجهبذ فقيه السلطان متبرما مشمئزا يطلق صفات الوحشية والبربرية بل وأحكام الخروج على الإسلام ( ألم يدّع فقهاء السلاطين قبل ذلك أن المستنيرين لا يكفِّرون أبدا)  يطلقونها على أسيادنا – لا أقول إخواننا – المجاهدين الذين يمارسون أعمالا ليست من الإسلام فيذبحون الأسرى ويشوهون الإسلام.

لم يسأل الجهبذ نفسه أي سؤال.. ولا هو أجهد نفسه حتى بالتأكد أن من يحكم عليهم بأحكامه القاسية هم الذين ارتكبوا الفعل الذي ينسبه إليهم. فهناك من يقول على سبيل المثال أن بعض عمليات الذبح على الأقل يقوم بها الموساد والسي آى إيه.. ( الرئيس الإيراني على الأقل قال ذلك).. لكن فقهاء الريموت كنترول لا يأبهون بشبهة تسقط الحد ولا بدليل يوجبه.. فقهاء الريموت كنترول يفتون بما تتحرك به أصابع الحاكم.. والحاكم نفسه ليس سوي دمية في مسرح العرائس خيوطها في أيدي الـ CIA  والموساد. ولم يقل لنا أي فقيه من فقهاء الريموت كنترول  ولا هو كلف نفسه أن يوضح لنا من الذي طلب منه أن يصدر فتواه .. ولماذا..  ولم يقل لنا صدئ الروح  أين نذهب بـ: "وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر".. ولا قال لنا ميت القلب ماذا نفعل بـ:" ما من امرئٍ يخذلُ امرءاً مسلماً في موطنٍ يُنتقصُ فيه عِرضه ، ويُنتهك فيه من حُرمته إلا خذله اللهُ تعالى في موطنٍ يُحبُّ فيه نصرتَهُ ، وما من أحدٍ ينصرُ مسلماً في موطنٍ يُنتقصُ فيه من عِرضهِ ، ويُنتهك فيه من حُرمته ، إلا نصره الله في موطنٍ يحبُّ فيه نصرتَهُ ".. ولا هو فسر لنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يمنع تسليم المسلم حتى إلى الصليبي المحالف :"...  خلوا بيننا وبين الذين سَبَوْا منا نُقاتلْهم ، فيقول المسلمون : لا ، والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا".. ولا هو قال لنا أين نذهب بـ:"الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ و المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يسلمه".. ولا هو قال لنا كيف نفسر : "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون"..

لم يقل لنا أين نذهب بـ: )الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً(..

أين نذهب بـ:  ) فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (..

أين نذهب بـ:  )قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ(..

أين نذهب بـ:  ) قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ(.. 

أين نذهب بـ:  ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً (..

أين نذهب بـ:  ) وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً(..

أين نذهب بها وجميع قوانين جميع حكوماتنا تسحق من يحرض المؤمنين على القتال..

أين نذهب بـ:  ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(..

أين نذهب بها والمجلس الإسلامي الأعلى قد حرّم ذكر الجهاد في بياناته كما أن قوانيننا الوضعية تجرم ذروة سنام الإسلام..

أين نذهب بـ:   (والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله - والله أعلم بمن يكلم في سبيله - إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك).  

وكلمة الجهاد إذا أطلقت كما يقول ابن رشد ( المستنير الذي يعده المستنيرون حجة علينا ) : يقول ابن رشد  (وكلمة الجهاد إذا أطلقت إنما تعني قتال الكفار بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ).

أين نذهب بـ:   (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله). أين نذهب بها إذا ذهب مجاهد إلى ابن سبأ العراقي فقتله؟!..

أين نذهب بها .. وهل نحرم ذكر الحديث كي لا نخالف أوامر حكامنا.. أم ننال فيهم وبهم منازل سادة الشهداء.

أين نذهب بـ:   (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد).

     أين نذهب بـ: (المؤمنون تتكافأ دمائهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر).. 

أين نذهب بها وقد أقر حكامنا بالعكس: ألا يقتل كافر بمؤمن!!..

أين نذهب بـ:    (إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله)..

أين نذهب بـ:   (إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أدخل الله عليهم ذلاً لا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم)

أين نذهب بـ: (عجب ربنا من رجل غزا في سبيل الله فانهزم أصحابه، فعلم ما عليه فرجع حتى أهريق دمه، فيقول الله عز وجل لملائكته: انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي، وشفقة مما عندي حتى أهريق دمه).

أين نهرب من : (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قيل  : أو من قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قيل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)

أين..

أين..

أين..

هل ضاع الإسلام؟!..

أم نزل وحي بنسخ القرآن؟..

أم كفرتم بعد إيمانكم؟!!..

... 

أفتي أنا.. ليس جرأة على النار بل خوفا منها..

أفتي بأن أي دولة إسلامية ترسل جيشا إلى العراق استجابة لابن سبأ العراقي قد خالفت شرع الله مخالفة تخرج المسئول فيها من الملة.. وأن من حق المجاهدين قتل جنود هذا الجيش بل وقتل  من أرسله .. و أن من يُقتل منهم لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين..

هل تسمع يا ولي العهد السعودي؟!..

وليس المصري أغلى عندي من أبناء الجزيرة ولا مصر أغلى من الجزيرة فبعد مكة والمدينة كل أرض المسلمين سواء. ولو أرسلت مصر جيشا إلى العراق وكنت هناك لكنت أول من يقاتله..

يا ولي العهد لقد ذهبت بعيدا في الرضوخ لأمريكا.. 

ارحم نفسك رحمك الله واستقل وتنح عن الحكم.. فإن لم تفعل فإنني أصرخ في العائلة السعودية: أليس فيكم رشيد؟.. لقد عزلتم سعود لأمور أقل كثيرا مما اقترفه ولي العهد فلماذا لا تغيرونه وقد هبط بتصرفاته بسمعة المملكة إلى ما لم تكن عليه أبدا.

لم أيأس من جمعكم كله بعد يا آل سعود ومن المؤكد أن هناك أقلية منكم ما زالت تؤمن بالله وبرسوله وتعتبر أن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام.. وللباقين من آل سعود لست أناشدكم من أجل الدين أو الأمة بل أناشدكم من أجل أنفسكم.. إن أمريكا لا تحميكم.. بل هي تدفعكم إلى حتفكم على أن تغسل أيديها من دمائكم ليكون القاتل والمقتول منا..

انظروا إلى الكويت.. هل سيبقى منها شئ..

إذا انتصرت المقاومة – وهي حتما منتصرة بإذن الله – فقد انتهت الكويت ومسحت مسحا من خرائط الجغرافيا وكتب التاريخ لأن تكاليف الثأر ثقيلة و أخشى أنها تستوعب الدم الكويتي كله.. ( معظم الكويتيين اقتنوا المنازل في بريطانيا وكندا استعدادا لهذا اليوم)..

أما ذا انتصرت أمريكا - لا قدر الله- فسوف يقوم خنزيرها الحاكم في العراق بضم الكويت إلى البصرة كما كانت عبر التاريخ وستؤيد أمريكا ذلك..

في الحالين انتهت الكويت بحماقة حكامها فلا تسيروا في نفس الطريق..

تذكرون يا قراء أنني بدأت منذ شهور طويلة، قبل بدايات الأحداث أحذر من أنني أري ما سيحدث في السعودية وشبهته بما حدث في مصر عام 54..

المطلوب من ولي العهد اليوم هو بذاته ما كان مطلوبا من عبد الناصر .. القضاء على الإسلام.. سموهم إخوانا.. سموهم إرهابيين.. سموهم متشددين.. سموهم أصوليين.. سموهم أي شئ فالاسم لا يهم والمطلوب هو القضاء على الإسلام كله الذي يجاهر الآن كلابهم بالمطالبة باعتبار مجرد اعتناقه جريمة..

المطلوب الآن من ولي العهد ذلك.. وهو يفعله.. لكن الأمر لن يطول به بعد أن يفعله كما طال بجمال عبد الناصر.. فقد تغيرت الظروف وأسفر الوحش الأمريكي عن أنيابه.. و ما أظنه.. وما أصدق ظنوني!!.. أنه سيتم الضغط على ولي العهد كي يأتي أمورا تفقده صبر أهله وتثير عليه الأمة كلها.. إنهم يدفعونه لاستغلال وزن المملكة بين الدول الإسلامية لكنه سينسف هذا الوزن بفعله.. ولا أستبعد أبدا أن تكون أمريكا تدرك جيدا الانشقاق داخل الأسرة الحاكمة نفسها و أنها تعمق هذا الصراع بدفع ولي العهد إلى تصرفات لا يمكن الدفاع عنها.. لتنفجر الأمور وليحارب هذا ذاك وذاك هذا وتشتعل الفتنة بين العائلة والعائلة وبين العائلة والناس وبين الناس والناس.. لتدخل أمريكا في النهاية للاستيلاء على الجزيرة كي تقر الأمن..

يا ولي العهد:

لقد حذرتكم عام 1990 وقد حدث كل ما حذرتكم منه..

وحذرتكم 2001 وحدث ما حذرتكم منه..

وحذرتكم 2003 وحدث ما حذرتكم منه..

وهذا هو تحذيري الأخير:

أفعالك لن تقضي عليك فقط.. ولا على عائلتك فقط.. بل على الجزيرة العربية كلها.. بالإضافة إلى تأثيراتها الكارثة على أمة لا إله إلا الله محمد رسول الله.

يا ولي العهد : إرسال جيش من الجزيرة إلى العراق خط أحمر يفتح الأبواب لأنهار من الدم.. منها دمك.. فاحذر..

أفتي هنا بما أفتى به  علماء الباكستان ضد جيشهم الذي أمره ابن سبأ الباكستاني أن يلاحق المجاهدين في وزيرستان..

***  

أفتي بما أفتى به الشيخ محمد أبوزهرة  عن فلسطين و أطبقها على العراق: (إن العدو قد دخل ديارنا، وأخذ أرضاً مقدسة من أرضنا، وبذلك يكون القتال فرض عين، ولايكون فرض كفاية، فيجب على كل مسلم، في أي أرض اسلامية أن يتقدم للقتال، ويأخذ الأهبة لذلك.. وإن الذين احتلت أجزاء من ديارهم على المسلمين مجتمعين أن ينصروهم ولا يتركوهم) ثم أفتى بفتواه الجامعة المزلزلة لشتى المسلمين في كل أرجاء الأرض:  (ليس الجهاد بالعمل الجامع للجيوش المجيشة بل للجهاد ضروب أخرى غير الجيوش، فليذهب إلى الأرض المغتصبة في كل اقليم اسلامي طائفة مدرعة بالإيمان والسلاح والمال، تنطلق فتقض مضاجع أولئك المغتصبين، وتجعلها عليهم سماً زعافاً، بدل أن تكون لبناً وعسلاً كما يريدون).

***  

أفتي أيضا بأن المنافقين لا يحكمون على المؤمنين ولا القاعدين عن المجاهدين ولا الخائنين على المخلصين.. وأن من حق المقاومة أن تقوم بكل دور السلطة من ولي أمر وقضاء و إفتاء ما دامت السلطة الموجودة سلطة عميلة عينها الكافر.. و أن الجار المسلم مرتد إن والى الكفار فهو منهم..

قد أوصيهم عندما يكون لهم جيش ورادارات ومصارات ومخابرات أن يتجنبوا قتل المدنيين.. أما قبل ذلك فلا توصية ولا وصاية..

قد أوصيهم عندما يملكون القنابل النووية ووسائل نقلها أن يلتزموا قد الاستطاعة بعدم قصف المناطق السكنية في نيويورك وواشنطن وتل أبيب.. وأن يضربوا فقط معسكراتهم ومفاصل اقتصادهم..

قد أوصيهم ألا يستعملوا القنبلة النيوترونية التي تبخر البشر وتبقي على المعدات والمباني ( تلك التي استعملها عبدة الشيطان الأمريكان في مطار بغداد)..

قد أوصيهم بالصبر عند المقدرة.. أما عند دفاع الصائل فليس لهم منا إلا الذبح..

نعم..

أفتي بأن من حقهم قتل كل من أعان الأمريكان عليهم..

أفتي بأن الفتوى من حقهم لا من حق غيرهم ممن هان أو خان..

أفتي و لا أناشد بالإفراج عن أحد، فالدول المارقة التي تركت ضحاياها يذهبون إلى هناك هي الأولي، ليس بالمناشدة، بل بالتنديد واللوم إلى تلك الدول التي تركت رعاياها يتساقطون هربا من جوع تسببت فيه حكومات لصة عميلة.. تركتهم يتساقطون بين براثن الكفر والموت.

أفتي بأن الإسلام وطن..

لا يوجد عربي ولا كردي ولا زنجي ولا نوبي ولا بربري ولا أبيض ولا أسود و إنما إخوة لا فضل لأحده على أخيه إلا بالتقوى.. و أفتي في هذا الصدد أن استعانة الأكراد العراقيين بالأمريكيين أو الأفارقة السودانيين بالبريطانيين إنما هو كفر مخرج من الملة..

نعم..

كفر مخرج من الملة..

استعانة المسلم بالمشرك على أخيه المسلم كفر مخرج من الملة..

ومن يوالي الصليبيين على المسلمين فإنه من الصليبيين .. نعم.. هو منهم.. وقد أسقط هو بنفسه جميع حقوقه.. ولم يكن  له من حق سوى حق الحاكم الظالم الفاسق.. أما وقد والاهم فلا حقوق له ولا اعتبار لموثق أوثقه أو لعهد أعطاه أو لأمان أمضاه..

... 

أفتي بأن الأمة كلها آثمة إذ نكصت عن نجدة المجاهدين الأقرب فالأقرب..

أفتي بأن الأمة آثمة إذ لم تجاهد بأرواحها في جهاد هو فرض عين.. وليس بالضرورة أن يتم على أرض العراق بل إن ضرب قواعد الكفر في أي مكان قد يكون أكثر تشتيتا و تأثيرا.

أفتي بذلك و أعاتبك يا أمة.. بل أقرعك و أدينك..

إن كنت قد عجزت عن الجهاد كما يجب أن يكون.. أما من حركة.. أما من صوت أما من همسة..ألا يحرضك ضعيف الإيمان على الخروج في مظاهرة بعد صلاة جمعة..

*** 

أحاول أن أفهم.. كيف ركعت الأمة كل هذا الركوع لحثالات بشرية تسلطت على الحكم واستولت عليه..

أحاول أن أفهم  كيف سجدت الأمة كل هذا السجود لأعداء الله..

أدرك أن الهجمة كانت عاتية..

و أن الهدم لم يحدث في عام أو عامين بل في عشرات العقود والحقب..

أدركوا منذ زمان طويل أن أمتنا لا يمكن هزيمتها دون تفتيتها من الداخل.. وراحوا يفتتون كل مؤسسة وحزب وهيئة ونقابة..

أدركوا أن الإسلام هو الرابط للأمة فراحوا يوثنونه ويهودونه وينصرونه.. يحولونه إلى شئ آخر غير الإسلام..

*** 

خانك حكامك يا أمة.. لم يكونوا ربابنة أخطئوا الطريق إذ يمخرون بالسفن عباب البحار.. لم يكونوا ربابنة.. بل كانوا قراصنة استولوا على السفن وسرقوها.. فاستسلم لهم أصحاب السفن و أهلوها.. كما لو كانوا هم الربابنة..

خانك جيشك يا أمة.. وما من مكان حكم فيه العسكريون إلا حاق الخراب بأهله لأن جيشك لم يحارب الأعداء إلا فيما ندر وكان دائما يحاربك أنت يا أمة فلم لم تمنعيه..

خانك بوليسك يا أمة وتحول إلى عصابات إجرامية من النخاسين والجلادين يعرضون أبناءك في سوق النخاسة ويروعونهم ويقتلونهم ويلفقون لهم القضايا..

أفسد الفساد حتى قضاءك الجالس والواقف.. فلم يعد لديك قضاء لا واقف ولا جالس.. أصبح ما عندك قضاء ميت.. فإن حيا شخوصه فقد مات ضميره..

خانتك جامعاتك يا أمة أصبحت فروعا و أوكارا يستشري فيها الغزو الفكري وهدم الأمة..

خانتك صحافتك..

خانتك نخبتك..

فأين كنت يا أمة..

يا أمة نست الله فأنساها الله نفسها..

مزقي الدستور يا أمة..

مزقي دستور التضليل والكذب والزور والبهتان..

مزقي الدستور الذي لا يتعامل معه إلا بمفهوم المخالفة واللف والاقتحام والاستغفال..

مزقي دستورك..

مزقيه..

ودعيني أقدم لك دستورك الحقيقي..

دستورك الذي تتبعيه..

دستورك الذي أقسم حكامك وجيشك وبوليسك وقضاؤك وجامعاتك ونخبتك ألا يخالفوه أبدا.. فهم يسيرون على حذوه حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة..

أقرأ لك من دستورك الحقيقي يا أمة:

مادة 1: [3]

.. سنختار (لهم ) من بين العامة رؤساء إداريين ممن لهم ميول العبيد، ولن يكونوا مدربين على فن الحكم  ، ولذلك سيكون من اليسير أن يمسخوا قطع شطرنج ضمن لعبتنا في أيدي مستشارينا العلماء الحكماء الذين دربوا خصيصاً على حكم العالم ..

والى ذلك سنعطي الرئيس سلطة إعلان الحكم العرفي، وسنوضح هذا الامتياز بأن الحقيقة هي أن الرئيس ت لكونه رئيس الجيش ـ يجب أن يملك هذا الحق لحماية الدستور الجمهوري الجديد، فهذه الحماية واجبة لأنه ممثلها المسؤول.

مادة 2

إن الصحافة التي في أيدي الحكومة القائمة هي القوة العظيمة التي بها نحصل على توجيه الناس

مادة 3 

إن ضخامة الجيش، وزيادة القوة البوليسية ضروريتان لإتمام الخطط السابقة الذكر. وانه لضروري لنا، كي نبلغ ذلك، أن لا يكون إلى جوانبنا في كل الأقطار شيء بعد إلا طبقة صعاليك ضخمة، وكذلك جيش كثير وبوليس مخلص لأغراضنا.

مادة 4:

إننا أصحاب التشريع،  وإننا المتسلطون في الحكم، والمقررون للعقوبات، وأننا نقضي بإعدام من نشاء ونعفو عمن نشاء، ونحن ـ كما هو واقع ـ أولو الأمر الأعلون في كل الجيوش، الراكبون رؤوسها، ونحن نحكم بالقوة القاهرة، لأنه لا تزال في أيدينا الفلول التي كانت الحزب القوي من قبل، وهي الآن خاضعة لسلطاننا، إن لنا طموحاً لا يحد، وشرهاً لا يشبع، ونقمة لا ترحم، وبغضاء لا تحس. إننا مصدر إرهاب بعيد المدى. وإننا نسخر في خدمتنا أناساً من جميع المذاهب والاحزاب، (...) ولقد وضعناهم جميعاً تحت السرج، وكل واحد منهم على طريقته الخاصة ينسف ما بقي من السلطة، ويحاول أن يحطم كل القوانين القائمة. وبهذا التدبير تتعذب الحكومات، وتصرخ طلباً للراحة، وتستعد ـ من أجل السلام ـ لتقديم أي تضحية، ولكننا لن نمنحهم أي سلام حتى يعترفوا في ضراعة بحكومتنا الدولية العليا.

مادة 5 [4]

لقد نشرنا في كل الدول الكبرى ذوات الزعامة  أدباً Literature مريضاً قذراً يغثي النفوس.

الأدب والصحافة هما اعظم قوتين تعليميتين خطيرتين. ولهذا السبب ستشتري حكومتنا العدد الأكبر من الدوريات. 

وبهذه الوسيلة سنعطل Neutralise التأثير السيئ لكل صحيفة مستقلة، ونظفر بسلطان كبير جداً على العقل الإنساني. وإذا كنا نرخص بنشر عشر صحف مستقلة فسنشرع حتى يكون لنا ثلاثون، وهكذا دوالي.

ويجب ألا يرتاب الشعب أقل ريبة في هذه الإجراءات. ولذلك فإن  الصحف الدورية التي ننشرها ستظهر كأنها معارضة لنظراتنا وآرائنا، فتوحي بذلك الثقة إلى القراء، وتعرض منظراً جذاباً لأعدائنا الذين لا يرتابون فينا، وسيقعون لذلك في شركنا ، وسيكونون مجردين من القوة. 

وفي الصف الأول سنضع الصحافة الرسمية. وستكون دائماً يقظة للدفاع عن مصالحنا، ولذلك سيكون نفوذها على الشعب ضعيفاً نسبياً. وفي الصف الثاني سنضع الصحافة شبه الرسمية Semi Official التي سيكون واجبها استمالة المحايد  وفاتر الهمة، وفي الصف الثالث سنضع الصحافة التي تتضمن معارضتنا، والتي ستظهر في إحدى طبعاتها مخاصمة لنا، وسيتخذ أعداؤنا معارضتنا، والتي ستظهر في إحدى طبعاتها مخاصمة لنا، وسيتخذ أعداؤنا الحقيقيون هذه المعارضة معتمداً لهم، وسيتركون لنا أن نكشف أوراقهم بذلك. (...) وحين يمضي الثرثارون في توهم أنهم يرددون رأي جريدتهم الحزبية فانهم في الواقع يرددون رأينا الخاص، أو الرأي الذي نريده. ويظنون أنهم يتبعون جريدة حزبهم على حين انهم، في الواقع، يتبعون اللواء الذي سنحركه فوق الحزب.

.. ستكون الغرامات مورد دخل كبير للحكومة، ومن المؤكد أن الصحف الحزبية لن يردعها دفع الغرامات الثقيلة ولذلك فإننا عقب هجوم خطير ثان ـ ستعطلها جميعاً.

وهذه الإجراءات ستكره الكتاب أيضاً على إن ينشروا كتباً طويلة، ستقرأ قليلاً بين العامة من أجل طولها، ومن أجل أثمانها العالية بنوع خاص. ونحن أنفسنا سننشر كتباً رخيصة الثمن كي نعلم العامة ونوجه عقولنا في الاتجاهات التي نرغب فيها [5]. وان كون المؤلفين مسؤولين أمام القانون سيضم في أيدينا، ولن يجد أحد يرغب مهاجمتنا بقلمه ناشراً ينشر له.

مادة 6 

لخدمات البوليس أهمية عظيمة لدينا، لأنهم قادرون على أن يلقوا ستاراً على مشروعاتنا Enterprises، وأن يستنبطوا تفسيرات معقولة للضجر والسخط بين الطوائف. وأن يعاقبوا أيضاً أولئك الذين يرفضون الخضوع لنا. 

مادة 7

رغبة في تدمير أي نوع من المشروعات الجمعية غير مشروعنا ـ سنبيد العمل الجمعي في مرحلته التمهيدية  أي أننا سنغير الجامعات، ونعيد إنشائها حسب خططنا الخاصة. وسيكون رؤساء Heads الجامعات وأساتذتها معدين إعدادا خاصاً وسيلته برنامج عمل سري متقن سيهذبون ويشكلون بحسبه، ولن يستطيعوا الانحراف عنه بغير عقاب. وسيرشحون بعناية بالغة، ويكون معتمدين كل الاعتماد على الحكومة Government وسنحذف من فهرسنا Syllabus كل تعاليم القانون المدني مثله في ذلك مثل أي موضوع سياسي آخر. ولن يختار لتعلم هذه العلوم إلا رجال قليل من بين المدرسين، لمواهبهم الممتازة. ولن يسمح للجامعات أن تخرج للعالم فتياناً خضر الشباب ذوي أفكار عن الإصلاحات الدستورية الجديدة، كأنما هذه الإصلاحات مهازل comedies أو مآسٍ Tragedies، ولن يسمح للجامعات أيضاً إن تخرج فتياناً ذوي اهتمام من أنفسهم بالمسائل السياسية التي لا يستطيع ولو آبائهم إن يفهموها.(...) وعلينا أن نقدم كل هذه المبادئ في نظامهم التربوي، كي نتمكن من تحطيم بنيانهم الاجتماعي بنجاح كما قد فعلنا. وحين نستحوذ على السلطة سنبعد من برامج التربية كل المواد التي يمكن إن تمسخ upset عقول الشباب وسنصنع منهم أطفالاً طيعين يحبون حاكمهم، ويتبينون في شخصه الدعامة الرئيسية للسلام والمصلحة العامة.  [6]

وسنتقدم بدراسة مشكلات المستقبل بدلاً من الكلاسيكيات Classics وبدراسة التاريخ القديم الذي يشتمل على مثل Examples سيئة أكثر من اشتماله على مثل حسنة ، وسنطمس في ذاكرة الإنسان  العصور الماضية التي قد تكون شؤما علينا، ولا نترك إلا الحقائق التي ستظهر أخطاء الحكومات في ألوان قائمة فاضحة. وتكون في مقدمة برنامجنا التربوي الموضوعات التي تعني بمشكلات الحياة العملية، والتنظيم الاجتماعي. وتصرفات كل إنسان مع غيره.

مادة 8

إن حكومتنا ستعتقل الناس الذين يمكن إن تتوهم منهم الجرائم السياسية توهماً عن صواب كثير أو قليل. إذ ليس أمراً مرغوباً فيه أن يعطى رجل فرصة الهرب مع قيام مثل هذه الشبهات خوفاً من الخطأ في الحكم. ونحن فعلاً لن نظهر عطفاً لهؤلاء المجرمين. وقد يكون ممكناً في حالات معنية أن نعتد بالظروف المخففة Attenuating circumstances عند التصرف في الجنح offences الإجرامية العادية ولكن لا ترخص ولا تساهل مع الجريمة السياسية، أي ترخص مع الرجال حين يصيرون منغمسين في السياسة التي لن يفهمها أحد إلا الملك، وانه من الحق أنه ليس كل الحاكمين قادرين على فهم السياسة الصحيحة.

ولكي ننزع عن المجرم السياسي تاج شجاعته سنضعه في مراتب المجرمين الآخرين بحيث يستوي مع اللصوص والقتلة والأنواع الأخرى من الأشرار المنبوذين المكروهين.

مادة 9

حينما نمكن لأنفسنا فنكون سادة الأرض ـ لن نبيح قيام أي دين غير ديننا [7].

*** 

هل تُمارين يا أمة في ذلك أو تجادلين فيه..

أليس هذا هو الدستور المطبق في البلاد الإسلامية جميعا..

*** 

نعم..

هذا هو الدستور الذي يحكم بلادنا.. وإذا نظرنا إلى الواقع فلن نجد إلا تجليات هذا الدستور..

دعنا الآن من فساد رأس السمكة فذلك لا يحتاج إلى بيان ولننظر إلى فساد السمكة كلها..

*** 

إنني هنا لا أستطيع تناول الأمر بأي درجة من العمق والإحاطة.. إنما فقط أشير إلى شواهد الأمور من بعيد  إذ أحاول الإجابة على سؤال جوهري عن سر صمت الأمة.

أشير فقط..

*** 

وقبل أن أشير فإن علىّ أن أنبه القارئ أن ما أقوله بشع ومروع ورهيب.. لكن الواقع أكثر بشاعة وترويعا مما أقول بدرجة لا تقاس.

ولكي أضرب لكم مثلا عما أقول فلنعد إلى هزيمة 67..

تخيلوا لو أن الفرصة قد أتيحت قبل الهزيمة لانتقاد أوجه القصور في الجيش المصري..

فهل كان أي خيال مهما بلغ جموحه سيتصور ما حدث فعلا؟..

أم أن الواقع كان فوق أي خيال و أي تصور..

هل كان الخلل كما حاولوا أن يوهموا به الرعاع الذين هم نحن؟ هل كان لأننا لم نبدأ الحرب بالضربة الأولى؟ هل كان لأن الضباط قضوا ليلة الحرب في سهرة ماجنة فتأخروا في الاستيقاظ مما أدى لنجاح الضربة الجوية الإسرائيلية؟ هل كان لأن الشفرة تغيرت فلم يصل تحذير عبد المنعم رياض من الأردن بخبر انطلاق الطائرات الإسرائيلية؟( مكثت أعواما أعض بنان الندم و ألوك الحسرة على ضياع تلك الفرصة) لكن.. هل كان هناك أي فرصة؟ هل هزم الجيش لعارض طارئ أم هزم لخلل جوهري فيه لا يعود إلى إهمال ضابط أو لجهل جندي بل كان يعود إلى فساد هائل لنظام كامل.. أشد ما فيه فسادا قياداته.. وسط صمت شعبي يمثل التربة التي تترعرع فيها وتنمو أي هزيمة.. وأن جميع من نشروا تلك الأسباب السابقة وما شابهها إنما يشبهون مساعدي اللص في السوق والذين ينشرون الارتباك والضوضاء كي يفلت اللص. 

سوف يتطور الأمر بعد ذلك في كافة أرجاء عالمنا الإسلامي لكي يضع في كافة المستويات هياكل فارغة..

نعم هياكل فارغة..

يكون الرئيس أو الملك مع الأسرة والحاشية هم اللصوص الحقيقيون الذين ينهبون البلاد، ويعرف الكل ذلك، ويتاح للجميع أن يهاجموا الفساد واللصوص بشرط واحد.. ألا يتعرضوا على الإطلاق للرئيس أو الملك مع الأسرة والحاشية !! وفي تلك الحال يصبح أي كشف للفساد ليس سوي تصفية للمنافسين للسيد الرئيس الملك وحاشيته و أسرته!!..

هياكل فارغة..

اكتبوا كما شئتم لكن لا تذكروا الحقيقة أبدا.. ذلك هو برنامج الحرية في بلادنا وتلك هي حدودها..

تلك هي حدود الكارثة التي أتناولها.. ولكي أستطيع الإحاطة بها فإنني محتاج لجهد عشرات الآلاف من الكتاب عبر عشرات الحقب.. لذلك فإنني لا أستطيع إلا أن أشير..

نعم.. في هذا الإطار أتحدث إليكم مؤكدا أن خيالي ومنطقي  مهما بلغ جموحه فإنه لا يتناول إلا نزرا يسيرا من الكارثة.. مجرد أن يشير..

*** 

إذا تناولنا استفتاءات الرئاسة على سبيل المثال فلكم هو مروع ورهيب أن ندرك أن عدد من يذهبون إلى صناديق الاستفتاء فعلا لا يتجاوز 5% من الناخبين.. وهذه النسبة تبطل الاستفتاء كله.. وتجعل من رئيس الجمهورية غاصبا لمنصبه دون سند من القانون.. ( حتي في دراسات مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية لا تصل نسبة الحضور من الناخبين إلى20% وهي نسب مزورة .. ولكن لا يستطيع الأهرام أن يذكر سواها.. لأنه لو اعترف بالحقيقة لهدم شرعية الدولة كلها).

ولعل القارئ يذكر أن مجلس الشعب في مصر مطعون في شرعيته منذ عشرين عاما.

هل تعني هذه الإشارة للقارئ شيئا من الواقع أو الحقيقة؟..

هل تجيب على السؤال الصاعق: ومن يحكم إذن..

هل تكشف سيطرة جهاز الأمن الباطش الجبار الغبي ووسائله المجرمة في تزوير الانتخابات وترويع الناخبين بأكثر الطرق بشاعة و أشدها إجراما ووقاحة وسفها.. ويتم ذلك كله  في حماية سلطة الدولة بل تحقيقا لأوامرها واستجابة لمطالبها... يتم أمام الناس لسحقهم وترويعهم.. يتم أمام وسائل الإعلام وقنوات التلفاز والصحف والمجلات القومية فلا تنشر عنه شيئا على الإطلاق لتكون توابع الجريمة أشد تأثيرا من الجريمة نفسها.. فلماذا تقوم الأهرام أو الأخبار على سبيل المثال بالتعتيم على تزوير ضابط منحرف مزور  أو على تعذيب ضابط مجرم سافل مريض مجنون ..

وهل نندهش بعد ذلك  لغرق الأمة في بحور اليأس والعجز والصمت..

نعم.. اليأس والعجز والصمت..

هذا هو برنامج كل حكومة مصرية أو عربية أو إسلامية..

هذا هو البرنامج الرسمي ودعكم مما عداه مما يعلن..

فكما أن بروتوكولات حكماء صهيون هي دستورنا  فإن الغرق في بحور اليأس والعجز والصمت هو برنامج حكوماتنا الرسمي الذي تعهدت به أمام أمريكا و إسرائيل ولا يضمن لها استمرارها في الحكم إلا نجاحها في تنفيذ هذا البرنامج.. نعم .. فليس كل هذا اليأس والعجز والصمت  نتيجة لسوء التدبير أو عجز التفكير أو خطأ التقدير.. وإنما هو هو المطلوب لذاته..وهو الذي تستديم نعمهم ووظائفهم عليه وعطاياهم ورشاواهم على أدائه في كافة أرجاء عالمنا العربي والإسلامي.. فوزير الحرب ليست مهمته إعداد الجيش للحرب بل منعه من الاستعداد للحرب وجعله احتياطا لشرطة قمع الأمة وقهر الوطن.. وبالنسبة لدول الجوار مع إسرائيل فثمة مهمة إضافية .. هي حماية حدود إسرائيل.. وزير الصناعة مهمته تدمير الصناعة وفتح البلاد لصناعات الغير.. وزير الزراعة مهمته تدمير الزراعة.. وزير الثقافة مهمته نشر السفالة والوقاحة والشذوذ والكفر والعهر والتطبيع..

*** 

ومرة أخرى يا قراء فإنني أشير.. فقط أشير..

أشير إلى الصحافة على سبيل المثال..

أشير إليها من خلال قضية أثارها فهمي هويدي سببت زلزالا تكاتف الجميع كي يمنعوا تداعياته وفضائحه.. كان هويدي قد أكد  أن الفساد نابع من بعض القيادات الصحفية، وأنه لا يجوز فقط عقاب صحفيين شبان متورطين. وكشف هويدي عن أن أحد المسؤولين في أحد الأجهزة الرقابية أبلغه أن هناك "مؤسسة صحفية واحدة تضم 120 شخصا، تجاوز رصيد كل واحد منهم خمسة ملايين جنيه مصري. وحرص هويدي على أن يؤكد أن عبارة "الصحفي المليونير" لم تكن واردة في مصر على مدار تاريخها، إلا أن هذه العبارة أضيفت للقاموس خلال السنوات الأخيرة، رغم أن انضمام أي صحفي – كما يقول هويدي – إلى نادي المليونيرات في الظروف العادية لا يمكن أن يتحقق له من أي باب من أبواب الحرفة إذا كان شريفًا بطبيعة الحال. وقال: إن بعض هذه القيادات حولت الصحف لـ"عزب" خاصة بأسرها، وأن بعض القيادات تحصل على إتاوات عن كل شيء يدخل المؤسسة الصحفية من إعلانات إلى صفحات الوفيات. وأضاف هويدي يقول: إن هناك اختراقا من قبل بعض المؤسسات الأجنبية لبعض المؤسسات الصحفية لتمويل أنشطة مهمة فيها. وقال هويدي إن بعض المجلات الأسبوعية تنشر حملات صحفية عن مسألة معينة مثل مشكلات الدواء أو فساد الصناديق الاجتماعية، ثم تنشر بعدها إعلانات لهذه الجهات الرسمية تدافع عنها، ويعتبر ذلك ضروريا لدفع مرتبات العاملين في تلك الصحف والمجلات!. وأشار هويدي إلى أن الفساد الأكبر يأتي من الصحف المستقلة التي تدافع عن رجال الأعمال. وختم بالقول: إنه لا يمكن تحميل رجال الأعمال أو الوزارات التي تشتري المحررين كل المسؤولية؛ فهناك محاولة للإفساد، وهناك القابلية للإفساد. وقال من يحاول الإفساد ما كان له أن ينجح في ما يسعى إليه، إلا لأنه وجد أمامه طرفا قابلا للغواية.

*** 

ولنترك فهمي هويدي كشيخ من شيوخ الصحافيين ولنذهب إلى صحافي نابه من شباب الصحافيين هو أحمد عبد الهادي ولنطالع مقتطفات من كتابه المروع: " في بلاط صاحبة الجلالة" فنقرأ في مقدمة الكتاب الصاعقة:

" كانت صدمتي بحق قوية ..صحفي شاب في مقتبل العمر لا يزال في بداية الطريق، احترف البغاء الصحفي ..احترف النصب وتزوير الحقائق وقلبها رأسا على عقب ، من أجل حفنة جنيهات ..لا يمانع في الرقص مع الشيطان طالما أن ذلك سينتهي به إلى ما ينشدة ..وقدوته في ذلك صحفي عجوز ، نجح في تلقينه الدرس جيدا ، حيث يستغل هو الآخر دماء الضحايا وشبابهم ، ويمتص كل قطرة من دمائهم الفتية ..ووسائله في ذلك ، جريدة درجة ثالثة .. وجمعية يزعم أنه يرعى بها الموهوبين ..وقلم يقطر سما..".. 

" حاربنا في سبيل العثور على فرصة في بلاط صاحبة الجلالة..كنا على يقين من أن الطريق ليس سهلا بالمرة .. وندرك منذ أول خطوة لنا ، أن هذا الطريق تحفه المشاق ..فتحنا صدورنا الفتية للعواصف ، وأعددنا أنفسنا للأخطار والمتاعب ..وعندما عثرنا على هذه الفرصة كانت صدمتنا كبيرة ..التجارة ..والبيزنس ..والجنس .. والابتزاز ..بجوار المقالات التي تذوب عشقا في الوطن .. صحفيين تحولوا إلى تجار عبيد ، ورقيق أبيض  وآخرين قفزوا على الساحة بالابتزاز والنصب ..اكتشفنا أننا تحولنا إلى سلعة يتاجر فيها البعض ..اكتشفنا عشرات الأبواب الخلفية ، التي لابد من المرور بها أولا ، في سبيل الاستمرار ..صحفيين صغار تحولوا إلى طعام في سبيل استمرار الكبار ..صحف احترفت تجارة كل شئ ، بدءا من التهليل والتطبيل والتصفيق لمن يدفع ، وانتهاء بالهجوم المخطط على كل من تسول له نفسه ورفض مطالبها.. وصحف أخرى تفوح منها رائحة البترول ، والدولارات ، وصحف من عينة مصاصي الدماء..كل شئ أصبح يباع ويشترى ..اختلطت الأقلام الفاسدة بالشريفة ، فكان من الطبيعي أن يتوه كل شئ ..ونتوه نحن أيضا وسط مدينة نجح كل سكانها في إخفاء وجوههم الحقيقية ،خلف أقنعة مزيفة وملابس أنيقة أخفت كل حقيقتهم ..فكان لابد من هذا الكتاب ، الذي يكشف الستار عن بعض أسرار الصحافة المصرية ، وما يدور في الكواليس ، بعيدا عن أعين القراء ، ويكشف بعض من معاناتنا نحن الجيل الجديد في بلاط صاحبة الجلالة..ويكشف أيضا أبعاد الانقلاب الذي قام به البعض للسيطرة على عرش صاحبة الجلالة .والثورة المضادة التي حاول بعض الصحفيين الجدد تزعمها ، لتخليص صاحبة الجلالة من بين براثن بعض السماسرة"..

"إن هذا الكتاب يعد بمثابة محاولة للتطهر من كل الأخطاء ، والآثام التي ارتكبناها، وارتكبها في حقنا البعض ..محاولة لنزع كل الأقنعة المزيفة التي تفنن البعض في ارتدائها ، حتى أصبحت جزءا من جسده ..محاولة أخيرة لكي نقف أمام أنفسنا لأول مرة عراة ، من أجل رؤية أجسادنا على حقيقتها ، علنا ننجح في علاج ما تشوه من هذا الجسد قبل فوات الأوان".. 

يتحدث أحمد عبد الهادي عن كشفه  لفعل كويتي خسيس تسبب ، في قتل عشرات العمال المصريين بعد  انسحاب  صدام حسين من  الكويت  ، فقد بدأ الخبراء بتنظيف أرض الكويت من الألغام والمفرقعات ، لكنهم رأوا أن المسح التقليدي قد يستغرق فترة طويلة ، خاصة وأن المباني الهامة والحيوية ، تحتاج لسرعة التنظيف من الألغام حتى يتسنى استخدامها ، فقامت باستئجار مجموعة من العمال المصريين ومنحت لكل منهم عشرة دنانير في سبيل تنظيف إحدى المدارس من التراب الموجود بها ، والحقيقة أنها استأجرتهم للتأكد عما إذا كانت هناك ألغام بالمدرسة أم لا ؟ بحيث إذا كانت قوات صدام غرست بها ألغام فإنها ستنفجر في وجه العمال ، ويذهبوا في ستين داهية (...)  ..ودخل المساكين المدرسة دون أن يدركوا ما ينتظرهم في الخفاء .. وبعد لحظات ، دوى صوت انفجار في المكان ..وعاد الجميع جثثا هامدة إلى وطنهم .والجثث التي عادت إلى الوطن متفحمة ، معها اعتذار رقيق من وزارة الدفاع الكويتية ، دون حتى دولار واحد ، لأن حكومة مصر الشقيقة تفهمت الأوضاع في الكويت الشقيق ..وأهالي الضحايا فقراء معدمين ..حفنة فلاحين ..لا حول لهم أو قوة ..ولا يعرفون الطريق إلى أي مسئول ..ولا يمكنهم أن يكونوا سببا أبدا ، في تعكير صفو العلاقات الحميمة بين مصر والكويت ، ..ولم تكتب الصحف أي خبر عن وصول الجثث ..ولم يتحرك أي مسئول ، رغم أن الجثث كانت متفحمة وبالعشرات ، والعفن ينبع منها ، ورائحتها غير طبيعية ..وكان من الممكن أن تمر القضية مرور الكرام ،وتموت للأبد ماتت القضية بعد أن اكتشف الصحافي أنه كان أداة لكلمة حق أريد بها الابتزاز وتخليص الحسابات.

وفي مرة أخرى يحصل الصحافي على مستندات تدين أحد المحافظين : " وطلب منى رئيس التحرير المزيد من هذه المخالفات ، وظننت أن طاقة القدر اتفتحت لي ، وأن محمد سامر الله لا يسامحه  هيوافق ويصرف لي ولو حتى عشرين جنية خاصة بعد نشر جزء من هذه المخالفات .. لكن أتت الرياح بما لم تشتهى السفن..حيث فصلني بسلامته وطردني "..

أما السبب فهو أن رئيس التحرير اتصل بالمحافظ وساومه على وقف النشر ..

وفي واقعة ثالثة صارخة يوجع أحمد عبد الهادي قلوبنا ليس على الصحافة وحدها، بل على الصحافة والقضاء والنيابة والدولة كلها.

كان أحمد عبد الهادي يعمل تحت رئاسة مصطفى بكري في صحيفة الأحرار:

" وكان لابد من الانتقام منا نحن ، لأننا تجاوزنا الخطوط ، والحدود المقررة فقد احتضنا المظلوم ..وكنا السوط الذي يهوى على ظهر الظالم ..وكشفنا انحرافات بعض الكبار  وبلعبه سمجة ومتبعة في مثل هذه الأمور ، أقام صاحب العقار الموجود فيه الجريدة ، دعوى قضائية يطالب فيها بإخلاء الطابق الخامس ..وعلى الرغم من أن الدعاوى في مثل هذه الأمور تستهلك وقتا طويلا جدا ، من معارضات واستئناف ، ونقض ، وقد لا يستطيع صاحب العقار في هذه الحالة التنفيذ من الأساس ، نظرا لتقاعس الأجهزة الأمنية ، وتراخيها المعروف في التنفيذ.. رغم ذلك فوجئنا بعشرات من سيارات الأمن المركزي وعربات مدرعة وعشرات من قوات الأمن ، وحاصروا العقار رقم 19 بشارع الجمهورية صباح يوم الجلسة..جاءوا لتنفيذ حكم لم يصدر بعد ..وكنت أشرف على تنفيذ الصفحات المسائية بالجريدة مساء اليوم السابق ، وانتهيت من عملي في الرابعة فجر ذلك اليوم ، وكنت متوجها إلى غرفتي لأتمكن من نيل قسط من النوم ، وصدمتني هذه التشكيلات والفيالق الأمنية ، وظننت أنها جاءت لتأمين المكان حول محكمة عابدين خوفا من هروب بعض المتهمين الخطرين ..وعندما عدت بعد ثلاثة ساعات في السابعة ، تزايد عددها ..ثم جاءت القوات الخاصة ، وارتدى جنود الأمن المركزي الخوذات ، واستعدوا بالدروع ، وجاء مصطفى بكرى رئيس التحرير ، وقطع الشك باليقين عندما أكد لنا أن هذه الفيالق من أجلنا نحن ..في سبيل تنفيذ حكم لم يصدر بعد .وسألنا أنفسنا في دهشة ..حتى لو كان الأمر كذلك ، فهل نحن بهذه القوة التي يحشدون لها كل هذه القوات؟..وهل كانوا يظنون أننا نخفى أسفل طيات جلود أجسادنا النحيلة القنابل المسيلة للدموع ، والمدافع التي سنقاومهم بها ؟..وهل يخصصون مثل هذه الحشود والمصفحات والقوات الخاصة لتنفيذ أحكام القضاء الصادرة لكل المواطنين؟..ثم أليس من الطبيعي أن هناك طعون ..ونقض في الحكم ؟ هذا مع الفرض الجدلي ، بأن الحكم صدر لصالح صاحب العقار. كانت الأسئلة تدق كل الرؤوس على السواء ، وكنا واثقين من حياد ونزاهة القضاء المصري الذي أصبح هو الشيء الباقي لنا في الوطن ، لكننا أبدا لم نكن واثقين من حياد هذه الفيالق التي تحاصرنا من كل جانب ، وفجأة انطلقت صرخة من فم زميلنا أحمد جبيلى وهو يحذرنا :

 - أغلقوا الأبواب ، لقد صدر الحكم ضدنا

وجاءت الشرطة للتنفيذ ، وإخلاء الطابق الخامس ..على الرغم من استعدادنا المسبق للنتيجة ، إلا أننا صدمنا ..وشعرنا بأننا فقدنا عزيزا علينا .كان الأمل يراودنا في حكم يصدر لصالحنا ..لكن الأمل تسرب من بين أيدينا (...) وهرولنا جميعا ، وتفرقنا في أنحاء الطابق الخامس ، وأخذ كل منا يؤدى دورا لم يأمر به أحد  البعض يزيح المقاعد من الطرقات ، ويضعها خلف الباب ويجلس فوقها لمنع رجال الشرطة من الدخول .. والفتيات يحملن الأوراق الهامة ، لنقلها من أرض المعركة لمكان آمن (...) وجاء اللواء محمد مصطفى الشناوي ، يتقدم فيلقا من جنود الأمن المركزي شاهرا فوهة مسدسه في وجوهنا ، دون أن يفرق بيننا وبين المجرمين الذين يتعامل معهم وهو يقول في عجرفة: 

- وسع يا روح أمك منك له. 

وبلا مقدمات ، احتمى بجحافل التتار التي زحفت خلفة ، وأهوى بمؤخرة المسدس على رأس أحد الزملاء ، فاستشاط الجميع غضبا ، واشتعلت معركة غير متكافئة ضد لواء شرطة قدم لينفذ تعليمات عليا ، صادره إليه في أحد المكاتب المكيفة الأنيقة ، ونفذها فعلا حرفيا ، لذلك لم نندهش عندما تم مكافأة الرجل في نهاية خدمته ، بتعيينه محافظا للدقهلية ..( الدقهلية بالذات دون كل محافظات مصر مع الأسف ) ..وصرخ مصطفى بكرى محذرا 

- أيها الأغبياء ، احذروا انفلات أعصابكم

وضاعت كلماته وسط محاولة تصدينا لكسر الباب ، واقتحام الطابق الخامس والتفافنا حول ضباط الشرطة ، وصرخات الفتيات التي اختلطت بأجساد نحيلة بالضربات ..باللكمات بكلمات مشتعلة ..بمكاتب ، وأثاث ، وأوراق ، يتم إلقائها من أعلى لإفساح الطريق لسيادة اللواء ، الذي أخذ يلوح بمسدسة مزهوا في عنترية وسادية غريبة ، وصرخ في مسرحية مكشوفة 

- اتركوا الباب ياولاد الكلب

- لن نتركه

هوريكم يا.....( كلمة قذرة خادشة للحياء )

(...)

*** 

كتاب أحمد عبد الهادي يحمل في أحشائه عار الصحافة المصرية.. وهو عار يمثل القاعدة والاستثناء منه شديد الندرة.

*** 

لن أسمح لنفسي بالحديث عن معلوماتي المؤكدة غير الموثقة عن الرشاوى التي يتلقاها كبار الصحافيين، ولكنني أشير- على سبيل المثال  إلى مواد منشورة ومذاعة في الفضائيات ( قناة دريم) عن اعترافات الدبلوماسي لؤي الهاشمي:

"بعض الصحفيين المصريين كانوا يحصلون على رواتب " .. "وفي إحدى المرات جاء أحد الصحفيين المصريين ليتسلم راتبه الثابت فأعطيته شيكا أمام صحفي مصري آخر وكنت متعمدا ذلك فشكاني الصحفي للسفير الذي استدعاني على الفور وعاتبني قائلاً: كيف تتعمد أن تعطي الصحفي راتباً أو مبلغاً من المال أمام صحفي آخر؟ فقلت له: إذا كان رافضاً لهذا الأسلوب لماذا استلم المبلغ كان عليه أن يرفضه"..

إلا أنني أؤكد بعد إيراد المثل، أننا لم نتناول سوى القشور، لأن السرقات الكبرى كلها تتم بعيدا عن الأعين، بل على الأحرى في حماية جهاز الدولة الباطش الجبار المنحرف.

*** 

وفي هذا الصدد نفسه نذكر ما حدث من كبار الموظفين في التلفاز  محمد الوكيل أو من  "حازم الشناوي" من بعدما ثبت من التحقيقات تقاضيهم مع آخرين  ..

و أيضا.. لم أذكر ذلك إلا على سبيل الإشارة، بل إنني أذكر أن صحافيا هو الأستاذ سيد الغضبان  يكتب أسبوعيا عن فساد بمئات الملايين في محطات التلفاز و إعلاناته وبرامجه والرشاوى التي تقدم فيه..

فهل تعلمون منذ متى يفعل ذلك.. منذ ما يقرب من عشرين عاما.. فلا هو توقف.. ولا السرقة توقفت.. ولا أحد علق على كل ذلك.

*** 

أشير أيضا إلى كارثة التعليم في مصر..

كانت مهمة بهاء الدين  عليه من الله ما يستحق هو القضاء على التيار الديني والاستجابة للمطالب الأمريكية بتغيير المناهج وتجفيف منابع الدين و إحالة كل المدرسين الملتزمين إلى وظائف إدارية ونفيهم وتشتيتهم وتقديم الرشاوى إلى من يستسلمون ويبيعون دينهم ووطنهم ( رشاوى بكل معنى الكلمة.. فلجان تطوير التعليم المشتركة مع الأمريكيين كانت تحصل على رشاوى ضخمة تحت اسم المكافآت.. لكن هذه المكافآت كانت تصرف دون أي مستند.. خوفا من وقوع هذه المستندات في أيدي صحافي معارض يفضح الأمر) ..

وفي ظل بهاء الدين ذاك – عليه من الله ما يستحق – وصلت المهزلة إلى حد لا يمكن تصوره وتحول التعليم المجاني إلى جهل باهظ التكاليف، وخلت المدارس من تلاميذها – كل تلاميذها تقريبا- وانتشرت الدروس الخصوصية لتستهلك المليارات من أسر مطحونة تعيش على الكفاف..

الأكثر ترويعا و إجراما أن كل فرد في الأمة كان يعرف ذلك كله.. لكن وسائل الإعلام تنشر عكسه.. لأنه ما من أسرة في مصر إلا  ولها أطفال في المدارس ويعلمون علم اليقين ما يحدث فيها.. يعلمون على سبيل المثال أن نسبة الحضور لطلبة الثانوية العامة لا تزيد عن 5% بينما هو وهم – لعنه الله ولعنهم- لا يكفون عن التغني بأمجاده و أمجادهم..  وسيتفرع عن ذلك وجه آخر من وجوه الإفساد عندما يبحث هذا التلميذ عن شهادات مرضية يحصل عليها عن طريق الرشوة للأطباء أو المستشفيات.. وتستمر الدائرة الجهنمية بينما الصحف القومية وشاشات التلفاز تطالعنا كل صباح ومساء  بأنبل مظاهر تخفي خلفها أقبح غايات.

 ولقد قيضت لي الظروف أن ألمح مشهدا من المشاهد المأساوية حين واجه أحد نظار المدارس ذلك المسئول - عليه من الله ما يستحق – فما كان من المسئول الكبير إلا أن أمر حرسه بضرب الناظر علقة ساخنة مع صدور قرار بنفيه.. وتسرب الخبر إلى الصحافة.. ومورست الضغوط على الناظر المسكين فوقع على إقرار بنفي ما حدث.. وخرج المسئول وبراءة الأطفال في عينيه يدين أولئك الرعاع الذين لا يكفون عن عرقلته في مسيرته النبيلة. 

لو ظللت أكتب خمسين عاما لما استطعت الإحاطة بأوجه الفساد والخراب والدمار التي تحيط بالأمة..

*** 

لكنني أشير إشارتي الأخيرة .. أحاول أن أتتبع معكم رحلة حياة مواطن مصري أو عربي أو أي مواطن في أي بلد إسلامي.. من مولده إلى وفاته..

*** 

سوف أحاول الإيجاز قدر ما أملك.. لن أتطرق إلى الجوانب الاقتصادية والصحية والاجتماعية التي تعتصر القلب. ولا أنا سأقابلها من الجانب الآخر بمظاهر البذخ السفيه الفاجر الذي يضاعف بشاعة من يسرقون الأمة.. فليست كل الذنوب و إن اتفقت المسميات سواء.. ذلك أن من يسرق الغنى غير المحتاج ليس كمن يسرق المعدم أو من يحسبونهم أغنياء من التعفف.

فإذا ولد هذا الطفل في أسرة متدينة، فإن أغلب الظن أنه يولد ليجد أحد أبويه أو عمومته أو خئولته معتقلا بدون محاكمة.. ربما منذ عشرين عاما.. فإن لم يكن ذلك فلابد أن الابتلاء أصاب أحدا من العائلة.. 

في مثل هذه الأسر، تحاصرها أجهزة الأمن الباطشة الفاجرة الجبارة، تجعلها تعيش في رعب مقيم وهم مستديم، ذات مرة، ألقت الشرطة القبض على مسلم في بور سعيد، وبعد امتهان المنزل، وضرب الأب المسلم أمام أبنائه وزوجته وجيرانه لكسر هيبته وتحقيره ومنع تأثيره، اصطحبوا الأب، وفي اليوم التالي عاد أمين الشرطة، ولعله قال لنفسه إنني أعصى الله و أبيع الجنة و أشتري النار من أجل مرضاة الرئيس  فلماذا لا أفعلها من أجل نفسي، عاد أمين الشرطة في اليوم التالي، ليغتصب زوجة الرجل.

تحاصر هذه الأسرة، يضيق عليها، ويضايق أبناؤها ومن كان منهم موظفا  في الحكومة يفصل، ومن كان موظفا في القطاع الخاص يتصل ضابط الأمن بصاحب العمل ليغويه ثم ليهدده . يحاول جهاز الأمن الباطش الجبار سحق الأسرة، يحاول، بالضغط بالعوز والجوع والفقر والحاجة أن يدفع امرأة المعتقل أو بناته إلى الزنا، وفي وسط هذا الجو المرعب، يقتنصون أخا  شقيقا أو قريبا للمعتقل، ليجعلوا منه عميلا للمباحث  وجاسوسا على أصحاب أخيه، ولهذا الجاسوس العميل تفتح الأبواب وتمهد الطرق  وتتوفر الوظائف ويغدق المال.. و إذا تمكن من اقتناص الفرصة فقد يتحول إلى كاتب كبير تفتح له أجهزة الأمن كبريات الصحف، ومفكر عظيم تنشر له كبريات دور النشر كتبه.. لا لقيمتها.. بل لأن أجهزة الأمن أمرتها بذلك..

سنترك هذا الطفل الآن إلى طفل آخر، لم يولد في مثل تلك الأسرة، بل ولد في أسرة تلتزم الحد الأدني، هذا الطفل سينشأ على تحذيره من أن يغشى منابع التطرف: المساجد!.. أو أن يضع نفسه في مواطن الشبهات: صلاة الجماعة!.. كي لا يحدث لهم ما حدث لتلك الأسرة المنكوبة الملتزمة. 

الاحتمال الثالث أن يولد هذا الطفل في أسرة لا تقوم بأبسط واجبات الدين.. أسرة منحلة لا تقيم الصلاة ولا تؤتي الزكاة ولا تصوم رمضان ولا تحج أبدا.. أسرة كل المنكرات عندها مباحة وكل الفرائض إرهاب وتطرف..  فهؤلاء لا خوف عليهم من الطاغوت الفاجر المجرم.

في الخامسة أو السادسة من عمره  تبدأ رحلة الطفل مع المدرسة، ليجد مدرسة قد فرغت من كل من عمر الإيمان قلبه بعد أن أحالت أجهزة الأمن الباطشة الجبارة كل مدرس يعرف معنى الإيمان إلى وظيفة إدارية، ونفته من الأرض، بمساعدة وزراء تعليم منافقين فسقة.

هل غفل الطواغيت أن ما يفعلونه ذاك يفسد العملية التعليمية من أساسها، ذلك أن المؤمن المتدين الذي يؤدي حق ربه هو الحريص على أن يؤدي واجبه تجاه تلاميذه وهو الذي يعرف أن الإخلاص في العمل عبادة، و أن شرخ هذا النموذج يهدم العملية التعليمية كلها، ويجعل أساس الترقي هو الفهلوة والفساد والبعد عن الدين. إن السمعة السيئة في هذا المجال ليست عائقا أمام الترقي بل هي السبيل إليه لأنها تؤكد أن صاحبها غير مشتبه به، و أنه لن يكون منبعا من منابع التطرف والإرهاب.

سوف ينتقون لتدريس الدين أكثر المدرسين جهلا وتنفيرا وبعدا عن جوهر الدين ( شخصيا: أدخلت ابنتي في مدرسة إسلامية خاصة، ولم اكتشف إلا بعد أن انتهت من المرحلة الابتدائية أن مدرس الدين كان يساومهم على ألا يحفظوا ما عليهم من القرآن مقابل أن يعطوه شطائر الإفطار التي أعدتها لهم أمهاتهم) .. حذرهم المدرس من إفشاء السر.. ولم يكن هناك امتحانات كي تكشف الأمر.. ولم ينج من هذا الأمر إلا الأسر التي كانت متنبهة له منذ البداية فاعتمدت على مدرس خاص في تدريس الدين.

ما يهمنا هنا.. وما نضع ألف خط تحته.. هو الحرص على أن يكون التعليم الديني مهمشا ومجوفا ومظهريا يخفي من الجهل الكثير..

أكرر..

أضع تحت هذه الجملة ألف خط..

لأن ذلك لا يتم اعتباطا..

بل يتم وفق خطط مدروسة ومخطط لها جيدا..

يتم ويُواصل في التعليم الإعدادي والثانوي والجامعة..

ويتم تخريج جيل يعرف عن نابليون أكثر مما يعرف عن خالد بن الوليد.. وعن مادونا وسامبسون أكثر مما يعرف عن هارون الرشيد ومحمد الفاتح، وعن المودة أكثر مما يعرف عن الجهاد، ويستطيع أن يسمع أسماء الولايات الأمريكية بينما يعجز عن ذكر عشر عواصم عربية،  وهذا الجيل المفرغ الأجوف، المصنوع خصيصا، حسب الطلب، من النخاسين الذين يحكمون الأمة، هذا الجيل سيكون هو المستهدف بالشبهات التي يثيرها الصليبيون واليهود وخدمهم من اليساريين والشيوعيين والقوميين حول الإسلام،  وهي شبهات تتهاوى أمام أي علم ديني حقيقي، من الذي حُرم هؤلاء المساكين من أن يتعلموه، يتعرضون للشبهات، فيتزلزل إيمانهم، ويهتز يقينهم، ولا يعودون صالحين للجهاد في سبيل دين أو وطن. ولقد كان هذا هو المطلوب منذ البداية.

أرفع صوتي يا ناس و أحذر يا أمة.. أرفع صوتي بأنني كنت مخطئا في يقين طالما ركنت إليه.. يقين بأن المسلم لا يمكن أن يرتد من الإسلام إلى النصرانية أو اليهودية أبدا.. وكنت أضع لنفسي الأساس الفلسفي لذلك بقولي أن المشكلة العقلية كلها ليست في الإيمان بالله لأن أي دارس اليوم يدرك بقوانين الفيزياء والرياضة أن لهذا الكون خالقا هو الله سبحانه وتعالى.. دعنا من العميان الذين لا يرون ضوء الشمس فهؤلاء قلة لا يؤبه لها.. الأغلبية الساحقة تؤمن إذن بوجود الله.. تبقى المشكلة الثانية هي التساؤل: هل ترك الله عبيده الذين خلقهم دون رسل لهدايتهم وبيان الطريق القويم لهم، وذلك بمجرد المعطيات العقلية مستحيل..

إذن.. الله موجود .. وقد أرسل رسلا..

عند هذا المنعطف لا يوجد سوى الإسلام..

نعم.. فالتفوق الحاسم المطلق للإسلام لا يحتاج إلى أي دليل إلا إذا كان هذا الدليل صاروخ كروزو أو قنبلة ذكية أو طائرة أباتشي.. فنحن لا نملك دليلا مثله..

أقول أن تفوق الإسلام حاسم وتساميه معجز و إعجازه معقول ليس بالمقارنة لكم الخرافات  الوحشية المجنونة في الكتب السماوية المحرفة والتي لم يحفظ الله منها سوى القرآن.. ليس من أجل ذلك.. بل بالدراسة المجردة للإسلام دون حتى مقارنة يظهر على الفور تساميا لا ينافس ولا يبارى.. هذا التسامي الذي يعبر عنه سيد الشهداء في زماننا – إن شاء الله – بقوله:

(وعشت في ظلال القرآن أنظر من علو إلى الجاهلية التي تموج في الأرض ، وإلى اهتمامات أهلها الهزيلة الصغيرة ، أنظر إلى تعاجب أهل الجاهلية بما لديهم من معرفة الأطفال وتصورات الأطفال ، واهتمامات الأطفال ، كما ينظر الكبير إلى عبث الأطفال ، ومحاولات الأطفال ، ولغة الأطفال ، وأعجب ، ما بال هذا الناس ، ما بالهم يرتكسون في الحمأة الوبيئة).

أقول ظللت لي هذا اليقين أقول لنفسي أنه قد يباح للأعمى أن ينكر وجود الشمس لكنه حال إبصاره لابد أن يعترف بها وإلا كان مأفونا مجنونا.. وكنت أقصد بالأعمى : الكافر.. وكنت أعني بالمبصر من آمن بالله.. وكنت أعني أنه إذا آمن بالله ورسله فليس من دين يحترم العقل ويوافق المنطق إلا الإسلام.

ظللت على هذا اليقين واثقا أن المستحيل بعينه أن يستجيب مسلم لعمليات التبشير ويرتد.. كان ذلك مستحيلا بالنسبة لي رغم الأنباء المقلقة التي كانت تتسرب من الجزائر و أندونيسيا و أماكن أخرى.. ظللت على هذا اليقين حتى فوجئت بأنباء موثقة عن أعداد لا يستهان بها.. في قلب القاهرة .. ارتدت عن الإسلام إلى النصرانية.. صحيح أن جماعات التبشير تلك نفثت سمومها في قاع المجتمع حيث الفقر الوحشي والجهل الضاري وحيث الإسلام مجرد اسم لا تمارس أي شعيرة من شعائره.. لكنه على أي حال حدث.. ( مع توالي الضغوط طالب بعض علماء الأزهر أن تتوجه جماعات التبشير إلى الأزهر للتبشير هناك في ندوات مفتوحة تقرع فيها الحجة بالحجة.. لأنه ليس من المنطقي أن يذهب مبشرون على أعلى درجات الثقافة إلى قطاعات بشرية على أعلى درجات الجهل والفقر ليمارسوا التبشير بينهم .. وأن العدالة تقضى أن يواجه العلماء علماء.. واعتبر المبشرون ذلك اعتداء على حرية الأديان وانتهاكا.. واضطهادا.. وتفريطا .. وافتئاتا على حقوق الإنسان).. 

*** 

لنعد إلى طفلنا الذي كنا نتحدث عنه..

سوف نذهب مع هذا الطفل إلى المدرسة الإعدادية ثم الثانوية

كبر الطفل واتسعت مداركه وازداد وعيه وبدأ يتخذ موقفا من الحياة وبدأت عيون الجهاز الغبي الباطش الجبار ترصد.. سيلاحظ الطفل أن معظم مدرسي الدين مجرد مسوخ شائهة .. وسينسحب جزء من ذلك على اللغة العربية حيث يعد الاهتمام بها نوع من الحذلقة والتخلف التي تثير الاشمئزاز والنفور والضحك.. المرجعية الكبرى عادل إمام سوف يؤكد لهم ذلك .. وحتى المسكين محمد جلال عبد القوي والدكتور يحيى الفخراني حين يكون الحديث بالعربية الفصحي في مسلسلاتهم قرين للتخلف والإرهاب ( ماذا يريد شارون أكثر من ذلك).. في هذه السن الخطرة سيكتشف الطل الكبير أو الشاب الصغير أن الكبيرة الوحيدة التي يمكن أن تهدد وجوده وليس تفوقه العلمي فقط هو أن يواظب على صلاة الجماعة.. سوف يعد احتشامه وعفته قرينة ضده لكنها لا ترقى إلى مستوى كبيرة صلاة الجماعة.. المدرس الخواجة الأمريكاني ماضغ العلك سوف يكون المثل الأعلى.. وذلك الذي يرتكب كبيرة الزنا سوف يكون المثل الأعلى الذي يحذو الأطفال الكبار أو الشباب الصغار حذوه.

في مدرسة أجنبية اكتشف جاري أنهم يجعلون الأطفال يصلون أمام المذبح كل صباح.. كان معظمهم مسلمين.. وذهب الجار يحتج.. وتمسكت ناظرة المدرسة المسيحية بموقفها قائلة أن هذا هو سلوك المدرسة منذ خمسين عاما.. وهدد الرجل وتوعد.. واضطرت الناظرة إلى استثناء المسلمين من الصلاة أمام المذبح.. ابنة الرجل كانت متدينة.. ولست أدرى إذا ما كانت هذه الحكاية قد استفزتها أم أنها طبيعة التدين فيها هي التي دفعتها للتحدي والاتفاق مع مجموعة من زميلاتها على أداء الصلاة جماعة في مسجد المدرسة الخاوي على عروشه، ورتبوا الأمر بحيث لا يقيمون الصلاة في أوقاتها (!!) و إنما وقت الراحة ( الفسحة) حتى لا تتعارض صلاتهم مع الدروس والحصص. قوبل الأمر بالإهمال من الإدارة في البداية وبالسخرية من زميلاتهن المسلمات.. لكن.. شيئا فشيئا ابتدأ عدد المصليات في الزيادة..  ناظرة المدرسة ارتاعت من الظاهرة فحاولت منعها.. أصرت الطالبات.. بدأت الناظرة تكدرهن بصور شتى.. وقال جاري لابنته أنه لن يساعدها و إنما سيتركها تخوض التجربة حتى نهايتها.. ولتتعلم منها كيف تنتصر لدينها في بيئة معادية دون أن تخل بنظام ذلك المجتمع المحيط المعادي..راح عدد الطالبات يزداد.. وتمسكهن بالصلاة يشتد.. كانت قدرتهن على اجتذاب زميلاتهن قد رفع من روحهن المعنوية.. وكانت انتصارهن على ناظرة المدرسة مبعث فخار.. وبدأت الطالبات يطورن الأمر بالاتفاق على حفظ أجزاء من القرآن وتسميعها لبعضهن.. وتبادل الشرائط الدينية.. وفجأة أصدرت ناظرة المدرسة قرارا بأن يشرف مدرس الدين على المسجد ويكون مسئولا عن الصلاة .. بعد أيام رتب مدرس الدين دقائق معدودة للصلاة يغلق قبلها و بعدها المسجد.. احتجت الطالبات فقد كن يقمن أكثر من جماعة حسب ظروفهن.. لكن التضييق ازداد وادعي مدرس الدين لا غفر الله له -  بإيعاز من ناظرة المدرسة – أنه يحدد وقت الصلاة بهذه الدقائق ويغلق المسجد فيما عداها خوفا من قيام الطالبات بأعمال مخلة في المسجد.. ولم يكتف بذلك بل كتب طلبا إلى ناظرة المدرسة يوضح فيه وجهة نظره.. معظم الطالبات وربما كلهن لم يكن يفهمن ماذا تقصد المربية الوقحة المجرمة لعنها الله.. واستدعهن الناظرة إلى مكتبها واتهمتهن – شفاهة.. فلم تكن الملعونة تجرؤ على الإفصاح- أنهن يمارسن الشذوذ أثناء الوضوء..

عندما فهمن أصبن بانهيار عصبي..

توقفت الصلاة..

وكان مدرس الدين هو الوجه الآخر لشيخ أزهر ووزير أوقاف..

وكان الوجه الآخر لأجهزة الأمن التي لا ترى بأسا في ممارسة الشذوذ وترى البأس كله في الصلاة..

*** 

قلنا منذ البداية أن التلميذ ينتمي إلى أسرة من ثلاث: المتدينة المنكوبة.. والمسلمة التي تروعها صور الأسرة المنكوبة.. والأسرة المنحلة..

سوف يحاول التلفاز تذويب الفوارق.. سوف يكون الدين مجال السخرية والاستهزاء وسوف يكون الزنا حبا والمجون تحررا والخلاعة رقيا .. وحتى في التمثيليات الدينية فإنك لن ترى صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا صحابياته و إنما سترى صحابة فاروق حسني وصحابيات صفوت الشريف.. والأمر يحتاج إلى تفصيل في مقال مستقل.

*** 

في المدرسة أيضا سوف تسقط قيم الطفل الشاب قيمة بعد قيمة ومثلا بعد مثل.. سيتعامل مع المدرس الذي لا يسمح له بالنجاح إلا إذا أخذ عنده درسا خصوصيا.. وسيذهب البعض للشكوى للناظر أو المدير.. وسيكتشفون بعد عناء أن الناظر أو المدير يحصل على إتاوة من المدرس الذي يعطي دروسا خصوصية بينما لا يحصل على شئ من المدرس الذي يحترم نفسه وعمله فلا يعطى مثل تلك الدروس.. وسيكتشفون كم ينكل المدير بمثل هذا المدرس.

سوف يكتشف الطالب أيضا أن أجهزة الأمن التي لا تغيب عنها شاردة ولا واردة في أمور الدين والصلاة قد تركت تجار البانجو والمخدرات يرتعون أمام المدرسة مع دلائل مؤكدة على تستر الأمن مقابل اشتراكه في الأرباح  [8].

*** 

يلتحق البعض بالجامعة.. البعض الآخر يتوقف عند التعليم المتوسط لينضم إلى حشود هائلة من العاطلين يستفزهم التلفاز بإعلاناته السفيهة ويحرمهم الأمن من البحث عن ملاذ في المسجد فتتزايد حالات الانحراف والشذوذ والإدمان..

الذين يذهبون إلى الجامعة سيرون وجها أكثر بشاعة للحياة حيث يتحكم الأمن في كل كبيرة وصغيرة.. لكنهم قبل أن يذهبوا يفاجئون بآبائهم و أمهاتهم يجعلونهم يقسمون الأيمان المغلظة ألا يتورطوا في السياسة ولا في صلاة الجماعة أو الانضمام إلى أي نشاط ديني.

*** 

رغم أنني أكره بمجامع قلبي عهد جمال عبد الناصر إلا أنني أشهد كم كان الحرس الجامعي أيامها يهاب الطلبة ويتجنب الاحتكاك بهم مهما استفزهم الطلبة.. نعم .. كان ضابط الحرس الجامعي يهاب الطالب [9].. وعشت حتى رأيت في عهد مبارك عميدا لكلية جامعية كنت أستقل معه سيارته.. كنت في المقعد الخلفي.. وكان ضابط الحرس في الكلية يجلس على المقعد المجاور للعميد الذي كان يقود السيارة بنفسه.. وكنا كلما توقفنا هرول العميد كي يفتح باب السيارة لضابط الحرس!!.

كان العميد كالأساتذة كوكلاء الجامعة ورئيسها يعلمون أن قرارات ترقيتهم وتعيينهم لا يمكن أن تتم دون موافقة الحرس الجامعي وترشيحاته.

الحرس الجامعي هو وجه أجهزة الأمن في الجامعة.. وهو يتألى على الله لا غفر الله لهم.. فيعز ويذل ويخفض ويرفع..ابتداء من أصغر القضايا إلى أجلها و أعظمها.. إنه يحدد قوائم اتحادات الطلبة فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء.. وعندما تأتي  الانتخابات يقوم بالتزوير كي تنجح أسماء بعينها.. وهو لا يختار تلك الأسماء اعتباطا.. وإنما يفرز الطلبة منذ التحاقهم بالجامعة إلى عدة فئات.. فئة خاملة لا خطر منها ولا تأثير لها ولا اهتمامات على أي مستوى أو تنحصر اهتماماتها في لعب الكرة ومغازلة الزميلات.

*** 

تبقى فئتان: فئة منحة نشطة يقربها الأمن ويمنح أعضاءها مرتبا شهريا ويكلفه بمهام معينة وسط الطلبة منها التجسس عليهم أو إفشال مؤتمر لنصرة فلسطين أو العراق – على سبيل المثال – وكتابة تقارير لأجهزة الأمن عن الناشطين والمتدينين [10]... هذا القسم هو الذي سينمو باستمرار بعد ذلك، هو الذي سيتم توصية الأساتذة عليه كي ينجح بتفوق.. هو الذي سيغل المناصب في اتحادات الطلبة .. هو الذي سيعين كأعضاء لهيئة التدريس في الجامعة.. وبعد ثلاثين عاما سيشكل هيكل الجامعة كلها من أساتذة وعمداء ورئيس جامعة..

لكن..

ليس علينا أن ننتظر ثلاثين عاما..

لأن الموجودين اليوم هم الذين تمت تربيتهم بهذه الطريقة منذ ثلاثين عاما.

الفئة الأخرى هي فئة الملتزمين.. مجرد الالتزام الهادي الذي يشكل الحد الأدنى للمسلم الحقيقي.. هذا الحد الأدني تعتبره أجهزة الأمن تطرفا و إرهابا..

أفراد هذه الفئة يسحقون سحقا.. ينكلون بهم كي يكونوا عبرة.. ويفتحون لبعضهم ثغرة كي يكونوا جواسيس على زملائهم.

حكى لي بعض الطلاب أن الأمن كان كثيرا ما يفتش غرفهم في المدينة الجامعية،، وأنه كانت تحدث أثناء التفتيش حركة محمومة حيث يهرع الملتزمون إلى المنحلين يستعيرون منهم المجلات الفاضحة والصور العارية وشرائط الجنس كي يضعوها في غرفهم دليلا أمام أجهزة الأمن على براءتهم.

كانت أجهزة الأمن تغفر كل ذنب وتعفو عن كل جريمة وتتجاوز عن كل خطأ إلا أن يكون هذا الخطأ اقتناء لكتاب في الفقه أو التوحيد.. بل كان مجرد وجود المصحف دليل اشتباه يستوجب منهم اليقظة والحذر والمتابعة.

منذ دخول الطالب إلى الجامعة لن تحدث حركة دون موافقة الأمن عليها.. هو الذي سيحدد مواعيد الامتحانات بل طريقة التدريس التي تشغل الطالب طول العام بالامتحانات بغض النظر عن التحصيل كي لا يكون أمامه أي وقت لمحاولة فهم أي شئ في مجتمعه.

كان نظام الفترتين سبيلا إلى ذلك و أحد أعمدة انهيار التعليم في الجامعة لكنها أوامر الأمن.

لن يعين معيد ولا عميد ولا رئيس جامعة إلا بموافقة الأمن وترشيحه.

بل لن يسمح لطالب بالتحاق بالدراسات العليا دون موافقة الأمن.. ولن تعلن نتيجته إلا بعد موافقة الأمن..

بل لقد بلغ الأمر في الأعوام الأخيرة إلى ما لا يمكن تصوره.. إذ أن نتيجة الطلاب لا تعرض على مجلس الكلية لاعتمادها قبل أن يعتمدها الأمن .. أما ما يفعله الأمن فهو أنه لا يسمح أبدا للملتزمين من الطلاب بالاحتفاظ بترتيب متفوق.. نعم.. يقوم الأمن بتغيير الدرجات وترتيب الطلاب كي لا يسمح للمتدينين بالمنافسة على وظائف المعيدين والمدرسين المساعدين، وهذا هو مفهومهم في تجفيف المنابع.

هذا الانهيار في المبادئ والقيم لا يتم بلا ثمن.. وإذا كان من الممكن أن يتم تغيير الدرجات والترتيب مجاملة للحاكم والسياسة فلماذا لا يتم مجاملة للأساتذة وضباط الأمن الذين يشغل أبناؤهم كل المراكز الأولي.. كلها بلا استثناء.. بلا محاولة لذر الرماد في العيون.. بل إنني والله على ما أقول شهيد رأيت ما هو أغرب من ذلك.. رأيت طلبة حصلوا على الثانوية العامة بمجموع خمسين في المائة وحصلوا على بكالريوس الطب بامتياز وكانوا من الأوائل..أحد هؤلاء الناجحين بخمسين بالمائة.. لم يكن خريج القسم العلمي بل الأدبي!!.. أما كيف تم ذلك فبالمال والسلطان والنفوذ والفساد.. التحاق بكلية طب في رومانيا لعام واحد..تحويل إلى كلية طب محلية بتعضيد وتوصية من مسئول كبير.. معظم هؤلاء الطلبة لم يستخرجوا جوازات سفر من الأصل.. تم الأمر كله على الورق!!..

وسط هذه المباءة من الفساد انهار التعليم كله..

أصبح أخس الطلبة – بغض النظر عن مستواهم العلمي الذي لا يحدده مستواهم بل أجهزة الأمن- هو الذي يختار لوظائف المعيدين والمدرسين المساعدين.. فإذا أفلت أحد من الرقابة الصارمة فإنه لن يفلت من المصفاة التالية حيث يختار أخس المعيدين والمدرسين المساعدين لشغل وظائف المدرسين.. ثم يختار أخس المدرسين ليكونوا أساتذة مساعدين.. ثم أخس الأساتذة المساعدين ليكونوا أساتذة ثم أخس الأساتذة ليكونوا رؤساء أقسام ثم أخس رؤساء الأقسام ليكونوا عمداء كليات ثم أخس عمداء الكليات ليكونوا رؤساء جامعة.

متوسط الدخل الرسمي لرئيس الجامعة ثلاثمائة ألف جنيه..

الدخل الرسمي..

لا نتحدث عن العمولات والسرقات والرشاوى..

ثلاثمائة ألف جنيه..

ليس في العام..

ولكن..

في الشهر..

وهذا ليس مرتبا مقابل عمل.. و إنما أجر نخاس يبيع شرفه وطلبة جامعته وعلمه..

لهذا فسدت الجامعة.. ووقفت مع الكفر ضد الإيمان.. مع الطغاة ضد الأمة.. وتبنت مناهج تعليم الغرب وكل وجهات نظره فينا فانفصلت عن الأمة وازدرتها.. وسقطت.

*** 

إنني أعيد التكرار والتنبيه أنني أذكر الأمثلة على سبيل الاستدلال لا الحصر..

و أن ما يحدث في الجامعة يحدث في كل مجال آخر.. ولعل ما يحدث في الأماكن الأخرى أشد بشاعة.

*** 

الذين لا يعينون في وظائف الجامعة وهم الغالبية العظمى ينقسمون إلى قسمين: الأغلبية الكاسحة تنضم إلى جيش العاطلين.. أما الأقلية التي رعاها الأمن.. الجواسيس والعملاء.. فإن الأمن يدفع بهم إلى أجهزة الدولة المختلفة ليواصلوا علاقاتهم وخدماتهم للأمن من أماكن أخرى..

من هذه الأماكن على سبيل المثال: الصحافة والإذاعة والتلفاز.. وتبدأ دورة أخرى من دوائر الفساد والإفساد.

أحد أصدقائي المقربين وكان يشغل منصبا هاما في صحيفة حزبية خاضت مع الحكومة معارك ضارية قال لي وهو ينفس عن همه:

- لقد خضنا هذه المعارك كلها و 60% من الصحافيين في الصحيفة يتبعون جهاز الأمن.

*** 

لقد توسعت في مأساة الجامعة لكي أقول الآن أن هذه الدورة تتكرر في كل مكان في ربوع الوطن.. الوطن الكبير من المحيط إلى المحيط.. قد تختفي بعض تجليات الظاهرة لتحل محلها أخرى.. وقد تختلف بعض تفاصيلها.. لكن الأمر هو هو.. ولست أدري كيف غاب العقل والضمير والدين على أجهزة الأمن تلك.. خاصة بعد ما تمزق الغشاء وانكشف الغطاء ولم يعودوا يستطيعون الادعاء أنهم يحمون مبارك أو الأسد أو عبد الله.. تمزق الغشاء وانكشف الغطاء وانفجرت الفضيحة لأنهم يهزمون أمتهم ويهدمون دينهم لصالح أمريكا و إسرائيل.

نعم..

في مثل بلادنا يدفع الأعداء الجيش والبوليس ليكونا كما أرادت لهما بروتوكولات حكماء صهيون.. أن يكون الجيش فئرانا مذعورة .. و أن يكون البوليس كلابا مسعورة.. و أن تكون الأمة شراذم محاصرة مأسورة..

*** 

بالطبع هناك استثناءات باهرة.. وكما يسقط الشيطان بالغواية العابدين يتنبه بعض العابثين فيئوبون إلى ربهم ويعودون إلى رشدهم ليسببوا للجهاز الغبي الباطش الجبار المشاكل.

من ناحية أخري لم يعد هناك أي معنى لاستقلال الأجهزة والسلطات ما دام 60% على الأقل  ممن يشغلون أهم المناصب يتبعون الجهاز الباطش الجبار.

نعم..

60% في مصر.. وحال مصر أفضل من سواها.. فإنني أحسب هذه النسبة في سوريا 80% أما في تونس فربما كانت 100%.

البلد الوحيد الذي برئ من ذلك إلى حد كبير هو شعبنا في الجزيرة العربية.. أحفاد الصحابة.. ولنلتفت إلى أن مهلة ولي العهد لم تؤثر إلا على ستة فقط..

ليس معنى ذلك أنني أدافع عن الجهاز الباطش الجبار في المملكة.. بل لعلى أدرك أنه أكثر جهلا وقسوة وإجراما جبروتا من نظيره  المصري– الذي كان معلما له في يوم من الأيام في مدرسة التعذيب الأمريكية-..ولا أقلل أيضا من خطورة الجواسيس والعملاء الذين يتسترون خلف مصطلحات كالإصلاحيين أو حتى العلمانيين.. أدرك خطورتهم خاصة عندما تدعمهم الدولة – زاعمة العكس- ويدعمهم الخارج.. إنما أقصد قوة إيمان أهلنا في الجزيرة.. ذلك هو الهدف الرئيسي الآن.. وهذا الهدف مطلوب تفتيته وتحطيمه.

*** 

أريد أيضا أن أقول لكم يا ناس أن ما نحسبه هجوما مفاجئا بعد 11 سبتمبر إنما هو هجوم قديم مخطط سبق الإعداد له منذ عشرات الحقب.. وأن له مئات الفروع والروافد.. فرع منها على سبيل المثال تحرير المرأة ( كل امرأة نادت بهذا المصطلح تقع بين الكفر والفسوق) لأن المقصود فعلا تعهير المرأة.. وفرع آخر حقوق الإنسان.. والمعنى بعد " أبو غريب" لا يحتاج لبيان.. وفرع يحمل اسم الديمقراطية ..و..و.. وأن كل هذا استعمل منذ استعمل لتفتيت وحدة الأمة.. كانوا يعلمون أن الإسلام هو الضام القوي الذي يكبح كل التناقضات وكانوا يخططون لدفع الأمة لتركه أو على الأقل لعزله في المساجد ليضعوا مكانه شعاراتهم الجوفاء التي خدعت البعض منا .. أما البعض الآخر فقد أقدم عليها وهو يعلم أنه الكفر..

تحت مظلة الإسلام وبمرجعيته لم تكن الكويت تستطيع الاستعانة بكافر على مسلم لكنها براية القومية الخفاقة في الوحل فعلت..

تحت راية الإسلام كان الأكراد يدافعون عن الدولة العثمانية وتحت راية القومية أصبح منطقيا أن يطالبوا بدولة.. قومية ( منطقيا.. ولكن ليس صوابا ولا حلالا).. نفس الشيء ينطبق على البربر والأفارقة.

 نعم الهجوم مخطط له منذ مئات السنين وينفذ بدأب شديد وصبر أشد كي لا يفلت العيار ويصحو المسلمون فينقلب السحر على الساحر..

في السودان على سبيل المثال.. سمحت بها أوروبا لمحمد على كي تلهيه عن تكوين دولة عربية ( دعنا الآن من الوحدة التي ربطت بين البلدين منذ أعماق التاريخ.. منذ تحتمس الثالث على سبيل المثال).. سمحوا بوحدة مصر والسودان لكن إلى حين.. وبدأت المناوشات بحوردون عام 1877   تمهيدا لاحتلال مصر نفسها عام 1882.. والضربة الثانية كانت اتفاق الحكم الثنائي عام 1898.. والضربة الثالثة كانت تصرفات انقلاب 23 يوليو في مصر تحت ضغط الأمريكيين والبريطانيين.. وكان موقف مصر الأحمق ضد الإسلام بلا عقل في السودان خاصة.. لأن الإسلام في السودان متعدد الأعراق والأديان هو السبيل الوحيد للمحافظة على الدولة.

المعول الأخير لتفتيت السودان يأتي على يد عسكري آخر هو البشير وهو الخطوة المكملة لما فعله صلاح سالم وجمال عبد الناصر.

يقول فاروق جويدة: " كان من أسباب الجفوة أيضا , محاولات الخلط بين التيارات الإسلامية في مصر والسودان .. ان الدين في السودان يختلف تماما عنه في مصر , لأن الشعب السوداني يعتبر الدين مصدر حماية أمام ضغوط كثيرة قادمة من الجنوب تساندها كيانات دولية ضخمة .. وكان الشعب السوداني يعتبر نفسه حامل راية الإسلام في القارة السوداء .. وفي الفترات التي اشتبكت فيها ثورة يوليو مع التيارات الإسلامية في مصر في مراحل مختلفة كان ذلك من أسباب التوتر في العلاقات المصرية ـ السودانية رغم أنه من الثابت أنه لا توجد علاقة ما بين التيارات الإسلامية في البلدين." [11]

كان اللواء محمد نجيب يفهم ذلك.. لكن جمال عبد الناصر لم يفهمه فساهم مساهمة كبرى في الدفع إلى الهاوية.. إلى تفتيت السودان. 

إذن .. عندما نتكلم عن تفتيت السودان اليوم لا بد أن نبدأ التفكير فيما حدث منذ مائتي عام على الأقل.

نفس الأمر ينطبق على تفتيت الجزيرة العربية و أي بلد إسلامي آخر.. وما توسعت في متابعة حال نموذج للإنسان مصري منذ ولادته إلا لكي أنبه و أحذر.. فكل دول عالمنا الإسلامي تسير على نفس الطريق وإن اختلفت المسافات التي قطعوها والمحطات التي يقفون الآن عليها.

*** 

نعود إلى مصر..

نعود إليها كنموذج لما سيصير إليه حال الجميع لو استمرت الأمور على ما هي عليه..

ذلك أن مصر لم تعقم.. ولم تستسلم كلها..

كان هناك دائما من يحاول الخروج على النمط الذي حددته أجهزة الأمن.. ولنقرأ معا ماذا يحدث لهم أو بالتحديد ماذا حدث لبعض الشباب الذي نهض لا لكي ينازع الطاغوت سلطانه – غير الشرعي- و إنما ليحتج على الغزو الصليبي الأمريكي للعراق..: 

"قالت ثلاث من أهم المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان اليوم إنه يجب على السلطات المصرية اتخاذ إجراءات فورية لوضع حد لما يكابده المتظاهرون ضد الحرب من الاعتقالات وصنوف التعذيب المستمرة". 

منال خالد , تحمل صورة زفافها الذي تم منذ عشرة أيام فقط .. القي القبض عليها وعذبت وتم تهديدها بالاغتصاب .

التقى المحامون بمنال خالد أثناء اقتيادها من قسم الشرطة؛ فقالت لهم، والدموع تنهمر من عينيها، إنها تعرضت لـ"علقة موت"، وإن الرجال يُسحقون سحقاً بالداخل. وفي وقت لاحق، قالت منال خالد للمحامين إن ضباط قسم الخليفة هددوها هي ومعتقلتين أخريين بالاغتصاب. وذكر أحد المتهمين، وهو جمال عيد، للمحامين في جلسة تجديد أمر اعتقاله إن الضباط ضربوه ضرباً شديداً بعصا حتى انكسرت على جسمه؛ كما قال إنه اشتبه في وجود كسر في ساعده فطلب عرضه على طبيب، ولكنه حُرم من الرعاية الطبية. 

هذا، وقد استمرت موجة الاعتقالات منذ اعتقال المئات من النشطاء والمتظاهرين، بالإضافة إلى المتفرجين والمارة، أثناء المظاهرات المتفرقة المناهضة للحرب التي جرت في شتى أنحاء القاهرة يوم الجمعة الموافق 21 مارس/آذار الجاري؛ وردت الشرطة على المظاهرات باستخدام القوة المفرطة، حيث تعدت بالضرب على الكثيرين من المشاركين فيها، واعتقلت أعداداً كبيرة منها. كما احتلت الشرطة مقر نقابة المحامين نحو ست ساعات، واعتقلت المحامين خارج المقر وداخله؛ واقتيد المعتقلون إلى معسكر الأمن المركزي في حي الدراسة وإلى المقر الرئيسي لمباحث أمن الدولة في حي لاظوغلي. وقد أُفرج عن بعض هؤلاء المعتقلين، فيما أحيل 68 آخرون إلى النيابة العامة أو نيابة أمن الدولة. غير أن عدداً غير معروف من الأشخاص لا يزالون رهن الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي، مما يشكل انتهاكاً لما ينص عليه القانون من ضرورة إحالة المعتقلين إلى مكتب النيابة في غضون 24 ساعة منذ القبض عليهم. 

ولا يزال العدد الإجمالي للمعتقلين ومكان اعتقالهم طي المجهول؛ فمن المحتمل أن يكون بعضهم لا يزالون محتجزين في معسكر الأمن المركزي بالدراسة، ويُعتقد أن البعض الآخر محتجزون في سجن طرة المحكوم؛ وثمة آخرون من المحتمل أن يكونوا محتجزين في مختلف أقسام الشرطة بالقاهرة. ومن بين المعتقلين ما لا يقل عن ثلاثة أطفال دون الخامسة عشرة وجهت إليهم نيابة قصر النيل الاتهامات يوم 22 مارس/آذار، بالإضافة إلى فتاة في السادسة عشرة من عمرها وجه إليها مكتب نيابة الأزبكية الاتهام. وقد تلقت منظمة هيومن رايتس ووتش في 21 مارس/آذار معلومات من المحامي جمال عيد، أثناء احتجازه في معسكر الأمن المركزي بالدراسة، مفادها أن ثمة أطفالاً في الخامسة عشرة من عمرهم محتجزين في زنزانة واحدة مع الكبار. 

وفي 23 مارس/آذار، اعتقلت السلطات المزيد من الناشطين، اقتيد الكثيرون منهم من منازلهم، ومن بينهم اثنان من النواب المعارضين في مجلس الشعب المصري. وأحيل سبعة من المقبوض عليهم، من بينهم النائبان المعارضان، في نفس اليوم إلى مكتب نيابة أمن الدولة. وفي صباح الثلاثاء الموافق 25 مارس/آذار، اعتُقل عدد غير معروف من طلاب جامعة القاهرة، واقتيدوا إلى فرع مباحث أمن الدولة بشارع جابر بن حيان في الجيزة. وادعى طالب أخلي سبيله أن بعض الآخرين الذين لا يزالون محتجزين هناك تعرضوا للتعذيب لإجبارهم على الكشف عن مكان كمال خليل، وهو من النشطاء ضد الحرب. 

وأعربت المنظمات الثلاث عن بالغ قلقها بشأن ما ورد من أقوال تفيد بتعرض المتظاهرين للضرب أثناء القبض عليهم ثم أثناء احتجازهم. وفيما يلي أمثلة من ذلك:

تعرضت الناشطة منال خالد والمحامي زياد عبد الحميد العليمي للضرب المبرح عند القبض على كل منهما في 21 مارس/آذار. وذكرت منال خالد أيضاً أن ضابط أمن الدولة العميد حسام سلامة هددها بالاغتصاب عقب القبض عليها. وقد التقى طبيب من مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف، وهو من المنظمات غير الحكومية المصرية، بكلا المعتقلين في قسم شرطة الأزبكية يوم 22 مارس/آذار، وقال لمنظمة هيومن رايتس ووتش إن منال خالد أصيبت إصابة خطيرة في إحدى عينيها، بينما كان العليمي مصاباً بكسر في الذراع. وقالت منال خالد للمحامين والنشطاء في 25 مارس/آذار إنها حرمت من حقها في أن تُعرض على طبيب شرعي لإثبات الإصابة؛ وقال لها مفتش صحة إنها مصابة بتجمع دموي أسفل العين اليمنى، ونصح بعرضها على طبيب عيون، ولكنه لم يعالجها ولم يتحقق من تلقيها الرعاية الطبية اللازمة. وذكر زياد عبد الحميد العليمي أن أحد مفتشي الصحة قال له إن ذراعه مصاب بثلاثة شروخ، ولكنه لم يعالجه ولم يتحقق من حصوله على الرعاية الطبية اللازمة. وقد تعرض كلاهما للضرب مرة أخرى لاحقاً في قسم شرطة الخليفة .. 

ورد أن خمسة معتقلين على الأقل قد تعرضوا للتعذيب بالصدمات الكهربائية في مقر مباحث أمن الدولة بلاظوغلي بين منتصف الليل والثانية والنصف من صباح السبت الموافق 21 مارس/آذار 2003. • تعرضت نورهان ثابت، وهي طالبة حامل بجامعة القاهرة، للركل أثناء القبض عليها في 22 مارس/آذار 2003، وأثناء احتجازها لدى الشرطة معصوبة العينين ومقيدة اليدين. 

من بين المعتقلين الثمانية والستين الذين أحيلوا إلى النيابة حتى الآن، عُرض 12 على نيابة الأزبكية، وصدر أمر باعتقالهم أربعة أيام على ذمة التحقيقات في 22 مارس/آذار؛ وتم تمديد اعتقالهم لمدة أسبوع آخر في 25 مارس/آذار. وأحيل 49 إلى نيابة قصر النيل ونيابة الجمالية، وصدرت بحقهم أوامر اعتقال لمدة 15 يوماً. أما المعتقلون السبعة الباقون فقد أحيلوا إلى نيابة أمن الدولة في 23 مارس/آذار؛ وصدرت ضد السبعة جميعاً أوامر اعتقال لمدة 15 يوماً، ومن المحتمل إحالتهم إلى محكمة أمن الدولة التي لا يجوز استئناف أحكامها، ولا يمكن نقضه إلا بأمر من رئيس الجمهورية. 

وقد وُجِّهت إلى جميع المعتقلين الثمانية والستين الذين أحيلوا إلى النيابة تهمة المشاركة في تجمهر لأكثر من خمسة أشخاص، بموجب قانون التجمهر الذي يرجع إلى عام 1914.

*** 

لقد تعمدت في المثل الذي أوردته على الفور أن لا يكون الضحايا  من الاتجاه الإسلامي.. 

تعمدت ذلك..

فلدي أجهزة الأمن في العالم الإسلامي فتوى من الموساد والمخابرات الأمريكية أن ذبح المسلمين واجب.. بل فرض..

والنموذج السابق يتعلق بطائفة واسعة من المجتمع.. ولم يكن ضد نظام الحكم.. ومع ذلك عومل بهذه القسوة..

إنني أريد أن أقول أن من فعل جهاز الأمن ذلك لصالحه..  هو الذي يملك أمر هذا الجهاز ويرأسه...

أمريكا و إسرائيل..

و أريد أن أقول أن خبرة الدولة المصرية الحديثة منذ محمد علي باشا سنة 1805 حتى اليوم قامت على سعي الدولة الحثيث لتفليس المجتمع وإفقاده قوته وقدراته الذاتية. فقد سعت الدولة المصرية إلى ترسيخ وجودها على حساب المجتمع، من خلال تدمير مؤسسات المجتمع الطبيعية أو الأصيلة [12]  ولما كانت الدولة مخترقة بالدول الأوروبية ثم ببريطانيا ثم بأمريكا ثم بالاتحاد السوفيتي ثم عادت إلى أمريكا مرة أخري فقد كانت الأمة تفتت باستمرار لصالح هذه القوى.

 

*** 

ويتناول تقرير المنظمة المصرية  المتابعة الميدانية لظاهرة التعذيب في مصر خلال الفترة من أبريل 2003- أبريل 2004 . وفي هذا الإطار، رصدت المنظمة (42) حالة تعذيب داخل أقسام ومراكز الشرطة بينها (16) حالة وفاة توافرت لدى المنظمة شكوك قوية أنها نتيجة التعذيب وإساءة المعاملة.

كما يتناول هذا القسم أيضاً قراءة تحليلية لظاهرة التعذيب في مصر خلال الفترة من 1993-أبريل 2004 ، وفي هذا الإطار رصدت المنظمة حوالي (412) حالة تعذيب من بينها (120) حالة وفاة توافرت لدى المنظمة شكوك قوية أنها نتيجة التعذيب وإساءة المعاملة.

ورغم رصد المنظمة المصرية لاتجاه الحكومة بإحالة قضايا التعذيب إلى القضاء منذ عام 2000 ، إلا أنه يلاحظ إصدار أحكام قضائية مخففة على المتهمين بسبب القصور التشريعي في مواجهة ظاهرة التعذيب .

وأوضح زارع في مداخلته بان مركزه قد سجل العام الماضي 1124 حالة تعذيب ضد مواطنين ارتكبت داخل مراكز الشرطة او في مقرات جهاز أمن الدولة المصري، مشيرا إلى أن هناك اكثر من 70 وسيلة تعذيب يتم استخدامها في هذه الأماكن.

      ومن ناحيته دافع اللواء فؤاد علام رئيس جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق عن سجلات الشرطة التي نفي أنها تمارس التعذيب بشكل منهجي. وقال علام أثناء الندوة التي يأمل المشاركون ان تركز الانتباه علي قضايا التعذيب قد تكون هناك سلبيات ولكن هذا لا يعني أن الصورة قاتمة تماما .

***  

فؤاد علام هذا من كبار الجلادين وقيل أنه قتل بيديه الكثيرين منهم الشهيد كمال السنانيري زوج شقيقة الشهيد سيد قطب..

جلاد من كلاب النار..

( ويا أخي المهندس محسن من الجزيرة العربية.. توصيني بعدم السب.. وتجعلني أكشف لك أمرا.. فو الله ما أسبهم للتنفيس عن ضيق.. ولا للتعبير عن غضب.. ولكنني أخشى أن يفلتوا من عقاب الأرض – مع يقيني بعقاب السماء- فأحاول استدراجهم لرفع قضايا سب وقذف ضدي كي أستطيع إثبات جرائمهم وكشف الستر عنها.. ويعلم الله أنني أفعل ذلك مدركا أنني يمكن أن أُسجن في أي مرة فحال القضاء والنيابة ما تعلمون.. وعلى كثرة وقسوة ما أسبهم فلم يجرءوا أبدا على مقاضاتي إلا مرة واحدة في قضية " وليمة لأعشاب البحر عندما سببتهم بأشد الألفاظ قسوة .. بل وذكرت آباءهم أيضا( أرجوك أن تراجع صحيح الجامع في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في سباب بعض المشركين على آبائهم) ومع ذلك انسحبوا من المحكمة مذعورين خوفا من أن تدينهم المحكمة: وتذكر أن من حكم بكفر نصر حامد أبو زيد كانت محكمة النقض وليس الأزهر).

***  

ولنتناول في تقرير آخر ماذا حدث للإسلاميين:

"تعذيب متهمي الإخوان المسلمين في مصر"

القاهرة:سامح سامي

  تقدمت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أول أمس ببلاغ للنائب العام حول واقعة تعذيب سبعة من المتهمين في القضية رقم 462 لسنه 2004 حصر أمن دولة عليا المعروفة باسم " تنظيم الإخوان المسلمين".

  أفادت فيه بأن المذكورين متهمون في تلك القضية ومحبوسون على ذمتها حبساً احتياطياً ورغم ذلك تم اقتيادهم بمقر مباحث أمن الدولة فرع مدينة نصر ولذلك توجه محامو المنظمة لحضور تحقيقات النيابة معهم أثناء نظر أمر استمرار حبسهم احتياطياً وذلك يومي 12 و13 /6/2004. وأثناء عرض المذكورين على نيابة أمن الدولة العليا أثبت المذكورون أمام النيابة وقائع التعذيب وبحضور وشهادة محامو المنظمة حيث أنه بتاريخ 3/6/2004 تم إخبارهم أنهم مطلوبون لاستكمال التحقيقات وتم اقتيادهم من محبسهم بسجن مزرعة طرة إلى سجن الاستقبال حيث مكثوا هناك قرابة الأربع ساعات حتى تم نقلهم من سجن الاستقبال إلى مقر مباحث أمن الدولة بمدينة نصر.

وذكر التقرير أنهم تعرضوا للعديد من ممارسات التعذيب منها :

1- تكبيل أيديهم من المعصم في الوضع خلف الظهر كما تم وضع عصابات صوفية سميكة على أعينهم لحجب الرؤية.

2- نزع ملابسهم عنهم بالكامل وظلوا على هذا الوضع المهين طوال الفترة الممتدة من 3/6 وحتى 10/6/2004.

كما أفادوا بأنهم ظلوا في وضع التكبيل من المعاصم طوال فترة الاحتجاز و التعذيب مما أعاقهم عن الكثير من العمليات الحيوية اليومية اللازمة للإنسان كقضاء الحاجة أو الاستحمام فضلاً عن صعوبة النوم في هذا الوضع. 

3- الصعق الكهربائي في مختلف أنحاء الجسد على النحو التالي:

-الوضع "إستاكوزا" وفيه يتم توصيل الأسلاك في أطراف أصابع القدمين وفي الرأس مما يتسبب في مرور التيار الكهربائي في الجسد دورة كاملة. 

-الوضع "أبو غريب" وفيه يتم توصيل التيار الكهربائي في كل من الأعضاء التناسلية وحلمتي الصدر للمعذبين.

4- التعليق من الذراعين و القدمين على ماسورة حديدية في وضع يسمى "الشواية". 

5- التهديد بإحضار الزوجات والإناث من الأبناء وتعريضهم للإيذاء الجنسي على أيدي ضباط مباحث أمن الدولة ومعاونوهم.

هذا فضلاً عن الضرب بالأيدي والركل بالأرجل في سائر أنحاء الجسم والصفع المتواصل على مؤخرة الرأس و الرقبة والخدين لمنع المعذبين من التفكير والإجابة بشكل مرتب أو منظم. 

وقد نجم عن هذه الأساليب التعذيبية إصابة البعض منهم بالإصابات التالية : محمد إسماعيل سعد: يعاني من تبول لا إرادي نتيجة صعقه بالكهرباء في عضوه الذكري لفترات طويلة. هذا فضلاً عن أن المذكور يعاني من ربو شعبي ويحتاج دائماً لوجود البخاخة الطبية في متناول يديه وهو ما منع منه وعندما أصيب بنوبة سعال حادة قام الضباط بإفراغها في الهواء بالقرب من وجهه وسط ضحكاتهم المستهزئة بمحاولته المستميتة لاستنشاق أكبر قدر من العقار من الهواء وذلك على حد ما جاء بأقواله.

مصطفى طاهر الغنيمي: أصيب بكسر في يده مع عدم مقدرته على الوقوف لمعاناته من اختلال في التوازن نجم عن الصفع المتواصل على الأذن.

محمود زين العابدين: أصيب بكسر في الذراع الأيمن.

خالد عيد الشامي: مصاب بكسر في الضلوع.

وقد شهد محامو المنظمة الكثير من أوجه التعسف مع المتهمين حيث رفض السيد رئيس النيابة من مناظرة إصابات المواطن/ محمد إسماعيل سعد.

*** 

وانظر أيها القارئ إلى تلك الوحشية الفاجرة الكافرة.. لأن كل مسلم بل كل إنسان على ظهر الأرض قد أدمى ضميره ما حدث لإخوتنا في أبو غريب..

لكن وحوشنا يسمون نوعا من أنواع التعذيب باسمه جرأة على الله وعلى حدوده.. جرأة على الوطن وعلى الأمة وعلى الدستور وعلى القانون.. أي قانون حتى قانون الطاغوت المعلن.

ودعوني هنا أصدر فتوى أخري:

إن مرتكب الكبيرة لا يكفر.. إنه فاسق أو عاص.. ولكن من يعذب إنسانا كي يرده عن دين الله ويصرفه عن الإسلام فهو كافر.. وأظن أن ذلك هو ما تفعله أجهزة أمننا من الرباط إلى جاكرتا.. و أرجو أن يعذر بعضهم بالجهل.

*** 

       أوصيك يا أمة مع بداية أي تغيير في أي بلد من بلادك ألا تغفري لهذه الحيوانات المتوحشة أبدا.. و أن تحاكميهم في كل جريمة ارتكبوها لتقيمي فيهم حدود الله..

*** 

لطالما حيرتني ظاهرة التعذيب في بلادنا.. فالشمول والوحشية والاتساع والفجور الذي اتسمت به لا يعود إلى أي فترة من تاريخنا.. ولا حتى في الجاهلية.. و إن كان ثمة صلة مع الماضي فهي تشبه اضطهاد الرومان للموحدين من أقباط مصر.. أما في العصر الحديث فليس لها سوي أب واحد ولدت منه سفاحا.. هذا الأب هو المخابرات المركزية الأمريكية.

*** 

نعم..

الشكل واحد.. والمواصفات واحدة..

ولقد فشلنا في كل شئ حاولنا نقله عن الغرب.. إلا الأمن.. وهذه الطرق الوحشية المسعورة في امتهان البشر وخداعهم والكذب عليهم..

فشلنا في كل شئ لكننا نقلنا عنهم القسوة الوحشية المجنونة والخسة التي لا حدود لها وافتقاد المنطق والعقل والضمير..

*** 

وقد علق د. الشيخ محمد بشار الفيضي، عضو شوري هيئة علماء المسلمين في العراق على مثل هذه الخسة والوحشية بقوله:

 إن سلوك القوات الأمريكية في حصارها للفلوجة ربما لم يسجل مثيل له في تاريخ الحروب. فالقوات الأمريكية لم تقتل العراقيين من أهالي الفلوجة بالمئات بل أيضا احتلت مقبرة المدينة ومنعت أهلها من دفن شهدائها، ولم توقع اكثر من ألف جريح بين سكان المدينة فحسب بل أيضا احتلت المستشفي الرئيسي للمدينة ومنعت علاج الجرحى، ولم تفرض حصارا محكما علي مدينة الثلاثمائة ألف نسمة فقط، بل دمرت الإمدادات والمؤن التي أرسلتها مدن العراق الأخرى لإعانة وإغاثة أهلهم في الفلوجة.

وأضاف الضابط أن القوات الأمريكية تعتبر العراقيين غير آدميين‏,‏ ولا تشعر بأدنى قدر من القلق للخسائر في الأرواح بين المدنيين‏.‏ وأكد الضابط أن القوات الأمريكية تهاجم أي منطقة تنطلق منها قذائف تستهدف جنودها‏,‏ حتى لو كانت تلك المنطقة مأهولة بكثافة سكانية عالية‏,‏ وهو ما تحظره القواعد العسكرية البريطانية‏.‏

ووصف الضابط موقف الأمريكيين بأنه مأساوي‏,‏ ومثير للرعب‏,‏ ومخجل للغاية‏.‏ وقال‏:‏ إن القوات الأمريكية لا تقتل الإرهابيين فقط‏,‏ ولكنها تقتل وتشوه المدنيين.. 

وليس هناك أي غريب أو جديد إلا لأن نخبنا العاهرة قد خدعتنا بالحضارة الأمريكية لزمن طويل..

أما الواقع فهو أن الشعب الأمريكي هو أكثر شعوب العالم عبر التاريخ إجراما وانحطاطا وخسة [13].

ولنقرأ أيضا ما يقوله باسل ديوب:

110 مليون إنسان قتلوا من الهنود الحمر ثمناً لصعود إمبراطوريتهم، التي عمدوها بدم السكان الأصليين الممزوج مع صفحات صفرٍ من التلمود والعهد القديم،استندوا إليه في تبرير جرائمهم الخسيسة، وقد تفننوا بقتلهم قبل اختراع أسلحة الدمار الشامل، فقد توصلوا إلى أول سلاح جرثومي في التاريخ، حيث كانوا يقذفون معسكرات الهنود الحمر ومدنهم (كان لديهم حضارة مدنية حقيقية ) بالجثث المصابة بالطاعون والأمراض السارية، حتى تفتك بهم، و كان الأمريكي الأبيض يفخر بجراب تبغه المصنوع من جلد العضو الذكري للهندي الأحمر الأسير، وهكذا بنوا إمبراطوريتهم. [14]"..

*** 

يا للوحشية والخسة..

حتى عندما لا يكون للوحشية مبرر ولا للخسة داع:

 كان الأمريكي الأبيض يفخر بجراب تبغه المصنوع من جلد العضو الذكري للهندي الأحمر الأسير، وهكذا بنوا إمبراطوريتهم.

*** 

هل تشعر بالاشمئزاز والقرف أيها القارئ؟‍..

ألم تحس بصلة النسب بين الحيوان الأمريكي المتوحش الذي فعل هذا وبين الحيوان المصري المتوحش الذي ابتدع طريقة أبو غريب في التعذيب؟‍..

يحسب للأمن السعودي فضيلة عدم المجاهرة بالفحشاء والإثم رغم أن فعله لا يقل ضراوة ووحشية.

هذه السمات المشتركة كما قلت لكم يا قراء دليل لا يدحض على صلة نسب السفاح بين أجهزة الأمن الإسلامية وبين الجهاز الأمريكي الباطش السفاح.

عندما نتأمل عمليات التعذيب الوحشية المجنونة التي تمارسها سلطة تدعي الإسلام ضد المجاهدين سنتذكر على الفور ما مورس في مصر ضد الإخوان عام 1954..

نفس المنهج ونفس الخسة ونفس المخطط ونفس الأهداف..

أيامها كانت السلطة في مصر تكذب وتشهر للقضاء المعنوي على الإخوان بعد سحقهم الجسدي.. وكان ذلك كله بالاتفاق مع أمريكا.

نفس الشيء تفعله السلطات السعودية الآن..

وفي عام 1957 لم تكتف السلطة الباطشة الجبارة بما فعلته فدبرت مذبحة كبرى لإخوان في السجن..

و إنني أظن.. و أحسب أن ظني صحيح أن كثيرا من المذابح التي تحدث في السعودية الآن مفتعل من قبل السلطة بتدبير الأمريكيين لإبطال الجهاد واستئصال شأفة المجاهدين.

نفس ما حدث في المنشية..

ولقد نشرت في مقالتي الماضية شهادة يوسف معكرون عن مذبحة طرة.. والآن أستكمل هذه الشهادات لأختمها في مقالي القادم إن شاء الله.. 

و أذكرها لا لنبش الماضي ولا استعادة المحن ولا إثارة الإحن بل لأفضح ما يزال يمارس حذو النعل بالنعل في القاهرة والرياض ودمشق وبغداد ,..و..و..

أذكرها لتعلموا كم تكذب بيانات الشرطة وكم تدلس النيابة وكم يظلم القضاء..

أذكرها لا لكي تضموها إلى مقتنيات الذاكرة بل لتعلموا أن ما يحدث اليوم أمامكم يتضمن نفس الكذب والظلم والتدليس.. ولتعلموا أن ولي العهد يسير على خطى عبد الناصر و أخشي أن تنتهي المملكة إلى ذات الكارثة : شعب مضروب واقتصاد منهوب ووطن مسلوب.

و إلى مذبحة طرة:

شهادة الأستاذ مصطفى مشهور:

'في سنة 1957م كان عبد الناصر يخطط لخلع الملك حسين عن طريق الضباط الإخوان في الأردن، فكشفوا هذا المخطط، وأفشلوه فاغتاظ منهم، وأراد أن ينتقم منهم، ومن الإخوان المسجونين في طرة، ففي طرة كان السجناء يخرجون إلى الجبل، لتكسير الحجارة، ثم يعودون، والمريض منهم يأخذ تصريحاً طبياً، كيلا يخرج إلى الجبل. 

وذات يوم صدر الأمر بخروج جميع السجناء إلى الجبل، السليم منهم والمريض، فاستغرب الإخوان هذا الأمر، وشكوا في أسبابه، فلم يخرجوا. 

كان رد إدارة السجن أن مجموعة من الجنود يحملون الرشاشات، دخلوا على الإخوان في الزنازين والعنابر، وصوبوا الرشاشات نحوهم بعشوائية همجية، فاستشهد منهم واحد وعشرون شهيداً، وسميت 'مذبحة طرة"..

شهادة الأستاذ إبراهيم قاعود:

في أول شهر يونيو عام 1957 وقعت هذه الجريمة البشعة والتي شهدتها زنازين ليمان طره وجرت وقائع هذه الجريمة بعد تدهور العلاقات بين مصر وسوريا وقال عبد الناصر : إن الإخوان المسلمين في سوريا لهم دخل في هذا وكانت يده لا تصل إلي الإخوان في سوريا فصب جام غضبه على الإخوان في مصر وطلب من الضباط أن يضايقوا الإخوان أشد المضايقات (...)  فاستدعوا فرق المتطوعين في الجيش بأسلحتهم ووقفوا على سطح العنبر وأخذوا يطلقون النار على من فيه ثم دخلوا إلي الزنازين فقتلوا 22 في تلك الجريمة البشعة وانتهى الأمر بحفظ التحقيق في هذه القضية وقالوا : إنها ثورة في سجن وانتهت المسألة [15] .

وكان (ليمان طرة) أحد تلك السجون التي دخلها الإخوان في سبيل دعوتهم وفكرتهم.. وكان به ما يقرب من (183) أخًا معظمهم من الشبان صغار السن، من طلاب المدارس الثانوية والجامعات الذين كان للشهيد محمد يوسف هواش فضلَ تجميعهم وتنظيمهم بعد أحداث 1954م أثناء فترة هربه.

كما كان يوجد بالسجن بعض الإخوان القدامى من الرعيل الأول كالحاج أحمد البسّ، والذي كان محكومًا عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة.

كما كان من نزلاء السجن أيضًا من الإخوان الشيخ حسن أيوب، والأستاذ حسن دوح، وفي مستشفى الليمان كان يوجد الشهيد سيد قطب، والشهيد محمد يوسف هواش.

وكان يتولى مسئولية الإخوان داخل الليمان الحاج أحمد البسّ، ويعاونه ستة من الإخوان هم (الشيخ حسن أيوب، الأخ حسن دوح، عبد الحميد خطاب، حامد قرقر، عبد الرازق أمان الدين، عبد الحليم حسين).

وكان من تكاليف الإخوان في الليمان الخروج يوميًا للجبل لتكسير الحجارة ونقلها.. حسب كمية معينة مطلوبة منهم تتراوح بين (40- 80) متر مكعب يوميًا.

وكان يقوم على إدارة الليمان مجموعة من أسوأ الضباط.. كانت تحمل للإخوان حقدًا وكراهية شديدة منهم (عبد العال سلومة، عبد الله ماهر، عبد اللطيف رشدي)، وكان مدير الليمان في ذلك الوقت اللواء سيد والي الذي قاد المذبحة بعد ذلك.

التمهيد للمذبحة

افتُعلت مجموعة من الأحداث كانت بمثابة استفزازات للإخوان حتى يوجد المبرر لتنفيذ المذبحة:

- أول هذه الاستفزازات كانت في يوم الأربعاء 22/5/1957م، مُنع الإخوان من صلاة الجماعة في فناء عنبرهم بصورة استفزازية، ثم مُنعت صلاة الجماعة في الأدوار الخاصة للإخوان، ثم مُنعت صلاة الجماعة داخل الزنازين بنفس الصورة.

- وفي يوم الخميس 23/5/1957م مُنع لعب الكرة الذي كان مرخصًا به بنفس الطريقة.

- وفي يوم الجمعة 24/5 ظلَّت الزنازين مغلقة على الإخوان حتى صلاة الجمعة.

- وفي يوم السبت 25/5 حدثت مشادة بين الضابط "عبد العال سلومة" وثلاثة من الإخوان دون داعٍ سوى الاستفزاز.

- وفي يوم الأحد 26/5 قال هذا الضابط نفسه مهددًا بتصريحات غريبة (فيه أوامر عالية بجر الإخوان لمعركة نخلص فيها على ثلاثين.. أربعين..)، وكرر هذه التصريحات بصورة مستفزة.

- وفي يوم الأربعاء 29/5: أثناء إحدى الزيارات لعدد من إخوان شبرا، أخرجت إحدى الأخوات "دجاجة" وأعطتها لأخيها الأخ: عبد الغفار السيد، فثارت ثائرة الضابط عبد الله ماهر وصرخ بصوت مستفز "ممنوع أخذ أي شيء من الزوار"، وأنهى الزيارة.. ووضع القيد الحديدي من الخلف في يد كل أخ من الذين كانوا في الزيارة، وأرسلهم إلى زنازين التأديب وأُرسل أهاليهم إلى قسم شرطة طرة، واتُهموا بإحداث شغب أثناء الزيارة.

- وفي يوم الخميس 30/5 مُنعت الزيارات الخاصة بالإخوان بدون مبرر.

- وفي يوم الجمعة 31/5 أغلقت الزنازين حتى الصلاة، وفي المساء أخرجوا الإخوان الموجودين في مستشفى الليمان، وأعادوهم إلى العنابر، ونبهوا على الجميع بضرورة الخروج للجبل في اليوم التالي: السبت.

أحداث المذبحة (1/6/1957)

في يوم السبت 1/6 والذي حدثت فيه المذبحة.. كان تفصيل الأحداث كالتالي:

"رأى الإخوان أن يتخلصوا من هذه الحالة التي لا تراعي فيها الإدارة أي قانون من قوانين السجون فكتبوا طلبًا للإدارة.. لطلب النيابة للتحقيق فيما يجري معهم، وحددوا ما يطلبون باعتبارهم مسجونين سياسيين على أكثر تقدير.. وسُلِّمت شكاوى بهذا المعنى لكاتب العنبر لتأخذ خط سيرها الروتيني.. وانتظر الإخوان داخل الزنازين حتى العاشرة صباحًا.

ثم طلبت الإدارة أربعة منهم (أحمد ألبس، عبد الرازق أمان الدين، حسن دوح، عبد الحميد خطاب)، وأدخلوهم حجرة وكيل العنبر، فوجدوا مدير الليمان وحوله الضباط، وبيد كل واحد منهم مسدسه، وبعد فترة من الحديث ذهب مدير الليمان إلى مكتبه ومعه الضباط وتركوا الإخوان الأربعة في حراسة بعض الجنود.

وبعد فترة ليست طويلة فوجئ الإخوان بإحضار عدد من السلاسل الحديدية، وبدءوا في سلسلة الإخوان فيها، ثم أخذوا يفتحون الزنازين فيخرج من كل زنزانة ثلاثة من الإخوان يُفتشون ثم يُسلسلون في السلسلة، وهكذا حتى تَمَّ سلسلة خمسة عشر أخًا، وعلى أثر إهانة أحد الضباط لأحد الإخوان، رفض هؤلاء عملية السلسلة هذه، وصعدوا إلى الدور الثالث من العنبر؛ حيث كان يقيد الإخوان وأبواب الزنازين مغلقة عليهم، فاختطف أحدهم- "الشهيد علي حمزة"- المفتاح من الجاويش، وفتح جميع الزنازين، وخرج الإخوان.

وهنا فشلت الخطة التي دبرتها إدارة السجن لإخراج الإخوان بالسلاسل إلى الجبل ثم ضربهم هناك بدعوى قيامهم بالتمرد ومحاولة الهروب، ففكرت الإدارة في خطة أخرى نُفذت بعد ساعتين من فشل الخطة الأولى، وعند صلاة الظهر أُغلقت جميع زنازين الليمان.. ما عدا زنازين الإخوان.. الذين بدءوا الاستعداد لصلاة الظهر.

وفجأة دخلت الكتيبة العنبر، وصعد عدد منهم إلى الدور الرابع الذي يعلو الدور الثالث الذي يسكن فيه الإخوان.. ومن الدور الأول أطلق أحد الضباط طلقة كانت بمثابة إشارة البدء في المذبحة فصاح أحد الإخوان: "فشنك"، ولكن توالى إطلاق النار وسقط بعض الإخوان مضرجين في دمائهم.. وعندئذ صاح أحدهم: "الضرب في المليان يا إخوان.. ادخلوا زنازينكم.. وأغلقوا الأبواب عليكم"، فأسرع الإخوان إلى داخل الزنازين وأغلقوا الأبواب عليهم، واستطاع بعضهم أن يسمكر الأبواب عليهم.

وعندما دخل الإخوان الزنازين صعد بعض الضباط ومعهم جاويش، فكان الجاويش يفتح باب الزنزانة فيدخل الضابط فيطلق النار على مَن فيها بمسدسه، أما الزنزانة المغلقة فيضع في فتحة الزنزانة فوهة مسدسه ويطلق النار على مَن بداخلها، واستمر إطلاق النار ساعة أو أقل قليلاً، بعدها خيم صمت رهيب على الليمان، والجميع في ذهول، واستمر هذا الصمت الرهيب والإخوان في ذهولهم.. بين قتيل مضرج في دمائه.. ومصاب جرحه ينزف.. وثالث ذهب عقله.. ورابع لا يدري هل هو ميت أو حي!!.

وبعد توقف الضرب فتح باب المخزن، وهجمت قوة من الضباط والعساكر على مَن فيه، وأطلقوا عليهم الرصاص، وأجهزوا على الجرحى والمرضى منهم بالشوم، ثم انطلقوا إلى المخزن الآخر، ولكن بابه قد أغلق بفعل رصاصة سمكرت الباب، فذهبوا إلى الزنزانة المجاورة للمخزن الثاني، وأجهزوا على كل مَن كان فيها، ثم صدرت إليهم الأوامر بالانسحاب.

وبقيت هذه الحالة حتى جاء الليل.. وبدأت حركة داخل العنبر بدخول الحراس وفي أيديهم الشموع؛ يبحثون عن حصاد المذبحة.. وكان الحصاد 16 قتيلاً.. و22 جريحًا.

ووقف الحراس والضباط في الطريق الموصل إلى المستشفى يجهزون على المصابين ضربًا بالعصي الغليظة؛ حتى انضم عدد من الجرحى إلى القتلى.. فأصبح عدد القتلى (21) قتيلاً، واتجه تفكير إدارة السجن إلى تفسير الحادث على أنه اشتباك بين الإخوان بعضهم البعض وأن بعضهم قتل البعض الآخر بالسكاكين.. وبناءً على ذلك أخذوا يوسعون مكان الطلقات حتى تكون كالطعن بالسكين، ثم أرادوا أن يصوروا الحادث على أنه اعتداء من الإخوان على الحراس.. ولكن لم يكن بين الحراس حارسًا واحدًا مصابًا.

ولذلك لم يستسغ وكلاء النيابة أيًّا من هذين التفسيرين.. مما اضطر المسئولون إلى استبدال وكلاء النيابة بضباط مباحث تنكروا في هيئة وكلاء نيابة، وحفظوا التحقيق في المذبحة. 

وبعد ذلك دخل على المحققين "صلاح الدسوقي"، الذي كان يعمل وقتها أركان حرب وزارة الداخلية، وقال موجهًا حديثه لمدير الليمان سيد والي: "برافوا يا أبو السيد.. أنا كنت متأكد إن مفيش حد يقدر يقوم بهذا الأمر إلا أنت.. أنتم ماخلصتوش عليهم ليه؟!"، فاطمأن الضباط وعلت وجوههم الابتسامات.

وقد فسر الضابط "أحمد صالح داود" ضابط المباحث العامة والذي حضر المذبحة لأحد الإخوان (الأخ محمد الشيخ) أسباب المذبحة بقوله: "إن سبب المذبحة هو أن الإخوان المسلمين بالأردن وقفوا ضد جمال عبد الناصر؛ بأن أفسدوا انقلابًا دبره ضد الملك حسين، فانتقم جمال عبد الناصر من إخوان الأردن بضربكم هنا في مصر".

وكانت النتيجة النهائية للمذبحة كالتالي: 21 شهيدًا.. 23 جريحًا.. 6 فقدوا عقولهم 

وأرسلوا لأسر الشهداء لاستلام جثثهم بشرط ألا يعلم عن موتهم أحد، وألا تقام لهم جنائز، ويتم دفنهم ليلاً بحضور أحد الأقارب، وبقيت مقابرهم تحت الحراسة مدة لا يقترب منها أحد [16]

شهادة الدكتور محمد مورو رئيس تحرير مجلة المختار الإسلامي

وهي شهادة ينقلها لنا الصحافي النابه  أحمد عبد الهادى 

قال مورو : 

أبى كان عضوا في الإخوان وقد استشهد في السجن عام1957 في حادث طره .. حيث كان الإخوان معتقلين أيام عبد الناصر .. وعندما اندلعت حرب 1956 طلبوا المشاركة في الحرب حيث قدموا مذكرات لإدارة السجن بذلك .. وكان أبى من بينهم .. وكل الذين قدموا هذه الطلبات تم تصفيتهم إما بالتعذيب أو رميا بالرصاص من غير محاكمات .. 

كانت تهمة أبى أن أحد أصدقائه اعتقل ضمن المعتقلين من الإخوان وكان أبى يعمل وقتها في هيئة قناة السويس وكنا نقيم في الدقى .. وحرص أبى على إرسال نصف مرتبه لعائلة صديقه المعتقل عن طريق حوالة بريدية متصورا أن المروءة غير مجرمة .. 

وكان أبى وقتها قد شارك في معارك الإخوان عام 1951 في معارك القناة ضد الإنجليز .. 

ونظرا لحرص أبى على إرسال نصف المرتب تم اعتقاله .. والتهمة تمويل الإخوان .. وكانت صدمة له لم يصدقها وهو ما دفعه إلى الصدام أكثر من مرة مع إدارة السجن والمحكمة .. ويهتف ضد النظام في قلب المحكمة فقد فاض الكيل به .. وحكى الكثيرون عنه .. وعن قوتة ومواجهته للظلم الذي حاق به ورفض كتابة ثمة التماس للخروج . 

وعندما تقرر تصفية الإخوان داخل الزنازين هرول داخل إحدى الزنازين ولما لم يستطع إغلاقها بالترباس وقف خلف الباب بقوة لمنع الحرس من اقتحامها لتصفية من فيها فأطلقوا عليه الرصاص وتركوا زنزانته ومن فيها .. وكل من في الزنزانة نجا إلا هو فقد تلقى الرصاص في جسده نيابة عنهم . بينما تم تصفية الكثيرين منهم في الزنازين الأخرى. 

شهادة الشهيد سيد قطب

أودع سيد قطب ليمان طره (السجن الذي يضم المئات من شباب الإخوان) ، ولقد شهد بأم عينيه مذبحة الإخوان في ليمان طره عندما فتحت الحكومة الرشاشات على الإخوان حيث قتل من عنبر واحد ، واحد وعشرون من شباب الإخوان والتصقت لحومهم بالحائط ، ومن شاء الاستزادة فليقرأ  كتاب (أقسمت أن أروي لروكس معكرون) [17]. 

يذكر سيد قطب رحمه الله في مذكراته: (أنه أوحى إلي  بعض الأفراد بفكرة انساق إليها ببله وصار يروّج لها وهي الخروج من السجون بالقوة، وعرض هذا على بعض القيادات الإخوانية فرفضته بشدة وعنف وشتم ونهر هذا الإنسان، ثم علم بهذا معروف الحضري - وكان قائداً في الجيش وأبلى في حرب فلسطين بلاءً حسناً وكان معتقلاً في السجن مع الإخوان - فقال لي بعصبية: هذه دسيسة لتدبير مذبحة كبرى للإخوان في السجون وفي الخارج.

ثم يقول سيد قطب: وحوكمت وذهبت إلى سجن ليمان طرة وذهبت إلى مصلحة السجن لمرضي، إذا بقائد كتيبة الليمان في سجن طرة وهو الصاغ يزورني على غير معرفة سابقة ويحدثني في ضرورة تخليص الإخوان الذين هم في السجون لأنهم هكذا يستهلكون تماماً وخصوصاً هؤلاء الذين يقطعون الأحجار في جبل طرة مع كبار المجرمين، ومع معرفتي أن هذا الضابط لم يكن في يوم من الأيام من الإخوان. ثم مع إلحاحه وقوله أنه كقائد للكتيبة يضع نفسه وأسلحة الكتيبة تحت تصرفنا لأنه لم يعد يطيق منظر طابور الإخوان في الجبل، تذكرت خطط الدسائس المتكررة وذكرت قول معروف الحضري: دي دسيسة لتدبير مذبحة كبرى للإخوان في السجون والذين في الخارج جميعاً، وقلت له: إحنا متشكرين على عواطفك ولكن نحن نرى إننا أدينا واجبنا وانتهت مهمتنا بدخول السجن ولم نعد نستطيع عمل شيء فمن أراد أن يعمل من غيرنا فليعمل، فانقطعت زيارته ثم وبعد ذلك بأيام اتهم الإخوان في السجن بأنهم يعصون الأوامر ودخلت كتيبة السجن بأسلحتها لتطلق النار على الإخوان في الزنازين بدون ذنب ويقتل منهم أكثر من عشرين فرداً من الإخوان في مجزرة رهيبة عدا الجرحى!!) [18].

*** 

***  

ونواصل الشهادات في المقال القادم إن شاء الله

*** 

*** 

 

حاشية

الإخوان المسلمون

كبرى الحركات الإسلامية، والحركة الأم، وقد كنت دائما مع المناصحة الخافتة الهامسة، وكانت لي ملاحظات عديدة لكنني كنت أقول لنفسي أنها الحركة التي دفعت ضريبة الجهاد والاستشهاد والتضحية والصبر و أن من حقها أن تختار لنفسها طريقها الذي تشاؤه فقد أجهض بنيانها الضخم ثلاث مرات ومن حقها أن تحاول تجنب إجهاضه مرة أخرى ( دعنا الآن من اعتقادي أن أسباب إجهاضها لم يكن لأنها بادرت بالعنف .. بل على العكس.. أنها لم تبادر به) وكانت نصيحتي وتعليقي للإخوة الخارجين عليها ألا يهاجموها أبدا.. فليجاهدوا كما شاءوا  وليسيروا في طرق موازية وليسبقوها إذا استطاعوا ولكن عليهم ألا يبخسوا الحركة الأم حقها و ألا يهاجموها، خاصة أن بعض المنشقين لم يكونوا سوى اختراقات من أجهزة الأمن عجزوا عن جرف الحركة عن مسارها فانشقوا عنها  لإحداث انهيار فيها، بالإضافة إلى آخرين تحركوا بإيعاز من أجهزة الأمن وعلى وعد وغواية أن السلطة التي ترفض الإخوان رفضا استراتيجيا يمكن أن تعتبرهم كحل وسط تقبل التعامل معه، ستقبل التعامل معهم هم وتحلهم محل الإخوان. وهناك فصيل ثالث أجهده الجهاد فأصيب بما يشبه جنون العظمة الذي خيل له أن الإخوان حركة منافسة له أو لحزبه، وحزبه لا يتجاوز بضعة مئات أو آلاف على الأكثر.. وعلى ذلك بنى سياسته لمناوأتها ومنافستها فكان كالضفدعة التي راحت تعب الماء كي تصبح في حجم الفيل فانفجرت. وقد تناول مركز الدراسات الاستراتيجية في الأهرام ظاهرة الأحزاب الصغيرة  ليقرر: وفي الفترة من 1990 حتى 2002 تم إنشاء أحد عشر حزبا جميعها من الأحزاب الصغيرة التي لا تتعدى عضويتها ما بين 100- 400 عضو.. [19]..

ومن المحزن أن العلاقات بين أشباه الأحزاب المنشقة والحزب الحاكم أفضل بكثير من علاقتها بالحزب الأم، بالإخوان. بل إن أحد قيادات هذه الأحزاب أو الجماعات كتب عن: إلهام حسني مبارك، و أتبعه بالحديث عن إجرام الإخوان المسلمين!!..

كنت أرقب كل هذا بحزن.. وكنت أنظر في إعجاب مشفق إلى جهد الإخوان في تربية أفرادها تربية دينية يكون خلقهم فيها القرآن.. كنت أرى المثالب والعيوب، ونصاعة النظرية وعتامة التطبيق..

 وبرغم حبي و إعجابي وتقديري للبطل المجاهد أيمن الظواهري إلا أنني كنت أظن أنه ظلم الإخوان في كتابه عنهم ( مع وضع كافة التحفظات لاحتمال تحريف صحيفة الشرق الأوسط لكتابات الظواهري)  لأنه تجاهل في حكمه عليهم فقه الواقع، كما تجاهل الطريقة البشعة الهمجية الكافرة الفاجرة التي ووجهوا بها، و أن ذلك لا بد أن يكون قد ترك بصماته عليهم، و أن هذه البصمات ليست بالضرورة صوابا. لكنني كنت أخشى في نفس الوقت أن يتجاهل الإخوان كل أنواع الفقه إلا فقه الواقع.

***  

كنت أرقب جهود الإخوان المسلمين التربوية فيملأني الإعجاب والأسى..وكان ذلك يذكرني بنابليون بونابرت في منفاه في سانت هيلانة.. لم تدخر بريطانيا وسعا في أن تكلف أمهر الأطباء بعلاجه.. لكنها من ناحية أخرى كانت تدس له السم بجرعات محسوبة بدقة ليموت في الوقت المناسب لها سياسيا ( و أظن أن هذا ما تفعله أمريكا الآن مع الرئيس العراقي الحالي والسابق صدام حسين).

في هذا الوضع.. هل تستطيع براعة الطبيب مهما كانت أن تعالج المريض؟!..

في مثل هذه الحالة فإن المجرم القاتل يعرف كل شئ ويحدد دائما الوقت الذي يهاجم فيه ويقتل..

و أظن أن المثل لا ينطبق على علاقة السلطة بالإخوان فقط.. بل على علاقة أمريكا بالعالم الإسلامي كله.. الدواء بيد والسم بيد وميل الميزان لهذا أ ذاك هو الذي يحدد ميعاد الوفاة. دون أي احتمال في أن يستعيد المريض عافيته، وكلما طالت المدة، ازداد استهلاك المريض لمدخراته واحتياطاته لتصبح التجربة غير قابلة للتكرار.

انظر مثلا إلى قيام إسرائيل بتدمير المفاعل النووي العرقي.. تركته أعواما  حتى أنفقت العراق مئات الملايين ودربت العلماء وكانت قاب قوسين فإذا بالغارة تهدم كل شئ.

والآن حين ننظر إلى الواقع: إن الإخوان يقدمون لشباب الأمة الغذاء الصالح لتربيتهم.. أما السموم فثمة ألف يد تقدمها.. فصفوت الشريف جزء وفاروق حسني جزء ومكتبة الأسرة جزء والفضائيات جزء والإذاعة جزء والصحف جزء والمجلات جزء ومكتبة الأسرة جزء.. وخطباء المساجد – التابعين لأمن الدولة – جزء.. و أمن الدولة أجزاء و أجزاء.. و..و..و..

*** 

لكم أزعجني تحذير الكاتب الأمريكي المسلم جيفري لانج [20] حين كتب تحذيرا وثيق الصلة بما نحن فيه.. فقد كتب يقول أنه لنا أن نفرح بالأعداد المتزايدة لمن يعتنقون الإسلام كل عام  في الولايات المتحدة الأمريكية.. لكن.. علينا أن ننزعج إلى أقصى حد من عدد الذين يتسربون من الإسلام من أبناء الجيل الأول من المسلمين.. وقدر جيفري لانج  نسبتهم بـ90%.. فهؤلاء يكونون مسلمين بالاسم فقط دون شعائر ولا فروض.. بل ودون إيمان.

هذا بالضبط ما أخشاه.. أن  يحاول الإخوان تربية الشباب.. والدولة بقوتها الأسطورية مدعومة بالمخابرات الأمريكية واتحاد الدول الأوروبية و إسرائيل تقدم للشباب السم..

هل ستجدي تربية الإخوان؟!.

لو أن الإخوان ظلوا يربون الشباب والشابات ألف عام فهل سيمنع ذلك جندي الأمن المركزي من منع الناخبين من الوصول إلى صندوق الانتخاب؟ وهل سيمنع العاهرات اللائى يجلبهن الأمن للاعتداء على المحصنات العفيفات اللائى يذهبن للإدلاء بأصواتهن ؟.

ولو أنهم ظلوا ألف عام يربون الناس وظل كمبيوتر الداخلية يزور الانتخابات  فهل يمكن أن يشاركوا في السلطة في أي وقت؟.

نعم ..

تلك هي المعضلة.. ولست أملك لها حلا جاهزا  لكن على الحركة أن تجد حلا..

*** 

وعندما أتى الأستاذ محمد مهدي عاكف كنت معجبا بحيويته وقدرته الواسعة على المناورة مما أربك السلطة الغشوم فردت بالاعتقال والتعذيب والقتل – إهمالا-.. لكنني كنت أخشى أن توقعه المناورة في أخطاء شرعية، و أخشى أن يكون قد وقع في بعضها.

وتمنيت أن يترك جزءا من هذه المناورات للصف الثاني والثالث كي لا تحسب على الحركة ككل.

وفي هذه الأثناء روعني تصرفات بعض رجال الصف الثاني والثالث حين بدا أنهم لا يعرفون قيمة الإخوان المسلمين في الشارع الإسلامي .. في الجغرافيا وفي التاريخ أيضا.. فبدا أنهم يتسولون اعتراف الآخرين بهم.. و أنهم يبحثون عن أي قناة تربط بينهم وبين الشرعية ( وهي شرعية لا شرعية لها على الإطلاق) وكان الأمر بالنسبة لي يشبه إنسانا توضأ ليذهب إلى المسجد ليصلي..و أتي من يصحبه إلى المسجد عبر قبو ممتلئ بالخبث.. حتى إذا وصل إلى المسجد وصل وقد انتقض وضوءه وفسدت صلاته إذا صلى.

وصل الأمر بهؤلاء البعض إلى مخالفات شرعية صارخة كجواز أن يكون حاكم مصر مسيحيا وجواز تكوين أحزاب تدعو إلى الإلحاد.

إنني أعتقد أن الأمر أمر استدراج للإخوان المسلمين بسد جميع المنافذ أمامها وترك منفذ واحد فقط لإرغامها على السير فيه. هذا الطريق هو طريق القوميين. وهذا الطريق هو طريق الهلاك.

*** 

ما أسمعه الآن مزعج.. 

المرشد العام أكبر من أن يذهب إلى أحد إلا في سبيل الله..

والأمر ليس كبرياء مرذولا و إنما استعلاء المؤمن..

 ولو سبقت زيارة المرشد تصريح من الطرف الآخر بأنه يرتضى الإسلام  لرحبت بأن يذهب المرشد إليه ولو كان أشعث أغبر..

مكانة المرشد يجب أن تكون كمكانة الإمام المجاهد العز بن عبد السلام حين أتاه من يعده أنه إذا ذهب إلى السلطان وقبل يده فسيعفو السلطان عنه.. فإذا بالعز يجيب: يا مسكين أنا لا أرضى أن يأتي السلطان إلى ليقبل يدي فأعفو أنا عنه فكيف أقبل أنا يده؟!..

السلطان وليس خدم السلطان – مهما ادعوا معارضته- ..

لقد أدركت أروى صالح فكيف لا ندركه نحن..

اليساريون والقوميون والنظم الحاكمة و أمريكا و إسرائيل مجتمعون على أمر واحد لا يختلفون فيه أبدا: هو العداء للإسلام.

أقول أن الأستاذ محمد مهدي عاكف يجب أن يتردد كثيرا لو دعاه الرئيس مبارك على سبيل المثال للاجتماع به.

 فإذا كان هذا الذي يذهب إليه المرشد هزيلا لا وزن له ولا قيمة وكان غارقا في الأوحال والخطيئة  كان الأمر أنكى و أمر.. وليكن لنا في موقف المرشد الأسبق المستشار حسن الهضيبي عظة و عبرة حين غضب من رئيس الوزراء الذي وعده بلقاء منفرد ثم فوجئ ببقية الأحزاب تحضر الاجتماع فغضب واحتج.. و أعتقد أن فهمه لدور الحركة كان صحيحا.. وإن الذي تفعله السلطة الباطشة الغاصبة طول الوقت بإيحاء من الصليبيين واليهود لحشر الإخوان المسلمين في حزب يمكن القضاء عليه فيه هو ما يستدرج الإخوان الآن إليه..

إن كاتبا من كتاب التيار الذي يخطب المرشد وده كتب في صحيفة القدس العربي  يقول: "أطلقوا العنان لحرية الأفراد في إمتاع أجسادهم، فتفرغ خيالهم وتفرغت طاقاتهم لتستهلك في صنع التقدم بعد أن حرروا أجسادهم .. وكانت تلك الخطوة بحق .. أم الحريات!" ولم يقل لنا الكاتب الهمام ماذا نفعل فيمن لا يحسون بالمتعة إلا في التزوير أو التعذيب أو البقاء في السلطة إلى أبد الآبدين.. هل نترك لهم العنان ليتفرغوا للإبداع بعد ذلك.

هكذا يري هذا القومي العلماني الناصري اليساري المشكلة وحلها فهل ثمة مشترك بين الإخوان المسلمين وبينه.

إن الحركة القومية تحتضر .. أما الشيوعية واليسارية فقد ماتت وتعفنت و إن كانت لم تدفن بعد. فهل من الحنكة أن نتحالف معهم الآن؟؟

الحركة القومية تحتضر..و رغم ذلك فإنها الاختيار الأمريكي الوحيد.. لأنها البديل الوحيد عن الإسلاميين.. ولأن أمريكا قد جربتهم أكثر من نصف قرن وكانوا دائما عند حسن ظنها فقد كسبت بعدائهم أكثر مما كسبت بصداقة غيرهم – فضلا على أن العداء كان في العديد من المراحل مجرد تمثيل وذر للرماد في العيون..

للحركة القومية واليسارية جذور عميقة في العمالة وعداء الإسلام.. وحتى من الناحية البراجماتية فلن يسفر التحالف معهم إلا عما أسفر عنه منذ خمسين عاما.. حين تحالف الإخوان  مع العسكر فسرق العسكر منهم الشرعية وسحقوهم..

بمصطلحات الدنيا فحركة الإخوان مثل الدستور يجب أن تكون فوق الأحزاب جميعا.. بل ولا يمكن أن ينشأ أي حزب إلا بعد إقراره باحترام الدستور..

الحركة أكبر كثيرا من أي حزب.. وتحالفها مع أي حزب علماني يعطيه شرعية لا يستحقها  وينقض شرعيها كما ينقض الخبث الوضوء....

إنني أرحب بل و أتمنى التحالف مع أي حركة أو اتجاه بشرط وحيد: هو أن يعلنوا أن مرجعهم الإسلام.. فقط.

لا أطلب اعتذارا من هذا – لا تزر وازرة مثل أخرى- ولا توبة من ذاك – هلا شققت عن قلبه؟..

لكنني أضع شرطا واحدا.. هو المرجعية الإسلامية.. وليس مقبولا أن تتجاوز أي مناورة هذا الخط الأحمر..

والأمر ليس موقفا من هذا ولا ذاك – ولو كان ما شان- بل إنني أطالب بنفس المطلب لو كان هذا التحالف مع الوفد.. فالوفد هو الآخر حزب علماني.

ولا أملك إلا أن أقول للإخوان ولفضيلة المرشد ما قاله المرشد الإمام حسن البنا حين قال: "إنه لا يخاف على الإخوان من مكر أعدائهم، ولكن يخاف عليهم من أنفسهم واختراق صفوفهم". [21]

 

*** 

*** 

 

حاشية

هيكل

هستيريا البكاء والضحك..

تذكرني الحلقات التي تذيعها قناة الجزيرة بموقف لا أنساه رغم اعتراضي عليه، ذلك أنني أبغض الهذر عامة، أما في الجنائز فهو يكون بالنسبة لي في بشاعة الكبائر، وقد كانت هذه العلة القادحة الذميمة داء أصاب أحد زملائنا من الأطباء ولنرمز إليه بالرقم (1)، وذات يوم كان طبيب جراح  لنرمز إليه بالرقم (2) قد أجرى عملية جراحية خطيرة لوالد زميل ثالث  لنرمز إليه بالرقم (3). ونفذت مشيئة الله سبحانه وتعالى  وتوفي المريض. وفي استقبال المعزين في سرادق العزاء وقف الزميل رقم (1) يستقبل العزاء مع أسرة المتوفى، وكلما صافح أحدا أشار إلى الطبيب الذي أجرى الجراحة (2) وهو يقول:

- -          هذا هو الدكتور العظيم رقم (2)  الذي مات المرحوم على يديه الكريمتين!!.. 

وما بين الدهشة والحرج والغضب وواجب إكرام المجامل  مرت ساعة أو ساعتان، لكن، في النهاية ، انفجر الغضب الجامح، وكان على الزميل رقم ( 3 ) أن يحمي زملاءه من علقة ساخنة فدفعهم إلى حجرة معزولة حبسهم فيها ثم أصابته نوبة من هستيريا الضحك والبكاء.

*** 

تردد في مسامعي صدى هستيريا البكاء والضحك تلك و أنا أرقب الإخراج المهيب لحلقات الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل على شاشة قناة الجزيرة..

كانت عيناي تبحثان عن الزميل (1) – عليه رحمة الله -  أو من يحل محله  وهو يقدم الكاتب الكبير قائلا:

- -          هذا هو الصحافي الأشهر الذي ماتت القومية على يديه الكريمتين..

أو:

- -          هذا هو الصحافي الأعظم الذي حدثت النكسة أثناء اشتراك سيادته في الحكم..

أو

- -          هذا هو المفكر الأكبر  الذي صاغ فلسفة الثورة والميثاق على أسس ماركسية..

أو

- -          هذا هو الفيلسوف العظيم الذي ساعد السادات.. فانقلب السادات عليه وعلى عبد الناصر أيضا..

أو

- -          هذا هو الرجل الذي عاصر مذابح السجن الحربي وليمان طرة وكرداسة فلم يحتج..

أو

- -          هذا هو الرجل الذي عاصر العصف بالوفد والإخوان والديموقراطية ولم يعترض..

- -          أو هذا الذي أعدم عبد القادر عودة وسيد قطب في زمنه فلم ينبس ببنت شفة اعتراض.

*** 

ولو أردنا المقارنة بين الطبيب (2) وهيكل لكان للطبيب عذره فالطبيب ليس ضامنا لشفاء المريض و أنه لا تثريب عليه ما دام قد راعى الأصول الطبية.. فإذا لم يراع الأصول الطبية ينزع منه القانون الحصانة الطبية بل ويضاعف له العقاب.. وهذا الوضع الثاني.. هو الذي ينطبق للأسف على محمد حسنين هيكل!..

*** 

هيكل.. اشترك في الفعل ككاتب رئيسي ( بل الكاتب الرئيسي) ومفكر الثورة الأشهر عشرين عاما حيث وصل فيها إلى أعلى درجة يمكن أن يطمح فيها مفكر.. درجة الفعل المباشر.. درجة الإبرام والنقض فوق سلطات الدولة..  بل إنني في كثير من الأحيان أنحو نحو هيرودوت عندما قال أن مصر هبة النيل لأقول أن عبد الناصر هبة هيكل.. بل إنني أفسر العلاقة بينهما ( بين عبد الناصر وهيكل) كالعلاقة بين مؤلف روائي وبطل روايته، كنجيب محفوظ وكمال عبد الجواد على سبيل المثال. فليس عبد الناصر سوى بطل رواية ألفها هيكل.

بعد هذين العقدين من الزمن  تربع هيكل في صدارة الثقافة والفكر ثلاثة عقود أخرى من الزمان..

إن كانت خمسون – بل ستون -  عاما من الصدارة في الحكم والسياسة والثقافة لا تكفي لتحقيق مشروعه فكم كان يريد؟..

كم كان يريد؟!!

عمر نوح عليه السلام؟!..

وحتى لو منحه الله عمر نوح فما هو الضمان لكي لا يأتينا بعد ألف عام إلا خمسين عاما  بما يشبه قصيدة الرثاء في عالمه العربي ( عالمه.. ولا خطأ.. فعالمه العربي يختلف عن عالمنا العربي!)..يبكى فيها خرائبه وينعي أطلاله.

إن هيكل يبدو حكيما جدا بعد حدوث الكارثة.. ولست أنسى حزني منذ نيف وثلاثين عاما إذ قرأت له أن الأمر لم يكن أمر الضربة الجوية عام 67، ولو أن الطائرات المصرية كانت كلها في الجو لسقطت جميعا، كان الفارق الوحيد سيكون في طول مدة السقوط في الحالة الثانية..

هذه الحكمة بأثر رجعي لا تعيد اللبن المسكوب أبدا..

وكل افتراضات هيكل حتى لو كانت صحيحة – وهي بالقطع غير ذلك – ليست سوى دواء صحيح وصل بعد موت المريض. 

*** 

سوف نعود إلى هيكل بعد ذلك، لكننا الآن نلمس نتوءات عارضة كي نفرغ منها.. 

من هذه النتوءات أن كاتب القومية الأشهر لا يتحدث إلى قومه بلغتهم الجامعة الفصحى بل يتحدث بالعامية المصرية.. وهو كما نعلم ويعلم مطلب أمريكي الآن.. وكان مطلبا انجليزيا منذ أكثر من قرن من الزمان.

لقد كنت – وما زلت – أحد المعجبين بمحمد حسنين هيكل.. لكن إعجابي لم يكن بوجهه السياسي على الإطلاق.. على العكس.. كنت دائما أحمل الانتقاد لهذا الوجه والحذر منه، أما إعجابي فقد كان ببلاغته وحرصه على سلامة لغته حتى أننى أطلقت عليه منذ الستينيات أنه: نجيب محفوظ يكتب في السياسة.

ولو أن الأمر متعلق بسواه لسامحته ولالتمست له العذر في أنه يخشى أن يلحن في القول لذلك يفضل العامية، أما هيكل، ببلاغته ، فإن حديثه بالعامية يشكل موقفا.

نتوء آخر.. لا ألومه كثيرا عليه لأسباب لابد أن يفهمها القارئ.. وهو أنه في تحليله الشامل الجامع المانع للأحداث جعل من أمريكا سقف الكون ، مما دفعني للتساؤل:

- -          أين الله في عالمه.. أين دين أمته في عالمه.. أين دين قومه بعد لغتهم؟!!.

لقد بدا أن المتحدث ليس الأستاذ محمد حسنين هيكل.. بل اللورد هيكل أو الخواجة موهامات.. وبدت فكرته عن الجهاد والاستشهاد مروعة في سطحيتها حتى لو كان القائل هو اللورد أو الخواجة.. وإلا ماذا تقولون في مفكر لا يعرف للعمليات الاستشهادية من دافع إلا اليأس.. لم يعرف أبدا قدر الشهيد عند ربه ولا حلاوة التضحية في سبيل الله ولا طعم الطاعة..

لقد أحسست طول الحلقات أن مهمة هيكل طول الوقت ليس إثبات أي شئ.. بل نفي الإسلام.. ولأن الإسلام شاء هو أم أبي.. وشئنا نحن أم أبينا فإن الإسلام هو محور الصراع كله.. وهو محور الصراع لأنه البديل الأفضل الذي يهدد فلسفات الغرب بمحوها.. فإذا شاء هيكل أن ينفي الإسلام فإن ملحمة الصراع والمبارزة تتحول إلى " مسخرة " معتوه يبارز الهواء.

نتوء أخير – لهذا المقال- : كان هيكل يتحدث عن مشروعات الإصلاح.. وقال أنه لا يحمل أي عقد تجاه الخارج لأنه مصري عربي ينتمي للعالم ( لم يذكر الإسلام)   وأنه لا يعاني حساسية ضد مشروعات إصلاح من الخارج بل ويرد على من يستنكرها بقوله أن مشروعات الإصلاح الداخلي مطروحة منذ عشرات الأعوام فلماذا لم يأخذ بها أحد.. ولماذا نرفض مشروعات قد تكون في صالحنا.

ثم أضاف هيكل جملة خانته فيه قدرته الفذة على التحكم في مخارج الحروف وعلى ملامح وجهه المصاحبة لنطقه..

قال هيكل: " أنا قلت لإخوانا في أمريكا إنتو بتحرجو..." ثم توقف جزءا من الثانية مع اختلاجة مراجعة من جفنيه منعته من أن ينطق بما لا يجوز النطق به، بدا لي أن التكملة الطبيعية التي كاد ينطق بها: " أنا قلت لإخوانا في أمريكا إنتو بتحرجونا..." لكنه بعد توقفه لجزء من الثانية تراجع عن هذه الصياغة ليقول: " أنا قلت لإخوانا في أمريكا إنتو بتحرجو.. أصدقاءكم في مصر." وكان المعني أنه يعاتبهم على الجهر والإرغام .. وفضح الأصدقاء.

*** 

سوف نلجأ في مقالات تالية إلى المرحوم جلال كشك.. وإلى فؤاد زكريا عليه من الله ما يستحق و إلى إحسان عبد القدوس غفر الله له و إلى أروى صالح وصافيناز كاظم و إلى سيار الجميل و إلى مايلز كوبلاند عليه لعنة الله لنسمع شهاداتهم في هيكل.. لا لتجريحه بل لقاء الضوء على شهادته ومشروعه الفكري وبيان ما فيه من قوة أو عوار.

*** 

بعد موت السادات، أطلق هيكل تعبيرا عنه راح مثلا، حين قال:

- لقد مات حين مات..

والتعبير بالغ الإيجاز والإيحاء والقسوة، وكنت أحسب أنه لا يوجد في هذا الصدد تعبير أقسى من ذلك، لكنني رحت أتمتم لنفسي معلقا على حديث هيكل في الحلقات الأربع الماضية:

- سبحان الله.. قد مات قبل أن يموت..!!..

ثمة إحساس يرعبني دائما، عندما أرى - ولو بالتخيل – بصمات القدر وقد تخلت عن خفائها..

و أحسبني أراها مع هيكل في برنامجه في قناة الجزيرة..

لقد افتتن به الكثيرون.. وكانت فتنة..

أما الآن فإني أرى القدر يكشفه وينهي فتنته..

*** 

*** 

حاشية

صدام حسين

لم أقل كلمة مدح فيه قبل عام 1990..

ولم أقل كلمة قدح فيه بعد 1990..

لكننى أعتب على من يواصل إدانته كما لو كان يشك في أن تتسع رحمة الله لغفران ذنوبه..

أشهد أنه أفضل من أي حاكم عربي آخر.. و أن الفرق بينه وبينهم هو الفارق بين الطاغية والمرتد.. وهو فرق كما ترون عظيم.

منذ عقد ونيف من الزمان كنت أظن أن مقارنته بعبد الناصر إهانة لعبد الناصر..

الآن أحسب أن المقارنة إهانة لصدام حسين..

مشهد محاكمته كان مذلا ومهينا لكل مسلم وعربي وكان أيضا مسمارا أخيرا في نعش القانون الغربي وفضحا نهائيا لدعاوى حقوق الإنسان.

أما السلاسل التي ظهرت تحيط بجسده ويديه ( ولا تقارنوه بالسفاح الصربي الأبيض) فقد استدعت لذاكرتي على الفور المزمور 149 من مزامير داود:

"ليفرح إسرائيل  بخالقه. وليبتهج بنو صهيون بملكهم. ليسبحوا اسمه برقص، وليرنموا له بدف وعود، لان الرب راض عن شعبه. وهو يجمل الودعاء بالخلاص ليبهج الأتقياء بالمجد، وليرنموا على مضاجعهم، تنويهات الله في أفواههم، وسيف ذو حدين في أيديهم، كي ينزلوا نقمتهم بالأمم، وتأديباتهم بالشعوب، ويأسروا ملوكهم بقيود، وأشرافهم بأغلال من حديد، وينفذوا فيهم الحكم المكتوب".

نعم..

الحكم المكتوب أيتها الأمة الراكعة لغير الله..

الحكم المكتوب أيتها الأمة الخانعة المستذلة..

ثم يأتي الخنازير لينكروا أنها حرب دينية.

*** 

*** 

حاشية

جمال البنا مرة أخرى

لا يستحق جمال البنا إلا التحذير منه، مع التنويه إلى نقاط قليلة:

- -          أنه ممن يسمون أنفسهم بالقرآنيين وهم ينكرون الحديث كله ( السنة كلها).

- -          أنه و إن كان شقيقا للإمام حسن البنا فهو ليس من أهله.

- -          تستغل المجلات والمؤسسات الملحدة انحراف فكره فتروج له وتستكتبه.

- -    أجهزة الأمن مغرمة بالضغط على أسر الزعماء الإسلاميين لتحطيمهم ولتقديم نقطة سواد تشوه الصورة، كالضغط على زوجات المعتقلين لطلب الطلاق، أو العكس كما حدث بمنتهى الدناءة والخسة من ضغط على زوج المجاهدة زينب الغزالي، حيث ضغطوا عليه وهددوه، ولم يحتمل الرجل الضغط فطلق، ولم يحتمل الطلاق فمات!!. وسوف نلاحظ اصطيادهم لشقيق أو ابن لتشويه صورة العائلة أو الشوشرة عليها.

- -          أصدر الأزهر بيانين يتهم جمال البنا بالخروج عما هو معلوم من الدين بالضرورة.

- -    أصدر الرجل أكثر من مائة كتاب.. وتوزيعه ضعيف جدا. ولعل القراء يذكرون في مقال سابق لي كيف نبهتهم إلى أن أجهزة الأمن تستقطب كتابا للكتابة لها .. وبمكافآت مجزية.

ولتحذير القراء من سموم فكر جمال البنا المنحرف  فإنني أورد مقتطفات من حديث له أجراه معه  أشرف عبد الفتاح عبد القادر يقول فيه:

يجب الفصل بين الدين والدولة وحذف "الإسلام  دين الدولة" من الدستور

أنا ضد إرسال مجاهدين إلى العراق.

• بوش أفضل من صدام.

• لم يفرض الإسلام الحجاب على المرأة، بل فرض الفقهاء الحجاب على الإسلام.

• كل فتاوى الأئمة عوائق لتحديث الفكر الإسلامي.

• أراد الإسلام الإنسان وأراد الفقهاء الإسلام.

• فكر وفقه القدماء لا يصلح لعصرنا.

• أطلقوا علىّ في الصغر لقب "الفيلسوف".

• فشلت في حياتي العملية لأني رجل فكر.

• أخي عبد الباسط مؤلف أغاني لعبد الغني السيد.

• لو عاش حسن البنا لجدد الدعوة وأذهل التقليديين.

• ثورة يوليو هي انقلاب عسكري "للأحذية العسكرية" وليست ثورة.

• الإسلام أقر حرية الاعتقاد والتعددية.

• من يكفرون الكتاب والمبدعين مجانين.

• الخلافة انتهت بموت عمر وليس بموت علي.

• كلام سيد قطب عن الحاكمية الإلهية كلام فارغ وحلم مستحيل.

• ما يسميه المسلمون خلافة كان ملكاً عضوضا.

• آية الجزية شذت عن باقي الآيات ولم يطبقها الرسول ولا الخلفاء من بعده.

*** 

*** 

حاشية

أبو مصعب الزرقــــاوي

رعاك الله وحفظك و أيدك بنصره: أثخن فيهم..

عندما احتل النازي – وهو بالقطع أفضل من القرصان المجرم بوش – بولندا وظلت وارسو على عنادها في مقاومة الاحتلال حتى توجت ذلك بانتفاضتها الشهيرة في أول أغسطس عام 1944 حين نجح رجال المقاومة في السيطرة على العاصمة لمدة ثلاثة وستين يوما.، وفقدت خلالها وارسو مائة وخمسين ألف قتيل في ملحمة قتالية أشبه بالأساطير.. وما أن استعاد الألمان سيطرتهم على العاصمة حتى شرعوا في طرد كافة سكانها إلى خارج المدينة تمهيدا لتطبيق الخطة النهائية للتخلص من المدينة (المحروقة) وقد كان تعداد وارسو قبل الحرب يبلغ 000، 300. 1 نسمة قتل منهم أثناء سنوات الحرب والاحتلال الخمس 800 ألف نسمة.. [22]..

فأثخن فيهم يا أبا مصعب فلا وارسو أعز ولا الإسلام أقل.. فليبلغ الشهداء ما يبلغون.. المهم ذبح الخنازير الأمريكية والبريطانية – وقبلها: العراقية-..

ألم يمت منا مليون في الحرب مع إيران.. ومليونان في الحصار.. لا تجزعوا من عدد الشهداء إذن.. واقتلوهم أينما ثقفوا..

*** 

*** 

حاشية

قناة الجزيرة

أقترح لمواكبة الحداثة والمودة  وللمزيد من المودة مع الأمريكان أن نختصر اسمها إلى: 

J N N

ولست أدرى موضوع الحلقة القادمة لأحمد منصور.. وربما  تكون عن الرقص الشرقي. أقترح فصل فيصل القاسم و أحمد منصور وتعيين هالة سرحان ووائل الأبراشي مكانهما.. فهذا أكرم للقناة ..

كلما رأيتهم وبالذات فيصل القاسم وأحمد منصور  على القناة راحت عيناي تبحثان عن سلاسل تقيدهما.. تماما كالسلاسل التي رأيتها تقيد صدام حسين.. ورغم أنني لم أر تلك السلاسل على ملابسهما إلا أنني واثق من وجودها.. ربما تحت الملابس.. وربما تحت الجلد..

وعار عليك يا إدارة الـــ.. الــ.. الــ.. J N N ..

*** 

*** 

*** 

*** 

بريد القراء 

 

اعتذار إلى القراء

 

لأسباب عديدة  اضطرب البريد في الفترة الماضية، منها طول المقالات بحيث لا يتسع المجال معها للبريد، ومنها فيروس أصاب جهاز الكمبيوتر عطلني و أفقدني بعض الرسائل، ومنها أن بعض الرسائل رغم روعتها لا يمكن نشرها لأسباب قانونية فهي تتحدث عن حكامنا بما يستحقون، ومنها أنني أقوم بالرد على البعض ردودا خاصة.  واليوم أحاول الاعتذار جزئيا بنشر بعض الرسائل، و أبدؤها برسالة أظنها مرسلة من الـF B I :

*** 

 

 

الرد الى:  peacefully@yahoo.com 

 

بسم الله الرحمن ألرحيم

 

أخي وعزيزي وزميلي في ألأسلام والخندق والمهنه

ألسلام عليكم وجزاكم الله خيرا في كل ماتقوموا به للرجوع الي ربنا والخروج من هذه  ألمذله 

أرجوكم ألمساعده بخصوص  ألمساهمه لأهلنا في رفح  اتباعا لمنشور ألجمعيه ألخيريه " ألأحسان "  وتجدوا منشورهم في صفحه هذا ألعدد من صحيفه ألشعب الوقوره

بالتحديد أريد   ألعنوان ألألكتروني  لهذه ألمنظمه حتي يكون بيننا تبادل المعلومات أي بما يفيد  باني مثلا أرسلت تبرع ما الي حسابهم فيلزم أن أرسل لهم نسخه ألتحويل حتي يستطيعوا متا بعه  الحواله وأن يتمكنوا باثبات الحواله وتفاصيلها من حيث  تاريخ التحويل و كميه المبلغ وهكذا و كذلك ليفيدوني بوصول الحواله ليطمئن قلبي . لأنه من الصعب أرسال فلوس الي حساب ا بالبنك بدون امكانيه تتبع مصير  وسلامه ألتحويل لذلك  أقترح ألنظر في أقتراحي هذا وان تنصحهم بأن ينظموا عمليه جمع التبرعات بحيث انه المتبرع يستطيع ألأطمئنان بسلامه وصول التحويله الي حساب ألجمعيه وامكانيه التدخل في حاله ضياع أو تعسر دخول التحويله الي حساب المستفيد ولا أعرف طريقه أحسن من العنوان ألألكتروني

وشكرا وألسلام عليكم

د. عمر ألسراج

  

 والرد:

إن بعض الظن إثم.. بعضه وليس كله.. أعتقد أن هذه الرسالة بفجاجتها وغبائها مرسلة من الــFBI .. لقد تركتها دون تصويب الأخطاء.. والأسلوب يشير إلى مبتدئ في اللغة.. هل سمع أحدكم مسلما قبل ذلك ينادي مسلما بـ:زميلي في الإسلام؟!.. كما أن المتن يشير إلى قدر لا يتصور من الغباء والاستهانة بذكائنا.. فهو يظن أننا سنمده بأختام و أرقام و أسماء بنوك..

لكنني أطمئنه و أطمئن الـFBI الحقيرة الفاجرة  أن التبرعات لم تنقطع أبدا عن إخوتنا ولن تنقطع إلا إذا استطاع الصليبيون والصهاينة  أن يقطعوا الاتصال بيننا وبين الله..

فهل يستطيعون؟!..

قل لهم أن التبرعات مستمرة.. والجهاد متواصل حتى نطرد آخر خنزير من بلاد المسلمين.

ملحوظة: المقصود بالخنازير: اليهود والأمريكيون..  وأيضا رجال الـFBI.

ولا سلام عليهم ولا رحمة من الله ولا بركة

د محمد عباس

 

      *** 

 

أخى الدكتور محمد عباس

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يعز على ألا أشارك برأى تطلبه من قرائك، ولكنى لم أفهم جوهر الخلاف! أعلم أنك تعارض القومية والأحزاب القومية - وأنا معك فى هذا - ولكنى لا أعلم شيئا عن الأمور السياسية والتحالفات التى تذكرها، لذا لا أستطيع أن أدلى برأى.

كل ما أستطيع أن أقوله هو أننى أكره أن تترك الكتابة فى "الشعب". إن مقالك بجانب المقالات الأخرى يشكلوا ثروة، إذا انتثرت قلت قيمتها!

أدعوا الله أن يوفقك إلى ما فيه الخير.

محمد طاهر

يا أخي في الله:

ربما تجد في المقال جزءا من الرد، أنا لا أعرف الحلول الوسط، ولست لاعبا في سيرك الساسة إنما أكتب ما أحسب أنه الحق ولو على نفسي. ويبدو أن ذلك أصبح ثقيلا عند الجميع.

قل لي ماذا تفعل عندما يأتيك أخ في الله تحبه  يرجوك ألا تكتب عن جمال البنا لأنه يحبه!!

أو أن يأتيك آخر يرجوك التخفيف من مقالاتك لأن القوميين في الخارج عاتبون على مقالاتي عن القومية والمنشية..

أو أن يأتيك ثالث يحدثك عن المواءمات والحنكة والفطنة للتحالف مع آخرين..

 على العموم.. أستجيب لك وللقراء.. ولن أغمد قلما مكنني الله منه حتى يُكسر.. ولن أتوقف عن الكتابة في مكان حتى أُزاح و أُرغم.. ولك التحية والدعاء.

د محمد عباس

*** 

 

الدكتور محمد عباس 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

 

حفظك الله اينما كنت فتعلم مدى محبتى اليك والتى لا يعلمها الا الله ويبدو انى اردت الان ان اخبرك انى لست وحدى من يشهد لك هذة الشهادة الم اخبرك من قبل ان تظل كما انت فى نهجك فسيادتك تعتبر كما سبق ان قلتها لك الوحيد من الكتاب الاسلاميون الذين لم يتعرض1وا لنقد فى ميزان اهل السنة والجماعة ككثير الاستاذ مجدى حسين نفسة تعرض لذلك النقد ولكن اشعر بسعادة بالغة عن تناولك من الاخوة السلفيون بالمديح والثناء عليك لانى اشعر انى لم اخطا فى تقيمى كما سبق ان اخطا مع الكثير فيما مضى امثال محمد عبدة للاسف ومحمد عمارة للاف الاسف واحمد عرابى وسعد زغلول واسماء براقة عندما ونت بميزان اهل السنة والجماعة تبين زيفها وزخوائها 

ما اردت ان اخبرك بة هو كتاب جديد للدكتور سيد العفانى اتمنى ان تقراة ففية اشادة بدور سيادتك واسم الكتاب 

 

زهرالبساتين من كلام العلماء والربانيين 

عبارة عن 6 مجلدات ووذكر سيادتك تحت عنوان محمد عباس وصيحة هادرة لدينة

ويدعو لك فيها بالحفظ والسلامة 

يطلب من دار العفانى للنشر خلف الجامع الازهر فوق دار العقيدة هاتف رقم 5108257

*** 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

انها فرصه رائعه كى ارسل لك مباشرة يا دكتور محمد

كل كلماتك فى الشعب قراتها وكنت اتمنى ان التقى بك وساقول لك على شيئ  غريبا لا اعرف هل ستصدقنى ام لاع

موضوع كذا

مو صباح بعض مقالاتك كنت فى بعض الاحيان اتحدث مع زوجتى واقول لها   لو ان الدكتور محمد كتب غدا عن 

عن موضوع كذا وسبحان الله اجدك اليوم التالى تكتب فيهحدث هذا فى مقالك عن العلماء وفى موضوع  السعوديه  

وفى موضوع اريتريا وفى موضوع التعذيب وهذا ما زاد حبى فيك والحمد لله عرفت انك تفكر فى ما افكر فيه 

ثم اكتملت الصوره عندى عندما اكرمنى الله برؤيه شيخنا الفاضل الشيخ محمد الغزالى بعد وفاته فى رؤيا جميله 

وقلت له فيها يا سيدى ان كلامك يعجبنى   فقال لى وانت ايضا كلامك يعجبنى  فعرفت  وقتها معنى حديث رسولنا الكريم 

القلوب جنود مجنده ما اتفق منها ااتلف وما 

وساقول لك شيئ اخر   قبل اقفال الجريده وعندما كنت اقرا  كلامك فيها  كنت اضحك واقول لزوجتى   ستغلق الشعب  بسبب الدكتور محمد عباس  

ثم كان مقالك  الشهير  من يبايعنى على الموت

سيدى الفاضل   لاارييد ان اطيل عليك ولكن اعلم   ان هناك  قلوب مثل قلبك   

تسير فى نفس  المجال الايمان  وتحب  قلوب  على نفس الدرب  

تحيه خاصه الى الاخ محمد عباس ومقالاته النوريه انا كنت متابع لها فى جريده الشعب التى اقفلت وخاصة موضوع انى ارى الملك عاريا وفرحت كثيرا عندما رايته يكتب مره اخرى انا اعتبره حلاج هذا  الزمان

وتحياتى للدكتور محمد عباس الذى اتمنى ان التقى به لانى احبه كثيرا واحب كلماته الت تقطر دما والم واقول له يا دكتور محمد اكاد ارى قلبك يكتب بدم طاهر نقى  وانا من عشاق قلمك الذى كتب    انى ارى الملك عاريا وكتب  فى جريدة الشعب صباح كل جمعه كنت اشترى الجريده من اجلك فتقبل تحيات مسلم  معك فى نفس  الالم 

يا سيدى  هل تعرف نهاية الحلاج  

لا اقول انى اخشى عليك مثلها  

ولكن اقول لك انى ارى  روح الحلاج  ترفرف فوق  راسك 

ويستبشرون  بالذين لم يلحقوا بهم  ان لاخوف عليهم ولا يحزنون 

سيدى  الفاضل  

اطمان فهناك  حلاجون  ينتظرون دورهم

يا ضمير  الامه  

يا  صاحب القلب النورانى  

استمر 

فهناك من سيكمل المسيره 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

ف..

  *** 

 

 

السلام عليكم و رحمة الله وبركاته

الأستاذ المحترم /أ/محمد عباس

أشهد الله أنى أحبكم فى الله  -أرجو من سيادتكم أن تبدأ حملة إعلامية لمقاطعة الصحف

العميلة وذلك لشدة خطورتها على عقيدة المسلمين و على روحهم المعنويه 

لأنها تعمل على التهويل من قوة الكفار وأنه لاملجأ من أمريكا إلا إليها

وأبرز هذه الصحف(الأهرام -الأخبار-روز اليوسف)

وبعض الفضائيات الخطيرة جدا (قناة العربية)لأن هذه القناة صليبية 100%

وفقكم الله لخير المسلمين 

والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

 

*** 

 

 

السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته

شيخي و استاذي و أبي الجليل

 

اسمح لي أن أقتص من وقتك القليل و ذلك لأبلغك أمانة تحملتها في عنقي من فم أحد المجاهدين الذين قاموا بسحل الأسترالي في شوارع ينبع لمدة ساعة و نصف , فقد قال قبل موته (( بلغوا اخوتنا في العراق أنا قمنا بقتل الأمريكان و أعوانهم و سحلهم نصرة لهم و انتقاما لما أصابهم و ادعوا لنا بالشهادة )) و الله لقد قال ذلك ثم نطق الشهادتين و مات بعد أن حرقوه أل سعود هو و اثنين معه بأن فجروا سيارتهم ثم تركوه ينزف في الشارع حتى مات و هم يمنعون عنه المساعدة من الجمهور المشاهد أو من الأسعاف 

كما أحب أن أكد أن المجاهدين لم يقتلوا مسلماً قط لا بالخطأ و لا بالتعمد بل قالوا لمن رأهم من الأجانب المسلمين اشهدوا علينا غدا أنا لم نقتل إلا الامريكان و أعوانهم و الرجل الذي مات من الشرطة السعودية قتله بالخطأ زملاؤه 

 

أبنكم /  ا م الينبعي

 

 

*** 

 

السيد الدكتور محمد عباس

السلام عليكم ورحمة الله

بالنسبة الي خيانة الحكام أود أن ألفت انتباهكم الي بعض

النقاط الهامه وهي:

1) ان عداء بعض الأنظمة العربية سابقاً( كنظام عبد

الناصر) ما هي الا للتمويه فقط و لم يكن هناك عداءً

أصيلاًً. وكان العداء مع الاسلام و الاسلاميين . و من

وجهة نظري فهذا يرجع الي أن الرأسمالية و الشيوعية  كانا

من غرس اليهود. بعبرة أخري أنه لا يوجد فرق اساساً بين

النظامين فكلاهماهدفه السيطرة علي الشعوب واستنزاف

ثرواتها و التمكين للصهاينه في الشرق و الغرب من حكم

الدول و الشعوب. و من هنا نفهم كيف كان عبد الناصر علي

علاقة وطيدة مع الولات المتحدة سراً و كان المطلوب منه

عدائها علناً.

 

و للحديث بقية 

 

 والسلام عليكم ورحمة الله

 

 

*** 

 

Dear Sir.

I agree with  you 100% about your rulers& kings ,but one like you and your

colleages deserve them . Bush was wrong in going to IraQ  only because

Saddam was the best ruler for Iraq  I do think that most of the arab world

including you & your  colleges Deserve rulers like saddam & Assad  Please do

not get offended from the truth.

 

*** 

الاستاذ الدكتور محمد عباس

 

السلا م عليكم و رحمة الله و بركاتة

أنا من ملايين قرائك علي الشبكة العنكبوتية، و لن اطيل حديثي عن اعجابي بكتابتك و استمتاعي بقرأتها فإن هذا لن يجدي في هذا الوقت و ما نحن في حاجة اليه هو العمل العمل أو الاستعداد ليوم المواجهه من قبيل الاعداد بما استطعنا من قوة ومن رباط الخيل…

 

سيدي يكثر الحديث عن الديمقراطية و محاسن الديمقراطية و الدعوة الي الديمقراطية وقرات لكم و لغيركم عن مخاطر هذه الدعوة …

منذ انا صغير في السبعينات و انا اسمع صوت الرئيس الراحل أنور السادات يتحدث عن الديمقراطية و لم اكن أفهم لهذا المصطلح معني و في يوم من الايام جاء الرئيس حسني مبارك ليقول في أحد خطاباته ( ان الديمقراطية هي حكم الشعب بالشعب و لصالح الشعب) و كان ذلك في بداية حكمة في اوائل الثمانينات ، و اظنه قد طبق ذلك بحذافيره  طيلة قرابة الربع قرن الماضي – ما علينا _- و تعلمت بعد ذلك أن الديمقراطية هي عكس الديكتاتورية…. و تعلمت من القرآن الكريم قصة بلقيس و كيف انها قالت ) مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ(

وقلت في نفسي و انا صغير وقتئذ ليست هذه منتهي الديمقراطية ملكة لها مجلس شوري و لا تستبد بالحكم و لا تتخذ قراراً قط حتي تستشير …. و لكن رغم هذا لم تشفع  لها ديمقرطيتها )وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ( و لم يرض عنها المولي حتي اسلمت مع سليمان لله رب العالمين. 

فنقول اننا حتي لو طبقنا الديمقراطية بحذفيرها – مع فرضة انها ليست وهماً ليس له اصل و لا تعريف ولا تطبيق واقعي – فلن ينجينا ذلك من عذاب الله و إلا كان قد نفغ بلقيس من قبلنا.

و السلام ختام 

 صلاح– من مصر

 

 *** 

 

 

Dear Dr. Abbas.

After reading your articles lately, especially the last one in al shaab 

newspaper, i realize you are the man that can tell the truth with no fear, 

and care about truth especially if it was related to a friend of mine, an 

anknown hero.

i will summerize his story, and it's up to you to write about it or not, but 

after all the damage our young arabs suffered, all the negative and fear 

they have from one enemy Israel, here is a short story about a man that beat 

israel in his youth and now .

met him 1984, he was one of the first to initiate what is become after the 

MUKAWAMA in the south of lebanon, a young man that used a Mule ( animal ), 

instead of human against the occuppier irael. plus what he has done that 

took 2 years of his life, and never asked to be known or credited for it.

from a wealthy family, dropped out of medical school, left the luxury behind 

and join the first group of Mokawama, more known to israel ( musad ) than to 

arabs, he refused to be known. and he always said " I would rather die 

standing than living on my knees ".

His first name is Zouheir, and last name initials is L. known within his 

fighting friends by the Lion of the south, Israel never forgave his 

operations, after his moving to europe for a while to continue study, they 

tried to assassinate him 1 in paris, once in Madrid, they failed AND THAT'S 

THE STORY they failed and our young arabs believe they always succeed, no 

sir, they failed, after he decided to move to canada, live a low key life, 

work and build a future for his kids, his heart was always in the south.

Last sunday June 20th, after spending a weekend in an area called Niagara 

Falls, coming back to where he lives in canada, they tried again, followed 

by 2 cars for a distance that us , his friends believe they were Musad, his 

car roled over more than 6 times, the other 2 cars escape, he was OK, some 

bruzes ( alhamdullellah ) and the report to the police was only a car 

accident.

after sept.11, even the innocents have to keep quiet in north america, 

therefore we knew what was happening , but the police did not.

dear Dr. Abbas, Zouheir has no idea i am writing to you, he is strong to 

survive , but i felt that your readers should know that Israel failed and 

they fail many times everyday, but our people do not believe it. I write to 

you, as other newspapers will not have the courage of writing what you will. 

Please write it and tell our young egyptian brothers, that one day as long 

as we have commited heroes like Zouheir L, we will be free.

I hope you do the right thing

Thank you

 

*** 

 

 

الدكتور محمد عباس

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

فى بريد مقالتك السابقة قدمت حاشية من عدة سطور تحوى بينها الكثير!

 

و كان من بينها ملحوظة مهمة عن عدم موافقتك فى الهجوم على العلماء و هذا ما اوافقك عليه تماما.

 

و لم يكن تقريبا فيما نشرته من رسائل غير واحدة تتضمن مثل هذا التطاول على علمائنا الأفاضل و هذا يعنى ضمنا ان تلك الملاحظة موجهة لكاتب تلك الرسالة.

وبالتأكيد على خطأ ذلك الشخص صاحب الرسالة و وجوب إلتزامه بما يفرضه علينا الدين- كما قلت له- عند الحديث عن أهل العلم.... كان يمكن إضافة أن نقد العلماء من شأن العلماء وليس من شأن العوام !

 

و منطلقا من هذا الحق يجب أن أقدم إعتذارى على مثل هذه العبارات- حيث أننى صاحب تلك الرسالة - و حتى مع وجود الدوافع كان يجب على الاقل عدم التخصيص وذكرالأسماء عند إستخدام مثل هذه الكلمات!

 

لكن.. إسمح لى فى البداية بعرض هذه الكلمة من كتاب تلبيس إبليس:

 

قال ابن الجوزي رحمه الله:

(وأعلم؛ ان عموم اصحاب المذاهب يعظم في قلوبهم الشخص فيتبعونه من غير تدبر بما قال، وهذا عين الضلال، لأن النظر ينبغي ان يكون إلى القول لا إلى القائل، كما قال علي رضي الله عنه للحارث بن حوط وقد قال له: "اتظن انا نظن ان طلحة والزبير كانا على باطل؟!" فقال له: "يا حارث انه ملبوس عليك، ان الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله".....إنتهى)

و إسمح لى بإستكمال موضوع تلك الرسالة الذى كان ملخصه مقارنة مواقف العلماء الثقات السابقين مثل احمد بن حنبل و إبن تيمية و إبن قيم و غيرهم و وقوفهم موقف الحق فى مواجهة الطغاة من الحكام فى عصرهم... الأمر الذى كان سبب إنتصار الحق و حفظ الإسلام من التحريف.... وهذا مع مواقف علماء الأمة الإسلامية الآن و هو ما تعرفة..!!!! والذى ادى إلى ما تعرفة ايضا..!!!

 

و كان ممن ذكرناهم الشيخ العلامة بن عثيمين رحمة الله و فتواه عن حكم عدم تطبيق الشريعة الإسلامية  بالإعتذار بجهل الحكام و من حولهم و كان العالم الآخر هو الشيخ العلامة الألبانى رحمة الله وشبهته الخطيرة كما وصفها الدكتورالظواهرى و هى عدم جواز الخروج على الحكام لأنه واقع لا نستطيع تغييره رغم الإقرار بكفرهم!

و كان طبعا سبب هذا الإقرار هو عموم  حكم الآية الكريمة ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ((المائدة: من الآية44)

 

و كان المقابل سرد طويل عن فتاوى لعلماء فى حجم الحافظ بن كثير و شيخ الإسلام بن تيمية والإمام جلال الدين السيوطى و القاضى عياض المالكى والعلامة محمد بن المختارالشنقيطى والشيخ محمد بن إبراهيم  والعلامة أحمد شاكر والشيخ محمد حامد الفقى و غيرهم بتكفير الحاكم الخارج عن شرع الله.

 

و إسمح لى ان اوضح لك بعض دوافع مثل هذه الإنفعالات الهوجاء مثل هذه المواقف-->

 

من فتاوى سماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز رحمة الله :

 

كان يفتي قديما بكفر الحاكم بغير ما أنزل الله! فيقول: (لا إيمان لمن اعتقد أن أحكام الناس وآراءهم خير من حكم الله ورسوله، أو تماثلها وتشابهها، أو تركها وأحل محلها الأحكام الوضعية، والأنظمة البشرية، وإن كان معتقداً أن أحكام الله خير وأكمل وأعدل.....إنتهى).

 

وقال أيضا: (فمن خضع لله سبحانه وأطاعه وتحاكم إلى وحيه، فهو العابد له، ومن خضع لغيره وتحاكم إلى غير شرعه، فقد عبد الطاغوت وانقاد له.....إنتهى).

 

ثم لا نفهم ماذا حدث فعاد يقول :

 

يقول ابن باز للدعاة الذين جاءوا ليباحثوه في حكم الحاكم بغير ما أنزل الله: (الأصل عدم الكفر حتى يستحل، يكون عاصياً وأتى كبيرة ويستحق العقاب، كفر دون كفر، حتى يستحل.....إنتهى).

 

ونقل له احد الذين ناقشوه الاجماع الذي حكاه ابن كثير رحمه الله على كفر الحاكم بغير ما أنزل الله كفرا أكبر  فقال ابن باز: (ولو، ولو، ابن كثير ما هو معصوم، يحتاج تأمل، قد يغلط هو وغيره).

 

والمشكلة هنا أنهم يتكلمون عن إجماع و ليس رأى إبن كثير وحده رغم أنه يكفى !

 

ثم إلتقط شبهة الشيخ الألبانى و وجد فيها مخرجا من الأزمة ويقول :

 

 (اطلعت على الجواب المفيد القيم، الذي تفضل به صاحب الفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني وفقه الله، المنشور في صحيفة "المسلمون" الذي أجاب به فضيلته من سأله عن تكفير من حكم بغير ما أنزل الله من غير تفصيل، فألفيتها كلمة قيمة، قد أصاب فيها الحق، وسلك فيها سبيل المؤمنين وأوضح - وفقه الله - أنه لا يجوز لأحد من الناس أن يكفر من حكم بغير ما أنزل الله بمجرد الفعل من دون أن يعلم أنه استحل ذلك بقلبه.....إنتهى).

 

و يعلق الشيخ  أبو بصير في مناقشته تناقضات ابن باز في هذا الباب: (والآن يحق لنا أن نسأل ونتساءل: أي القولين هو قول الشيخ؟! وأيهما ناسخ للآخر؟! وهل في الكفر والإيمان ناسخ ومنسوخ؟! أم أن ضغط طواغيت الساسة كان يحتم على الشيخ مثل هذا التقلب والتغير؟!.......إنتهى).

 

و فى معرض آخر عن تطبيق الشريعة:

 

(في أحد الجلسات أبدى الدكتور خالد الدويش، وهو أستاذ مشارك في الهندسة الكهربائية بجامعة الملك سعود آنذاك، ضجره من كثرة المخالفات الشرعية في بلاد العالم الإسلامي، وحوَّل الكلام بذكاء إلى الأوضاع في تونس بالذات، ثم دار الحوار التالي، الذي نقدمه بأسلوب المسرحيات:

 د. خالد الدويش - يسأل الشيخ بن باز -: "توجد في تونس ملاهي تتعرى فيها الراقصات بحيث تكشف العورة المغلظة أمام رواد الملهى، وهذه الملاهي مرخصة رسمياً من قبل الدولة، أليس هذا من الكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان، لا أقصد التعري نفسه، فهذا منكر ظاهر ومعصية فقط، وإنما الترخيص لتلك الملاهي؟".

 

الشيخ بن باز: "طبعاً، مثل هذا الترخيص كفر بواح، لا شك فيه".

 

 

د. خالد الدويش - مكرراً ومؤكداً -: "ألا توجد شبهة، أو إمكانية تأويل أو لف أو دوران؟".

 

 الشيخ – مؤكداً -: "لا! أبداً! هذا من أوضح الأمثلة على الكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان!".

 

د. خالد الدويش - يوجه الضربة القاضية -: "فماذا عن الترخيص للبنوك الربوية في بلدنا هذا؟".

 

الشيخ بن باز - مصعوقاً من هول المفاجأة -: "حسبي الله عليك يا خالد الدويش! حسبي الله عليك يا خالد الدويش! حسبي الله عليك يا خالد الدويش!"......إنتهى).

 

(هذا من كتاب مفتى آل سعود)

 

أتتصور يا دكتور.. عند قراءة هذا الموقف وجدت نفسى أردد نفس الكلمة دون وعى و لكن ليس على خالد الدويش !!!!!

 

..........................................

 

لو تذكرت معى ذلك المشهد عندما هرع الشيخ الشعراوى رحمة الله رغم إعتلال صحته فى أيامه الأخيرة متساندا على الآخرين و ذلك ليستقبل ذلك الشخص بالقبلات والأحضان مهنئا له بالسلامة من محاولة إغتياله.

 و أخذ يدعو له بالسلامة !!!! والتوفيق!!!! و طول العمر!!!! 

 

و كان هذا الشخص هو رأس الكفر و منبع الفسق و بؤرة الظلم و بئرالخيانة فى بلادنا وفى الأمة الإسلامية كلها.......

 

هل كان الشيخ المفسر اللغوى العلامة لا يعرف حكم الآية الكريمة ؟

 

هل كان الشيخ المفسر اللغوى العلامة لا يدرى بما يحدث فى البلاد ؟

 

هل كان الشيخ المفسر اللغوى العلامة مجبرا على هذه الفعلة وقد كان مريضا مقعدا بالفعل ؟

لم يبقى غير الإحتمال الأخير و لن أذكره لأننى سألتزم الأدب مع العلماء هذه المرة كما نصحتنى!!!

 

و رغم أننى كنت ما زلت صغيرا فى ذلك الوقت إلا أن ذلك المشهد لم يبرح ذاكرتى ابدا! الامر الذى يؤكد فداحة و بعد تأثير هذه الأفعال !

 

الذى اريد تأكيدة لك ان هذا غيض من فيض و ما زال  لدى الكثير ولو عرضته هنا لتحولت صفحة بريدك هذه إلى جريدة مستقلة تحمل إسم جريدة العار !!!!!

 

المشكلة فى كل هذا ان هذه الفتاوى ليست محاولات لتفسير القرآن يراد بها وجه الله ويحتسب اجر بخطئها !  و قبل أن تعلن عدم موافقتك مرة اخرى سأبادرك بأن هذا ليس رأيى! 

 

إنه كلام فقيه المجاهدين الدكتورعبدالله عزام رحمة الله فى تلك الفتاوى فيقول :

 

( ....لا! لا! لا! هذا "مش" افضل الجهاد، لا افضل الجهاد ولا اقل الجهاد، هذا أكل رز؛ أكل طبيخ، هذا جهاد الطبيخ، هذا لعق الصحون والطناجر من فوق المآذن والمنابر........إنتهى).

 

طبيخ ؟  !!!!!!!!!!

 

القانون الفيزيائى البسيط عن مساواة رد الفعل بالفعل و تضاده فى الإتجاه كان يجب أن يفهمه علماؤنا ويطبقونه....

عندما وجدوا شراسة و عنف الهجوم من القوى الصليبية الصهيونية يتقدم صفوفهم الحكام المرتدون وهم يحكموننا بالإكراه والحديد و النار...

كان يجب عليهم الوقوف بقوة و حزم فى مواجة هذا الطوفان و يكونوا السد المنيع والدرع الواقى للأمة الإسلامية مثلما فعل أسلافهم من العلماء الثقات السابقين

 

لكن الذى حدث هو أنهم ذعروا من عنف الهجوم و إنخلعت قلوبهم على مرآى سياط الجلادين وأصابهم الهلع من سجن بقية السلف الصالح فى هذا الزمن مثل الشيخ ناصر الفهد و الشيخ ابو محمد المقدسى - نصرهم الله و فك أسرهم- هذا مع إعدام البعض مثل الشهيد سيد قطب.... فإنبطحوا و سجدوا أمام الهجوم فانكشفت الأمة من ورائهم و إنبطحت أرضا هى الأخرى و لم يرتفع لها رأس حتى الآن !!!!

 

و كانت النتيجة مثل أنك تجد فى البريد السابق  رسالة الأخ من اوروبا يقول (....لا توجد فتوى، لا توجد فتوى، علماؤنا مختلفون... أو ربما كان عذراً فقط، الحق بين ولا يحتاج الى فتاوى، ولكننا أمة لا تتحرك إلا بالفتاوى...).

 

وهذا غير صحيح الفتاوى موجودة من قديم الزمن و يمكنه مراجعتها فى نفس البريد السابق وسيجدها تباعا !  ليس فقط بأن الحاكم الخارج عن شرع الله كافر مرتد.... لكن هناك حكم آخر قد لا يبدو واضحا لأول وهلة وسنعرفه الآن :

 

(...يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل أو كثير... ) تفسير القرآن العظيم لابن كثير.

 

(....فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائعه) شيخ الإسلام بن تيمية.

 

هل أصبح الحكم واضحا الآن ؟.... هل يحتاج أحد إلى بعض الشرح ؟

 كلمة الوجوب هنا تضعنا نحن الشباب القادرين على الجهاد فى موقف عسير!

 

وهؤلاء العلماء الثقات معروفون بالدقة الفائقة فى إختيار الكلمات و لا سيما الأحكام ! وهذا يعنى ما فهمناه من ظاهر الكلام !

 

شباب الجامعات المتحمسون للخروج إلى العراق و فلسطين بعيدا عن المشكلة الأصلية التى هى السبب الفعلى لمصيبة العراق وفلسطين و يخرجون فى المظاهرات يصيحون بعض الوقت ثم يرجع كل شئ إلى حاله !....يعرفون جيدا عدم جدوى هذا العبث والأمر ليس إختيارا ولا تطوعا بل واجب سيحاسب كل منا أمام الله على تركة !

 

المصيبة الحقيقية فى إنسياق المسلمين للإنفعالات اللحظية مثلما حدث عند إغتيال ياسين والرنتيسى و إحتلال العراق.... ثم يعود كل شئ كما كان !

 

الأعداء الصليبيون يفهمون هذا جيدا و يجيدون إمتصاص مثل هذه الغضبات الساذجة ! و قد كان هذا واضحا من قصة موقف الملك حسين عند ضرب العراق التى شرحتها لنا فى المقالة السابقة (الصورة المقلوبة).

 

لا.. لا يجب أن نكون هكذا ! الأمة الإسلامية لن تنجوا بهذا الجهل و ردود الفعل التلقائية الحمقاء !

...................................................

 

الهدف يجب أن يكون ثابتا وشاملا ومحيطا... على مستوى خريطة العالم الإسلامى كلة و ليس فى العراق وحدها.

 

هدف تحدده معادلات كهذه :

 

العراق المسلمه =  أى دولة إسلامية.

 

بول بريمر =  أى حاكم خارج على شرع الله ويحكم دولة إسلامية.

 

مجلس الحكم الإنتقالى = أى مجلس وزراء لحاكم مرتد + أى مجلس تشريعى طاغوتى.

 

الجيش الأمريكى + الجيش البريطانى= قوات مثل الأمن المركزى + قوات مثل الحرس الجمهورى.

 

موساد + CIA = مباحث أمن الدولة + المخابرات العامة + المخابرات الحربية.

 

المقاومة العراقيه =   ؟

...................................................................

 

هذه هى طريقة التغيير ) إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ((الرعد: من الآية11)

 

وهذه هى الوسيلة ) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ( (الأنفال : 60)

 

وهذا هو قدرنا ) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ( (البقرة : 216)

وهذا هو التعامل ) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ( (محمد : 4)

وهذا هو الشعار ) وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ((الحج: من الآية40) 

وهذا هو الهدف ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ( (البقرة : 193)

........................................................

لكن علمائنا هم من لبسوا الأمر علينا...

 يعتذرالشيخ إبن عثيمين بجهل الحكام !

و يحرم الشيخ الألبانى الخروج عليهم !

و يحقرالشيخ المدخلى جهاد اسامة والظواهرى !

 

و يرفع الشيخ البوطى حاكمة المرتد لمرتبة اولياء الله !

 

و يخطئ الشيخ إبن بازالحافظ بن كثير فى تفسيرالآية !

 

و يحلل الشيخ القرضاوى قتل مسلمى الأعداء لنا !

 

و يدعو الشيخ الشعراوى لرأس الكفر بالسلامة و يقبله !

 

ويمنع عمرو خالد الحديث فى السياسة والجهاد !

 

و يصمتون جميعا عن تنحية الشريعة الإسلامية !!!!!!!!!!!

 ثم يتركوننا فى العراء بدون أى فتوى بديله وأى خطوط سير تتحرك عليها الأمة ولا هدف واضح نتجه نحوه لإنقاذنا من الحكام الخائنين والصليبيين واليهود و قد دخلوا أرض الجزيرة بالفعل و ربما الحرمين عما قريب!!!

قال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني : 

 

(... فماذا كانت النتيجة لغياب الافكار الواضحة... والتوحيد الصحيح ؟

 ماذا جر علينا ؟ ويلات وأي ويلات،

 بل غياب الفهم الصحيح هو الذي يجعل أولئك العلماء يخرجوا لنا كل يوم قيحة، يتشكل أمام ناظريكم بأنها فتوى شرعية تستند إلى كتاب وسنة، وهي لا تعدو أن تكون قيح أفكار وعلالة رجل مريض..........إنتهى).

هل عرفت الآن يا دكتور بعض دوافع ذلك الهجوم الأرعن على العلماء ؟

لن استرسل اكثر فى هذا الأمر لأن الإنفعال عاودنى و قد أسحب الإعتذار الذى قدمته منذ قليل !!!

و السلام عليكم..

خالد

مصر



________________________________________




وا سوأتاه و إن غفرت


تقديم لكتاب لم أجرؤ على إكماله..!!

فتوى بإهدار دم من يمارس التعذيب

ترويض العبيد 


ماذا لو ناديت بقتل خمسة أمريكيين في بلادنا مقابل كل عراقي يقتل؟

أبو جهل و أبو لهب.. وحمالة الحطب


بقلم د محمد عباس


وا سوأتاه و إن غفرت..

كان هذا هو عنوان المقال الذي أحاول إكماله منذ شهرين فلا أستطيع.

 كنت خجلا من نفسي، من مواقفي ومن مواقفكم يا قراء، فأنا و أنتم من فصيلة أولئك الذين قالوا: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، و أنا و أنتم ارتضينا أن نغش أنفسنا لنفرق بين عدو بعيد وقريب أشد عداوة، ربما يكون وصف جمال عبد الناصر – عليه من الله ما يستحقه-  لهذا القريب وصفا صحيحا ، عندما قال وهو يواجه اليهود – مهزوما ومحاصرا - في فلسطين، أن العدو الحقيقي ليس في حيفا و تل أبيب و إنما في دمشق وعمان  والقاهرة. ونحن نزيد عليه باقي العواصم جميعا.

كنت خجلا من نفسي ومنكم ومن الأمة ومن العالم ومن التاريخ.. 

كنت خجلا وقد أدركت أن كلاب النار من ملوك ورؤساء وشيوخ وفقهاء قد حاولوا تشويه الدين كي يحارب ضدنا، فانطلق كلب منهم يسمي المجاهدين خوارج ، وعوي كلب بأنهم الفئة الضالة، ونبح ثالث يحذر اليهود والنصارى من الإسلام إذا ما أصر الغرب على تطبيق الديموقراطية .. لأن الإسلام هو اختيار الناس وهو الذي سينتصر، وراحت باقي كلاب النار تلوي عنق الدين لتحرم الجهاد ، ليس في دمشق والرياض والقاهرة حيث الشبهة والالتباس، بل في بغداد، حيث يوجد مصدر وحي إسلامهم الأمريكي.. لعنهم الله.. وحتى قال أحد الكتاب ساخرا:

- الحمد لله أن لم يكن عند الفيتناميين فقهاء كفقهائنا يحرمون عليهم قتال الأمريكيين، ولو كان عندهم مثل أولئك الفقهاء ما انتصروا أبدا..

خجلت من كل شئ.. 

لكن أقسى الخجل كان من الله..

خجلت حتى من أن أدعوه ليغفر لي خطيئتي وتقصيري، إذ يحدث للمسلمين ما يحدث في فلسطين والعراق و أفغانستان والشيشان و .. و.. وأنا آمن في بيتي لم أجاهد ولم أدافع. واستطبت أن أمتشق قلما لا سيفا و أن تسيل مني قطرات الدمع لا قطرات الدم..

خجلت .. و أنا أفكر كم مرة سأعاني ما هو أشد من الموت و أقسى عندما يسألني الله يوم القيامة: ماذا فعلت.. ولماذا لم تستشهد مع الشهداء.. لماذا لم تجاهد أعداء الله..

خجلت.. حتى طغى الخزي و الخجل على الرعب والفزع والخوف والجزع..

خجلت وقلت لنفسي:

- حتى لو غفر لي الله يوم القيامة  فلن ينقطع خجلي بل لعله يزيد.. ولعلي قبلها وحينها وبعدها أصرخ واسوأتاه ..وا سوأتاه و إن غفرت..

خجلت.. أغرقني الخزي وشلني الخجل حتى عجزت عن الكتابة، لأنني كلما حاولت الكتابة تمزق قلبي، وانجرح، وكان الجرح طويلا وكان الطول طويلا: كطول المسافة بين الفلوجة ووادي النطرون، وكان الجرح عميقا وكان العمق عميقا ، عمق المسافة ما بين الأزهر وما بين الكعبة، وكان الجرح عريضا وكان العرض عريضا عرض الهوة التي صنعها – عليهم اللعنة – ملوك ورؤساء أمروا شيوخا وفقهاء بعدم القنوت على الأعداء فاستجابوا، كان الجرح طويلا وعميقا وعريضا وكان التناقض مبينا ثم كان التطابق مهينا بين الشيخ والحاخام والقسيس، فرأينا رجل دين يتذرع بالكذب- مستقويا بأعداء الأمة -  ويبتز، وعالم دين يفتي – وقد ارتد -  بالردة ولا يهتز، و أمة ذاهلة ران عليها الصمت فلا أدري أماتت حية أم تعيش ميتة. 

أظلمت الدنيا أمام ناظري واتسعت الرؤية ولم تضق العبارة  فأدركت أن جهدي المقل سيظلم أي حدث يتناوله، فتحجرت الكلمات كما تحجرت الدموع.

*** 

وظللت أقاوم و أحاول الاستمرار في كتابة المقال حتى الأمس ،  وبالأمس كانت القاضية، حين رحت أقرأ اعترافات أحد أسرى جوانتانامو، إذ يقول  أن أقسى تهديد كان يوجه إليهم هناك، في جوانتانامو، التهديد الذي كان يدفعهم للاعتراف بأي شئ وكل شئ بغض النظر عن ارتكابهم هذا الشيء من عدم ارتكابه، هذا التهديد كان أن ينقلوهم إلى مصر و أجهزتها الأمنية الرهيبة..

عند هذا أدركت استحالة إكمال المقال..

نزفت كرامتي و إحساسي وشرفي، ورحت ألعن هذه الأجهزة ابتداء من أصغر جندي ووصولا إلى إبليس ومرورا بالخفير والوزير والرئيس..

نزفت.. نزفت .. نزفت.. نزفت..

لكنني في نفس الوقت كنت قد قطعت على نفسي وعدا لكثير من الأصدقاء والقراء 

أن أكتب هذا الأسبوع..

لذلك..

أكتفي ببعض الحواشي التي كنت قد أعددتها إلى جوار المقال الرئيسي.. دون المقال ذاته.


*** 


تقديم لكتاب لم أجرؤ على إكماله..!!


هذا الكتاب لغم سوف ينفجر بين يديك على الفور أيها القارئ.. وليس هناك أي وسيلة لتوقيه..لا مني ولا منك..  ببساطة لأنه انفجر فعلا.. حتى لو كنت لم تشعر حتى الآن بعواقب الانفجار أو بمخاطر الطوفان الذي أعقب الانفجار..

هذا كتاب – إليكتروني-   أكتب مقدمته بكلمات يخطها قلم على ورق.. ولو أنصف القلم لانفلق ولو أحس الورق لاحترق..

 وهو كتاب لا أستطيع الادعاء أنني قرأته كله.. كما لا أستطيع الإنكار وادعاء العكس.. فالواقع أني لا أعرف!!.. ففي كل مرة تتقلب على مفاتيح الحاسوب  أصابعي،  فتتتابع على شاشة الجهاز صفحات الكتاب الذي أعده  الأستاذ الدكتور عاصم نبوي (وهو أستاذ في كلية الهندسة جامعة المنوفية، حصل على درجاته العلمية من الجامعات الإنجليزية، يجيد العربية الفصحى بقواعدها، محيط بالعلوم الشرعية  والقرآن الكريم والحديث الشريف، ويجيد الإنجليزية إجادة تامة) ، أقول أنني في كل مرة أقلب صفحات كتابه : "خواطر في وجوب مقاطعة بضائع الأعداء"  ورابط الكتاب على: "www.islamicnews.net"

في كل مرة  تتحول صفحات الكتاب إلى جمر يكوي أصابعي، أحاول برد الفعل إلقاء الجمر بعيدا، لكن الأصابع تتقلص عليه وتقبض، ثم أنه – الجمر- لا يكتفي بحرق الأصابع، بل يتسرب إلى دمي، ويسري في عروقي، كاويا كالنار، بل كاويا بالنار، يتسرب ويسري، حتى يصل إلى قلبي فيحرقه، وتنهار قدرتي على الاحتمال، فأغلق الكتاب لأولي هاربا، فإذا حدث وقاومت، وأصررت على المواصلة، تمتلئ عيناي بالدموع ، فأعجز عن الرؤية، وكأنما العينين أدركتا أنهما تريان ما يكاد يهلك صاحبهما فتكفان عن الرؤية..

نعم..

أولّي هاربا من حزن لا يوصف و ألم لا يوصف وعار لا يوصف وخزي لا يوصف وذنب لا يوصف..

أنوء بالكلمات.. بل أبوء باللعنات على من استُنجد فلم ينجد واستنصِر فلم ينصر واستغيث فما أغاث.

أنوء، و أبوء، و أعجز، فتدمع  الحروف وتنتحب الكلمات وتجهش الجمل  وتنخرط اللغة في البكاء..

في كل صفحة من صفحات الكتاب ذنب بل ألف ذنب..

ذنب أشترك فيه أنا كما تشترك أنت فيه أيها القارئ..

نشترك فيه اشتراكا يجعل وضعنا موازيا إن لم يكن مساويا لوضع المجرم الأصلي، لأن المغتصبة – بفتح التاء- إن كانت تستطيع المقاومة فلم تقاوم، لا يقل جرمها عن جرم من اغتصبها..

ونحن لم نقاوم..

أو على الأحرى لم نقاوم كما كان يجب أن تكون المقاومة..

قاومنا مقاومة عاجزة مرفهة يوقفها انقطاع التيار الكهربائي عن المدفأة فندفع الاتهام عن أنفسنا بعدم الاستطاعة!!..

قاومنا مقاومة من يشترط على الله – حاشا لله- أن يجاهد في سبيله على شرط ألا يؤذى!!..

فهل أدركت الآن أيها القارئ لماذا عجزت عن إكمال قراءة الكتاب، ومتابعة ما فيه وتقليب صفحاته  بأصابعي  إلا كما تتناول تلك الأصابع قطعا من الجمر ما أن تمسها حتى تحاول الهرب منها إن استطاعت..

فهل كان يمكنني أن أفعل غير ذلك..

هل كان يمكنني أن أخوض في النار ولست إلا عبدا مقصرا من نسل  إبراهيم عليه السلام كما أن الله تعالى وجل سبحانه لم يأمر النار أن تكون بردا وسلاما عليّ..

هل كان يمكنني أن أخوض في طوفان صفحات الكتاب بما فيها من حزن و ألم ودموع  دون سفينة نوح تعصمني من الغرق.. 

هل أدركت أيها القارئ أنني في كل مرة أمسكت فيها هذا الكتاب كنت كمن يغوص تحت الماء، فيسبق غوصه شهيق طويل.. ثم يغوص.. فإن طال غوصه اختنق وغرق..

وهل أدركت لماذا لا أستطيع الجزم لك بأنني قرأته كله كما لا أستطيع الجزم بأنني لم أقرأه كله.

لقد أبينا أن نذهب إلى الجبل.. أبينا أن نقوم بواجبنا.. فأتى الدكتور عاصم نبوي بالجبل إلينا.. ولم يكتف بذلك.. بل  نتقه ووضعه على رؤوسنا..

*** 

منذ أعوام طويلة، ينوء قلبي بما فيه، فأشعر كل حين وحين  بالعجز عن الكتابة، لا عجز انعدام القدرة، ولا فقدان الوسيلة ولا ضياع الغاية، بل ذلك العجز المؤلم، الذي يزيد دائما من وطأته أنه كان يمكننا دائما توقيه.

أشعر بالعجز، كمشلول تحاصره النار قبل أن يستطيع أن يهرب..

مشلول يسقط دون أن يملك من أمر نفسه شيئا.. أو على الأحرى ليس مشلولا و إنما قيده ذووه.

أسقط من مجرى التاريخ مع أمتي و أهلي ووطني..

في مزبلة التاريخ نسقط، حيث تطوي هذه المزبلة الهائلة من لم يدافعوا عن ملتهم و أمتهم وأوطانهم.. تطويهم، لا في غياهب النسيان، بل تعدهم، فتقذفهم في النار..

نعم..

فهو عار الدنيا وخزي الآخرة..

أسقط.. بل نسقط.. 

نسقط في بطئ مؤلم.. لم تصعقنا صعقة، ولم تذهلنا مفاجأة، ولم يبدنا وباء ولا أغرقنا طوفان ولا انفجرت فينا قنابل نووية..

نسقط رغم أن الله لم  يجعل للكفار سبيلا  علينا يمحون به دولة المؤمنين، ويذهبون آثارهم ويستبيحون بيضتهم..

نسقط رغم أن الله منّ علينا ألا يهلكنا بسنة عامة وألا يسلط علينا عدوا من غير أنفسنا ولو اجتمع علينا من بأقطارها حتى يكون بعضنا يهلك بعضا ..( هل كانت أمريكا تستطيع أن تفعل بنا ما تفعله لولا أن نصفنا ساعدها على نصفنا الآخر؟ وهل كان يمكن لاحتلال العراق أن يتم دون تواطؤ حكام  القاهرة ودمشق  و شيوخ الرياض ومسوخ الكويت).

نسقط رغم علمنا أن الله سبحانه لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا إلا أن يتواصوا بالباطل ولا يتناهوا عن المنكر ويتقاعدوا عن التوبة فيكون تسليط العدو من قبلهم؛ كما قال تعالى: ]وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ[ (الشورى:30). 

نسقط رغم أننا لم نؤخذ على حين غرة..

 بل نسقط في وعى كامل..

  نسقط بعد أن عرفنا أننا سنسقط، نسقط بعد أن ساهمنا في أسباب سقوطنا، نسقط بعد أن استسلمنا لحكام ليس بينهم وبين الأعداء أي فرق، نسقط بعد أن ساعدنا عدونا على ذبحنا، نسقط بعد أن كبلنا أنفسنا، وكبل كل منا أخاه كي يمنعه من مقاومة عدونا المشترك،  نسقط ونحن نعرف أسباب سقوطنا، ونسقط ونحن نعرف أنه كان يمكننا تجنب هذا السقوط، ونواصل السقوط ونحن نعرف أنه يمكننا استدراك الأمر إن صدقت نوايانا، ولكن أحدا منا لا يفعل.

*** 

أقول أنني منذ أعوام طويلة، ينوء قلبي بما فيه، فأشعر كل حين و آخر بالعجز عن الكتابة، يطفح الألم فأعجز، يطفح الغضب فأعجز، يطفح الخزي فأعجز، يطفح الجزع فأعجز، ويطفح العجز فأعجز، كانت المرة الأولى بعد هزيمة 67 الساحقة الماحقة ،  وكانت المرة الأخيرة عندما انتصرت الفلوجة وانهزمنا، نعم، انتصرت الفلوجة  وسقط  مليار ونصف مليار مسلم في طوفان الخزي فأغرقهم  وفي جحيم العار فأحرقهم.

*** 

هل كنت أحاول أن أذكركم يا قراء؟..

أم كنت أحاول أن أنسى؟..

لكن الدكتور عاصم نبوي يقطع عليّ وعليكم الطريق فيحمل إلينا أشلاء واقعنا الدامي..

هل قلت يحمله إلينا؟..

بل الأولى أن أقول ينتقه علينا..

*** 

نعم..

يحمله وينتقه  علينا..

يغوص في التاريخ ليحمل لنا وإلينا وعلينا ما فعله ذلك الشعب الأمريكي المجرم في إخوتنا في شتى أرجاء العالم وفي أربعة أركان المعمورة ..

يمد عاصم نبوي يده فيقبض على جرحنا العاري ويكشف الجرم الذي ارتكبناه في حق أنفسنا.. بل ما هو أكثر من الجرم..

يقول عاصم نبوي .. بل يصرخ وينزف ويتفتت أشلاء ترسم حروفا تقرأ: 

وانظروا معي – إخواني وأخواتي - إلى ما حدث في طريق الموت الممتد من الكويت إلى البصرة – جنوب العراق، حيث قتلت طائرات التحالف الشيطاني – في نهاية حرب الخليج الثانية 1991م - في مسافة طولها أقل من كيلومترين فقط ما يجاوز نصف مليون من البشر من العراقيين ما بين مدنيين وعسكريين منسحبين، ومن المدنيين الفلسطينيين الذين نزحوا من الكويت مع عائلاتهم خوف انتقام الكويتيين منهم بعد خروج القوات العراقية من الكويت.

يتحدث عاصم نبوي بل يصرخ وينزف ويتفتت أشلاء ترسم حروفا تتحدث عن تدمير المستشفيات بعد اعتقال الأطباء وأفراد التمريض بل والمرضى ومعاملتهم بأسوأ ما يمكن تخيله من وحشية. وعن قطع إمدادات الكهرباء والمياه  وعن اقتحام بيوت الله في الأرض – المساجد -  والخوض في دماء الأبرياء العزل المنطرحين بين يدي الله يصلّون، واستباحة حرمات المساجد وما فيها من نسخ من كتاب الله تعالى وعن ترك جثث المدنيين لتتحلل في البيوت والطرقات ولتأكلها الحيوانات الضالة، ومنع المدنيين من دفنها، وطرد مؤسسات الإغاثة قبل وأثناء وبعد المعارك، بل وطرد الهلال الأحمر العراقي من الفلوجة بعد اعتقال بعض أفراده بدعوى الشكّ في انتمائهم للمقاومة.

يتحدث عاصم نبوي بل يصرخ وينزف ويتفتت أشلاء ترسم حروفا تتحدث عن الإجهاز على الجرحى أمام عدسات المصورين دونما حياء أو أدنى مراعاة للمشاعر الإنسانية.

*** 

يعتمد عاصم نبوي على الصحف الأجنبية – يتحدث الإنجليزية كأهلها- حتى لا يدع أي مجال للشك فيما يسوقه من أخبار، خاصة تلك التي تصدم القارئ لشدة اختلافها مع المطروح في أجهزة الإعلام التي تسيطر عليها أمريكا.. إنه يتحدث على سبيل المثال عن عدد القتلة الأمريكيين في العراق السليب الشهيد : عدد القتلى من الأمريكيين قد تجاوز عشرة آلاف..

وربما يبدو الرقم مناقضا لما نعرف  لكنك حين تقرأ مراجعه والصحف الأمريكية والأوروبية التي نقل عنها لا يمكنك إلا التسليم بما يقول.

وربما كان لخبر مثل هذا أن يعزينا ولو قليلا، لكن سياق الكتاب يجعل الخبر يزيد من ألمنا، فلقد استطاع المجاهدون بأبسط الأسلحة أن يذلوا أكبر قوة عسكرية في التاريخ..

فقط.. كانوا يملكون ما فقدناه..

الإيمان.. الإيمان بمعناه الحقيقي..

الإيمان الذي دفع مجاهدا واحدا للصمود أمام مائة وخمسين خنزير أمريكي.

يتحدث الدكتور عاصم عن  درس قاس للأمريكيين  في الفلوجة: 150 من مشاة البحرية (الأمريكية) في مواجهة قناص واحد (من المجاهدين العراقيين في الفلوجة) ..

وراجع التفاصيل في الكتاب..

 وقد اعترف الجيش الأمريكي مؤخرا على لسان متحدث رسمي هو "بن ماراي" في مقال بالإصدار الأوروبيّ لصحيفة "النجوم والشارات العسكرية" الأمريكية، بأن عدد من عولج من الجنود الأمريكيين الجرحى في معارك العراق فقط، في مستشفيات القاعدة الأمريكية في "لاندشتول" بألمانيا فقط، يناهز واحدا وعشرين ألف جريح .. نكرر: 21000 جريح ..

*** 

لا يقتصر الأمر على بلادنا ولا على زماننا فالإجرام قديم  لا هو حادث ولا هو عارض..  فيذكر  الدكتور عاصم نبوي على سبيل المثال ما فعلته أمريكا في الفليبين:

"  إن القوات الأميركية اكتسحت كل أرض ظهرت عليها حركة مقاومة، ولم تترك هناك فلبينيا واحدا إلا قتلته. وكذلك لم يعد في ذلك البلد رافضون للوجود الأميركي لأنه لم يتبق منهم أحد.."

".. إن الجنود الأميركيين قتلوا كل رجل وكل امرأة وكل طفل وكل سجين أو أسير وكل مشتبه فيه ابتداءً من سن العاشرة، واعتقادهم أن الفلبيني ليس أفضل كثيرا من كلبه وخصوصا أن الأوامر الصادرة إليهم من قائدهم الجنرال فرانكلين قالت لهم : لا أريد أسرى ولا أريد سجلات مكتوبة!"..

ويعلق عاصم نبوي قائلا : 

إن هذا القول : لا أريد أسرى ولا أريد سجلات مكتوبة هو ما أمر به مجرم الحرب الهمجي الشاذ رمسفيلد .. .. طبق الأصل .. بشأن المجاهدين العرب والطالبان في أفغانستان وأسرى معركة قندز الذين أبيد منهم الآلاف بعد أسرهم وحشرهم لمدة أربعة أيام بلا طعام ولا شراب ولا هواء للتنفس .. في "حاويات الموت" وإعدام الباقين منهم أحياء بعد رحلة الأيام الأربعة، على شفير خندق أعد لذلك .. وكذا في مذبحة قلعة جانغي الشهيرة التي اشتركت فيها القوات البريطانية والأمريكية وشراذم عصابات الشمال المناهضة لطالبان..!!

*** 

يغوص في التاريخ القريب ليحمل لنا وإلينا وعلينا ما فعلته إسرائيل في أسرانا، مبرهنا أن الكفر ملة واحدة ومثبتا بصورة عملية ما قاله المؤرخ الغربي الأشهر إرنولد توينبي من أن الحضارة الغربية أكثر الحضارات إجراما في التاريخ، يحمل عاصم نبوي دم أسرانا فيلقيه على رؤوسنا:

" وكانت القضية قد تفجرت عندما نشرت صحيفة معاريف  العبرية بتاريخ 4 آب 1995 نص اعترافات "رفائيل إيتان"  الضابط السابق بالجيش الإسرائيلي، حيث أشار إلى أن تاريخ المأساة يرجع إلى يوم الاثنين 29 تشرين الأول 1956 عندما كانت الكتيبة 89 مظلات التي كانت تحت قيادته تستعد للهبوط على الجانب الشرقي لممر "متلا "  في عمق الأراضي العربية وكانت تلك هي اللحظات الأولى للحرب التي عرفت فيما بعد باسم عملية "قادش شارك"  والتي اشترك فيها 395 مقاتلا من بينهم قائد الكتيبة "إيتان "  وبينما كانوا معلقين بين السماء والأرض فوق منطقة الهبوط عند نصب " باركرز"  رصد جنود الكتيبة خيمتين كبيرتين على الجانب الشرقي للممر، ولم يبادر الأفراد الموجودون بهاتين الخيمتين بإطلاق النار على أفراد الكتيبة ولكن الأمور اتضحت بعد هبوط الجنود الإسرائيليين حيث تبين أن هؤلاء الأفراد الذين يبلغ عددهم حوالي 50 رجلا ليسوا سوى عمال تراحيل مدنيين " مصريين"  تصادف وجودهم في الموقع الذي قرر قادة الجيش الإسرائيلي إنزال القوات الأمامية فيه.. تم القبض عليهم وأسرهم وبعد يومين تمت عملية الالتقاء المرتقب باللواء (202) وتولى  " شارون " القيادة في متلا بينما تهيأت كتيبة "إيتان"  للتحرك في اتجاه رأس سدر، ولم يتم تحميل العمال المصريين على السيارات كما لم يتم ضمهم للكتيبة التي بدأت تتحرك في طابور إلى الجنوب. ويتدخل  " داني وولف " أحد جنود الكتيبة 89 وقتها في سرد الاعترافات مؤكدا أن الكتيبة تلقت أمرا صريحا ومباشرا بقتل الأسرى المصريين في اليوم الثاني من المعركة.

وفي هذا الصدد أكد  " اربيه بيرو " اليد اليمنى لرفائيل إيتان أن قتل الأسرى المدنيين قد حدث بالفعل موضحا أنهم كانوا سيشكلون عبئا على الكتيبة إذا ما حدث أي شيء خلاف ذلك، وقال: إن السؤال عن الذي أصدر الأمر بذلك أو قام بالتنفيذ ليس له جدوى، ولكن المهم أن أبناءنا أطلقوا الرصاص على أفراد عزل وقتلوهم بلا معركة.

ولم تقف اعترافات قادة الجيش الإسرائيلي عند هذا الحد حيث إن العديد من الضباط واصلوا اعترافاتهم فيما بعد بارتكاب أفعال مماثلة مع الأسرى المصريين والعرب خلال المعارك المستمرة بين الجانبين."

ولا يكتفي عاصم نبوي بذلك..

فبعد أن يتركنا نحمل وطأة جرمنا بالصمت  عن قتل خمسين أسير مصري، يفاجئنا بأن العدد ليس خمسين.. ولا مائة.. ولا خمسمائة.. ولا حتى خمسة آلاف..

بل ولا خمسين ألفا..

فالعدد الذي يذكره هو: الذين قتلهم جنود الصهاينة عمدا يصل إلى 65 ألف أسير منذ حرب 1948 وحتى تشرين الأول 1973

*** 

يتطرق عاصم نبوي إلى عزام عزام ومهزلته.. و إلى الفرقان ..  و إلى الأغذية المسمومة..  و إلى الكويز.. و إلى الجنود الثلاثة القتلى..( هل هم شهداء حقا.. وهم الذين يحمون إسرائيل، لا مصر ولا فلسطين ولا الإسلام والتساؤل من عندي  م.ع. )

ويستشهد الكاتب بما  نشرته دراسة الأهرام الاستراتيجية ـ‏113‏ ـ بعنوان الحروب الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين تحرير لواء د‏.‏ محمد جمال مظلوم‏-  أكرر: صحيفة الأهرام -  وما نشر فيها من معلومات أوروبية كشفت عن : مخطط إسرائيلي في مجال الهندسة الوراثية يهدف إلى تدمير صحة الإنسان من خلال مشروع رصدت له إسرائيل نحو ملياري دولار‏،‏ أطلقت عليه مشروع شلوع ولأنه أداة حرب من حروبها للإبادة فقد ألحقته كفرع من فروع سلاح   أن أبحاث هذه الوحدة تتركز على توظيف الهندسة الوراثية في مجال الإنتاج الزراعي لتجعل الغذاء ـ بدلا من أن يكون وسيلة ونعمة سماوية لحفظ الحياة ـ كارثة أرضية‏،‏ وقنابل لتدميرها‏،‏ فهذا برتقال لتدمير الجهاز العصبي‏،‏ وفراخ تصيب من يأكلها بالفشل الكبدي بعد ثلاثة أشهر فقط من تناولها‏،‏ وطماطم وخضراوات تنضج بسرعة تقتل بالسرطان وتدمر خصوبة الرجال‏.

*** 

والأمر ليس مقتصرا على بلد مسلم دون آخر.. ويستوي فيه القريب والبعيد والصديق والعدو.. يقول عاصم نبوي:

" أثناء حرب الخليج وبعد قدوم القوات الأمريكية إلى البلاد طلبت هذه القوات من الحكومة قطعة من الأرض لتدفن فيها مخلفاتها من أطعمه وذخيرة ونحوها .. وأعطيت هذه القوات قطعة أرض خارج مدينة الملك خالد العسكرية بحفر الباطن تقدر بحوالي ثلاثة كيلو مترات مربعة وتم وضع الأسلاك الشائكة ووضع حراسة أمريكية عليها.

قامت تلك القوات بتدريبات على قذائف اليورانيوم لأنها الوحيدة القادرة على اختراق الدبابات والأنفاق العراقية . وبسبب خطورة تلك المادة قامت القوات الأمريكية بدفن المخلفات في تلك الأرض .

هل انتهى هذا الأمر إلى هذا الحد؟ ... كلا ...

لما علم الأمريكان أن ( رَبْعَنَا ) لم يعرفوا هذا السلاح من قبل بل لم يسمعوا باسمه ولا مكمن الخطورة فيه شجعهم هذا على مزيد من دفن تلك المخلفات المرعبة في أي قطعة أرض دنستها أقدامهم فانتشرت المخلفات في عرض حفر الباطن وطولها بل قد تكون المنطقة الشرقية ملوثة تماماًَ.

ويقال إن هذه المخلفات السامة دفنت في الخرج حيث قاعدة الأمير سلطان."


*** 

يغوص عاصم نبوي  في الحاضر ليحمل لنا وإلينا وعلينا ما فعله ذلك الغرب الإرهابي المجرم المتوحش المجنون فيكتب في كتابه المروع نقلا عن فهمي هويدي:

" لم أصدق عيني حيث قرأت ذات صباح‏، أن أحد زعماء الأحزاب في الدنمارك‏، طالب أثناء الانتخابات التي جرت هناك في الأسبوع الماضي‏،‏ ببيع الفتيات الدنماركيات المسلمات أو المقيمات بصفة غير شرعية في البلاد إلى إحدى دول أمريكا اللاتينية‏، ثم بإقامة معسكرات اعتقال يوضع فيها المهاجرون المسلمون‏، تمهيدا لتطهير البلاد منهم‏، وطردهم إلى خارج حدودها‏!‏"..

*** 

يتحدث عاصم نبوي عن تداعي أمم الأرض علينا تداعي الأكلة على قصعتها..

يتحدث عن فظائع الكفار الروس في أفغانستان والهند في كشمير و..و..و..و..

ثم يرفق بعد هذا كله ملفا إلى جوار ملف الكتاب  يعرض فيه  تسجيلا لعرض بثمرئي Video مصورٍ بالأشعة دون الحمراء من طيارة قاذفة أمريكية من طراز AC-130 وهي تقصف مسجد خوست في أفغانستان بصواريخ النابالم الحارق ليلة أول رمضان 1422 هـ ، حيث قتلت المسلمين عمدا وهم في المسجد وحوله لحضور صلاة التراويح، ثم قصفت بعض المنازل السكنية، وقتلت من هرب منها من سكانها مع من حاول نجدتهم وإسعافهم، ثم ادعى الصليبيون الأمريكان بعد كل هذا أن القصف - الذي تم بأربعين صاروخا وخلال مدة تزيد على الدقائق العشر بخلاف وقت التآمر والتدبير - كان بطريق الخطأ أو ما يسميه الأمريكيون Collateral Damage !!!!


*** 

ولعل القارئ – مهما بلغ تأثره سيتساءل عن سر انفعالي بهذا الكتاب كل هذا الانفعال، ولعله سيقول لنفسه أن المنشور فيه تجميع للمنشور في مئات الكتب والصحف، وأنه ما كان له أن يؤثر هذا التأثير كله فيمن يتعامل مع الكلمات منذ نصف قرن. ورغم أنني لا أتفق مع هذا الرأي كثيرا إلا أنني أعترف للقارئ أن التأثير الأعظم للكتاب لم يكن بسبب ما فيه من معلومات وكلمات  بل بسبب ما فيه من صور.

هذا التجميع الرهيب المهين المذل أنقض ظهري..

ربما كان للمرء أن يحتمل صورة أو صورتين.. لكن هذه الكمية في هذا الكتاب قاتلة.. ذلك أن لدغة النحلة تؤذي، فإن كانت ألف لدغة فهي لا محالة قاتلة..

قتلتني الصور وذبحتني..

منذ أعوام .. إزاء العجز كنت أهرب من نشرات الأخبار فإذا حوصرت أغمضت عيني حتى لا أري الأشلاء والعار والذل والمهانة..

ولكن الصور الواردة في كتاب الدكتور عاصم نبوي داهمتني من حيث لا أحتسب..

كانت بالنسبة لي كأفلام الرعب.. للدرجة التي لا أعرف إن كانت الصور المروعة التي تصطخب الآن في وجداني هي صور منشورة فعلا في الكتاب أم صور أخري استدعتها صور الكتاب من مخزون الذاكرة.. 

نعم..

الصور هي التي ذبحتني وقتلتني..

فهل ترون الآن يا قراء – بعد قراءتكم لهذه المقدمة-  تلك الصور التي رأيتها..

وهل يتصدى ناشر لطباعة هذا الكتاب الأطلس المروع كي يرى الناس ما رأيت..

رأيت في تلك الصور طفلا ميتا في فمه نصف قطعة من البسكويت وفى يده النصف الآخر..

رأيت دما – لا لبنا – ينسكب من بين شفتي رضيع ميت.. 

رأيت شابا يحمل قدمه المقطوعة والدم ينبثق منها كنضاحة (نافورة)..

رأيت عجوزا يمتلئ وجهه بالتجاعيد والأخاديد، رأيته وقد بدا أنه حاول أن يتسلق شجرة تحميه من القصف فأصابته شظية فتكوم بجوار الشجرة وحوله تجمعت بركة هائلة من الدم المتخثر ..

هل رأيتم الدم المتخثر؟ ..

أنا رأيت..

رأيت أيضا رؤوسا بلا أجساد و أجسادا بلا رؤوس.. فهل رأيتم؟..

رأيت امرأة فلسطينية  تفاجئها آلام المخاض في طابور العذاب والرعب والألم أمام حاجز إسرائيلي ،  رأيت وليدها فور وصوله إلى هذا العالم فهممت أن أصرخ فيه: ارجع.. الوحش الأمريكي الإسرائيلي  المفترس يرقبك من طائرته وسوف يسعده أن يضم صورتك الميتة المسحوقة كصرصار إلى الألبوم الذي سيهديه لعشيقته الزانية فارجع..

الوحش الصربي سيقتلك ويقطع أذنيك كي لا يغالطوه في الحساب فارجع..

الوحش الروسي سيتعقبك تحت ظلمات أكبر عملية تعتيم في التاريخ فارجع..

الوحش الهندي سوف يحرقك حيا فارجع..

الوحش التيموري..

الوحش الفليبيني..

الوحش الصيني..

الوحش التايلاندي..

ارجع..

ارجع..

*** 

يعرض الدكتور عاصم نبوي الجثث المنتفخة بعد المذابح الجماعية.. المذابح التي استشهد فيها مائة ألف عراقي معظمهم من النساء والأطفال.. تظهرهم إحدى الصور .. كانوا مكومين على الأرض مبعثرين بعد أن حاول كل منهم الفرار في اتجاه مختلف وزخات الرصاص قد اخترقت ظهورهم.. كانت العظام المهشمة بالرصاص قد جعلتهم يتخذون أوضاعا غريبة.. فمن انطواء لا يتصور إلى انفراج لا يتوقع.. 

يعرض كذلك  صور جثث بعض ضحايا مجزرة جنين مكدسة على ظهر شاحنة استعدادا لدفنها جماعيا عام 2002م

أمكن للشاحنة أن تحمل جثامين الشهداء فأي قوة هائلة تقدر على حمل خزينا وعارنا وهواننا على العالمين.. 

أي خسة ومذلة وعار تواجه كل هذا الضغط والإرهاب والمهانة فتصمت.. 

بل أي قوة خسيسة عاجزة فقدت كرامتها وشرفها ونخوتها و إيمانها.

وثمة صورة لجندي إسرائيلي  مدجج بالسلاح يوجه سلاحه إلى صدر طفل فلسطيني يبكي..

كان الجندي مرعوبا وكان الطفل يبكي..

وثمة صورة أخرى لطفلة تختبئ خلف أختها والاثنتان تختبئان خلف أمهما والجندي الإسرائيلي  يتخذ وضع الاستعداد لإطلاق النار.. أما الأم.. فكانت متحدية مواجهة باسلة.. ولا تدع الصورة أي مجال للشك في أن الموت عندها هين جدا.. جدا..

فهنيئا لنا بالحياة نحن الجبناء..

كان ثمة أشلاء.. وكتل هائلة من اللحم البشري التي لا تستطيع أن تميز فيها أي شئ أي شئ أي شئ.. لا تستطيع أن تميز فيها رأسا من قدم من بطن من صدر.. وكأنما جاءت مفرمة ضخمة سحقت أجساد الآلاف من البشر..

و كان ثمة وجه بلا رأس ورأس بلا وجه وجمجمة طار غطاؤها وتناثر المخ حولها..

وكان ثمة طفلة يتدلى نصفها الأعلى من سيارة الإسعاف.. اغتالوها وهي في سيارة الإسعاف.. و أغلب الظن أن السيارة كانت تحملها لأنها كانت مصابة لكن الوحوش قصفوا السيارة قبل أن تصل إلى المستشفى..

لن يحكي لنا أحد أبدا كيف أصيبت تلك السيارة وكيف ماتت تلك الفتاة الطفلة وكيف تدلى نصف  جسدها الأعلى من السيارة..

هل أحست – لهف قلبي  وقرة عين أب لم تعد له قرة- بأن السيارة تقصف فحاولت القفز منها فعاجلتها المنية؟..

و هناك وجه مجهول بلا فك وبلا ملامح..

كانت الصور خرساء ولم تخبرني أبدا كيف مات هؤلاء الناس ولماذا ماتوا..

هل كان الدكتور عاصم نبوي يجمع صوره تيك بوسائل عادية أم بمفرمة ضخمة هائلة تسحق قلوب الناس لكنها تتركها بعد سحقها حية..

وهل كانت كومة اللحم الهائلة تلك المكونة من أشلاء الناس هي الأضخم أم أن الأضخم كانت كومة أخرى.. كومة أشلاء كرامة الأمة ونخوتها ورجولتها وعقلها و إيمانها بالله..

وكيف أمكن لذوي هذه الكومة الهائلة من أشلاء المعنى – لا أشلاء المبني – أن يعيشوا لحظة واحدة بعد كل هذا الإذلال وكل تلك المهانة..

كيف أمكن لأشلاء المعنى أن يروا صورة ذلك الجندي الصربي يركل بحذائه جثث ضحاياه من أفراد أسرة واحدة من المسلمين "البشناق" بعد أن أباد الأسرة بأكملها..

وهكذا فعل (المارينز) الأمريكان بالجرحى في " فلوجة" العراق ..

هذا بخلاف ضحايا الملاذ الآمن في سريبرينتشا  والذين ذبح منهم سبعة آلاف مسلم أعزل في يوم واحد.. لم يكونوا يحملون حتى العصي للدفاع عن أنفسهم ضد الأسلحة المتطورة الفتاكة التي أبيدوا بها بمعاونة وتستر مباشر من الغرب والأمم المتحدة وبطرس غالي..

كومة هائلة أخرى من أشلاء المبني.. تواجهها كومة أكبر بلا حدود من أشلاء المعنى..

من أشلائي أنا و أنت أيها القارئ.

كومة هائلة من أشلاء المعنى راحت تنظر وقد عقد الذهول أحاسيسها ومشاعرها إلى  جثة شيخ كشميري انتزعت أحشاؤه - قبل أن يقتل – لبيعها..

قبل أن يقتل يا أشلاء تداعت الأمم عليها تداعي الأكلة على قصعتها..

قبل أن يقتل يا قصعة..

نفس الشيء  يفعله اليهود أحفاد القردة والخنازير بالشباب في فلسطين..

وهذه – يا أشلاء ويا قصعة -  صورة لجثث بعض الكشميريين المسلمين المدنيين الذين أبادتهم القوات الهندوسية وألقت جثثهم بالجملة في الشوارع..

ويكتب عاصم نبوي تحت تلك  الصورة تعليقا ساخرا ما أن قرأته حتى بكيت..

كتب يقول معلقا على الصورة:

لاحظ تسليح الشهيد الثاني من أسفل الصورة .. قطعة من الخشب!!!

كان هذا هو سلاح الدمار الشامل الذي يحمله الشهيد..

*** 

هل سئمت أيها القارئ؟ هل جزعت؟ هل فزعت؟ هل عزفت؟ هل قرفت؟ هل قلقت؟ هل عرقت ؟ هل خزيت؟ هل هنت؟ هل ذللت؟ هل عطشت؟هل اسود وجهك؟ وكيف نلقى الله يوم القيامة ووزر الصمت عن كل هذا معلق في أعناقنا أغلالا و نحن مقمحون..

*** 

لم تنته الصور بعد..

فثمة مسجد أحرق والمصلون فيه .. وهذه هي بقاياهم المتفحمة .. كومة هائلة متفحمة.. ورغم التفحم الكامل فأنت ترى تفاصيل الأعضاء المشوهة المجعدة بالحريق، فهذا ساق، وذلك رأس بل وهذه أصابع يد.

ولم يقتصر الأمر على المساجد..

فقد  أحرقوا المسلمين أحياء في قراهم بعد تعذيبهم بوحشية ..

كانت الصور تظهر أيضا عيونا مفقوءة و أفواها مفغورة وأطرافا منزوعة وعظاما مسحوقة وجلودا مسلوخة و أشلاء متناثرة..

كانت جميع الجثث منتفخة بشكل فظيع.. 

*** 

ولم يكن ذلك هو أقسى الأمور ولا أشدها هولا.. فبرغم كل الألم فإن كل هذه الصور وكل هذا العذاب الذي لا يوصف قد زال وانقضى بالنسبة لهؤلاء الشهداء، وكان الألم الأشد والأنكى عذاب من نجوا من المذابح!!..

كان الألم الأشد و الأنكى يطفح من أعين أطفال العراق المشوهين ضحايا استخدام اليورانيوم المنضب في القصف المستمر منذ حرب الخليج الثانية 1991 إلى الآن..

كان الألم الأشد و الأنكى يطفح من أعين المشردين بلا مأوى، الجائعين بلا طعام والعراة بلا كساء بعد أن استجاب حكامنا لا غفر الله لهم لأوامر أمريكا فمنعوا عنهم حتى مصارف الزكاة والصدقة.. منعوها بعد أن اتخذوا قرارا نهائيا أن يكون خيارهم الاستراتيجي هو الاستسلام التام الدائم دون قيد ولا شرط.. الاستسلام ولو ضاعت الأوطان.. الاستسلام ولو ضاعت الأمة.. الاستسلام ولو ضاع الدين.. ولم يكتفوا بذلك.. بل أخذوا يروجون لأبشع هزائمنا وكأنها أعظم الانتصارات.

*** 

أهرب من كتاب الدكتور عاصم نبوي مروعا مفزوعا هروب من لا يحمل حتى الأمل المؤقت الزائف الذي كان يحمله ابن نبي الله نوح عليه السلام – ابنه وليس من أهله-  في أن يأوي إلى جبل يعصمه..

أهرب دون أي أمل في أن أجد أي مأوى أو عاصم..

أسأل نفسي إذا كان الله سيغفر لي ..

أو إن كان سيغفر لكم أنتم أيها القراء.. حين تُسأل تلك الجثث المتناثرة بأي ذنب قتلت.. حين تُسأل فلا يكون عليها أن تجيب .. سيكون علينا نحن أن نجيب .. 

*** 

حتى بعد أن وليت فرارا ورعبا من كتاب/ أطلس الدكتور عاصم نبوي فما تزال صوره تطاردني.. فأراها أمام ناظري  ويختفي الناس الذين هم أمامي..

تطاردني صورة محمد الدرة، ثم ما تلبث أن تطاردني صورة إيمان حجو، والتي كتبت عنها ذات يوم: صورة وجه طفلة في شهورها الأولى،  عندما رأيتها للمرة الأولى خفق القلب رحمة  وهفا تحنانا ، وددت أن أضمها إلى قلبي حين لم أدرك في اللحيظة الأولى أنها ميتة،  لكن الصورة تعرض وتكشف ،  يا إلهي، رحماك،  ثمة ثقب واسع في الصدر، أوسع بكثير من أن تسببه رصاصة، وثمة دم متجمد، ولحم أسود محترق، لحم بشرى، لحم طفلة لم تتجاوز شهرها الرابع، ولم يكتف  أطلس الدكتور عاصم نبوي بذلك، لم يكتف بالجرح الظاهر في الصورة والذي طفق يمتد إلى قلبي الذي راح ينزف، ظننت أن المأساة تقف عند هذا الحد، عند كل هذا الحد،  لم أتصور حدا بعده،  لكن الصورة التالية داهمتني عندما كشفت الظهر أيضا،  يا ربى، ما هذا؟ أي وحشية و أي جنون؟! أي كابوس رهيب يجتاحني يقظا و أي واقع مروّع  يسحقني يقظا ونائما؟.. أي وحش مسعور نهش البريئة هذه النهشة؟!  أي شيطان مجرم مريد فعلها؟!  لم يكن ذلك فعل رصاصة، بل  قذيفة دبابة هي التي أصابت الطفلة شظية من شظاياها، كان الجرح بمساحة الظهر المكشوف كله، اختلطت العظام المتفتتة للفقرات والضلوع بأنسجة الرئتين المهترئتين بنصف قلب تمزق وتناثر نصفه الآخر وقد أحاطت بالنصف الباقي فوهات مظلمة لشرايين و أوردة تقطعت،   انفجر الجمر وانصدع القلب واستعرت النار وانكسرت النفس وزلزلت الروح، تحسست صدري فوجدت الجرح نفس الجرح  فيه وتحسست ظهري فوجدت أن لا ظهر لي، كان مكانه حفرة بلا قرار، حفرة رحت أسقط فيها في بطئ مؤلم كما تسقطون الآن يا قراء..

إيمان حجو لم تكن تنطق الحروف بعد.. 

لم تتلفظ شفتاها الجميلتان بحروف وا إسلاماه ، لكن المؤكد أن قلبها الرقيق قد نطق بها في اللحظة التي لامسته فيها شظية قنبلة الدبابة قبل أن يتمزق وينفجر.  لم تنطق بها، لكن الملاين من آلها يصرخون ويستصرخون  بها ولا مجيب.

في زمن الخلافة الناقصة قالتها امرأة، فجهز المعتصم جيشا جرارا وسأل عن أعز حصونهم و أمنع مدنهم، فقالوا له أنها عمورية، و أنها أمنع من القسطنطينية، فلم يضع سلاحه حتى غزاها.

الآن..

رب وا معتصماه انطلقت ملء أفواه السبايا اليتم

لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم

الآن..

جل – بل كل - معتصمينا يأخذون أوامرهم من عمورية التي أصبح اسمها واشنطن.

***

أفظع ألف مرة بل مليون مرة من استشهاد إيمان حجو ومحمد الدرة استشهاد أولئك الذي لم يصورهم تلفاز ولم تكتب عنهم صحيفة..

أفظع ألف مرة بل مليون مرة من كل تلك الصور المروعة التي يعرضها علينا عصام نبوي في كتابه المروع، أفظع منها مليون مرة تلك الصور التي لم يأت بها ولم يعرضها.. ولن يعرضها أحد أبدا.

*** 

أهرب من الكتاب.. لكن كيف أهرب منه وقد تسلل الجمر إلى قلبي؟!..

أين أنت يا أمة..

كنا نعزى أنفسنا بأن الفساد الذي أعطب القشرة التي تمثل نخبتك لم يصل إليك، هل الحال فعلا كما نتمنى ونرجو أم أن العفن قد وصل إلى النخاع بعد فساد الرؤوس..

أين أنت؟..

ما هذا الخدر؟ بل ما هذه الغيبوبة.. بل ما هذا الموات

وأولئك الذين أفتوا باستخدام القوات الأجنبية في حرب الخليج، مالهم لا يجتمعون اليوم  ليفتوا بإعلان الجهاد في سبيل الله، من أجل القدس وبغداد.

*** 

أهرب من الكتاب حيث ثمة لا مهرب..

أهرب من جحيم النار المستعرة  فلست سوي عبد مقصر خاطئ  لا تكون النار بردا ولا سلاما على مثله .. 

أهرب من الطوفان .. وليس ثمة سفينة تحمي.. ولا حتى وهم جبل – أو جبل وهم -  يعصم..

تبكي  الكلمات ..

 تتوارى من  الخجل،  فليس ثمة ما يقال،  تندغم  حروف اللغة جميعا في حرفين لم يبق إلا هما..

آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآهٍ..

آآآآآه بلا نهاية..

فاحفظوها واستوعبوها جيدا.. فلن تكفوا عن استعمالها طيلة قراءتكم لكتاب الدكتور عاصم نبوي..

ولا بعد قراءته..

*** 

رابط الكتاب على الشبكة العنكبوتية:

www.islamicnews.net

*** 

*** 


ملاحظة:

سوف يعد المجرمون هذا الكتاب من ضمن أسلحة الدمار الشامل المحظورة، لذلك فإنني أناشد مختلف القراء والمواقع أن يحملوه من الشبكة على الفور و أن يضعوه في مواقعهم ( النص كله وليس مجرد الرابط).. ولولا أن الأمة ميتة أو توشك لرجوت أن يتصدى أحد لطباعته في كتاب ورقي يوزع على العالمين مرآة للحضارة الغربية وحقوق الإنسان فيها.

كما أناشد الدكتور عاصم نبوي جزاه الله خيرا وجعل هذا الكتاب في ميزان حسناته يوم القيامة، أطالبه بإصدار طبعة رابعة من الكتاب باللغة الإنجليزية لغير العرب من المسلمين.. بل ولغير المسلمين أيضا.


*** 


نذير إلى مباحث أمن الحاكم

فتوى بإهدار دم من مارس التعذيب..

مهما طال العمر بالطاغوت أو أبنائه فالتغيير قادم


تلك الفتوى بإهدار دم من مارس التعذيب، انتظرتها طويلا، بل وناشدت فقهاءنا منذ أعوام و أعوام أن يصدروها، ليس ضد من يمارس التعذيب فقط، بل – و إن كان بصورة أقل-  ضد من يزور الانتخابات، أو يكذب على الناس عامدا متعمدا، فيعينه الطاغوت رئيس تحرير أو مدير إذاعة أو وزير ثقافة.

انتظرت تلك الفتوى طويلا حتى فوجئت بوكالات الأنباء ترددها على استحياء، وبأقصى درجة ممكنة من التعتيم والإيجاز. فلم نفهم إلا أن مرجعا شيعيا عراقيا أصدر هذه الفتوى ضد من مارس التعذيب من أعضاء حزب البعث العراقي، ومن المؤكد أن الفتوى – طالما كانت دينية لا سياسية- لا يمكن أن تصدر بهذا الشكل، إذ لا يستساغ  أن يهدر دم البعثي الذي قام بالتعذيب بينما يعفى من العقاب عضو الحزب الوطني، أو الحرس الوطني أو ما شئت من ألقاب، إلا بذات المنطق الإجرامي السفيه، الذي تعفي به الأمم المتحدة الجنود الأمريكيين المجرمين من ملاحقة محكمة الجنايات الدولية.

الفتوي التي أصدرها الشيعة بالأمس ستصدر عن السنة غدا، والدماء التي ستهدر في العراق غدا ستهدر في كافة أرجاء العالم الإسلامي بعد غد، ولن يعصم الكفار المجرمين من العذاب عاصم.

أريد أن أكرر أن العسكر في عالمنا الإسلامي – جيشا وشرطة – قد قاموا بالدور الذي أناطته بهم بروتوكولات حكماء صهيون.. بحذافيره.. لم يكن في الأمر أي خدعة ولا سوء فهم ولا سوء تقدير .. و إنما كان كل شئ مخططا بعبقرية الشيطان، وكانت قوى العسكر تدرك أنها تدمر أمتها الإسلامية كي تقدمها لقمة سائغة لأعداء الله والأمة، كانوا يدركون ذلك دون ريب أو شك أو التباس، وكانوا يحصلون على الثمن الذي باعوا به دينهم ووطنهم. ولكي لا أظلم فإنني لا أقول أن المعرفة كانت موزعة على الجميع بالقسطاس، لكن، كما أن القانون لا يعفي المغفلين، فإنني أحسب أن الله لا يغفر للمنافقين – ما لم يتوبوا- .

و أريد أن أكرر أن العسكر لم يكونوا وحدهم في مركب الخيانة والنفاق، بل إن على الأمة الآن أن تراجع غفلتها التي أسلمتها إلى ما صارت إليه، وعليها أن تدرك أن الأمر بالنسبة للحكام أيضا لم يكن سوء تدبير أو خطأ تقدير، بل كانوا جميعا – وبلا استثناء طوال القرن الأخير – لعبة في يد الصليبية الصهيونية، لعبة بمعني العمالة المباشرة في أغلب الأحوال، العمالة المباشرة التي جعلت ذلك الملك الضليل يتعهد بأن يثير الفتن دائما مع إخوته العرب والمسلمين( هل هم إخوته؟ وهل هو مسلم؟) في نفس الوقت الذي يتعهد فيه ألا يطلق رصاصة واحدة على إسرائيل، كما جعلت هذا الرئيس المجرم يتعهد بمطاردة المسلمين أبدا، لمصلحة إسرائيل و أمنها.. بإدراك كامل لما يفعل وبإدراك كامل أن هذا هو الثمن الذي ينبغي عليه أن يدفعه للاستمرار في الحكم، بشخصه أو بنسله.

نعم.. في أغلب الأحوال كانت العمالة المباشرة الواضحة الصريحة المبنية على تعهدات مكتوبة هي الصيغة المعتمدة، وفي أحوال أقل، تعهدت المؤسسة العسكرية المخترقة، والمؤسسة التي تدعي الانتساب إلى الدين، تعهدت بتقديم حكام سيمتهم الغباء والحماقة والجهل والغفلة، وقد كان تأثير هؤلاء لا يقل فداحة عن تأثير من مارسوا الخيانة المباشرة، واتفق أولئك وهؤلاء على استبعاد الإسلام الحقيقي كمحرك للصراع والجهاد والمواجهة.

*** 

كان جهاز البوليس المجرم هو أداة الحاكم الخائن في تدمير أمته.

وسوف نخطئ كثيرا إن نحن تصورنا أن جهاز الأمن الغبي الباطش الجبار قد مارس سلطاته في حدود الأمن فقط.. ولا حتى بالمفهوم الممسوخ المشوه الذي يعني أنه قضى على الأمن، و أنه كالسرطان، قام بعكس وظيفته، بل بمفهوم رهيب ومروع  أكثر بشاعة مما يمكن أن يصل أي خيال إليه.

في العصور المتوحشة، وحروب الصليبيين، كان الطاغوت يعطى الأجر لجنوده بطريقة مجرمة غريبة، إذ كان يبيح لهم استباحة البلاد التي انتصروا عليها فينهبوا ثرواتها ويغتصبوا نساءها ويرتكبوا ما شاءوا من الجرائم فيها بغير حساب، وعلى قدر إجرام الحاكم وعسكره كانت فترة الاستباحة تطول وتقصر، لكنها لم تتجاوز أبدا أياما أو أسابيع كانت وطأة الطاغوت وعسكره تقل وقبضتهم ترتخي.  ولم يحو التاريخ فيما أعلم طواغيت كطواغيتنا، وجبابرة كجبابرتنا، أباحوا  لعسكرهم  دماء المسلمين و أعراضهم وثرواتهم منذ عشرات العقود، كان العقد الشيطاني بين الحاكم وعسكره: دعوني أستبيح الحكم واستبيحوا أنتم الأمة.

وكما أن عملية استباحة الحكم لم تكن عملية بسيطة بل كانت عملية خيانة كاملة بالغة التعقيد والتشابك في الداخل والخارج، فإن استباحة الأمة أيضا كانت كذلك، فلم يقتصر البطش على إجراءات الأمن، والتعذيب والإعدام، بل تجاوزه إلى سيطرة كاملة وتحكم كامل في جميع نشاطات الأمة المستباحة. ابتداء بالصحافة والإعلام، ومرورا بالثقافة والأدب وانتهاء بإفساد القضاء. 

كل اسم لامع تقرأونه يا قراء – فيما عدا استثناءات نادرة – لم يصبح لامعا إلا بعد أن اعتمدته أجهزة الأمن.. وفي أغلب الأحوال صنعته..

كل أديب وكل مذيع وكل كاتب وكل مفكر وكل وزير وكل محافظ وكل مسئول وكل أستاذ جامعة وكل..وكل..وكل..

بل و أقول أيضا أن اتجاهات فلسفية ملحدة كالعلمانية والقومية والحداثة وما بعد الحداثة والنسبية ( الفلسفية لا الفيزيائية) لم يكن لها أن تترعرع في مجتمعاتنا بدون الرعاية المباشرة والدعم المتواصل والحماية الكاملة من جهاز الأمن الغبي الباطش الجبار، حيث لم تقتصر الرعاية على دعم هذه الاتجاهات بل تجاوزتها إلى سحق الحركات الإسلامية التي قامت هذه الحركات للقضاء عليها تحت إشراف وبتحريض جهاز الأمن الباطش الذي أعطى مواثيقه للشيطان للقضاء عليها. 

لم يفلت من بطش العسكر إلا من حظي بشهادة أنه عميل لجهة أعلى.. لمخابرات أجنبية..

و إذا قيض للأسرار أن تكتشف فسوف يقتلنا الذهول عندما نكتشف العلاقات الخفية المحرمة بين هؤلاء جميعا وبين الأمن..

حتى على مستوى الطلبة في الجامعة.. يقسمهم الأمن إلى فئتين: فئة العملاء المتعاونين، وفئة غير المتعاونين الإرهابيين.

ونحن لا نتحدث على مستوي السذاجة التي تتحدث بها أجهزة إعلامنا، ولم ندّع ولم نقل أن كل واحد من المليون شرطي قد قابل رئيس الـ CIA ، ولا أن كل واحد من المليون جندي قد تم تعميده في الموساد، ولا نقول حتى أن كل وزير أو محافظ يتلقى تعليماته اليومية المباشرة من هناك.

لا أقول ذلك، وإنما تكفلت عبقرية الشيطان أن تخلق الآلية والمنهج التي جعلت مجتمع النخبة ي عالمنا الإسلامي يخون النخبة ويقودها نحو الهلاك.

لكننا في نفس الوقت لا ننكر أن عددا كبيرا جدا من الخونة يدرك أنه يخون، ويحصل على الثمن المباشر لذلك.

هذا الملك المعزول والرئيس المنفي اللذان يلعبان بالبلايين من الأرصدة المنهوبة المهربة للخارج كانا يعلمان أنهما يخونان وكانا يقبضان ثمن الخيانة.

هذا الصحافي المعدم الذي دخل إلى عالم الصحافة من بوابة الأمن ليصبح رئيس تحرير بلا أي موهبة حقيقية ليملك الآن مئات الملايين بل والبلايين عميل خائن ولص مجرم خان دينه وباع بلاده.

هذا المذيع..

هذا الـ.. و..و..و..

في لمحة بارعة الذكاء يلتقط الكاتب الكبير جلال كشك جزءا من الصورة ويكشف جزءا من الآليات المعتمدة في كواليس المخابرات فيقول في كتابه: "كلمتي للمغفلين":

"ذلك النوع من الإكراه الذي يقع على المفكرين المصريين فيجبرهم على ترديد فكر المنحرفين، أو حتى تبنيه، وذلك من خلال الخطة الخبيثة التي وضعها السادات ومسشاروه من رجال المخابرات الأمريكية بفرض نماذج معينة على العمل السياسي في مصر ومنحها وحدها ترخيص أو احتكار تمثيل التيارات واحتكار إصدار الصحف المدعومة من الدولة واحتكار تراخيص الأحزاب.. ومن ثم يستغلون حاجة الشرفاء المشروعة للتعبير في أي منبر لفرض أرائهم المنحرفة عليهم!."

انتهي جلال كشك من ملاحظته البارعة..

فهل نفهم الآن أن جميع ما هو موجود في الساحة متفق عليه.. ومع مستشاري المخابرات الأمريكية..

ومرة أخرى أقول أن كل ما هو موجود على الساحة صناعة أجنبية، أو على الأقل بموافقة أجنبية. كما أقول أن نسبة التصنيع المحلي تقل كلما ارتفعت الوظيفة، فإذا وصلنا إلى الرئيس أو الملك، كانت الصناعة أجنبية بالكامل.

كان من المستحيل أن يتفق الجميع ويتواطئوا على الخيانة المباشرة..

وكانت أوكار المخابرات قد اكتسيت خبرتها الهائلة عبر القرون.. وابتدعت آلية ومنهجا..

وكان المنهج بسيطا جدا: إلغاء الإسلام كمرجعية..

إلغاء الولاء والبراء..

إلغاء الحلال والحرام..

وبعدها أصبح كل شئ مباحا..

سيطر العسكر على كل شئ.. ولوثوا كل شئ وباعوا كل شئ..

أهدر الخونة المجرمون من مباحث أمن الحاكم – جيشا وشرطة -  دم الأمة..

ولقد تأخرت كثيرا الفتوى بإهدار دم من يمارس التعذيب..

وربما لو صدرت في الوقت المناسب لما أمكن للدائرة الخبيثة أن تكتمل.

وما أشد عتابي على فقهاء السنة أن لم يبادروا هم بذلك..

*** 

لقد كان التعذيب الذي مارسته أجهزة الأمن في طول عالمنا الإسلامي وعرضه من أهم العوامل التي أدت إلى الهزيمة الواقعة.. الهزيمة البشعة الرهيبة المروعة.. التي أذلت الأمة كما لم تذل أبدا.. تلك الهزيمة لسنا نحن المسئولين عنها.. فلم يكن لنا من الأمر شئ عندما وقعت..

كانوا هم في السلطة .. ولاة الأمر..

وكنا معزولين مضطهدين مطاردين مسجونين معلقين على المشانق..

كانت صحفنا تغلق.. و أصواتنا تخنق.. ورؤيتنا للصراع مع أعدائنا يُسخر منها.. وكان أبناؤنا يعذبون عذابا لم يشهد له التاريخ مثيلا.. 

ولاة الأمر هم الذين انهزموا..

ولاة الأمر ودينهم العلماني الوضيع وسياساتهم الخائنة هم الذين انهزموا.. 

أما الإسلام والمسلمون فلم يسمح لهم بدخول الصراع أصلا.. فكيف ينهزمون.

*** 

*** 

*** 


ثم أقدم للقارئ مقدمة غاية في الأهمية لكتاب خطير آخر يظهر كيف يتعامل الأمريكيون مع الشعوب الأخرى كالحيوانات أو أشد قسوة..

كيف تعاملوا.. وكيف يتعاملون.. وكيف سيتعاملون..

والكتاب لا يحتاج إلى تعليق إذ يتحدث عن نفسه بنفسه..

و إليكم مقدمته:


ترويض العبيد 

من كتاب: العبودية في أفريقيا والتاريخ المفقود

عايدة العزب موسى

مكتبة الشروق الدولية


هل يدرى القارئ أن ما نسميه بالاستغلال والاستبداد والقسوة والتعذيب ليس مجرد أفعال عشوائية تحركها الغلظة والشراسة أو عواطف الطمع والكراهية، إنها ليست كذلك فقط، إنها أيضا  خبرات وتجارب وتراكم لدروس مستفادة بحيث تصير فنونا ومعارف يتناقلها الزبانية ويتبادلون الخبرات فيها لتكون أشد إيلاما، وليكون التعذيب أدوم تأثيرا وأفعل في النفوس، وهذا يحتاج إلى دربة ومران وعقل مفكر وخبرات تتداول وتتراكم.

ولعل أكثر الأمثلة وضوحا على ذلك المحاضرة التي ألقاها وليام لنش، مالك العبيد في الكاريبي على ملاك العبيد في "مستعمرة  فرجينيا الذين أتوا إليه من كل أنحائها  ليستمعوا إلى خبرته في ترويض العبيد.

وكان أحد أصدقائه من ملاك العبيد في فرجينيا بالولايات المتحدة دعاه عام 1712م  ليتحدث عن تجربته وأسلوبه في السيطرة على العبيد في مستعمرته، وما ابتدعه من أساليب وحشية وخبيثة وأفعال رهيبة لإخضاعهم.

وإذا كان ماض البشرية يشينه ويخجله صورة العبد الأفريقي الذي اختطف وربط بالسلاسل في رحلة عذاب طويلة إلى أرض القارات الأمريكية ليخدم السيد الأبيض ويفعل به ما يشاء هذا السيد، فإن ما يفعله الأمريكي الأبيض الآن في بداية الألفية الثالثة بأسرى حرب أفغانستان لا يختلف كثيرا عما فعله جدوده من قبل، فبعد أن أفرغت الولايات المتحدة شحنتها من الصواريخ والقنابل والمتفجرات فوق أفغانستان وناسها، ساقت مئات الأسرى منهم مكبلين بالأغلال داخل معتقلات، وفى حملة انتقامية لا مثيل لها، نظر العالم مشدوها، وهو يشاهد أسرابا من الأسرى لم توجه لهم تهم ولم تصدر في حقهم أحكام قانونية يساقون كالبهائم مصفدين في الأغلال معصوبة عيونهم مخدرين، وينقلون كالوحوش المفترسة في أقفاص مكشوفة من الحديد، ويلقى بهم في قاعدة جوانتانامو العسكرية الأمريكية في كوبا.

وفى صحوة ضمير خصصت صحيفة "دى ميل أون صانداى" البريطانية الأسبوعية غلافها بصورة تظهر الوضع المهين للمعتقلين في القاعدة والقيود التي يرسفون بها والكمامات التي تعطل حواسهم، وكتبت في عنوانها الرئيسي: " إنهم لا يسمعون شيئا ولا يرون شيئا ولا يشعرون بشئ، أيديهم وأرجلهم ترسف في القيود، انهم يركعون مذعورين.. أبهذه الطريقة يدافع بوش  وبلير عن حضارتنا!.

ما أشبه اليوم بالأمس، فما يفعله الأمريكي " المتحضر" بأسرى أفغانستان في القرن الواحد والعشرين، هو نفس ما فعله الأمريكي الأبيض بالأفريقي الأسير المختطف في القرن الثامن عشر. لا اختلاف بينهما سوى أن الأمريكي اليوم يصف نفسه بالمتحضر وأمريكي الأمس كان يجهر بأنه مستعمر.

وهكذا تبقى صحيحة إلى اليوم محاضرة "وليام لنش " أو رسالته إلى أبناء جلدته، وأن كلماته هذه ونصائحه يتعين أن تنشر وتطرح على الملأ لعلها تحدث غضبا لدى الرأي العام العالمي.

وقف وليام لنش بين أبناء جلدته يقول: أيها السادة، إنني أحييكم هنا علي شاطىء نهر جيمس في 1712 م. أولا أشكركم أيها السادة في مستعمرة فرجينيا . دعوتكم لي هنا.

إنني هنا لأساعدكم على حل بعض مشاكلكم مع عبيدكم. إن دعوتكم وصلتني في مزرعتي المتواضعة في جزر الهند الغربية، حيث جربت عددا من الوسائل الحديثة والوسائل القديمة للسيطرة على العبيد، وإن روما القديمة يمكن أن تحسدنا إذا طبق برنامجي.

عندما كان قاربنا يبحر جنوبا في نهر جيمس، رأيت ما يكفى لمعرفة أن مشكلتكم ليست فريدة، وفى حين كانت روما القديمة تستخدم الخشب كصلبان لوضع الأجسام البشرية على طول الطرق الرئيسية فأنتم هنا تستخدمون الشجر والحبال لهذا الأمر، وقد لمحت عبدا ميتا معلقا على شجرة على بعد ميلين، وأنتم بهذه الطريقة لا تفتقدون فقط هذه الثروة التي تعلقونها، ولكنكم أيضا تعانون من الانتفاضات ومن هروب العبيد بعيدا، ومن أن محاصيلكم تبقى في الحقول بغير جنى كثر مما يستوجب الحصول على الربح اكبر، كما أنكم تعانون من حوادث الحريق التي تحدث من قتل حيواناتكم.

أيها السادة، إنكم تعرفون ما هي مشاكلكم ولست في حاجة إلى شرحها لكم ولست هنا ألقى الضوء عليها، إنما أتيت لأقدم لكم وسيلة لحل هذه المشاكل. في حقيبتي هذه وسيلة مجربة يمكنكم بها السيطرة على عبيدكم السود، وأني أضمن لكل واحد منكم إذا استخدمها بطريقة صائبة فستمكنه من السيطرة على العبيد لمدة لا تقل عن 300 سنة، وطريقتي بسيطة وأي واحد من أسركم وكل من يشاهدها يمكنه أن يستعملها.

إنني أبحث عن عدد من الاختلافات بين العبيد وآخذ هذه الخلافات وأعمل على تضخيمها، أستخدم وأستعمل الخوف وعدم الثقة والحسد لأغراض السيطرة، وهذه الوسائل نجحت في مزرعتي المتواضعة في جزر الهند وستعمل أيضا في كل الجنوب.

أيها السيد.. خذ هذه القائمة الصغيرة البسيطة من الاختلافات وفكر فيها، في قمة قائمتي ستجد اختلاف السن واللون وهناك أيضا الذكاء والحجم والجنس ومساحة المزارع وحالة المزرعة ووضع الملاك، وحيثما يكون العبيد يحيون في الوادي أو على التل في الشرق أو الغرب في الشمال أو الجنوب أو يكون شعرهم خشنا أو ناعما أو يكونون طوالا أو قصارا.

الآن إن لديك قائمة بالاختلافات وأعطيك طريقة للعمل، ولكن قبل ذلك أؤكد لك أن زرع الشك وفقدان الثقة هو أقوى من الثقة، وأن الحقد أقوى من التملق أو الاحترام أو الإعجاب، وأن العبد الأسود بعد أن يتشرب هذه المشاعر فسيحملها وسيغذيها تغذية ذاتية وسيولدها في نفسه لمئات من السنين أو من الآلاف منها.

لا تنسى أن تضع الرجل الأسود العجوز ضد الرجل الأسود الشاب، والرجل الأسود الشاب ضد الرجل العجوز الأسود.

يتعين أن تستخدم العبيد ذوى البشرة الداكنة ضد العبيد ذوى البشرة الأقل سوادا، وذوى البشرة الأقل سوادا ضد العبيد ذوى البشرة الداكنة.

يتعين أن تستخدم الرجال ضد النساء والنساء ضد الرجال، ويتعين أيضا أن تجعل الخدم البيض فاقدي الثقة تماما بكل السود، ومن الضروري أن تجعل عبيدك واثقين بنا ومعتمدين علينا ويجب أن يحبونا ويحترمونا ويثقوا بنا نحن فقط.

أيها السادة، هذه الأساليب هي مفتاحكم للسيطرة فاستخدموها، واجعلوا زوجاتكم وأطفالكم يستخدمونها ولا يتركون أية فرصة تفلت منهم.

إذا استخدمت هذه الوسيلة بكثافة لسنة واحدة فسيبقى العبيد دائما فاقدي الثقة، وإليكم التفاصيل:

وخشية من أن أجيالنا في المستقبل قد لا يتفهمون مبادئ الترويض لكل من الخيل والبشر فإننا نضع أمامهم هذا الفن، وإذا كنا نريد أن ندعم اقتصادنا الأساسي فيجب أن تربط الوحوش بعضها ببعض.

نحن نفهم الخطط قصيرة المدى والنتائج الاقتصادية في الاضطرابات الاقتصادية الدولية، ولكي نتفادى الاضطراب الاقتصادي يتعين أن يكون لدينا مدى طويل وعميق لاستخدام المهارة والحزم.

ونحن نضع المبادئ الآتية من أجل التخطيط الاقتصادي المعقول والطويل المدى:

1-  إن الحصان والزنجي كليهما لا يفيدان الاقتصاد في الحالة الطبيعية والبدائية.

2- كليهما يتعين أن يروض ويربط بعضهما ببعض لإنتاج المنظم.

3-  ومن أجل المستقبل المنظم فإن الاهتمام يجب أن يبذل بشكل خاص بالنسبة للنساء والذرية أو الناشئة.

 4- وكليهما يجب أن يدجن لينتج تقسيما متنوعا للعمل.

5- وكليهما يتعين أن يعلم أن يستجيب إلى لغة جديدة خاصة.

6- و إن تعليمات نفسية وجسمانية للاحاطة بهما يجب أن توجد. 

وبكلمات أخرى يتعين كسر إرادة المقاومة، إن عملية الترويض تصبح الآن هي ذاتها لكل من الحصان والزنجي. والاختلاف هو خلاف قليل في الدرجة فقط، ولكن كما ذكرنا من قبل هناك فن التخطيط الاقتصادي طويل المدى. كذلك يتعين أن تبقى عينك وأفكارك على الإناث وعلى الناشئة  أو الذرية من الخيل والزنوج.

إن برنامجا مختصرا لتطوير الناشئة سيلقى الضوء على هذا الأمر، اهتم قليلا بالجيل الأول الذي انفصل وركز على أجيال المستقبل. ومن ثم إذا تعاملت مع الأم الأنثى فإنها ستروض أبناءها في السنين الأولى لتطورهم، وعندما ينمو الناشئة فستسلمهم لك، لأن ميولها الأنثوية العادية في حماية النفس ستكون قد فقدتها في عملية الترويض الأولى التي جرت معها.

وعلى سبيل المثال ففي حالة التعامل مع قطيع من الخيل الوحشية والفرس الأنثى والحصان الصغير، وقارن عملية الترويض مع اثنين من الذكور الزنوج في حالتهم الطبيعية أو مع الزنجية الحامل مع وليدها.

خذ الحصان وروضه للتعامل المحدود، روض تماما الفرس الأنثى حتى تصير مهذبة جذا يمكن لك أو أي شخص آخر أن يركبها براحة تامة، واستولد الفرس حتى تحصل على الوليد المطلوب، ثم أطلق الفرس بحريتها ودربها أن تأكل طعامها من يدك ستجد أنها ستدرب أولادها لكي يأكلوا من يدك أيضا.

وعندما تروض الزنجي غير المتمدين فاستخدم العملية ذاتها، ولكن بدرجة مختلفة لكي تحصل على نتائج متباينة. استخدم أكثر الزنوج عنادا واخلع عنه ملابسه أمام الزنوج الذكور الآخرين وأمام النساء وأمام الأطفال واطله بالقار، وضع عليه الريش، واربط كل ساق له بحصان يتجه عكس الحصان الآخر، ثم اضرب الحصانين لينشطر أمام جميع الزنوج الموجودين. والخطوة الثانية أن تمسك بسوط وتضرب الزنوج الباقين إلى حد الموت أمام النساء والأطفال، لا تقتلهم ولكن اجعلهم يخافون،  لأنهم يمكن أن يكونوا مفيدين في استولاد الأطفال بعد ذلك. 

المرأة

" ثم خذ الأئثى وأجر عددا من الاختبارات عليها لترى ما إذا كانت إرادتها قد خضعت لرغباتك طواعية، اختبرها بكل طريقة،  لأنها هي أكثر العناصر أهمية من أجل الاقتصاديات الجيدة.

إذا وجدت منها أية إشارة لمقاومة الخضوع الكامل لإرادتك فلا تتردد في استخدام السوط لتضربها إلى أقصى مدى. وخذ حذرك بألا تقتلها؟ لأنك لو فعلت فستفسد الاقتصاديات الجيدة، وعندما يتم الخضوع الكامل فإنها ستدرب ذريتها في السنين الأولى لهم على الخضوع للعمل عندما يأتي سن العمل.

إن الفهم هو أطيب شئ، ومن ثم فنحن سنذهب بعيدا لهذه المسألة المتعلقة بما ذكرناه هنا بعملية الترويض للزنجية.

نحن عكسنا العلاقات، وهى في حالتها الطبيعية غير المتحضرة تكون لديها تبعية

قوية للذكر (الرجل) الزنجي غير المتحضر، ويكون لديها اتجاه للمناعة المحدودة بالنسبة لاستقلال أبنائها الذكور وستجعل أبناءها الإناث تابعين مثلها.

ومن الطبيعي بالنسبة لهذا النوع من التوازن فنحن نعكس الطبيعة عندما نتعامل

مع الزنجي بضربه بالسوط إلى لحظة الموت، وأن يكون ذلك أمامها وبحضورها، وعندما نتركها وحدها بغير حماية وبعد أن تحطم صورة الذكر، فإن المحنة ستنقلها من حالة التبعية السيكولوجية إلى حالة من التجمد والاستقلال والتبلد.

وفى هذه الحالة من الجمود النفسي فإنها ستعكس الأدوار الخاصة بالنسبة للذكور والإناث لنسلها، فهي خوفا على حياة ابنها الذكر ستدربه نفسيا على أن يكون ضعيفا من الناحية المعنوية وتابعا ولكن قوى من الناحية الجسمانية.

ولأنها قد صارت مستقلة نفسيا فإنها ستدرب ابنتها الأنثى لكي تكون مستقلة نفسيا، ما الذي ستحصل عليه من ذلك؟ ستحصل على امرأة زنجية في المقدمة وعلى رجل يتوارى بعيدا، وهذه الحالة ممتازة من الناحية الاقتصادية.

وقبل عملية الترويض يجب أن تكون متيقظا في كل الأوقات " أما الآن فيمكنك

أن تنام مطمئنا؟ لأنه ينتج من الخوف أن تصير المرأة حارسة لنا، أما الذكر فيصير أداة طيعة مستعدا أن يربط مع الحصان في سن البلوغ.

وعندما يبلغ الزنجي سن 16 سنة فإنه سيكون مستعدا لحياة طويلة من العمل الفعال ولإعادة إنتاج قوة العمل الجيدة.

ومن خلال الترويض للزنوج المتوحشين غير المتحضرين، وبجعل الزنجية المتوحشة في حالة من الاستقلال المتبلد بنفى تصور أن الذكر يقوم بحمايتها وبمحو عملية التبعية من الخضوع للذكر المتوحش الزنجي، نكون قد خلقنا دورة تفيدنا إلى الأبد إلا إذا حدث تحول آخر.

إن خبراءنا يحذروننا من إمكانية حدوث هذا التحول؟ لأنهم يقولون لنا: إن العقل لديه ثورة كبيرة على تصحيح نفسه بعد فترة من الوقت إذا لمس إمكانية لذلك.

وعملا بهذه النصيحة فإن أحسن طريقة للتعاون مع هذه الظاهرة هي أن نمسح ونلغي التاريخ المعنوي، وأن نخلق لهم عددا من الظواهر المتوهمة وكل وهم يأتي فعله بينهم.

اللغة المسيطرة

ومتى تم الترويض فمن أجل استبقاء أثره يتعين أن نمحو تماما اللغة الأصلية لدى الزنجي الجديد، وأن ننشئ لغة جديدة تسهل حياته العملية. وأنتم تعلمون أن للغة تكوينها الخاص وأنها تصل إلى قلوب شعبها، وبقدر ما يعرف الأجنبي لغة غيره من الشعوب بقدر ما يستطيع أن يتحرك وينتقل من خلال كل مستويات هذا المجتمع، ومن ثم إذا كان الأجنبي عدوا لبلد آخر إلى درجة أنه يعرف تكوين لغته إلى هذا المدى، يكون الوطن قابلا للغزو من الثقافة الأجنبية، وعلى سبيل المثال فلتأخذ العبد إذا أنت علمته كل ما يتعلق بلغتك فسيعرف كل أسرارك وسيعرف أكثر مما يجوز باعتباره عبدا لن تستطيع أن تستغله بعد ذلك، وإن جعله مغفلا هو إحدى الصفات الرئيسية لاستبقاء النظام العبودى.

وعلى سبيل المثال أيضا فإذا قلت للعبد: إنه يجب أن يحسن حصد حاصلاتنا،

إذا  كان هو يعرف اللغة جيدا فسيعرف أن لفظ حاصلاتنا لا تعنى إلا أنها حاصلات لنا وسينهار النظام العبودى؟ لأنه سيتعامل مع المعنى الحقيقي لكلمة حاصلاتنا.

ومن ثم فعلينا أن نكون حذرين في استخدام اللغة الجديدة؟ لأن العبد سيوجد في منزلك و سيتحدث إليك حديث رجل لرجل، وسيكون هذا هو الموت بالنسبة لنظامنا الاقتصادي.

وبالاضافة إلى ذلك فإن تعريف الكلمات والعبارات هو جزء صغير من العملية. إن القيم تخلق وتنتقل بوسائل اتصال من خلال هيكل اللغة، وأن المجتمع " لديه نظام من القيم المتداخلة، وكل هذه القيم في المجتمع تنتقل عبر اللغة وتترابط لتعمل بانتظام في المجتمع.

ولكن من أجل هذه الجسور اللغوية فإن هذه النظم القيمية ستتصادم بعنف وتوجد صراعا داخليا أو حربا أهلية. إن درجة الصراع تتحدد بمدى ضخامة الموضوعات ومدى قوة المعارضة، فمثلا إذا وضعت عبدا في مكان قذر (حظيرة  خنازير) ودربته على أن يحيا ويقيم فيه باعتباره وسيلة كاملة للحياة، فلن يجادلك  بعد ذلك في كيف يكون هذا المكان نظيفا ولن تخشى منه شيئا.

ومن ناحية أخرى إذا وضعت هذا العبد في نفس المكان القذر (حظيرة الخنازير)، وجعلت له من لغته ما يشعر به أن هذا المكان أو أن المنزل يمكن أن يكون أحسن من حظيرة الخنازير، يمكن أن ننشئ مشكلة وستجده بعد ذلك في منزلك أنت.

*** 


والآن أليست رسالة (وليام لنش) ونصائحه الخاصة بترويض العبيد لا تختلف كثيرا عما يحدث الآن لترويض الشعوب؟!


*** 

*** 

*** 


ماذا لو ناديت بقتل خمسة أمريكيين في بلادنا مقابل كل عراقي يستشهد؟

نعم..

ماذا لو فعلت ذلك، فأولئك اللصوص القراصنة جاءوا من أقصى الأرض ليستبيحوا بلادنا و نساءنا وأمتنا وملتنا.. وسوف يكون منطقيا تماما – وشرعيا أيضا- أن تدافع الأمة عن بعض من فلذاتها في العراق. الأمة بمفهومها الشامل، وكما جليت أمريكا كل حلفاءها ليساعدوها علينا فإن علينا في كل أنحاء العالم الإسلامي أن نطارد الأمريكيين – خاصة في الكنائس- انتقاما وثأرا حتى ينسحبوا من بلادنا..

ماذا سيحدث لو فعلت ذلك..

وكم ألف اتهام بالإرهاب ستوجه إلىّ..

وكم عربة مدرعة ستحاصر بيتي..

وكم عاما سوف أسجن ( لن يكتفوا طبعا بتوبيخي، توبيخا كالذي ناله قتلة الجنود المصريين في سيناء).

لكنني لم أفعل ذلك..

بل العكس هو الذي حدث ..

فقد نشرت  صحيفة "توسون سيتيزن" وناشرها، الصادرة بولاية أريزونا في 2 – 12 – 2003  مقالا يدعو إلى قتل المسلمين في الولايات المتحدة لوقف المقاومة التي يواجهها الجنود الأمريكيون في العراق. 

وجاء في المقالة المسيئة: "يمكننا أن نوقف قتلة الجنود الأمريكيين في العراق"، وأضافت "في كل مرة يُقتل (فيها جندي أمريكي) أو تحدث كارثة؛ نذهب إلى أقرب مسجد ونقتل أول 5 مسلمين نقابلهم، على كل حال هذه حرب مقدسة على الرغم من أن هذا الأسلوب ليس عادلا؛ إلا أنه قد ينهي الرعب"".. فخلال الحرب من الأفضل لك أن تخيف الآخرين أكثر من أن تكسب حبهم".

*** 

*** 

*** 

أبو جهل و أبو لهب.. وحمالة الحطب


المرشحون للرئاسة حتى الآن وصمة عار تستحقها الأمة..

ولقد قلت لنفسي ساخرا بعد مطالعة الأسماء أن هؤلاء المرشحين لن يحتاجوا الشهادات العادية فقط للتقدم للترشيح، بل سيحتاجون إلى شهادات أخرى لم يتقدم بها أي مرشح للرئاسة في أي بقعة من العالم..

سيحتاج بعضهم مثلا إلى شهادة من أمن الدولة والمخابرات العامة أنه ليس جاسوسا ( دعنا الآن من صدق  هذه الشهادة، خاصة من الأولي، لأنها  ستكون شهادة زور، تدفع بالجواسيس الحقيقيين لتولي المنصب.. وتبعد من هو جدير به عنه).

وسيحتاج البعض إلى شهادة من مستشفى الأمراض العقلية أنه ليس مجنونا.

أما البعض الآخر فسوف يحتاج إلى شهادة من بوليس الآداب.

*** 

قال لي صاحبي وهو يحاورني:

- فلتبغض سعد الدين إبراهيم كما تشاء ولكن تذكر أنك كنت أنت بالذات أول من تنبأ منذ سبعة أعوام – ولم يكن حينها يخطر على بال أحد – أن أمريكا تعده لكي يكون رئيسا للجمهورية، بل وكتبت ذلك صراحة، وقلت أيضا أن الهجوم عليه لا يتم لصالح الوطن، بل لصالح الرئيس مبارك.

ولم أحر جوابا فواصل:

- أما الهجوم عليه الآن فإنه يتم لصالح جمال مبارك..

ولم أحر جوابا فواصل قائلا، لكن في صراخ هذه المرة:

- هل تعتقد أن علاقة جمال بأمريكا و إسرائيل  أقل من علاقة سعد بهما، وهل تعتقد أن جمال سيكون أكثر رحمة بالمصريين أو انتماء للعروبة والإسلام، هل تعتقد أنه – لو جاء لا قدر الله- سيكون التعذيب أقل والتزوير أقل والفساد أقل..

ولم أحر جوابا فواصل ساخرا:

- على الأقل فإن الجيش والشرطة والحزب والصحافة والدولة لن تحمل من الولاء لسعد ما تحمله لجمال.. وقد يخفف هذا من قبضته علينا..

ولم أحر جوابا لكنني رحت أتمتم هامسا لنفسي غير حريص على سماع الصديق ولا على إسماعه:

- لست مضطرا للاختيار بين أبي جهل و أبي لهب وحمالة الحطب ولست مضطرا لاختيار الأسوأ .. لست مضطرا.. لست مضطرا.. فالشهادة والجنة أقرب..


 *** 

*** 

*** 


ثم لا أملك إلا أن أهمس في إعياء مجهد:

آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه.. 

 

 








أمريكا بدأت هجومها العام والشامل على الإسلام

بن لادن- وليس أبو جهل و أبو لهب - هو الحل


أرضيتم غير الإسلام دينا؟!

ليس أسوأ من تكفير المسلم إلا عدم تكفير الكافر

شارون يعتبر حكامنا حلفاء فكيف نقبلهم رؤساء

حسن السرات و أمير المؤمنين وكلاب العلمانيين

مكافأة – مني - لمن يقتل بوش..!!


بقلم د محمد عباس

www.mohamadabbas.net

mohamadab@gawab.com


أهانت عليكم عقيدتكم يا ناس..

أم رخص عندك دينك يا أمة..

أم سقطت فريضة الجهاد .. وانقضى زمان الاستشهاد..

وهل الجهاد والاستشهاد لا يجبان إلا على أهل فلسطين والعراق و الأفغان والشيشان..

أين أنت يا أمة..

أين أنت و أبوجهل ينقض عرى الإسلام عروة بعد عروة مدعيا أنه يحارب الإرهاب وما غير الجهاد يحارب .. وما من أحد منا سأله لمن ولاؤه وممن براؤه.. وهل هو مؤمن بالله وكافر ببوش أم كافر بالله ومؤمن ببوش.. فهما لا يجتمعان.

نعم.. أبو جهل.. هذا الدموي الغبي عييّ اللسان كثير التهتهة قليل الدين إن كان قد بقي لديه دين وهو يعلن الحرب على الإسلام بدلا من أن يعلنها على الكفر. 

أبو جهل الذي يلغي السنة أو يحرفها.. ويلوي عنق تفسير آيات القرآن الكريم ليصل بها إلى عكس معناها حتى أن فقيهه لعنهما الله ذكر جزءا من آية: " التهلكة" دون أن يبين أن التهلكة التي تقصدها الآية هي تهلكة الانصراف عن الآخرة والانكباب على الدنيا. فكلمة التهلكة لم ترد في القرآن الكريم إلا مرة واحدة في آية واحدة:

وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين (البقرة 195).. قال أبو أيوب الأنصاري: أن الإلقاء باليد إلى التهلكة هو ترك الجهاد في سبيل الله، وأن الآية نزلت في ذلك ( الجامع لأحكام القرآن).. وإلى هذا المعنى ذهب البخاري إذ لم يذكر غيره.. أو كما ورد في تفسير الجلالين: أن التهلكة هي الهلاك بالإمساك عن النفقة في الجهاد أو تركه..

أبو جهل الذي سلم كل مقاليد قوته و أموره إلى أعداء الله..

أين أنت يا أمة وقد بلغت شراسة أبي لهب أنهم يهددون الأسرى في جوانتانامو بأن يرسلوهم لتعذبهم أجهزة أمنه، فإذا بهذا التهديد أقسى من كل تهديد آخر.. و إذا به هو الذي تنهار به ذبالات مقاومات باقية.. و إذا به يفرح لذلك ويفخر به آملا أن تكون له يدا عند سيده ومولاه يمنحه بمقتضاها الحكم ولأهله.. تعس هو وأهله..

نعم.. أبو لهب الذي يبيع الإسلام عروة بعد عروة و أرضا بعد أرض.. هذا السمسار البشع الرهيب الذي لم تنكب بلاد المسلمين بمثله إذ لا يتورع عن فعل شئ في سبيل مكاسبه ومكاسب آله حتى لو احترق الوطن والأمة وقضى على الدين. 

أبو لهب.. القواد الذي يستدرج شقيقاته وبناته إلى الغواية..

والسمسار الذي يبيع جسد أمه قطعة قطعة..

يا إلهي..

كيف يمكن أن تأمل الأمة في نصر في ظل أبي جهل و أبي لهب..

وما من طاغوت من طواغيتنا إلا وهو أبو جهل و أبو لهب.

بل كيف يمكن أن تأمل الأمة في تخفيف تسارع الانهيار وجيوشنا مكرسة.. لا لتوحيد الأمة بل للدفاع عن الحدود المصطنعة التي فرضها أعداؤنا كي يضمنوا استمرار تمزق الأمة..

كيف يمكن.. وشرطتنا أشد قسوة و إجراما ودموية من شرطة أعتى أعدائنا..

كيف.. و أجهزة أمننا تكرس الفساد وتشجع التزوير وتمارس التعذيب وتحارب الإسلام..

كيف ووزراء ثقافتنا – الشواذ- يكرسون الغزو الفكري..

كيف ووزراء إعلامنا – القوادون – ينشرون الزيف والكذب..

كيف ووزراء تعليمنا – القوادون الشواذ- يعلمون الكفر والعهر والجهل ويمنعون الدين والعلم..

كيف وكتابنا ومفكرونا وصحفيونا – الأشد سوءا من القوادين والشواذ- أصبحوا أخطر أدوات الغزو الفكري.. أخطر حتى من الدبابات والطائرات والصواريخ والمدافع..

كيف.. كيف.. كيف.. كيف..

*** 

يقول العلامة محمود شاكر (في تقديمه لكتاب الظاهرة القرآنية- مشكلات الحضارة- مالك بن نبي- ترجمة د عبد الصبور شاهين- الهيئة العامة لقصور الثقافة):

 ..".. منذ أول الإسلام، خاضت الجيوش الإسلامية معارك الحرب في جميع أنحاء الدنيا، وخاض معها العقل الإسلامي معارك أشد هولا حيث نزل الإنسان المسلم. وتقوضت أركان الدول تحت وطأة الجند المظفر، وتقوضت معها أركان الثقافات المتباينة تحت نور العقل المسلم المنصور، وظلت الملاحم دائرة الرحى قرونا متطاولة، في ميادين الحرب وميادين الثقافة، حتى كان العصر الأخير.."

ثم تدور رحى الدائرة فيقول العلامة:

..".. انبعثت الحضارة الأوربية، ثم انطلقت بكل سلاحها لتخوض في قلب العالم الإسلامي، أكبر معركة في تاريخنا وتاريخهم، وهي معركة لم يحط بأساليبها وميادينها أحد بعد في هذا العالم الإسلامي (...) لم تكن المعركة الجديدة بين العالم الأوربي المسيحي، وبين العالم الإسلامي، معركة في ميدان واحد، بل كانت معركة في ميدانين: ميدان الحرب، وميدان الثقافة، ولم يلبث العالم الإسلامي أن ألقى السلاح في ميدان الحرب، لأسباب معروفة، أما ميدان الثقافة، فقد بقيت المعارك فيه متتابعة جيلا بعد جيل، بل عاما بعد عام، بل يوما بعد يوم، وكانت هذه المعركة أخطر المعركتين، وأبعدهما أثرا، وأشدهما تقويضا للحياة الإسلامية والعقل الإسلامي، وكان عدونا يعلم مالا نعلم، ويدرك من أسرارها ووسائلها مالا ندرك، ويعرف من ميادينها مالا نعرف، ويصطنع لها من الأسلحة مالا نصطنع، ويجرى لهما من الأسباب القاضية إلى هلاكنا مالا نحصى أو نلقى إليه بالا، وأعانه وأيده أن سقطت الدول الإسلامية جميعا مهزومة في ميدان الحرب، فسقط في يده مقاليد أمورها في كل ميدان من ميادين الحياة(...) والأساليب التي يتخذها العدو للقتال في معركة الثقافة، أساليب لا تعد ولا تحصى، لأنها تتغير و تتبدل وتتجدد على اختلاف الميادين وتراحبها وكثرتها، وأسلحة القتال فيها أخفى الأسلحة..."..

ثم يستطرد العلامة قائلا:

..".. وقد كان ما أراد الله أن يكون، وتتابعت هزائم العالم الإسلامي، في ميدان الثقافة جيلا بعد جيل، وكما بقيت معارك الحرب متتابعة سرا مكتوما لا يتدارسه قادة الجيوش الإسلامية وجندها حتى هذا اليوم، بقيت أيضا معارك الثقافة على تطاولها، سرا خافيا لا يتدارسه قادة الثقافة الإسلامية وجندها، بل أكثر من ذلك: فقد أصبح أكثر قادة الثقافة في العالم الإسلامي وأصبح جنودها أيضا، تبعا يأتمرون بأمر القادة من أعدائهم، عارفين أو جاهلين أنهم هم أنفسهم قد انقلبوا عدوا للعقل الإسلامي الذي ينتسبون إليه، بل الذي يدافعون عنه أحيانا دفاع غيرة وإخلاص. لم يكن غرض العدو أن يقارع ثقافة بثقافة، أو أن ينازل ضلالا بهدى، أو أن يصارع باطلا بحق، أو أن يمحو أسباب ضعف بأسباب قوة بل كان غرضه الأول والأخير أن يترك في ميدان الثقافة في العالم الإسلامي، جرحى وصرعى لا تقوم لهم قائمة، وينصب في أرجائه عقولا لا تدرك إلا ما يريد لها هو أن تعرف، فكانت جرائمه في تحطيم أعظم ثقافة إنسانية عرفت إلى اليوم، كجرائمه في تحطيم الدول وإعجازها مثلا بمثل، وقد كان ما أراد الله أن يكون، وظفر العدو فينا بما كان يبغي ويريد..".

*** 

تتابعت الهزائم كما قال علامتنا وشيخنا..

وكان الحكام والمثقفون هم أبناء اللقاء الحرام بين العدو الغازي والأمة المغتصبة..

الحكام أمرهم معروف ومشهور..

أما النخبة المثقفة.. فإنهم - كما يقول العلامة أبو الأعلى المودودي - أسوأ إنتاج للاستعمار الغربي في البلدان الإسلامية . فالصدمة الكبرى التي وجهها إلينا الاستعمار لم تكن في ميدان السياسة أو الاقتصاد ، بل كانت موجهة إلي أعماق أدمغتنا وأرواحنا . وقد أوجد هذا الاستعمار في أوساطنا عبيداً قلوبهم متعلقة بالغرب حتى بعد الحصول على الاستقلال السياسي .وهم يطيعون أسيادهم ويتبعونهم خطوة خطوة بكل خضوع. وهذه النظرية تدعونا إلي القول بأن حرب الاستقلال لم تنته بعد ، إذ أننا في حرب طويلة الأمد ضد هؤلاء الغرباء الوطنيين . 

*** 

هذه النخبة المجرمة نشأت تحمل سمات آبائها غير الشرعيين من مستشرقين ومخابرات أجانب.. هذه النخبة كما يقول العالم الكبير الأستاذ الدكتور إبراهيم عوض في مقال أخير له بصحيفة الشعب – بعنوان: فضيحة بجلاجل- (بتصرف) لا يحترمون القرآن ولا الحديث، وهما أساسا الدين لهذه الأمة، وبغيرهما لا يكون المسلم مسلما. لديهم قدرة عجيبة على الكذب والتدجيل دون أن يطرف لهم جَفْن ولا هُدْب، كما أن لديهم الجرأة الخبيثة على التلاعب بتفسير النصوص الدينية، والقرآنية بالذات، تفسيرا ما أنزل الله به من سلطان. وهذه الجرأة الوقحة على التلاعب بتفسير النصوص الدينية يرفدها جهل غليظ لا يستحي صاحبه من إعلانه على الناس. هذه النخبة أخطر علينا حتى من المستعمر نفسه، المستعمر الذي يتساءل الآن في سخرية شامتة: ترى هل يستطيع أحد من المسلمين أن يجرؤ على فتح فمه؟. وفوق هذا وذاك فالقوم لم يعودوا يخفون شيئا من أهدافهم ونياتهم: فهؤلاء هم المسلمون يُذَبَّحون وتُدَكّ بيوتهم فوق رؤوسهم ورؤوس الذين نفضوهم وتُغْتَصَب حرائرهم وتُلَطَّخ أجساد رجالهم بالخراء ويُكْرَهون على أن يأتي الأب منهم أولاده، والأولاد أباهم، بأوامر اللوطيين والسحاقيات من أبناء وبنات العمّ سام، وتُسَلَّط الكلاب المتوحشة عليهم تأكل أعضاءهم التناسلية وهم عرايا مقيدون قد أُبْعِد ما بين ساقيهم بآلات حديدية حتى لا يستطيعوا أن يداروها عن الكلاب المتلمظة التي يسلطها عليهم كلاب البشر! رهيب! رهيب! رهيب! ..

حقا..

رهيب رهيب رهيب رهيب كما يصرخ الدكتور إبراهيم عوض..

رهيب..

لكن صرخة الدكتور إبراهيم عوض لا تتوقف عند هذا ( وبالمناسبة فإنني أنبه القراء لمتابعة هذا العالم الفذ في كتبه العديدة ومقالاته القيمة المنشورة على صفحات الشعب).. 

لا تتوقف الصرخة.. إذ يتصورهم الدكتور إبراهيم عوض وقد جاءوا:

ثم يأتي أولئك الخلق فيصيحون بنا أن: كونوا متحضرين أيها الأغبياء يا من لا تزالون تعيشون وتعششون كالخفافيش في عصر الظلام الذي كان يعيش فيه محمد وأصحابه البدو المتخلفون! ما لكم تريدون أن ترجعوا عقارب الساعة إلى الوراء، وقد مات ذلك الـ"محمد" منذ أربعة عشر قرنا وشبع موتا، وينبغي أن يلحق به قرآنه وحديثه اللذان لا مكان لهما في عالم اليوم الذي استولت فيه أمريكا على عرش الألوهية بقوة السلاح كما استولت على بلاد الهنود الحمر بعد أن أبادتهم وجعلتهم أثرا من بعد عين، وحوَّلتهم إلى حكايات تُرْوَى وأفلام تُمَثَّل على الشاشة للتسلية وإدخال السرور على قلوب المشاهدين، ولم يعد هناك مكان لإله محمد يا أيها الحمقى، بل يا أيها البهائم؟ ألا تريدون أبدا أن تفيقوا من هذيانكم وظلامكم وتكونوا، ولو مرة واحدة، قوما متحضرين؟ استيقظوا وافركوا أعينكم وقلوبكم وعقولكم جيدا، فهذا الأوان أوان "الكاوبوى بوش" لا "محمد راعى الجِمَال" يا أيها الصُّمّ البُكْم العُمْى الذين لا يبصرون ولا يسمعون ولا يتكلمون كلاما يفهمه العاقلون! 

*** 

نعم..

يلمس الدكتور إبراهيم عوض المعنى الذي أريد اقتناصه..

ماذا يريد هؤلاء الصليبيون والصهاينة منا..

ماذا يريدون منا..وقد اتضح الآن أن كل المعلن من أهدافهم كذب.. لكن موجزه أن هذا العصر ليس عصر محمد عليه الصلاة والسلام و إنما عصر الشيطان الرجيم بوش..

أما الوسيلة فقد كانت أكثر الوسائل خسة ووحشية و إجراما ودموية وقسوة.. وهي صفات لا تقتصر على حاكم أو نخبة و إنما هي المكون الرئيسي لحضارة كافرة شرسة..

يقول منير العكش في كتابه – "أمريكا والإبادات الجماعية" عرض وكالة الأنباء الإسلامية :

لقد أبادت هذه الإمبراطورية الدموية 112 مليون إنسان بينهم 18.5 مليون هندي(بعض الأرقام تصل بعدد الضحايا من الهنود الحمر فقط إلى 110 مليون) أبيدوا ودمرت قراهم ومدنهم، ينتمون إلى أكثر من 400 أمة وشعب - ووصفت أمريكا هذه الإبادات بأنها أضرار هامشية لنشر الحضارة – وخاضت أمريكا في إبادة كل هؤلاء البشر وفق المعلوم والموثق 93 حرباً جرثومية شاملة وتفصيل هذه الحروب أورده الكاتب الأمريكي هنري دوبينز في كتابه "أرقامهم التي هزلت " THE NEMBER BECAM THINNED : NATIVE AMERICAN POPULATION في الجزء الخاص بأنواع الحروب الجرثومية التي أبيد بها الهنود الحمر بـ 41 حرباً بالجدري ، و4 بالطاعون ، 17 بالحصبة ، و10 بالأنفلونزا ، و25 بالسل والديفتريا والتيفوس والكوليرا . وقد كان لهذه الحروب الجرثومية آثاراً وبائية شاملة اجتاحت المنطقة من فلوريدا في الجنوب الشرقي إلى أرغون في الشمال الغربي ، بل إن جماعات وشعوب وصلتها الأوبئة أبيدت بها قبل أن ترى وجهة الإنسان الأمريكي الأبيض .

" فرانسيس ياركين " أشهر مؤرخ أمريكي في عصره لا يدين هذه القسوة والوحشية والإجرام و إنما يقول أن الهندي نفسه في الواقع هو المسئول عن الدمار الذي لحق به لأنه لم يتعلم الحضارة ولابد له من الزوال ..

*** 

ما ينطبق على الهندي الأحمر ينطبق على المسلمين إذن.

وهؤلاء المجرمون لا يقترفون كل هذه الجرائم ولا يقتلون كل هؤلاء الناس تبعا لمقتضيات الحرب حتى بمفهومهم هم..إنهم يقتلونهم حين يقاومون.. ويقتلونهم إذ يستسلمون.. وحتى إذا فروا من الميدان فإنهم يتعقبونهم ليقتلوهم.. وكأنما الجريمة التي ارتكبوها هي أنهم جرءوا على أن يوجدوا!!.. وكأنهم هم الذين أوجدوا أنفسهم.. لا يقتل البيض إذن ليسرقوا أو لينهبوا.. و إنما يقتلون ويعذبون ويمثلون بالبشر لأن لهم طباع الحيوانات الشرسة المفترسة.. بل أشد سوءا.. نعم.. إنهم يستمتعون بالقتل.. ليس استمتاع فرد شاذ.. بل استمتاع مجتمع شاذ وحضارة شاذة و أمة شاذة بأسلافها و أبنائها وعقيدتها المحرفة الشيطانية.. و لست أشك في أنهم جميعا ملحدون وليسوا مسيحيين بروتستانت كما يقولون.. تماما كما أن جل بناة دولة إسرائيل من اليهود ليسوا يهودا و إنما كافرون بالله العظيم وملحدون.

نعم.. الجريمة تجري منهم مجرى الدم وتقبع في النخاع.. جرت وتجري وستجري.. وربما يتخيل قارئ أن وحشية الأمريكي وخسته و إجرامه إنما تعود إلى أزمنة غابرة لم يعد لها الآن من أثر..

لكن..

فلنقرأ هذا الخبر في صحيفة القدس العربي:

واشنطن ـ اف ب: دافعت وزارة الدفاع الأمريكية الخميس عن جنرال في سلاح مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) اعتبر أن من الممتع إطلاق النار علي المسلحين في العراق أو أفغانستان. فخلال نقاش علني الثلاثاء في سان دييغو (كاليفورنيا غرب الولايات المتحدة) قال الجنرال جيمس ماتيس في الحقيقة من الممتع القتال. من الممتع إطلاق النار علي الناس.. ونشر سلاح المارينز بيانا قال فيه أن الجنرال ماتيس هو من القادة العسكريين الذين يتمتعون بقدر كبير من الشجاعة والخبرة في البلاد . وقال الجنرال مايكل هاغي أن ماتيس غالبا ما يتحدث بصراحة كبيرة .

القدس العربي 5-2-2005

*** 

نعم..

كانت المشكلة أن "ماتيس" لم يخف شيئا وتحدث بالحقيقة دون إخفاء أو تزوير..

و إنهم يستمتعون بقتلنا..

*** 

يستمتعون كما استمتعوا بجريمة سلخ فروة الرأس لكل ضحاياهم من الهنود الحمر وذلك على النقيض مما تروج له هوليود والرسميون والإعلاميون وأكاديميو التاريخ المنتصر ، فقد رصدت السلطات الاستعمارية مكافأة لمن يقتل هنديا ويأتي برأسه ، ثم اكتفت بعد ذلك بسلخ بفروة الرأس ، إلا في بعض المناسبات التي تريد التأكد فيها من هوية الضحية ، ولعل أقدم مكافأة على فروة الرأس بدلاً من كل الجمجمة تعود إلى عام 1664 ، وفي 12 أيلول سبتمبر من ذلك العام ، حيث رصدت المحكمة العامة في مستعمرة ماسوسيتش مكافأة مختلفة لكل من يأتي بفروة رأس هندي مهما كان عمره أو جنسه وتختلف المكافآت بحسب مقام الصياد ، 50 جنيهاً إسترلينيا للمستوطن العادي ، و20 جنيهاً لرجل الميليشا العادي ، و10 جنيهات للجندي ، ثم تغيرت التعريفة في عام 1704 فأصبحت مائة جنيه لكل فروة رأس ومن المفارقات أن المكافآت المتواضعة التي رصدت كانت لفروة رأس الفرنسي عام 1696 وهى 6 جنهيات ، حتى أن المغامر "لويس وتزل " يروى أن غنيمته من فرو رؤوس الهنود لا تقل عن 40 فروة في الطلعة الواحدة .

في أمريكا لا يتكلمون عن وتزل كمجرم ولا كإرهابي ولا كقاتل ولا كسفاح ولا يخجلون منه.. بل ويعتبرونه من أبطال التاريخ الأمريكي وما يعرف بعمالقة الثغور.

يفخرون به رغم أنه يخجل..

أما نحن فنخجل من أبطالنا رغم أنه كان لنا وعلينا أن نفخر بهم..

نحن نسمي الأبطال إرهابيين!!..

*** 

وبدءا من وتزل صار قطع رأس الهندي وسلح فروة رأسه من الرياضات المحببة في أمريكا ، بل إن كثيراً منهم يتباهى بأن ملابسه وأحذيته مصنوعة من جلود الهنود ، وكانت تنظم حفلات خاصة يدعى إليها علية القوم لمشاهدة هذا العمل المثير (سلخ فروة رأس الهندي وهو على قيد الحياة) حتى أن الكولونيل جورج روجرز كلارك في حفلة أقامها لسلخ فروة رأس 16 هندي طلب من الجزارين أن يتمهلوا في الأداء وأن يعطوا كل تفصيل تشريحي حقه لتستمتع الحامية بالمشاهد (راجع اليوميات في Michigan pioneer and historical colloction العدد 9 ، 1886م ، صـ501، 502) وما يزال كلارك إلى الآن رمزاً وطنياً أمريكياً وبطلاً تاريخاً وما يزال من ملهمي القوات الخاصة في الجيش الأمريكي .

ومع تأسيس الجيش الأمريكي أصبح السلخ والتمثيل بالجثث تقليداً مؤسساتيا رسمياً فعند استعراض الجنود أمام وليم هاريسون (الرئيس الأمريكي فيما بعد ) بعد انتصار 1811م على الهنود التمثيل بالضحايا ثم جاء الدور على الزعيم الهندي "تكوميسه" وهنا تزاحم صيادو الهنود والتذكارات على انتهاب ما يستطيعون سلخه من جلد هذه الزعيم الهندي أو فروة رأسه ، ويروى جون سغدن في كتابه عن "تيكوميسه" كيف شرط الجنود المنتشون سلخ جلد الزعيم الهندي من ظهره حتى فخذه .

وكان الرئيس أندره جاكسون الذي تزين صورته ورقة العشرين دولارا من عشاق التمثيل بالجثث وكان يأمر بحساب عدد قتلاه بإحصاء أنوفهم المجدوعة وآذانهم المصلومة ، وقد رعى بنفسه حفلة التمثيل بالجثث لـ 800 هندي يتقدمهم الزعيم "مسكوجى" ، وقام بهذه المذبحة القائد الأمريكي جون شفنغنتون وهو من أعظم أبطال التاريخ الأمريكي وهناك الآن أكثر من مدينة وموقع تاريخي تخليداً لذكره ولشعاره الشهير "اقتلوا الهنود واسلخوا جلودهم ، لا تتركوا صغيراً أو كبيراً ، فالقمل لا يفقس إلا من بيوض القمل " .

*** 

نعم ..

القمل لا يفقس إلا من بيض القمل..!!..

والإرهاب لا ينبع إلا من المسلمين..!!!!..

يكفي أن يكونوا مجرد مسلمين.. وليس يهم ماذا فعلوا وماذا لم يفعلوا..

بل لقد وصل الأمر لحد المهزلة .. ذلك أن فيرينك جيوركساني رئيس الوزراء المجري قد استخدم في 10-2-2005 تعبير "الإرهابيين العرب« أثناء إشادته بفريق بلاده الوطني لكرة القدم لتصديه للفريق السعودي. وكان جيوركساني قد أعلن »أن فريق بلاده قاتل بشجاعة تتحدي الموت ضد الإرهابيين العرب".

تحول الأمر إذن إلى عنصرية بغيضة حقيرة منتنة..

لا..

بل على الأحرى هو منذ البداية كذلك..

لكن لنواصل القراءة في سفر الحضارة الغربية الوحشية الشاذة المجرمة.. في كتاب:" أمريكا والإبادات الجماعية"..

*** 

يقول الجندي الأمريكي " أشبري" أن الأمر قد وصل إلى حد التمثيل بفروج النساء ويتباهى الرجل بكثرة فروج النساء التي تزين قبعته وكان البعض يعلقها على عيدان أمام منزله .

ثم اكتشف أحد صيادي الهنود إمكانية استخدام الجلد المسلوخ عن الأعضاء الذكرية للهنود كأكياس للتبغ ، أكياس فاخرة غير مخيطة من الجانب، ثم تطورت الفكرة المثيرة من هواية فردية للصيادين إلى صناعة رائجة وصار الناس يتهادونه في الأعياد والمناسبات ، ولم تدم هذه الصناعة طويلاً بسبب قلة عدد الهنود حيث وصلوا في عام 1900 إلى ربع مليون فقط (لمزيد من التفاصيل راجع stand hoig في كتاب the sand creek massacars ) .

*** 

أعرف أن النخبة المثقفة المجرمة في بلادنا وعلى رأسهم الحداثيون والعلمانيون والشيوعيون سيحاولون الهرب من المواجهة.. وسوف يدعون أن ذلك حدث في الماضي البعيد.. و أن أول شرط للحداثة هو القطيعة المعرفية.. هو نسيان ما حدث في الماضي..

يطلبون منا –كلاب النار- نسيان ما حدث منذ خمسين عاما من حقائق .. ولا ينسون هم أساطير مزعومة ترجع إلى الوراء أربعين قرنا.

وهذه النخبة المجرمة ليست جاهلة و إنما هي خائنة.. 

وهي لا تتناول الماضي بهذا الاستخفاف إلا لسبب واحد: هو إتاحة الفرصة للصليبيين لكي يواصلوا مذابحهم ضدنا دون مقاومة.. وتلك ليست مهمة النخبة بل وظيفة الطابور الخامس..

وقد يقول أحدهم أن تاريخ الهنود هذا تاريخ قديم.. و أن تيك الجرائم الأمريكية سقطت بالتقادم ولا ينبغي أن نحمل الأجيال التالية وزرها..

ليس حسنا يا كلاب النار يا حطب جهنم..

ليس حسنا وليس صحيحا و أنتم أول من يعلم أنه غير صحيح..

لكن.. فلنتناول إذن تاريخا غير قديم..

وليلاحظ القارئ أن ما حدث هو بعينه الذي يحدث الآن في العراق..

*** 

ففي أربعينات القرن العشرين دخلت اليابان أطلس الشعوب المتوحشة الأمريكي (سوف تسمى بعد ذلك محور الشر) .

ويروى مراسل حربي في مقالة له في atlantic monthly " لقد قتلنا الأسرى بدم بارد، ومحونا المستشفيات من الوجود ، وأغرقنا مراكب الإنقاذ ، وقتلنا المدنيين وعذبناهم ، وأجهزنا على الجرحى وقدناهم إلى حفر جماعية ، وهناك في الهادي سلقنا لحم جماجم أعدائنا (بقصد اليابانيين) لنصنع منها عاديات تذكارية توضع على الطاولات وتهدى إلى الأحباب أو صنعنا من عظامهم سكاكين لفتح الرسائل " .

وقد لاقت هذه الرسائل ترحيباً كبيراً لدى الشعب الأمريكي حتى أن مجلة لايف نشرت في عام 1944 موضوعاً عن الحرب مزيناً بصفحة كاملة لصورة صبية شقراء مبتسمة وهو تقف إلى جانب جمجمة يابانية أرسها إليها خطيبها من الجبهة .

*** 

ألم أقل لكم أن المشكلة ليست في الإدارة الأمريكية بل المشكلة في شعب جله مجرم، مع استثناءات تثبت القاعدة ولا تلغيها..

شعب مجرم نشأ من حرام وارتوي بالدماء، ولن تردعه أبدا إلا الدماء.

*** 

وفي الحرب العالمية الثانية اقترفت الجيوش الأمريكية العديد من جرائم الحرب وضد المدنيين العزل بشكل خاص. فقد شارك الأسطول الجوي الأمريكي عبر ما يسمى بالقصف السجادي، في تدمير العديد من المدن المكتظة بالسكان والتي لا تمثل أي قيمة عسكرية تذكر، وما تدمير مدينتي روتردام في هولندا ودرسدن في ألمانيا سوى نموذج للهمجية الأمريكية، والتي لا تعرف مكانا للقيم في منظوماتها العسكرية. وبلغت هذه الهمجية ذروتها حين تم ضرب مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين - اللتين لا قيمة عسكرية لهما - بالقنبلة النووية، والتي خلفت دمارا شاملا لا يمكن وصفه في صفوف المدنيين العزل إضافة إلى المنشئات والبيئة الطبيعية. وهذا مما يخالف كل قوانين الحرب التي تدعي أمريكا بهتانا اتباعها.

ولقد تبنت القوة الجوية الملكية والقوة الجوية للجيش الأمريكي أسلوب القصف الاستراتيجي والتدمير الواسع للمدن باستعمال القنابل الحارقة، فأمر الجنرال جورج مارشال - رئيس الأركان الأمريكي آنذاك - مساعديه بتخطيط هجمات حارقة على المدن اليابانية الكثيفة السكان، ومن ثم انطلقت 334 طائرة أمريكية لتدمر ما مساحته 16 ميلا مربعا من طوكيو بواسطة إلقاء القنابل الحارقة، مما أدى إلى مقتل 100 ألف شخص وتشريد مليون نسمة، بينما وصلت درجة حرارة الماء في القنوات إلى درجة الغليان وذابت الهياكل المعدنية وتلاشت الأجساد في ألسنة من اللهب. ولم تكن طوكيو وحدها هي التي تعرضت لتلك الهجمات الأمريكية الوحشية، فقد تكرر هذا السيناريو في 64 مدينة يابانية أخرى.. فضلا عن دك هيروشيما وناجازاكي بقنبلتين ذريتين حصدتا عشرات الآلاف من الأرواح، وأهلكتا الزرع والضرع، رغم أن الحرب كانت قد وضعت أوزارها بالفعل !!

*** 

غيروا أسماء المدن والتواريخ لتقرءوا ما حدث في العراق بعد ذلك بستين عاما..

ضعوا اسم بغداد مكان طوكيو.. والفلوجة مكان هيروشيما.. وبعقوبة مكان نجازاكي.. وعام 2004 بدلا من عام 1944..افعلوا ذلك تقرءوا ما حدث في العراق..

نفس المجرم ونفس الادعاءات ونفس الجرائم و إن اختلفت الضحايا..

*** 

في عام 1946 أنشأت الولايات المتحدة في بنما المدرسة الأمريكية المشؤومة – للتعذيب!!- ثم نقلت في عام 1984 إلى فورت بنينغ في جورجيا حيث كان يتم التدريب على الحرب وعلى العمليات البوليسية وقد تعلم فيها أكثر من 60 ألف عسكري وشرطي من أمريكا اللاتينية خلال سنوات عديدة فنون القهر والتعذيب والاغتيال وعمليات الكومندوس ومنهم كومندوس الموت ضد أطفال الشوارع.‏

*** 

هل عرفتم الآن أين تدربت وكيف تدربت وحوش بشرية كزكريا محيي الدين وصلاح نصر وصلاح دسوقي وحمزة البسيوني وحسن طلعت وزكي بدر والنبوي إسماعيل وحسن الألفي و فؤاد علام ..و..و..

وهل عرفت الآن – أنا – إجابة السؤال الذي طالما دوخني وأنا أتابع تفاصيل التعذيب في سجوننا فأهمس لنفسي مروعا مذهولا:

- من الذي علمهم ذلك.. ما يفعلونه مروع ورهيب وليس له أي جذور في الفكر الإسلامي ولا العربي ولا حتى الفرعوني.. ما يفعلونه مروع ورهيب لا يقوم به إلا كافر..

وكانت أمريكا و أوروبا فوق الشكوك كما علمنا أتباع دنلوب و أحفاد كرومر..

الآن أعرف من علمهم..

و أعرف الكفر و أهله و أصله..

أعرف علاقة النسب والدم بين جلادين وطغاة كحكامنا وبين المجرمين الصليبيين واليهود..

*** 

" هيوه مانكه " رئيس قسم المتطوعين الدولية، قال في شهادة له أمام الكونجرس 1971 قد أكد على عزم القوات الأمريكية على إبادة فيتنامي الجبل فقال " إننا سنحل مشكلتهم كما فعلنا مع الهنود " بينما قال " ماكسويل تايلور " وهو يصف الفييتكونغ في شهادة له أمام الكونجرس " إن الفيتناميين ليسوا بأفضل من قمل يغزو جلد الكلب " .

وكانت قناة history التليفزيونية الأمريكية قد عرضت في 3 تموز 1996 شكلاً حديثا من مشاهد السلخ في فيلم وثائقي بعنوان " قيام العنقاء " نرى فيه الجنود الأمريكان في فيتنام وهم يقطعون رؤوس الفييتكونغ ويعرضونها في مهمة أشرفت عليها وكالة الاستخبارات المركزية في أواخر عام 1967 وأطلقت عليها اسم " العنقاء " "operation phoenix" ، وقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن عدد ضحايا عملية العنقاء وحدها وصل إلى 26369 قتيل ، و33358 معتقل ، بينما يؤكد روي بروسترمن " أستاذ القانون في جامعة واشنطن أن عملية العنقاء شملت " فيتنام – والفلبين – والسلفادور " وبلغ عدد ضحايا فيتنام وحدها في الفترة بين 1968 ، 1971 ، ما يزيد عن 40 ألف قتيل وأكثر الضحايا كانوا من المدنيين والمعتقلين جزاء التعذيب .

ويروى "بارتون " أحد ضباط عملية العنقاء في شهادته أمام الكونجرس عام 1973 " كنت أنظر في قضية مشتيه يقول أحد عملائي أنه متعاطف مع الفييتكونغ وكان التحقيق يجرى في مجمع بالتجسس المضاد لفرق المارينز وحين دخلت لمتابعة ما يجري كان الرجل قد فارق الحياة بعد أن دكوا في فتحة أذنه سيخاً حديدياً طوله 6 بوصات اخترق دماغه وقتله .. لقد كانت حرب إبادة منظمة " .

وتصف مجلة country spy في عددها ربيع/ صيف 1975 عملية العنقاء بأنها أكبر برنامج للقتل الجماعي المنظم يشهده العالم منذ معسكرات الموت النازية فتقول " في 16 آذار ، مارس 1968 دخلت مجموعة من الكتيبة 11 إلى قرية ( ماى لاى) فقتلت 347 عجوزاً وامرأة وطفلاً رضيعاً ، ثم أن المشاة أحرقوا البيوت والأكواخ بمن فيهم البشر وهنأ الجنرال "وستمولند" هذه المجموعة لعملها " الممتاز" ، وفي يوم المجزرة نفسه هاجمت مجموعة أخرى من الكتيبة قرية (ماى خه) وفتحت نيرانها على طريقة الكابوي وفي هذه المجزرة تولت مجموعة من صغيرة من الجنود تكويم الجثث " 

وفي اليوم التالي زحفت هذه المجموعة عبر شيه جزيرة "باتنغن" جنوب بحر الصين وراحت تحرق كل قرية تعبرها وتقتل كل ما يدب فيه الروح من الجواميس والخنازير والبط والدجاج والبشر وتدمر المحاصيل ، وقال أحد جنود هذه المجزرة " ما فعلناه هنا ليس استثناء ، لقد فعلناه في كل مكان " وقال آخر " لقد كنا نتسلى " 

كنا نتسلى..

كنا نتسلى..

كنا نتسلى..

كما يتسلون في العراق وكما تتسلى إسرائيل في فلسطين..

*** 

وعن مذبحة ( ماى لاى ) يروي سيمور هيرش الكاتب الأمريكي ( والكلام عن المذبحة مقتبس من كتابيه(my lai – cover up ) يروى أن الطيار هيو تومسون كان يحلق بطائرته الهليوكويتر الصغيرة صباح 16 آذار ، مارس 1968 فوق منطقة ماى لاى ، وما إن اقترب من قرية سونغ ماى حتى رأي الأرض مزروعة بالقتلى والجرحى من دون إشارة تدل على وجود على وجود قوة معادية ، (في المنطقة التي تقع داخل فيتنام الجنوبية الحليفة التي تستضيف الجيش الأمريكي والضحايا كلهم من مواطنيها ) ، وظن الطيار أن أفضل ما يستطيع فعله هو تحديد المكان بالدخان حتى يسرع الجنود على الأرض للنجدة والمساعدة ، وكان أول ما فعل أن حدد مكان فتاه مصابة بطلقات في بطنها ومبطوحة على حافة السياج فيما كان نصفها السفلي فوق حقل الأرز . ولدهشته فإن الجنود أسرعوا إلى الفتاة ليجهزوا عليها لا ليسعفوها ، فقد أفرغوا في رأسها عدة طلقات " . 

ويقول أحد مساعدي تومسون " إن الجثث كانت كالنمل ، كان هناك من سمم مياه الشرب وكان كل من في القرية شرب من هذه المياه المسمومة وسقط صريعاً ، لقد استغرق دفن القتلى أكثر من خمسة أيام " 

وكان جوزيف ستريك قد أجرى لقاءات مطولة مع جنود هذه المذابح لتوثق لعام 1971 ، فقال " فردانو سمبسون : " كانوا يمثلون بالجثث وبكل شئ ، كانوا يشنقونها أو يسلخونها ، وكانوا يستمتعون بذلك ، يستمتعون بكل معنى الكلمة ـ وكانوا يتلذذون بقطع حناجرهم " .

وكانت "النيويورك تايمز" في أواخر نيسان 2001 قد كشفت عن مجزرة لم يكن أحد يذكرها لولا أن بطلها أصبح عضواً في مجلس الشيوخ ، وقد أرتكبها السيناتور " بوب كيري " في شباط فبراير 1969 ، عندما كان ضابطاً بحرياً متطوعاً في حرب فيتنام ونال جزاء بطولتها وسام النجم البرونزي ، ويروى " غيرهارد كلان " أحد الذين شاركوا في هذه المجزرة كيف كان أن السناتور بوب كيري الذي خاض الانتخابات الرئاسية الماضية قادهم في تلك الليلة إلى قرية ثونه فونغ حيث جمعوا 13 امرأة وطفلاً وأطلقوا عليهم النار بدم بارد ، وكيف أنهم بعد سقوط القتلى سمعوا طفلاً يبكى بين الضحايا فعاجلوه بالرصاص الكثيف . وقال إنهم بينما كانوا في طريقهم إلى مكان المجزرة مروراً بكوخ فيه عجوزان وثلاثة أطفال فطعنوهم جميعاً بالسكاكين ثم قطعوا حناجرهم " .

*** 

في فيتنام كما يؤكد الراهب البوذي الفيتنامي ثيتش ثين هاو أن " حرب فيتنام تسببت بحلول منتصف عام 1963 في مقتل 160 ألف شخص، وتعذيب وتشويه 700 ألف شخص، واغتصاب 31 ألف امرأة، كما نزعت أحشاء 3000 شخص وهم أحياء، وأحرق 4000 حتى الموت، ودمر ألف معبد، وهوجمت 46 قرية بالمواد الكيماوية السامة ". 

كما أدى القصف الأمريكي لهانوي وهايفونغ عام 1972 إلى إصابة أكثر من 30 ألف طفل بالصمم الدائم.. وبينما عانى الأمريكيون بعد الحرب من فقد 2497 جنديا (بحسب أحد التقديرات )، كانت العائلات الفيتنامية تكافح للتكيف مع فقد 300 ألف فيتنامي، فضلا عن أن عدد القتلى في فيتنام بلغ 4 ملايين شخص، إلى جانب عدة ملايين آخرين من المعوقين والمصابين بالعمى والصدمات والتشوه، مما حول فيتنام إلى ساحة كبرى للقبور ومبتوري الأعضاء والأرض المسممة واليتامى والأطفال المشوهين. 

*** 

لسنا أمام أزمة عابرة إذن، ولا أمام جنوح عابر أو جنون مؤقت، نحن أمام شعب متوائم مع نفسه متسق مع شخصيته و مبادئه بل ودينه، دينه الشيطاني الذي لا يتبع حتى المسيحية المحرفة.. بل يتبع الشيطان.. نحن أمام أمة مجرمة حتى النخاع. ولعلها تتفوق على أوروبا في الكم فقط، أما في الكيف فلا فرق. أمة مجرمة لن يردعها إلا المواجهة والجهاد.. ولن يمنعها عنا إلا إرهاب عدو الله وعدونا..

وحسبنا هنا أن ننقل ما أوردته جريدة التايمز البريطانية على لسان صحفي بريطاني في وصف ما حدث في العراق عام 1991: " كانت الحرب نووية بكل معنى الكلمة، وجرى تزويد جنود البحرية والأسطول الأمريكي بأسلحة نووية تكتيكية، والأسلحة المطورة أحدثت دمارا يشبه الدمار النووي، حيث استخدمت أمريكا متفجرات وقود الهواء المسماة Blu-82، وهو سلاح زنته 15000 رطل وقادر على إحداث انفجارات ذات دمار نووي حارق لكل شيء في مساحة تبلغ مئات الياردات ". 

كما استخدمت قنابل اليورانيوم المستنفد لأول مرة للتخلص من نفايات المفاعلات والمحطات النووية، حيث أطلقت الدبابات الأمريكية ستة آلاف قذيفة يورانيوم، بينما أطلقت الطائرات عشرات الآلاف من هذه القنابل، لدرجة أن تقريرا سريا لهيئة الطاقة الذرية البريطانية قدر ما خلفته قوات التحالف على أرض العراق بما لا يقل عن أربعين طنا من اليورانيوم المنضب. 

كما أكدت مصادر غربية أن هناك 800 طن من غبار وذرات اليورانيوم المنضب سوف تستمر في الهبوب على شبه الجزيرة العربية لمدى طويل جدا، حيث تم تلويث الهواء والتربة والأنهار بكميات مفزعة من الإشعاع المسبب للسرطان، مما دفع مكتب السكان الأمريكي نفسه لوصف العواقب الوخيمة لذلك على العراقيين بأنه تسبب في انخفاض عمر الرجال العراقيين بمعدل 20 سنة وانخفاض عمر العراقيات بمعدل 11 سنة، فضلا عن نصف مليون حالة وفاة بالقتل الإشعاعي في العاجل والآجل. 

*** 

نذكر ما حدث عام 1991.. أما ما حدث عام 2004 فلا نذكره .. لأن راعية العالم الحر أخفت المعلومات وقتلت المراسلين الذين حاولوا نقل الحقيقة إلى العالم..

*** 

يورد محمد حسنين هيكل في مقال له بعنوان الإمبراطورية على الطريقة الأمريكية - مجلة وجهات نظر- قصة احتلال الفلبين " في سبتمبر 1898 :

استقبل الرئيس الأمريكي " ماكينلى" وفداً من قساوسة جمعية الكنائس التبشيرية الذين فوجئوا به بعد أن انتهت جلسته يقول لهم " عودوا إلى مقاعدكم أيها السادة لأني أريد أن أقص عليكم نبأ وحي سماوي ألهمني ، أريد أن أقول لكم أنني منذ أيام لم أنم الليل بسبب التفكير فيما عسى أن نصنعه يتلك الجزرة البعيدة (الفليبن) ولم تكن لدى أدنى فكرة عما يصح عمله ورحت أذرع غرفة نومي ذهابا وجيئة أدعو الله أن يلهمني الصواب ثم وجدت اليقين يحل في قلبي والضوء يسطع على طريقي ، إن الجزرة جاءتنا من السماء فنحن لم نطلبها ولكنها وصلت إلى أيدينا منة من خالقنا ، ولا يصح أن نردها وحتى إذا حاولنا ردها فلن نعرف لمن ؟ - ولا كيف؟

وقد بدا لي أولاً أنه من زيادة الجبن وقلة الشرف والتخلي على الواجب أن نعيدها إلى أسبانيا ، ومن ناحية ثانية وجدت من سوء التصرف والتبديد أن نعهد بها إلى قوة أوروبية متنافسة على المستعمرات في آسيا مثل فرنسا وألمانيا ، ومن ناحية ثالثة أحسست أنه من غير الملائم أن نترك هذه الجرزة لحماقة وجهل سكان محليين لا يصلحون لتولى المسؤولية ، وكذلك فإن الخيارات المقترحة أمامنا تركزت في حل واحد هو في الواقع لمصلحة الفلبين قبل أي طرف آخر ، وهذا الحل هو ضم الجزر إلى أملاكنا ، بحث نستطيع تعليم سكانها ورفع مستواهم وترقية عقائدهم المسيحية ليكونوا حيث تريد لهم مشيئة الرب أخوة لنا فدتهم تضحية المسيح كم فدتنا! " . 

*** 

تصوروا لو أن حاكما عربيا أو مسلما تحدث عن: نبأ وحي سماوي ألهمه ، بعد أن ظل طول الليل يذرع غرفة نومه ذهابا وجيئة يدعو الله أن يلهمه الصواب ثم وجد اليقين يحل في قلبه والضوء يسطع على طريقه ، إن فلسطين جاءتنا من السماء وهي منة من خالقنا، ووديعة سيدنا عمر، ولا يصح أن نتركها لليهود وحتى إذا حاولنا تركها فلن نعرف ..

تصوروا لو أن حاكما أو عربيا قال مثل ذلك.. ماذا كان يمكن للغرب أن يفعل به..

بل ماذا كان يمكن لكلاب العرب الشرسة التي بثها الغرب فينا من خونته وعملائه العلمانيين والحداثيين والشيوعيين سيفعلون بمثل هذا الحاكم..

هذه الطغمة الفاسدة المجرمة التي تعوي ككلب أجرب كلما ذكر مسلم الإسلام أو القرآن.. وانظروا ماذا فعلت تلك الكلاب البشرية بواحد من أفضل كتاب المغرب و أوسعهم علما و أكثرهم نشاطا هو الأستاذ حسن السرات لمجرد أنه استخدم كلمة غضب الله بدلا من غضب الطبيعة وهو يتحدث عن زلزال تسونامي.. لكننا سنعود بالتفصيل إلى هذه النقطة في جزء تال.

لكنني أذكركم فقط كيف حاصر الغرب السلطان عبد الحميد الثاني واتهمه بالرجعية والتخلف والجمود رغم أن الرجل لم يدع أن هناك وحيا هبط من السماء عليه كما قال " ماكينلى" أو أن الله أمره كما قال القرصان الدموي المجرم جورج بوش..

*** 

دعونا نعود إلى الجرائم الأمريكية:

واشتهرت الوحدات الخامسة للقوات الأمريكية الخاصة (البيريه الخضراء) بعملياتها السرية والمعلنة في فيتنام بين عامي 1968 و1969 ثم في أمريكا الوسطى لاحقا، وسميت عملياتها في فيتنام بـ"مشروع فوينكس"، وفيه كانت تقوم بالكثير من الأعمال العسكرية "القذرة" – على حد وصف بعض مؤرخي الحرب الأمريكية- ومن بينها اغتيال زعماء القرى وحتى بعض الجنود الأمريكيين لضمان تأييد الكونجرس لاستمرار الحرب، وهو المشروع الذي وصفه المحرر العسكري المعروف "باول شيهان" بأنه "كذبة ناصعة"!. 

*** 

والتاريخ يعيد نفسه..

اقرأ عن المذابح الوحشية للأمريكيين تظن أنك تقرأ عن الحروب الصليبية واقرأ عن الحروب الصليبية تظن أنك تقرأ عن مذابح الأمريكيين في التاريخ المعاصر..

ينقل لنا المستشرق غوستاف لوبون هذه الصفحة من تاريخ الحروب الصليبية : "اقترف الصليبيون من الجرائم مالا يصدر عن غير المجانين ، وكان من ضروب اللهو عندهم تقطيع الأطفال إرْباً إرباً وشيّهم ! . لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في بيت المقدس ، وكانت جثث القتلى تحوم في الدم .. وكانت الأيدي والأذرع المبتورة تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها !! وأباد الفرسان الصليبيون الأتقياء جميع سكان القدس من المسلمين واليهود والنصارى .. وكان سلوك الصليبيين غير سلوك الخليفة الكريم عمر بن الخطاب حين وصل القدس منذ بضعة قرون .. ولا يسعنا سوى الاعتراف بأننا لم نجد بين وحوش الفاتحين من يؤاخذ على اقترافه جرائم قتل كتلك التي اقترفت ضد المسلمين".

أما المستشرق روم لاندو فيقول : "مثل هذا الإفناء البشري باسم المسيح كان لا بد له أن يُذهل الإنسانية ، ولقد عجزت القرون المتعاقبة عن محو هذه الوصمة … وإن كَرّ السنين لم يخفف من أعمال اللا تسامح التي قام بها الصليبيون باسم الله"

أمّا كنه هؤلاء" الأتقياء" فيحدّده أسقف عكا (جاك دوفيتري) : " كان لا يُرى منهم في أرض الميعاد غير الزنادقة والملحدين واللصوص والخائنين"..

نعم..

نعم..

كان وما يزال لا يُرى منهم في بلادنا غير الزنادقة والملحدين واللصوص والخائنين"... 

*** 

نعم.. نحن نواجه أمة مجرمة حتى النخاع.. أمة مجرمة عبر تاريخها كله.. ولم تتوقف أبدا عن ممارسة الإرهاب.

ولتقرأ من وكالات الأنباء هذا الخبر.

واشنطن: «الشرق الأوسط»..

سناتور يطالب بالتحقيق في تصريحات مدير أخبار الـ«سي. إن. إن» في منتدى دافوس

قال إن الجيش الأميركي يتعمد استهداف الصحافيين في العراق..

ما يزال الجدل مستمراً حول ما قاله رئيس قسم الأخبار في شبكة الـ«سي إن إن»، ايسون جوردان، في منتدى دافوس الاقتصادي أخيرا. وبحسب التقارير فإن جوردان اعتبر في ندوة عن الديمقراطية والإعلام أن الجيش الأميركي استهدف الصحافيين خلال عملياته في العراق. وقال انه على علم بحوالي 12 صحافيا لم يقتلوا برصاص القوات الأميركية فحسب، بل تم استهدافهم، وذلك تنفيذا لسياسة معينة وقد أيده في ذلك العضو الديمقراطي في مجلس النواب بارني فرانك.

*** 

يورد محمد حسنين هيكل في مقالة "مهمة تفتيش في الضمير الأمريكي في العدد التاسع والأربعون – مجلة وجهات نظر– فبراير 2003م " ، وهنا يم يكن مستغرباً أن تكون مقدمة الظهور الأمريكي مع مطلع القرن العشرين رجالاً من طراز "مورجان " وهو من أسرة اعتمدت ثروتها على في الأصل على جد من كبار القراصنة خبأ كنزه في إحدى جزر البحر الكاريبي ثم ترك لأسرته خريطة تدل على موقعه، وعندما تمكن الورثة من فك الرموز- أصبح الكنز في العصر الحديث أهم أصول واحد من أكبر البنوك الأمريكية)- ونفس الطراز من الرجال تكرر في "جون روكفللر" ( فقد تحصل على غنى أسطورى من إبادة قبائل بأكملها في "فنزويلا" كي يفسح المجال لحقول بترول تأكد له وجودها وصمم على امتلاكها، واستحق أن يوصف بأنه أسال دماء على سطح فنزويلا بأكثر مما استخرج من عمق آبارها نفطا)- ونفس الطراز كذلك تكرر في "فاندربيلت" ( الذي تسابق مع "مورجان" في مشاريع مد السكك الحديدية تربط أمريكا الشمالية بقضبان من الصلب ، تشق طريقها صاعقة نافذة في الجبال مكتسحة لمعظم ما بقى لمواطن الهنود الحمر ، والجيوب المنسية من جماعات المهاجرين .

*** 

ويقول (فرانك براوننغ) في كتابه (الجريمة على الطريقة الأمريكية): منذ سنة 1960م اخذوا في الولايات المتحدة الأمريكية يتحدثون كثيراً عن (سلطة خامسة) هي أحياناً قوية لدرجة الذي السلطات الأربع الأخرى تنحني أمامها.. كان البعض يقصد بها فيها الجيش، والبعض الآخر المخابرات. ولكننا نعتقد بأن ما وراء كافة هذه القوى الاجتماعية، توجد قوة أخرى (سلطة سادسة) قد ظهرت في الولايات المتحدة. قوة قادرة على التأثير في الحكومة، في القانون، في الاقتصاد، في الشرطة، في الأسعار، في الأذواق... إن هذه القوة تغرز جذورها حتى منبت التاريخ الأمريكي، الذي تأثيرها عميق وسيطرتها واسعة، وقدرتها متنامية باستمرار. فأمريكا لا تستطيع اليوم أن تعمل بدونها. إن هذه (السلطة السادسة) هي التي يمارسها عالم محترفي إجرام يعملون في خدمة الصناعيين والسياسيين من غير الشرفاء... أن الأفراد الذين ينتهكون القانون يعرفون من الآن فصاعداً أن باستطاعتهم الاعتماد على حماية (المنظمة) وعلى ضمان أموالها وعلى تعريف كافة مستويات المجتمع للشبهات، هذا التعريف الذي تثبت بواسطته سلطتها. إن (السلطة السادسة) تستعلي على تحالفات الطبقات وعلى الصداقات السياسية التقليدية... إن (السلطة السادسة) تلك الجريمة الممأسسة ليست إذن إفساد القوى الاجتماعية الأخرى وحسب. إنها تؤلف سلطة مستقلة تقاوم السلطات الأخرى في الوقت ذاته الذي تنفذ به إليها مندسة في مستويات الحياة العصرية كافة. ولكل هذه الأسباب لا يمكن لتاريخ الجريمة في الولايات المتحدة إلاّ أن يكون تاريخ الولايات المتحدة الذي تنتشر فيه مغامرات الخارج على القانون، وقاطع الطريق والمتمرد والمبتز.

*** 

نعم..

شعب مجرم و إدارة مجرمة..

يقول منير العكش:

لا عجب إذاً إذا رأينا أن ساسة هذه السلطة يكافئون الضابط البحري الذي أمر بإطلاق صاروخ على الطائرة الإيرانية المدنية ليقتل 298 مدنيا بريئاً، مثلما كوفئ (كولبي) بقتله المدنيين في فيتنام بأعصاب باردة. في إحدى جلسات الاستماع التي عقدتها إحدى لجان الكونجرس الأمريكي في عام 1971م حيث سأله المشرعون الأمريكيون المحبون للمعرفة عن درجة ارتباط الولايات المتحدة بمشروع (فينكس)، قال كولبي الذي استدعوه للإدلاء بأقواله: انه يشارك في المشروع 637 من العسكريين الأمريكيين بالإضافة إلى (المدنيين) أي موظفي وكالة المخابرات المركزية

*** 

أمة مجرمة يغطي إجرامها تاريخها كله.. ماضيها وحاضرها و أغلب الظن مستقبلها أيضا.

وحسب الإحصاءات كان في المعتقلات الأمريكية في منتصف العام 1998 نحو 1.800 مليون سجين و 200 مليون قطعة سلاح ناري، وتعد السجون هي الأمكنة التي يتم فيها أكبر تجاوز لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة ويعامل موظفو السجون المعتقلين معاملة مهينة ، خاصة السود والمهاجرين والنساء ، الذين يتعرضون لكثير من عمليات التعذيب. وتؤكد الدراسة أن السود الذين يمثلون ن 12% من السكان أمريكا يشكلون 42% من المسجونين.

وفي تقرير صدر في سبتمبر 2001 حثت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إدارة الرئيس بوش على التخلي عن سياسة اغتيال الأجانب ، وتجنيد مخبرين من مقترفي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في وكالة المخابرات المركزية.

*** 

أمة مجرمة تريد أن تعلمنا وليس هناك أمة في التاريخ أكثر إجراما وجهلا..

أمة تباهينا – ضمن ما تباهينا – بحقوق المرأة عندها..

فلنقرأ تقريرا دوليا عما يحدث للمرأة داخل المجتمع الأمريكي ننقله بتصرف واختصار كثير عن الأخ أبو معاذ المكي في الساحات:

صدر عن معهد الدراسات الدولية حول المرأة ، ومقره مدريد ، وهو معهد عالمي معترف به ، التقرير السنوي المسمى بـ قاموس المرأة ، وقد جاء فيه:

- في عام 1980م: (1.553000) حالة إجهاض ، 30 % منها لدى نساء لم يتجاوزن العشرين عاماً من أعمارهن ، وقالت الشرطة: إن الرقم الحقيقي ثلاثة أضعاف ذلك. 

- وفي عام 1982 م: 80% من المتزوجات منذ 15 عاماً أصبحن مطلقات . 

- في عام 1995م: 82 ألف جريمة اغتصاب ، 80% منها في محيط الأسرة والأصدقاء ، بينما تقول الشرطة إن الرقم الحقيقي 35 ضعفاً

-  70% من الزوجات يعانين الضرب المبرح ، و4 آلاف يقتلن كل عام ضرباً على أيدي أزواجهن أو من يعيشون معهن. 74% من العجائز الفقراء هم من النساء ، 85% من هؤلاء يعشن وحيدات دون أي معين أو مساعد.

-  ومن 1979م إلى 1985م: أجريت عمليات تعقيم جنسي للنساء اللواتي قدمن إلى أمريكا من أمريكا اللاتينية ، والنساء اللاتي أصولهن من الهنود الحمر ، وذلك دون علمهن. 

- ومن عام 1980 إلى عام 1990م: كان بالولايات المتحدة ما يقارب مليون امرأة يعملن في البغاء. وفي عام 1995م: بلغ دخل مؤسسات الدعارة وأجهزتها الإعلامية 2500 مليون دولار. 

- وفي الولايات المتحدة فقط 1400 ملجأ للنساء المضروبات ، أو الهاربات من أزواجهن ، وهن اللاتي لا يجدن ملجأ عند أهل أو أقارب . من 90ـ95% من ضحايا العنف العائلي في أمريكا هم من النساء. •

- ضرب الزوجات في أمريكا : انتشرت عادة ضرب الرجل زوجته في الغرب على المستويات الاجتماعية والثقافية ودون ضوابط ، وتقول الإحصاءات إن في أمريكا كل 15ثانية يضرب أحد الأزواج زوجته ضرباً مبرحاً .. ونشرت مجلة التايمز تحقيقاً حول حوادث الضرب التي تتعرض لها الزوجات الأمريكيات ، فقالت إن من بين 2000 إلى 4000 زوجة تتعرض للضرب الذي يفضي إلى الموت .

-  المقتولات في أمريكا من قبل أزواجهن أو أخلائهن : طبقاً لإحصائيات مكتب التحقيقات الفدرالي ، فإن30 % من ضحايا قتل الإناث بالولايات المتحدة الأمريكية في 1990م قد قتلن من قبل أزواجهن أو أخلائهن ، وقد بلغ ذلك تقريبا 3000 امرأة. 

- 80% من الأمريكيات يعتقدن أن الحرية التي حصلت عليها المرأة خلال الثلاثين عاما هي سبب الانحلال والعنف في الوقت الراهن ، 75% يشعرن بالقلق لانهيار القيم والتفسخ العائلي. 

- و80% يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه الزوج والأولاد. و 87% لو عادت عجلة التاريخ للوراء لاعتبرن المطالبة بالمساواة مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة وقاومن اللواتي يرفعن شعاراتها. 

- و42% من الأمريكيات يتعرضن لتحرشات جنسية في أماكن العمل والدراسة والمنتديات والشوارع.

- 6 ملايين امرأة تضرب في بيوتهن دون أن يبلغن الشرطة أو يذهبن إلى المستشفى، عشرات الآلاف دخلن المستشفيات للعلاج من إصابات تتراوح بين كدمات سوداء حول العين وكسور في العظام وحروق وجروح وطعن بالسكين وجروح الطلقات النارية وبين ضربات أخرى بالكراسي والقضبان المحماة . 

- 20% من النساء اللاتي شملتهن الدراسة (دراسة عن النساء المغتصبات في أمريكا) اعترفن أنهن اغتصبن من قبل أصدقائهن. و24 امرأة جرى الاعتداء عليهن نهارا في إحدى حدائق نيويورك . 

- دلت الإحصاءات الحديثة أن ربع طالبات المدارس الثانوية حبالى، وأن البكارة مفقودة البتة ، وفي مدينة (نفز) عاصمة (كولورادو) تبلغ نسبة الحبالى من تلميذات المدارس الثانوية 48%. يقول القاضي لندرس: "إنه يسقط في أمريكا مليون حمل ، على الأقل ، في كل سنة ، ويقتل آلاف الأطفال فور ولادتهم". وفي أمريكا مليون طفل يولدون سنويا من السفاح. 

- 85% من الزيجات في الدول الغربية تنتهي بالطلاق.

- في دراسة باسم (جهنم شخصية) في مجلة تايم الأمريكية بالنسبة للطفل أو المرأة يعتبر البيت أشد خطرا من الشارع والعنف المنزلي يسبب في سقوط ضحايا أكثر مما تسببه الأمراض أو حوادث الطريق . وحسب الإحصائيات الأمريكية: 80% من جرائم القتل هي جرائم عائلية ، و (24،500) جريمة عائلية في عام 1993م ، و 48 % من الجرائم مسرحها البيت .

-  في تقرير نشر في أمريكا جاء فيه: إن واحداً من بين كل ستة أطفال في أمريكا يعاني من الفقر. وفي التقرير السنوي لصندوق الدفاع عن الأطفال الأمريكيين والمسمى الكتاب الأخضر: أظهرت إحصاءات الحكومة عن الفقر لعام 1999م أن أكثر من 12 مليوناً من أطفال أمريكا يعيشون تحت خط الفقر على المستوى الاتحادي . 

- يعتقد الخبراء مثل رايان ريني من المركز الوطني لادعاء الاعتداء على الأطفال أنّ عدد وفيات الأطفال سنويًا بسبب القسوة قد يصل إلى (5،000).

- في الولايات المتحدة في عام واحد (5600) طفل دخلوا المستشفى بسبب ضرب أمهاتهم العاملات لهم غالبهم تعرض لعاهات بسب الضرب .

- الأطفال الأمريكيون هم الأكثر عدوانية وانحرافا في سلوكهم يليهم أطفال إسرائيل . وهناك 6 ملايين حالة ضرب شديد من قبل الوالدين في أمريكا ، 3 آلاف منهم يؤدي بهم الضرب إلى الموت . وهناك 12 مليون طفل أمريكي مشرد في ظروف غير صحية . وفي إحصائية أخرى تبين أنه يباع في أمريكا أكثر من (5000) طفل كل سنة . في عام 1990م اتخذ البرلمان الأوربي قراراً يدين الولايات المتحدة على قيام الأمريكيين ، على نطاق واسع ، بشراء الأطفال في الأحياء الفقيرة في هندوراس وغواتيمالا ، لاستخدام أعضائهم لزراعتها في أجسام أخرى.

- كشفت الأبحاث أن 80% من الأمريكيين يعتقدون أن القمار شكل من أشكال التسلية، بينما لا يخجل 60% منهم من المراهنة . وينفق الأمريكيون الآن على القمار 480بليون دولار بعد أن كانوا ينفقون عليه 22 بليون دولار عام 1976م . 

-  إدمان الكوكايين في أمريكا أو تجربته : أظهر استطلاع لوزارة الصحة الأمريكية أن مدمني الكوكايين في أمريكا بلغ عام 1985م 5.8 مليون شخص ، بعد أن كانوا 4.3 مليون عام 1983م، وفي الاستطلاع نفسه تبين أن 36.9 مليون أمريكي (أي 19% من حجم السكان) قد جربوا الماريجوانا أو الكوكايين أو مواد أخرى على الأقل مرة واحدة .

- الإنفاق على المخدرات في أمريكا وحدها يفوق إجمالي الإنتاج الوطني لأكثر من 80 بلداً من البلدان النامية كما تنتج شركات الخمور في أمريكا ما قيمته أكثر من 24 ملياراً من الدولارات .

- في تقرير قام بإعداده فريق بحث مقره جامعة جون هبكنز في ميريلاند : Johns Hopkins بـ Maryland بالولايات المتحدة نشرته محطة CNN الإخبارية الأمريكية عن انتشار ظاهرة تجارة الرقيق من النساء 120 ألف امرأة من أوروبا الشرقية (روسيا والدول الفقيرة التي حولها) يتم تهجيرهن إلى أوروبا الغربية و لهذا الغرض الدنيء ، 15 ألف امرأة أو أكثر يتم إرسالهن إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأغلبهن من المكسيك ، بـ 16 ألف دولار تباع المرأة القادمة من دول شرق آسيا بأمريكا ليتم استخدامها بعد ذلك في دور الفواحش والحانات.

- (5200) مدرس أمريكي يتعرض للضرب في الشهر الواحد . وهناك 21 مليون أمريكي لا يستطيع القراءة والكتابة . 270 ألف مسدس يحمله طلاب المدارس المتوسطة والثانوية في الولايات المتحدة .

- من بين كل عشرة أشخاص سبعة يعانون اضطرابات نفسية (من أمريكا). وتحولت 70% من مستشفيات أمريكا إلى مصحات عقلية ونفسية. 

- تقع في الولايات المتحدة الأمريكية 50 ألف جريمة قتل في العام الواحد ، و30 ألف حالة انتحار ، وهذا الرقم الرسمي ، ولكن الرقم الحقيقي غير المسجل أكبر بكثير.

- بلغت حالات الوفاة بمرض الإيدز في أمريكا عام 1994م 25 ألف حالة وفاة . 1 إلى 3 من المصابين لا يمانعون ، بل يقولون أنهم راغبون في نقل جرثومة الإيدز إلى أصدقائهم .

-  انتقدت منظمة العفو الدولية النظام القضائي الأمريكي وقالت: إنه يتسم بالعنصرية مشيرة إلى أن احتمالات الإعدام للسود أكبر منها للبيض . 60 مليون زنجي أزيلوا من أفريقيا عن طريق تجارة الرقيق الأمريكية ، 50 مليون توفوا قبل وصولهم إلى أمريكا . وهناك 627 ألف جريمة عنف عنصري في عام واحد 1993م بسبب التفرقة العنصرية مع السود . 

- معدل الانتحار بين الشباب الأمريكي أكثر من معدلات الانتحار في أوربا بعشرين ضعفا ومن اليابان بأربعين ضعفا ، (30000) عدد حوادث الانتحار في العام الواحد . وقد تجاوزت حالات الانتحار عام 1994م 31 ألف حالة 

-  في دراسة عينة من الشعب الأمريكي91% من الذين شملتهم الدراسة قالوا أن الكذب أصبح عادة وسلوكاً مألوفاً في حياتهم اليومية ، و20% اعترفوا أنهم ليس في استطاعتهم الصبر عن الكذب ولو يوماً واحداً ، 75% من الأمريكيين يعتقدون أنه لا حرج في الكذب . 

- الأمريكان يقولون: 74% منهم لن يتردد في السرقة متى ما رأى أن الفرصة سانحة ، و 56% منهم يقولون لن أتردد في قيادة السيارة وأنا في حالة سكر ، و 53% يقولون لن أتردد في غش زوجي أو زوجتي ، و 41% يقولون سأستخدم المخدرات للترفيه عن نفسي ، و 31% سأعرض حياة عشيقي أو عشيقتي لخطر الإصابة بالمرض الذي أعاني منه .

*** 

نحن لا نواجه فكر مجموعة شذت عن المجتمع.. و إنما مجتمعا شذ وسار في طريق الشيطان..

يقول محمد جابر الأنصاري:

تصر واشنطن على منح الجنود والمدنيين الأميركيين حصانة دائمة استثنائية من أي ملاحقة قضائية من جانب المحكمة الجنائية الدولية الجديدة, وعليه تتصرف الولايات المتحدة وكأنها فوق القانون والبشر. جنودها يرتكبون جرائم حرب ولا يحاسبون, وغيرهم يحاكمون, وهكذا تتمسك بسياسة ازدواجية تنطوي على إهانة لغيرها من الشعوب. وتمثل عبئاً على آلية العدالة. فمن المعروف انه في الحرب العالمية الثانية, وأمام البربرية النازية, حافظت باريس على تراثها الحضاري ولم تخسر أثرا ولم يهدم فيها متحف أو تمثال, وفي بغداد وقفت القوات الأميركية تشاهد تدمير تراث حضاري وإنساني لا مثيل له, بل الذي الجنود الأميركيين شاركوا في عمليات النهب.

نعم.. ليس فكر مجموعة شذت عن المجتمع.. و إنما مجتمع شذ وسار في طريق الشيطان..

ولقد رأينا ما يفعله هذا المجتمع بأعدائه..

ثم رأينا ما يفعله بنفسه..

ثم أن كل ذلك لم يأت اعتباطا و إنما انبنى على أساس فلسفات نظرية في كتب منشورة.

والمجموعة المجرمة الحاكمة في أمريكا الآن تعود مرجعيتها الفكرية الأساسية إلى ليو شستراوس.. وكما يقول الكاتب المغربي يحيي اليحياوي أن المشروع الفكري الذي بناه ليو شتراوس وترجمه تلامذته علي أرض الواقع، إنما هو مشروع إيديولوجي بامتياز ليس فقط باعتبار نزوعه إلي المطلق في الحكم، ولكن أيضا بحكم طبيعة السياسات المترتبة عنه في الزمن والمكان.

ينبني مشروع ليو شتراوس (المؤسس لتيار المحافظين الجدد) علي فكرتين بديهيتين لكنهما ذوات آثار وتبعات كبري:

ـ فكرة النخبة العالمة والنزيهة، المالكة لسلطان المعرفة والتواقة لبلوغ السلطة بغرض ضمان النفاذ لمعرفتها و إشاعة حكمتها لخير البشرية .

ولما كانت كذلك فهي حتما صاحبة الرؤية وصاحبة التخطيط في الآن معا.

ـ وفكرة مكافحة النسبية الأخلاقية علي اعتبار أن الحقيقة الفلسفية لا تقبل التسويات. وهذه الحقيقة عندما تبلغ مجال السياسة فإنها تلهمها مضامينها وقوامها الأخلاقي الذي تعمل النخبة العالمة علي تصريفه بعدما يكون قد تسني لها صياغته والتنظير له.

وعلي هذا الأساس، يري شتراوس، أن أمريكا بنخبتها العالمة و سيادة الحقيقة من بين ظهرانيها، إنما تملك دعوة أخلاقية كبري باسم فكرة الحرية...لا يصح التنازل عنها في الداخل ولا مع العالم الخارجي ، بل هي مطالبة بضرورة التدخل لتحقيق الفكرة المطلقة والرسالة دون تردد حتى وإن استدعي الأمر تجاوز القانون ودهسه.

يقول شتراوس بهذا الخصوص: إنه لمن السخافة أن نعيق الانسياب الحر للحكمة بالقوانين... يجب أن يكون حكم الحكماء مطلقا، كما أنه من السخافة وبالقدر ذاته أن نعيق الانسياب الحر للحكمة عبر أخذنا بعين الاعتبار رغبات غير الحكماء. لهذا يجب ألا يكون للحكماء العاقلين مسؤوليات علي رعاياهم غير العاقلين .

بالتالي، فهو يري أن الديمقراطية الحقة هي فعل يتعارض مع أحكام الطبيعة، لذا يجب منعه كائنة ما تكن التكاليف علي اعتبار أن القانون الطبيعي (وضمنه الدين) هو شيء سماوي يبرهن علي نفسه بنفسه .

لا يقتصر الأمر، عند شتراوس، عند هذا الحد، بل يتعداه إلي تدوين وصايا كبري أضحت لدي المحافظين الجدد المشعل الذي ينير لهم الطريق:

ـ الأولي وتتعلق، في نظرهم، بتلازم القوة والديمقراطية. فإذا كان شتراوس وتلامذته يقدمون مبدأ العدالة علي الحرية ومبدأ الحرية علي الديمقراطية، فإنهم بالتالي لا يؤمنون بعدالة لا تكون القوة والسلطة قوامها، بل يذهبون لحد إدانة العدالة التي لا توظف القوة في تنفيذ محتوياتها.

ـ الوصية الثانية وتكمن في تلميح شتراوس إلي التراتبية الاجتماعية وفي التقاطها من لدن تلامذته ليحولوها إلي مبدأ في الحكم ومسلك في الحكامة: الرئيس أولا ثم حراسه، ثم أصحاب المهن والحرف ثم، في آخر الترتيب، العبيد والدهماء.

لا تنحصر تداعيات هذه الوصية في معاداتها للعامة من الشعب، بل تذهب لحد عدم اكتراثها بالأغلبية التي من المفروض أن توضع تحت طائلة القانون وتعمل بتوجيه من خاصة القوم أي من نخبته العالمة.

ـ أما الوصية الثالثة فتكمن فيما أسماه ليو شتراوس بـ الكذبة النبيلة . ومفادها أن الكذبة إياها إنما هي أداة من أدوات السياسة الحكيمة...المهمة والضرورية مادامت في خدمة المصلحة الوطنية ...وهو ما لا يسري كما يعتقد شتراوس، علي الزوجة مثلا التي تكذب علي زوجها صيانة لأسرتها، لأن المرأة غير نبيلة بالتالي لا يجب مسامحتها بقدر مسامحة الحكماء المسؤولين .

إن الإدارة الأمريكية تحتقر الديمقراطية عندما تمرر لفكرة شتراوس بأن الإنسان شرير جدا، لذا يجب أن يحكم . بالتالي، وجب استباق سلوكه قبل أن يلجأ إلي اعتماده فيصيب به الآخرين . لقد احتقرت الإدارة الأمريكية الديمقراطية عندما دفعت بـ الكذبة النبيلة عن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، حتى عندما بينت لها التقارير أن لا أثر لذات الأسلحة دفعت بكذبة استجلاب الإرهاب إلي أرض العراق للقضاء عليه ، ولما تبين لها أن الذي يجري بأرض العراق هو عمل مقاومة طلعت بكذبة الزرقاوي وهكذا إلي ما لا نهاية.

بالتالي، فالإيديولوجيا الاستباقية (كما أسس لها شتراوس) إنما تتفيأ إيجاد عدو وهمي تعطي الانطباع بأنها تلاحقه في حين أنها تلاحق سرابا من المستحيل الإمساك به أو توصيفه حتى.(يحيى اليحياوي- القدس العربي-1-2-2005).

يقول جوزيف ليبيرمان (وهو عضو صهيوني بالكونغرس الأمريكي ومن غلاة المحافظين الجدد): يجب أن تكون حربنا علي الإمبراطورية الشيطانية الحديثة، الخلافة الإسلامية المتشددة التي تناهض حرية مواطنيها وتهدد أمن مواطني الدول الأخري .

*** 

ويرى الأستاذ الدكتور محمد العبيدي أن الكذب وشريعة الغاب في سياسة وقوانين الفاشية الأمريكية ، وأن هناك مبدأ يلتزم به المرتبطون بها، ألا وهو رفض فهم الآخرين، حيث يعتبر هذا المبدأ من أهم وسائلهم السياسية، بل هم ينشرون أفكارهم السياسية الهجومية المتشددة وأفعالهم وأكاذيبهم ضد الحكومات التي لا يعتبروها صديقة للولايات المتحدة. وفي نفس الوقت فإنهم يرفضون السماح للآخرين بتقرير مصيرهم وخطهم السياسي لأن ذلك برأيهم ليس خياراً قابلاً للنقاش. فمهما يكن الآخرون، فإنهم مرفوضون من هؤلاء الفاشيين إلا إذا قالوا "نحن معكم"، وهذا بالضبط ما طرحه جورج بوش بكلمته الشهيرة بعد أحداث 11/9 حين خاطب العالم بقوله "أنتم إما معنا أو ضدنا". كذلك، من قمة الإدارة الأمريكية إلى قاعها، يمثل الكذب زبدة السياسة لديهم. ومن خلال سياستهم هذه تراهم يعبرون عن طبيعة الوقائع والحقائق بعبارات السخف والاستهزاء والتهكم والسخرية، وبهذا فإن الأكاذيب بنظرهم هي حقائق والحقائق أكاذيب. وذلك ليس غريباً على أعضاء الإدارة الأمريكية الذين جلهم من اليمين المتطرف الفاشي الذين ينتمون إلى الحركة الفاشية الشتراوسية. فهؤلاء يؤمنون، وفقاً لأيديولوجية تلك الحركة، بالسيطرة مهما كان الثمن، وبسيطرتهم على البيت الأبيض والكونغرس ومؤسسات صنع القرار الأخرى فإنهم ينشرون المبادئ العامة للحركة في كل الكيانات المؤسساتية وفي جميع أنحاء العالم من خلال شبكة معقدة من الملتزمين بالفكر الفاشي الشتراوسي غرضها السيطرة على الحقائق ونشر الأكاذيب. ولكي يبقوا مسيطرين دولياً ومحافظين على تلك السيطرة فإنهم يكذبون ويستمرون بالكذب، بل ويوفرون كل ما يمكنهم من أموال لشراء ذمم من يستطيع أن يدعم كذبهم وسيطرتهم سواء كانوا أشخاص أو حكومات. والكذب هو في صلب تفكيرهم لتحقيق الأهداف وإخفاء الحقيقة عن الشعب لكي يجمعوا القوة من أجل إساءة استخدامها. ولكي تتم السيطرة لهم من خلال الكذب، الذي لا يميز الإدارة الأمريكية الحالية فقط بل هو سمة الوجود الأمريكي منذ بداية تأسيس أمريكا، خاضت أمريكا 190 حرباً منذ عام 1890 بحجة ترسيخ الديمقراطية التي هي سمة ادعاءاتهم الكاذبة. وقد استخدموا كلمة الديمقراطية كمنفذ لتعميم أفكارهم، وكما أشار إليها مؤسس الحركة الصهيوني ليو شتراوس حين قال، " يجب أن نجعل العالم بأجمعه ديمقراطياً ". إلا أن عبارة شتراوس هذه تتناقض من ناحية أخرى مع تصريحه بأن " بعض المجتمعات تستحق القيادة والبعض الآخر يجب أن تقاد، والعدالة تقتضي أن نكون بجانب القوي وأن من يستحق القيادة هم أولئك الذين يؤمنون بعدم وجود الأخلاق والذين وحدهم لهم حق واحد هو حق القوي لحكم الضعيف "، وتلك هي شريعة الغاب بأبسط تعريف لها. وأضاف شتراوس (اليهودي الصهيوني)يقول، " ولأن الجنس البشري بحد ذاته دنئ وحقير، لذا يجب حكمه من سلطة قوية، ولكي تسيطر تلك السلطة، يجب عليها أن تحكم بالقوة من قبل أشخاص متحدين حيث يتحد هؤلاء الأشخاص فقط ضد أناس آخرين ".

ويستطرد الدكتور العبيدي قائلا:

إن الخداع والكذب في السياسة الأمريكية الحالية يأتي بكامله من نظرية ليو شتراوس الفاشية اليمينية المتطرفة التي وضعت أيضاً مقولة " الإيمان بكفاءة الكذب المتعمد في السياسة "، وبهذا فإن جميع من يرتبط باليمين المتطرف هم كذابون ملتزمون بهذه النظرية.

*** 

وثمة ملف هام في هذا الصدد عرف بملف (أطفال الشيطان) أعدته حملة لاروش لانتخابات الرئاسة الأميركية الماضية• تقول الدراسات إن هؤلاء الشستراوسيون لا يهتمون للمنطق الإنساني، ولا يعنيهم أن تكون أكاذيبهم مفضوحة فهم يعتبرون القوة وحدها منطقهم، ويرون في السلام طريقاً نحو الانحطاط، ومشروعهم هو الحرب الدائمة• وقد اختاروا للمواقع القيادية أناساً حسب توصيف ليو شتراوس (لايؤمنون بأية أخلاقيات، حيث يكفي أن يكونوا متفوقين ليمتلكوا حق التسلط على الآخرين) وهم كما تصف الدراسات، يعتقدون بأهمية وجود عدو خارجي فإن لم يكن موجوداً فإنهم يصنّعونه، وهم يبشرون بأنهم دعاة ليبرالية وديمقراطية في الوقت الذي يسعون فيه إلى تعميق الجوانب العدائية والعدوانية في السياسة الخارجية الأميركية.

*** 

الشستراوسية إذن رغم أنها تدعي المطلق إلا أنها انقلاب عليه وليست إلا توزيعا آخر لنفس اللحن الشيطاني الذي بدأه نيتشة الشهير بقوله أن "الله قد مات" (تعالى الله علوا كبيرا.. أستغفرك اللهم).. والذي يعنى أن كل الجوانب الروحية والأخلاقية في حياة الإنسان أصبحت لا ضرورة لها أو أنها مجرد شأن خاص لا علاقة له بحياة الفرد في المجتمع.ومن ثم وصل شستراوس إلى أحد بنود فلسفته عن فكرة إنكار النسبية الأخلاقية، مستندا إلى أن الحقيقة الفلسفية لا تقبل التسويات، وهي عندما تصل إلي السياسة من خلال فلسفتها فإنها تهبها مضامينها وقوامها الأخلاقي الذي تحتضنه النخبة وتسعى لتطبيقه من دون تنازلات أو مفاوضات أو تسويات. ويعني ذلك أن الليبرالية التي تقول بالنسبية والتعددية، هي فلسفة غير أخلاقية لأنها تجزئ الحقيقة أو تعددها، وهي عندما تصل للسياسة تتحول إلى براغماتية منحطة. وقد كانت هذه الفلسفة المنحطة محطة في الطريق المزيف إلى مفاهيم مغلوطة مثل "نهاية الأيديولوجية" و "نهاية التاريخ" والتي تعنى، في واقع الأمر، نهاية الفكر والتنظير بل والمنهج.

*** 

هذا هو الغرب إذن..

هذا هو العدو الذي نواجهه..

هذا هو العدو الذي سيطر على حكامنا وجيوشنا وبوليسنا وصحافتنا وتلفازنا ومفكرينا.. بل وشيوخنا أيضا..

هذا هو العدو فهل نستسلم أم نجاهد؟!

أسأل نفسي و أسألكم يا ناس..

أسأل فيسقط الغطاء عن الجرح العاري..

ويتأخر الجواب وتتلعثم الألسنة فأدرك كم كان الحصار من الحكام والعسكر والأمن والمثقفين ضاريا ومؤثرا وكم نال من الأمة..

سقط الغطاء..

*** 

سقط نفس سقوطه يوم رحت قدرا – لا أقول صدفة- أستمع إلى خطاب أبي لهب، وكان يومها يلمز ياسر عرفات – ولا أملك إلا الدعاء له بالرحمة ( لياسر عرفات وليس لأبي لهب) ، فالرجل و إن بدا كثيرا على تخوم الخيانة وحتى الفسوق أفضل ممن بعده وكان أفضل ممن حوله – وكان أبو لهب يلوم ياسر عرفات، لماذا؟.. لأن ياسر عرفات لم يوافق على التنازل عن القدس لإسرائيل.. والأمر الذي جعل المشكلة غير قابلة للحل.. كما قال أبو لهب لأمريكا.. هو أنه لا يوجد زعيم عربي يجرؤ على المجاهرة أمام شعبه بموافقته على التنازل عن القدس.. وكان مفهوم هذا الكلام الخسيس الخائن.. أن أبا لهب كان يريد من ياسر عرفات أن يبادر هو بتحمل المسئولية وحده، فيتنازل عن القدس.. دون أن يورط الطواغيت العرب في المجاهرة بهذه الفاحشة .. وهي فاحشة لا أظن أحدا يرتكبها إلا من خرج من الملة.

لم يقل أبو لهب لأولياء نعمته في واشنطن وتل أبيب أنه لا يستطيع التنازل عن القدس من أجل عقيدته.. ودينه.. ولا حتى من أجل عروبته.. ولا حتى من أجل الأمن القومي لدولته ومجالها الحيوي ( تقول إسرائيل أن مجالها الحيوي يمتد من جاكرتا إلى طنجة.. لكن الأمن القومي لدولنا لا يتعدى قصر الحاكم..).. لم يقل ذلك.. وإنما قال أنه لا يستطيع مواجهة شعبه .. خوفا لا حياء..

كان التصريح فجا وخسيسا.. وذكرني بجمل هابطة في بعض أفلامنا ومسلسلاتنا التلفازية.. عندما يحاول الداعر غواية فتاة فتتمنع.. لا من أجل تقوى لله.. ولا خوفا من النار.. ولا رغبة في الجنة.. ولا حرصا على الخلق القويم.. ولا حتى لدواعي الكرامة وعزة النفس.. و إنما لأنها تخشى أن يراها الناس!!..

هذه الفتاة زانية و إن لم تزن..

أما أبو لهب فهو أشد سوءا و أكثر خسة..

*** 

لم يقل لنا أبو لهب.. ولم يقل لنا أقرانه الطواغيت إلى أي مدى ينبغي علينا الانسحاب والتراجع والتنازل.

وهل يرضي الصليبيون منا منزلة دون الكفر كله..

هل يرضى عنا اليهود والنصارى إلا أن نتبع ملتهم..

فإن كان القرآن يخبرنا ذلك .. فلماذا يدفعنا أبولهب و أبو جهل خطا وراء خط.. وخندقا خلف خندق.. وانسحابا بعد انسحاب.. 

أإلى الكفر يدفعوننا..

و أنت يا أمة تستجيبين ولا تقاومين..

*** 

ما أقوله ينطبق على الأمة انطباقه على الأفراد..

فلو أن نشالا أو قرصانا أو قاطع طريق خطف حقيبتك من يدك، فهل تسكت على ذلك وتستسلم لما حدث حتى لو كانت الحقيبة فارغة؟.. وماذا لو لم تكن فارغة، بل كانت تحتوى على كَـــــدِّ عمرك وكَـبـــَـدِ أيامك.. 

فهل تسكت؟..

ولو أنه لم يكتف بذلك، فخطف - مع الحقيبة التي تحتوي على الـــكَـــدِّ والــكَــبـَـدِ -امرأتك أيضا.. 

ثم لم يكتف بذلك فخطف أبناءك .. ثم أباك و أمك..

 فهل تسكت..

هل تستطيع أن تسكت؟..

ولو أنه بعد أن فعل ذلك استولى على بيتك وطردك منه بعد أن حول زوجتك إلى محظية و أبناءك إلى عبيد و قتل أبويك..

ولو أنه راح بعد ذلك يعتبر كل محاولة للمقاومة منك إرهابا، وكل محاولة للبحث عن أكثر الأسلحة بدائية كي تواجه بها أعتى الأسلحة تطورا، جرائم تهدد السلم العالمي..

ولو أنه راح بعد ذلك يبيع ممتلكاتك بأبخس الأسعار كي يسدد بها تكاليف عدوانه عليك وخطفه حقيبتك وانتهاك زوجتك واسترقاق أبنائك وقتل أبويك وغصب بيتك، على اعتبار أن ذلك كله كان خدمة كبرى أداها لك وله أن يتقاضى مقابلها بأعلى سعر، بل و أن يغالط في الحساب كما يشاء.

إلا أن الأمر لا يتوقف عند هذا..

فهل تسكت؟!..

هل تستطيع أن تسكت؟..

ذلك أن أي اعتراض منك سوف يفهم منه على الفور أنك تحتاج إلى مزيد من الترويض، و إلى تعليم كي تفهم أن كل ما حدث إنما كان في صالحك، فإن لم تفهم ذلك، و إذا لم تبادر بطلب الصلح فإنك إرهابي. وسيكون العالم أفضل بدونك.

فهل تسكت؟..

وهل تسكت إذا علمت أن هذا الصلح لن يعيد إليك بيتك المغتصب ولن يعوضك عن ضحاياك ولا هو سيعيد إليك بنيك أو امرأتك، ولا حتى حقيبتك، لن يعيد إليك أيا من ذلك، بل إن أول شروط هذا الصلح أن تتعهد بأنك لن تطالب أبدا بأي شئ من ذلك، و أنك تدرك أن ما حدث كان في صالحك، و أنك ممتن..

ثم .. وهذا هو الأهم.. أن تدرك أن السبيل الوحيد لكي يبقيك القرصان على قيد الحياة، هو أن تترك ملتك وتتبع ملته.

*** 

نعم..

هذا هو المطلوب يا ناس..

هذا هو المطلوب..

فهل نسكت؟..

*** 

و إذا كنتم قد استطعتم أن تعيشوا دون أمن ودون كرامة ودون حرية، إن كنتم قد استطعتم أن تبيتوا على الطوى، و أن تمسوا على العطش، وأن تسكنوا المقابر، و أن يحاصركم الفساد والعفن لكي تعيشوا بلا أمل.. فهل تستطيعون الحياة بلا دين..

هل أنتم مستعدون لدفع الثمن..

أن تتبعوا ملة اليهود والنصارى..

هل أنتم مستعدون يا ناس للحياة دون ابن تيمية وابن القيم وابن الجوزي؟..

هل تستطيعون الحياة دون البخاري ومسلم؟..

هل تستطيعون الحياة بغير أبي حنيفة والشافعي ومالك و أحمد..

هل تستطيعون المواصلة بدون أبى بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين؟؟..

هل تستطيعون الحياة دون صلاة الفجر ورواء الروح بها..

هل تستطيعون الحياة دون "آمين" تزلزل الأرض حين تجتمعون في المساجد..

هل تستطيعون؟؟..

هل تستطيعون الصبر على أكاذيبهم الخسيسة الفاجرة عن سيد البشر وخاتم الرسل.. و أنه لم تكن هناك رسالة ولا نبوة و إنما هو – غفرانك اللهم- كذاب كذب على ربه..

هل تستطيعون المضي في هذه الحياة دون الأحاديث النبوية..

هل تستطيعون الاستمرار في هذه الحياة دون القرآن؟..

إن الحيوان الأعجم قد يسلمه خوفه وجبنه إلى الفرار نشدانا للسلامة فيهلك. ولكنه عندما يدافع عمن يحب يبذل حياته راضيا وسعيدا.

*** 

هل تستطيعون يا ناس أن تعيشوا دون الإيمان بالله، إيمان الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، هل تستطيعون الاحتمال لحظة واحدة إذا تجردتم من الشعور بأنكم كأنكم ترونه، فإن لم تكونوا ترونه فإنه يراكم، هل تستطيعون المواصلة دون الأمل في مغفرته ورحمته وجنته ولقائه..

عدوكم يريد أن يجردكم من هذا كله..

عدوكم يريدكم أن تنسوا هذا كله..

عدوكم يريد منكم أن تنكروا القرآن ( لأنه نص بشري كما يقول المرتد – بحكم محكمة – نصر حامد أبو زيد..

عدوكم يريدكم أن تتركوا السنة..

و أن تكذبوا محمدا.. صلى الله على محمد..

عدوكم يريدكم أن تخرجوا من الإسلام..

فهل تستطيعون الاحتمال ثانية واحدة.

*** 

هل تستطيعون؟

هل تستطيعون؟..

هل تستطيعون؟..

فإن لم تكونوا تستطيعون فلماذا استسلمتم ولماذا تستسلمون ولماذا لا تقاتلون؟..

*** 

هل تستطيعون؟..

جيفري لانج يفضل الموت..

وجيفري لانج (أستاذ الرياضيات في جامعة كنساس الأمريكية ) هذا لم تخطف حقيبته، ولا زوجته، ولا أبناؤه ولا أبويه ولا اغتصب منزله، ولا روع ولا اضطهد، ولا هدد بالقتل، لكنه عندما طرح الاختيار على نفسه، وهو المرفه الآمن القوي، عندما طرح على نفسه الاختيار بين الحياة دون إيمان أو الموت.. اختار الموت..

يصف جيفري لانج أول محاولة له للصلاة فيقول:

.."..وانحنيت راكعاً حتى صار ظهري متعامداً مع ساقي ، واضعاً كفي على ركبتي وشعرت بالإحراج ، إذ لم أنحن لأحد في حياتي . ولذلك فقد سررت لأنني وحدي في الغرف. وبينما كنت لا أزال راكعاً ، كررت عبارة سبحان ربي العظيم عدة مرات .ثم اعتدلت واقفاً وأنا أقرأ: سمع الله لمن حمده ، ثم ربنا ولك الحمد.. أحسست بقلبي يخفق بشدة ، وتزايد انفعالي عندما كبّرتُ مرةً أخرى بخضوع ، فقد حان وقت السجود . وتجمدت في مكاني ، بينما كنت أحدق في البقعة التي أمامي ، حيث كان علي أن أهوي إليها على أطرافي الأربعة وأضع وجهي على الأرض . لم أستطع أن أفعل ذلك ! لم أستطع أن أنزل بنفسي إلى الأرض ، لم أستطع أن أذل نفسي بوضع أنفي على الأرض ، شأنَ العبد الذي يتذلل أمام سيده . لقد خيل لي أن ساقي مقيدتان لا تقدران على الانثناء . لقد أحسست بكثير من العار والخزي وتخيلت ضحكات أصدقائي ومعارفي وقهقهاتهم ، وهم يراقبونني وأنا أجعل من نفسي مغفلاً أمامهم . وتخيلتُ كم سأكون مثيراً للشفقة والسخرية بينهم . وكدت أسمعهم يقولون : مسكين جف ، فقد أصابه العرب بمسّ في سان فرانسيسكو ، أليس كذلك ؟

وأخذت أدعو: أرجوك ، أرجوك أعنّي على هذا . أخذت نفساً عميقاً ، وأرغمت نفسي على النزول . الآن صرت على أربعتي ، ثم ترددت لحظات قليلة ، وبعد ذلك ضغطت وجهي على السجادة . أفرغت ذهني من كل الأفكار وتلفظت ثلاث مرات بعبارة سبحان ربي الأعلى . الله أكبر . قلتها ، ورفعت من السجود جالساً على عقبي . وأبقيت ذهني فارغاً ، رافضاً السماح لأي شيء أن يصرف انتباهي . الله أكبر . ووضعت وجهي على الأرض مرة أخرى . وبينما كان أنفي يلامس الأرض ، رحت أكرر عبارة سبحان ربي الأعلى بصورة آلية . فقد كنت مصمماً على إنهاء هذا الأمر مهما كلفني ذلك . الله أكبر . و انتصبت واقفاً ، فيما قلت لنفسي : لا تزال هناك ثلاث جولات أمامي وصارعت عواطفي وكبريائي في ما تبقى لي من الصلاة . لكن الأمر صار أهون في كل شوط . حتى أنني كنت في سكينة شبه كاملة في آخر سجدة . ثم قرأت التشهد في الجلوس الأخير ، وأخيراً سلـَّمتُ عن يميني وشمالي .

وبينما بلغ بي الإعياء مبلغه ، بقيت جالساً على الأرض ، وأخذت أراجع المعركة التي مررت بها . لقد أحسست بالإحراج لأنني عاركت نفسي كل ذلك العراك في سبيل أداء الصلاة إلى آخرها . ودعوت برأس منخفض خجلاً: اغفر لي تكبري وغبائي ، فقد أتيت من مكان بعيد ، ولا يزال أمامي سبيل طويل لأقطعه . وفي تلك اللحظة ، شعرت بشيء لم أجربه من قبل ، ولذلك يصعب علي وصفه بالكلمات . فقد اجتاحتني موجة لا أستطيع أن أصفها إلا بأنها كالبرودة ، وبدا لي أنها تشع من نقطة ما في صدري . وكانت موجة عارمة فوجئت بها في البداية ، حتى أنني أذكر أنني كنت أرتعش . غير أنها كانت أكثر من مجرد شعور جسدي ، فقد أثـّرت في عواطفي بطريقة غريبة أيضاً . لقد بدا كأن الرحمة قد تجسدت في صورة محسوسة وأخذت تغلفني وتتغلغل فيّ . ثم بدأت بالبكاء من غير أن أعرف السبب . فقد أخَذَت الدموع تنهمر على وجهي ، ووجدت نفسي أنتحب بشدة . وكلما ازداد بكائي ، ازداد إحساسي بأن قوة خارقة من اللطف والرحمة تحتضنني . ولم أكن أبكي بدافع من الشعور بالذنب ، رغم أنه يجدر بي ذلك ، ولا بدافع من الخزي أو السرور . لقد بدا كأن سداً قد انفتح مطِلقاً عنانَ مخزونٍ عظيمٍ من الخوف والغضب بداخلي . وبينما أنا أكتب هذه السطور ، لا يسعني إلا أن أتساءل عما لو كانت مغفرة الله عز وجل لا تتضمن مجرد .العفو عن الذنوب ، بل وكذلك الشفاء والسكينة أيضاً ظللت لبعض الوقت جالساً على ركبتي ، منحنياً إلى الأرض ، منتحباً ورأسي بين كفي . وعندما توقفت عن البكاء أخيراً ، كنت قد بلغت الغاية في الإرهاق . فقد كانت تلك التجربة جارفة وغير مألوفة إلى حد لم يسمح لي حينئذ أن أبحث عن تفسيرات عقلانية لها . وقد رأيت حينها أن هذه التجربة أغرب من أن أستطيع إخبار أحد بها. أما أهم ما أدركته في ذلك الوقت : فهو أنني في حاجة ماسة إلى الله ، وإلى.الصلاة وقبل أن أقوم من مكاني ، دعوت بهذا الدعاء الأخير:

"اللهم ، إذا تجرأتُ على الكفر بك مرة أخرى ، فاقتلني قبل ذلك -- خلصني من هذه الحياة . من الصعب جداً أن أحيا بكل ما عندي من النواقص والعيوب ، لكنني لا أستطيع أن أعيش يوماً واحداً آخر وأنا أنكر وجودك "

*** 

أحسها الأجنبي الذي يصلي أول مرة فبماذا تحسون يا من تصلون منذ عشرات الأعوام..

والذي يجرب الإيمان لأول مرة دعى الله أن ينهي حياته إذا قضى عليه أن يفقد هذا الإيمان مرة أخرى..

بماذا تحسون أنتم يا ناس.. بماذا تحسون و أنتم تدركون يوما بعد يوم و ساعة بعد ساعة أن المطلوب منكم يتجاوز حريتكم و أرضكم وشرفكم و عرضكم إلى دينكم ونبيكم وقرآنكم؟..

وليس الأمر أمر هواجس أو ادعاءات فكتبهم المنشورة تعرض ذلك كله دون خفاء أو حياء. 

نعم..

لم يكفوا عن الجهر بذلك.. 

ولم يكف علمانيونا وحداثيونا في نفس الوقت عن التمويه على مخططاتهم حتى لا تدركها الأمة..حتى لا تنهض وتقاوم..

*** 

لقد بدأ العداء الغربي للإسلام منذ ظهور الإسلام وتحريره الشرق والشرقيين من هيمنة الرومان.. وفي هذا المقام يقول الكاتب والقائد الإنجليزي (جلوب باشا) (1897 - 1986) كلمته التي توقظ النيام: "إن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط إنما يعود إلى القرن السابع للميلاد!!".

*** 

يقول مراد هوفمان في كتابه ( رحله إلى مكة ) : ( إن الغرب يتسامح مع كل المعتقدات والملل ، حتى مع عبدة الشيطان ، ولكنه لا يظهر أي تسامح مع المسلمين . فكل شيء مسموح إلا أن تكون مسلمًا )

*** 

أما محمد أسد ( ليوبولد فايس) فيسلط الضوء على سبيل النجاة من واقعنا المتردي فيكتب :"ليس لنا للنجاة من عار هذا الانحطاط الذي نحن فيه سوى مخرج واحد ؛ علينا أن نُشعر أنفسنا بهذا العار ، بجعله نصب أعيننا ليل نهار ! وأن نَطعم مرارته … ويجب علينا أن ننفض عن أنفسنا روح الاعتذار الذي هو اسم آخر للانهزام العقلي فينا ، وبدلاً من أن نُخضع الإسلام باستخذاء للمقاييس العقلية الغربية ، يجب أن ننظر إلى الإسلام على أنه المقياس الذي نحكم به على العالم ..

أما الخطوة الثانية فهي أن نعمل بسنة نبينا على وعي وعزيمة..

*** 

ثم يوصينا محمد أسد بهذه الوصية :"يجب على المسلم أن يعيش عالي الرأس ، ويجب عليه أن يتحقّق أنه متميز ، وأن يكون عظيم الفخر لأنه كذلك ، وأن يعلن هذا التميز بشجاعة بدلاً من أن يعتذر عنه !". 

 الإسلام على مفترق الطرق محمد أسد

*** 

نعم..

ذلك هو الطريق الذي رسمه القرآن لنا..

الطريق الذي رسمه الخلفاء الراشدون المهديون..

الطريق الذي وضحه لنا علماؤنا عبر التاريخ..

طريق الجهاد..

طريق " أتيتكم بالذبح" لأعداء الله الذين جاسوا في ديارنا واغتصبوا نساءنا وهتكوا أعراضنا واغتصبوا أموالنا....

طريق الجهاد..

وطريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..

يقول شهيد الإسلام عبد القادر عودة «ومن المتفق عليه بين الفقهاء أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس حقا للأفراد يأتونه إن شاءوا, ويتركونه إن شاءوا وليس مندوبا إليه يحسن بالأفراد إتيانه, وعدم تركه, وإنما هو واجب علي الأفراد, ليس لهم أن يتخلوا عن أدائه, وفرض لا محيص لهم من القيام بأعبائه».

*** 

لعل القارئ يلاحظ كثرة الاستشهادات – خاصة الأجنبية - في هذا المقال.. والحقيقة أنني بهذه الاستشهادات أهدف أمرين: أولهما أن موقفي من الغرب ليس موقفا عنصريا، ,إنما أقول لمن أحسن أنه أحسن ولمن أساء أنه أساء، كاشفا في نفس الوقت أن الحقيقة ليست عصية على من يبحث عنها.أما الهدف الثاني فهو أن أحاول كشف علمانيينا الأشرار الكذبة.. الذين لا يتوقفون عن الكذب أبدا ولا ينتقون من المستشرقين إلا من هاجم الإسلام.. أما من يناصر الإسلام فهم لا يذكرونه أبدا.. وهذا بالتمام ما يفعلونه في مصر. إن خالد محمد خالد لا يذكر إلا بكتاب كفر هو " من هنا نبدأ" أما كتب توبته وعودته إلى الإيمان والصواب فلا تذكر أبدا.. وهكذا دواليك.

إنهم يحتفلون- مثلا- بهجوم الفيلسوف (فولتير) على الإسلام لكنهم لا يذكرون عودته عن هذا الهجوم ، فالأضواء لا تسلط إلا على أقواله الأولى ، أما أقواله الأخيرة فقد طُمست! إذ يعترف فيها بأنه كان ضحية الأفكار السائدة الخاطئة : "لقد هدم محمد الضلال السائد في العالم لبلوغ الحقيقة ، ولكن يبدو أنه يوجد دائماً من يعملون على استبقاء الباطل وحماية الخطأ ! "


*** 

ولقد وجد من المستشرقين أنفسهم من ينحازون للحق والصدق ضد بني جلدتهم، يقول توماس كارليل : "إن أقوال أولئك السفهاء من المستشرقين في محمد ، إنما هي نتائج جيل كفر ، وعصر جحود وإلحاد ، وهي دليل على خبث القلوب وفساد الضمائر، وموت الأرواح"...

وتقوم بيانكا سكارسيا بتحليل عميق لهذه الفئة فتقول : "عمل الاستشراق لصالح الاستعمار بدلاً من إجراء التقارب بين الثقافتين . إن إنشاء هذا العلم لم يكن إلا من أجل تقديم أدوات للاختراق أكثر براعة ، فهناك فعلاً عملية ثقافية مستترة ماكرة ومرائية ، وهذا ما يفسر ريبة المسلمين حيال كل ما يقال عنهم في الغرب"، ويقول برناردشو متأسفاً : "مضت على الغرب القرون وهو يقرأ كتباً ملأى بالأكاذيب على الإسلام".

*** 

هذه الكتب الملأى بالأكاذيب هي ما يراد لها أن تدرس تحت راية التنوير والتطوير..!!..

وهو ما تبنته الحكومات العميلة..

ولقد أتيحت لي الفرصة للاطلاع على مناهج كلية الآداب في مصر..

وكأنهم – كلاب النار – قد اكتشفوا أن الإلحاد هو الحقيقة الوحيدة المطلقة..

ليست هناك من كلمة واحدة تدعو إلى الإيمان..

وليس هناك كلمة واحدة تشكك في إمكانية أن يكون الكفر خطأ.. ولو بالاحتمالات الفلسفية والرياضية..

*** 

لقد كانت مهمة المستشرقين باختصار كما أرادها لهم المبشّر الصهيوني صموئيل زويمر تحويل المسلم إلى لا ديني.. فيقول في محاضرة لتلاميذه المبشرين:

"مهمّتكم أن تُخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله ، وبالتالي فلا صلة تربطه بالأخلاق ، وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الاستعمار .. 

استمروا في أداء رسالتكم فقد أصبحتم بفضل جهادكم المبارك موضع بركات الرب!!".

*** 

تنطلق هذه الزمرة من المستشرقين وكلابهم المحليين من المبدأ الذي يقول : اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدّقك الناس ! وإذا كان الكذب شعاراً فكل شيء متوقع بعد ذلك ..

وهؤلاء المستشرقون وتلاميذهم يصطنعون في بحوثهم – كما يقول الدكتور إبراهيم عوض- سمت العلم والموضوعية والبراهين ، وهذا أخطر ما فيهم ومن خطورتهم التلطف في دس السموم مع التدرج ، وذلك بعد منافقة القارئ بكلمات معسولة كي يَركَن إليهم .

ومن وسائلهم اللعب بالتاريخ ، فيصححون الأخبار الكاذبة ، ويطمسون الأخبار الصحيحة ، ويضخمون الأخطاء الصغرى ، وما أسهل تغيير مجرى التاريخ على قلم المؤرخ الكذوب ! فقد جعل هؤلاء المتعصبون من التاريخ هواية يتم من خلالها التنفيس عن الأهواء والأحقاد الإيديولوجية .

ومن وسائلهم وضع الفكرة مقدَّماً ثم البحث عن أدلة تُعزّزها مهما كانت واهية على أسلوب (محاكم التفتيش) حيث كانت توضع التهمة أولاً ثم تثبت بالشهود الذين ينوب عنهم التعذيب ! وليس هذا الأسلوب غريباً عمن يكون شعاره : "اعتقد أولاً ثم افهم ما اعتقدت !".

 يـقــول محمد أسد " ليوبـولـد فايـس" : "إن أبرز المستشرقين جعلوا من أنفسهم فريسة التحزب غير العلمي في كتاباتهم عن الإسلام ! وإن طريقة الاستقراء والاستنتاج التي يتبعها أكثر المستشرقين تذكرنا بوقائع (دواوين التفتيش) " .

"لا تستطيع أمريكا إلا أن تقف في الصف المعادي للإسلام ، لأنها إن فعلت غير ذلك تنكّرت للغتها وثقافتها ومؤسساتها ! . إن هدف العالم الغربي في الشرق الأوسط هو تدمير الحضارة الإسلامية ، وإن قيام إسرائيل هو جزء من المخطط ، وليس إلا استمراراً للحروب الصليبية "

لم يصرح بالجملة الأخيرة حاخام أو قسيس و إنما يوجين روستو ، رئيس قسم التخطيط بوزارة الخارجية الأمريكية سابقاً . وتؤكد رئيسة وزراء بريطانية السابقة تاتشر هذه المخططات فتقول : "يقف الغرب اليوم مع الشرق الأرثوذكسي والكاثوليكي في خندق واحد لمجابهة العدو ، وهو الإسلام". 

وينفخ المستشرق المعاصر فرانسيس فوكوياما نار الصراع ليزيد من الرُّهاب المرضى الغربي من الإسلام فيقول : " إن هناك عدواً قادماً للحضارة الغربية هو الإسلام … وهذه الإيديولوجية ستصبح النقيض للإيديولوجية الغربية ، وبالتالي لا بد أن ينتصر أحدهما وينهزم الآخر ، لأن العالم لن يستمر في حالة صراع بين العقيدة الغربية والإسلام"! .

وأكد هذه الحقيقة د.مراد هوفمان فكتب ساخراً : "لم يتدخل العالم المتحضر عسكرياً لإنقاذ مسلمي البوسنة ، ولكن انشغل بالمساعدات الإنسانية ! وعمل بجد واجتهاد حتى يضمن للمسلمين أن يُعذَّبوا أو يُغتصبوا أو يموتوا وهم شبعانون ! لقد سمّت وسائل الإعلام الغربية ضحايا البوسنة بالمسلمين ، ولكنها أغفلت تماماً الإشارة إلى ديانة القتلة المعتدين" !. 

ويتساءل وزير الخارجية السوري الأستاذ فاروق الشرع : "لو كان مسلمو البوسنة الذين يتعرضون لعمليات التطهير العرقي والترحيل الجماعي والاغتصاب الوحشي ينتمون إلى عرقٍ ودينٍ آخر هل كانت هذه المذبحة ستستمر؟! إننا لا نستطيع أن نثق بأن الغرب يستهدف فعلاً رفع الظلم عن الإنسان ، وإحقاق حقوقه في كل مكان وزمان .. إن من يخرق الحقوق الأساسية للشعوب ، هم أولئك الذين يرفعون شعار حقوق الإنسان.

هذه الروح المتوحشة انتشرت في أوربا ، ففي فرنسا صدر أمر بابوي بطرد رئيس الكنيسة الكاثوليكية بمدينة(افروه) من أسقفيته لأنه أعلن تأييده للمسلمين في البوسنة والشيشان. 

أما عالم الاجتماع الأمريكي نيكولاس هوفمان فيقول : "لا توجد ديانة أو قومية أو ثقافة كثقافة العرب والمسلمين تتعرض في الولايات المتحدة لمثل هذا التشويه الفظيع". 

ويعترف المستشرق غوستاف لوبون بهذا العداء الكبير : "تراكمت أوهامنا الموروثة ضد الإسلام بتعاقب القرون ، وصارت جزءاً من مزاجنا ، وأضحت طبيعة متأصلة فينا تأصُّلَ حقدِ اليهود على النصارى الخفيّ أحياناً والعميق دائماً". 

وهذا المعنى أكده ليوبولد فايس ( محمد أسد) بقوله : "إن روح الحروب الصليبية ما تزال تتسكع فوق أوربا ، ولا تزال تقف من العالم الإسلامي موقفاً يحمل آثاراً واضحة لذلك الشبح المستميت في القتال". 

و يرسم د. مراد هوفمان صورة دقيقة فيقول: "إذا سبرت غور النفس الأوربية ولو بخدش سطحي صغير ، لوجدت تحت الطبقة اللامعة الرقيقة عداء للإسلام" .

وفي محاولة لرصد من يقف وراء تأجيج هذه الروح العدائية تقول المفكرة الشهيدة الإسبانية (صبورة أوريبة ) : " قد أعلن الدساسون من الغربيين المتلاعبون بالضمائر عداوتهم للإسلام ، لأنه ينزع أقنعتهم ، ويقاوم شعوذتهم الخادعة".

ويقول السيناتور الأمريكي (بول فندلي) : "هناك الكثير من رجال الدين المسيحي في أمريكا يقومون بتشويه صورة الإسلام … وإن الإسلام ليس خطراً على المسيحية أو الحضارة الغربية ، وإن كُتّاباً غير مسلمين هم الذين شوهوا صورته في الغرب".

( جملة اعتراضية: لكن الطابور الخامس من العلمانيين والحداثيين والتغريبيين هم الذين يقومون بالمهمة الآن وليس الكتاب غير المسلمين.. )

أما عالمة الاجتماع المسلمة( ديانا روتنشتو ك) فترى : " أن أهل أوربة في أمسِّ الحاجة إلى الإسلام ، ولكن الوضع السياسي حالياً يشوّه الإسلام".

ويقول كارل بروكلمان: لقد حورب الإســلام كثيراً ومــا زال يُحارب ، ولكـــن النصر دائماً للحق ، وما جاء محمد إلا بالحق والحقيقة. لقد شاع في الفكر الغربي ولدى المتأثرين بتعاليم الكنيسة النصرانية ورواسب الأفكار الشعبية المنحرفة التي روجتها أوروبا عن الإسلام ونبيه وعن المسلمين إبان وبعد الحروب الصليبية، أن الفتوحات الإسلامية قامت على السيف والقهر والتسلط والقسر، ولم تقم على الكلمة الطيبة والدعوة الرفيقة والعقيدة الواضحة، لكن فئة عادلة من مفكري الغرب لم يقتنعوا بهذه الشائعات ورحلوا يتأملون في تلك القدرة العجيبة للمسلمين على نشر دينهم بتلك السرعة المدهشة، وذلك الزحف للدخول الكبير للناس أفواجا في دين الله، فعادوا إلى رسالة النبي (ص) ليجدوا أنها تقوم على الدعوة اللينة لا على القسر الخشن.

ويقف المفكر(لورد هدلي) مندهشا عند معاملة النبي (صلى الله عليه وسلم) للأسرى من المشركين في معركة بدر الكبرى، ملاحظا فيها ذروة الأخلاق السمحة والمعاملة الطيبة الكريمة، ثم يتساءل: "أفلا يدل هذا على أن محمدا لم يكن متصفا بالقسوة ولا متعطشا للدماء؟، كما يقول خصومه، بل كان دائما يعمل على حقن الدماء جهد المستطاع، وقد خضعت له جزيرة العرب من أقصاها، وجاءه وفد نجران اليمنيون بقيادة البطريق، ولم يحاول قط أن يكرههم على اعتناق الإسلام، فلا إكراه في الدين، بل أمنهم على أموالهم وأرواحهم، وأمر بألا يتعرض لهم أحد في معتقداتهم وطقوسهم الدينية".

ويقول الفيلسوف الفرنسي(وولتر): "إن السنن التي أتي بها النبي محمد كانت كلها قاهرة للنفس ومهذبة لها، وجمالها جلب للدين المحمدي غاية الإعجاب ومنتهى الإجلال، ولهذا أسلمت شعوب عديدة من أمم الأرض، حتى زنوج أواسط إفريقيا، وسكان جزر المحيط الهندي".

أما العالم الأمريكي مايكل هارت فهو يرد نجاح النبي (صلى الله عليه وسلم) في نشر دعوته، وسرعة انتشار الإسلام في الأرض، إلى سماحة هذا الدين وعظمة أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام الذي اختاره على رأس مائة شخصية من الشخصيات التي تركت بصماتها بارزة في تاريخ البشرية، ويقول:" إن محمدا هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح مطلقا في المجالين الديني والدنيوي، وأصبح قائدا سياسيا وعسكريا".

ويقول الفيلسوف والكاتب الإنجليزي المعروف برنارد شو:" إن أوروبا الآن ابتدأت تحس بحكمة محمد، وبدأت تعيش دينه، كما أنها ستبرئ العقيدة الإسلامية مما أتهمتها بها من أراجيف رجال أوروبا في العصور الوسطى"، ويضيف قائلا: "ولذلك يمكنني أن أؤكد نبوءتي فأقول :إن بوادر العصر الإسلامي الأوروبي قريبة لا محالة، وإني أعتقد أن رجلا كمحمد لو تسلم زمام الحكم المطلق في العالم بأجمعه اليوم، لتم له النجاح في حكمه، ولقاد العالم إلى الخير، وحل مشاكله على وجه يحقق للعالم كله السلام والسعادة المنشودة".

ويقول المستشرق الفرنسي بارتيملي سانت هيلز في كتابه «خواطر شرقية»: «من العجيب حقاً أن نتطاول اليوم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى دينه والأعجب من ذلك تلك النظرة الحمقاء التي نرى من خلالها المسلمين حيث تناسينا أن العلوم التي نباهي بها العالم اليوم هي نتاج تطور العلوم التي ألفها العرب والمسلمون الذين ساروا على نهج محمد صلى الله عليه وسلم بحرفية دقيقة فأنبتوا لنا نبت الحضارة التي نقطف ثمارها الآن، ومن الشرف والوفاء الأخذ بأيديهم والشعور بالامتنان نحو نبيهم العظيم وأجدادهم المبدعين». ويؤكد هذه الحقيقة المستشرق الفرنسي ديمومبين فروا حيث يقول: «أقام العرب والمسلمون منائر العلوم في مختلف الفروع في أسبانيا وقد استقت أوروبا الأسس التي قامت عليها حضارتها من ذلك الجيل الذي تربى على يد علماء الإسلام ومن هنا انطلقت النهضة الأوروبية في مسارها حتى اليوم».

مصدر الأقوال من كتاب " ربحت محمداً ولم أخسر المسيح " 

*** 

لماذا إذن ونحن نملك هذا المجد كله نشعر بالخزي..

لماذا ولدينا هذه القوة كلها نشعر بالضعف..

لطالما سألت نفسي:

- ثمة يقين لا شك فيه أن ديننا هو الحق، والعيب لا يمكن إلا أن يكون في واحد أو أكثر من ثلاثة: الحكام والنخبة والأمة..

نعم.. الحكام والنخبة والأمة..

فساد الحكام لا شك فيه.. بل إننا نظلم كلمة فساد عندما نستعملها في هذا المجال.. فليس لخستهم حد ولا لخيانتهم حد ولا لإجرامهم حد ولا لفسادهم حد ولا لجشعهم وطمعهم حد.. بل و أكاد أقول:

- ولا لكفرهم حد..

نعم .. يحذرني الخلان دائما من الإسراف في التكفير فأصرخ في وجوههم:

- هل الإسلام إلا كفر بالطاغوت وإيمان بالله؟ ألا تعلمون أن عدم تكفير الكافر كفر بالله تعالى.

ثم أروح أحدث نفسي.. حتى متى نصمت.. إن العلمنة والحداثة والتبشير والتنصيرهي كلها أوجه لعملة واحدة.. أوجه لما أراده المنصر صمويل زويمر.. إخراج المسلمين من الإسلام.. وهم للمرة الأولي بعد محاولات القرون يحققون نجاحات واضحة.. 

نعم..

فهل نستمر على صمتنا حتى ينجحوا في تنصير المسلمين..

في تكفيرهم..

لقد وصل الأمر بهم – لعنهم الله- أن تكفير المسلمين جائز أما تكفير الكفار فدونه خرط القتاد..

وصل الأمر بهم – لعنهم الله- أن وزيرا من عبدة الشيطان قد اتهم المجاهدين الذين تسنموا ذروة سنام الإسلام بالكفر.. ولم يكتف بذلك بل صرح أنه ليس لهم عنده إلا السيف.. ولم يكن على قوله من تثريب.. بينما لو وصفنا شارون أو بوش بالكفر لانقلبت الدنيا علينا..

وصل بهم الأمر لعنهم الله – وهم الذين لا يكفون عن تقديس القضاء ما دام يحكم لصالحهم – أن لعنوا أعلى محكمة مصرية – محكمة النقض- لأنها حكمت على الكافر نصر حامد أبو زيد بالردة.. 

ووصل بهم الأمر لعنهم الله إلى استدراج شيخ من شيوخ الأزهر- عليه من الله ما يستحق - للحكم على حسن الهضيبي وعبد القادر عودة وسيد قطب بالخروج من الإسلام.. ولم يعلق أحد.. و عندما أفتى بعض العلماء بكفر الحاكم الذي يرفض الحكم بما أنزل الله انقلبت الدنيا عليه.

وصل بهم الأمر لعنهم الله إلى الحد الذي أصبح فيه وصف " مفكر إسلامي" لا يكاد يلحق إلا بكافر..

وصل بهم الأمر لعنهم الله إلى الدفاع عن حسن إيمان فرج فودة الذي كتب آخر مقالاته في رثاء كلب له دهمته سيارة.. و كانت آخر كلمة له في آخر ذلك المقال أن ذلك الكلب كان أقرب إليه من حبل الوريد ( اقرأ: من قتل الكلب: أبو إسلام أحمد عبد الله)..

حتى متى نصمت..

حتى ينجحوا في إخراج المسلمين جميعا من الإسلام؟!..

حتى متى نصمت..

إن عدم تكفير الكفار، أوالشك في كفرهم، أوتصحيح مذهبهم من نواقض الإسلام الجلية، إذ ليس بعد الحق إلا الضلال، فمن لم يكفر اليهود والنصارى مثلاً مع الأدلة الكثيرة التي وردت في ذلك فقد كذّب القرآن والسنة وأنكر ما هو معلوم من الدين ضرورة.

يقول الدكتور عبد الله قادري الأهدل إن أمر التكفير خطير، كما أن التساهل الذي يؤدي إلى عدم تكفير الكافر خطير كذلك. والواجب الوقوف عند نصوص الشريعة وقواعدها، دون إفراط أو تفريط، والحكم في ذلك لله وليس لغيره، والمرجع في تكفير الشخص المعين هم لعلماء الذين تفقهوا في دين الله، وتمكنوا من معرفة نصوص القرآن والسنة وفقهوا معانيهما، وتبينوا من واقع الأشخاص الذين يراد الحكم عليهم وظروفهم، ثم التحقق من صحة تنزيل الحكم على كل شخص بعينه. ولا يجوز أن يترك الحكم بتكفير المسلم لمن يدعي العلم وهو منه خلي، ممن لم يتفقهوا على أيدي العلماء الذين أخذوا العلم عن أهله في الكتاب والسنة، وما يخدمهما من علوم الآلة، كأصول الحديث، وعلوم التفسير، وقواعد اللغة العربية، وقواعد الضرورات... وأقوال أهل العلم وأوجه استدلالاتهم من مصادرها الأصلية.

ثم أن الذي نهينا عن تكفيره هو المسلم – بشروطه – لا الكافر.

و إلا فإنه كان على المسلمين أن يصدقوا نابليون عندما قال أنه مسلم.. وأن هتلر قد غير اسمه إلى الحاج محمد هتلر!!

لقد وصل الأمر إلى أن نخبتنا العلمانية الحداثية الكافرة أصبحت تتناول هذا الأمر على سبيل السخرية المكشوفة والتندر فتنقض عرى الإسلام كلها .. فإذا ما واجههم أحد صرخوا:

- هلا شققت عن قلبه؟!..

*** 

ثم أن الفقهاء حين تحدثوا عن الضوابط التي يضعها علماء المسلمين في دولة الإسلام للتكفير قد افترضوا وجود الدولة الإسلامية وعلماء الدين الأحرار الذين لا يرهبهم سيف المعز ولا يغويهم ذهبه.. بل و أظنهم قد افترضوا الطبيعية الرسمية لهيئة العلماء تلك.. 

ثم أنني أظن أولئك الفقهاء لم يتخيلوا أبدا أن يكون حاكم الدولة المسلمة مرتدا وخائنا وعميلا وقد باع أمته ودولته ودينه للكفار لكنه حريص طول الوقت على تسمية الأشياء بغير أسمائها حتى لا يبدو منه ما هو خروج على المعلوم من الدين بالضرورة.. فتراه يسمي الالتزام بالدين تطرفا.. والجهاد إرهابا.. والتوحيد غلوا.. والتفريط تحضرا والكفر حداثة.. ويظل ينخر كالسرطان في جسد المسلمين..

فهل عجز فقهاء الإسلام عن مواجهة مثل ذلك الحاكم..؟!..

أسأل والسؤال ليس تزيدا ولا ترفا..

بل لعله المفتاح الوحيد الباقي لنا للإفلات من مقتلة هائلة للإسلام والمسلمين..

أقول هذا و أنا أعلم أن عظمة هذا الدين قد اقتضت أن من تسمى بالإسلام ولو منافقا كاذبا, حرم دمه وماله وعرضه, وحفظت حقوقه, فكيف بمن ينتسب للإسلام صادقا.

تقتضي عظمة الدين ذلك لكن ما العمل إذا اقتضى أمنه غير ذلك والضرورات تبيح المحظورات.

*** 

لطالما أنحيت باللائمة على الحكام.. وكنت على صواب..

ولطالما اعتذرت عن الأمة وكنت على خطأ..

ثم أدنت الأمة وكنت على صواب..

لكنني أعتقد أن من يستحق الإدانة أكثر من الحكام والأمة هم العلماء.

الرئيس صدام حسين- فك الله أسره- وبغض النظر عن اختلاف الآراء فيه، ليس أقوى من أمريكا.. ومع ذلك كان قادرا على ضبط الأمن في العراق.. بينما يمرغ المجاهدون أنف أمريكا في الطين والدم كل يوم..

الفارق في القوة بين القرصان المجرم بوش والرئيس الأسير لا يحتاج إلى بيان.. ولكن النتيجة العكسية تعود إلى أنه مع صدام فقد كان هناك عند الأمة شبهة أنه حاكم مسلم و إن عصى.. وكانت هناك دائما شبهة الخروج على حاكم مسلم.. وقد عصمته هذه الشبهة من الخروج عليه.

مع أمريكا حدث ما حدث..

هذا يعني إذن أن العلماء لو اتفقوا على رأي لحرموا الحاكم المرتد من عصمة لا يستحقها.. ولحموا الأمة من ردته وخيانته وجنونه..

*** 

أستعيد الماضي.. أتذكر على سبيل المثال الكافر كمال أتاتورك .. فلو أن العلماء تنبهوا لكفره في الوقت المناسب لحموا الإسلام من جنونه وخيانته وكفره..

لكن تردد العلماء وعدم حسمهم قد مكن للطاغية الكافر من النيل من الإسلام ومن المسلمين ومن عاصمة الخلافة ما نرى وما نعلم..

ولقد وضعت اسم كمال أتاتورك.. ليس على سبيل المثال فقط.. بل إيثارا للسلامة أيضا.. و إن كان يمكن رفع اسم أتاتورك ووضع جل حكام المسلمين مكانه..

تردد العلماء إذن وضعفهم هم ثالثة الأثافي التي يرتكز عليها انهيارنا..

تردد العلماء وعدم حسمهم هو الذي يؤدي إلى تمييع الموقف من الجهاد..

وتردد العلماء وعدم حسمهم هو الذي محا الفرق بين الشيخ والحاخام.. وهو الذي يسقط الأمة بحكامها وعلمائها في الضلال المبين..

أما فقهاء السلطان الذين يدعون ألا جهاد إلا بوجود إمام وراية فليسوا إلا ضالين مضلين.. وقولهم ذلك لا أصل له بإجماع الأئمة وسلف الأمة بل هو قول ظاهر البطلان مصادم للنصوص القطعية والأصول الشرعية والقواعد الفقهية .

*** 

وا حسرتاه وحاخام شيوخنا يستفتى في الجهاد فيفتي بأن أهل العراق أدرى بشعابها طبقا لشعاب سايكس بيكو وحدودها!!- وحين يستفتي في انتخابات العراق يفتي بوجوبها طبقا لحدود بوش- شارون!..

واحسرتاه و أهل الفلوجة يذهبون إلى شيخ الحرم يستصرخونه الدعاء والقنوت من أجل أبطال الفلوجة فيأبي.. ثم يؤمر أن يدمغ المجاهدين بالإرهاب فيرضى..

وا حسرتاه..

*** 

لقد بلغ من تردد العلماء أن عجزوا عبر ما يقرب من قرن من وضع الفتاوى الرادعة التي تمنع التعذيب..

بعض علماء الشيعة أفتى بإهدار دم من يعذب..

أما علماء السنة فوا حسرتاه عليهم ..

*** 

إنني أعلم أن التعذيب مهما بلغت ضراوته، حتى و إن أدي إلى الموت ، إذا تم بجهل أو لمجرد السلوك الحيواني الوحشي الشرس الشاذ المجرم، فهو كبيرة من الكبائر لا تخرج من الملة.

أما أن يكون التعذيب مهما بلغت درجته- لصرف المسلمين عن الإسلام .. أو لمنعهم من الجهاد.. فإن لم يكن الكفر هذا فماذا يكون؟!..

لماذا لم يتصد العلماء للجلادين الكفرة الذين حاربوا الإسلام والمسلمين..

لماذا لم يتصدوا للكفرة الذين قتلوا وعذبوا المجاهدين في مصر وليبيا والسعودية والكويت والمغرب..و..و..و.. لصرفهم عن نصرة الإسلام..

لو أنهم تصدوا منذ البداية لما كانت تلك النهاية..

ولو أنهم تصدوا في مصر لما جرؤ ذلك الأمير المجرم على اتهام المجاهدين بالإرهاب ودمغهم بالكفر وقتلهم على الشبهة..

ولو أنهم تصدوا في بلد ذلك الأمير المجرم لما حدث ما حدث للشهيد الشيخ/ عامر خليف العنزي الذي استشهد تحت وطأة التعذيب أثناء احتجازه لدى الأجهزة الأمنية في الكويت.

في الكويت أيضا يسمم كلاب النار المجاهدين بعقاقير الهلوسة وعقاقير أخرى تسلب إرادتهم فيعترفون ويبوحون.. وعندما يشرفون على الموت بسبب زيادة الجرعة يذهبون بهم إلى المستشفيات ويتخرصون – لعنهم الله – بأن المجاهدين يتعاطون المخدرات.

لا تكف مباحث أمن الشيطان عن الكذب.. ولم يسأل أحدهم نفسه لماذا أخون الله ورسوله.. لماذا أرتد عن الإسلام بقتل رجل لمجرد أن يقول ربي الله.. والأفظع أن يكون من المجاهدين. 

*** 

خلافنا مع كلاب النار من حكام ونخبة و أمن وفقهاء سلطان لم يكن أبدا خلافا في الرؤى، ولا بحثا عن الحقيقة، ولا تصادما بالفكر، و إنما هو التصدي لمجموعة من الخونة والعملاء والجواسيس الذين ينخرون كالسوس في دين الأمة.. أي في وجودها كله..

خلافنا مع أوغاد قذرين في الداخل والخارج.

*** 

والتعبير ليس من عندي و إنما من هانز بليكس كبير مفتشي الأمم المتحدة عن أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة الإدارة الأمريكية الذي في تصريحات لصحيفة الجارديان البريطانية ويوم 12 يناير 2003 " أن الأمريكيين أوغاد قذرون لم يكفوا عن وضع العقبات في طريقي"

ولم يكتف بليكس باستخدام كلمة " قذرون" بل مضي يقول " هناك طغاة في واشنطن ، إنهم أوغاد يروجون للأكاذيب وبالطبع يزرعون أشياء مروعة في وسائل الأعلام " . 


*** 

نعم..

أوغاد قذرون.. 

هناك.. كما هنا.. 

ولقد كان منهم من فضحهم شارون في خطاب أخير بقوله لهم:

- لتضعوا أيديكم في يدي لمحاربة التطرف الإسلامي الذي يستهدفنا جميعا

وكان شارون صادقا.. فعداء أولئك الحكام للإسلام لا يقل عن عداء شارون نفسه له..

لكن إن كان شارون يعتبرهم حلفاء فكيف نرتضيهم ملوكا ورؤساء؟!

*** 

وفي ظل هؤلاء و أولئك فإن أخشى ما أخشاه أن ما أخشاه سيحدث!!..

أخشى ما أخشاه أن الدول الإسلامية كلها لم تدرك بعد – كيف؟ .. لا أدري- أن الحرب ليس مقصودا بها بترول العراق ولا أفيون طالبان ولا قنابل إيران ولا إرهاب السعودية ومصر.. ولا.. ولا.. ولا..

المطلوب هو القضاء على الإسلام وجميع ما يقع في أيديهم أثناء ذلك هي غنائم وجوائز الانتصار.. لكنها لو لم توجد لما نكصوا عن خطتهم للقضاء على الإسلام قيد أنملة..

إنني أسألكم يا ناس: ماذا يمكن أن تقولوا حين تشاهدون إنسانا يصلي إذا لم تكن عندكم فكرة عن الإسلام.. ستقولون أنه يؤدي بعض التمارين الرياضية وستعرضون عليه تمارين ترون أنها أفضل.

أسألكم يا ناس: ماذا يمكن أن تقولوا حين تشاهدون إنسانا يصوم إذا لم تكن عندكم فكرة عن رمضان.. ستظنونها حمية غذائية ستوصون بسواها مع التوصية بكثرة شرب السوائل أثناء الصوم؟!..

أسألكم يا ناس : ماذا يمكن أن تقولوا حين تشاهدون إنسانا يحج إلى بيت الله الحرام إذا لم تكن عندكم فكرة عن الحج.. ماذا ستقولون إلا أنها طقوس وثنية كما قالت الفاسقة المرشحة..

أسألكم يا ناس : ماذا يمكن أن تقولوا حين تشاهدون إنسانا يستشهد في سبيل الله إذا لم تكن عندكم فكرة عن جنة عرضها السماوات والأرض وعن رب يعرف و إله مألوه يؤله و أسماء وصفات تصدق وغيب وكتب ورسل يؤمن بها.. ماذا يمكن أن تقولوا عمن يفعل ذلك إلا أنه إرهابي أو مجنون..

يا ناس.. الصليبيون والصهاينة يروننا كذلك..

رغم أنني لم أفهم أبدا كيف يمكن لمن آمن بالله أن يؤمن به على شريعة موسى وعيسى ثم يكفر به على شريعة سيد المرسلين محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

يقول الكاتب المسيحي الشهير نظمي لوقا في كتابه محمد الرسالة والرسول: " أن التسليم بوجود رسل ونزول وحي يجعل من الصعب التسليم برسالة ورفض الأخرى، والإقرار بظهور رسول ونفي ذلك عن آخر" (ولأنه تحدث عن نبي الإسلام بموضوعية و إجلال في كتابه" محمد الرسالة والرسول" فطرده البابا شنودة شر طردة، وحرم الصلاة عليه في كنائسه، ودارت أرملته الكاتبة صوفي عبد الله على الكنائس دون فائدة: راجع المقال بالغ الأهمية للأستاذ جمال سلطان- مجلة المنار الجديد – شتاء 2005).

و أعجب من ذلك تحالف الصليبيين واليهود رغم ما بينهم من عداوة ضد المسلمين. وهو التحالف الذي يحمل لنا الكاتب المغربي الرصين الموسوعي حسن السرات بعضا من تفاصيله في مقال له بصحيفة التجديد المغربية نقلته لنا مجلة الوحدة الإسلامية بتاريخ 25-1-2005 إذ يقول أن الأمر يعود إلى أكثر من خمسة قرون .. في الأندلس!.. حيث انطلقت أول بعثة مسيحية لاكتشاف قارة أمريكا على يد كريستوف كولومبوس بمشاركة ومساعدة من مسيحيين ذوي أصول يهودية. فقد تعرض المسلمون وأهل ذمتهم من اليهود إلى الإكراه على التنصير، ثم ما لبث اليهود المتنصرون أن نجحوا في تهويد الفضاء الديني المسيحي بأوروبا خاصة بعد أن أصبحوا مستشارين لرجال الكنسية ومعابر لنقل التراث التوراتي وتعاليم اليهودية. ومن أهم ما تم تسريبه ترقب اليهود وانتظارهم للمسيح المنقذ الذي سوف يعود في آخر الزمان وينتهي بعده التاريخ في الألفية السعيدة، وبذلك ''تحقق الإدماج بين المسيح اليهودي العائد لتجديد دولة اليهود بالحديد والنار والمسيح العائد في آخر الزمان للدينونة الكبرى كما عبرت عن ذلك رؤيا يوحنا التي قدمت تحت عنوان ''أبوكاليبس'' أي النهاية المرعبة للعالم''. وترتب على ذلك أسطورة كاذبة تتلخص في أن المسيح لا يمكن أن يعود إلا بعد إرجاع كافة يهود العالم إلى أرض فلسطين، وفي اعتقاد المسيحيين البروتستانتيين أن اليهود الموجودين هم شركاء لا غنى عنهم في الأحداث العظمى المقبلة قبل مجيء المسيح.

من هنا جاء اتحادهم واجتماعهم على الإسلام والمسلمين..

المهم أن هذه الخراف، بل الخنازير الضالة تري في سيد الرسل دعيا على الله وترى أن القرآن من تأليفه، وترى أنه قد آن الأوان ليخرج المسلمون من الإسلام أفواجا.. إن لم يكن بالاقتناع فبالصواريخ والقصف السجادي.

نعم.. ترى تلك الفئة أن القرآن تأليف سيدنا محمد وليس كلام الله رب العالمين..( و أنه إنما أملاه عليه أناس عديدون منهم ورقة بن نوفل ومنهم سلمان الفارسي رضى الله عنه.. وتنشر هذا الكلام الساقط السافل مجلات وجرائد حكومية.. أو ما هو أشد كفرا كالصحف اليسارية) أما الردود البسيطة الساحقة الماحقة كردود الأستاذ الدكتور إبراهيم عوض : إذا كانا أملياه القرآن فقد كان عليهما أن يكونا أول من يكفر برسالته لا أول من يؤمن بها!!.. لكن هذا الكلام لا يجد من ينشره.. ولا نعثر عليه إلا بالجهد الجهيد.

أتباع اليسار والعلمانية والحداثة .. من هم أسوأ من مشركي الجاهلية من نخبتنا التي جعلتها أجهزة الأمن في الصدارة كخليل عبد الكريم- شيخ مشايخ صحيفة الأهالي- وسيد القمني حاخام روز اليوسف جاهزون لتلقي وساخات المستشرقين لكي يقدموها بأسمائهم..

كما يتصدى كاتب كجمال الغيطاني – دفاعا عن الفراعنة – في إنكار قصة خروج بني إسرائيل من مصر!! وهو بهذا لا يدافع عن الفراعنة .. و إنما يدافع عن بني إسرائيل لأنه يكذب القرآن .. والقرآن هو أشد ما أدان بني إسرائيل ويحافظ على مشاعر المسلمين ضدهم..

ولقد تعلموا من تجربة طه حسين في الشعر الجاهلي أن ينطقوا بمضمون الكفر دون لفظه لأنهم يعلمون القيد الصارم الذي يضعه القرآن على تكفير الكافر.. وأنه – على سبيل المثال – إذا ما وجد في كلام الغيطاني تسعة وتسعين بابا للكفر وبابا واحدا للإيمان فإن باب الإيمان هو الذي يعتبر.

والكلام صحيح بالقطع.. لكن في الظروف الطبيعية..

الرياضة البدنية مفيدة جدا.. لكنها لمريض القلب قد تكون قاتلة.. ونحن – أمة المسلمين – مرضى..

(ذكرني بالغيطاني أنه الآن – أثناء كتابة هذا المقال- أمامي الآن على شاشة التلفاز يتحدث عن الكتاب المؤسس الركن: أصل الأنواع لتشالز دارون ويتباكى على الفكر الظلامي الذي أخر طباعته ونشره.. ومطالبته بأن يمنع أساتذة الجامعة الذين لا يؤمنون بها وما على شاكلتها من التدريس.. ولا تعليق سوى الاشمئزاز والقرف.. وتذكيركم بمبرر منحهما الصحف والقنوات التي ينفثون فيها السموم )

- لطالما حذرتكم يا قراء من جمال الغيطاني وصلاح عيسى و المزارع التي يربون فيها العلمانيين والحداثيين كما تربى الخنازير.. ولا تنسوا أنهما حكوميان- ..

نعود إلى الكلاب الجاهزة المتلمظة إلى تحريف القرآن.. فبعد أن فشلت كل خططهم لتحريف القرآن وتصحيفه والتشكيك فيه.. بعد هذا الفشل انتقلوا إلى فشل آخر هو محاولة عزل اللغة العربية كلها – انظر مثلا محاولة حكومي آخر هو شريف الشوباشي- ومحاولة إلغاء الفصحى واستعمال العامية.. لكنهم فشلوا في كل هذا ليقدم لهم الخنازير العرب حلا آخر.. وهو أن حكم النسخ ما يزال قائما وأنه إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد فعله لتغير الظروف الاجتماعية فإن العلماء الذين هم ورثة الأنبياء-!!- من حقهم النسخ الآن.. وتتجاهل الخنازير أن الله هو الذي نسخ وهو الذي أثبت.. وهذا المعنى هو القابع خلف مصطلحات فاجرة كـ:تاريخية النص.. بمعنى أن النص القرآني مرتبط بتاريخ معين.. و أنه لا يلزم إلا من عاشوا في هذا التاريخ.. أما من يعيشون في العصور التالية فليس لهم أن يتبعوه.. وهو طريق يا قراء ملتف جدا.. لأم يدفعهم إليه إلا خوفهم من رد فعل الناس إذا ما قالوا أن سيد البشر وخاتم الرسول – غفرانك اللهم – كذاب و أن القرآن كله موضوع.

هذه الخنازير على دين المستشرقين – وجل المستشرقين جواسيس وموظفون في الهيكل الحكومي الصليبي الاستعماري- أو على الأحرى هم صبيانهم.. وهؤلاء الصبيان ينشرون بين الناس بصورة غير مباشرة أننا ما زلنا نصدق بالقرآن والحديث لمجرد تخلفنا.. و أن " التنوير " هو الذي سيخرجنا من ظلاميته..

وهذا هو التنوير وتلك هي الظلامية لكل من يردد مثل هذه الألفاظ دون أن يدري معناها..

على أن هذه الخنازير الضالة تغالط نفسها حين تصر على إخراج المسلمين من الإسلام بينما تترك الوثنيين يرتعون في وثنيتهم بل وتقدم لهم آيات التبجيل والاحترام.

إنهم يفعلون ذلك لأنهم يدركون أن الوثنية ليست خطيرة عليهم.. أما الإسلام فلو تركوه وشأنه فسوف يكتسحهم اكتساحا.. إذ لا توجد فكرة ولا نظرية ولا فلسفة تصمد له.. لسبب بسيط هو أنه حق بذاته.

إحدى خريجات مدرسة الخنازير كانت وزيرة في مصر وكانت قريبة جدا من رأس السلطة، وقفت في منتدى بدار خديجة بنت خويلد رضي الله عنها – في جدة – تسب الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم وتكفر بالإسلام..

خريجة مدارس الخنازير اسمها ميرفت التلاوي.. كانت تتحدث في ندوة تتبع الأمم المتحدة صباح يوم الأحد 22 شوال / هـ1425الموافق 5 ديسمبر/2004م حيث سخرت هذه المجرمة الآثمة من رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم ومن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه والتقليل من السنة الشريفة والسخرية من شيخ الإسلام ابن تيمية ..

شددت ميرفت التلاوي على أهمية اختراق المجتمع السعودي من الداخل ( راجع كل ما قلناه!!).... حيث ثبت نجاح الاختراق من الداخل مقارنة بالاختراق من الخارج الذي سيرفضه أكثر أي شخص (...).. فسألتها إحدى الحاضرات عن مدى تقبل المجتمع لذلك ، خاصة وأن الإسلاميين وجدوا أنهم متهمين بالعنف والإرهاب .. وكأن في ذلك مؤامرة لهذا الاتهام لأحداث التغيير ! وأجابت الدكتورة مرفت " وبصراحة لا تنقصها الوقاحة " بقولها : الله ابتلاكم في السعودية بجهلة ومتخلفين يتبعون أفكار المتخلف ابن تيمية .. حيث أن أفكاره المتخلفة والجاهلة هي التي نشرت الإرهاب في السعودية .. و مشكلتكم في السعودية تشبه مشكلة مصر عندما سادت أفكار " متخلف هندي " اسمه أبو الأعلى المودودي صاحب الفكر التكفيري ومورده .. حيث بدأ المجتمع يتأثر بهذا الفكر فحاول البعض توعية المجتمع من خلال المقالات والمسرحيات والأفلام ونجحوا بتوعيتهم . ولكن لم تستطع الدولة تجفيف منابع الفكر التي كانت تتم من خلال خطب المساجد والدروس والمحاضرات . والسعودية الآن مبتلاة بفكر المتخلف ابن تيمية ويجب أن تبادروا بتجفيف منابع هذا الفكر الذي سيرجع المجتمع للوراء .. حيث أوقف الاجتهاد والفقه الذي يجب أن يواكب التغيرات .. وعندما تتحدثين مع هؤلاء يقولوا لك : قال أبو هريرة .. وروى أبو هريرة .. 

وقالت بلهجتها : (هو من أده أبو هريرة ؟ وآيه التخلف أده لما راجل ميت من 14 قرن يحكمني وهو في قبره ؟ أده تخلف لما أعطل عقلي وأسيب الراجل الميت يحكمني بعقلية عمرها14 قرن وما أعطي المجال لأي تقدم وتطور واستمر في التخلف )!

ونكتفي بهذا الموضوع مستندا إلى الكاتب اللامع بالساحات العربية " أبولجين"..

*** 

نعم.. يصرون (الأساتذة وصبيانهم) على إخراج المسلمين من الإسلام.. لكن مبشرهم الأكبر صمويل زويمر يعزيهم عن فشل خطتهم في تنصير المسلمين بقوله أن هدفهم كان إخراج المسلمين من الإسلام فقط.. و أنهم قد حققوا نجاحا باهرا في ذلك.. أما الدخول في المسيحية فشرف لا يستحقه من كانوا ذات يوم مسلمين..

نعم..

يصرون على ذلك..

فإن عجزوا عن بلوغه بالتطوير والتنوير والإصلاح والعلمنة والحداثة – لا التحديث- فسوف يفعلونه بالصواريخ والنابالم والغزو العسكري بتهمة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل..

*** 

لم يسأل الحداثيون والعلمانيون أنفسهم عن المدى المسموح لنا به كي لا نتهم بالإرهاب..

هل مسموح لنا مثلا بتطوير قواتنا للدفاع هن أنفسنا.. لمجرد الدفاع.. ليس للدفاع المتكافئ.. بل لمجرد إشعار العدو أنه حين يقتلنا سنصيبه بجرح..

هل هذا هو المسموح لنا به في إطار الدفاع عن أنفسنا؟..

هل مسموح لنا مثلا أن نواجه 200 قنبلة نووية عند إسرائيل بقنبلة نووية واحدة؟..

فلنقلع عن ذكر السلاح النووي لأنه يثير غضب الشياطين في واشنطن وتل أبيب..

فهل مسموح لنا بقليل من السلاح الكيماوي والجرثومي.. ولو عشر معشار ما لدي إسرائيل؟..

بل هل المسموح للعرب والمسلمين أن يسلحوا جيوشهم دون عمولات هائلة لأسلحة يراعى فيها أنها لا تصلح أبدا لمواجهة إسرائيل ( دعنا من المواثيق الغليظة في عقود الشراء بألا تستعمل هذه الأسلحة ضد إسرائيل.. فهي منذ البداية لا تصلح).. و إنما تصلح لمواجهة الشعوب الغاضبة أو للحروب بين الدول الإسلامية وبعضها البعض..

أتصور.. أن الدول الإسلامية لو قررت إعلان الحياد السلبي.. وتسريح الجيوش.. لكان هذا سببا للغزو العسكري الأمريكي لإعادة تلك الجيوش..فهم من ناحية لا يستغنون عن المكاسب الاقتصادية الهائلة التي يجنونها من تسليح تلك الجيوش.. ومن الناحية الأخرى لا يستغنون عن خدماتها لمواجهة الشعوب وللحروب العنترية التي يشعلون أوارها بين الدول الإسلامية..

ولاحظوا أن جيش مصر و جيش الأردن وجيش سوريا – وليس جيش إسرائيل – هي التي تحمي حدود إسرائيل!!.. و أن الضغط الواقع على سوريا الآن بسبب اتهام جيشها أنه لا يقوم بواجبه كما يجب.. واجبه في حماية الأمريكيين!!..

دعنا من الجيوش..

هل مسموح لنا – حقا وفعلا- بإقامة حكم ديموقراطي صحيح.. 

هل المسموح لمن يحوزون ثقة الشارع أن يصلوا إلى الحكم..

ألم يكن أبو لهب هو الذي حذركم من أن الانتخابات غير المزورة ستحمل الإسلاميين إلى الحكم..‍‍..

هل المسموح لنا به أن نحترم ونطبق مواثيق حقوق الإنسان فعلا..

هل مسموح لنا بالإفراج عن المعتقلين دون أحكام قضائية ( ودعنا الآن من تساؤل آخر عما إذا كان مسموحا لنا بقضاء حقيقي وليس بمجرد قلم يتبع البوليس اسمه النيابة وقلم يتبع النيابة اسمه القضاء)..

هل مسموح لنا بالتوقف عن تعذيبهم وقتلهم وتلفيق التهم لهم؟‍!..

ألا تعرف المخابرات الغربية تفاصيل التعذيب..

بل من علم كلاب صيدنا فنون التعذيب إلا خنازيرهم ومعاهدهم وعلى رأسه معهد فورت بنينغ..

من علم الكلاب فنون الكذب والتشويه إلا الخنازير..

في سبق صحافي غير منكور تمكن المرصد الإعلامي الإسلامي من لقاء " الدوسري" المطلوب الأول في الكويت ليكشف أكاذيب مباحث أمن الشيطان ونيابة أمن الشيطان وقاضي أمن الشيطان، وليعطى المثل والنموذج لما يحدث في البلاد العربية الأخرى( تذكروا أن أجهزة أمن الشيطان تلك قد اتهمت الإسلاميين في مصر أنهم يريدون قتل المطربات.. وفي السعودية قتل الحجاج.. وفي الكويت قتل المدنيين).. وكانت كلها أكاذيب.. وما يحدث في الكويت لم يكن إرهابا و إنما كان جهادا..

ولنفهم.. أن الإرهاب ليس ممنوعا.. الجهاد هو الممنوع..

والدليل أن أمريكا وصبيانها من رؤساء و ملوك و أمراء هم الذين يمارسون الإرهاب ولا تثريب عليهم!!

ولقد كشف الدوسري أن الشهيد عامر العنزي- الذي قتله كلاب أمن الدولة الكويتيون ..رحمه الله - ورفاقه كانوا ينوون الذهاب للعراق ولكن السلطات وبأمر من أمريكا قتلتهم.. ووصف الدوسري ما نشره ضباط أمن الدولة و إعلام أمن الدولة بأنها مزاعم وادعاءات باطلة ، و أنه لا يوجد شيء اسمه خلية أسود الجزيرة في الكويت

كان الدوسري كما يقول بيان المرصد الإسلامي قد اعتقل في المغرب من قبل الأجهزة الأمنية لمدة أكثر من شهرين لوجوده أثناء تفجيرات الرباط التي استهدفت كنيسا يهوديا ومرافق سياحية، وتعرض خلالها لتعذيب جسدي ونفسي وأفرج عنه لعدم ثبوت شيء ضده . وقد ذكر أنه تعرض للتعذيب في المغرب خلال فترة اعتقاله من تاريخ 11/6/2002 إلى 19/8/2002 تمثلت الوسائل في الضرب والجلد والحرق بأعقاب السجائر والحرمان من الطعام والنوم والإضاءة العالية وتكرار الضرب على الرأس ووضع صافرة في الزنزانة وشرب سائل يؤثر على الدماغ والسب والشتم والإهانة والإجبار على تقبيل أرجل المحققين والابتزاز والمساومة والإجبار على الإدلاء بمعلومات كاذبة مثل الانتماء لأمن القاعدة واللقاء بمسؤول مخابرات عراقية ومسؤول في حماس. وأكد أنهم طلبوا منه أن يصرح بوجود علاقة بين القاعدة والنظام العراقي مقابل الإفراج عنه. الدوسري يرفض الاحتلال الأمريكي ككل عربي ومسلم غيور ويدعو إلى خروج الاحتلال من العراق لذا اتهموه بأنه يمول ويجهز كل شاب يريد الذهاب إلى العراق للمشاركة في القتال ضد قوات الاحتلال(...) و خالد عبد الله الدوسري عمره 32 سنة وهو يكشف ما حدث لعامر العنزي – رحمه الله – فيقول:

" الشيخ عامر العنزي رحمة الله عليه واسكنه فسيح جناته رجل ورع ودمث الأخلاق وطالب علم متمكن ومحبوب ، معرفتي به بدأت منذ أن تم اعتقاله في 2003 من قبل جهاز أمن الدولة حيث قاموا بتعذيبه من دون تهمة سوى انهم يبحثون عن شخص مطلوب !! إيصال وبعد خروجه من المعتقل زرته في بيته وأخبرني انه تعرض لانتهاكات صارخة في جهاز أمن الدولة ، واتفقت معه على ضرورة أن نعمل من أجل وقف هذه التجاوزات عبر توصيل الشكاوى وأصوات المظلومين إلى المسئولين ، وكان يعتقد انهم – أي السلطات - لا يعلمون شيئاً عما يحصل في دهاليز معتقل أمن الدولة . وبالفعل بدأنا الاتصال بالمسئولين في الدولة وتحدثنا عبر وسطاء عن هذه التجاوزات الخطيرة التي تحدث في داخل أقبية جهاز أمن الدولة . . وبعد فترة من الزمن ومن المحاولات . . وفي نهاية المطاف اقتنعنا بأن ما يحدث من انتهاكات بحقوق الإنسان في الكويت تحدث بعلم ومباركة الحكومة وأعني هنا صباح الأحمد حيث انه هو المسئول عن هذه التجاوزات خصوصاً انه يحتقر شريحة وقطاع كبير من الشعب وهم أبناء القبائل . . كما أنه معروف عنه كرهه لمظاهر الإسلام والتدين وكل ما هو إنسان محافظ ، وهذا الشيء يعرفه الشارع الكويتي (...) 

ويواصل الشيخ خالد الدوسري حديثه عن عامر العنزي:

" لقد خدعه وخانه عذبي الصباح فقد كان يقول لعامر دع الشباب يسلمون أنفسهم وسوف يذهبون إلى النيابة مباشرة، وهذا ما حدث أيضاً عند مداهمة المكان الذي اعتقل فيه ، ولكن المفاجأة انه قام بتصفية البدون والسعوديين لاعتقاده أنهم لقطاء وليس لهم أحد يثأر لهم ! .أضيف هنا أنه قبل حوالي خمسة أيام من مداهمة مكان عامر اتصل بي عامر وقال لي أنه رأى رؤية وجد أن كلاباً تنبح وتذهب وتعود . . (...) وقاموا باقتحامه والشباب لم يقاوموا لأن عذبي الصباح عبر مكبرات الصوت أعطاهم آمان كاذب . . وعامر وثق به لذا لم يقاوم ومن معه لأنهم وثقوا وصدقوا عذبي الصباح وأعلن عامر استسلامه والشباب فما كان من عذبي والقوة المرافقة وبمجرد أن خرج الشباب وألقوا سلاحهم انهالت عليهم اللكمات والركلات من كل حدب وصوب . . (...) عامر - رحمه الله - ورفاقه كانوا ينوون الذهاب للعراق ولكن السلطات وبأمر من أمريكا قتلتهم .(...) هم لا يريدون أي شخص يغرد خارج سربهم ، فالنظام اتخذ قراراً مصيرياً يتعلق بحياة شعوب المنطقة ولم يعر هذه الشعوب أي احترام لإرادتها، فهو قد فتح الطريق لجيوش الاحتلال لتحتل المنطقة، ومن يعارض هذا النظام يكون مصيره السجن أو القتل . . وأقول لهم إن الأيام دول، وستكنسون مع فلول الجيوش المنهزمة إلى مزبلة التاريخ .(...).. وكذلك هناك محتل عابر للمحيطات يقبع في أرضنا مدجج بشتى وأحدث أنواع الأسلحة وله حصانة في الدستور الكويتي كحصانة الأمير حيث أن الجندي الأمريكي يفعل ما يشاء في البلد ولا يحق لك الاعتراض، فأصبحت البلد ولاية أمريكية ولم تعد ذات سيادة (...) وجلاوزة التعذيب في جهاز أمن الدولة يستخدمون جميع الوسائل والأساليب الدنيئة لكسر إرادة المعتقل فهم يجبرونهم على تعاطي مواد وشرب سائل يؤثر على الدماغ من أجل سلب إراداتهم كما يحدث للمعتقلين في جوانتناموا وكما حدث لي شخصياً عندما اعتقلت في المغرب حيث أجبرت شرب سائل يؤثر على الدماغ ، فهم يسممونهم ويقتلونهم ويدعون انهم كانوا يتعاطون مؤثرات عقلية قبل اعتقالهم!!..أسلوب جديد قديم وهذا الأسلوب مرتبط باللواء عبد الله الفارس - وكيل وزارة الداخلية لشئون أمن الدولة – فهو أول من استخدمه في منتصف التسعينيات مع المعتقلين الإسلاميين . . وقد ذكر لي الأخ / مطر المطيري - رحمة الله عليه وقد كنت زرته بالسجن قبل أن تعدمه السلطات الكويتية - أن عبد الله الفارس كان يرغمه على استنشاق مادة دخانية حتى يهذي ويتكلم من غير شعور حتى يهلوس بالكلام وليحصل على اعترافات نتيجة ذلك .. فها هم يعيدون الكرة . . وحسبنا الله ونعم الوكيل . (...) لا يوجد شيء اسمه خلية أسود الجزيرة . . وهذه التسمية من فبركة جهاز أمن الدولة ، وهؤلاء الشباب قرروا الخروج للجهاد في سبيل الله في العراق وعلمت السلطات بنواياهم فأرادوا اعتقالهم والآن تقوم السلطات بتصفيتهم جسدياً لأنه لو تم تقديمهم للقضاء لا توجد أدلة ضدهم .(...).. العراق بلد مسلم جريح محتل من قبل جيوش عابرة للمحيطات لتسرق خيراته وتقتل شعبه ، وموقفي من هذا واضح وهو وجوب إخراج الغزاة وطردهم من العراق وجزيرة العرب.

*** 

مرة أخرى.. ما هو المسموح به لنا كمسلمين ..

لن أتكلم أنا.. ولن أستشهد بواحد من الإسلاميين ( أستعمل المصطلح مضطرا.. وصحته المسلمين وليس الإسلاميين.. لكنني أقصد بالإسلاميين من يطالبون بالحكم بما أنزل الله.. و أخشى أن أقول المسلمين فأضطر إلى ما يبدو أنه تكفير للآخرين).. أستشهد بكاتب قومي موضوعي متزن : تبدو الكلمات غريبة.. فكيف يكون القومي موضوعيا.. وكيف يكون موضوعيا دون أن يكتشف أن القومية كانت جزءا من المؤامرة الكبرى على المسلمين.. وقد شجعتها بريطانيا بالجامعة العربية.. و أمريكا أيضا.. وكيف يدعي البعض أنهم قوميون مسلمون.. والأمر لا يصح إلا إذا صح أن هناك مسلم كاثوليكي!!..

يقول الكاتب محمد عبد الحكيم دياب بصحيفة القدس العربي:19-2-2005 عن المطلوب أمريكيا من المنطقة:

" فبضاعتهم المراد تسويقها للمنطقة هي الديمقراطية، بمعناها الأمريكي، وتقوم علي عدة ركائز، الأولي: القبول بالدولة الصهيونية، كدولة طبيعية في المنطقة، والتخلي بالكامل عن كل طموح عربي أو إسلامي لتفكيك نظام التمييز العنصري (الأبارتايد) الصهيوني وتحرير فلسطين، وهذا المخطط يقوم علي ضرورة تحمل المنطقة مسؤولية حماية الدولة الصهيونية وضمان أمنها. والثاني: هو الحفاظ علي مصالح أمريكا، وتمكينها من مصادر الطاقة، كأحد أدواتها في معركتها المتوقعة مع القوي الدولية الكبرى الصاعدة، مثل الصين والاتحاد الأوربي، والثالث: تصفية الثقافة العربية والإسلامية، باعتبارها ثقافة مفرخة للإرهاب، وهي في حقيقتها معادية لمخطط المحافظين الجدد ، واستخدام كل الوسائل الممكنة في ذلك، مثل التطهير العرقي كما هو جار علي الساحة الفلسطينية، وضد جماعات المقاومة المسلحة، وطنية وقومية وإسلامية، والغزو والاحتلال المباشر، كما حدث في أفغانستان والعراق، وكما هو متوقع للسودان وإيران وسورية والسعودية ومصر، وبتزكية النعرات العرقية والمذهبية، وتفتيت المنطقة، وفق خريطة عرقية ومذهبية، وإفقار اقتصادي، وإضعاف عسكري، وتجهيل تاريخي وثقافي، وعودة فرق التبشير ومدارس الإرساليات، وهيمنة التعليم الأجنبي، وتغيير مناهج التعليم الديني والوطني والقومي، ونشر الانحلال والإباحية والعري في أجهزة الإعلام العامة والخاصة."..

ويواصل محمد عبد الحكيم دياب قوله:

"وجمال مبارك لا يرفض خدمة هذه التوجهات، ووالده لا يمانع من تبنيها، وإذا ما نظرنا إلي تفاقم مشكلة الحريات وزيادة مستوي الاستبداد الذي أصبح لا يحتمل.."

*** 

هذا هو المطلوب إذن على لسان كاتب قومي لا إسلامي..

ومن المؤكد أن المطلوب أكثر مما قال..

وبعد أن نحيي موضوعيته دعونا نواصل التساؤل ما هو المسموح به لنا كمسلمين..

هل مسموح لنا بالإعلام الحر..؟..

هل قلت لنا؟!..

بل هل مسموح لهم؟!.. للأمريكيين أنفسهم..؟!.. هل مسموح لهم بالإعلام الحر؟؟!!..

لقد أرغموا مدير الأخبار في شبكة CNN التلفزيونية للأنباء "إيسن جوردان" على الاستقالة بسبب اعترافه في منتدى دافوس السويسري بقيام الجيش الأميركي بقتل 12 صحفيا بالعراق كما كشف النقاب عن قيام القوات الأميركية بإيقاف مراسل لقناة الجزيرة بالعراق ثم احتجازه بسجن أبو غريب وإجباره على أكل حذائه، مشيرا إلى أن هذه القوات قامت بالتهكم على المراسل والسخرية منه أثناء اعتقاله بمناداته بـ"صبي الجزيرة ".

وذكرت المصادر الصحيفة الأمريكية أن جوردان قال أثناء مناقشة بعنوان "هل تنجو الديمقراطية من الإعلام؟" إنه ليس على علم بمقتل 12 صحفيا على يد القوات الأميركية في العراق فحسب، بل أكد أن استهدافهم كان سياسة متعمدة.

إن تدمير مكاتب الجزيرة في أفغانستان والعراق غنية عن إعادة السرد..

فهل مسموح لنا بالإعلام الحر حقا؟!..

يقول الإذاعي العربي الأشهر والأذكى الدكتور فيصل القاسم أن الغرب يفرض على إعلامنا أن يقوم بمهمة تفكيك المجتمعات العربية .. ويصرخ فيصل القاسم في صحيفة الشرق القطرية:

" إنه الإعلام وليس أي إعلام بل الإعلام الترفيهي التجهيلي الهابط المعتمد على إثارة الغرائز ومسح العقول وتغييب الوعي خاصة وأن المهمة أمامه شاقة للغاية وتحديداً في البلدان التي حملت مشعل الإسلام الأصولي. فليس من السهل تحويل اتجاه المتزمتين دينياً باتجاه العولمة إلا بفضائيات رخيصة تنتشر كالفطر البري في السموات العربية وتغزو عقولهم وقلوبهم بما لذ وطاب من أغان ومسلسلات محلية ومدبلجة وغانيات كاسيات عاريات وراقصات ومطربات ماجنات واحتكارات فنية شيطانية"..

ثم يواصل فيصل القاسم نزيفه:

"إن ما يحصل في هذه الكباريهات التي يقولون إنها محطّات فضائية يسيء إلينا للغاية حين يتمّ تفسير هذه الممارسات الساقطة على أنها أحد أشكال التحرّر؛ وهكذا، يسقط المواطن العادي في شرك الخلط بين التحرّر والتحلّل؛ بين الفجور والسفور؛ بين هيفاء وهبي وهدى شعراوي؛ وبين هذا المتمول التليفزيوني والمصلحين والمفكرين. إن أبسط قواعد التحرّر، وفق أبسط المعايير، تعني احترام الإنسان، جسداً وروحاً، رجلاً وامرأة، طفلاً وكبيراً.".. 

دعنا الآن من أنني لا أعرف هيفاء وهبي.. لكن أغلب الظن أنها كاعتماد خورشيد ونانسي عجرم( أعرف اسميهما لا رسميهما!!).. دعنا أيضا من أن فيصل القاسم لم يدرك رغم ذكائه أن هدى شعراوي هي الوجه الآخر لهيفاء وهبي.. بل كانت هي التي مهدت الطريق إليها.. ( إحدى داعيات تحرير المرأة اكتشفت الحقيقة فجأة.. حقيقة أن الأمر لم يكن تحرير المرأة بل تعهير المرأة.. أدركت المرأة ذلك فصرخت: يا إلهي.. هل ظللنا مائة عام – منذ قاسم أمين – نناضل لكي نخلع ثيابنا ونتعرى.. بضع دقائق فقط كانت تكفينا!!).. أقول دعنا من كل ذلك ولنتساءل مع الإذاعي والإعلامي الأشهر فيصل القاسم: هل مسموح لنا بإعلام لا يفكك الأمة وينشر بينها الفحشاء والتحلل والشذوذ والعهر؟!..

هل مسموح لنا بذلك؟

*** 

دعنا من الإعلام الحر..

هل مسموح لنا بتعليم حر..

تعليم نعرف فيه عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قدر ما نعرف عن نابليون أو واشنطن؟.

هل مسموح لنا أن نعلم ونتعلم التاريخ الحقيقي غير المزيف..

هل.. وهل.. وهل.. وهل..

*** 

باختصار المطلوب والمستهدف هو القضاء على الإسلام كله..

ولكن هذا لا يكفي.. فلابد إذن من تمزيق الدول وشرذمة الأمة حتى لا تعود أبدا كما كانت.. 

ولقد أغرى الخنازير سقوط القاهرة والرياض وبغداد ودمشق، وليس لدي أي قدرة على الخداع، لذلك أقر و أعترف أن ما سقط حديثا كان ساقطا منذ البداية، وأن هذه العواصم الأربعة بالذات قد سقطت منذ بدايات القرن العشرين، ويمكن للمراقب الحصيف أن يلاحظ أن حركتها طول القرن الماضي كانت تجاه العلمانية والكفر .. وكان ذلك في اتجاه إسرائيل حتى قبل أن تولد إسرائيل.

ثورة الشريف حسين كانت ولاء للطاغوت وبراء من الله وكانت اقترابا من إسرائيل..

تكوين المملكة السعودية كانت كذلك وكانت اقترابا..

حزب الوفد المصري كان كذلك وكان اقترابا..

القومية كانت اقترابا والناصرية والبعث كانت سقوطا داويا مهد لكل ما جاء بعده ( خلاصة الناصرية وبقاياها السامة تتركز الآن في القذافي ووليد جنبلاط، وخلاصة البعث وبقاياه في بشار الأسد).

[ القارئ أحمد عبد الله.. قارئ مثقف دمث يواظب على مهاتفتي طيلة سنوات لخص الأمر بعد قراءات طويلة ومعاناة هائلة بقوله: خلاصة الأمر أن عبد الناصر باع الدين، والسادات باع الدولة، ومبارك باع الشعب، وقد باع كل واحد منهم ما باع، لمجرد استمرار حكمه]..

نعم.. سقطت الرؤوس..

بعد سقوط الرؤوس أصبح الأمر أمام أمريكا سهلا..

تماما كما حدث عند تدمير الطيران المصري عام 67..

أصبح الأمر بعدها تحصيل حاصل..

و أصبحت القوات فريسة لكل ما يريدون أن يفعلوه بها..

و هكذا تظن أمريكا الآن أن الأمور قد دانت لها وأنه لم يبق إلا التمشيط!!..

ما تعمي عنه أبصار وبصائر الأمريكيين أن الإسلام أصلب من أن يكسر.. و أن المسلمين أكثر من أن يبادوا .. و أنه لو بقي على ظهر الأرض مسلم واحد فسيظل واثقا أن الله سيجدد شباب الإسلام على يديه و أنه في النهاية سيقضي على أمريكا.

ما تعمى عنه أبصار وبصائر الأمريكيين أن الحضارة الأمريكية بثقافة: منجم الذهب وقطع رأس الهندي و "السوبرمان". بينما تشبعت حضارة الإسلام بقول النبي الكريم ((الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار)) وقوله ((اِذهبوا فأنتم الطلقاء)) و ((من تواضع لله رفعه الله)).

ما تعمى عنه أبصار وبصائر الأمريكيين أن أخطر ما يواجه الولايات المتحدة هو إفلاسها الأخلاقي على المستوى الدولي في ظل وبسبب سياستها الخارجية غير الحكيمة. وهو البعد الأساسي الذي قد يساعد على سقوط الإمبراطورية الأمريكية.

*** 

في وضع كهذا لن يردع أمريكا عن محاولة القضاء على الإسلام رادع.. إلا الجهاد..

الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام.. الجهاد الذي يقتل كل معتد أينما ثقفناه..

قال لي صديق:

- ليتك تركز على الجهاد السلمي الآن وتنبذ العنف..

ورددت عليه في مرارة:

- أأنبذ ذروة سنام الإسلام..

ثم رددت ساخرا:

- ومع ذلك لا أخفيك أنني كنت أفضل عدم الجهاد كله.. لا سلما ولا حربا.. كنت أتمني أن يضل اليهود في بلادهم فلا يتجمعوا من أصقاع الأرض ليسرقوا بلادي.. وكنت أتمنى أن تظل أمريكا في بلادها فلا تحتل بلادي.. ساعتها لم أكن لأجاهدهم جهادا سلميا أو عسكريا.. لكنهم جاءوا.. فما حيلتي..

ثم واصلت:

- ثم ماذا لو لم ينجح الجهاد السلمي.. وهو بالقطع لن ينجح..هل نستسلم؟؟..

ثم قلت إزاء ذهول الصديق:

- طريق بن لادن هو الطريق.. وحله هو الحل.. ليس اختيارا بل إجبارا..

ورحت أتلو على الصديق قوله تعالى:

) كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ( (216) البقرة.

*** 

نعم..

طريق بن لادن هو الطريق.. وحله هو الحل.. ليس اختيارا بل إجبارا..

.. ولقد قالها واحد لا أكاد أعرف عنه شيئا هو عبد الستار قاسم .. مرشّح انتخابات الرئاسة الفلسطينية .. الذي اعترف أخيراً – كما اعترف محمد عبد الحكيم دياب!!- وانسحب من الترشيح قائلاً:

ابن لادن هو الحل !!!

وواصل قوله:

لسان أعمال أمريكا يقول للعرب: ابن لادن أو منهجه هو الحل. من تجربتي في الانتخابات الرئاسية الفلسطينية، ترسخت لدي قناعة سابقة بأن الولايات المتحدة لن تترك أحدا في العالم وشأنه، وهي تصر على التدخل في مختلف الأمور بهدف خدمة مصالحها ورؤيتها لما يجب أن تكون عليه أوضاع العالم. إنها تتدخل في الانتخابات الفلسطينية مباشرة وبصورة غير مباشرة بهدف الوصول بالسيد محمود عباس إلى رئاسة السلطة الفلسطينية. لقد تدخلت بداية بتقديم معونة سريعة بمقدار 20 مليون دولار للسلطة الفلسطينية عقب تسلم عباس رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، ووعدت بتقديم المزيد من المساعدات المالية إذا قرر الشعب الفلسطيني أن ينتخب شريكا لإسرائيل في المفاوضات(...).. أمريكا تريد ديمقراطية مفصلة حسب مقاييسها هي بغض النظر عن مصالح الشعوب. إنها تعتبر نفسها صاحبة الحقيقة المطلقة، ولا حقيقة سوى الحقيقة التي ترى هي أنها الحقيقة(...) بمنهجها الاستبدادي العدواني هذا، أمريكا تزرع بذور كراهيتها وتنمي الأحقاد ضدها(...) لقد داست على كبرياء الأمة ونهبت ثرواتها وأمعنت في إذلالها حتى ظهر ابن لادن لينتقم، وليكسب قلوب مئات الملايين من العرب والمسلمين الذين يريدون رؤية البيت الأبيض ملفلفا بالسواد، وبأمريكا أياما عصيبة يرتعش الحزن من آلامها. لقد أيقنت أن ابن لادن لم يتصرف إلا بعد أن أدمت أمريكا قلبه وقلوب مؤيديه بأعمالها الإجرامية الدموية البغيضة. وأمريكا ما زالت تصر على نهجها الذي لا يدع مجالا أمام العرب إلا الالتفاف حول ابن لادن أو السير على نهجه. إنها تدفع الناس دفعا نحو السير خلف ابن لادن وانتهاج نهجه في الدفاع عن الأمة والانتقام. إنها لا تترك حلا أمام الناس إلا ابن لادن.

*** 

نهج ابن لادن لا يستقطب فقط المسلمين الذين يدافعون عن الدين وإنما يستقطب كل الذين يشعرون بالظلم والسطوة الأمريكية الصهيونية على العرب والمسلمين.

*** 

نعم .. لم تترك أمريكا لنا خيارا..

إنها تتصرف كقرصان دموي مجرم.. وكانت آخر آيات إجرامها – كما تقول قناة الجزيرة ومفكرة الإسلام) أن بدأت حملة من خلال تلفزيون وإذاعة باكستان، للإعلان عن مكافآت بملايين الدولارات لمن يدلي بمعلومات تقود إلى القبض على أسامة بن لادن وزعماء آخرين في تنظيم القاعدة. وتظهر في الإعلان التلفزيوني ـ ومدته 30 ثانية ويذاع باللغات الأوردية والباشتو والبلوش والسندية ـ صور لابن لادن وساعده الأيمن أيمن الظواهري اللذين رصد مبلغ 25 مليون دولار مكافأة للقبض على أي منهما أو قتله، و12 آخرين منهم الملا محمد عمر زعيم حركة طالبان الأفغانية.

قلت لنفسي.. أنني أعرض أنا الآخر مكافأة مني.. دراهم معدودة لمن يقتل قرصانا دمويا مجرما آكلا للحوم البشر..

 أما اسمه فهو جورج بوش..

جورج بوش.. الذي يدفع الأمة كلها إلى إدراك أن بن لادن هو الحل.. ولا طريق غير طريقه..


**** 

*** 

*** 

*** 

حاشية


رفيق الحريري


عليه رحمة الله ورضوانه..

القاتل هو ذلك الذئب الأمريكي الشرس القابع في المنطقة الخضراء.. نغروبونتي.. 

ليس ثمة شك في ذلك..

أما وليد جنبلاط الذي يطالب بتدخل دولي.. فلا نملك إلا أن نقول: رحم الله أروى صالح إن جازت عليها الرحمة.. القومية التي اكتشفت أن مآل كل القوميين أنهم في النهاية سيجلسون على حجر إسرائيل .. وهالتها فظاعة الاكتشاف فانتحرت.. أما وليد جنبلاط.. فعلى حجر إسرائيل.. ونغروبونتي معا!!..

لست أدافع عن نظام سوريا بالطبع، ورأيي في القوميين غير خاف، ولكنني أحاول بكل ما أستطيع أن أمنع المزيد من التشرذم والسقوط في براثن الغرب الصليبي الصهيوني.. 

وفي محاولاتي تلك أصاب بخيبات أمل كثيرة..

أصاب بخيبة أمل في القوميين مثلا- ليس أغرب من خيبة أملي إلا أملى!!- عندما يتخلون عن الموقف الوحيد الذي أعطاهم – عند من لم يفهم الأمر- قبولا عند الناس.. وهذا الموقف هو ما ظنناه عداء لأمريكا و إسرائيل.

أصاب بخيبة أمل في المسيحيين العرب.. أو في عدد كبير منهم على الأقل.. 

و أنا واحد من الناس أعترف بأنني أعتبر أن الدين هو الهوية والجنسية والوطن.. لكنني أيضا أعرف أمرين: أن الواجب ألا يخون الناس عقد المواطنة.. خاصة عند الشدة.. أما الأمر الثاني فهو يتعلق بحقيقة أظن أن المسيحيين العرب ليسوا غافلين عنها.. وهي أن رعاة المسيحية الصهيونية في الواقع ليسوا أتباع أي دين.. وأنهم ملحدون وكفرة خرجوا حتى عن إطار الديانة المحرفة.

أصاب أيضا بخيبة أمل في الشيخ حسن نصر الله.. وفي السيستاني.. وفي إيران.. وفي سوريا..

أصاب بخيبة الأمل في نجاح كل المؤامرات..

و أدرك أن ما يجمع ما بين هذه المؤامرات.. ويوظفها جميعا.. هو سفير الشيطان القابع في بغداد.. نغروبونتي.. قاتل رفيق الحريري!!.. وهو الـ FBI والـ CIA وأجهزة الحكم الخائنة العميلة .. بمعاونة أمنها ومثقفيها.. 

*** 

في ربع القرن الماضي تقدم الشيعة – بالجهاد- كثيرا إلى الأمام.. لكنهم في العام الأخير قد تقهقروا أضعاف ما تقدموه.

كنت قد تعلقت بأمل يبدو أنه مستحيل.. وهو أن الإسلام الجهادي الذي رفعت الثورة الإيرانية راياته سوف يصهر الخلافات ويعيد توحيد المسلمين. ولكي أكون واضحا دون أن أغرق في المستنقع فإنني لا أكفر الشيعة، و إن كانت لي اعتراضات محددة وقاطعة في أمور عقدية ليس مجال ذكرها الآن، لكنني كنت أرى أن هذا الخلاف رغم أنه عميق جدا لكنه أقرب ما يكون إلى الخلاف النظري، فالواقع، أنه بعد مائتي عام من الحكومات العميلة والنخبة المثقفة المستغربة الخائنة الكافرة ، فإن الغالبية العظمى من المسلمين لا تحسن مجرد الوضوء، فما بالك بالخلافات العقدية التي تنحصر في بضع مئات من العلماء هنا وهناك، بينما مئات الملايين في الجانبين متشابهون في جهلهم بالدين، بل إن التاريخ الإسلامي يحفل بخلافات وصلت إلى سفك الدماء بين أتباع المذاهب الأربعة المشهورة للسنة.. 

بل لقد كنت أتمني ألا يكون بعض علماء الشيعة المنحرفين لا يمثلون عموم الشيعة بأكثر مما يمثل شيخ الأزهر السنة!!( ذلك لا يلغي الحكم بالكفر على من يسب سيدنا أبو بكر رضي الله عنه على وجه الخصوص وبفسوق من يسب الصحابة).

أقول كنت قد تعلقت بالأمل المستحيل، كما أن انتصارات حزب الله في جنوب لبنان كانت تلهب الحماس..

ولكن..

و ما أمرّ : "ولكن"..

انقلب الوجه الإسلامي لهذا وذاك لنفاجأ بإيران التي تفضل الأمريكيين على طالبان.. والتي تمن على الأمريكيين أنه لولا مواقفها لما نجح الأمريكيون في العراق أو أفغانستان.

وفوجئنا بأنصار إيران في العراق لا يرفعون في وجه العدو الغاصب سلاحا.. ويتركون السنة.. بل وتجرى الانتخابات التي أيدها الشيعة على أشلاء السنة.. والفلوجة..

وفوجئنا بحسن نصر الله الذي خلب ألبابنا مؤيدا لإيران..

بل وفوجئنا به في خطابه اليوم – بمناسبة العاشر من المحرم- ولأول مرة على الأقل مغالطا يلوي عنق الحقيقة حين قارن بين الانتخابات في العراق وبينها في بقية الدول الإسلامية ميتنكرا تحريمها في الأولى و إباحتها في الثانية..كما أنه لأول مرة يدين السنة بتفجيرات مساجد الشيعة.. ولقد كان هو – على ما أذكر- أول من نبه منذ عام إلى أن القائمين بها مدفوعون من الموساد..

صرخت:

" وما ربك بظلام للعبيد"..

صرخت:

سيحيق بهم غضب الله.. وسيهزمون جميعا..

لقد استقوى صدام بأمريكا على إيران.. فكان العقاب أن تسلطت عليه أمريكا..

ولقد ساقت النفعية "البراجماتية" إيران وحزب الله والسيستاني إلى مواقف أحسبها بعيدة عن الإسلام و أخشى أن الله سيعاقبهم بعكس ما قصدوا إليه وطمعوا فيه.. لكن بعد أن يجردهم من بريق نالوه ولم يكونوا يستحقونه.. بل كان فتنة..

أقول أخشى، ولا أقول أتمنى، لأن ما أتمناه فعلا أن يعودوا إلى الله، ما أتمناه أن يتوبوا ويعودوا ويئوبوا.. وما أدعو الله به أن يحمي لنا قنبلة إيران الذرية المأمولة راجيا ألا تؤول إلى ما آلت إليه قنبلة باكستان برويز مشرف.. لعن الله برويز مشرف.

أجل..

أخشى أن ما أخشاه سيحدث..

و أخشى أنني أراه..

يدمي قلبي أن ما حدث حدث و أن ما يحدث يحدث و أن ما سيحدث سيحدث..

يدمي قلبي لكنني أصرخ كل حين: " وما ربك بظلام للعبيد"..

أرى رأس سوريا الحبيبة على المقصلة فيرتجف قلبي لكنني أهمس من قلب ذبيح:

- صمتم على بطش الفاجر وتركتم ما حدث في حماة وحلب وتدمر يحدث.. فالآن ذوقوا عاقبة الأمور.. 

يدمى قلبي و أنا أتخيل حسن نصر الله (والرجل مسلم ولا شك و إن أخطأ .. بل إنني أتهم من يقول بغير ذلك باتهامات خطيرة) أسيرا أو شهيدا..

( أحسن الشيخ حسن نصر الله في خطابه اليوم بالتأكيد على إيمان الشيعة بأن القرآن الموجود بين أيدينا هو الذي أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا زيادة فيه ولا نقص ولا تحريف).. وهذه الحقيقة معروفة لمن يبحث عنها في مصادرها الموثوقة ولكن الكثيرين يدسوا أو يندسوا إشعال مزيد من اللهب.. وهؤلاء يثيرون في نفسي كثيرا من الشك.. بأن معظمهم مدفوع من مخابرات أجنبية.. ولطالما واجهت أصدقائي الذين يتورطون في تصديق هذه الأكاذيب بسؤالي:

- وحكامنا.. في أي فئة تضعونهم.. أفي السنة؟!..

وكان السؤال يفاجئهم فلا يحيرون جوابا..

*** 

يدمي قلبي و أنا أتذكر أجهزة الأمن في عالمنا العربي.. أجهزة الأمن بشقيها.. العاقل والسافل.. و أريد أن أصرخ فيهم:

- ألم تدركوا بعد أنكم منذ أكثر من خمسين عاما و أنتم لا تحمون أجهزة الحكم.. و إنما تروضون البلاد والدولة والأمة لتسليمها لقمة سائغة لأمريكا و إسرائيل.. ألم تدركوا ذلك.. ألم تفهموا أن من سحقتموهم كانوا هم الذين سيستشهدون دفاعا عن الدين والأمة.. أخزاكم الله.. أخزاكم الله.. أخزاكم الله..

يدمى قلبي فأقول للكتاب والمفكرين جميعا نفس القول:

- أخزاكم الله.. أخزاكم الله.. أخزاكم الله

*** 


100% من الشعب المصري نصارى!!


تعداد النصارى في مصر يكاد يصبح لغزا، ليس لأنه مجهول ، لكن لأن هناك طريقة طريفة في النصب والاحتيال لا يتبعها إلا نصاب محترف، ذلك أن عدد الأقباط في مصر منذ الحملة الفرنسية إلى الآن يتراوح ما بين 5-6% من عدد السكان (حوالي أربعة ملايين نصراني) ويأتي النصابون من النصارى والعلمانيين الأشرار الذين يتملقونهم نكاية في الإسلام، ليخلطوا بين الرقمين: رقم العدد ( وهو هنا أربعة ملايين) وبين النسبة ( وهي هنا 6%). ففي المرحة الأولى يتم استعمال رقم النسبة المئوية بدلا من العدد فيكون تعداد النصارى ستة ملايين نسمة ( وليس أربعة ملايين أو 6% من عدد السكان) لكننا إذا ما حسبنا النسبة المئوية التي يشكلها الرقم المغلوط وهو الستة ملايين لوجدناهم يمثلون 8% من عدد السكان، وهو الرقم الذي يستعمل مع النسبة المئوية بشطب ما نشاء من طرفي المعادلة ليكون تعدادهم في المرحلة التالية ثمانية ملايين، لكن الثمانية ملايين لا يساوون 8% من عدد السكان بل 12%، يستعمل هذا الرقم عدة أسابيع ثم يتحول إلى أن عدد النصارى 12 مليون نسمة، وبعد عدة أسابيع من الحداثة ونسيان الماضي يكتشفون أن 12مليون مسيحي يشكلون 18% من السكان.. وهكذا دواليك .. حتى وصل الرقم الآن إلى 25% من عدد السكان نصارى.

وبهذه الطريقة لا يبقى سوى عدة خطوات ليكون النصارى هم الأغلبية في مصر..

وخطوات أخرى لتصل نسبة المسيحيين إلى 100% من الشعب المصري.

وفي مصر – بالذات- يمكن للنسبة أن تزيد عن 100%!!..

*** 

نائب الرئيس


ظل الرئيس مبارك طول عمر رئاسته يرفض تعيين نائب له بحجة أنه لم يجد الشخص المناسب، وقد اتضحت الأمور أخيرا، إذ يرى البعض أنه كان يدخر المنصب لابنه، لكن.. وآه من لكن.. يقال أن أمريكا تضغط الآن لتعيين نائب رئيس مسيحي.. على أن يكون لرئيس الوزراء أيضا نائب مسيحي.. و أن ينص الدستور على أن مصر دولة علمانية و إلغاء كل ما يشير إلى الإسلام في الدستور.

والسؤال الآن:

من خلال تجربتنا فائقة الطول مع الرئيس مبارك:

هل هو من النوع الذي يقاوم الضغوط أم يستسلم لها..

وإن كان هذا هو السبيل الوحيد للتجديد والتوريث: تراه سيرفض أم سيرحب بدفع الثمن ما دام على حساب دين الأمة وليس على حسابه..

فإذا قبل..

هل يستطيع الشعب أن يرفض..

( جملة اعتراضية.. أثناء كتابة السطر السابق وقعت في خطأ إملائي.. وعندما هممت بإصلاحه.. لكنني ترددت.. وفكرت أن أتركه كما هو.. كنت قد كتبت كلمة: " "يرقص" بدلا من كلمة:"يرفض"..!!..)..

نعم..

هل بقي للشعب شئ يستطيعه أو يجيده إلا أن يرقص.. إن لم يكن سيرفض؟!


*** 

ظلم

نوبل لشيخ الأزهر


لن يدفعنا اختلافنا مع شيخ الأزهر إلى أن نغمطه حقه..

لقد حاز الرجل على كل الصفات التي تؤهله لنوبل.. 

بل إنه يستحقها أكثر من أي يهودي أو مسيحي .. أو حتى ملحد..

فلماذا لم يعطوها له إذن؟!..

إنه ظلم..!!

*** 

الـــبــشـــير


وليس بشيرا بل نذيرا.. ولت أدري هل هو الآن لواء أو فريق أم مشير.. وهو يذكرني بصلاح سالم.. ويكاد يدفعني لاستنزال اللعنة على العسكريين أينما كانوا لولا أمرين: أولهما وجود عسكريين كسوار الذهب والفريق الشاذلي، وثانيهما أنه لا يوجد من غير العسكريين من نجح .. فكلهم في الفشل والخيبة سواء.

ألم يكن أجدى و أكرم وأشرف لو أنه واجه الشعب ليقول أنه غير قادر على أن يفي للشعب بما وعده به منذ البداية و أنه لذلك يتنحى لعل هناك من الأمة من يقدر على ما لم يقدر هو عليه؟..

منذ هزيمة 67 أقنعنا المرجفون أن هدف إسرائيل لم يكن الاستيلاء على الأرض بل القضاء على النظام، و أن استمرار النظام دليل على أن إسرائيل لم تنجح في مخططها، ولم يكن ذلك صحيحا ولكنه كان التماس المعذرة له واردا لدعم معنويات متهاوية إلى أن يتم استعادة الأمة والدولة لقدرتها على المواجهة والفعل.. لكن الكذبة انتشرت.. كفيروس الإيدز.. وأصابت العدوى كل الأنظمة التي أصبح دليل نجاحها الوحيد.. مجرد الاستمرار..

المحلل السياسي طلعت رميح يرى احتمالا كبيرا في أن يتولى جارنج رئاسة الجمهورية في السودان..

التقسيم قادم لا محالة..

مصر تعارضه الآن لكنها تسلك كل الطرق المؤدية إليه منذ مجيء حكومة الإنقاذ..

وكانت مصر تستطيع دائما وما تزال منع التقسيم.. لكن ذلك سيؤدى إلى تضاؤل فرص التجديد والتوريث..

أما هيكل- أطال الله عمره حتى يطلب الموت فلا يجده- فقد تنبأ منذ عام 54 أن السودان ليس بلدا واحدا بل أربعة بلاد على الأقل.

 

*** 


أيمن نور..


لست أشك لحظة واحدة في أن كل الاتهامات الموجهة إلى ( الدكتور!!) أيمن نور صحيحة..

ولست أشك لحظة واحدة في أن الدولة كانت تعرف من البداية ما ادعت أنها اكتشفته فجأة..

ولست أشك لحظة واحدة في أن ( الدكتور!!) أيمن نور برغم كل ما يقال عنه أفضل و أنظف.. أو أقل سوءا و(...).. من الطواغيت الصغار والكبار..

ولست أشك لحظة واحدة في أن من يملك سلطة على وزير العدل والنائب العام ورئيس مجلس الشعب ووزير الداخلية لا يمكن أن يكون أقل من رئيس جمهورية..

لكنني أؤكد أنه ليس حسني مبارك.. فالرجل بعد ربع قرن في الحكم أكثر كياسة وسياسة ودهاء ..

إنه.. إنه.. إنه.. إياد علاوي..

نعم.. إياد علاوي.. وإنه سفاح.. سيذبحكم كالنعاج.. فانتبهوا أو.. موتوا..

و إنه .. رئيس جمهورية مصر القادم..

*** 

أيمن نور مرة أخرى

الإصلاح على الطريقة الأمريكية

..

قيل أن الضغوط أفلحت فتم الإفراج عن أيمن نور ، كما أفلحت الضغوط الخارجية للإصلاح فتمت الموافقة على إلغاء الاستفتاء، وجاءت الانتخابات فرشح أيمن نور نفسه أمام الرئيس مبارك.. وتمت الانتخابات وذهب وزير الداخلية إلى الرئيس صارخا:

- رحنا في داهية..

وسأله الرئيس منزعجا: 

- لماذا.. وكيف..

- لقد أجرينا الانتخابات ككل مرة وحصلتم سيادتكم على 99.999% مثل كل مرة..

- لقد نجحنا كالعادة فما المشكلة في ذلك؟..

- المشكلة أن أيمن نور حصل على 100%..!!.

*** 

*** 


حسن السرات و أمير المؤمنين

ما أقرؤه عن أمير المؤمنين(!!).. ملك المغرب مذهل.. ولا أريد الدخول فيما يغضبه ولا أفهمه.. إذ كيف أفهم ما يقال عنه إزاء حدث من أغرب الأحداث في سماوات عالمنا العربي.. فقد حدث في المغرب ما أتمنى أن يحدث في كل بلد إسلامي.. حين سمحوا لضحايا التعذيب في مقرات الكلاب الشرسة لمباحث أمن الوطن أن يحكوا بحرية وتحت تغطية الإعلام ما فعلته بهم الحيوانات الجائعة خدم الاستعمار والصليب والأفعى والشيطان نكاية في الإسلام..

التفاصيل مروعة .. وسوف أعود إليها في مقال آخرإن شاء الله..

ورغم ما يقال أن ذلك الكشف إنما تم لجذب انتباه الناس كي يبتعدوا عن إثارة مشكلات خطيرة إلا أنني وقفت احتراما لهذا النهج..( سوف يحدث قريبا جدا في كل البلاد الإسلامية.. فإذا انتصر الإسلام فلابد أن يحدث لهم ما حدث لكلاب السافاك..و إذا نجحت أمريكا فلابد أن تقدمهم كباش فداء- بل كلاب فداء- لامتصاص غضب الناس)..

المهم أن هذا الذي حدث أغراني بتوجيه رسالة إلى الملك المغربي في آخر هذه الحاشية..

رسالة تتعلق بالنخبة المثقفة المغربية.. رسالة أقول له فيها:

يا أمير المؤمنين(!!):

 الحداثة كفر والعلمانية كفر .. 

والحداثيون العرب ليسوا مفكرين بل طابور خامس خائن. 

*** 

ولقد بدأت الحكاية بمقال نشره الكاتب الكبير حسن السرات في صحيفة التجديد المغربية ينادي فيه بنبذ المعاصي فقد يكون زلزال تسونامي بسبب غضب الله على المعاصي التي كانت ترتكب في البلاد التي أصابها.. خاصة السياحة الجنسية.. واستشهد الكاتب ببعض الكتاب الأجانب الذين فضحوا أمر السياحة الجنسية....

*** 

المقال كان عاديا.. ولم يكن ليجذب الانتباه فهو يسير في السياق العام لاعتقادات الأمة من أن ظواهر الطبيعة قد تعبر عن الغضب الإلهي، متذكرين روعة هذا الدين ونبيه الكريم حين رفض أن يكون كسوف الشمس المصاحب لموت ابنه حزنا عليه، أقول كان تفسير الابتلاء بالمعاصي أمرا طبيعيا.. وكانت خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي تصب في نفس الاتجاه..

وكان يمكن للأمر أن يمر عاديا ولا يشعر به أحد.. لكن كلاب العلمانيين والحداثيين انتهزوا الفرصة استعراضا لقوتهم.. فقلبوا الدنيا على استعمال:"غضب الله" لأنهم يريدون أن تكون "غضب الطبيعة"..

لست أعرف الكثير عن المغرب..

ولست أعلم إذا ما كان وزير ثقافتهم شاذا..

كما لا أعلم إذا ما كان وزير إعلامهم قوادا سابقا..

لكن الذي علمته أن القناة الثانية في التلفاز المغربي قد شحذت أنيابها لتمزق بها الإسلام والمسلمين.. وانبرى كلب من كلاب الحداثيين ساخرا من الإسلام والمسلمين:

..".. وحتى تلك التي تؤمن بالاعتدال والوسطية، وبالجلباب والطاقية والأفكار الظلامية، الخارجة من اللجة الخرافية التي تفسر الكون والكونية، بالغيب والغيبية وترى في الإنسان مجرد كائن له فم ولسان•• ليس له حق الجدال في الأديان•• أي إنسان بلا عقل يحكمه منطق الخبل وسياسة الجهل مجبول بالفطرة على تقبل الأوامر، وإن لم ينفذ فقد انغمس في الكبائر• وهو بهذا ملحد كافر من الجنس السافر، الذي يجوز تنفيذ شرع الله في حقه••• وشرع الله كما يفهمه هؤلاء••• هو إحياء تقاليد الأيام الخلاء التي تعود بنا قرونا إلى الوراء••"..

هل تلحظون يا قراء..

نفس المعين النجس الذي نهلت منه الوزيرة المصرية السابقة..

ولم يقتصر الأمر على هذا..

فقناة الشواذ والقوادين أعلنت الاستنفار العام و أخذت تنشر بيانات الحداثيين والعلمانيين الذين استنفروا أتباعهم للخروج في مظاهرات إلى الشوارع ومهاجمة الصحيفة التي نشرت مقال حسن السرات..

كما أذاعت القناة بيانا للحداثيين والعلمانيين يطالب بإنشاء محكمة دولية لمحاكمة دعاة الإرهاب .. ليس دعاة إرهاب الأمريكي أو الصهيوني.. بل دعاة الإرهاب الذين يحذرون من غضب الله ويناشدون الأمة للرجوع عن المعاصي..وجاء في بيانهم الداعر:

"لقد أصبح الإرهاب ظاهرة دولية، وانتشرت التنظيمات الإرهابية عبر العالم كأي ورم سرطاني خبيث، ووفر «فقهاء» الحقد والكراهية السند الشرعي للأعمال الإرهابية وألبسوها غطاء دينيا فتحولت إلى جهاد ومقاومة وعمل جليل يقود إلى الجنة، فأمام تخاذل غالبية «مثقفي الأمة» و«سياسييها» وأنظمتها عن مواجهة منظري التطرف والحقد والكراهية، أصبح كل من هب ودب يفتي في أمور «الجهاد» و«المقاومة» لحث الشباب على القتل والتفجير والهدم وبث الفتنة داخل المجتمع، وتهويل الخلاف الحضاري مع الدول الغربية، واللاتسامح مع الأديان الأخرى..(...) فقناة الجزيرة في قطر مثلا والتي لا تبعد إلا بضعة أمتار عن أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة (قاعدة السيلية) أصبحت ساعي بريد ينقل رسائل قادة الإرهاب الدولي «القاعديين» كبن لادن والظواهري والملا عمر.. إلى عموم الإرهابيين كي ينفذوا مخططاتهم الإجرامية. وفي إطار «الهدنة» المعلنة بين تنظيم القاعدة الإرهابي والنظام القطري، لا تكتفي قناة الجزيرة بنشر خبر خطابات قاعدة الإرهاب الدولي، بل تحرص على بث الأشرطة كاملة كي تؤدي وظيفتها التدميرية وكي يتم فك رموزها من طرف الإرهابيين المنفذين، لأن كل تسجيل صوتي وكل شريط فيديو، يتضمن «شيفرة» لابد من فك رموزها لتنفيذ المطلوب(...) إن هذا التحريض العلني على القتل والتدمير وكراهية الآخر لا يقتصر على الإرهابيين المتطرفين، بل أصبح «العلماء المعتدلون» يبررون الأعمال الإرهابية، كالقرضاوي مثلا صاحب الأوجه المتعددة والفتاوى المتناقضة حول مدلول الجهاد وحول قتل الأبرياء في العراق، وتدمير هذا البلد. فالقرضاوي الذي يعيش حياة البذخ في البلاط القطري والقرضاوي الذي أرسل أبناءه ليجاهدوا في الدراسة لدى الشيطان الأكبر (في أمريكا وبريطانيا) يحرض الشباب الفلسطيني على «الانتحار بتفجير نفسه وسط الحافلات الإسرائيلية» ويحرض على قتل الأبرياء وقطع الرؤوس في العراق. إن هذا التحريض العلني (...) ا دفع ثلة من المثقفين المتنورين (...) إلى توجيه طلب إلى مجلس الأمن الدولي قصد إنشاء محكمة دولية تختص في محاكمة كل الذين تجرءوا على نشر الفكر الإرهابي أو تبرير «أعمال الإرهابيين» عبر فتاوى أو تغطية دينية..

*** 

أتساءل.. لو أن رامسيفيلد أو تشيني أو فريدمان أو فندي كتبوا.. فهل كان يمكن أن يكونوا أكثر سفالة من ذلك؟!

أتساءل.. لو أن الشيطان نفسه هو الذي كتب .. فهل كان يمكن أن يكون أكثر شرا من ذلك؟!

*** 

ولقد كان هذا هو الدافع الذي دفعني للكتابة لأمير المؤمنين الذي فعل ما لم يفعله حاكم عربي بفضح مشاهد التعذيب..

فقد أردت أن أقول له أن مثقفي أمن الوطن أكثر خطورة و إجراما من ضباط مباحث أمن الوطن الذين قاموا بالتعذيب..

أردت أن أقول له : ليس الأمر أمر مجلة هنا ولا صحيفة هناك، وليس أمر حوار ولا هو أمر خلاف في الرأى، إنما هو أمر مجموعة من الجواسيس والخونة تم تجنيدهم ضد الدين والأمة، مجموعة من الزنادقة و الجواسيس والخونة ترتقى كلما ازدادت خيانتها، وتفتح أمامها الأبواب كلها، والعيب ليس عيب هؤلاء الجواسيس، إنما هو عيب من وضعهم في أماكنهم وجعلهم رؤساء تحرير ومؤسسات وصحفيين و إعلاميين، ومن وضعهم قطاع من السلطة، مخترق، وزنديق وخائن وعميل. من هؤلاء تجد الزنديق يفتى في الدين، والزانى يوضح لنا شروط العفة، والشاذ يقود القافلة. وتجد الكذب بلا حدود وبلا حساب.

فالحداثة يا أمير المؤمنين كما يصفها الدكتور عوض محمد القرني – في كتابه الهام: الحداثة في ميزان الإسلام- تقديم سماحة الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى أنها : "مذهب فكري جديد يسعى لهدم كل موروث، والقضاء على كل قديم، والتمرد على الأخلاق والقيم والمعتقدات".. و يؤكد :"أن الصراع مع الحداثة ـ أولاً وأخيراً ـ صراع عقائدي بحت".. 

أما الدكتور محمد محمد حسين فيكشف في كتابه : " حصوننا مهددة من داخلها" يكشف أمر الحداثيين والعلمانيين والمستغربين ودعاة التنوير والثقافة، يكشف دسائسهم التي يلقون عليها حجبا كثيفة من الرياء. والنفاق ، حين يندسون بين صفوف الأمة، يتظاهرون بالغيرة على إسلامنا وعلى عروبتنا ، حين تنطوي ضمائرهم على فساد العقيدة وحين يعملون لحساب العدو الذي يستعبدنا ولحساب الصهيونية الهدامة التي لا تريد أن تبقى على بناء قديم . 

يصرخ الدكتور محمد حسين: هؤلاء هم أخطر الأعداء ، وهم أول ما ينبغي البدء به في تطهير الحصون وتنظيف الدار ، لأن الأعداء والمارقين ظاهر أمرهم لا يخفون، وهم خليقون أن ينفروا الناس ، فهم كالمريض الظاهر يتحاشاه الناس ولا يقتربون منه . أما هؤلاء فهم كالمريض الذي لا يظهر المرض على بدنه ، فالمخالطون لا يحتاطون لأنفسهم في مخالطته . 

ويتهم الدكتور حسين أعداء الأمة هؤلاء من المنافقين والضالين والمضللين بأنهم يزينون للأمة الباطل زاعمين لها أنه هو سبيل النهضة ، ويوهمونها أن كثيرا من عاداتها الصحيحة الأصيلة هي من أسباب تخلفها وضعفها ، ويزجون بها فيما رسمته عصابتهم من قبل وما قدرته من طرق ومسالك " .

ويستطرد الدكتور حسين في مرارة عاتية: 

وأنبه إلى ما انكشف لي من أهدافهم وأساليبهم التي خدعت بها أنا نفسي حينا من الزمان مع المخدوعين ، أسأل الله أن يغفر لي فيه ما سبق به اللسان .والقلم . وإن مد الله في عمري رجوت أن أصلح بعض ما أفسدت مما أصبح الآن في أيدي القراء (…) وقد كان مصابي هذا في نفسي وفي تفكيري مما تجعلني أقوى الناس إحساسا بالكارثة التي يتردى فيها ضحايا هؤلاء المفسدين ، وأشدهم رغبة في إنقاذهم منها ، بالكشف عما خفي من أساليب الهدامين وشراكهم (…) .. 

ويكشف الدكتور حسين أن هؤلاء المنافقين قد اشتراهم الغرب كي يكونوا حراسا على أوطاننا التي حولوها إلى سجون. فيقيموا فيها معبدا يسبح كهنته بحمد آلهتهم التي يعبدونها من دون الله . وينكل بالذين ينبهون النائمين والغافلين والمخدوعين ..

*** 

يا أمير المؤمنين : هؤلاء هم الحداثيون والعلمانيون في بلادك وهم كأقرانهم في بقية بلاد المسلمين..

ومرة أخرى.. فالعلمانية كفر والحداثة كفر فكيف ترعاهما حكومات أمير المؤمنين؟!..

يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري 

في كتابه:" العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" دار الشروق - القاهرة.. يقول الكاتب: 

العلمانية الشاملة هي رُؤية شاملة للعالم ذات بُعد معرفيّ (كُليّ ونهائيّ) تحاول بكل صرامة تحديد عَلاقة الدين والمطلقات والماورئيات (الميتافيزيقيا) بكل مَجَالات الحياة، وهي رُؤية عَقلانية مادية تدور في إطار المرجعية الكامنة والواحِدِيَّة المادية التي ترى أنَّ مركز الكَوْن كامن فيه غير مُفَارِق أو مُتَجَاوز له (فالعلمانية الشاملة وحدة وجود مادية) وأنَّ العالَم بأسره مكون أساسًا من مادة واحدة لا قَدَاسَة لها، ولا تحوي أية أسرار، وفي حالة حركة دائمة لا غاية لها، ولا هدف ولا تكترث بالخصوصيات، أو التفرد، أو المُطلقات، أو الثوابت، هذه المادة بحسب هذه الرؤية تشكل كُلا من الإنسان والطبيعة، فهي رؤية واحدية طبيعية مادية وتتفرع عن هذه الرؤية منظومات مَعرفية (الحواسّ والواقع المادي مصدر المعرفة، فالعالم المعطى لحواسنا يحوي داخله ما يكفي لتفسيره والتعامل معه) ، كما تتفرع عنها رؤية أخلاقية (المعرفة المادية المصدر الوحيد للأخلاق) وأخرى تاريخية (التاريخ يتبع مسارا واحدا وإن تبع مسارات مختلفة فإنه يؤدي في نهاية الأمر إلى النقطة النهائية نفسها) ورؤية للإنسان (الإنسان كجزء لا يتجزأ من الطبيعة ليست له حدود مستقلة تفصله عنها ومن ثَمَّ هُو ظاهرة بَسيطة أحادية البُعد، وهو كائن ليس له وَعْيّ مستقل غَير قَادِر على التَّجَاوُز والاختيار الأخلاقيّ الحُرّ).

ويستطرد الكاتب:

فإن أي نموذج فلسفي لابد أن يكون له مركز يشكل مطلقه، وركيزة نهائية للنسق. والنماذج الفكرية العلمانية قد تنكر أية نقطة مرجعية تتجاوز هذه الدنيا، إلا أنها تستند إلى رَكيزة أساسية ومَرجعية نهائية كامنة في المادة، وهذا المُطْلَق في أقصى درجات تعميمه هو المبدأ الواحد، وقد يأخذ أشكالا كثيرة، لكنه في التحليل النهائي هو الطبيعة التي نشير إليها عادة (الطبيعة / المادة)، ومن هنا يأتي الحديث عن الإنسان الطبيعي المادي الذي يعيش حسب قوانين الطبيعة / المادة، ويستمد منها وحدها المعرفة والقِيَم الأخلاقية والجَمَالِيَّة، بحيث أصبحت دَورة الإنسان ثُلاثية: الإنتاج في المصنع، والاستهلاك في السُّوق، واللذة في الملهى (أو أي معادل موضوعي).(...) حيث ترد العلمانية أصل الوجود إلى أن العالم وجد بالصدفة المحضة من مادة أولية سائلة غير مشكلة، وتتمثل نقطة النهاية أيضا في سيطرة مفاهيم المادة ومن ثم يصل إلى نقطة نهاية التاريخ وقمة التقدم والفردوس الأرضي.(...)

وفي إطار هذا الصراع تناول المؤلف النظرية الأخلاقية ، فامتدادا لهذه الأطروحة المادية ظهرت الفلسفة النفعية للتعبير عن هذه النزعة الطبيعية الحسية المادية، وقد أعطت هذه الفلسفة للإحساسات الفيزيائية الأسبقية على المفاهيم الأخلاقية، بل والمفاهيم العقلية والإنسانية، فالأخلاق لا علاقة لها بالفضيلة أو الاحتياجات الروحية، وإنما لها علاقة بالسعادة ( اللذة والمنفعة) وبالتالي عرف الخير والشر تعريفا ماديا كميا، فالخير هو ما يدخل السعادة (اللذة) على أكبر عدد ممكن من البشر، وما يحقق لهم المنفعة، والشر هو عكس ذلك ( أي ما يسبب الألم والضرر) والعواطف الإنسانية إن هي إلا تعبير عن حركة المادة، وليس هناك أسئلة أخلاقية كبرى أو نهائية فكل الأمور مادية نسبية متغيرة. 

*** 

فيا أمير المؤمنين..

هل رأيت كفرا أكبر من هذا؟..

هل رأيت شرا أكثر من هذا؟.

ويا أمير المؤمنين:

هل ترضى أن يكون هؤلاء الملحدون الشواذ هم رعاياك المهيمنون؟؟..

ويا أمير المؤمنين.. هل ترضى أن يكون المحافظون على دينهم هم ضحاياك لا رعاياك؟!.








حتى أنت يا سويسرا


الكفر – كإجرام الغرب – ملة واحدة..

سويسرا ترغم اللاجئين على التجسس على المسلمين والويل لمن يرفض..

التنكيل بالدكتور "عقيد" محمد الغنام وسجنه..

***



بقلم د محمد عباس

www.mohamadabbas.net

mohamadab@hotmail.com


سبحانك يا رب..

أتأمل هذا الغرب الغبي وهو يفضح نفسه كل يوم أكثر و أكثر.. و أكثر..

أما الغلالات البراقة التي ستر بها إجرامه  وأخفي بشاعته و غطى على أكاذيبه فهاهو بنفسه يمزقها بعد أن عجزنا نحن عن تمزيقها.. وبعد أن أغوانا فاستسلمنا للغواية – جلنا – فاستبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير. وكان من ضمن ما أصابنا من غواية أننا ظننا الغرب يحترم حقوق الإنسان و أنه متحضر بينما الحقيقة تضج وتصرخ أن البشرية لم تر ويلا أبشع من الويل الذي أراها إياه الغرب ولا همجية أقسى من همجيته ولا قتلا أنكى من قتله ولا كذبا أشد من كذبه. كما أننا حسبنا ذات يوم أن أجهزة قضائه لا ينالها باطل أرضي، و أن نياباته وبوليسه أجهزة تنتمي للفردوس المفقود حيث العدل الذي لا يشوبه ظلم والموضوعية التي لا يجرحها هوى.

لم ندرك إلا أخيرا أننا كما استوردنا منه كل شئ من الإبرة إلى الصاروخ – وهو صاروخ للأسف لا يضرب إلا مسلمين- فقد استوردنا منه كل الرذائل والموبقات، لا تلك التي يمارسها ضد مواطنيه، بل التي يمارسها ضدنا، ووصل الأمر أن نخبتنا وحكامنا أصبحوا ينظرون إلينا بنفس العين التي ينظر بها إلينا حكامهم ونخبتهم. ولكي أوضح الصورة فإن "جان دارك " على سبيل المثال بطلة بالنسبة للفرنسيين الذين قدسوها  ودجالة مشعوذة بالنسبة للبريطانيين الذين أحرقوها، فإذا وصل الغزو الفكري إلى أن يقدس البريطانيون "جان دارك" فذلك يعني الهزيمة الكاملة.

وهذا بالضبط ما حدث لنا..

ننظر لأنفسنا بأعين أعدائنا.. لا عن خطأ في الحكم و إنما عن زيغ في العقيدة وثمن للشرف وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين.

نعم.. الأمر ليس مجرد خطأ  و إنما هو كما بينه الشهيد العظيم  سيد قطب دور مرسوم للمخابرات الأجنبية في تشكيل وجدان النخبة عبر وسائل متعددة منها  تمويل وتوجيه الصحف المصرية .. يقول الشهيد: " إن الصحف المصرية- إلا النادر القليل- مؤسسات دولية لا مصرية ولا عربية! مؤسسات تساهم فيها أقلام المخابرات البريطانية والأميركية والفرنسية والمصرية والعربية أخيرا!! مؤسسات تحرر صفحات كاملة فيها بمعرفة أقلام المخابرات هذه لتروج دعايتها في أوساط الجماهير. مؤسسات تخدم الرأسمالية العالمية أكثر مما تخدم قضايا الشعوب العربية وتخدم الاستعمار الخارجي والجهات الحاكمة قبل أن تخدم أوطانها وشعوبها الفقيرة وهذا هو السر في أن الدولة لا تفرض عليها القيود التي تفرض على الكتب. لأن وراءها أقلام المخابرات ومصالح الرأسمالية العالمية، وهي كفيلة بأن تسندها وتذلل لها العقبات وتفسح لها الطريق، لنشر دعايتها المستوردة في أطراف البلاد العربية جميعا. سيد قطب الشهيد الحي- صلاح عبد الفتاح الخالدي- مكتبة الأقصى عمان

نعم.. لم ندرك إلا أخيرا أن كل رذيلة في بوليسنا المتوحش المسعور إنما هي تعود إلى جذورها الأولى في الغرب، و أن انحياز أجهزة النيابة وسيطرة المخابرات عليها وعلى القضاء إنما هي بديهيات في الغرب شاء لفرط خبثه أن يسترها في بلاده و أن يفضحها في بلادنا، كما لم ندرك إلا أخيرا أن طواغيتنا المتوحشون السفلة ليسوا إلا صنائعه وخدمه وبدون دعمه ما كان لهم أن يستمروا يوما ولا أن يستقروا بعض يوم.

*** 

كان هذا بعض  ما قلته للعقيد الدكتور محمد الغنام قبيل لجوئه إلى سويسرا منذ حوالي خمسة أعوام.. وكنت قد لقيته مرتين كشف لي فيهما عمق الهاوية التي تردينا إليها.. وبرغم ما كشفه لي فقد رحت أناشده أن يواجه هنا.. لأن الخطر في الخارج قد يكون أشد.. و أنه بعد عدائه المعلن هنا مع أجهزة الأمن فإنه من الصعب عليهم أن ينالوه بطريقة مباشرة.. الأمر الذي سيفقده في الخارج حيث يمكن لنفس الأجهزة أن تنال منه لكن بعد أن يتفرق دمه بين القبائل. لم تكن أحداث 11 سبتمبر قد حدثت بعد، ولم يكن الغرب قد انكشف أمامنا وتعرى كما هو الآن.. لكنني كنت واثقا من وجود غرفة مركزية للأمن وأخرى للصحافة وثالثة للاقتصاد والصناعة.. ورابعة لمستوى تسليح الجيوش.. و أن هذه الغرف تقبع في دهاليز مخابرات الغرب حيث يتم التحكم في العالم عموما وفي عالمنا العربي على وجه الخصوص بطريقة مركزية ( ودعنا الآن من الحكام فهم ولاة أميرهم في واشنطن)..

قلت هذا للدكتور عقيد محمد الغنام فلم يصدقني.. لم يتخيل.. تماما كما لا يتخيل بعضكم يا قراء.

*** 

ومنذ أيام جاءني من يخبرني على الهاتف بمأساته في سويسرا، فقد لفقوا له قضية، تماما كما فعل البوليس المصري، لفقوا له قضية مشاجرة، و اعتقلوه بعدها، أما السبب الحقيقي فقد كان المطلوب منه، المطلوب الذي طلبته سيدة ديموقراطيات العالم – سويسرا – أن يتجسس على بعض الأسر الإسلامية في - سويسرا- حتى يمكن تلفيق تهم لها بالاتصال بالشيخ أسامة بن لادن رضي الله عنه وأعزه وأرضاه ونصره على أعدائه و أعدائنا، أعداء الله. وبالطبع رفض الدكتور الغنام، وما كان له إلا أن يرفض، لأنه لو شاء أن يقبل لكان أولى به أن يقبل هنا في مصر، حيث القبول بالباطل والزيف والكذب والزور هو طرق المجد والثروة والقوة والسلطة والمنصب، بل ربما – لو أتقن الفساد الفاجر والكذب الداعر – قاده القبول إلى مقعد الوزارة أو ما هو أعلى و أعلى و أعلى.. نعم .. الفساد في مصر، وفساد السلطة بالذات، أكثر أعمال الاستثمار ربحا، أكثر حتى من تجارة المخدرات،  ولقد كانت الطرق كلها مفتوحة أمام محمد الغنام في مصر، مزرعة الفساد ووكر المفسدين، لكنه أبي الكذب والظلم والسرقة فنكلوا به، فهرب منهم باللجوء إلى سويسرا فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار.

*** 

اعتقل العقيد محمد الغنام في سويسرا منذ 15 فبراير الماضي، حيث يتعرض لأقسى وسائل التعذيب النفسي لدفعه إلى القبول بالتجسس على مواطنيه. لا يسمح له بالاتصال بخارج السجن إلا مرة كل أسبوعين، ويحظر عليه في الاتصال الحديث باللغة العربية، ويتعمدون – الخنازير-  تقديم لحم الخنزير دون سواه له، ويأبون تغييره. أما عن ظروف سجنه الأخرى فمن الصعب معرفتها نظرا للرقابة الشديدة المفروضة على اتصالاته. رقابة سويسرا.. سيدة ديمقراطيات الغرب.. والني اعتذرت – عندما عاتبها بعض أصدقاء الدكتور محمد الغنام بعذر أقبح من ذنب، حيث قال المسئولون فيها أنهم يفعلون ذلك بالرغم منهم، لأن الـFBI هو الذي أمرهم به وهم لا يملكون لأمره ردا!!..  

والغريب أن الصحف التي طالما نشرت للعقيد الغنام وعنه – كالحياة والشرق الأوسط والقدس العربي-  تجاهلت أخبار اعتقاله كليا، وكأنما كانت شريكة في مصيدة اصطياده، ثم تحولت الآن بصمتها المميت إلى شريكة في الضغط عليه كي ينهار ويقبل بالتجسس.. ولتثبت هذه الصحف – كما أثبتت دائما - أن المخابرات لا تدير أجهزة الحكم والنيابة والقضاء فقط، بل و كل أجهزة الإعلام أيضا.

*** 

لست أدري لمن أتوجه بندائي للإفراج عن العقيد الغنام .. إلى سويسرا التي لا تستطيع رد أمر الـFBI .. أم إلى الـ FBI نفسه إن جاز توجيه نداء إلى إبليس.. أم إلى الحضارة الغربية الوحشية.. أم إلى منظمات حقوق الإنسان التي لا يكاد يظهر منها إلا العمالة والارتزاق.

أم أحول المأساة إلى مهزلة فأناشد مصر التي لم تحافظ على كرامة مواطن من مواطنيها.. اللهم إلا الطواغيت واللصوص والسفلة.. 

لكن القارئ يحتاج إلى أن نسترجع معا قصة العقيد الدكتور محمد الغنام كما نشرتها في صحيفة الشعب منذ خمسة أعوام.. حين كتبت أقول:

*** 



يا سيادة الرئيس:

امنع فضيحة الطيار من التكرار..

أول شرطي مصري في التاريخ يحصل على حق اللجوء السياسي إلى سويسرا!!


انفطر قلبي يا سيادة الرئيس من الألم..

كنا ثلاثة جمعت بيننا المقادير لأول مرة .. دون تخطيط منا ..( لا أقول صدفة فليس ثمت شيء صدفة).. مستشار جليل يمثل النموذج العظيم الشامخ - حقا وصدقا لا تدليسا وغشا – للقضاء في مصر.. والعقيد دكتور محمد الغنام.. وأنا.. وكان ما حدث للدكتور الغنام تنفيذا عمليا لنصيحتك يا سيادة الرئيس باللجوء إلى الصحف( كان أحد طياري شركة مصر للطيران قد لجأ إلى بريطانيا لفضح الفساد في شركة مصر للطيران والذي أدى حسب زعمه إلى سقوط الطائرة المصرية على السواحل الشرقية للولايات المتحدة).. فهل تسمح لي أن أبلغك بالنتيجة؟!..

بعد ساعة من الحديث كنت أختنق.. أحسست أن جبل المقطم يجثم فوق صدري.. رحت أتساءل في ألم مروع: ترى هل أتيح لك يا سيادة الرئيس أن تستمع لمثل ما أستمع له؟!.. هل تعلم إلى أي حد ضرب الفساد بأطنابه في ربوع بلادنا.. وهل استطاعت الحاشية الفاسدة أن تخفى عنك الأمر إلى هذه الدرجة.. كنت أيامها تمس شغاف قلبي بزيارتك للبنان.. ووجدتني – منحازا إليك – غير قابل للتصديق بأنك تعلم.. لكنني في الجانب الآخر لم أجرؤ على تكذيب من يؤكد أنك تعلم ( أعترف أنني كنت أحيانا أهش في وجه الرئيس وقلبي يلعنه ائتلافا لقلبه ولكيلا يقف العناد بيني وبينه)..

كيف يمكن أن يحدث هذا في عهدك يا سيادة الرئيس وكيف يمكن أن تنافح عن نفسك أمام الله يوم القيامة..

إن ما يحدث من فساد ليس فسادا فرعيا مما يمكن أن نتجاوز عنه قائلين أن الشر جزء أصيل في تركيبة الكون.. ما يحدث ليس تسميم حاويات ماء في مدينة بل تسميم النهر نفسه.. تسميم الجذور.. شيء كالهندسة الوراثية يغير جينات الخلق والعقل والضمير فإذا بحراس الأمن مهدديه وإذا بحماة العدل منتهكيه وإذا الكذاب يصدّق والصادق يكذّب والخائن يؤتمن والأمين يخوّن والعالم يستبعد والجاهل يتحكم  وإذا الفساد ليس الاستثناء عن القاعدة الموجودة بل هو القاعدة ودونه الاستثناء، وحتى ذلك الاستثناء لا يترك بل يحاصر ويضرب ويشوه وتحاك له المؤامرات وكأنما أقسم إبليس ألا يترك على الأرض بذرة خير.

نعم يا سيادة الرئيس.. إن قضية العقيد دكتور محمد الغنام .. مثل خمس وستين مليون قضية أخرى .. تختلف في التفاصيل وتتوحد في الدلالة .. على أن الفساد لم يعد قضية أفراد يتصدى لهم مجتمع.. بل قضية مجتمع يتصدى لها أفراد.. ويزيد الكارثة.. أن بعض المؤسسات الضابطة الحاكمة .. قد انحازت إلى الفساد الشامل ضد آحاد الأفراد الذين ما يزالون يقاومون..

إنني عزوف تماما عن تناول مظلمة الدكتور الغنام.. فلقد ألزمت نفسي ألا أتناول قضية شخصية حتى وإن كان صاحبها على حق.. لذلك سأقتصر على الجزء العام فيها.. وأرجوك يا سيادة الرئيس.. أرجوك أن تسمع صوتي.. حتى لا أضطر إلى الكتابة لك في هذه القضية مرة أخرى..لأنني والله شعرت بالخجل وأنا أتابع تصرفات بعض المؤسسات في بلادنا.. فمهما كان.. وعلى أي حال.. هي مؤسسات بلادي.. وأخجل.. بل وأشعر بالعار إن رأى فيها الآخرون من خارج البلاد ما يشين.. حتى ولو كان ما يرونه حقا وصدقا.. بل إن هذا يزيد العار.. إنه عار يشبه ذلك العار الذي يمكن أن يصيب أي واحد منا .. إذا جن أحد أفراد أسرته أو انحرف.. فخرج إلى الشارع عاريا يفضح أسرته أمام الناس ويرتكب الجرائم بلا خجل..

أجل يا سيادة الرئيس.. إن تلك الأجهزة التي انحرفت.. هي التي تبدى سوءاتنا أمام العالم.. وهى التي تسيء إلى الوطن.. وهى التي تستدعى علينا  ضغوط العالم الخارجي.. بعد أن تفتح له الثغرة التي ينتظرها..

كان العقيد الدكتور محمد الغنام واحدا من مئات الألوف من الطبقة التي يطلقون عليها " التكنوقراط " .. وهى طبقة أحمل لها موقف الانتقاد العنيف.. لأنها تحاول أن تحتفظ بطهارتها الشخصية دون اعتبار لما يحيطها.. تماما.. كالطبيب الجراح الذي يحرص الحرص كله على اتباع كل خطوات التعقيم التي أوردتها كل المراجع بكل صرامة.. لكنه يغفل أن الماء الذي يستعمله في التعقيم ملوث.. وأن كل حرصه بالتالي هباء تذروه الرياح..

كان محمد الغنام من هذه الطبقة وكان شديد التميز في عمله في وزارة الداخلية متوافقا مع الوزارة والمجتمع حتى صادفه أمران سوف أتناولهما باختصار شديد فهما ليسا مبتغاى.. وليس لي فيهما الآن من مأرب .. إلا ما يلقى الضوء على القضية العامة..

كان الأمر الأول قضية الألفي – مجدي حسين.. يقول العقيد الغنام: " كنت مستعدا لأن أتفهم  على مضض بعض التجاوزات.. أما سجن برئ فلا".. ولقد كلف كمدير للبحوث القانونية بوزارة الداخلية بإعداد الشكوى ضد الصحفيين.. كتبوا له ستة أسماء.. وكان الاسم السادس هو اسم الصحفي محمد عبد القدوس.. لكنهم جاءوا في اليوم التالي ليقولوا له : ارفع اسم محمد عبد القدوس وضع مكانه اسما آخر.. فتساءل في دهشة: لماذا؟!.. فقيل له: لأن هؤلاء الستة سيسجنون ومحمد عبد القدوس وكيل لنقابة الصحفيين وسوف يتسبب سجنه في ردود فعل خارجية.. لذلك ارفع اسمه وضع مكانه اسم الفنان عصام حنفي رسام الكاريكاتير..!!..

هنا أدرك العقيد الغنام للمرة الأولى أن الماء ملوث..

بدأ يقاوم ..

وكان القدر يدخر له الأمر الآخر.. كي تكتمل بصيرته.. برؤية الصورة البشعة على حقيقتها.. كي ينحاز إلى الخير ضد الشر.. ومع الصواب ضد الخطأ.. إذ مات أبوه – وهو لواء سابق – في مستشفى الشرطة.. وكان تصوره أن الوفاة حدثت بسبب إهمال جسيم وقصور في الإمكانيات مخل.. رغم الإمكانيات المادية الهائلة التي تتمتع بها المستشفى.. إلا أن هذه الإمكانيات تضيع جلها على المكافآت.. حتى أن واحدا فقط يحصل على مكافآت تصل إلى مليون جنيه سنويا.. ويبدو أن تعلق العقيد الغنام – غير الطبيعي في هذا الزمن - بأبيه أشعل فيه نارا و فتح عينيه على حقائق مرة فقرر أن يتصدى..

فهل تعرف ماذا حدث له يا سيادة الرئيس حين حاول أن يصلح الانحراف من داخل النظام لا من صفوف المعارضة؟!..

انتهكت حقوقه وروع أمنه وهددت حياته وتلقى تهديدات بالقتل وتعرض لحوادث غامضة وحطمت سيارته سيارة ضخمة تحمل داخلها كفن ميت كإشارة لما ينتظره، وتصاعدت الأمور ليصبح أول ضابط شرطة مصري في التاريخ  يحصل على حق اللجوء السياسي.. حيث حصل على موافقة لدخول الأراضي السويسرية  وفقا للمادة 20 من قانون اللجوء السياسي السويسري.

كان يشغل منصب مدير البحوث القانونية بوزارة الداخلية..

لم يكن مجرد ضابط شرطة عادى..لأنه حاصل على درجة الماجستير في القانون من جامعة عين شمس 1980 ثم على درجة الدكتوراه في القانون الجنائي بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف عام 1986 من جامعة روما بإيطاليا. ويعد من أبرز الخبراء المصريين في مجال مكافحة الإرهاب ( لم يدرك التكنوقراطى العتيد إلا متأخرا جدا  وبعد أن طالته النار وأباه أن الإرهاب إرهاب الدولة).. وله العديد من المؤلفات في مجال حقوق الإنسان.. منها كتابه الصادر عام 1988 بعنوان: " تعليم حقوق الإنسان لطلبة كليات الشرطة" كذلك كتابه الصادر عام 1991 عن الإرهاب وتشريعات المكافحة في الدول الديموقراطية.. ثم كتابا آخر صدر عام 1996.. نشر عشرات الأبحاث القانونية المتخصصة في مجلات السياسة الدولية والقضاة والمحاماة  والأمن العام ومجلات دولية أخرى.. كما قام بالتدريس و إلقاء المحاضرات في العديد من  الجامعات المصرية والأجنبية  . قام بإعداد مشروعات قوانين وزارة الداخلية..

كانت شعبيته واسعة داخل الوزارة فوصل عن طريق الانتخاب إلى منصب سكرتير عام مجلس إدارة صندوق ضباط الشرطة.. حصل على العديد من شهادات التقدير من وزارة الداخلية كما حصل على جائزة جورج لابيزا التي تمنحها الحكومة الإيطالية لأفضل الباحثين في مجال القانون..

حاصروه بالتهم.. والضابط المتميز أصبح فجأة عدوا للدولة بكل أجهزتها..

منع من حقه الدستوري  في التقاضي..

منعت وزارة الداخلية: الرقابة على النشر صحيفة Middle East Times  من نشر مقال له..

منع من مغادرة البلاد بناء على مذكرة من مباحث أمن الدولة..

تناولت قضيته الصحف العربية والأجنبية ومنها الشعب والوفد والفاينانشيال تايمز والرأي..

أحيل إلى التقاعد في أبريل 1999..

طلب مقابلتك يا سيادة الرئيس دون جدوى.. والتجربة التي تمنيت على الطيار حمدي حنفي أن يفعلها فعلها هو بل وفعل أكثر منها  فانظر النتيجة..

آه يا سيادة الرئيس لو اطلعت على ما لديه من أوراق ومستندات.. عن الوزارة .. والمحاكم .. والنيابة .. وقرار النائب العام بمنعه من السفر.. وهو قرار تم تنفيذه حتى قبل صدوره!!.. آه لو عرفت كم القضايا التي لفقت له – كما يقول -  ومنها على سبيل المثال اتهامه بإطلاق النار في مشاجرة.. ثم تقرير الطبيب الشرعي بعد ذلك أن السلاح الذي ضبطته الشرطة وحرزته النيابة .. غير صالح للاستعمال..!!..

كان مواطنا فردا.. وكان يواجه من يصنعون القانون أحيانا ويدوسونه معظم الأحيان..

وهو يتحدث.. ويروى ما يعز على الخيال.. كنت أتطلع إلى المستشار الجليل داعيا الله أن ينطق من واقع تجاربه وخبراته الواسعة  ليقول  أن ما يرويه العقيد الغنام لا يمكن أن يحدث.. وأنه مهما بلغت الأجهزة من سوء فهى لا يمكن أن تفعل ما يرويه عنها العقيد الغنام  .. كنت أتطلع إلى ملامحه أستنطقها إن كان يصدق ما يسمع أم يكذب(..)  وتحدث المستشار أخيرا ليقول في أسى: قضى الأمر.. وفى غضون أعوام قليلة سيتكفل الموت بالجزر القليلة المعزولة التي ما زالت تقاوم الفساد !!..(..)

يا له من ألم يا سيادة الرئيس..

لكنني أعود إلى قضية العقيد الغنام.. الذي لو كان مواطنا عاديا لقتل منذ الأسابيع الأولى من التعذيب في قسم من أقسام الشرطة.. أو اختفى مع من يختفون.. أو لصدر له قرار اعتقال.. أو.. أو.. أو.. لكن الرجل لم يكن عاديا .. ولم يكن مجرد ضابط شرطة.. بل كان خبيرا حاذقا في كل الوسائل التي يمكن أن تتبع معه.. لذلك طالت الحكاية.. وتشعبت وسائل المواجهة والمقاومة.. لكنها مقاومة يائسة.. فليست مجرد الكثرة ما تواجه الشجاعة.. أنها الكثرة وبطش الأجهزة بقوتها الأسطورية.. الأجهزة التي تستطيع أن تمهر بالأختام أي باطل لتجعله حقا وأي حق لتجعله باطلا..

ولم يجد الرجل مفرا من طلب اللجوء السياسي.. وقبل طلبه..

ولقد اهتمت العديد من منظمات حقوق الإنسان بقضيته وطالبت الحكومة المصرية بالالتزام بتعهداتها الدولية ووقف اضطهاد العقيد الغنام والسماح له بمغادرة البلاد إلى سويسرا ، وهو الأمر الذي تعتقد هذه الهيئات أن السلطات المصرية حينما منعته من السفر إنما فعلت ذلك للتكتم على أمر لجوئه السياسي الذي يمكن أن يسبب حرجا بالغا للنظام ، وكذلك لمنعه من الحديث إلى الرأي العام العالمي..

ومرة أخرى يا سيادة الرئيس.. فإنني في كل ما كتبت لم أكن أتحدث عن العقيد الغنام.. بل عن خمسة وستين مليونا هم رعاياك..

وإنني أسألك: لماذا تبذل الدولة كل هذا المجهود لسحق فرد كان يمكن لها أن تستغل علمه ومجهوده لتحسين أدائها ولتصويب أخطائها..

وأقول لك يا سيادة الرئيس.. أن ما تفعله بعض الأجهزة.. أشد سوءا مما يفعله الشيطان ذاته.. فليس للشيطان علينا من سبيل إلا أن يوسوس لنا.. دون قمع أو إرغام.. إنه لا يثيب المجرم ولا يعاقب المحسن.. بل إنه عندما يكف الواحد منا عن معصية أو يقدم على طاعة.. لا يملك إلا الصراخ الشيطاني من فساد حيله وبوار تدبيره.. أما بعض أجهزتنا.. التي فاقت الشيطان.. فهى تعاقب المحسن وتكافئ المسيء.. نعم .. تحابى المرء طالما ارتكب المنكر.. فإن أقبل مرة على المعروف أو انتهى عن المنكر.. سحقته سحقا.. وسامته سوء العذاب..

يا سيادة الرئيس.. أطلت عليك فمعذرة..

لكنني أذكرك أن داعي الموت لا يقلع، وأن من مضى لا يرجع، وأما من بقى فإليه ينزع.  فبحق الله  الذي قهر العباد بالموت.. أستحلفك أن تكون  للظالم خصما وللمظلوم عونا.. ثم لا أكتفي بذلك.. بل أناشدك.. أن تعدل الميزان فقد اختل.. وأن تصلح المعيار فقد انقلب..

***  



انتهت الرسالة.. والاستنجاد ..

كنت خائفا على سمعة بلادي..

وتوقعت.. أو على الأحرى تمنيت أن يستجيبوا..

لكن أحدا لم يستجب..

وكنت أنوي مواصلة النشر كي أفضح ما حكاه العقيد محمد الغنام من تفاصيل العلاقة بين النيابة والشرطة.. وسيطرة الشرطة على كبار الكتاب الذين يقرأ بعضهم مقالاتهم مع القراء!!.. كان ضابط الشرطة – في البداية – يكلف الكاتب الكبير بالكتابة في موضوع معين.. لكن الكاتب العميل لا يمكن أن يكون مجيدا.. لذلك فقد لجأ الضباط إلى كتابة المقالات ثم إرسالها إلى مكتب الكاتب كي يتولى الأخير إرسالها إلى المطبعة بمعرفته.. لكن ضباط الداخلية قد تجاوزوا هذه النقطة الشكلية أخيرا ودأبوا على إرسال المقال – باسم الكاتب العميل – إلى المطبعة مباشرة.. وهكذا أصبح الكاتب يقرأ مقاله مع بقية القراء!!..

كنت أريد أن أكتب أيضا عن تفاصيل الفساد والانحراف والتزوير والتعذيب التي كشفها لي العقيد الغنام.. لكن الشعب سرعان ما أغلقت بعد تفجيرها قضية الكفر والفسوق والعصيان والشذوذ والعهر والكفر من أجل التطبيع.. أعني قضية الوليمة..

نعم.. أغلقت الشعب فلم أواصل النشر أيامها.

***  

لقد لفقوا للدكتور عقيد محمد الغنام ( أحد الخبرات النادرة ) عشرات التهم.. ولأن الرجل خبير ومتمرس فقد استطاع مواجهة كل التهم و إثبات براءته.. وأن هذه التهم لفقت له بسبب تصديه لانحرافات و أخطاء الأجهزة الرسمية في الدولة.. منعوه من السفر إلى الخارج.. فرفع قضية وحكمت المحكمة له. ومنعوه من السفر بعد حكم المحكمة ولولا ضغوط خارجية لما سافر إلى سويسرا ومعه ملف هائل قدمه إلى الأجهزة المختصة هناك فمنحته حق اللجوء السياسي.

ومن هناك .. في سويسرا يتحدث العقيد محمد الغنام إلى عشرات الصحف والقنوات التليفزيونية فاضحا ما واجهه من فساد..

أذاعت له محطة الـ  CNN ونشرت له وعنه  مختلف الصحف المصرية والعربية ومنها القدس العربي والحياة، التي نشرت الخبر التالي:

(العنوان: سويسرا تمنح اللجوء لضابط شرطة مصري ) 

 (الكاتب: ) 

(ت.م: 08-08-2001 ) 

بيرن - رويترز - منحت سويسرا حق اللجوء السياسي لضابط سابق في الشرطة المصرية فر من بلاده بعدما نشر مقالات في صحف معارضة مفادها أن الفساد متفش في أجهزة الشرطة وان هناك انتهاكات لحقوق الإنسان. وقالت وكالة الأنباء السويسرية أمس أن مكتب اللاجئين الاتحادي منح الضابط السابق حق اللجوء أول من أمس. ولم يتسن علي الفور الحصول علي تعليق من المسئولين. ووصل محمد الغنام المدير السابق لإدارة الشؤون القانونية في وزارة الداخلية المصرية إلى سويسرا في آبار (مايو) بعدما فشل مرارا في الحصول علي إذن بمغادرة البلاد منذ العام 1999. واجبر الغنام علي الاستقالة من منصبه بسبب المقالات التي نشرها العام 1998. 

***  

 إلا أن أخطر ما كتبه العقيد دكتور محمد الغنام  جاء في صحيفة لواشنطن نيوز من نيته على رفع قضية أمام القضاء البلجيكي لاتهام الرئيس مبارك بارتكاب جرائم ضد حقوق الإنسان..

*** 

و أيامها كان المجرم شارون مهددا بالمحاكمة في بلجيكا كمجرم حرب، وخشيت أن تستغل إسرائيل والغرب القضية التي سيرفعها العقيد الغنام كي يغطوا على قضية شارون فكتبت له:

وأنا من هذا المكان – صحيفة الشعب المصادرة – أوجه نداء إلى العقيد محمد الغنام: أرجوك لا تفعل..

مهما كان لا تفعل..

ومهما حدث لا تفعل..

ومهما يحدث لا تفعل..

أنت تعلم أنني معارض للنظام.. وتعلم أنى أقول فيه ما قال مالك في الخمر.. 

لكنني في هذا الأمر بالذات أحترم كثيرا اجتهاد المجاهدين في مصر الذين روعهم النظام وعذبهم واعتقلهم ظلما وعدوانا .. وعندما طرح النقاش حول جواز الانتقام أو المساءلة أو رفع القضايا في الخارج كان رأى هؤلاء المجاهدين أن يحتسبوا أمرهم عند الله..ذلك أن المواجهة بهذه الطريقة سوف تضر بالأمة كلها..

افعل ما شئت داخل بلادنا.. لكن خارجها لا تفعل أبدا.. ولست أقول ذلك إلا لسببين:

الأول أنني أدرك أن معظم منظمات حقوق الإنسان في الغرب خاضعة لأجهزة المخابرات هناك، و أنها أداة في يد الحلف الصهيوني الغربي ضد الإسلام، وانظر على سبيل المثال موقفهم مما يحيق بعشرات الآلاف من المعتقلين المسلمين وصمت تلك الأجهزة عما يحدث لهم.. وقارن ذلك بما تفعله تلك الأجهزة عندما يمس واحد من الخارجين على ثوابت الأمة الدينية والوطنية..

تلك أجهزة عدوة فلا تسلم فكرك وقلمك لها.. لأنها سوف تستغل غضبك و إحساسك بالظلم البين الذي تعرضت له.. لا لتعيد إليك حقا.. ولا لتوقف داخل الوطن فسادا.. بل ستستغل ذلك ضد صالح وطنك و أمتك.

السبب الثاني.. أنني مهما كانت معارضتي لأي مسئول في بلادنا لا أرضى أبدا أن يقف أمام محكمة بلجيكية على قدم المساواة مع شارون : كمجرم..

بل إنني أخشى أيضا .. أن يرحب اللوبي الصهيوني الصليبي بمثل هذه الخطوة التي تخفف من وطأة جرائم شارون.. فبدلا من أن يكون المجرم الوحيد يكون متهما بين عشرات المتهمين.. وانظر أيضا إلى قيام ذلك اللوبي بتحريض عملائه لرفع قضايا من هذا النوع ضد مسئولين آخرين في العالم العربي ( المعلن منها الآن فلسطين :ياسر عرفات!! الذي يزمع بعض الإسرائيليين رفع دعوى عليه،  والعراق وسوريا)..

لا تفعل .. أرجوك..

الأمر ليس أمر مسئول و إنما أمر أمة..

على أنني أسترجع بغضب موقف أولئك المسئولين في بلادنا الذين اتسموا بالعناد والغباء..

ماذا لو أنهم استجابوا لمقالي و أنصفوك..

ومن الذي يسئ لمصر الآن أمام العالم.. سوى نتاج غبائهم وعنادهم وظلمهم.

*** 

في سويسرا – ومن ثم في أوروبا كلها – بدأ العقيد محمد الغنام نشاطه على الفور ليشترك في عشرات الندوات ولتتسابق الصحف على مقالاته والمنتديات على استضافته، وفي أواخر عام 2001 أدلى بالخطبة التالية أمام مؤتمر حقوق الإنسان في شمال أفريقيا والذي أقيم في لندن تحت رعاية المرصد الإعلامي الإسلامي:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السادة الحضور: تمر شعوبنا العربية ـ سواء في المغرب أو المشرق ـ بمحنة قاسية بعد أن تسلط على معظم بلداننا حكام غلاظ لا يقيمون للإنسان وزناً ولا يعترفون بأي حق ولو أبسط حقوق الإنسان.

وفي مصر بالذات بلغت الأمور مبلغاً خطيراً بعد عشرين عاماً من حكم "مبارك" التعيس أصبح خلالها القمع والقتل والتعذيب سياسة الحكم ومنهاج الحاكم ونهب المال العام شغله الشاغل، ووجدنا عتاة الفاسدين وغلاة المنحرفين وقد اعتلوا مناصب الدولة الرفيعة فعاثوا في الأرض فساداً حتى آلت أحوال بلادنا إلى ما تعرفونه جميعاً!

الجمع الجليل: - كلمتي إلى جمعكم هذا لن تكون إنشائية أو بلاغية ولكنها سوف تنصب على حالات واقعية مصرية تؤكد من خلال الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة ما نقول به من أن الاستبداد والفساد هما جناحا سياسة الدكتاتور/ مبارك، وتكشف كذب ادعاءاته من أن ما نشهده من عمليات قتل وتعذيب لأبناء شعب مصر على أيدي بعض رجال الشرطة إنما هو من عند أنفسهم ولا يعدو أن يكون انحرافاً أو أخطاءً شخصية منهم، فالغالبية العظمى من إخوانكم من ضباط ورجال الشرطة ـ الذين شرفت بالعمل بينهم لأكثر من عشرين عاماً ـ يتقون الله حق تقاته ويدركون حرمة النفس البشرية التي كرمها الخالق، وهم من ادعاءات مبارك الزائفة براء.

أما ما نشهده من عمليات قتل وتعذيب يرتكبها بعض رجال الشرطة فهي نتيجة الضغوط القوية والمكثفة التي يمارسها " مبارك" على رجال الشرطة لدفعهم دفعاَ في هذا الاتجاه بقصد إرهاب وتركيع شعب مصر، وفي مواجهة ضغوط مبارك تلك يصمد من يصمد من الضباط الأقوياء الذين يرفضون معصية الخالق وانتهاك أحكام القانون ابتغاء مرضاة الحاكم الفاسد، بينما لا يقوى على الصمود الأقل قوة ومن في نفوسهم مرض فيسقطون في فخ مبارك فيقتلون ويعذبون بني جلدتهم طمعاً في منصب أو بحثاً عن مكافأة مالية.

ويسعى الدكتاتور "مبارك" إلى السيطرة على جهاز الشرطة ودفعه لتنفيذ سياسته الشيطانية القائمة على قمع وإرهاب الشعب ضماناً لاستمراره في الحكم وبقائه في السلطة رغم أنف الجميع من خلال وسائل عديدة ، نذكر منها في هذا المقام وسيلتين: أولاهما، تتمثل في إسناد المناصب القيادية الحساسة في جهاز الشرطة للعناصر المنحرفة التي لا تتورع عن قتل أو نهب، بما يضمن له السيطرة من خلال تلك العناصر على الجهاز بأسره وتوجيهه الوجهة التي تحقق أهدافه الخبيثة، والوسيلة الثانية، تتمثل في حماية من يسقطون في حبائله فيقدمون على قتل وتعذيب إخوانهم ، وإليكم بعض الحالات الواقعية المدعمة بالأدلة القاطعة لبيان استخدام مبارك وإعماله لهاتين الوسيلتين:الوسيلة الأولى: السيطرة على جهاز الشرطة من خلال تشجيع الفساد وإسناد المناصب القيادية للعناصر المنحرفة:

1 – جرت ـ منذ عدة سنوات ـ محاكمة اللواء/ طلعت كامل نصار وإدانته في جريمتي اختلاس وتزوير، وبعدها بسنوات قليلة ـ وتحديداً في عام 1991 ـ تمت مجازاته إدارياً لاستيلائه على أموال مخصصة لجنود الشرطة، وكان الطبيعي أن يتم استبعاد مثل هذا الضابط فوراً، ولكن ما حدث في ظل حكم مبارك كان مختلفاً كل الاختلاف إذ قام المدعو / حسن الألفي (وزير الداخلية السابق) بمد خدمة هذا الضابط في رتبة اللواء بينما أحال زملاءهُ الشرفاء للتقاعد، مما حدا بهم إلى إقامة دعوى قضائية ضد وزير الداخلية أمام محكمة القضاء الإداري التي أدانت الوزير واصفة مسلكه هذا بأنه ينطوي على سوء تقدير وإساءة استعمال السلطة المخولة له (حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 2117 لسنة 52 ق ـ الدائرة التاسعة ـ في 27 ديسمبر 1999)، ولان من البديهي بعد هذا الحكم أن يتم محاسبة وزير الداخلية واستبعاد هذا الضابط، ولكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً إذ قام المدعو " حبيب إبراهيم حبيب العادلي" وزير الداخلية الحالي في 1 أغسطس 2000 بمد خدمة اللواء المذكور لمدة عام آخر ضارباً عرض الحائط بأحكام القضاء (قرار وزير الداخلية رقم 809 لسنة 2000) .

ثم كانت الطامة الكبرى في 25 يناير 2001 حيث قام الدكتاتور/ مبارك في إطار احتفالات أعياد الشرطة بمنح هذا الضابط نوط الامتياز من الطبقة الأولى ( الخبر منشور في جريدة الأهرام الصادرة بتاريخ 26 يناير 2001 صفحة 15) ، فهل هذا معقول؟! وهل يمكن أن يصل تشجيع الفساد وحمايته إلى هذا الحد؟! وهل يمكن أن يحدث هذا من أي حاكم تتوافر فيه أدنى متطلبات "الأمانة" التي هي شرط لازم من شروط صلاحية الحاكم؟!

2 – تكرر نفس الأمر بالنسبة للواء/ محمد محمود شحاته الذي تمت محاكمته وإدانته بعد أن تم ضبطه وهو يقوم بتهريب بضائع من جمرك بورسعيد مستخدماً سيارة مسروقة قام بتغيير لوحاتها المعدنية، ومع ذلك لم يتم إنهاء خدمته وإنما على العكس قام نفس الوزير (المدعو/ حبيب إبراهيم العادلي) بمد خدمته في رتبة اللواء وإحالة زملائه الشرفاء للتقاعد، مما حدا بهم إلى إقامة دعوى قضائية ضده ، وقد أدانت محكمة القضاء الإداري مسلك "حبيب إبراهيم العادلي" واصفة إياه بأنه ينطوي على سوء تقدير وانحراف فاحش بالسلطة (حكم محكمة القضاء الإداري في القضية رقم 428 لسنة 53 ق ـ الدائرة التاسعة).

3 – امتدت خطة النظام الحاكم المصري لإحكام سيطرة قيادات منحرفة على جهاز الشرطة إلى أكاديمية الشرطة في محاولة خبيثة لبث بذور الانحراف بين طلبة كلية الشرطة، فتم تعيين اللواء/ عمر حسن عدس مديراً للأكاديمية رغم ما عرف عنه من سرقة بحث علمي وتقاضي رشاوى والحصول على وحدات سكنية من صغار الضباط لنقلهم وقضاء مصالحهم وقد نشرت جريدة "الشعب" جانباً من وقائع انحرافه، وحتى بعد أن أدانته الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة إذ قررت عدم قانونية عقد المقاولة الذي باشر إجراءاته ووقعه المذكور نيابة عن وزارة الداخلية مع إحدى شركات المقاولات بقيمة ثلاثمائة وخمسين مليون جنيه مصري لبناء أكاديمية الشرطة الجديدة (التي أسماها مبارك باسمه!!) (راجع فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع ملف رقم 54/ 1 / 344 لسنة 1998)، أقول حتى بعد أن قررت الجمعية العمومية أن اختيار تلك الشركة تم "بمنأى عن كل قواعد القانون وبخروج سافر عليها" وبالمخالفة للقواعد المقررة لحماية المال العام مما يكشف عن وجود تلاعب، فانه لم يتم استبعاد هذا الضابط بل تم الإبقاء عليه في نفس وظيفته لينفث سمومه بين طلبة الكلية، ولم يغير من ذلك ما قام به من تلاعب في الأراضي المخصصة لضباط الأكاديمية والتي قام بتوزيع مساحات واسعة منها ـ بغير حق ـ على معارفه وعلى كبار المسئولين بالدولة ، والأدهى والأعجب من ذلك انه حتى بعد أن بلغ سن التقاعد قام فتحي سرور رئيس مجلس الشعب بتعيينه مستشاراً له!!

وهناك العديد والعديد من الحالات المماثلة، كذلك فإن هناك وبالمقابل العديد من حالات أخرى لضباط شرفاء رفضوا المشاركة في الفساد ونهب المال العام فكان جزاؤهم النقل والتنكيل وإنهاء الخدمة، ولكن سأكتفي - حرصاً على وقتكم الثمين ـ بهذه الحالات الثلاث المدعمة بالأحكام القضائية التي هي عنوان الحقيقة وبفتاوى الجمعية العمومية لقسم الفتوى والتشريع وهي أعلى جهة إفتاء قضائية في مصر.

وغنيٌ عن البيان أن إسناد الوظائف القيادية لأمثال هؤلاء الضباط ممن في نفوسهم مرض وممن لا يتورعون عن فعل أي شيء في سبيل تحقيق مصالحهم يمكن مبارك من تنفيذ سياسته القمعية وإجبار الضباط الآخرين من ذوي الرتب الصغيرة والمتوسطة على التورط في عمليات قتل وتعذيب الأبرياء.الوسيلة الثانية: مبارك يكرم ويحمي من يسقطون في حبائله من الضباط فيقدمون على قتل وتعذيب أبناء الشعب:-

بالنسبة للقلة القليلة من رجال الشرطة ممن أقدموا على قتل وتعذيب أبناء الشعب خضوعاً للضغوط التي مارسها " مبارك" والقيادات المنحرفة التي مكنها من المناصب القيادية في جهاز الشرطة، أقول إن تلك القلة القليلة التي غرر بها مبارك وأعوانه تحظى برعاية وحماية نظام حكم مبارك، إذ لا يقوم النائبُ العام ـ في معظم الحالات ـ بتحريك الدعوى الجنائية ضدهم بل يقوم بحفظ التحقيق أو يكتفي بمطالبة وزير الداخلية بتوقيع جزاء إداري، ولعل مما يثير الضحك ـ وشر البلية ما يضحك ـ أن نعلم أن الجزاء الواقع على بعض رجال الشرطة لقيامهم بتعذيب مواطنين وإحداث إصابات بهم هو الإنذار أو خصم نصف يوم من المرتب، وحتى في الحالات التي يضطر فيها النائب العام إلى إحالة بعض رجال الشرطة من مرتكبي جرائم القتل والتعذيب إلى جهات القضاء نتيجة ضغوط منظمات حقوق الإنسان أو أجهزة الإعلام، فإنه تتم ممارسة ضغوط قوية على القضاة لتبرئة المتهمين أو إصدار أحكام مخففة بحقهم، ويكفينا من مقام التدليل على تدخل الدكتاتور مبارك في أعمال القضاء اعترافه الصريح بذلك في حديثه مع إحدى المجلات الأمريكية أثناء زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية في مارس 2001، حيث أقر المذكور بأنه أمر النائب العام باستبعاد تهمة التخابر التي كانت موجهة للدكتور/ سعد الدين إبراهيم لأنها "جريمة وحشة وعقوبتها كبيرة"!!! والأدهى والأنكى من كل ما تقدم انه حتى في الحالات الصارمة التي تقوم فيها المحاكم بإصدار أحكام مخففة ضد بعض رجال الشرطة المتهمين بقتل بعض المواطنين وتعذيبهم حتى الموت، فان الدكتاتور مبارك يصدر قرارات عفو لرجال الشرطة بل ويقوم بتكريمهم ومنحهم أنواطاً وأوسمة.

وأذكر في هذا المقام بعض الأمثلة:-

1. قام كل من الرائد / طارق فؤاد والرائد/ معتصم أحمد والرقيب / عبد الناصر صالح وآخرون ، بتعذيب مواطن كان محبوساً احتياطياً في سجن الفيوم بطريقة وحشية حتى لقي مصرعه من هول التعذيب، وتم تقديمهم للمحاكمة التي عاملتهم بالرأفة فقضت بسجن كل منهم لمدة خمس سنوات رغم أن العقوبة المقررة لجريمتهم هي الأشغال الشاقة المؤبدة، وانقل لكم من حيثيات حكم محكمة جنايات الفيوم نصاً للطريقة التي قتل بها هذا المواطن: " أوثقوه بحبل من القماش وأوسعوه ضرباً بعصاً وسير من الجلد وقاموا بكيه في مواضع مختلفة من جسمه بلفافات تبغ مشتعلة وأسياخ من الحديد المُحَمّى في النار، فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته، كذلك فان المتهم الأول أيضاً: هتك عرض المجني عليه بالقوة بأن أولج عصا في دبره على النحو الوارد بالتحقيق".

ورغم هذا التعذيب الوحشي وتلك الميتة البشعة، ورغم هذا الحكم المخفف، فقد أصدر الدكتاتور المدعو "محمد حسني مبارك" القرار الجمهوري رقم 32 لسنة 1994 في فبراير 1994 بالعفو عن الضابطين وضابط الصف، وهكذا لم ينفذوا العقوبة المحكوم بها عليهم وعادوا لممارسة عملهم في وزارة الداخلية وكأن شيئاً لم يكن!!.


2. قام المقدم/ حسن إبراهيم السوهاجي بتعذيب مواطن بطريقة بشعة حتى لقي حتفه بين يديه، وأثناء مثوله أمام المحكمة قام الدكتاتور/ مبارك في 25 يناير 1994 بمنحه نوط الامتياز من الطبقة الثانية تكريماً له لتعذيبه أحد أبناء الشعب حتى الموت ، وذلك في إشارة صريحة للمحكمة بان النظام يحميه وقد فهمت المحكمة الإشارة فاكتفت بمعاقبة الضابط بالحبس لمدة سنة، نفذ منها ستة أشهر فقط قضاها معززاً مكرماً في أكاديمية الشرطة ـ وليس في السجن ـ ثم أُخلي سبيله ليعود لممارسة عمله في مباحث القاهرة (تم منح الضابط نوط الامتياز بقرار رئيس الجمهورية رقم 11 الصادر في 20 يناير 1994).

وسأكتفي ـ مرة أخرى حرصاً على وقتكم الثمين ـ بهاتين الحالتين الفاضحتين الصارختين اللتين يبدو فيهما تدخل الدكتاتور مبارك بصورة شخصية وسافرة لتشجيع عمليات قتل وتعذيب أبناء الشعب الذي يفترض أن هذا الدكتاتور يرعى مصالحه ويحافظ على حقوق أبنائهِ ، وأود أن أسترعي انتباهكم إلى أن هذين القرارين المشار إليهما آنفا قد صدرا خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما (من 20 يناير 94 إلى 5 فبراير ) مما يكشف عن معدل إصدار مثل تلك القرارات وعن معدل قتل أبناء الشعب تحت وطأة التعذيب.

وأجدني أتساءل إذا كان هذا هو مسلك مبارك الشخصي فهل يبقى لدى منصف أدنى قدر من الشك في أن التعذيب والقتل هما السياسة الرسمية المعتمدة من نظام الحكم القائم في مصر وان الدكتاتور مبارك يتدخل شخصياً ومباشرة بتنفيذ تلك السياسة وانه مسئول بصفة شخصية عليها؟! وهل يبقى لدى عاقل أدنى قدر من شك في أن مبارك هو ألد أعداء مصر وشعبها، وان بلادنا قد نكبت بحكمه كل نكبة، وان تخليص شعبنا منه ومن نظامه الفاسد هو واجب على كل مصري بل وعلى كل من ينتمي لبني الإنسان ولو لم يكن مصرياً، إن أبسط قواعد العدالة تأبى أن يفلت "مبارك" بجرائمه التي عرضت عليكم جانباً بسيطاً منها ومن أدلة ثبوتها، داعياً كل المهتمين بحقوق الإنسان والمعنيين بقضايا الديمقراطية إلى التضامن معي في مسعاي لتقديم الدكتاتور مبارك للمحاكمة الجنائية أمام القضاء البلجيكي، وأود أنهي إلى علمكم إني قد بدأت بالفعل بعض الاتصالات مع نفر من كبار المحامين في بلجيكا لبحث مدى إمكانية تقديم مبارك للمحاكمة الجنائية لارتكابه جرائم خطيرة ضد شعب مصر تشكل انتهاكاً سافراً لأبسط قواعد حقوق الإنسان، وأتعشم أن يبادر من يملك منكم أدلة يمكن أن تدين المذكور إلى تقديمها إلى الأخوة بالمرصد الإسلامي خاصة ما يتعلق بحالات الاعتقال والتعذيب.

الجمع الكريم: أن مبارك يعلم علم اليقين أن شعب مصر يرفضه ويلفظ نظامه الفاسد، لذلك فهو يعتمد القمع والإرهاب والحيلة والخديعة أدوات للاستمرار في السلطة والبقاء في الحكم، لهذا فلا عجب أن فرض حالة الطوارئ منذ اليوم الأول لحكمه التعيس وعلى مدار عشرين عاماً حتى يومنا هذا، وليس غريباً أن زج بعشرات الآلاف من أبناء الشعب في السجون والمعتقلات لسنوات طويلة دون ذنب أو جريرة ، وليس بمستغرب أن عمد إلى تزوير الانتخابات والتلاعب في نتائجها حتى بلغ الأمر في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة حد التعدي بالضرب على الناخبين بل وإطلاق النار عليهم ـ في بعض الحالات ـ لمنعهم من دخول اللجان الانتخابية للإدلاء بأصواتهم ، ولا يمكن أن يقلع مبارك عن سياسته القمعية تلك لأن بقاءه في السلطة مرتبط بها لذلك فسوف تبقى انتهاكات حقوق الإنسان في مصر ما بقي مبارك حاكماً لها، فإزاحة هذا الطاغية عن السلطة هي السبيل الوحيد لإنقاذ شعبنا وضمان أمن أبنائهِ وأود أن أوجه عنايتكم في هذا المقام إلى ما يلي:-

أولاً : إن مبارك يعتمد في حكمه على سياسة "فرق تسد" ،فيسعى إلى إثارة الفرقة بين المسلمين والأقباط والإبقاء على حالة من التوتر والاحتقان في العلاقة بين الطرفين، كما يسعى إلى الإيقاع بين فصائل المعارضة المختلفة وتغذية خلافاتها، مما يوجب على فصائل المعارضة أن تجمع صفوفها وتوحد كلمتها فالقتل والتعذيب ونهب أموال الشعب هو أمر ترفضه جميع الرسالات السماوية وتأباهُ كل الفلسفات والنظم الوضعية، ثم إن ما حاق بمصر من خراب اقتصادي وما لحق أهلها من عوز وفقر في ظل حكم مبارك لم يقتصر على أتباع دين دون آخر أو فريق سياسي دون غيره، وإنما عم الضرر الجميع مسلمين وأقباط يمين ويسار.

ثانياً: أن مبارك يعمد إلى ابتزاز الغرب ودفعه إلى دعم نظامه من خلال إثارة فزع الولايات المتحدة وأوروبا من خطر إسلامي مزعوم، وتسهم بعض فصائل المعارضة المصرية في خدمة أهداف مبارك من خلال بعض دعاوى الغلو والتطرف، مما يستوجب الحرص على التأكيد دائماً على حقيقة أن الإسلام هو دين السلم والأمن، وانه يحرص على التعايش والتعاون مع كل الديانات الأخرى ويكن لها الاحترام.

ثالثاً: يسعى النظام الحاكم المصري إلى استعداء الدول التي تستضيف بعض فصائل المعارضة المصرية في الخارج على تلك الفصائل، في محاولة خبيثة لصرف انتباه المعارضة في الخارج عن قضايا الوطن الحقيقية وجرها لخلافات فرعية مع الدول الديمقراطية التي تستضيفها، مما يتطلب الانتباه لتلك المحاولات الخبيثة.

ختاماً: أتمنى لكل المشاركين في هذا المؤتمر التوفيق والسداد وان يلتئم هذا الجمع الكريم في أقرب فرصة في القاهرة بعد تحريرها.. وإن غداً لناظره قريب.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عقيد . دكتور/ محمد الغنام

مدير إدارة البحوث القانونية بوزارة الداخلية المصرية سابقاً - حالياً : لاجئ سياسي بسويسرا

*** 

ما لدي عن العقيد الدكتور الغنام كثير كثير..

كان ما يزال في مصر وكان الخطر محدقا به فوزع على كثير من الكتاب صورا لمستندات تدين أجهزة الحكم – اطلعت على بعضها – ثم تابعت البعض الآخر بعد رحيله على صفحات الصحف ومواقع الإنترنت..

ولقد دهشت عندما قرأت له أحيانا يدافع عن الإسلام.. والحقيقة أنني لم أعرف عنه عندما لقيته موقفا معينا مع الإسلام أو ضده، لكنه كان – كما بدا لي – قد ركن إلى الموقف العلماني الذي يدعي أنه يفصل الدين عن الدولة، لكنه في الواقع يقصي الدين كليا، لأن الإسلام دين ودولة، ولا دولة في الإسلام لا يحكمها الإسلام. 

أقول دهشت.. ثم توجست شرا.. فالغرب قد يغفر لك كل خطاياك.. لكن بشرط ألا تكون مسلما.

***  

أتأمل الأمر في سخرية مرة..

هل أناشد مبارك التدخل لإفراج عنه..

مبارك الذي وضع عشرين ألفا قيد الاعتقال وقتل – بالمحاكم – أكثر مما قتل في مصر في التاريخ المكتوب كله.

هل أناشد حكام الجزيرة العربية الذين أعادوا اكتشاف الطريق إلى قلب الغرب.. طريق الخيانة والعار.. طريق لورانس والشريف حسين.. طريق قتل الأبطال بعد تشويههم واتهامهم بالإرهاب..

هل أناشد بشير السودان الذي باع كارلوس بعد إسلامه ثم يروح – الآن – يبيع السودان قطعة قطعة لكي يستمر في الحكم.. وسيتمزق السودان ولن يستقر هو في الحكم.

هل أناشد حاكم تونس وملفاته لدي المخابرات الغربية معلنة وشاهدة ومشهودة..

هل..

هل..

هل..

يا إلهي..

لشد ما ضاقت بنا بما رحبت..

وليس لها من كاشفة سواك..

ليس لها من كاشفة سواك..

ليس لها من كاشفة سواك..


***  

***  

***  


حاشية


اضربوهم بالنعال!!


يستطيع الشعب الموريتاني الحبيب أن يقدم خدمة كبرى للدعوة الإسلامية بتصديه للمرتدين والمتشبهين بالكفار، والذين قرروا تحويل الأجازة الأسبوعية من الجمعة إلى الأحد. يستطيع الشعب الموريتاني أن يواجه هؤلاء العلماء السفلة بمقاطعتهم، وعدم الصلاة معهم، كذلك عدم البيع والشراء منهم و إليهم، المقاطعة الكاملة من الأسرة والأهل والعشيرة. بل يستطيع البصق عليهم أينما ثقفوا وضربهم بالنعال أينما وجدوا.. إن ردع هذه الشرذمة المتشبهة أو المرتدة ستردع كثيرين من إخوانهم – إخوان الشيطان – في العالم العربي، والذين يستعدون الآن للقيام بنفس الدور.

فهلم أيها الشعب الموريتاني الحبيب هلم..

ملاحظة للشعب الموريتاني وكل شعوب المسلمين: جهاد الحاكم المرتد جهاد دفع لا جهاد طلب.

ملاحظة أخرى: دبي: «الشرق الأوسط» :

الرئيس الموريتاني يقيل مستشاره الديني بعد اعتراضه على عطلة الأحد:

عزل الرئيس الموريتاني معاوية ولد الطايع مستشاره للشؤون الدينية، الفقيه محمد المختار ولد امبالة، من منصبه بعد رفضه المشاركة في برنامج بثه التلفزيون الحكومي لتبرير تغيير عطلة نهاية الأسبوع من الجمعة إلى الأحد بحسب ما أكدت مصادر متطابقة أمس.

وذكرت مصادر مطلعة أن الفقيه ولد امبالة أبدى تحفظات على القرار وامتنع عن التوجه إلى مبنى التلفزيون للظهور مع علماء وفقهاء آخرين، في برنامج مباشر يقدم مسوغات دينية للقرار الحكومي المثير للجدل. وأضافت المصادر أن الفقيه ولد امباله طُلب منه إخلاء الفيلا المؤجرة من طرف الدولة وإرجاع السيارة الحكومية، كما نزعت منه امتيازات أخرى كان يتمتع بها بوصفه مستشارا للرئيس.

وفيما أفتى الشيخ محمد الحسن ولد الددو، عالم الدين الشاب والزعيم الروحي للتيار الأصولي في موريتانيا، بعدم جواز تحويل العطلة من الجمعة إلى الأحد، شدد فقهاء شاركوا في حملة نظمتها وسائل الإعلام العمومية على أن العمل هو الأصل في يوم الجمعة، وأن تحويله إلى عطلة أمر مخالف لهدى الإسلام وروحه العامة.

لعنهم الله..

لعنهم الله..

لعنهم الله..

***  

حاشية


وزير الأوقاف وصلاة الجمعة:

 وزير الأوقاف الذي أزعجه صوت الأذان ولم تزعجه أجراس الكنائس ولا مكبرات صوت الكباريهات أسفر عن وجهه من خلال أحد مستشاريه الذي أيد بحماسة صلاة الفاسقة الأمريكية في كنيسة للنصارى..

أيد المستشار رأي أمينة ودود.. والأولى أن يكون اسمها خائنة لا أمينة.. وبغيضة لا ودودة..

على أننا نحمد للوزير ولمستشاره  بقايا حياء جعلته يمتنع عن المجاهرة بتأييده لباقي أفكار أمينة ودود التي لا تري أن الحجاب أو غطاء الرأس للنساء فرض في القرآن والإسلام. و لا تري حرجا أو حرمة للواط أو السحاق. و تري أن المرأة تصلي أثناء حيضها. و تري أن للمسلم أن يرفض الحدود كحد السرقة لكونه حكما غير حضاري.. 

ولقد أشار مجمع فقهاء مسلمي أمريكا الشمالية إلى أن ( إمام الكنيسة آمنة ودود  واحدة من الذين ينكرون ثوابت العقيدة، حيث ترى أنها يمكن أن تقرر عدم الأخذ بأيَّ من النصوص القرآنية إذا رأت أنها تتماشى مع السلوك الحضاري المعاصر). 


وأوضح أن إمام الكنيسة آمنة ودود تعتقد أن قطع يد السارق ليس مقبولا لشخص متحضر مثلها ولا تخفي أنها من أنصار زواج المثليين .) 

لم يجاهر مستشار وزير الأوقاف ( الذي يزعجه صوت الأذان فأفتى له مستشاروه بإلغاء الشعيرة) بتأييده لكل هذا لكنه راح يدافع بحماس ملتهب عن المرأة الفاسقة المنافقة.

ويا سيادة الوزير من أي مستنقع تأتي بمستشاريك..

لكن الأولى أن نسأل : من أي مـ..مـ..مـ..مـ..ـوقع أتوا بك أنت.

***  

حاشية


إلى صحيفة الأسبوع:


حققتم – بغض النظر عن نقاط الاختلاف والاتفاق- مصداقية وشعبية  واسعة وكنتم في أحيان كثيرة مصدرا رئيسيا لمعلومات لا ينشرها سواكم .. وجزاكم الله خيرا.. لقد سددتم ثغرة لم يتصد لسدها سواكم..

أفهم دقة وصعوبة الموازنات..

وقديما قالوا أن طعام معاوية أشهى وصلاة على – رضي الله عنهما – أتقى..

وصلاة علي الآن تحوطها المخاطر..ولا نطلب منكم أن تكونوا معه..لكن لا تجعلوا سيوفكم عليه.

***  


الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح: ليتك تصمت..! ! 

***  

الدكتور عصام العريان: أحبك في الله..و أحس إخلاصك....ولكن الإسلام دين لا ينبغي أن تضيع بالمناورة أركانه ! ! .. وهو يعلو ولا يعلى عليه.. 

يا أخي في الله: واجبنا أسلمة العالم لا علمنة الإسلام!!

***  

عليه اللعنة


عليه اللعنه: شيخ أزهري رفض سماع الشهادتين ممن شرح الله للإسلام صدره..

عليه اللعنة إلى يوم الدين: حاكم ديوث أمر بتسليم المسلمين إلى من يردونهم عن دينهم..

عليهم اللعنة..رجال أمن بل كلاب أمن قتلوا النسور فاستنسر البغاث..

عليهم اللعنة..أطاعوا أعداء الله في التنكيل بأولياء الله..حتى انقلب التوازن..وارتفعت المطالب بأن يكون حاكم مصر مسيحيا.

عليه اللعنة من أفتى بالإسلام الأمريكي حتى وإن كان جمال البنا.

عليه اللعنة : كل من يظهر في قناة الحرة  عامدا متعمدا.. فهو  إما مغفل و إما عميل.

عليه اللعنة: شيخ مشايخ نافق فادعى أن 11 مليونا يبايعون حسني مبارك

***  

حاشية


بدون عنوان..

في بلادنا وصل الشذوذ في أوقات عديدة ومختلفة  إلى مقعد الوزارة، وقيل رئاستها..وسكت الناس..فهنيئا لهم أنه يطرق الآن أبوابا أعلى.


***  

حاشية

اتحاد الكتاب


كما تكونون يول عليكم:

 لطالما تساءل الناس في دهشة ذاهلة مذهولة عن السر في تعيين وزير للثقافة لاكت الألسن سمعته وسلوكه..ثم تساءلوا عن سر الإصرار الشاذ في الإبقاء عليه ..وكانت الإدانة الدائمة نصيب صاحب القرار إلا من انتفع به  فلف لفه ونهج نهجه وسلك سلوكه ..وظل الأمر هكذا حتى انتخب كتابنا الأشاوس الأستاذ الفنان محمد سلماوي رئيسا لاتحادهم..

ومحمد سلماوي هو فاروق حسني..

هو هو ..حذو القذة بالقذة..

في فكره وسلوكه..

وقلت لنفسي: ليس العيب في صاحب القرار وحده..إنما: كما تكونون يول عليكم.

ملحوظة 1: الحمد لله الذي عافاني من عضوية اتحاد الكتاب الذي عزفت طول الوقت عن عضويته رغم إلحاح بعض الأصدقاء .

ملحوظة 2: قذف المحصنات إثم أعظم وله حده..لكن: ما هو الموقف من غير المحصنات وغير المحصنين..ماذا عن عاهرة تفاخر بعهرها وشاذ يباهي بشذوذه..هل واجبنا أن نتستر عليه ليخدع الناس أم نفضحه كي يحذروه.


***  

حاشية


يا ديول ديول اليهود


فليسمح لي القارئ – لمجرد التنفيس عن بعض كربي – أن أستعيد بعضا من نفثات نجيب سرور في ديوانه الذي لا يمكن مجرد ذكر اسمه.. بعد أن أستبعد منها ما لا يجوز نشره:

شوفوا اليهود فين يا عالم روحوا راقبوهم 

بلاش تراقبوا الغلابه حتى في المراحيض 

يا ديول ديول اليهود مهما ها تحموهم 

بكره نشوفكم نسا زى النسا بتحيض 

الغمز واللمز والاشـارات دي شغلتكم 

دا شعب ما يتغلب إلا بغدر وغش 

ومادام فهمناكوا .. يعنى كشفنا لعبتكم 

نلعب بقى إحنا والأذكى أكيد ها يقش 

أقرا في بيت الأدب أجدع كلام بنقال 

آدى " الصراحة " بصحيح يا شعب يا معلم 

مادام بيملوا الجرايد من خرا الاندال 

يبقى المراحيض جريده ليك يا متلجم 

الموت خانات والخانات من خبثهم ألوان 

جزاره .. واحنا غنم متعلقين م الكعب 

هاود وهوَّد وصهين واخطف الأولاد 

غاويين تكاثر وبس .. ومصر (.....) 

عَمَّـالَه تحبل وتولد بس للجلاد !! 

ياولاد بلدنا ياحسره ع اللى منا يطب 

يبقى عليه العوض يا مصر في الاولاد 

وياما ثرنا وبقت ثوراتنا بالدَّوره 

وف كل مره نلاقى النيل بقى إحباط 

وننام ونصحى نلاقيها ثورة ع الثورة 

ونعيده تانى وكل الركّ ع الخياط 

(......)

(......)

لو طبّوا بكره اليهود يا مصر وخدوكي 

والله ما ها يشيلوا من فوق الكراسى حد 

هايلاقوا مين يحكمك غير اللى باعوكى ؟ 

مفروشه ليهم وقدم سبت تلقى الحد ؟! 

كل الحكايه يهود في يهود .. 

لا تقولى قبطى ولا مسلم .. 

وموشى كان من قبله داوود 

وليه نموت ولا نتعلم !

(......)

(......)

وبائعو الكلامْ .. 

ومدْمنو حبوب منع الحملْ .. 

منع حمل السلاحْ ! 

والوداعَ .. الوداعْ !!

بعد أن أشـعلوا النار في البيت والمصنع والمزرعه .. 

بل وفى حرم الجامعه ! 

وغداً سوف يبيعون أهرامك الأربعه .. 

مفروشة لليهود يا مدينة الالف الف عامْ .. 

يا موطنَ الأهرامْ .. 

تصبحين مدينةً " لأى كلامْ " ! 

دقت الساعة الفاصله .. 

سقط الغدرُ عندما ظهر الجندُ بالدروعْ .. 

أسقطوا الاقنعه .. 

كلّ قناعٍ كان خلفه وجه قرد .. 

نحن لن نرقص بعد اليوم يا زمان القرودْ .. 

يا ذيول اليهودْ !! 

ستريكمْ عجينها الفلاَّحه .. 

خبزت مصر كعكها الحجرى .. 

والسياده منذ الآن " للفرن " و " الكانونْ "

***  

***  

***  


الأسبوع القادم إن شاء الله


بدائــــل مبارك


الطوفــان

قاموس الردة:

المسلم متشدد والملتزم أصولي والأصولي إرهابي ولاستشهادي انتحاري والجهاد جريمة أما الإيمان فليس بالله بل بمبارك وعبد الله وشارون وبوش والشيطان


اللهم ارحم عبدك حسن وتغمده بغفرانك ورحمتك..  







بدائــــل مبارك


الطوفــان(1/2)

قاموس الردة:

المسلم متشدد والملتزم أصولي والأصولي إرهابي والاستشهادي انتحاري والجهاد جريمة أما الإيمان فليس بالله بل بمبارك وعبد الله وشارون وبوش والشيطان


اللهم ارحم عبدك حسن وتغمده بغفرانك ورحمتك.. 



بقلم د. محمد عباس

www.mohamadabbas.net

mohamadab@gawab.com


طوفان بغير سفينة نوح، وردة لا أبا بكر لها، وفتنة بلا عمر، وصليبيون دون صلاح الدين، وتتار دون قطز، وخونة يبرئهم قضاة النار ويلبسونهم ملابس الأبطال، ودعار يضعون شروط العفة ويدعون براءة الأطفال، ومزورون يشرفون على صندوق الانتخاب، وزنادقة يحددون شروط الإيمان، وعهار يدرّسون الأخلاق، وطواغيت جعلوا من أنفسهم حراسا على الحرية، ومجالس أمة دونها مجالس الشيطان، وصحف بزت مسيلمة، وكذب ليس له في التاريخ مثيل، وخسة ليس لها في العالم نظير، وقلب مكسور، وجرح مفغور، وذنب أمة أخشى أن يكون غير مغفور، وعقل مهدر، وخطايا بلا مبرر وبلا استغفار وبلا توبة، ونار ليست سلاما، واكتشاف بئيس أن الخطأ ليس في الحكام، بل في الأمة المشلولة التي نست الله فأنساها نفسها وسلط عليها من الطواغيت مثل أولئك الذين تسلطوا عليها، فلما آن أوان وصولهم إلى مأواهم في مزابل التاريخ إذا بالمهرجين يتقدمون ليحكموا أمة تستحقهم فكما تكون يُولّ عليها.

***

نعم ..

طوفان أرى أمواجه و أسمع هدير أمواجه و أخوف ما أخافه و أخشى ما أخشاه أنه لن يقبض أرواحنا ولن يهدم بيوتنا ولن يخرب عمراننا ولن يغرق بلادنا..

لن يفعل أيا من ذلك..

لكنه سيفعل ما هو أخطر.. وسيقضي على ما هو أهم.. وسيغرق ما هو أغلى و أقيم..

 سيقضي على ديننا..

لا على الإسلام كدين -فالله خيرا حافظا- بل على المسلمين كجيل أو أجيال..

طوفان يستهدف لا إله إلا الله..

طوفان فيه المسلم متشدد والملتزم أصولي والأصولي إرهابي والاستشهادي انتحاري والجهاد جريمة أما الإيمان فليس بالله بل بمبارك وعبد الله وشارون وبوش والشيطان.

طوفان عجز طيلة الماضي أو على الأحرى هرب من تعريف الإرهاب الذي يخشاه منا أو من توصيف الإسلام الذي يريده منا.. لكنه بعد أن استيقن – في مخيلاته وهلاوسه- من فنائنا و هلاكنا أسفر عما يخفيه.. فإذا بالإرهاب الذي يقصده هو الجهاد، نعم، هو الجهاد، الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، لا كراهية في الجهاد فقط مع الموافقة على ترك باقي الإسلام دون الجهاد، إنما المقصود الجهاد كذروة وكرأس، فأنت حين تقطع رأس إنسان لا تقتل الرأس ثم تدع باقي الجسد حيا، و إنما تقتل الجسد كله، لذلك فإنهم لم يعودوا يخفون الآن أن الإسلام الذي يعنونه ليس إسلامنا الذي عرفناه عبر القرون كما ينقل لنا د. يحيى هاشم  فرغل ( .. نعم.. "د".. دكتور حقيقي وفذ أيضا.. لأن حرف الدال الذي يسبق اسمه يعنى: دكتور، أما معظم أسماء النخبة المسبوقة بذات الحرف فإنه لا يرمز فيها لكلمة: "دكتور" و إنما يرمز إلى شيء آخر و إلى كلمة أخرى قد تكون : دبا أو دابة أو داءا أو دبرا أو دُّجَّةُ – بمعنى شدة الظلمة وفي الحديث {هؤلاء الدّاجُّ وليسوا بالحاج} أو دجالا أو درنا بمعنى الوسخ أو لعل حرف الدال اختصار لكلمة داعر أو دفر – بمعنى نتن- أو دميم أو دنئ أو دنس أو داهية دهياء ودهواء أو دودة أو دون أو دائص – بمعنى اللص-أو الدبح : دّبَّحَ الرجل تَدْبِيحاً إذا بسط ظهره وطأطأ رأسه فيكون رأسه أشد انحطاطا من أليتيه وفي الحديث {أنه نهى أن يدبح الرجل في الركوع كما يدبح الحمار}‏ .. وربما يكون ذلك الحرف: حرف الدال قد تم تصحيفه ليتحول إلى ذال، فيصبح الحرف دالاً على كلمات كالذيل أو الذليل ) ..

أقول : ينقل لنا د.يحيى هاشم  فرغل – بالنص في مقالته بالشعب 8-4-2005 -  رأي البارونة كوكس وزميلها جون ماركس للحالة الإسلامية في كتابهما " الإسلام والإسلاموية: ؟ " حيث يبدأ الكتاب كما يقدمه الدكتور عزام التميمي بديباجة من التعريفات للتمييز بين المسلم المقبول والمسلم المرفوض من وجهة نظر المؤلفين . يقول المؤلفان أن الغالبية العظمي من المسلمين هم مواطنون مسالمون ومتقيدون بالقوانين، ولا مشكلة مع هؤلاء علي الإطلاق. إنما المشكلة في رأيهما مع المسلمين المؤدلجين، المتطرفين ، ممن يسمون بالإسلاميين ، وهم أولئك القلة من المسلمين الذين يعتقدون بأن القرآن وحي الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويقرون بأن الشريعة الإسلامية هي مرجعهم الأعلى في كافة شؤون حياتهم. (!!)

نعم..

واقرءوها يا قراء وعوها.. وواجهوها إن أردتم ولا أقول إن استطعتم..

الإسلام المرفوض.. الإسلام الإرهابي .. الإسلام الذي سيخلصنا المارينز منه جبرا إن لم نتخلص منه طوعا هو إسلام أولئك القلة من المسلمين الذين يعتقدون بأن القرآن وحي الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويقرون بأن الشريعة الإسلامية هي مرجعهم الأعلى في كافة شؤون حياتهم. (!!)

نعم.. هو الطوفان..

طوفان بدأ أعداؤنا يعدون له منذ ألف عام، وكان الشيطان يعد له منذ بدء الخليقة..لكن أكثر من ساهم فيه ومكّن من حدوثه ومهد له هم نحن..

نعم..

نحن..

*** 

طوفان نواجهه ببعض من كانوا السبب فيه فكأنما نواجه العدو بجواسيسه وطابوره الخامس فينا.

طوفان إن واجهناه بمبارك أو بأي من بدائله المطروحة فإننا من المغرقين..

طوفان له ألف معني كل معنى ينهمر من ألف جانب..

لقد سألت نفسي و أنا أتأمل الطوفان القادم هل يستطيع مبارك أو عبد الله – عبد الله الشقي لا الصبي – أو بشار أو عار العابدين أو الشيخ الصابئ أو أمير الغلمان أو.. أو.. أو .. مواجهته..

وعدت إلى فكرة كانت قد خامرتني بعد التغيير الوزاري الأخير عندما حل بالناس إحساس الفجيعة واليأس والفقد، كنت قد أدركت أن الحد الأقصى للتغيير الممكن لن يغير من الأمور شيئا، حتى لو تغير مبارك نفسه، وجاء رئيس جديد، وكتبت أيامها أن الأمة تحت وطأة الضغوط الهائلة والخيانات السافرة قد انشقت، و أن تغيير فرد أو وزارة أو رئيس لن يغني عنا شيئا لأننا نواجه فساد نخبة تدرك أن مكانها الحكم أو السجن أو القبر.. مكانها البورصة أو نيابة الأموال العامة.. و أن هذه النخبة لا تقل عن عدة ملايين، وهم منظمون جيدا ويعرفون ما يفعلون، وقد خططوا له، و أنهم يملكون القوة والثروة والسلطة ولا يردعهم دين ولا ضمير ولا انتماء، و أنهم سيقاتلون بشراسة منقطعة النظير، وقلت أن ذلك لم يحدث في مصر فقط بل في العالم الإسلامي كله. لقد دبر الصهاينة والصليبيون أمرهم جيدا، دبروه جيدا حتى أن التغيير أصبح يحتاج إلى حرب أهلية ضروس كي يتم.

*** 

لكن..

هل تكفي الحرب الأهلية للتغيير..

هل يمكن على سبيل المثال، وحتى لو قامت حرب أهلية في مصر ضد المستغربين وعملاء أمريكا و إسرائيل، هل يمكن أن ننتصر فيها وشارون يحكم في الشمال والجنوب والشرق والغرب..

هل يمكن أن ننتصر وعبد بوش عن يميننا وغلامه عن يسارنا وخصيانه يحيطون بنا..

هل يمكن لتغيير و إصلاح حقيقي أن يتم في بلد بمعزل عن الآخر؟!..

وهل يمكن أن يكون هذا التغيير في الاتجاه الذي يسير فيه الآن.. اتجاه الصهيونية والصليبية وانعدام الهوية والمزيد من الكفر والعهر والشذوذ التي تجتمع تحت وصف الليبرالية الجديدة؟..

بل هل يمكن أن يكون التغيير الجوهري أو الإصلاح الحقيقي إلا عكس هذا الاتجاه ونقيضه؟!

هل يمكن..؟

هل يمكن..؟

ثم من سيقودنا إلى هذا التغيير..

*** 

تساءلت – مستنكرا – إذا ما كان مبارك و أضرابه هم الذين سيقودون..

وعما إذا كان هناك بدائل تستطيع المواجهة..

لكننا قبل أن ندرس البدائل لا بد أن ندرس الأصل..

علينا أن نسأل مثلا :

- هل مبارك رئيس جمهورية حقيقي وشرعي؟!..

والسؤال لا يقتصر على مبارك بل ينسحب على كل حاكم عربي..

ولكي نتصور المسألة فلنقدم مثلا بسيطا.. فلنتصور طبيبا في مستشفى أو مهندسا معماريا.. و أننا نريد بديلا له.. الحل إذن أن نفحص شهادات وخبرة الطبيب الأول الموجود فعلا، ثم نقارن بها شهادات وخبرة من يتقدم كبديل. سيكون للعوامل الأخرى دور وتأثير ولكن الأساس سيكون في الشهادات والخبرة . لن ندعي الرفعة ولا العصمة وسنعترف بدور للوساطة والمحسوبية.. بل وسنتقبل قدرا مقدرا من الغش والتزوير ما دام ذلك غير مؤثر تأثيرا جذريا على النتيجة النهائية.. ..

لكن..

لكن..

إذا ما اكتشفنا أن شهادات الطبيب الأول مزورة، و أنه لم يحصل على بكالريوس الطب أصلا.. و أنه مارس المهنة طول عمره بدون ترخيص .. وبالتالي بدون علم ولا خبرة..

عند هذا يختلف الأمر ويكون الاستمرار في البحث عن بديل مهزلة.. بل إن أي شخص حتى عمال النظافة يستطيعون القيام بدور البديل لطبيب شهاداته مزورة.

ربما يخطر ببال قارئ أن يسأل ولماذا لا تبلغ إدارة المستشفى عن الطبيب الذي زور أوراقه.. والإجابة أن الإدارة ليست إدارة فأوراقها مزورة هي الأخرى. لا أحد في موقعه ولا أحد في عمله ولا أحد هو هو. والأمر أشبه بقراصنة استولوا على سفينة أو لص سيارات سرق سيارة وطمس كل ما يمكن أن يكشف جريمته..

نعم.. قراصنة وطمس هوية..

لكن.. فلنعد إذن إلى ما كنا فيه..

هل الرئيس مبارك ( كمجرد مثل ) رئيس شرعي؟..

هل يمكن أن يكون رئيسا بالمقاييس الأمريكية أو الأوروبية أو اليابانية مثلا؟!..

لن نعود إلى شرعية مشكوك فيها – بل لم يعد فيها شك- لثورة 23 يوليو..

ولا إلى استخلاف غير شرعي للسادات.. ( ألم يقولوا أن السادات نفسه كان عميلا للمخابرات الأمريكية..وهو بالطبع قومي.. وما ينطبق عليه ينطبق نظريا –على الأقل – على الأقران والسلف والخلف.. وتلك قضية أخرى لكنها تفسر الاستخلاف.. من .. ولماذا)..

لن نتحدث عن ذلك..لكننا نقرر أنه إذا كان هناك اتفاق كلي لا يشق إجماعه أحد على تزوير كل الانتخابات والاستفتاءات فإن ذلك يعني أن رئيس الجمهورية الذي نبحث له عن بديل ليس رئيس جمهورية أصلا..

دعنا من الأختام المزورة والمستندات المصطنعة ولنستدع شاهدا لا يمكن أن يكون ضد الرئيس مبارك.. بل إن أكثر ما يؤخذ عليه هو مديحه له.. لنستدع مصطفي بكري للشهادة كيف تزور الانتخابات.. والقارئ يدرك بالطبع أنه إذا كان هناك دافع لتزوير الانتخابات فإن هناك مائة دافع لتزوير الاستفتاءات.. و أنه إذا كان هناك دافع لتزوير الانتخابات لصالح وزير الأوقاف وضد مصطفى بكري فإن هناك ألف دافع لتزوير الانتخابات لصالح الرئيس مبارك..

لنستدع مصطفى بكري إذن لنسمع شهادته المنشورة في العدد الأخير من الأسبوع 25-4-2005 حين استدعى الأمن المجرمين للسيطرة على المعركة الانتخابية:

"منذ الصباح الباكر، كانت سيارات الميكروباص، تنقل الجيوش الزاحفة، وجوه غريبة، عيون يتطاير منها الشرر.. جاءوا بهم من كل حدب وصوب، أخرجوهم من الزنازين، ووعدوهم بالمكافأة إن استطاعوا إنجاز المهمة علي الوجه الأكمل.. دفعوا بهم أمام اللجان الانتخابية، لقد تلقوا التدريبات جيدا علي يد خبراء محترفين، امسكوا في أيديهم بالمطاوي والخناجر والسيوف ووقفوا يتربصون بالناخبين.. لم يكن المشهد عاديا، إنه إبداع جديد، صاغته عقول شيطانية، رأت فيه أن ذلك هو الأسلوب المناسب للتعامل مع الشعب المصري!! صدق الناس حديث الرئيس، ودعوته لهم بالمشاركة في الانتخابات، زحفوا إلي أقسام ومراكز الشرطة وقيدوا أسماءهم في اللجان الانتخابية، هذه المرة كان لديهم يقين بأن الإشراف القضائي علي الانتخابات سوف يضع حدا لعمليات التزوير، وينهي إلي غير رجعة بلطجة الحزب الحاكم وأجهزته المختلفة.. في دائرة حلوان والتبين لم أصدق ما رأيت، منذ الصباح الباكر قرروا حسم الانتخابات علي طريقتهم، قرءوا الخريطة جيدا كنت قد حصلت في الجولة الأولي علي 7500 صوت، وكان منافسي وزير الأوقاف السابق محمد علي محجوب قد حصل علي أربعة آلاف صوت، ولكن يا للعجب فقد انقلب الحال في انتخابات الإعادة فحصل هو بقدرة قادر علي 7500 صوت وحصلت أنا علي أربعة آلاف صوت!! كان المشهد مفزعا في انتخابات الإعادة، جحافل الأمن المركزي تزحف إلي حلوان منذ الواحدة صباحا، تحتل كافة اللجان الانتخابية ، الضباط يصطحبون معهم الكلاب البوليسية الشرسة، وبعد قليل تصل سيارات الميكروباص، حيث يجري توزيع البلطحية والمسجلات آداب علي كافة اللجان التي حققت فيها أعلي الأصوات في الجولة الأولي من الانتخابات، كانت النساء المسجلات يرتدين ملابس صارخة، يطلقن ألفاظا تخدش الحياء، ما أن تتقدم سيدة للإدلاء بصوتها حتى يبدأ فاصل الردح الفظيع الذي لا يستطيع أحد أن يجابهه. كانت المسجلات يمسكن بزجاجات القار الأسود، وكان البلطجية يمسكون بالسيوف والمطاوي ويهددون كل من يقترب من صناديق الانتخابات. تجمهر الناس في كل مكان، رحنا نستنجد بالقضاة، لم يستطع رئيس اللجنة العامة أن يفعل شيئا، لقد راح ضباط الشرطة يهددون كل قاضي يحاول أن يسأل عن السبب.. في مدينة 15 مايو كان عدد المصوتين في الجولة الأولي يزيد علي الألفين وخمسمائة حصلت علي اغلبها، وفي جولة الإعادة بلغ عدد المصوتين فقط حوالي 16 صوتا، انهم المندوبون الذين سمحوا بدخول بعضهم إلي داخل اللجان.. كانت المطاردات التي يقوم بها البلطجية والمسجلات تجري تحت حماية ورعاية أمنية كاملة، كنا نستنجد بالكبار والصغار لكن الجميع قرروا صم الآذان، فقد كان الأمر محسوما.

كانت خطة محكمة، منذ الصباح الباكر اعتقلوا اثنين من أشقائي وأكثر من أربعين من أبناء بلدتي، أطلقوا عليهم البلطجية أمام منزل الأسرة في المعادي، واقتادهم ضباط الشرطة إلي قسم البساتين، حيث أذاقوهم كافة صنوف التعذيب النفسي والبدني..

لم نكن وحدنا الذين تعرضنا للتهديد، كان القضاة أيضا يرون أنفسهم عاجزين، وكم كان مؤلما أن يذهب أحد القضاة إلي ضابط في إحدى اللجان الانتخابية بمدينة 15 مايو، يسأله لماذا تمنعون الناخبين، كان الضابط جالسا والقاضي واقفا.

نظر الضابط إلي القاضي من أسفل إلي أعلي، وقال له بلغة تحمل كثيرا من التهكم.. خليك في لجنتك وليس لك علاقة بما يجري خارجها..!!

تعجب القاضي من الأمر، وقال له بلغة لا تخلو من الألم.. هذا تجاوز للقانون، ساعتها انتفض الضابط ووقف غاضبا وقال: انت بتشتمني..!!

انسحب القاضي في هدوء، ومضي إلي لجنته، وقد شعر بجرح غائر في كرامته، فقد اتضح في نهاية الأمر أن وجوده هنا ليس اكثر من ديكور، وأن سلطته مقيدة بقرار حكومي، وانه يشارك من حيث لم يرد في هذه المهزلة التي تجري باسم 'النزاهة والإشراف القضائي'.

كان ذلك واحدا من أهم إبداعات وزارة الداخلية لضمان إجراء انتخابات نزيهة وعادلة، يمنع فيها من التصويت كل من تحوم حولهم الشبهات بأنهم سيمنحون أصواتهم لغير المرضي عنهم حكوميا."

*** 

وهنا أنبه القراء إلى أن نفس الشيء حدث في الأسبوع الماضي وهذا الأسبوع في الجامع الأزهر.. حيث دأب أعضاء في حزب العمل – جزاهم الله خيرا- منذ ثلاثة أعوام على مخاطبة الأمة بعد صلاة كل يوم جمعة، وسط حصار من السلطة، وتعتيم من الفضائيات، ومقاطعة من المعارضة التي لا تقل سوءا عن السلطة. ومنذ الأسبوع الماضي قررت السلطة مواجهة ذلك عن طريق رجال أمن متنكرين في ثياب مدنية تصرفوا داخل المسجد و أمام المنبر بمنتهى البذاءة والسوقية حتى لقد تفوهوا بسباب قذر يتناول أعراض الأمهات والآباء، حتى أن خطيب المسجد احتج هذا الأسبوع على ما حدث في الأسبوع الماضي.. لكن بعد الصلاة حدث نفس الشيء.. وهجمت قوات الأمن – بملابس مدنية ودون دروع – على أعضاء حزب العمل ومنعوهم من الحديث للناس.

*** 

فلنعد إلى مصطفى بكري حيث يواصل كشف العصابة.. نعم .. فمن يفعل ذلك عصابة لا حكومة:

"وكان الإبداع الثاني لا يقل ديمقراطية عن الإبداع الأول لقد جيء بالبلطجية والمسجلات آداب وبعض أنصار المرشحين الحكوميين.. أعدت لهم بطاقات شخصية في مكاتب السجل المدني، أنها بطاقات حقيقية عليها صورة المواطن، ولكن بأسماء ناخبين مدونين في اللجان الانتخابية المختلفة. لقد أعدوا لكل شخص ممن جيء بهم عشرين بطاقة شخصية بأسماء عشرين ناخبا في عشرين لجنة، وأمسك الضباط بهذه البطاقات في حوزتهم، وانطلقوا بباصات كبيرة إلي اللجان الانتخابية المختلفة، وقبيل الوصول إلي اللجنة بقليل يوزعون البطاقة بالاسم، يهبط ركاب الباص يدلون بأصواتهم في حراسة الضباط والمخبرين، كل شيء معد جيدا، القضاة لا يستطيعون الاعتراض، فالبطاقة سليمة واسم الناخب يتطابق مع الاسم المدون علي البطاقة، يدلون بأصواتهم ثم يعودون إلي الباص ليتجه بهم إلي لجنة أخري، تجمع منهم البطاقات، تقدم إليهم بطاقات جديدة بأسماء جديدة للتصويت في لجنة أخري مختلفة.. وهلم جرا!!

وهكذا استطاعت الحكومة أن تجد الوسيلة المناسبة لإنجاح مرشحيها بطريقة تبدو ديمقراطية للغاية، ولا يستطيع أحد أن يشكك فيها، فالأوراق سليمة، والبطاقات نزيهة، والقاضي لا يستطيع أن يعترض!!

كان هناك العديد من الضباط يشعرون بالذنب وعذاب الضمير، لكنها الأوامر والتعليمات التي صدرت من الحزب الحاكم للكبار والصغار، لكن أحدا لم يكن يستطيع أن يوقف المهزلة..!

وما حدث معي حدث مع الكثيرين، وليسوا فقط المحسوبين علي التيار الإسلامي خاصة في الجولتين الثانية والثالثة بعد أن أدركت قيادات الحزب الحاكم أن حزبهم لم يحقق أية انتصارات تذكر في الجولة الأولي".

*** 

لقد أطلت – متعمدا – في نشر شهادة الأستاذ مصطفي بكري مذكرا القارئ أنها كتبت بعد الحدث بخمسة أعوام، بعد أن انطفأت النار وخبا الأوار ولم تعد إلا الذكرى ورماد الحنظل، أما من يريد أن يقرأ الأحداث بسخونتها ولهيبها كما وقعت فليرجع إلى أعداد الأسبوع في ذلك الوقت، كانت دامية وكانت مأساة. وكانت تنطق وتصرخ أننا لا نواجه انتخابات ولا وزارات ولا دولة. إنما نحن نواجه عصابة أيا كانت المسميات فيها.

*** 

إنني لا أقصد مصر فقط، بل أقصدها كمثل، لذلك فإنني أورد الواقعة الثانية من المغرب، ليس لأن التعذيب في المغرب أكثر من مصر ولا لأن التزوير في مصر أكثر من المغرب، ذلك ليس صحيحا، لأن التزوير والتعذيب وما شابه تخضع لإدارات مركزية ليس لدي شك في أن قياداتها العليا تقبع في الموساد أو البنتاجون.

*** 

في المغرب.. أصدر ضابط المخابرات السابق أحمد بخاري كتابا عن "الأجهزة السرية في المغرب" وقد طبع الكتاب في الدار البيضاء عام 2003.يكشف المؤلف كيف أسس الموساد والـCIA جهاز الأمن المغربي.. وكيف اخترق النخبة المغربية كلها بسبب ذلك ( أظن كل أجهزة الأمن في العالم العربي كذلك).. 

ربما لذلك لم تعان أجهزة الأمن في عالمنا العربي أي انفصام بين ما تؤمن به وبين ضمائر أفرادها كمواطنين في الأمة لهم عقائدهم وقيمهم.

تربت هذه الأجهزة منذ البداية بفلسفة صهيونية صليبية ضد دين أمتها، وضد دولها و أوطانها.. ولقد تناقضت طول الوقت مع كل شيء.. إلا شيئا واحدا: مصالح الصليبيين والصهاينة..

كان الدور الملقى على عاتقها هائلا: سلب روح الأمة.. وقد فعلوا..

*** 

ومع فضائح أجهزة الأمن في المغرب والجزائر إثر مذكرات واعترافات الضباط الهاربين إلى فرنسا بالجرائم التي ارتكبوها فاجأت المغرب العالم بالتلفاز المغربي يظهر بعض المواطنين على لكي يتحدثوا في مشاهد تفاعلية حية وسط جمهور، عن التعذيب التي تعرضوا لها على أيدي أجهزة أمن الدولة.

يقول أحد المعتقلين: 

" كنا نخاف من مسألة واحدة هو أن نجرح أو نصب بعطب في جسمنا وليس هناك دواء حيث أننا كنا نتمنى أن نموت على أن نجرح أو نعطب لأنه ليس هناك دواء. العقارب كانت موجودة بكثرة وكنا في الليل قبل أن ننام كنا نقول أنه علينا أن نركز على شيء واحد في رؤوسنا هي أنه علينا أن لا نتحرك أثناء النوم إذا ما عبر فوق أجسامنا أي شيء لأن العقرب هكذا لن يلسعنا وكنا في أحلامنا كنا نحلم بأن العقارب تلدغنا. ضرب أحد الحراس أحد المختطفين بالمجرفة التي نحمل بها التراب ضربه بجزئها الحديدي ضربه على هذا الجزء من رأسه فجرح جبهته والعضمة التي تحمي العينين وجزء من وجهه ومن طبيعة الحال ليس هناك دواء ليس هناك طبيب وبالتالي تعفنت هذه المنطقة من وجهه إلى أن توفي. في الواقع الحالات التي مرت بي هي أنني أرى معتقلين يحتضرون هكذا طريحي الفراش في وضع منهك وقد بلغت بهم النحافة لدرجة لا تتصور إذ أن عظامهم البادية للعيان وكأنها عارية من أي لحم وقد قضوا نحبهم ومنهم على وجه الخصوص محمد الشيخ والذي لم يكن يتجاوز على أكثر تقدير سن 14 من العمر فقد أطلق صرخة مدوية يوم لفظ أنفاسه. من المسائل التي أخذنا نتفق عليها هي أنه يجب أن يعيش منا على الأقل واحد يجب أن نتحدى الموت ويعيش واحد حتى يخرج منا على الأقل واحد لكي يشهد ما عشناه وكانت إذن هذه هي من أصعب الفترات بحيث أنه كان هناك صراع ليس بيننا وبين الحراس كما كان من قبل ولكن صراع بيننا وبين الموت. يجب أن نحيى لكي نشهد بما عشناه لكي نقول للمغاربة نقول للملأ أن هناك أماكن حيث يدفنوا المغاربة لا لشيء ولا لسبب يذكر." 

*** 

إنني أنبه القارئ أن أي محاولة لوصف التعذيب هي إهانة لضحاياه لأن الوصف لا يمكن أن يقارب الحقيقة كما أننا لا نستطيع أن نصوغ من الكلمات بلسما يداوي الجروح ويزيل الندوب.

كما أنبه القارئ إلى إدراك هذه الأجهزة الشيطانية ودراساتها الفائقة في كيفية تحطيم شخص ( وبالتالي جماعة أو أمة) بإذلاله معنويا وجسديا.. فإن استعصى على التحطيم قتل..

فلسفة الأمن في مصر هي ذات فلسفته في سوريا والمغرب وتونس والرياض وتل أبيب – فقط للمسلمين- وأبي غريب وجوانتانامو بل وفي سجن يكون السجين فيه من المسلمين في أي بقعة في العالم..

نفس الفلسفة ونفس الفكر..

نفس الأساتذة ونفس التدريب..

نفس أدوات التعذيب ومستوردة من نفس البلاد.. ( أليس غريبا رغم تغير الحكومات في العالم كله أنه لا توجد حكومة واحدة جاءت بعد ما يزعمون أنه تصحيح وإصلاح ودمقرطة.. أقول لم تأت حكومة واحدة تكشف مصادر استيراد أدوات التعذيب)..

تغيرت النظم من النقيض إلى النقيض .. وفضح كل نقيض نقيضه إلا في أجهزة التعذيب..

ذلك أن كل أجهزة الأمن في عالمنا العربي تنتمي إلى نفس المصادر ونفس الأساتذة ونفس التدريب.. بل ونفس الشيطان الذي يعبدونه من دون الله.

نعم.. نفس الفكر.. ونفس التدريب.. ونفس الشيطان يعبدون.

*** 

والآن ..لنعد إلى المغرب..

 أخيرا يفرج عن أحد المعتقلين واسمه عبد الناصر حيث يروي قصته الدامية ليلة الإفراج عنه: 

"أفرج عني.. ولم أُخبر أن كان والدي لازالوا أحياء أو ماتوا.. وإن كانوا لازالوا قاطنين في نفس المنزل أو غيروه. وصلت إلى المدينة وكانت الساعة حوالي الثالثة أو الرابعة فجرا. لا أستطيع ضبط الوقت. وأتيت إلى المنزل. وقفت في باب المنزل. وأخذت أتردد هل أطرق هذا الباب أم لا. هل لازالت أسرتي تسكن بهذا المنزل أم لا. وقررت أن أطرق الباب وأرى ما يمكن أن أراه. وكان هناك ثقب في الباب. وفكرت أن أطل من الثقب. وكان الوقت ليلا. كان الظلام. وكانت ليلة باردة جدا. فقد كانت يوم الثلاثين من ديسمبر سنة 1984. وفعلا.. عندما فتح.. عندما أشعل الضوء من داخل المنزل.. رأيت فعلا امرأة قادمة من خلال الثقب.. أردت أن أنسحب كما فكرت.. ولكنني لم أستطع.. حيث أنني كنت أقدر أن أحرك كتفي وظهري ولكن رجلي شدت إلى الأرض كأنهما دكتا في الأرض لا أستطيع تحريكهما.. وفتحت امرأة فتحت الباب وسألتني من أنت؟.. وهو أمر غريب جدا لأن هذه المرأة كانت هي والدتي ولكنني لم أتعرف عليها خلال تلك اللحظة رغم أن صورتها لم تفارقني طيلة التسع سنوات سواء في يقظتي أو في منامي.. وسألتني من أنت؟.. وبشكل غريب لا أفهمه لحد الآن أجبتها : أنني ابنك عبد الناصر.. وكان جوابها أن ليس لها ابن بهذا الاسم.. وأخذت ألح عليها أنني ابنها وأن عليها أن تتركني أدخل.. وكما قلت كانت الفترة ليلا.. وهذه المرأة التي يدق على بابها.. يطرق على بابها شخص لا تعرفه.. دخلت إلى المنزل وتركت الباب مفتوحا.. وذهبت توقظ إخوتي لتقول لهم استيقظوا فهناك في الباب شخص يقول أنه أخوكم.. كانت لحظة رهيبة صرت فيها لا أعرف.. أنا أتحدث مع امرأة على أنها والدتي.. وأنا لا أعرفها.. وهي تتحدث معي وهي تنكر إن كان لها ابن بهذا الاسم.. بطبيعة الحال لم استطع الوقوف في باب المنزل ودخلت.. وجدت أخوتي قد استيقظوا. لم يفهموا ما يقع. في تلك اللحظة خامرني شك في أن كل هذا مجرد تمثيلية.. حتى لا يقولوا لي نحن نرفضك لا نريدك.. وشعرت كأن سكينا انغرزت في داخلي.. وفكرت في أن أنسحب باعتبار أنهم لا يريدونني.. في تلك اللحظة الأخ الأكبر كأنه استفاق.. وارتمي علىّ.. وأخذ يقبلني.. وابتدأ البكاء.." 

المصدر: قناة الجزيرة- يحكى أن -الأربعاء 22/8/1425 هـ - الموافق6/10/2004 م

*** 

أما آن الأوان أن تستفيق الأمة ويبتدأ البكاء..

أما آن أن نئوب إليك يا رب.. 

أما آن لك أن تئوبي يا أمة لم تدافع عن دينها وهويتها كما كان يجب عليها..

أما آن للأمة أن تكتشف خديعتها بالبطاقات المزورة والهويات المدمرة حيث المؤذن حاخام والإمام قسيس وقائد الجيش جاسوس للأعداء.

*** 

ثمة مثل آخر آتيكم به هذه المرة من سوريا.. 

مثل يصب في نفس الاتجاه.. لكي يقتنع الناس أننا لا نرى ما يحدث بل نرى ما يمثلون علينا أنه يحدث.. وبالطبيعة لابد أن يكون فخا لاصطيادنا وشركا للإيقاع بنا.. وما دام فخا فلابد أن نكون فئران تجارب.. ولابد أن تكون التجارب التي يجرونها علينا لها هدف ما. لها توجيه ما.. ورغبة في أن نقتنع بشيء معين يصوغ وجداننا بطريقة معينة ويدفع عقولنا للتفكير بصورة معينة فيوجه عواطفنا وسلوكنا وقراراتنا.

و إنني أنبه القارئ مرة أخرى .. أنني أقصد بتعدد الاستشهادات من دول مختلفة أن أثبت نفس المرض وليس أمراضا متعددة.. ذلك أن نفس المرض يبدو بأعراض مختلفة في الأعضاء المختلفة.. فإذا غرتنا الظواهر وعالجنا الأعراض بدلا من المرض قتلنا مريضنا..

كما أقصد أن المؤامرة واحدة.. و أؤكد أن العلاج لا يمكن أن يتم على أساس قطري..

ولكن.. لننته من المثل السوري أولا..

لقد لاحظت العار الذي يحس به الناس بسبب الانسحاب المخزي للجيش السوري من لبنان بأمر أمريكي.

ولقد شعرت على المستوى الشخصي بهذا الخزي والعار.. شعرت به رغم أنني أدرك الحقيقة ربما لأنني أعرف أن بشار الأسد ليس مأزورا بآثام أبيه وجرائمه..

وهو بالتأكيد عار وخزي.. لكن فهم التفاصيل كما حدثت قد يغير من وجهة نظرنا للأمر.. لأننا لم ننتقل من طهر إلى عهر بل كان العهر من قديم.

ولقد كنت أنا واحدا من ضحايا الخديعة ذات يوم، ليس بصورة كاملة، وكنت عندما أسمعهم ينتقدون السلوك الإجرامي لحافظ الأسد، أقول لنفسي: هو الوحيد الباقي ضد إسرائيل..هو آخر من بقي من جبهة الصمود والتصدي التي تحولت إلى جبهة الاستسلام والتردي.. فآثامه إذن كآثامهم لكن ليست لهم مزاياه.. وكنت أرفض المغالاة في الاتهام والمبالغة في الأرقام.. فهل يعقل مثلا أن يقصف الأسد الإخوان المسلمين في مدينة حماة بالطائرات ويسحق المدينة بالدبابات ليبلغ الشهداء واحد وثلاثون ألف قتيل والمفقودون خمسين ألف.. أما في تدمر .. ففي قبر واحد دفن ما يقارب من ألف عالم وداعية ..

كنت أرفض هذه المبالغات الفجة.. فكيف يحدث ذلك دون أن ينقلب العالم وتشتعل وكالات الأنباء وتنفجر منظمات حقوق الإنسان..

وكنت أعاتب الإسلاميين على تلك المبالغات قائلا: ما ضركم لو قلتم الحقيقة دون مبالغة.. لماذا لا تقولون الرقم الحقيقي.. ثلاثون مثلا.. أو حتى ثلاثمائة.. لكن.. ثلاثون ألفا..!!

لكنني اكتشفت بعد ذلك سذاجتي وفجاجتي أنا لا فجاجة المبالغات.. 

كان الصحافي البريطاني باتريك سيل – وهو بالنسبة لحافظ الأسد مثل أنتوني ناتنج بالنسبة لعبد الناصر.. واحد من أشد المعجبين به- هو الذي أكد هذه المعلومات في كتابه عن سيرة حافظ الأسد.. وذكر نفس الأرقام..

وربما كانت هذه القربة إلى الشيطان ما قدم للأسد إلى الغرب كي يظل في الحكم آمادا لم تتعودها سوريا..

كان خطئي في المنهج فادحا..

و إنني هنا أستدرك قبل أن يظن قارئ أنني كنت ضد دخول الجيش السوري إلى لبنان.. أو أنني ضد تحرير لبنان. لأنني مع تحرير سوريا ولبنان والعالم الإسلامي كله.. كما أنني أدرك أن الجيوش الوطنية قد تحولت إلى جيوش احتلال تحارب الدين والأمة.. أقولها وقلبي يقطر دما.. أقولها وقد كنت مستعدا طول عمري أن أحمل على رأسي حذاء أي جندي بشرط أن يكون مجاهدا في سبيل الله.. أقولها أن جيوشنا تحولت إلى جيوش احتلال لبلادنا.. فالجيش المصري يحتل مصر.. والجيش السوري يحتل سوريا – وليس لبنان- والجيش السعودي يحتل مهبط الرسالة ونبع النور والهداية... وهكذا وهكذا وهكذا.. بل إن جيش الاحتلال المحلي عادة ما يكون أكثر قسوة و إجراما من جيش الاحتلال الأجنبي الذي تضبطه ولو في الظاهر قوانين بلاده أو على الأقل المناورات السياسية بين أحزاب مختلفة كل منها يريد أن يلوث الآخر كي يصل إلى الحكم على حسابه.. وحتى هذه ليست في بلادنا.. فالقانون تحت نعال الحكام الذين يحميهم الجيش.

أقول أن الأصل في العالم الإسلامي دولة واحدة.. وأن الأمة تريد ذلك.. يمنعها حكام خونة تحرسهم جيوش خائنة ويبرر لهم كتاب ميامس.. وفي هذا الإطار فإنني مع الوحدة ولو بالقوة.

*** 

والآن لنعد إلى كيفية دخول الجيش السوري إلى لبنان لنحسب كمّ الخزي في خروجه المهين.

وفي أواخر سنة 1975 دخل الجيش السوري إلى لبنان وكان المتصور أنه دخل ليوقف انهيار الأمور في لبنان خوفا من تدخل إسرائيل و أمريكا. وكان واضحا حتى أيامها أنه دخل ليقف مع الموارنة ضد الفلسطينيين والدروز والسنة والشيعة.. وكان ميزان القوي يميل بشكل حاسم في صف المسلمين، حتى قيل أنه لو تأخر التدخل السوري يوما واحدا لتم القضاء على الموارنة.

وكان تدخله لصالح الموارنة ضد المسلمين غصة في القلب لكن أجهزة الإعلام زفت الأمر إلينا كما لو كانت ضريبة الدم التي تحمي الكيان اللبناني الهش من الانهيار.. وكأنك كأنما تلجأ إلى ضرب ابنك بشراسة و قسوة كي لا يندفع الآخرون إلى قتله.. ولم يخفف ذلك من مرارة القرار لكنه ساعدنا – وسط افتقاد منهج إسلامي – على تقبله..

ولنكن صرحاء.. فإن قسما كبيرا من الموارنة في لبنان لا يخفي هويته الصهيونية الأمريكية بل إن بعضهم أشد عداوة للمسلمين والعرب.. وهم يحملون من خلال المنهج الشيطاني ذات الصفات الخسيسة التي خبرناها في اليهود دائما.. وفي بعض المسيحيين.. كما حدث من بعض النصارى المصريين مؤخرا في قضية وفاء قسطنطين.. حيث لجئوا إلى الكذب .. ثم المبالغة في الكذب.. ثم الابتزاز بالكذب.. ثم مهاجمة من يكشف هذا الكذب والادعاء عليه واتهامه بالكذب.. ثم المطالبة بتكميمه وسحقه لأنه إرهابي ويضطهد الأقباط.. وهذا الكذب لم يتورط فيه الأوباش – كالكمالين : خليل وغبريال- أو الصعاليك الذين يجمعونهم للتظاهر في الكنائس بل السادة والزعماء والرؤساء.. واستقووا بالخارج بالكذب.. وحصلوا على ما يريدون بالكذب.. ثم راحوا يواصلون بالكذب ادعاء أنهم مظلومون مغبونون.. ويطالبون المسلمين بالإنصاف والاعتذار.

منهج شيطان..

منهج شيطان اسمه ليس إبليس و إنما جورج بوش اعتبر محمد الدرة و إيمان حجو إرهابيين واعتبر شارون بطل سلام.

منهج قذر خسيس وحشي همجي رخيص..

ولقد كان هذا المنهج بنفسه هو منهج إسرائيل في سرقة وطن ومحاولة اغتيال شعب.. ثم بعد هذا يكون اللص المجرم الفاجر – إسرائيل- متحضرا ويكون الشعب المقاوم إرهابيا وهمجيا ومطالبا بالتوقف عن المقاومة والاعتذار.

*** 

قيل أيامها أن السذاجة السياسية هي التي دفعت المسلمين لحصار الموارنة ووضعهم في هذا المأزق.. لأن النتيجة سوف تكون تدخلا أمريكيا أو إسرائيليا.

من الطرف الآخر كان هناك من يقول أن التركيبة الطائفية في لبنان تركيبة مزورة بناء على استفتاءات مزورة أظهرت أن الموارنة يتمتعون بالأغلبية العددية ولذلك فإن من حقهم رئاسة الجمهورية.. بينما الواقع يؤكد أن تعداد المارونيين لا يتجاوز 30% من اللبنانيين.. لذلك قر قرار التحالف الإسلامي بعد هزيمة المارون على ترشيح كمال جنبلاط رئيسا للجمهورية.

دخل الجيش السوري إلى لبنان..

ثم تم اغتيال كمال جنبلاط..

وتم تكريس الطائفية كما كانت.

وتم تبرير مذابح كمذبحة تل الزعتر ومذابح ومجازر أخرى شملت جميع المسلمين في لبنان بأنها حكمة الزعيم السوري الملهم الذي شاءت حكمته أن يكون هو منقذ المارون بدلا من أن يلتجئوا إلى أمريكا أو إسرائيل..( التجئوا بعد ذلك إلى أمريكا و إسرائيل.. وخانوا وكونوا جيشا وذبحوا الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا.. ولم يمنعهم الجيش السوري من ذلك كله)..

تم أيضا تزوير الوقائع والأحداث فبدا أن الجيش السوري دخل إلى لبنان بطلب من مؤتمر القمة العربية..

وتم أيضا تزوير الوقائع ليبدو الوجود السوري في لبنان طيلة الأعوام الماضية تحديا لأمريكا و إسرائيل وانتصارا للعروبة.. بل وبلغت عملية استغفالنا أن بدت أمريكا ضائقة عاجزة حائرة لا تدرك كيف تواجه الزعيم العربي الملهم ( نفس الشيء حدث قبل ذلك مع الأسد الأب وعبد الناصر وصدام)..

لكن..

ألا يختلف الأمر لو ثبت أن الجيش السوري عندما دخل إلى لبنان إنما دخل بطلب أمريكي!!

ألا يختلف حين ندرك أنه حين دخل كان ذلك لمصلحة موارنة لبنان وضد مصلحة المسلمين .. وأنه حينذاك أُمرَ أن يدخل فدخل.. ثم تغيرت الأمور بعد أن تم سحق جزء كبير من الأمة الإسلامية و أصبحت مصلحة الموارنة في خروج جيش سوريا فأُمر أن يخرج فخرج.. و أن سوريا لم تكن عزيزة في الدخول ذليلة في الخروج بل كانت في الحالتين ذليلة..

فلنرجع إذن إلى كتاب أحمد بهاء الدين: " محاوراتي مع السادات" ولنقرأ فيه: 

".. كان تقديري أن هذه الدول المقترحة لديها قوة ضغط كافية على الفئات المتحاربة في لبنان وقلت له (يعنى للسادات) : إن فلسطين ضاعت وأخشى أن تستفيد إسرائيل من الموقف وتضيع لبنان، وكيف يمكن للرأي العام العربي أن يصدق أن زعماءه قادرون على إعادة الأراضي المحتلة إذا كانوا غير قادرين على منع ضياع لبنان ؟ وأن الضغط على كميل شمعون أو كمال جنبلاط أصعب من الضغط على جولدا مائير.

وظل السادات يحاورني طويلا في هذا الأمر وأنا ألح عليه بمداومة الجدل بشكل غير مألوف حتى قال لي كأنه ضاق ذرعا:

- طيب .. مادام بتلح كده . . أحب أقولك إن الموضوع حسم !

- إزاى يا ريس ؟ 

- الجيش السوري سيدخل لبنان خلال 48 ساعة !

- مستحيل يا ريس ! والوضع الداخلي؟ ورد فعل إسرائيل ؟

- جيرالد فورد (الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت وكان وزير خارجيته هو كيسنجر أيضا) طلب من حافظ الأسد أن يدخل الجيش السورى لبنان لإنقاذ الموقف » لأنه لا يوجد حل آخر وحتى لا يحدث رد فعل إسرائيلى يلخبط الدنيا!!.

- وعلى أي أساس سيتم هذا الدخول ؟

- رتبت أمريكا مع سليمان فرنجية أنه كرئيس للدولة يطلب القوات السورية. . وأمريكا أبلغت إسرائيل وأبلغت الأردن بما سوف يحدث حتى لا يفهم أحد دخول الجيش السوري على غير حقيقته؟!

وعندما كررت دهشتي وارتيابي قال لي:

- أنت قاعد معانا في مصر لحد امتى؟!!.

- لآخر الأسبوع.

- طيب إذا لم يدخل الجيش السوري لبنان بعد 48 ساعة  تعالى إلى هنا في البيت بدون موعد وحاسبني على هذا الكلام!!. 

*** 

وفى السطر التالي مباشرة يردف أحمد بهاء الدين بفصل الخطاب فيقول:

وبعد 48 ساعة دخل الجيش السوري لبنان !!.

آآآآه..

تم دخول الجيش السوري إلى لبنان بأمر أمريكي.. فلا تلطموا الخدود يا ثكالى إذ ينسحب مخذولا مدحورا لأنه ينسحب بأمر أمريكي كما دخل بأمر أمريكي. وفي الحالين كان يخدم مخططا أمريكيا ضد الإسلام والمسلمين.

في عام 1980 أصدرت الحكومة السورية القانون 49 لعام 1980 القاضي بإعدام كل من ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين.

لعل أمريكا ترضى..

وقد رضيت..

أليس كثيرا أن يمتد رضاؤها ثلاثين عاما.. وأن تبلغ درجة الرضا توريث الحكم.. فلماذا نغضب إذن إذا غير الواهب وصيته واسترد صاحب الوديعة وديعته..

ألتاع فالتاعوا معي..

أصرخ فاصرخوا معي..

يا للأحلام المهدرة والشرف المسفوح والارتياع دون سبب للارتياع والمفاجأة دون سبب للمفاجأة..

أتذكر بيت شعر للعقاد -غفر الله له - عندما أحب امرأة وتعذب وجدا ورغبة في وصال لم يجرؤ على البوح به.. ليكتشف أن المرأة داعرة تبيع نفسها لمن يدفع الثمن.. وعندما يواجهها في ثورة صاخبة ترد عليه في دهشة عاتبة: لكنك لم تطلب.. ولو طلبتني لمنحتك ما تريد مني.. فإذا بالعقاد يقول بيت شعر من أعذب ما قال:

فإن كان لا بد للكاس والطلا  .. ففي غير بيت كان بالأمس مسجدي!!

*** 

أردت قط أن أضرب هذه الأمثلة قبل أن أناقش نوع الإصلاح ونوع البدائل وحجم الطوفان الذي نواجهه. 

طوفان أحد منابعه تزييف التاريخ، و أحد منابعه تجهيل الناس ونشر السطحية والجهل والفساد ومحاصرة المثل الأعلى، و أحد منابعه الجرأة على الدين، و أحد منابعه نشر مساوئ الأخلاق والترويج لها كمكارم، و أحد منابعه الفخر بالفاحشة، و أحد منابعه استمراء الكذب، و أحد منابعه طمس الهوية، و أحد منابعه تولية السفهاء وسجن العظماء، و أحد منابعه سيطرة زوجات الحكام على الحكم، و أحد منابعه استخلاف الأبناء، و أحد منابعه التزوير، وأحد منابعه التلفيق، و أحد منابعه اصطناع كلاب بشرية مهمتها التعذيب، و أحد منابعه تحول النيابة العامة إلى قطاع من الشرطة، و أحد منابعه فساد القضاء و إفساده..و أحد منابعه أن يكون الكتاب من أتباع مسيلمة.. و..و..و..

طوفان ألغى الثوابت فإذا أحد منابعه أيضا الصحف وما تنشره من أكاذيب أو من كلمات حق يراد بها باطل..

ثمة صحف كالشرق الأوسط والحياة وعشرات الصحف الأخرى تكاد تكون أبواقا للمخابرات الأمريكية والموساد..

لقد فعلها اللورد كرومر بذكاء شيطاني ذات يوم، حين ساعد بطرق مباشرة و غير مباشرة على إصدار ثلاثمائة صحيفة في مصر، تكفلت بإغراق الأمة في الدوار، فكل الآراء مطروحة، وكل الاحتمالات ممكنة، وكل الممكنات محتملة، لكن ذلك كله يحدث في وسط مرسوم جيدا و إلا أفلتت السيطرة. ذلك أن الهوية الإسلامية والوطنية كانت قد طعنت في الصميم، وكانت القيادات الفكرية قد استؤصلت، واصطنعت قيادات غيرها على منهج كرومر، ثم كان نشر الفساد والانحلال، وتسليط بعض ضعاف النفوس من النصارى ، وبعد هذا كله وبسببه كله أصبح الناس الذين تعرض عليهم كل يوم ألف فكرة غير قادرين على الإيمان بأي فكرة ، والأخطر أنهم أيضا غير قادرين على رفض أي فكرة.

ما فعله كرومر والبريطانيين فعل الأمريكيون أضعافه.. لذلك فإن حيرة الناس أكثر ودوارهم أشد.

ولنستمع إليهم بعد أن فعلوه ماذا يقولون عنا:

"اتهمت صحيفة »الواشنطن بوست« في افتتاحيتها الصحافة المصرية بأنها تعمل بالأوامر! ! وقالت إنها تستعد لخوض موجة جديدة من الحملات المضادة لأمريكا! ووصلت وقاحة الصحيفة إلي حد وصف قيادات الصحافة المصرية بأنهم أغبياء ومرتزقة! ! كما تطاولت الصحيفة علي رجال القضاء في مصر ووصفتهم بأنهم »عملاء« للنظام المصري الحاكم" القدس العربي 16-3.

هل يتطاول الأمريكيون علينا أم يعرفون من حقائق أحوالنا أكثر مما نعرف.. وهل نستطيع إن كنا نخاف الله تكذيبهم..

ولكن..

فلندعم شهادة الأمريكيين بشهادة محلية من كتاب شكل فضيحة للوسط الثقافي كله..

كتاب كتبه مدير مكتب وزير الثقافة ومستشار التحرير في صحيفة القاهرة. والكتاب بعنوان: "مثقفون تحت الطلب" وقد كتبه الرجل بعد اختلافه مع الوزير، وطرح الكتاب في السوق يوما واحدا، ثم سحب منه، و أظن أن الأمن لم يسحبه.. و إنما سحبه من فضحهم الكتاب. وربما المؤلف نفسه . خاصة أن الوزير لم يرتدع من نشر الكتاب.. بل رد على الابتزاز بنشر خطابات من محمد عبد الواحد له تظهر مزيجا من العلاقة الحميمة والعاطفة المتأججة ما بين العتاب وما بين الغضب بين الوزير ومدير مكتبه ثم الابتزاز المالي من الصحفي الوسيم للوزير الأشد وسامة، والذي كشفه الخطابات التي أظهرها الوزير.

يؤكد الكاتب أن أغلب رموز المثقفين المصريين توجد لهم علاقة بالسلطة، وأن "ما نراه من مواقف مكتوبة لا يعبر عن حقيقة ما يتشدقون به ويذكر بنظرية فاروق حسني الشهيرة التي تقول إنّ المثقف نوعان: واحد يُشترى بعشوة وسفرة، وآخر تدفع فيه 10 آلاف جنيه ليس أكثر؟ كما كشف الكتاب حقيقة أن معظم المثقفين المصريين لديهم الاستعداد للعمل كخدم في بلاط الوزير بما فيهم الذين هاجموه من قبل.. 

ويحمل غلاف الكتاب صورة لوزير الثقافة في صورة مايسترو يقود المثقفين وهم جميعا متشابهون ورؤوسهم فارغة ، أما الغلاف الخلفي فيحمل قصيدة عامية سبق نشرها في صحيفة "القاهرة" والقصيدة – مجازا – تشكل غزلا جنسيا صريحا في سيادة الوزير الهمام الذي يعتبر اختياره والإبقاء عليه من أهم إنجازات السيد الرئيس حسني مبارك: 

تقول بعض كلمات القصيدة – أستغفر الله العظيم- للسيد الوزير :

 زي لغم قابض على الرجلين..

 حبستني جوه البرواز..

 كتفتني..

 حللتني.. 

بالضبط زي الأرض ما بتملك الميتين..

طلعني يا فنان!!

*** 

آسف لن أعلق..

يخجلني أن أعلق..!!

*** 

يلخص محمد عبد الواحد رأيه في المثقفين من خلال علاقتهم بالوزير بقوله أن الثقافة المصرية في عهد الوزير لغز ومادة خصبة للكتابة والكذب والحقيقة.وأن من الأسماء التي يستخدمها الوزير أو يستخدمون أنفسهم للوزير جابر عصفور والأبنودي وعز الدين نجيب وسيد خميس وصلاح عيسي وغيرهم.. إن راتب جابر عصفور يزيد علي 12 ألف جنيه شهريا وإنه ناقد أدبي جيد في رأي الوزير, غير أن له أغراضًا سياسية ظهرت بعد دخوله المجلس القومي للمرأة وإنه استغل منصبه أفضل استغلال بما يتيح له فتح أماكن للكتابة في المجلات العربية الكويتية وغيرها مثل «مجلة العربي» والحياة اللندنية.

يتمتع صلاح عيسى بأكبر قدر من الفضح والإدانة..

ويتحدث الكاتب عن موقف عبد الله السناوي رئيس تحرير العربي و أنه أقام معه علاقة حيث كانت صحيفته تهاجم الوزير بضراوة .. وتوالت إعلانات الوزارة على العربي وموافقة الوزير على مئات من طلبات التعيين لأصدقاء السناوي الذي اشتكى الوزير منه له عشرات المرات وضاق ذرعا بكثرة طلبات السناوي الذي انتقل - كما يشير الكتاب - إلي مثقفي التبرير والتجميل, حيث كانت «العربي الناصري» التي كانت تهاجم الوزير بضراوة قد انتقلت إلي المهادنة .

ولم أفاجأ بموقف عبد الله السناوي لأنني أدرك أبعاد القوميين الآن و أنهم لا يملكون إلا حناجر صارخة للإيهام بقوتهم في الشارع، لأنهم يحصلون على ثمن هذه القوة المزعومة.

أقول أن ما فوجئت به ليس موقفه السياسي والاجتماعي ولا حتى المالي..

وإنما ما فاجأني هو أنه في مرحلة من مراحل الغضب والعتاب والبعد ثم القرب بين الوزير ومدير مكتبه.. منح عبد الله السناوي محمد عبد الواحد عمودا يكتب فيه في صحيفته، ولم يكن العمود ما أذهلني و إنما مهاتفته الوزير ليخبره أن مدير مكتبه قد لجأ إليه – السناوي – لجوءا سياسيا.. فإذا بالوزير يعلق ضاحكا:

- لجوء سياسي ماشي.. لجوء عاطفي لأ‍‍!!..

ذهلت..

يا إلهي.. لجوء سياسي ماشي.. لجوء عاطفي لأ‍‍!!.. ما معنى هذا..

*** 

تعلق صحيفة آفاق عربية - 3 مارس-على الكتاب بقولها: 

- الكتاب 400 صفحة وفيه سيرة أسماء كثيرة من المثقفين وعلاقتهم بالوزير أمثال صلاح عناني – الأبنودي- سمير سرحان –رجاء النقاش – حلمي سالم- العويضي – ساويرس - مجدي مهنا - عادل حمودة – نجم – خيري شلبي – عز الدين نجيب - سلوى بكر وآخرين واغرب ما شدني في هذا الكتاب أن معظم المثقفين المصريين لديهم الاستعداد للعمل كخدم في بلاط الوزير حتى الذين هاجموه من قبل وان الوزير استطاع بخبرته الأمنية الانتقام منهم حينما واجهوه بحملة عاتية من الرفض إبان تعيينه وزيرا منذ18 عاما وقد اسر معظمهم في حظيرته كما يحب أن يقول دائما.

*** 

لقد أعطينا مثلا على التزوير في مصر، ومثلا على التعذيب من المغرب، ومثلا على الدجل السياسي من سوريا، ثم مثلا علي المثقفين الميامس الخدم في مصر.

*** 

والآن لنستعرض نموذجا لنوع الرؤساء الذين تريدهم أمريكا.. نموذج يمثله الفاسق المجرم جلال طالباني رئيس العراق.. واستعراض هذا المثل هنا ضروري جدا.. لأنه سيكون أشبه بعلامة الطريق على الاتجاه الذي تريد منا أمريكا السير فيه.. أو أشبه بالنوذج أو الموديل الذي على الجميع احتذائه..

وليس ذلك فقط..

لأن اتجاه هذا الطريق سيدلنا على نوع التنافس والتصارع بين مبارك وبدائله.. تصارع وتنافس من يعرفون الإجابات النموذجية للامتحان فيتصارعون ويتنافسون على تطبيقها للحصول على أعلى الدرجات ثم الفوز.

سيكون عليهم أن يصلوا إلى درجة الانحطاط والسفالة التي بلغها رئيس جمهورية العراق حين قال منذ ثلاثين عاما:

«متى نعيد لمحمد أوراقه الصفراء التي أتى بها على جمل أجرب»

السبيل الأردنية بتاريخ: 06/01/2004 د. أحمد نوفل 

طالباني.. الرجل الذي لا مبادئ له ولا ثوابت عنده .. الرجل الذي كتب عنه الأستاذ طلال سلمان في (السفير) منتصف التسعينات مقالة ذائعة الصيت عنوانها (الكردي التائه) قال فيها: انه يتلون حسب الظروف والمواسم، تجده كردياً يزايد علي ملا مصطفي، وشيعياً ينافس الخميني، وناصرياً يسابق عبد الناصر، وبعثياً يتفوق علي ميشيل عفلق، وصهيونياً يجادل شيمـــون بيريز.

لعلنا نذكر ذلك الصحافي العميل الذي ملأ الدنيا حديثا عن النعوش الطائرة وعن صدام الذي ادعى الألوهية واختار لنفسه تسعة وتسعين اسما.. بل ونشرت صحيفته هذه الأسماء رامية صدام حسين بالكفر..

هذا الكلب الذي يقتني سيارة فاخرة هدية من صدام.. هذا الكلب لم يطلق نبحة واحدة على الكافر المرتد جلال طالباني الذي سب الرسول هذا السباب الفاحش حتى ليرى معظم الفقهاء أن يقتله ولي الأمر دون استتابة..

الصحافي العميل لم يطلق نبحة واحدة..

*** 

والآن ينعقد المزاد.. 

فليأت الأصل ولتعرض البدائل نفسها.. كعرض الجواري والنخاسين للعبيد..

من يزور أكثر من مصر ويعذب أكثر من المغرب ويشعوذ أكثر من سوريا ويتعهر أكثر ممن يتعهر من الكتاب.. 

من..!!

من يستطيع أن يزايد أكثر و أن يخفي حقيقته على الناس أكثر.. فيبيع مدعيا أنه يضحي.. ويخون خادعا بأنه يفدي.. ويسرق مدعيا أنه يعطي.. ويزني مدعيا أنه يصلي..

الآن ينعقد المزاد..

من يكفر أكثر من طالباني.. 

من يتسفل أكثر منه.. 

من.. من .. من.. 

رفعت السعيد أم نعمان جمعة أم أيمن نور.. أم.. أم.. أم.. وهل سيرشح مبارك نفسه على هذه المبادئ..

انعقد المزاد.. ومن المفاجآت التي تسحق القلب أن هيكل كان حاضرا فيه..

كان حاضرا.. لا كمتنافس بل كمؤرخ وصديق لطالباني .. طالباني الذي عبر عن نفسه في نفس الوقت الذي يذكره فيه هيكل بقوله: «متى نعيد لمحمد أوراقه الصفراء التي أتى بها على جمل أجرب» ..

يقول هيكل في حلقة مذاعة على قناة الجزيرة في 19-8-2004:

أنا بعرف مثلا واحد زي جلال طالباني، جلال طالباني كان صديقي وهو موجود في القاهرة وأنا كنت مسؤول عن ولاده لما اضطر يسافر.

إنه لا يعرفه فقط.. إنه صديقه.. وليس صديقا عاديا.. بل بلغت الصداقة مرحلة أن يوصيه بأبنائه إذا ما حدث له شيء.

*** 

لم تنته الحكاية..

لأننا هنا نسأل وكلنا ارتياب.. ما الذي جعل محمد حسنين هيكل يدفع جلال طالباني إلى صدارة حديثه في قناة الجزيرة..

هل كان يعرف شيئا ما؟..

هل كان الأمر صدفة؟..

هل طلب منه أن يذكر اسم جلال طالباني دون أن يقال له لماذا..

المصادفة العجيبة أن من يذكره هيكل على قناة الجزيرة منوها أنه صديقه يأتي رئيسا للجمهورية في أقل من عام..

لكن المصادفة الأكثر مدعاة للعجب أن يفعل جمال الغيطاني نفس الشيء ليصدر في أخبار الأدب ملفا خاصا عن جلال طالباني في العدد 589 ـ تاريخ 24 تشرين الثاني 2004.. رغم أن الغيطاني لم يشتهر بالتنبؤ ولا بالكهانة.. إنه يرسل لطالباني واحدا من كتاب روايات العهر السافة التي صادرتها وزارة الثقافة _ تصوروا- ليكتب عنه كلاما لا يجوز إلا على الصديقين، ثم أن جمال الغيطاني يكتب بنفسه افتتاحية العدد مقدما للملف، مشيرا إلى اللقاء الذي جرى في أوائل الستينات بين الزعيم الكوردي جلال طالباني، والرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وكيف أن هذا الأخير عامل طالباني معاملة خاصة ومتميزة، وفي أماكن أخري من الملف تتضح لنا واقعة مذهلة في ضراوتها.. لقد كان جمال عبد الناصر أول من أعطى السلاح للأكراد ليبدءوا المقاومة المسلحة ضد الحكومة العراقية.. فإذا أضفنا هذه الكارثة لكارثة أخرى ذكرتها في مقالة سابقة عن أن جمال عبد الناصر كان أول من سلح الوثنيين والنصارى في جنوب السودان ليبدءوا المقاومة المسلحة ضد الشمال المسلم الذي تعاطف مع الإخوان المسلمين في مصر ومع محمد نجيب فرفض الوحدة مع مصر تحت طغيان العسكر.. إذا أضفنا هذه لتلك برح الخفاء وسقطت أوراق التوت..

لماذا فعل جمال الغيطاني ما فعل؟؟..

وما علاقة أخبار الأدب بطالباني؟؟

أم أن الأمر يتعلق بالمخابرات؟!!

ولتقرءوا معي جملة في التحقيق .. جملة تأتي في ملف أخبار الأدب تمزق الستر على العورات القبيحة.. يقول مراسل أخبار الأدب إلى طالباني: 

... لدينا صورة لامرأة مقتولة بسكين في ظهرها، والجنود يلعبون الورق عليها" !! هل ثمة صورة أقسى من هذه؟؟ وأين كانت تلك الأصوات ـ التي تحرم، الآن، على الكورد الترحيب بالأمريكي المحرر ـ حينما كان صدام يقوم بهذه البشاعات والفظاعات؟؟؟..

الموضوع كله كان إذن كان تزيينا للباطل كما يزين القواد الزنا لبغي.. ولكي يصبح الأمريكي محررا والمقاوم إرهابيا وجلال طالباني في النهاية رئيسا.. أما كل من ذكرت فلكل منه وظيفته ودوره في دولاب المخابرات الأمريكية والإسرائيلية.

نعم..

جمال عبد الناصر.. هيكل.. الغيطاني.. طالباني..

والحلقات تكتشف والسر يخرج من مخبئه..

نعم .. هيكل يقدم لنا جلال طالباني منذ عام..

وهيكل ليس ساذجا ولا غرا.. وهو لا يلقي الكلام على عواهنه.. ولا يقوله اعتباطا..

لقد كان هيكل مع طالباني في لقائه مع عبد الناصر عام 63.. ومن المؤكد أنه اطلع – إن لم يكن قد توسط- في تسليح الأكراد للثورة على نظام الحكم في العراق.

لم يكن الأمر جديدا..

ففي عهد الرئيس جمال عبد الناصر تأسست إذاعة كردية في القاهرة في بدايات عام 1958 والتي لعبت دوراًً هاماً في توعية وتعبئة الجماهير الكردستانية.

يا إلهي..

قومية عربية ..

ويثير غير العرب على العرب..

الوثنيون والنصارى في جنوب السودان.. والأكراد في العراق.. أما المصادفة السعيدة فهي أن من ساعدهما عبد الناصر منذ نصف قرن.. أحدهما: الملحد عينته رئيسا للعراق.. والآخر.. الصليبي التبشيري أصبح – بفضل أمريكا- نائب رئيس السودان و أعلن أنه سيرشح نفسه لرئاسة الجمهورية في السودان..

ثم يأتي خنزير مصري يعيش في أمريكا يطالب بانتهاز الفرصة وترشيح رئيس قبطي لمصر منوها أنه منذ عشرة أعوام فقط كان المستحيل بعينه أن يكون طالباني رئيسا للعراق أو جارانج مرشحا للرئاسة في السودان فلماذا لا نتخيل بعد عدة أعوام مواتية أن يكون رئيس مصر قبطيا.

لا يقتصر الأمر على ذلك..

لأن على القارئ أن يؤبط بين الإشارات هنا وهناك كي تكتمل الصورة أمامه..

ولعل القارئ يذكر ما كتبته في مقال سابق حين وصلت صحيفة العربي – لا غفر الله لها – إلى ذروة نشوتها عندما استنطقت الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح – غفر الله له وهداه- لتحصل منه على اعتراف ما أنزل الله به من سلطان..

اعتراف بجواز أن يكون رئيس مصر مسيحيا..

ولعل القارئ يذكر أنني علقت أيامها أن العربي ليس لديها أي بأس أن يكون الرئيس المصري مسيحيا لكن كل الكوارث ستحدق لو كان هذا الرئيس مسلما.

ثم يأتي من ينكر أن ثورة يوليو كانت أمريكية!!..

*** 

ما أريد أن أقوله الآن.. و أعيده .. و أكرره.. و أؤكد عليه.. أن التغيير كله يسير في عكس الاتجاه الصحيح.. و أن التغيير الحقيقي يجب أن يكون عكس الاتجاه المطروح تماما.. و أن أي محاولة للمناورة مقضي عليها بالهزيمة و أنه ما من سبيل أمامنا سوى الإسلام المجاهد..

نعم..

المطروح أمامنا كله عمالة وخيانة و إن اختلفت اللافتات والستائر والحجب ووسائل الإخفاء والتمويه.

لقد سمعنا سبيل المثال ما قاله الرئيس مبارك من أن جهات أجنبية قد دفعت سبعين مليون دولار لتمويل الانتخابات القادمة..

ولست أشك مطلقا في صحة ما يقوله الرئيس مبارك..

وهو صادق بلا شك..

لكن ما أشك فيه هو صحة الرقم.. إذ ربما كان هذا الرقم سبعمائة مليون أو أكثر..

وليس هناك أيضا من أبرئه من اتهام مبارك المنقض والمحلق فوق الرؤوس والذي لم يحدد حزبا معينا كي يصب عليه اتهامه مما يجعل جميع الأحزاب متهمة فما من حزب محصن وما من قيادة فوق مستوى الشبهات. صحيح أن الرئيس كان يقصد حزب الغد ورئيسه أيمن نور الذي انقض عليه انقضاض الموت والخراب والشؤم من حيث لا يحتسب من بعد ربع قرن لم ير فيه منافسا، والأنكى والأشد أن شعبية أيمن نور تزداد و أن الغرب يؤيده، فثمة احتمالات إذن أن يحدث للرئيس ما حدث للشاة، وربما ما حدث لنورويجا، وهناك احتمال إذن أن يحدث لعائلته و أبنائه ما حدث لأهل الأسير صدام حسين – فك الله أسره. من المحتمل أيضا أن يحدث في مصر ما حدث في أوكرانيا وجورجيا وقيرغيزيا حيث تمكنت الشعوب من الإطاحة بالحكام الطغاة بوسائل مختلفة.

*** 

ولقد لمحت الرئيس مبارك– دون سابق قصد أو ترصد – فرأيت صورة العجز والخوف والانكسار على وجهه.. ولقد تحولت مشاعري تجاهه من دهر تمنيت فيه رحيله إلى دهر تمنيت فيه عدم رحيله بل محاكمته ليعترف بما سببه للأمة من كوارث وما ارتكب في حقها من موبقات آخرها جريمة لم يرتكبها من حكام المسلمين عبر التاريخ إلا واحد.. ألا وهي رد المؤمنات و إرجاعهن إِلَى الْكُفَّارِ: ) لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ..(

نعم..

رد المؤمنات آخر مخازيه التي لا يحصيها عد.

وهي جريمة لم يرتكبها قبله إلا واحد انتهي بما يستحق.. بالموت والخراب كما يخبرنا الشيخ محمد الغزالي في كتابه: قذائف الحق :

" بعد ضياع الأندلس تطلع الأسبان المسيحيون لاحتلال المغرب. وانتهز ملك قشتالة " فرديناد " الثالث أن " إدريس أبو العلا المأمون " طلب مساعدته على استعادة ملكه في المغرب، فأمده بجيش من اثني عشر ألف جندي مسيحي، وذلك مقابل الشروط الآتية التي التزم بها المأمون: 

1. أن يعطى المأمون لفرديناد قواعد يختارها ملك قشتالة. 

2. إذا فتح المأمون مدينة مراكش وجب عليه بناء كنيسة للمسيحيين. 

3. للجنود الأسبان حق المجاهرة بشعائر دينهم، وأن يضربوا النواقيس لمناداة المصلين معهم. 

4. إذا أراد بعض المسيحيين أن يسلم لا يسمح له بذلك ويتم تسليمه إلى النصارى كي يطبقوا عليه أحكامهم. 

5. وإذا أراد بعض المسلمين أن يتنصر لم يتعرض له أحد !! 

هذه الحادثة التاريخية تبين كيف أن تهافت بعض الرؤساء على السلطة جعلهم يقبلون مثل هذا الشروط.. على أن هذا " المأمون " قضى عليه آخر الأمر، وأمكن طرد الجنود النصارى الذين استجلبهم، فلم ير في المغرب بعد ذلك مسيحي.

*** 

لا يمكن إذن أن يأتي تغيير حقيقي على يد مبارك.. فالمطروح هو العكس..

إنهم يطلبون منه أكثر.. وهو لم يعد لديه ما يمكن أن يقدمه.. كما أن اتهاماته للآخرين بالعمالة والتمويل الأجنبي لا يمكن أن تخدع أحدا.. فأي اتهام من هذا النوع سوف يكون له شخصيا قصب السبق فيه.. ولكي نتجنب المحاذير دعنا من مسميات العمالة والخيانة.. وبعد ذلك – مع ملاحظة تغيير المسميات- فليس مطروحا في الساحة من هو أقرب لأمريكا من مبارك ولا من هو أشد منه وفاء لها.. إنه بتعبير الكاتب محمد عبد الحكيم دياب في صحيفة القدس العربي (26-3) مستعد، في سبيل البقاء في الحكم، لما هو أكثر من الاستسلام والتفريط..

نعم.. في الأعوام الماضية كنت أتمنى محاكمته والحصول على اعترافاته..

لكن يبدو الآن أن هذه المحاكمة ستكون أمريكية.. لذلك أتراجع ولا أملك إلا ما قاله امرؤ القيس عندما بلغه قتل أبيه (ليس ثمة أبوة أبدا لكنه سحر التعبير الباقي والمعبر) :

- ضيعتنا صغيرا وحملتنا دمك كبيرا..

نعم .. ضيعنا صغيرا وحملنا دمه كبيرا..

ونحن الذين كرهناه – في الله بكرهه للمسلمين و إيذائه لهم و إساءته للإسلام – العمر كله نجد أنفسنا نخاف الآن من نكاية الأمريكيين فينا بأن يفعلوا فيه ما فعلوه في شاه إيران وفي صدام حسين وفي قصي وعدي.. ولقد تمكنت الشعوب في أوكرانيا وجورجيا وقيرغيزيا من الإطاحة بالحكام الطغاة بوسائل سلمية، ولذلك من غير المستبعد بالمرة أن تصل هذه العدوى إلى الأقطار العربية.

نعم.. تحولت مشاعري من الرغبة في محاكمته إلى الرغبة في إنقاذه من بطش أمريكي متوقع.. لا لأنه عارضهم أو قاومهم.. على العكس.. لقد فعل لهم كل ما يريدون بل و أكثر مما يريدون لكنهم استنفدوا أغراضهم منه.. وقد آن أوان جزائه الأخير.. جزاء سنمار.

*** 

يجهل الطغاة موقف سادتهم، فأولئك السادة المجرمون كرؤساء العصابات، بل هم رؤساء عصابات فعلا على سبيل الواقع لا المجاز ولا التشبيه، وقد استأجر السادة الصليبيون والصهاينة مجرما قاتلا مأجورا هنا وهناك. 

نعم.. رؤساء عصابات دوليون استأجروا قتلة مأجورين بدرجة ملوك و أمراء ورؤساء جمهورية. وما من رئيس عصابة مهما كان إجرامه و خسته يمكن له أن يحترم أو أن يحتفظ بقاتل أجير أدى مهمته. يظل القاتل الأجير قاتلا أجيرا ولا يتحول أبدا إلى صديق أو ند.. بل هو جزء من الأجهزة القذرة التي يلقى بها إلى القمامة بعد استعمالها مرة أو مرات.

*** 

هذا هو مبارك إذن.. فهل يختلف عنه بدائله؟..

لست أنفي إذن اتهامات مبارك لبدائله كحزب الغد أو أيمن نور، وبرغم شهرة النظام الذي لا تدانيها شهرة في التزوير والتشهير والكذب، فإنني لا أرد الاتهام ولا أدحضه ولا أنفيه. لكنني أقول فقط أن أي اتهام لحزب الغد مردود على الحزب الوطني أضعافا مضاعفة. فلا يمكن على سبيل المثال أن تكون علاقة أيمن نور أو سعد الدين إبراهيم أو حتى الحيزبون الشمطاء أو ذلك الآخر المجنون بأمريكا أوثق من علاقة مبارك بها مهما سميت هذه العلاقة . تماما كما يظل الزنا زنا واللواط لواطا مهما تغيرت اللافتة التي يستتر خلفها من صداقة إلى حرية شخصية إلى حقوق إنسان إلى.. إلى.. إلى..

*** 

أخشى أن الأمر شديد الخطورة والتعقيد.. و أنه لا يوجد حزب ولا هيئة ولا مؤسسة في مصر والعالم العربي والإسلامي إلا وقد تم اختراقها حتى النخاع..

أحزاب كالوفد والغد والتجمع والناصري مفروغ من اختراقها..

لكن ما يرعبني الاختراق الذي حدث للأمل..

لحزب العمل على سبيل المثال..

وما يرعبني نوع الاختراق الذي سيحدث للإخوان المسلمين.

و إنني أنبه القارئ لنوع الاختراق الذي حدث لحزب العمل.. بعدة أشخاص كانوا قريبين جدا من الرأس.. وهم عملاء لأمن الدولة.. أحدهم بلغ من إسفافه وانحلاله أنهم يلحقون اسمه دائما بالعاهرة الأمريكية " مونيكا" فلا يقولون إلا " فلان مونيكا" أما الآخر فهو شخصية رئيسية استولت على أرشيف صحيفة الشعب وحرقته.. وقد كان مطلوبا من هذين وغيرهما في الفترة الماضية فصل مجدي حسين ورفاقه المجاهدين من الحزب مع وعد من الحكومة التي أهدرت عشرات الأحكام القضائية بعودة الحزب وصحيفته.. أقول كان هناك وعد بالعودة الفورية للحزب والصحيفة إذا ما تم عزل الشق غير المخترق في الحزب وعلى رأسه مجدي حسين.. ومن شاء الاستزادة فعليه أن يقرأ مقالات الأستاذ صلاح بديوي خلال شهر أبريل الماضي.

*** 

الاختراق حادث إذن لكل البدائل.. لكن أخطر الاختراقات هو ما أظنه حدث لكبري الحركات الإسلامية.. الإخوان المسلمين..

ومن المؤكد أن هذا الاختراق ليس حديثا.. بل ربما تم في نفس الوقت الذي تم فيه تجنيد عملاء كجارانج وطالباني لكي يتولوا الحكم بعد نصف قرن من تجنيدهم..

أنظر بقلب واجف إلى الأستاذ محمد مهدي عاكف بطيبته وذكائه والقبول الذي منحه الله له فأتساءل في أسى مرعوب عن العلاقة بين شخصيته وشخصية محمد نجيب.. و أتساءل: إذن من هو جمال عبد الناصر الذي سيستولي على الأمر كله لصالح أمريكا مرة أخرى.

*** 

طال المقال.. ولم يعد يتسع لمناقشة هذه الأمور التي أرجو أن أناقشها تفصيلا في المقالات القادمة

لكنني قبل أن أنتهي أنوه لأمرين:

أولهما أن الاختراق لا يكون فقط بتجنيد العملاء بل بغواية الأقوياء..

ولقد حدث في الآونة الأخيرة أمران كانا على قلبي كذوب رصاص منصهر.

فثمة صديق حميم كنت أغبطه و أحسده في شهر رمضان الماضي على كل شئ.. على صلاته وصيامه وقيامه وعبادته واعتكافه..

كان يسبقني في كل شئ ..

وكنت أحسده..

بعدها بشهور .. علمت قدرا.. أنه رئيس نادي الروتاري في منطقته..

وانسحق قلبي أمام دهشته من دهشتي..

وانفجرت فيه انفجارا عاتيا.. ورغم توبته فما زال سؤالي مستمرا:

- كيف جاز لمثله أن يتورط.

الأمر الآخر أشد وطأة.. فهو يتعلق بصديق أهم.. وأخ في الله أكبر من الآخر.. وأمل.. وعمل .. وتاريخ.. ومجد.. وتضحية.. وجهاد.. و.. و.. و..

فوجئت به ضيفا على قناة الكفر والعهر المسماة بالحرة..

ولولا وصية سيدي وحبيبي ومولاي:"هلا سترته" لكنت قد كشفت أمره.. 

لكنني أرأب صدعا و أرتق فتقا و أسد ثغرة و أتجاوز عن خطيئة من أحسبه مجاهدا في سبيل الله..

انسحق قلبي..

انسحق..

وبالرغم من تراجع الصديقين فإن قلبي لم يتعاف من انسحاقه.. ولم يبرأ من هواجسه عن هول الاختراق.. وعن الاحتمالات المرعبة لتداعياته..

 ويطاردني الرعب من تعس ذلك الذي يعمل عمل أهل الجنة حتى يكون قاب قوسين أو أدنى فيعمل عمل أهل النار فيدخلها..

ويطاردني الرعب من أولئك الذين استبطئوا النصر ووعد الله قال فيهم المصطفي صلى الله عليه وسلم : ولكنكم قوم تستعجلون.. 

يصيبني الرعب من أن يكون أيا من أصحابي من الأشقياء الذين قال الله فيهم:

 )سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ( (146)

*** 

يبقى انسحاق آخر للقلب حول التفجيرات الأخيرة في القاهرة..

سوف أتحدث بالتفاصيل في مقالات قادمة لكنني أدين و أحتقر تشويه من قاموا بهذه العمليات.. ( صحيفة حزبية شهيرة حقيرة كانت شامتة بأن أشلاء الشهيد – إن شاء الله - حسن بشندي قد ألقيت في المجاري) .. و كنت أهتف من قلب مكلوم: إنه ما يزال طفلا.. سحقا لقوم خانوا أماناتهم فدفعوه لما فعل..

وبرغم اعتقادي الجازم في أن هذه التفجيرات بصورة مباشرة أو غير مباشرة تخضع لتخطيط مركزي من الأمن ( وليست لدي أوهام بوجود حواجز بين أجهزة أمننا والموساد والسي آي إيه) خاصة بعد ما ثبت أن أحد المتهمين عميل للمباحث..

وليس لدي شك أن الجهاز الباطش الجبار ذو الخبرات العالمية قد استغل كل ذلك للسيطرة على طفل وعلى توجيهه ( دون أي انتقاص لنبل الشهيد مهما كان خطؤه).

وبرغم ما يمكن إثارته من تساؤلات فإن جهاز الأمن الغبي أو العميل يمكن أن يعمل ضد النظام الذي ينتمي إليه( شعراوي جمعة والسادات مثلا) أو بصورة أوضح ما فعله وزير الداخلية جمال عبد الناصر شخصيا كما يروي عبد اللطيف البغدادي في مذكراته– الجزء الأول – ص146 وهو أحد الضباط الأحرار الرئيسيين:

.....".... وفي المؤتمر المشترك من مجلس الثورة وأعضاء الوزارة المنعقد في 20/3/1954م تحدث (جمال عبد الناصر) عن وقوع ستة انفجارات نسف في مبنى السكة الحديد وفي الجامعة وفي محل جروبي في وقت واحد، وعلَّق على ذلك بأن ذلك جرى بسبب سياسة اللين في موقف الحكومة، وأن خطوة العودة إلى الحكم النيابي لا تصلح في هذا الوقت". ولكنه يعترف في اليوم التالي لكلٍّ من حسن إبراهيم وعبد اللطيف البغدادي وكمال الدين حسين بأنه هو الذي قام بهذه التفجيرات، وعزا السبب في ذلك بأنه "كان يرغب في إثارة البلبلة في نفوس الناس، ويجعلها تشعر بعدم الطمأنينة حتى يتذكروا الماضي أيام نسف السينمات ويشعروا أنهم في حاجة إلى مَن يحميهم".

الكفر ملة واحدة ولدينا من السوابق ما يؤيد ما نذهب إليه..

وعلى أي حال و أي صورة.. ومهما كانت الوسيلة والغواية أو الصواب والخطأ فإن أسوأ ما يمكن أن يقال في حسن بشندي ورفاقه أنهم اجتهدوا فأخطئوا.. و أنهم طلبوا الحق فأخطئوه.. أما ما يمكن أن يقال في مبارك وبدائله أنهم قوم طلبوا الباطل فأصابوه..

فاللهم اغفر لحسن بشندي ورفاقه وتقبلهم على نيتهم – إن شاء الله شهداء – وتغمدهم برحمتك..

اللهم آمين.








مبارك .. أعز الله به اليهود والنصارى.. و أذل المسلمين..

شعب (بل نظام) يستحق الحرق..!!

الطـوفـان(2/2)

لماذا لا يحمي المسلمون شيوخهم كما يحمي النصارى قساوستهم..


التنكيل بعلماء الأزهر جريمة لم يجرؤ عليها شارون وتستوجب عزل مبارك..


جزى الله الشيخ سيد عسكر خيرا عن الأمة.. دافع عن القرآن فسحلوه.. 


بقلم د. محمد عباس

www.mohamadabbas.net

mohamadab@gawab.com


 ماذا يحدث لإنسان إذا نزعت روحه..

ماذا يبقى منه..

أيبقي شئ سوى الجيفة؟؟!!

وحتى لو استطاعوا بالوسائل الصناعية، وبالتزوير والتدليس والكذب، لو استطاعوا الإبقاء على مظاهر الحياة دون جوهرها، فهل تتغير الجيفة؟ هل تتطور؟.. هل يمكن إصلاحها دون إعادة الروح إليها؟!..

ماذا يبقي من العين إن سلبت منها البصر..

وماذا يبقى من الأذن إن سلبت منها السمع..

وماذا يبقى من المخ إن سلبت منه العقل..

وماذا يبقى من القلب إن سلبت منه الوجدان والعقيدة..

*** 

لا أريد أن أفلت الواقع في بحر المثال أو دنيا الخيال.. فما أقصده بالإنسان الذي نزعت روحه وبالعين بلا بصر والأذن بلا سمع والمخ بلا عقل والقلب بلا عقيدة هو جمع الأمة أما الروح والسمع والبصر والفؤاد فهي الإسلام.. 

والطوفان الذي يدهمنا يغرقنا لا يكتفي بإغراقنا بل يفصل ما بين هذه المتلازمات..

بين الجسد والروح.. العين والبصر.. السمع والأذن..والمخ والعقل.. الوجدان والقلب.. والأمة والإسلام.. 

يغرقنا الطوفان ويفرقنا شذر مذر فيجعلنا نقرأ سطرا واحدا من صفحة واحدة من سفر الوجود الهائل ثم نحكم على الأمر كله و كأننا قد قرأنا السفر كله..

نعم..

كأنك قرأت صفحة واحدة من رواية ثم رحت تحكم على الرواية كلها كما لو كانت لا تحتوي إلا تلك الصفحة..

كأنك قرأت صفحة واحدة ثم لم تقرأ سواها.. أو كأنك حين قرأت سواها نسيته أو أنسيته..

وذلك جوهر الحداثة دون إخلال حقيقي مهما ادعى الحداثيون: القطيعة المعرفية.. أن تقاطع معارفك السابقة كلها و أولها الدين والإيمان.. أن تنسي الأحداث والأفكار والوجدان والأحاسيس.. فلا تذكر إلا الصفحة التي أمامك .. فإذا أضفنا أن الصفحة التي قدمت إليك إنما هي صفحة مزورة مدسوسة مغشوشة كاذبة اكتملت الكارثة..

سبحان الله..

أليس ذلك ما حذرنا منه القرآن الكريم من أن ننسى الله فينسينا أنفسنا:

)وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ( ( الحشر19)

نعم..

صدق الله العظيم..

أولئك هم الفاسقون..

هم الفاسقون..

*** 

تعاقب الأحداث ينسي بعضه بعضا..

وكلما طال الأمد قست القلوب و أعتمت العقول فعجزت عن رؤية الحقيقة وتاهت عن أصل الحكاية فأصبحت الخطوات خبط عشواء.. كالمريض الذي عجزنا عن تشخيص مرضه فرحنا نعالج الظواهر والأعراض بما قد يزيد وطأة المرض وتفاقمه من ناحية.. ومن الناحية الأخرى فهو لا يمكن أن يعالج مرضا لم يعرف أصله ولا تشخيصه..

وتحت هذا المثل تندرج كل محاولات الإصلاح في عالمنا الإسلامي.. وتندرج بالتالي ممارسات مبارك وبدائله.

يجب أن نعرف أصل الداء كي نعرف الدواء..

*** 

أصل الحكاية إما إيمان و إما كفر..

لا سبيل إلى إعادة الجيفة إنسانا إلا بإعادة الروح إليها..

ولا سبيل إلى إحياء الأمة من مواتها إلا بعودتها إلى الإسلام..

ذلك هو سبيل الإصلاح الذي نتنكبه وطريقه الذي نسير في عكس اتجاهه..

ذلك هو سبيل الإصلاح وغيره مزيد من الفساد والإفساد والخراب..

لطالما مضت الأمة في سبيل التيه وهي تنحدر على الهاوية من ضلال إلى ضلال أضل و من فساد إلى فساد أشد ومن مصائب إلى مصائب أكبر..

نعم.. 

يجب أن نفهم أن كل قضايا الوجود يلخصها أمر من أمرين:

إما إيمان و إما كفر..

هل خلق هذا الكون إله أم وُجد هذا الكون صدفة..

يجب أن نبدأ من البداية فنور البداية هو الذي يضئ لك النهاية..

وسيختلف كل شئ في هذا الوجود إذا ما آمنت أو كفرت..

إذ لو لم يكن الله موجودا – حاش لله – لأصبح كل ما نفعله بلا قيمة.. يصبح الجهاد حماقة والصلاة عبثا ومكارم الأخلاق بلا جدوى والصدق سخفا والشرف بلاهة والالتزام سفاهة.. وتصبح العلاقة بيننا وبين الفلسطينيين والعرب والمسلمين وهما وخرافة وينقسم العالم – بمفهوم الشيطان – إلى متحضرين مستنيرين لا يؤمنون بالغيب ولا بالله ومتخلفين همج ما زالوا يؤمنون بالله.. أما أشدهم تخلفا فإنهم أولئك القلة الذين يعتقدون بأن القرآن وحي الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويقرون بأن الشريعة الإسلامية هي مرجعهم الأعلى في كافة شؤون حياتهم.(!!)

نعم .. إذا لم يكن الله موجودا فكل شئ مباح..

و إذا لم يكن موجودا، فإن الإنسان الضائع في هذا الكون، الإنسان الذي لا أصل له ولا بداية ولا مآل ينتهي إليه إلا مآل الجيفة بعد طلوع الروح.. هذا الإنسان الذي خسر روحه قبل أن تطلع لا يبقي له إلا الجسد.. غواية الجسد.. هوة الجسد.. نتن الجسد.. جيفة الجسد.. حيث الحق هو القوة ولا حق إلا القوة.. وحيث متعه الجسد التي سرعان ما تُسأم.. ليتحول الشذوذ إلى مكون رئيسي في المنظومة..

سوف نتناول ذلك بمزيد من التفاصيل في مقالات قادمة.. لكننا هنا نقول أن الإنسان إما أن يؤمن بالله.. بالقدرة الكامنة خلف الأشياء والأحياء و إما أن يؤمن أنه في البدء كانت المادة ولا شيء وراءها و أنها تفسر كل شيء عبر الإحساس المباشر ، لكن المنطق العقلي المجرد في هذه الحالة يستلزم أن تكون المادة بسيطة ومتجانسة ، إذ يمكن بمنطق الشيطان أن نصدق أن الكون كله مكون من الهيدروجين على سبيل المثال ( لا يصدق ذلك إلا مجنون أو غبي خاصة عندما يكون لديه أبسط إلمام بتركيب الذرة).. ويمكن لعقل الشيطان إذن أن يقتنع بتكون استثناء أو استثناءين، أو على الأقل أن يكون وجود العناصر عشوائيا لا يسلكه نظام. أما أن تكون هذه الاستثناءات 102 استثناء : هي عدد العناصر في الأرض ( ما كان يسمى بجدول مندليف)، و أن يكون كل عنصر منها خاضعا لترتيب رياضي مذهل في دقته، للدرجة التي أمكن بها التنبؤ بوجود بعض العناصر رياضيا قبل اكتشافها في الواقع، حينئذ يكون الاستثناء هو القاعدة، وتنهدم نظرية التفسير المادي للتاريخ، ذلك أن أي محاولة لتفسير تنظيم المادة وتراتبها المعجز بأي قوة خارجها هو اعتراف بوجود الله!! خاصة إذا وضعنا في الاعتبار ملايين ملايين العوامل في نطاق الأرض وخارج نطاقها ، والتي لولاها ما كانت الأرض هي الأرض ولا السماء هي السماء. إذ لو أننا صدقنا التفسير المادي في الأرض فهل كان له أن يتم بمعزل عن سرعة دوران الأرض والمسافة بينها وبين الشمس وعلاقتها بالأفلاك. ونحن أمام احتمالين: إما أن تكون هذه البلايين من العوامل بلايين من الصدف ( و أنا والله يا قراء أشك أنه حتى المجنون يمكن أن يصدق هذا) وإما أن يكون كل ذلك مظهرا من مظاهر المشيئة وسننها وقوانينها.

الخيال المريض الذي يفسر الوجود بتوافق ملايين الصدف أشبه بمجنون يفسر وجود مكتبة هائلة تحوي ملايين الكتب في الدين والتاريخ والفلسفة والأدب الشعر والموسيقى و..و..و..و.. أن يفسر ذلك بانفجار حدث في مخزن للورق تصادف أن حدث معه انفجار في مخزن للحبر فنتج عن الانفجارين – بالصدفة- أن تناثر الحبر على الورق، وبالصدفة أدي تناثر رذاذ الحبر إلى طباعة بلايين الصفحات، دونما خطأ يذكر، ودونما خلل في توزيع الحبر وتجانسه على الصفحات، ثم تصادف أن حدث انفجار ثالث نتج عنه أن تطايرت بلايين بلايين الصفحات فرتبت نفسها دون أي خلل في ترتيب الصفحات ودون سقوط صفحة من هنا أو صفحة من هناك، ثم تصادف أن حدث انفجار رابع في مخزن للورق المقوى فتناثر الورق كي يكون أغلفة للكتب، ثم تصادف أن حدث انفجار في مخزن الأحبار الملونة ترتب عليه رسما مختلفا لغلاف كل نوع من الكتب يتشابه فقط في نسخ الكتاب الواحد ولا يتكرر في كتابين مختلفين، ثم تصادف أن حدث انفجار في غابة مجاورة فنتج عنه – بالصدفة أرفف المكتبة، ثم تصادف انفجار آخر ترتبت فيه الكتب، ثم تصادف انفجار أنشأ الفهارس ثم تصادف انفجار أنشأ المبنى..

ويمكن أن أستمر في هذا العبث بلا نهاية لكنني أتوقف عنه لأقول لكم يا قراء أن هذا المثل الذي ضربته مخجل إلى درجة الخزي إذا ما وضعنا بدلا من المكتبة الخلية أو الذرة.. أو الذبابة.. ضعف الطالب والمطلوب.

سوف نتناول ذلك في مقالات قادمة بمزيد من التفاصيل إن شاء الله، ولن أعتمد على كتب علماء الدين فقط، بل سأعتمد على كتب علماء في الفيزياء والهندسة، مثل الدكتور محمد الحسيني إسماعيل خاصة في مؤلفين جليلين له هما :" الحقيقة المطلقة : الله والدين والإنسان" و " الدين والعلم وقصور الفكر البشري" وناشر الكتابين : مكتبة وهبة: القاهرة"والذي يتناول قضية الإيمان فيهما، ليس عبر النصوص الدينية، ولكن عبر النظريات الفلسفية والقوانين العلمية.

*** 

الإصلاح إذن في حالة إذا ما كان الله موجودا يختلف عن الإصلاح إذا ما كانت شياطين الجن والإنس هي الوجود الوحيد..

لو لم يكن الله موجودا – حاش لله- لكن بوش وشارون ومبارك على حق وكنا نحن على باطل.. ولكانوا هم الذين فازوا بدنيا ليس بعدها آخرة.. فليس هناك أي مقياس ثابت أو معيار دائم فكل شئ نسبي ووقتي ومتغير ومعياره الوحيد المصلحة والقوة واللذة..

لكن ما الأمر إن كان العكس هو الصحيح؟!..

إذا كان الله موجودا.. وثمة غيب وحساب وثواب وعقاب ..

هل يجوز لنا والحال ذاك أن تكون اختياراتنا و إصلاحاتنا بمعزل عن أوامر خالقنا..؟..

هل يجوز ذلك إلا في أحد حالين:

أولاهما أن ننكر وجود الله ذاته – حاشا لله-.

وثانيهما -كما يدعي بعض العلمانيين- أن يؤمنوا بوجود الله 0 ككيان غامض بلا معنى – لكنهم يكذبون بالرسل.

أو نقول ما قاله الخنزير ليو شستراوس أن الدين كذبة نبيلة يجب أن نحافظ عليها.. لكن كما يقول جيمس وايت: علينا أن نحدد نحن مواصفات الله و أن نحدد نحن بنود الشريعة التي تتغير بتغير احتياجاتنا ومصالحنا و أهوائنا ( في التطبيق العملي أسفر هذا عن إباحة كل شئ.. حتى القتل والسرقة والشذوذ)..

دعنا الآن من المبشرين الصليبيين واليهود.. فأولئك طمس الله على قلوبهم فنكصوا عن الكامل ليؤمنوا بالناقص ورفضوا الصحيح وقبلوا المحرف..

دعنا منهم الآن..فلذلك مقال يجب أن يكون وحده.. لكنني أريد أن أؤكد هنا أن المؤمن بالله يجب أن يؤمن بضرورة تطبيق شرعه.. والعكس صحيح.. فكيف يكون مؤمنا بالله وبكتابه ويعرف أي نوع من العذاب سيتعرض له إن لم يبادر إلى تطبيق شرع الله.. ثم لا يفعل..

كيف..

كيف يرى الهاوية تحت قدميه فيقفز..

كيف..

كيف يرى الجحيم أمامه فيقتحم..

كيف يرى أمامه قطعة من الحلوى فيسارع إلى التهامها رغم علمه أن السم الزعاف مبثوث فيها..

كيف إن كان يؤمن بالأبد أن يضيعه ليشتري به الدنيا؟..

كيف..

كيف؟..

كيف؟..

إذن: اختيار الإيمان أو الكفر ليس اختيارا نظريا بل هو أهم محور ومفترق طرق في حياتنا و هو الذي يحدد لنا طريق الإصلاح وفي أي اتجاه نسير.

والأمر إذن ليس أمر خرافات و أساطير كما تحاول فئة الصعاليك والسفلة وشذاذ الآفاق من علمانيين وقوميين وشيوعيين ويساريين وبراجماتيين وحداثيين وما بعد حداثيين أن تثبت.

في الغرب كان لهذه الفئات السافلة بعض احترام لأنها لم تخدع أمتها ولا هي غشت قومها فاعترفت وأعلنت أنها لا تؤمن بالله و أنها ارتضت المادة إلها..وترتب على هذا وضع غايات – أو على الأحرى نفي الغايات – الوجود التي تتلخص في أن متعة الوجود والغاية منه هو القوة واللذة، حيث القوة هي الحق – ولا حق سواه- والسعادة هي اللذة – ولا سعادة سواها-.

و لأسباب عديدة اقتصر الخلاف هناك – في الغرب- على جوانبه الفكرية والفلسفية حتى و إن تحول المجتمع إلى ساحة مفتوحة لصراع يتم طبقا لنظام محدد لا يبيح للملحدين التنكيل بالمؤمنين بدين.

في بلادنا كان الإيمان يقوم بوظيفة جوهرية لم تعرفها الأديان الأخرى.. فلأن الإسلام دين ودولة فقد كان الإسلام يقوم بعمل النسيج الضام الذي يربط بين أجزاء الأمة وبدونه لا تتفتت الأمة فقط بل وتدول دولتها وتزول..

لذلك.. ففي بلادنا المنكوبة أضاف العلمانيون إلى رذائلهم رذيلة الخيانة، حين أخفوا كفرهم. ثم أضافوا إلى رذائلهم محاولة هدم الدين بادعاء تفسيره، ثم أضافوا سلوكا همجيا وحشيا استئصاليا للقضاء على المؤمنين.. القضاء بكل معانيه، بالقتل خارج منظومة القانون، أو بالقانون، والعزل والتشويه والتجويع والحصار والمنع من الوظائف ومن وسائل النشر وحتى من الوظائف المرموقة في المجتمع. بلا عقل ولا خلق ولا ضمير، وهم إذ يفعلون ذلك يرفعون شعارات خالية من المضمون، يرفعون شعار الديمقراطية مثلا، فإذا رأوا أن المؤمنين هم الذين سيفوزون لعنوا الديمقراطية التي جاءت بهتلر ثم تكاد تأتي بالمسلمين. أو يرفعون شعار تحرير المرأة وهم يقصدون تعهير المرأة وحرية الزنا وخلخلة أساس المجتمع الإنساني بإهدار عفة المرأة وشرفها والتزامها ببيتها و أبنائها فذلك في النهاية هو الذي سيكوّن َلـبـِـنات مجتمعهم الملحد.

في مجتمعنا الإسلامي لعب العلمانيون دور وحش خرافي.. تنين أسطوري وفك مفترس أضراسه أجهزة الأمن و أنيابه كتاب الصحف وقواطعه وسائل الإعلام. أما الذي أطلق هذا التنين علينا فقد كان الغرب.

*** 

نعم..

في الغرب كان مثل هذا الفكر رد فعل لدين حرف فانحرف..

وعندما فارقوا الفكر المحرف المنحرف فارقوا تخلفهم..

أما عندنا فكان الأمر على العكس..

دين صحيح أدى ابتعادنا عنه إلى تخلفنا..

في الغرب.. لم يدع مفكر ملحد الإيمان..

وعندنا لم يجهر ملحد بالكفر..

وعملية الإخفاء نفسها تدل على الجبن والخسة والسفالة..

وهي تدل ضمن ما تدل على أن هذه النخبة السافلة المنحطة المنحرفة الخسيسة التي تقودنا الآن لا تقودنا كما تدعي إلى التقدم والتنوير والحداثة – وإلا لجاهرت بمعتقداتها- .. و إنما تدفعنا إلى العبودية الكاملة للغرب..

*** 

كلاب اليسار لم يكفوا أبدا عن النباح على جورباتشوف لأنه فكك الاتحاد السوفيتي.. رغم أنه لم يكن يربط بلاده ببعضها سوى الاحتلال والاستغلال والقهر..

ودببة القومية لم يكفوا أبدا عن التنديد بالدولة الإسلامية لمصلحة الدولة القومية التي لم يصلوا إليها أبدا.. أبدا..

ولقد كان هؤلاء و أولئك أدوات الصليبيين واليهود في تفكيك الدولة الإسلامية والتنفير منها..

... 

أصرخ في الخنازير والأفاعي والكلاب والدببة..

أصرخ فيهم..

حتى لو كان الإسلام –حاش لله – باطلا.. حتى لو كان ذلك.. فكان يجب عليهم المحافظة عليه كما حافظ الصينيون على الكونفشيوسية واليابانيون والهنود على البوذية والهندوكية وما شابه.. كان عليهم أن يحافظوا عليه كنسيج ضام للأمة يقيها من التفتت كما حافظ الملاحدة الصهاينة على أساطيرهم لإنشاء دولة مزيفة من العدم والخرافة والأسطورة.. بينما ضيعنا نحن – بفضلهم الحقيقة..

حتى لو كان ذلك لوجب ذاك..

لكنهم أضمروا الكفر و أظهروا الإيمان..

ولم يكتفوا حتى بالموقف السلبي من الإسلام بل جعلوا من أنفسهم معاول لهدمه وتمزيقه..

ولم يكن ذلك لأنهم اكتشفوا أن الإسلام باطل..

ولا لأنهم اكتشفوا – كما اكتشف سيدهم ومولاهم – أن الدولة الإسلامية محور شر لا بد أن يزال..

لا ..

لم يكن الأمر كذلك..

بل لأنهم بلغوا درجة من السفالة والحقارة والخسة جعلتهم يدركون أن ثمن الإسلام – بالخيانة – ثمن مرتفع جدا..إنه الثروة والسلطة والحكم.. من أجل هذا باعوه.. ولم يكن في بيعهم له مجرد مروق من الإيمان ودخول في الكفر.. بل كان تهديدا لأمن أمتهم كله.. فعبر التاريخ كان الدفاع عن الأمة تحت راية الدين هو الدفاع الأقوى.. لذلك فإن كلاب الاستعمار وعبيد الصهاينة وصبيان اليهود كان عليهم ليس مجرد الخروج من الإسلام.. بل منع المسلمين من دخول المعركة كمسلمين..

فحين تكون الحركة – كما يقول أستاذنا العلامة محمد قطب- جهاداً إسلامياً فالقضية واضحة: مسلمون ثائرون، يجاهدون عدواً صليبياً يحتل بلادهم.فهل يتصور فيهم أن يلتقوا مع العدو الصليبي في منصف الطريق؟ هل يتصور فيهم أن "يتفاهموا" مع عدوهم على شئ؟ هل يتصور فيهم أن يسكتوا على حركة التغريب وحركة التقريب؟ هل يتصور فيهم أن يسكتوا على تنحية الشريعة الإسلامية عن الحكم، ويسكتوا على الغزو الفكري المتمثل في المنهج الذي وضعه دنلوب للتعليم والمنهج الذي تتبعه وسائل الإعلام بمعاونة المستعمر الصليبي؟! 

أما حين تكون حركة وطنية فكل هذا جائز! بل لقد وقع بالفعل! ففي ظل الحركة الوطنية قام التغريب والتقريب، واتسع نطاق الغزو الفكري، واستمر المنهج الدنلوبى، واستمرت وسائل الإعلام تؤدى "مهمتها" في إبعاد المسلمين عن الإسلام!

*** 

يقول العلامة محمود شاكر في مقدّمته لكتاب "المتنبي": 

"صار بيّناً عندي أننا نعيش في عالم منقسم انقساماً سافراً: عالم القوة والغنى، وعالم الضعف والفقر، أو عالم الغزاة الناهبين، وعالم المستضعفين المنهوبين.كان عالم الغزاة الممثل في الحضارة الأوروبية، يريد أن يحدث في عالم المستضعفين تحولاً اجتماعياً وثقافياً وسياسياً فهو صيد غزير يمد حضارتهم بجميع أسباب القوة والعلو والغنى والسلطان والغلبة.والطريق إلى هذا التحول عمل سياسي محض، لا غاية له إلا إخضاع هذا العالم "المتخلف" إخضاعاً تاماً لحاجات العالم "المتحضر" التي لا تنفد، ولسيطرته السياسية الكاملة أيضاً.ومع أن هذا العمل السياسي المحض المتشعب، قد بدأ تنفيذه منذ زمن في أجزاء متفرقة من عالمنا، إلا أنه بدأ عندنا في مصر، قلب العالم الإسلامي والعربي، مع الطلائع الأولى لعهد محمد علي، بسيطرة القناصل الأوروبية عليه وعلى دولته، وعلى بناء هذه الدولة كلها بالمشورة والتوجيه.ثم ارتفع إلى ذروته في عهد حفيده إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي الخديوي، حتى جاء الاحتلال الإنجليزي في سنة 1882 وبمجيء سيطر الإنجليز سيطرة مباشرة على كل شيء، وعلى التعليم خاصة، إلى أن جاء "دنلوب" (في 17مارس 1897) ليضع للأمة نظام التعليم المدمر الذي لا نزال نسير عليه، مع الأسف، إلى يومنا هذا" 

وفي كتاب"أباطيل وأسمار" يصف العلامة الغزو الأوروبي للعالم الإسلامي بأنه :

"غزو خفي الوطء، بعيد المرمى، طويل الأجل ، لم يكن غزواً بالمعنى الذي كان الناس يعهدونه يومئذ، أو الذي نعهده إلى اليوم،لم يكن جيوشاً وجحافل لها صليل يقعقع ونقع يثور، فتدك في زحفها الحصون حصناً حصناً، حتى تفرغ من الأرض كلها في شهر أو شهرين، أوعام أوعامين.كان غزواً أقل ما فيه نكاية هو"الجيوش"،وأبلغه افتراساً هو "التجارة"،وأفتكه بالإنسان هو "التبشير""أباطيل و أسمار "

ثم يعود العلامة ليصف التدمير المفزع لعالمنا الإسلامي .. والذي شارك فيه مثقفونا ومفكرونا:

 "لم ينتصب أحد لوصف هذا التدمير المفزع الذي يشترك في جريمته مثقفون كثيرون، في الأدب، وفي العلم، وفي التاريخ، وفي الفلسفة، وفي الاجتماع، وفي السياسة، وفي الفن كله من مسرح وسينما وموسيقا وغيرها (...) وقد زاد الأمر فلم يبق مقتصراً على التعليم والكتابة والتأليف والصحافة، بل دخل كل بيت دخولاً مفزعاً عن طريق الإذاعة والتلفزيون،بلا رقيب ولا حسيب "(المتنبي).

ولم يكن ذلك تنويرا للأمة بل كان تدميرا للأمة..

ولم يكن التحرير تحريرا بل تعهيرا..

ولم يكن الأمر أمانة بل خيانة.. 

ولم يكن نورا بل ظلاما..

ولم يكن طهرا بل دنسا..

*** 

نعم..

كان ذلك و أكثر ..

وكل خطوة لإبعاد المسلمين عن الإسلام لم تكن فقط جريمة كفر بل جريمة أمن دولة..

وكل خطوة إبعاد المسلمين عن الجهاد لم تكن مجرد جبن بل كفرا وجريمة أمن أمة..

*** 

طريق المؤمنين في الإصلاح إذن غير طريق العلمانيين..

وبهذا المنهج.. وبهذا المنهج وحده نحكم على مبارك وبدائله..

*** 

ليس هناك خلاف على أن مبارك يقدم مثالا نموذجيا للعلمانية والبراجماتية بمفهومها الشرقي لا الغربي.. فالرجل لم يتوان منذ جاء عن الإساءة للإسلام والتنكيل بالمسلمين وتفتيت الأمة لصالح أعدائها.. بل ووصل الأمر عندما حذره البعض من مغبة الجمود والعناد للأمة المستفزة حتى توشك أن تحترق وتحترق معه البلاد .. وصل به الأمر أن أجاب على هذا التحذير بقوله:

- ما تتحرق.. ما تولع بجاز.. شعب يستحق الحرق .

(عن د: محمد عبد الحكيم دياب - القدس العربي 19-5-2005)

*** 

نعم..

أنا أصدق محمد عبد الحكيم دياب رغم أنه قومي..فأنا أنظر إلى ما قال لا إلى من قال..

نعم:

- ما تتحرق.. ما تولع بجاز.. شعب يستحق الحرق .

ويخيل إلى أن هذا كان هو برنامج مبارك منذ جاء.. و أنه لهذا استبقته أمريكا في الحكم ربع قرن.. وقد تستبقيه أكثر..

*** 

اختيار مبارك إذن لا يناسبنا.. فهل يناسبنا أيمن نور أو سعد الدين إبراهيم..؟!..

فلنعترف أن أجهزة جوبلز قد نجحت في تشويه الرجلين نجاحا غير منكور ولا مشكور..

فلنعترف بذلك منذ البداية.. فتلك الأجهزة قد تمرست على غسل مخ الشعوب.. وليس أدل على ذلك من قدرتها على تغيير وجدان الرأي العام أربع مرات في غضون نصف قرن.

ولكن لنعترف أيضا بأمرين:

أولهما أن جل ما قالته أجهزة الإعلام من قدح فيهما صحيح..

لكن الثاني هو أن ما لم تقله أجهزة الإعلام أيضا صحيح.

وما لم تقله هو أنه إذا كان سعد الدين إبراهيم قد حصل على معونات أجنبية اختلس بعضها فإن النظام الذي يتهمه بذلك قد حصل على ألف ضعف ما حصل عليه من معونات ورشاً و أنه اختلس عشرة آلاف ما اختلسه سعد الدين إبراهيم..

ثلاثمائة مليار دولار تم تهريبها إلى الخارج.. ولم يكن أيمن نور أو سعد الدين إبراهيم من هربها..

نعم..

ما قالته أجهزة الإعلام صحيح..

لكن ما لم تقله أيضا صحيح.

و إذا كان أيمن نور قد زور ألف أو ألفي توكيل فإن النظام قد زور أكثر من عشرين مليون صوت( الأصوات الانتخابية) ..

و إذا كان أيمن نور مارس التزوير عاما أو بعض عام فإن النظام يمارس التزوير منذ نصف قرن بل يزيد.

*** 

ولقد تذكرت ما يحدث ما بين مبارك وما بين بدائله، حين كنت أضحك ذلك الضحك الأمر من البكاء، إذ أقرأ حكاية اللص الخائن العميل أحمد الجلبي مع حكومة الأردن. كان الجلبي مدير بنك في الأردن، فاختلسه، وضاعت حقوق المساهمين ومقدارها ثلاثمائة مليون دولار ( ملياري جنيه مصري).. وحكم عليه بالسجن 22 عاما مع الأشغال الشاقة وبرد المال المنهوب.. فهرب إلى أمريكا.. وكان أكبر المحرضين على بلاده والكذابين عليها بفرية أسلحة الدمار الشامل.. و أصبح من أهم حكام العراق بسبب تدعيم أمريكا له.. أمريكا التي لا تدعم من الحكام إلا اللصوص.. ووجد الأردن نفسه في حيص بيص.. إن ملك ملك الأردن نفسه هبة أمريكية .. و أمريكا هي التي جعلته ملكا.. وقررت الأردن الانحناء و إصدار عفو عن أحمد الجلبي.. لكن المفاجأة كانت أن الجلبي رفض العفو وطلب تعويضا و إلا ورط كبار المسئولين الأردنيين فهم اللصوص لا هو..!!

نعم..

ضحكت ذلك الضحك الموجع المؤلم لما صرنا إليه من هوان..

قلت لنفسي أن الطرفين كليهما صادق فيما يتعلق بصاحبه وكاذب فيما يتعلق بنفسه.

وهذا هو نفس الوضع فيما يتعلق بمبارك وبدائله..

*** 

كل ما يقوله مبارك عن بدائله صحيح.. وكل ما يقوله عنه بدائله صحيح.. لكن ما يقوله كل طرف عن نفسه غير صحيح..!!..

وبغض النظر عما قيل وعما يقال وعن رد فعل الشعب إزاء تشويه صورة سعد و أيمن فإنني أظن أنه من الأفضل لأمريكا فعلا أن يكون شخص كسعد الدين إبراهيم أو أيمن نور رجلها القادم بديلا عن مبارك.. لكن هذا الاستبدال لا يدور في إطار استبدال المنهج بمنهج.. بل هو نفس المنهج بطريقة مختلفة.. والفرق بين هذا وذاك كالفرق بين الاغتصاب والغواية.. أو بين البلطجة والإجرام من ناحية والنصب والاحتيال من ناحية أخرى..

نظام الحكم الحالي اغتصاب مستمر للأمة..

وسعد أو أيمن.. هي غواية للأمة للوصول إلى نفس الهدف!!..

نعم..

لا يتغير المنهج من منهج غير شريف إلى منهج شريف..

فقط تتغير الوسائل دون الغايات..

فبدلا من البلطجة التي أصبحت تستمطر اللعنات على أمريكا يأتي النصب والاحتيال!!..

وبغض النظر عن تصديق أو عدم تصديق ما نسب إلى سعد الدين إبراهيم أو إلى أيمن نور أو إلى حزب الغد فإنه مع افتراض صحة كل ما قيل تظل جرائم الحزب الوطني آلاف الأضعاف للدرجة التي يكون فيها حزب الغد ملاكا رحيما أمام شيطان رجيم.

كما أن سعد الدين إبراهيم مهما قيل فيه إلا أنه رجل يمكن التحدث معه.. و أنه على الأقل سوف يجهد نفسه في خداع الأمة وفي ذلك بعض احترام لعقلها.. وعلى الرغم من أن الاحتيال كله مرفوض إلا أنه أفضل من البلطجي الذي يواجهك بالكذب والسياط والرصاص والمحاكم العسكرية.

*** 

وبغض النظر عن صحة أو تزوير الاتهامات فإن النمو الجارف لحزب الغد لم يكن أبدا طبيعيا. ثم أن هذا ميلاد هذا الحزب- كأي حزب آخر- لا يرجع إلى لحظة ولادته بل إلى لحظة أخرى أبعد بكثير.

 في الطفل فإن لحظة البداية تسبق لحظة الولادة بشهور تسعة هي فترة النمو المستتر بعيدا عن العيون. وقد يكون الحمل شرعيا من أب شرعي و أم شرعية وقد يكون سفاحا..

في الأحزاب وما إلى ذلك قد تكون هذه الفترة – بغض النظر عن الحلال والسفاح- عاما أو أعواما أو عقودا أو أجيالا أو حتى قرونا.

إنني أريد أن أنبه القراء إلى فترة النمو السرية تلك.. و إلى الأب الحقيقي سواء كان شرعيا أم غير شرعي.. و إلى احتمالات خطف الجنين نفسه.. لأن كل ذلك هو الذي يحدد خواص الوليد الجديد.. 

إن حركة الضباط الأحرار – مثلا- لم تبدأ في 1952 .. لقد ولدت في هذا اليوم مكتملة الخصائص . أما فترة الحمل فيها فقد بدأت قبل ذلك بأربعة عشر عاما ربما على أيد كعزيز المصري ومحمود لبيب ومعروف الحضري.. ثم التقطتها – أو اختطفتها - أيد أخرى كمايلز كوبلاند وكيم روزفيلت..

ولد إذن حزب الغد عملاقا بعد حمل طويل وليس هناك يقين عن أبيه الحقيقي.

على العموم لقد وجدنا فجأة حزبا كبيرا.. يمثل التركيبة التي تريدها أمريكا.. فثلث أعضائه مسيحيون أما الثلثان الآخران فليس لهم من الإسلام – غالبا – إلا اسمه وسطرا في بطاقة الهوية. وهذه هي التركيبة المثالية بالنسبة للأهداف الأمريكية حيث يجرى عزل الإسلام كله ( ليس الأهداف الأمريكية فقط.. بل أهداف وزير أوقاف فاسق وعالم مارق وحاكم منافق)..

لكن.. لا داعي إذن للاتهامات بالعمالة والخيانة واللصوصية والإجرام والتزوير والتلفيق و..و..و..وكل المسميات التي قد تصدق وقد لا تصدق لكنها على أية حال و أيا كانت السميات فإن حزبا من الأحزاب لا يستطيع منافسة الحزب الحاكم عليها.

ولقد سألني صديق ساخرا وممرورا:

- إن كان لا مفر.. ولم يكن هناك من طريق ثالث غير الاغتصاب أو الغواية.. فإن الغواية أفضل.. و على هذا فإن سعد الدين إبراهيم أقل سوءا من مبارك.. و أيمن نور أقل سوءا من جمال مبارك..

ورددت عليه في وجوم:

- عليهم جميعا دائرة السوء. 

ثم رحت أرتل في همس:

-  ) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً (

*** 

أما حزب الوفد فلا يصلح أبدا..

لم يعد يمثل الأمة.. وهو لا يستوفي متطلبات أمريكا.

ومهما كان رأينا في نعمان جمعة الذي يمكن أن نشك في أشياء كثيرة جدا تقال عنه لكنه ليس عميلا ولا خائنا ولا هو مستعد لبيع البلد لأمريكا.. وفي هذا الصدد فإن الحزب الوطني يتفوق عليه – كما يتفوق على الآخرين جميعا .. ما عدا بعض التحفظات على التجمع والناصريين - تفوقا ساحقا 

لا يصلح حزب الوفد أبدا..

و إذا كان وفد سعد زغلول نفسه، أو مصطفى النحاس أو فؤاد سراج الدين لا يصلح.. فكيف يصلح وفد نعمان جمعة..

لقد كان مكرم عبيد قبل ذلك مثلا نادرا للسياسي الأحمق الذي دمر نفسه وانشق على حزبه ليكون حزبا هزيلا عميلا.. ولم يكن يضاهيه في ذلك أحد حتى أتي نعمان جمعة ليسبقه.. فهو لم ينشق على حزبه بل حول حزبا كان عملاقا إلى حزب هزيل عميل.. ولقد بدد نعمان جمعة في أقل من عشرة أعوام رصيده كله – وقد كان كبيرا- ثم دمر حزبه حتى كاد أن ينافس حزب الصباحي في " المسخرة" وقلة القيمة.. ولولا بعض الشخصيات التاريخية القليلة الباقية لما أبه به أحد.

لقد مارس الدكتور نعمان جمعة طغيانا غريبا يجعل الكثيرين يفضلون مبارك – كطاغية متمرس – عليه.. تماما كما يفضل الضحية في السجن جلادا متمرسا يعذبه دون أن يكسر عظامه ويريق دماءه.. وليس هذا مجرد مثل.. فقد سمعته فعلا من بعض ضحايا التعذيب.. فالجلاد المتمرس يسبب حدا أقصى من الألم لكن أثره يزول ي بضعة أيام أو أسابيع.. أما الجلاد غير المتمرس – الغشيم- فقد يسبب قدرا أقل من الألم ساعة التعذيب لكنه قد يترك كسرا يلتئم في شهور أو جرحا يتقيح أو حتى عاهة مستديمة.

إن نعمان جمعة كما يقول عنه منافسوه الوفديون ومنهم فؤاد بدراوي وبعض المحسوبين عليه من أنصار التطبيع مع العدو الصهيوني، كما أن دفاعه عن الدكتور يوسف والي قضية جريدة الشعب، والخاصة باتهام دكتور والي بالعمل لصالح إسرائيل شكل وصمة عار لا تمحى.. خاصة بعد ما أشيع من أن السبب لم يكن الصداقة كما ادعى.

ولقد تعرض الدكتور نعمان جمعة لانتقادات عنيفة مزقت كيانه وهيبته بسبب مواقفه من أعضاء حزبه وقرارات الفصل المتعددة التي طالت الأقطاب مثل يسن سراج الدين – وهو تصرف وصفه الأخير بأنه صغير - والصحافيين كمجدي مهنا وغيره والنواب كمحمود الشاذلي و أيمن نور وفريد حسنين وعشرات وعشرات.. وكذلك موقفه اللاأخلاقي من الدكتور جمال حشمت وحتى من المرشد العام للإخوان المسلمين .

حزب الوفد لا يشكل بديلا إذن للحزب الوطني.. ليس بسبب انهياره على يد رئيسه نعمان جمعة الذي حوله من حزب قوي إلى حزب كاريكاتوري ( انظر اتهامهم المضحك لحزب الغد بعملية تفجير الأزهر الأخيرة).

فبغض النظر عن خواص وطبيعة نعمان جمعة ودوره الحاسم في إنهاء دور حزب الوفد تاريخيا فإن الحزب لا يصلح للعصر الأمريكي الجديد.

لا نتكلم عن الفساد وهو موجود.. ولا عن الاستغلال والانتهازية وهي غالبة .. ولا عن ضحالة التفكير وهي سمة..لكننا نتحدث عن حزب الوفد في صورته المثلى.. وفد فؤاد سراج الدين أو حتى مصطفى النحاس.. بل وفد سعد زغلول.

إن فكرة الوفد النبيلة – وهذه مأساة – قد فرغت منذ البداية من محتواها لتتحول إلى فكرة لغسل مخ الأمة..

لقد كان سعد زغلول صنيعة كرومر..

.يقول الدكتور فهمي الشناوي:

 "ابتداء من 1905م بدأ -الثعلب كرومر- أخطر وأخبث حيلة؛ حيث ابتدأ في اصطياده نبهاء الأمة الإسلامية في شبابهم، ليلتقطهم ويسند إليهم مناصب كبيرة تخدم خط تكوين قومي على حساب الأمة: التقط سعد زغلول وأسند إليه وزارة المعارف 1906م أهم الوزارات.والتقط الشيخ محمد عبده -وجعله مفتي للديار، وبذلك ضمن أولاً تفريغ صفوف الأمة الإسلامية من رجالها - وهم لم يكونوا رجالها - ونقلهم إلى صف التفاهم مع الغرب، والتفاوض مع الغرب، واتخاذ الغرب نموذجاً ولو جزئياً ولو ثقافياً.وأنشأ لنفسه مكاتب وصالونات تروج لفكرة اصطياد نبهاء الأمة -مثل صالون الأميرة ناظلي فاضل( تنصرت وتزوجت مسيحيا)، وتم اصطياد لطفي السيد الذي اندفع اندفاعا أعمى ضد الأمة بمقولة "مصر للمصريين" أي ليست للإسلاميين حتى لو صارت للقبط ما داموا مصريين! وأسموه فيلسوفاً دون أن تكون له أدنى علاقة بالفلسفة.واصطاد عبد العزيز فهمي حتى أصبح قاضي قضاة مصر، ولكن بالقانون النابليوني لا بالشريعة! واصطاد قاسم أمين الذي روج بدعوى مساواة المرأة إلى خلخلة تقاليد وأعراف المجتمع الإسلامي .واصطاد عبد الرحيم باشا الدمرداش ليجعل للصوفية على الوعي السياسي الإسلامي قدحا معلى.واصطاد خلفاؤه من بعد نبهاء؛ أمثال عبد الخالق ثروت وطه حسين، وعناصر قبطية؛ مثل البروتستانتي مكرم عبيد سكرتير المستشار القضائي، الذي وصل لقمة الحركة الوطنية، واليهودي رينيه قطاوي الذي وصلوا به إلى وزير مالية لسعد زغلول وزوجته وصيفة للسراي، ومئات غير هؤلاء.وهذا كله لصياغة مجتمع جديد من عجينة جديد" .

نفس الطريقة تتكرر..

ما حاوله نابليون عن طريق المعلم يعقوب يفعله الإنجليز عن طريق كرومر ويفعله الأمريكيون عن طريق روزفيلت وكوبلاند..

وما فعله محمد على و أبنائه عن طريق الطهطاوي فعله كرومر عن طريق سعد زغلول وقاسم أمين و أحمد لطفي السيد ثم صبيانهم كطه حسين وسلامة موسى .. وهو نفس ما فعله القوميون – تحت إشراف أمريكي- بعد ذلك عن طريق مئات كصلاح عيسى وجمال الغيطاني وغالي شكري ولطفي الخولي ووحيد عبد المجيد وجابر عصفور ويوسف القعيد.. و.. و.. و.. 

يقول الأستاذ أنور الجندي:

 "لقد كان الاستعمار حريصاً على صنع طبقة خاصة من المثقفين، عمل كرومر على إعدادها ووعدها بأن تتسلم قيادة الأمة بعد خروج الإنجليز لعلمه بأن المجتمع المسلم قد يتقبل من هذه الطائفة المتدثرة باللباس الإسلامي ما لا يتقبله من الاحتلال أو من العلمانية."

*** 

بدايات سعد زغلول – كشقيقه فتحي زغلول – لم تكن مبشرة أبدا بخير..

ولقد كان سعد يقول عن اللورد كرومر –في مذكراته- :

 "كان يجلس معي الساعة والساعتين، ويحدثني في مسائل شتى كي أتنور منها في حياتي السياسية"..

وكانت هذه من بدايات التنوير في مصر!! 

كان سعد زغلول انحرافا بالأمة من الطريق الإسلامي إلى التغريب..

ينبه العلامة محمد قطب في كتابه: "واقعنا المعاصر" إلى علامات سعد في طريق التغريب، إن سعد زغلول ينتهز فرصة الثورة التي تخرج فيها المظاهرات الحاشدة تطالب بالجلاء التام أو الموت الزؤام، ويطلق الإنجليز الرصاص من مدافعهم الرشاشة علي المتظاهرين فيسقط منهم كل يوم قتلي بلا حساب – وهي ثورة استغلها سعد زغلول ولم يشعلها- ليسوق مظاهرة من النسوة وعلي رأسها زوجته صفية هانم زغلول إلى ميدان الإسماعيلية ليلقين الحجاب ويدسنه بأقدامهن.. وليتحول اسم الميدان إلى ميدان التحرير.. ليس تحرير مصر من الانجليز بل تحرير المرأة من تعاليم السماء!!..

وكانت القاهرة – بطبيعة الحال – هي مركز الثورة.فكانت المظاهرات تخرج يوميا من الأزهر، 

وازدادت حدة فسحبت بريطانيا مندوبها السامي من مصر وجاءت باللورد أللنبى مندوباً سامياً في مصر على أمل أن يقضى على الثورة فقد كان أللنبى هو القائد "المظفر" الذي تغلب على جيش دولة الخلافة. 

مكث اللنبى مكث شهراً كاملاً يدرس الأحوال في مصر ثم أرسل تقريراً مطولاً إلى حكومته أبرز ما فيه جملتان ذواتا دلالة عميقة وأهمية بالغة:

"إن الثورة تنبع من الأزهر، وهذا أمر له خطورته البالغة".."أفرجوا عن سعد زغلول وأعيدوه إلى القاهرة! ".

لقد أدرك الرجل الداهية – وما كان في حاجة أن يكون داهية لكي يدرك – أن الثورة تنبع من الأزهر – أي أنها ثورة دينية إسلامية – وأن هذا الأمر له خطورته البالغة! .

إن أعداء هذا الدين يعلمون جيداً أن أخطر شئ عليهم هو روح "الجهاد" في هذا الدين.

وعاد سعد زغلول ليقدم التطبيق العملي لنظرية أللنبي و ليقول: 

الدين لله..والوطن للجميع! 

بعبارة أخرى: حول سعد الثورة من ثورة دينية إسلامية، إلى ثورة وطنية لا علاقة لها بالدين.

إن سعد زغلول كان زعيما بلا شك.. كما أنه كان أكبر من أن يكون عميلا للإنجليز.. لكنه – وهذا هو الأخطر – كان قد تغرب هو نفسه. كان قد عاصر فترة الانكسار بعد هزيمة عرابي.. وكان أمامه طريق الندامة وطريق السلامة.. وكان طريق الندامة يؤدي إلى شِعْبٍ من شعبين: شِعْب الانهيار وشِعْب الانبهار.. ولقد أنقذ سعد نفسه من الوقوع في شِعْب الانهيار باللجوء إلى شِعْب الانبهار بالغرب.. دون أن يفكر في طريق السلامة.. طريق استعلاء المسلم.. طريق أنتم الأعلون..

لو كان سعد زغلول عميلا مباشرا للفظته الأمة ولما مثل خطرا على وجدانها..

كان فعلا زعيما..

وفعلا أحبه الناس..

ليس لأنهم غفلوا عن حقيقته – كما حدث مع جمال عبد الناصر – لكنهم أحبوه برغم أنهم عرفوا حقيقته..

يقول العلامة محمد قطب: أصبح ما يقوله سعد هو الحق مهما كان مخالفاً للحق! وأصبح ما يفعله سعد هو الصواب، أو أصبح على الأقل مسكوتاً عنه ولو كان أبشع الأفاعيل! 

كان سعد يقامر – كما أقر في مذكراته – ويغرق في لعب القمار حتى يخسر أمواله، وأعداؤه السياسيون يكشفون للجماهير ذلك، فتبتلع الجماهير ذلك، وتزداد تعصباً لسعد كلما أوغل أعداؤه السياسيون في النيل منه! وكان يفطر فى رمضان، ويشرب الخمر – حتى في رمضان – ويذيع عنه أعداؤه ذلك، فيعتذر عنه المعتذرون بأنه ضعيف لا يقوى بدنه على الصيام – فهو من أهل الأعذار – وأن الطبيب قد نصحه بأخذ جرعات من الخمر بين الحين والحين لإصلاح معدته! ( ) فتبتلع الجماهير إفطاره في رمضان وشربه الخمر، وتزداد تعصباً له! ! 

وكان يوظف أقاربه وأصهاره في الوظائف الكبيرة، ويعيب عليه أعداؤه هذه ا"المحسوبية" فيرد عليهم متحدياً: "سأجلعها زغلولية لحماً ودماً" فتصفق الجماهير إعجاباً بالزعيم الكبير! ! 

وفي النهاية لم تعد القضية عند الجماهير هي قضية "الوطن" – حتى بعد تحولها من قضية إسلامية إلى قضية وطنية – بل أصبحت القضية هي قضية سعد زغلول ..

*** 

كان سعد زغلول مرحلة في تقديم نموذج جديد للزعيم الذي لا تشينه نقائص الأخلاق.. الزعيم الذي لا يعتمد في زعامته على علمه وورعه ونظافته ونقائه كالسيد عمر مكرم على سبيل المثال..

وكان هذا مقصودا في حد ذاته.. ليس من أجل سعد بل من أجل نموذج سيتم تعميمه على العالم العربي والإسلامي..

ثم أن سعد لم يكن خلوا من المزايا.. لكنه تحت وطأة الانبهار بالغرب لم يقدم للأمة ما تحتاج إليه و إن قدم بعضه..

 فبرغم تعريبه للتعليم إلا تعريبه اقتصر على الشكل دون المضمون فاستمر تشويه التاريخ والإسلام كما أنه شارك أيضا في مجلس شورى القوانين حيث كان هدفه إصدار "قوانين" تحكم البلاد بدلاً من الشريعة الإسلامية!.. وبرغم أنه استغل الثورة وتزعمها – وكان على حجم الزعامة بمعناها العلماني.. إلا أنه لم ينجح في قطف ثمار الثورة التي تخلى عنها بعد عودته من المنفى فوافق على وقف الثورة على أساس "التفاوض مع الإنجليز" .. لكن التفاوض فشل.. فلم يندم على قبوله بوقف الثورة وإنما قال كلمتين كل منهما كارثة تهدم مشروعه كله: 

 "خسرنا المعاهدة وكسبنا صداقة الإنجليز" ..!!..

و..

"الإنجليز خصوم شرفاء معقولون"! ! ! ...

 ورضيت بذلك الجماهير! ! ! 

ولم يكن منهج الإسلام ليرضى!!.. 

*** 

ثمة تساؤل هنا لا بد أن نسأله..

كانت بريطانيا في ذلك الوقت قد هزمت الخلافة الإسلامية فعليا وكانت على وشك إلغائها.. فهل يتصور أحمق أنها لم تعد عدتها في العالم الإسلامي لمن يضبط لها الأمور.. بنفس الطريقة التي ضبطت بها الأمور في 4 فبراير 1942..

هل نتصور أن بريطانيا خططت لهدم أكبر و أعظم إمبراطورية في التاريخ: الإمبراطورية العثمانية الإسلامية دون أن تمهد الأرض من جاكارتا إلى طنجة.. ومن الهند إلى الشيشان؟..

ماذا يمكن أن نقول اليوم عمن يتصور أن أمريكا لم تخطط لانهيار الاتحاد السوفيتي ولم تمهد العالم للتعايش مع انهياره..

ماذا يمكن أن نقول على من يتخيل أن انتخابات الرئاسة القادمة في مصر تتم بمعزل عن التخطيط والتدخل الأمريكي؟!..

نعود لنقول أن بريطانيا كانت قد مهدت لانهيار الخلافة كما مهدت لحادث 4 فبراير..

أقول هذا رغم أنني واحد ممن يتعاطفون إلى حد كبير مع موقف مصطفي النحاس في ذلك الوقت.. أتعاطف معه تعاطف المشفق لا الموافق فقد تصرف الرجل ببراءة وقصر نظر نادر المثال إن لم يكن منقطع النظير.. وأنا أدرك أن خطيئته التي وقع فيها كانت خطيئة منهج لم يره ولم يفهمه رغم طيبته ونزاهته..( دعنا من اتهام محمد حسنين هيكل باقتراف الفاحشة فليس هكذا تلقى التهم في الإسلام).. كان الخطأ في عدم فهم واتباع المنهج الإسلامي.. منهج الجهاد الذي لا يعرف الهزيمة فإما استشهاد و إما نصر.. ومن هذا المنطلق غير الإسلامي كان يعتبر كمال أتاتورك مثله الأعلى.. ولقد نشرت في مقال سابق رد الإمام الشهيد حسن البنا عليه.

*** 

 كان الإسلام ينحى في هدوء..

يُذبح في صمت..

كانت البداية على يد " أستاذ الجيل " فقد ظل يكرر في جريدته أن الدين شئ سام نبيل، ولكن محله القلب، ولا ينبغي خلطه بالسياسة، لأن السياسة دنسة، ولا يجوز تلويث الدين بدنس السياسة.

وجاء محمد عبده يقول: لعن الله ساس ويسوس وسياسة ! 

ثم جاء سعد زغلول يقول: الدين لله، والوطن للجميع.

وجاء مصطفى النحاس ليقول أن أتاتورك مثله الأعلى ( وهو ما قاله بعد ذلك جل الضباط الأحرار )..

وظل الدين يزحزح ويقلص حتى انتهى تماما عند " المثقفين " إلى المفهوم الغربي الكنسي للدين.علاقة بين العبد والرب، محلها القلب، ولا صلة لها بواقع الحياة..حتى أصبح يقال: ما للدين والسياسة؟ ما للدين والاقتصاد؟ وما للدين وقضايا المجتمع؟ وما للدين وملابس المرأة؟ ما للدين وعمل المرأة؟ ما للدين..وأي شئ في هذه الحياة؟.

*** 

شكل الوفد أيضا – بعلمانيته – حاضنا للقومية..

يقول جورج كيرك مؤلف كتاب موجز تاريخ الشرق الأوسط:

إن القومية العربية ولدت في دار المندوب السامي البريطاني !! 

ولقد كانت بريطانيا قد فكرت من قبل في إيجاد " الجامعة العربية " على مستوى الحكومات ، فطار " أنتوني إيدن " وزير الخارجية البريطاني إلى القاهرة عام 1946م ودعا الملوك والرؤساء العرب إلى الاجتماع به هناك ، وعرض عليهم في الاجتماع فكرة إنشاء الجامعة العربية في القاهرة لتتبنى قضايا العرب وتدافع عن مصالحهم ! ! ولكن ذلك لم يكن كافيا ، فقد كان لابد من رفع راية " القومية العربية " على مستوى الجماهير ! 

فلما ورثت أمريكا بريطانيا وفرنسا بعد الحرب وبسطت نفوذها على " الشرق الأوسط " " " أقامت – عن طريق الانقلابات العسكرية – زعامات كاملة تدافع عن " القومية العربية " في الوقت الذي تحارب فيه الإسلام والمسلمين! وقالت الدعاية – التي أقامتها أمريكا وإسرائيل – إن أمريكا وإسرائيل لا تخشيان شيئا خشيتهما للقومية العربية ، ولا تخشيان أحدا خشيتهما لزعيم القومية العربية! 

( راجع محمد قطب: واقعنا المعاصر- بتلخيص شديد وتصرف كثير-).

*** 

باختصار شديد : لقد كان الوفد دعوة إلى القطرية ضد الإسلامية ولهذا كان مقبولا في فترة طويلة لأنه يمزق نسيج الدولة الإسلامية ويقتطع منه ويقدم المثل والقدوة لدول أخرى علها تحذو حذوه، وهو ما حدث.. (سئل مصطفى النحاس ذات يوم عما تفعله حكومته لإنقاذ فلسطين فأجاب مستنكرا: لكنني رئيس وزراء مصر لا فلسطين).. وظل الوفد – بحماقة – يراهن على أن دوره ما زال مطلوبا بعد أن خدعته شعارات من نوع أنه هو الحزب الليبرالي الوحيد.. ولم يكن هذا الزعم يخدع أحدا إلا حزب الوفد نفسه.. أما على أرض الواقع.. فبعد أن اكتمل تمزيق الدولة الإسلامية.. جاء الدور على تمزيق الدولة القطرية.. ولم يكن قد بقي للوفد من أساس غير الدولة القطرية.. وانقلاب الغرب على هذه الدولة– بعد أن أدت دورها الذي انتهي بهزيمة يونيو 67- كان بمثابة حكم بالإعدام على حزب الوفد.

هذا من ناحية..

ومن الناحية الأخرى كانت الصحوة الإسلامية قد كشفت للأمة أن الوفد كان – حتى دون أن يعلم كل أتباعه- حلقة في العلمنة والتغريب.. كان حلقة في هزيمة الأمة.

الوفد لا يصلح إذن وهو غير مرشح كبديل لمبارك..

لكنني قبل أن أنتهي أقول أنه كما في الشرار خيار فإن الوفد رغم انتمائه إلى قطاع مرفوض كله فقد كان أفضل من سواه .. خاصة قبل نعمان جمعة..

*** 

أما الحزب الناصري فإن أي حديث عنه هو حديث موصول بالحديث عن الحزب الوطني.. الفرق الوحيد أنه يشكل الفصيل الذي جاء الدور عليه ليهمش كما همش هو نفسه قطاعات أخرى عندما امتلك القوة والسلطة..

إن حسني مبارك هو الامتداد الطبيعي لجمال عبد الناصر و أنور السادات.. رغم أنهما كانا أفضل منه.. إلا أنه يسير في السياق الطبيعي.

في حوار مع محمد حسنين هيكل كنت أسأله عن دوره في انقلاب 15 مايو فأقر أنه وقف إلى جانب السادات.. وكان تبريره أنه ظن السادات جاهلا.. و أن الجاهل بالخبرة يتعلم.. كما أنه كان يرى الطرف الآخر مجرما.. و أن المجرم بالخبرة يزداد إجراما..

الذي لم يقله هيكل أن التوفيق قد خانه في حساباته و أن من ظنه جاهلا فقط كان جاهلا ومجرما أيضا..

فهل تدرك الآن أيها القارئ من يحكمنا؟.

*** 

يصيبني الذهول عندما أرى الناصريين لا يخجلون من ناصريتهم رغم أن كل ما يسعون إليه الآن هو تحرير الدولة من آثار طغيان عبد الناصر و إزالة آثاره..

فالاستفتاء بدعة ناصرية لعن الله من ابتدعها..

وتزوير الانتخابات سنة ناصرية لعد الله من بدأها..

والتشبث بالحكم حتى الموت سبيل بدأه الزعيم الذي كان الشيطان يلهمه – كذلك روزفيلت وكوبلاند-..

والجرأة على العلماء سياسة ناصرية..

والتنكيل بالشرفاء سبيل ناصرية..

وامتهان الجامعة والقضاء كلها آليات ناصرية..

والكذب على الأمة مشروع ناصري..

وغسيل مخ الشعب فن برع الناصريون فيه..

أما أبشع ما فعلوه فهو الفخر بالمنكر والخجل من المعروف.

وبرغم كل هذا فما زال هناك من يدافع عن الناصرية ويراها طريق السلامة!!

*** 

أذكر القارئ، أنني بعد أحداث 11 سبتمبر حذرت القارئ من أن أمريكا ستروج لاتجاهين في العالم العربي:

الصوفية ( المدربة على المبايعة وموالاة الحاكم أيا كان ) كي تقاوم بها الأصولية التي تتضمن بالضرورة الجهاد..

والناصرية كي تقاوم بها الإسلام..

و أظن أن الأيام تثبت صدق ظني..

*** 

 أشهد أن صحيفة العربي قد مارست الحرية حتى حدها الأقصى..

لكن الأمر لا يخدع خبيرا..

فكلما كان صوت الصحيفة يعلو كانت الإعلانات الحكومية تزداد.. وفي مقالي الماضي فهمنا أن العلاقة الخاصة بين عبد الله السناوي وفاروق حسني وتأييد سياسة الوزارة كان الطريق إلى المزيد من الإعلانات..

أذكر.. في صحيفة الشعب .. أن الحكومة خنقتها بمنع الإعلانات.. ليس الإعلانات الحكومية فقط.. و إنما إعلانات القطاع الخاص أيضا.. حين كانت التهديدات تنهال على من يعلن في الشعب.

لم يحدث ذلك للعربي..

كانت الصحيفة وكان الحزب عضوا رئيسيا في اللعبة..وكان على الدولة تمويله والتغاضي عن ديونه (أكثر من مليون جنيه للأهرام) بل وتقديم الرشا له ( مليون أخري مقابل تأييد وزير الثقافة في قضية الوليمة)

*** 

لقد تكلمت عن عبد الله السناوي في المقالة الماضية..

وتكلمت عن رئيس التحرير السابق – عبد الله إمام- قبل ذلك منوها أنه لم يكن يفيق من أمرين: الخمر والكذب.

ولست أحب أن أتكلم عن ضياء الدين داوود.. فالضرب فيه حرام..!!

لكننا نتناول في عجالة عبد الحليم قنديل.. ولقد حسبته في وقت من الأوقات جديرا بالاحترام حتى موقفه المخزي في قضية الوليمة لكنني حاولت أن ألتمس له المعاذير بعدم الفهم والعجز عن المواجهة..

لكنه فقد احترامي كله حين راح يروج لفكر الكفر و أدب الكفر وفن الكفر والاستهزاء بآيات الله..

ولكم كانت صدمتي في صحيفته حين راحت تفخر بأنها الصحيفة الوحيدة التي تتحدى وتنشر مقاطع طويلة من الروايات الفاسقة التي صادرها وزير الثقافة ثم نشرها حوارا مع نصر حامد أبو زيد.. 

تتحدى من؟.. 

تتحدى الله؟!.. 

ليس هناك سوى الله من تتحداه لأن الآخرين جميعا من أول الــ CIA وحتى الموساد وجميع ما بينهم من كفار و أشرار وخونة وحثالة وسفلة و مأجورين ومخدوعين يرحبون بنصر حامد أبو زيد.. الكافر المرتد بحكم محكمة النقض التي تستمد قوانينها من قانون نابليون!!.. وبرغم أن الحكم قد صدر من أعلى محكمة مصرية فقد رفضت السلطة تنفيذه.. 

ليس هناك سوى الله من تتحداه تلك الصحيفة .. أما الآخرون جميعا فسوف يجزلون لها العطاء وكوبونات النفط الذي تسرقه أمريكا من العراق.. 

بدأت الصحيفة أخزاها الله فضيحتها في موضوع نصر حامد أبو زيد بالقول: 

" قد يقول قائل إن الفكر الحر والنقدي محكوم عليه أن يبقي نخبوياً،. لكن المصيبة الكبرى أن عناصر التخلف والتقليد الأعمى واللاعقلانية صارت اليوم ثقافة تليفزيونية جامعة يروج لها في أوساط الملايين أشخاص من أمثال الداعية عمرو خالد، ومن قبله الشيخ محمد متولي الشعراوي؛ هذا في الوقت الذي تغلق فيه أبواب المؤسسات الأكاديمية العربية، وعلي رأسها الجامعة المصرية، في وجه آخر ممثلي تيار النهضة العربية .الذي بدأ بالشيخ محمد عبده وطه حسين، ولا يجب أن ينتهي مع نصر حامد أبو زيد. لكن هذا الأخير لم يحرم فقط من بلده وأهله ومنصبه الأكاديمي، لكنه حرم أيضا من طلابه ومنع، زوراً وبهتاناً، من أن يزرع في عقول الأجيال الجديدة الفكر النقدي العقلاني الذي أخذه عمن سبقوه وطوره، والذي بدونه لا قيامة للعرب وللمسلمين من سباتهم الطويل.".. 

لعنهم الله جميعا.. 

لعنهم الله..

لم تتطرق هذه الصحيفة.. ولا أي كلب من كلاب النار تطرق إلى الأسباب الحقيقية الكاملة لقضية الكافر المرتد نصر حامد أبو زيد .. 

وموجز ما يقوله أبو زيد هو أن القرآن الكريم ليس وحيا من عند الله ولا هو في اللوح المحفوظ ولا هو في علم الله الأزلي و أنه من إفرازات الثقافة العربية لبيئة الرسول صلى الله عليه وسلم فلا وحي ولا قداسة.. إنه يريد التخلص من سلطان الله – سبحانه وتعالى- ويدعو إلى التمرد على هذه السلطة. إن الشرع الشريف – كتابا وسنة - غير صالح لوضع الحلول لكل القضايا. ثم أن الإسلام دين عربي وليس عالميا ولا شاملا. 

*** 

أضف إلى ذلك المحاولات الدائبة لتشويه الاتجاه الإسلامي والحصول من قياداته على تصريحات مسيئة أو غير موفقة كتصريحات الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح التي قال فيها أنه لا يمانع أن يحكم مصر مسيحي أو حزب ملحد.

كان الخلل عميقا في المنهج..

ثم رأيت بعضا من تجلياته في شهادة واحد من أهلهم حين نشر الناصري العتيق الأستاذ أحمد الجمال في صحيفة العربي 27 مارس مهاجما بعض الناصريين – و أحسبه يقصد قنديل بالذات- :

"كفاية وصاية على شعب مصر!" 

"كفاية وصاية من الذين ادعوا القوامة عليه، بحكم وجودهم في السلطة، وأيضا من الذين يدعون القوامة عليه بحكم أشكال يخترعونها، وشعارات يرددونها، وهتافات يطلقونها، ومناورات يديرونها، وتلفيقات يحبكونها، وخلط للأوراق والأهداف يرتكبونه عن عمد وسبق إصرار.

إن جريمة الوصاية النضالية لا تقل بشاعة عن جريمة الوصاية السلطوية، بل إن الأولى تتجاوز الجريمة إلى الخطيئة."

وقد علق ناصري آخر هو الأستاذ حسنين كروم على ذلك قائلا في القدس العربي 29-3:

"وكان الملفت في العربي قيام صديقنا وزميلنا وعضو المكتب السياسي لحزبنا العربي الديمقراطي الناصري الذي لم أعد عضواً في لجنته المركزية بمهاجمة النظام وحركة كفاية في نفس الوقت رغم أن كثيراً من الناصريين أعضاء فيها والمتحدث الرسمي باسمها هو رئيس التحرير التنفيذي لـ العربي عبد الحليم قنديل، أحمد الجمال قال في عموده قضايا :

كفاية وصاية علي شعب مصر! كفاية وصاية عن الذين ادعوا القوامة عليه بحكم وجودهم في السلطة وأيضا من الذين يدعون القوامة عليه بحكم أشكال يخترعونها شعارات يرددونها وتلفيقات يحبكونها وخلط للأوراق والأهداف يرتكبونه عن عمد وسبق إصرار.إن جريمة الوصاية النضالية لا تقل بشاعة عن جريمة الوصاية السلطوية بل إن الأولي تتجاوز الجريمة إلي الخطيئة . والمعاني التي يقصدها خطيرة خاصة حكاية التلفيقات ولكن طالما لم يفصح هو عنها فما شأني أنا؟! "

ومن الواضح أن الجمال وكروم يقصدان بالتلفيقات حكاية عبد الحليم قنديل في صحراء الإسماعيلية واتهامه للسلطة بذلك.

*** 

لست أدري كيف يواجه الناصريون أنفسهم وهم يرون أن قصارى جهد الأمة بعد أكثر من نصف قرن هو إزالة بعض آثار عبد الناصر.. أما الآثار كلها فقد تستلزم لإزالتها أكثر من قرن من الزمان ( هزيمة 67 الساحقة_ هزيمة مشروع الوحدة_ هزيمة فكرة القومية وتراجعها إلى فكرة القطرية ثم تحلل الفكر القطري ذاته إلى ما يحدث الآن في عهد الطبعة الثالثة المشوهة من جمال عبد الناصر.. أقصد حسني مبارك.)

يكاد يقتلني الخزي أحيانا لأنني كنت واحدا ممن خدعوا في المشروع الناصري ذات يوم.. لا انخداع الانبهار والموافقة..لم أنبهر ولم أوافق.. بل انخدعت حين لم أدرك حجم الكوارث التي مثلها المشروع الناصري للأمة.

إلا أن هذا الوضع يجعلني أكثر تفهما لمن ما يزالون مضللين بالفكر القومي.. وفي أي هجوم على الناصرية وانتقاد لها فإنني لا أقصد المضلَّلين بل المضلِّلين ( الأولى بفتح اللام والثانية بكسرها).

ولقد كان خزيي من الخديعة كفيلا بإفقادي الثقة في عقلي لولا أن الشهيد العظيم ذو العقل الجبار سيد قطب قد خُدع شهورا.. و أن العقل الموسوعي الفذ للشيخ محمد الغزالي قد خُدع سنين.

يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه: " قذائف الحق": 

"والحق إنى حائر في فهم جمال عبد الناصر، لقد كنت كما يعلم الناس من جماعة الإخوان المسلمين، وأقرر أن جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين بايعا في ليلة واحدة على نصرة الإسلام ورفع لوائه، وقد كنت قريباً من مشهد مثير وقف فيه جمال عبد الناصر أمام قبر حسن البنا يقول: 

"نحن على العهد وسنستأنف المسيرة "... 

كان ذلك عقب قيام الثورة بأشهر قلائل... 

وقد وضع كتاب مسلمون كبار مقدمات للرسائل التي كانت تصدر تحت عنوان " اخترنا لك " أمضاها جمال عبد الناصر وفيها أشرف ما يؤكده زعيم مسلم نحو أمته ودينه ..

لا أدرى ما حدث بعد ذلك.. 

إنه تغير رهيب في فكر الرجل وسيرته جعله في كل نزاع بين الإسلام وطرف آخر ينضم إلى الطرف الآخر: 

ـ انضم إلى الهند في خصومتها المرة ضد باكستان المسلمة. 

ـ انضم إلى الحبشة في عدوانها الصارخ على أرتريا. 

ـ انضم إلى تنجانيقا وأغضى عن المذبحة الشنعاء التي أوقعتها بشعب زنجبار المسلم، ورحب آخر ترحيب بنيريري الذي يتظاهر بالاشتراكية وهو قسيس كاثوليكي .!! 

ـ انضم إلى القبارصة اليونان في نزاعهم مع القبارصة المسلمين، وجعل الأزهر يستقبل مكاريوس عدو الكيان الإسلامي للأتراك. 

ـ كان أسداً هصوراً في قتال اليمن، وحملاً وديعاً في قتال اليهود، حتى جعل اليهود ـ وهم أحقر مقاتلين في العالم ـ يزعمون أنهم لا يقهرون في حرب !! 

سريع إلى ابن العم يلطم خده 

وليس إلى داعي الندى بسريع !

ـ ولقد ساند " البعث العربي " الحاقد على الإسلام، ورفض مساندة أي تجمع إسلامي، واخترع حكاية القومية العربية لتكون بديلاً عن العقيدة الإسلامية.. !! 

ومن الإنصاف أن نقول إن عدداً من رجال الثورة لم يكونوا راضين عن هذا الاتجاه الخاطئ."

ولقد بني عبد الناصر مشروعه كله على التهويش وابتزاز أمريكا بالاتحاد السوفيتي والاتحاد السوفيتي بأمريكا. حاول اللعب على الحبال كالبهلوان .. وسقط.. وكانت سقطته مميتة. بل إننا نستطيع أن نقول أن بطشه الجبار بالأمة.. وانتصار المدفع والدبابة على القلم.. وتراجع الصحيفة أمام مدرعة والمفكر أمام الجلاد والأمة أمام الإذاعة الكاذبة.. سهولة النصر في معاركه الوحشية ضد الأمة.. والبساطة التي سحق فيها أعداءه في الداخل بمباركة الشرق والغرب خيلت له أنه هو الذي انتصر .. وليس الشرق والغرب.. وتخيل أنه يمكن أن يحسم معركته مع إسرائيل بنفس السهولة التي حسم بها معاركه مع الإخوان المسلمين والوفد.. و أنه يمكن أن ينكل بحونسون وجولدا مائير كما نكل بالشهيد سيد قطب والمرحوم أحمد أبو الفتح..

ظن ذلك ..

وسقط في تجربته..

والحبال التي لفها حول أعدائه ارتدت لتلتف حول عنقه..

والأكاذيب التي أطلقها ارتدت إليه..

كان قد صدق نفسه..

وواجه إسرائيل دون استعداد.. وبانت حقيقة قدراته.. كارثة..

وهنا يجب أن ننوه أن قضاءه على الإخوان المسلمين بالذات كان مخططا أمريكيا منذ بدايته حتى نهايته.. و أن هذا التخطيط كان موصولا بطلب سفراء الدول الكبرى حل جماعة الإخوان المسلمين في مصر.. أما السبب فقد كان أداؤهم البطولي ضد اليهود في فلسطين عام 48.

كان تقدير الغرب – وما يزال – أن وجود إسرائيل سيظل مهددا طالما وجدت جماعة الإخوان المسلمين فاعلة.

وصدرت الأوامر للنقراشي.. ونفذه أثناء المعارك في فلسطين.. أثناء وجود المجاهدين في الميدان.

ولم يكن عبد الناصر في حاجة إلى أوامر كالنقراشي..

كان الإخوان هم الكتلة الوحيدة التي تستطيع تهديد حكمه..

الوفد برغم شعبيته كان هشا..

الشيوعيون بسبب كفرهم وخسة طباعهم وصفاتهم الشخصية المنحطة – من انتهازية ولصوصية ودعارة- لم يستطيعوا أبدا أن يكون عنصر تهديد.. كانوا عناصر تأييد أو تنديد .. أما غير ذلك فكلا.

واجتمعت الرغبتان وتوافقت الخطتان..

رغبة أمريكا في القضاء على الإخوان من أجل إسرائيل.. ورغبة عبد الناصر في القضاء عليهم من أجل حكمه.

و أطلق عبد الناصر عليهم أجهزة دعايته الجبارة.. وكان كل ما قيل كذبا..

وما يزال..

كان هو السائر في فلك أمريكا وهو يتهم الإخوان المسلمين بذلك..

يقول عبد العظيم رمضان عن تلك الفترة:" كان عبد الناصر يعمل وهو جالس على حجر أمريكا(..) وكانت أمريكا تؤيده" : ملفات ثورة يوليو- طارق حبيب- الأهرام.

و أذكر القارئ بما أقر به مصطفى خليل عن أمرين تابعين لمعركة 56: موافقة مصر على مرور البضائع الإسرائيلية في سفن غير إسرائيلية وكذلك على فتح خليج العقبة أمام إسرائيل.

كما أذكر القارئ باعترافات صلاح دسوقي عما أسر به عبد الناصر له من رغبته في التفاهم مع إسرائيل.وكان هذا قبل تمثيلية المنشية، كما يقول طارق حبيب، وكما يؤكده أحمد حمروش- قصة ثورة 23 يوليو ص 433 مؤكدا أن إسرائيل هي التي رفضت! ! ..

يكشف أحمد حمروش أيضا جزءا من الخدعة التي تعرضنا لها في إخراج وعرض صفقة الأسلحة التشيكية..حيث صور لنا الإعلام الكذوب انهيار الغرب عندما فوجئ بهذه الصفقة، حمروش يكشف لنا أن هذا هو الفيلم المزيف الذي أُخرج للجماهير كي يزداد انبهارها بالقائد الأسطوري.. أما الحقيقة فإن أحمد حمروش يخبرنا بها.. فقد كانت أمريكا على علم بالصفقة قبل إبرامها بزمان طويل، وكان من أبلغهم: جمال عبد الناصر شخصيا! ! ص 437. .

ويكشف حمروش أيضا في ثنايا كتابه زيف دعاوى الإرهاب التي يتهمون بها الإخوان.. ويكاد – لولا الشيطان – أن يعترف بالحقيقة و أن يقر أنه جهاد لا إرهاب.

ولقد حاول اليسار الاستيلاء على جزء من إعجاب الأمة بجهاد الإخوان - إعجاب الأمة لا رضا الله – فقاد كمال رفعت وحسن التهامي عملية نسف سفارة البرازيل، كما قادهما جمال عبد الناصر في محاولة اغتيال حسين سري عامر.أما مجدي حسنين فقد قام بالهجوم على حارة اليهود.وحرق مكتبا في شارع الجيش.وفي عام 54 عرض أحد أعضاء مجلس القيادة اغتيال محمد نجيب. . 

ولاحظوا يا قراء أن أحدا لم يصف كل ذلك بأنه إرهاب.. حتى يكاد وصف الإرهاب يقتصر على الجهاد.

ولاحظوا يا قراء أن اتهامات الإرهاب التي تكال للإخوان المسلمين لا تلحق أعضاء أساسيين في تنظيم الإخوان وبالذات في التنظيم الخاص.. أشخاص كجمال عبد الناصر.. رغم أنه هو الذي كان يحضر لهم السلاح ويدربهم على استعماله.

كل ذلك لم يكن إرهابا.. الإرهاب فقط ما فعله الإخوان!!..

يعترف أحمد حمروش بأن اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار عام 49 كانت مكونة من خمسة أشخاص فقط..كلهم كانوا أعضاء في الإخوان المسلمين! ! ..وهم: جمال عبد الناصر وحسن إبراهيم وخالد محيي الدين وكمال الدين حسين وعبد المنعم عبد الرؤوف..وكلهم كانوا أعضاء في التنظيم الخاص الذي عرف بعد ذلك بالسري كما يقول أحمد حمروش (ص 116 و 145) في كتابه عن ثورة 23 يوليو.وكانوا قد تجاوزوا مرحلة الخضوع المطلق للإخوان المسلمين( نفسه ص 150) وكان ذلك بعد انتهاء حرب فلسطين بالهزيمة الساحقة وبعد استشهاد حسن البنا. وبعد ذلك بقليل بدأت اتصالات الضباط الأحرار بالمخابرات المركزية الأمريكية التي كان من ضمن من تعتمد عليهم في ذلك الوقت محمد حسنين هيكل وضابط مخابرات مصري (نفسه ص 182).يتلو ذلك اعتراف شبه صريح من حمروش بالرعاية الأمريكية للثورة في ص 183 وما بعدها..وهي بالمناسبة صفحات أرجو من القوميين قراءتها! ..ففي بعضها، وبالتحديد في ص 287 يذكر حمروش ما قاله عبد الناصر لآل سراج الدين في أبريل 54 من ضرورة الحكم على فؤاد سراج الدين بالسجن و أنه يستعد للقضاء على الإخوان المسلمين! ! .

لم يكن الأمر أيامها – ولا هو الآن – أمر إرهاب ..

لم يكن كذلك.. فقد كان الذي يمارس الإرهاب أيامها جمال عبد الناصر وليس المسلمين.. كما أن الذي يمارس الإرهاب الآن هم الأمريكيون والصهاينة وحسني مبارك والعادلي وليس المسلمون..

لم يكن الأمر أمر إرهاب كما يدعي القوميون اليوم في كبرياء صليبي وازدراء صهيوني.. وإلا فليفسروا لنا ما ذكره حمروش في ص 310 من خطبة عبد الناصر أمام ضريح الإمام الشهيد حسن البنا في 12 فبراير 1954: "أشهد الله أني أعمل وكنت أعمل لتنفيذ هذه المبادئ و أفنى فيها و أجاهد في سبيلها.."

وليفسر لنا أحد ما ذكره حمروش ص 303 حين تحدث عن ذهاب عبد الناصر وكمال الدين حسين إلى حسن عشماوي وصالح أبو رقيق عضوي مجلس الإرشاد لإبلاغهما بموعد الحركة ليقوم الإخوان بدورهم في حماية المنشآت وطريق السويس ليلة قيام الثورة..

كانوا أبطالا مجاهدين ولم يكونوا إرهابيين..

وليجبنا أحد:

إذا كانوا إرهابيين من أجل قضية الخازندار فمن الذي أصدر عفوا خاصا عن قتلة الخازندار في 11 أكتوبر 1952

لن أدافع..

لن أذكر الملابسات..

لكنني فقط أسأل:

من الذي أصدر عفوا خاصا عن ( الإرهابيين ) قتلة الخازندار؟

ألم يكن هو جمال عبد الناصر بشحمه وبلحمه..

فإن كانوا إرهابيين.. و إذا لم يكن للحادث ظروفه ومبرراته وملابساته التي استوجبت العفو فلماذا عفا عنهم عبد الناصر؟..

أما في ص 310 فيذكر حمروش جملة من خطبة عبد الناصر أمام ضريح الإمام الشهيد حسن البنا في 12 فبراير 1954: أشهد الله أني أعمل وكنت أعمل لتنفيذ هذه المبادئ و أفنى فيها و أجاهد في سبيلها..

وفي صفحات متعددة منها ص 303 يعترف حمروش –بعد طول إنكار- بذهاب عبد الناصر وكمال الدين حسين إلى حسن عشماوي وصالح أبو رقيق عضوي مجلس الإرشاد لإبلاغهما بموعد الحركة لتقوم بدورها في حماية المنشآت وطريق السويس..

ثم يتهمون الإخوان بالإرهاب..

ولو جاز ذلك منذ خمسين عاما وسط غسيل المخ المروع فإنه لا يجوز الآن بعد انكشاف الفضائح والحقائق.. وكل من يتهم الإخوان بالإرهاب الآن إما عميل ينفذ تعاليم سادته من الأمريكان والصهاينة أو غبي ومغفل.. وفي الحالين هو كذاب لأنه يعرف الحقيقة.

إن كانوا إرهابيين فمن الذي حاكم قتلة الإمام الشهيد حسن البنا بعد حفظ القضية ..

ثم من الذي أفرج عن الجناة بعد الصدام مع الإخوان.. وبعد أن تم تحويل القضاء إلى دمية في يد الثوار الأحرار الذين كانوا بدورهم دمى في يد الماسون الأحرار والصليبيين الأحرار.

كانت حرب كذب ضروس وكان وقودها السري يصنع في أوكار مخابرات الغرب لتشويه الإسلام والمسلمين لا الإخوان المسلمين..

وكان المقصود منع الجهاد لا الإرهاب.

وكما اتهموا الإخوان زورا بالإرهاب اتهموهم بالتخلف والرجعية والإيمان بالغيب وتحضير العفاريت.. ولاحظ الخلط الشيطاني بين الصواب والخطأ..

سوف يتهم هيكل بعد ذلك – أيام شهر عسله مع السادات – مراكز القوى وهم ناصريون مثله بتحضير الأرواح والعفاريت..لكنه سيتجاهل تماما ودائما شهادات الضباط الأحرار وعلى رأسهم ثروت عكاشة و أحمد حمروش ومجدي حسنين، وكانت كلها شهادات تبرئ الإخوان المسلمين وتكشف التي رمتهم بدائها وانسلت.. كانت الاعترافات كلها تقول أن مجموعة تحضير الأرواح تضم: جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وثروت عكاشة وخالد محيي الدين ومجدي حسنين. 

*** 

الناصرية بؤرة سرطان في قلب الوطن وتسونامي عصف به فدمره و حقق آمال أمريكا لمدة خمسين عاما بعد عبد الناصر .. لا ينافسه في ذلك إلا مبارك الذي يريد تأمين سيطرة أمريكا وضياع الأمة مائة عام أخرى.. أما والحال ذلك فإن هذا لا يصلح بديلا لذاك..

نعم بؤرة سرطان ما كان علينا أن ننخدع بها.. لأنها مارست نفس ما فعله كرومر من محو ما يتعلق بوجدان الأمة ودينها وهويتها وخلقت تذكرات أخرى لا علاقة لها بالدين ولا بالأمة..

وإذا كان كرومر قد ترك لنا قاسم أمين ولطفي السيد وفتحي زغلول ونازلي فاضل و.. و.. و.. فإن ثورة 23 يوليو خلقت نفس النماذج ومنحتها المجد وما ظنته الخلود..

من نجوم ثورة يوليو على سبيل المثال : عبد الرحمن الأبنودي..

وما يزال نجما ..

و إنني أريد أن أسأل سؤالا واحدا – أعرف للأسف – إجابته:

هل يصلي؟.. هل صلى في حياته ركعة؟.. هل يمثل وجدان الأمة فعلا..

ثمة أسماء أخرى لا تعد ولا تحصى لكنني أقصد فقط أن أقول أن معظم النجوم على الساحة من صناعة أجهزة أمن الدولة والمخابرات.. إما بتزوير قناع نجم أو باقتناص نجم حقيقي وتوظيفه.

عادل إمام على سبيل المثال..

هل كان يمكن له الحصول على كل هذه الشهرة لولا رعاية الداخلية له كي يطعن الإسلام والأمة.. وكي يخرج وقت الأزمات عميلا يخدع الأمة..

يحيى الفخراني.. ما الذي حدث حتى تزداد الأضواء عليه فجأة لأنه منذ عامين مثل دورا يبرهن به أنه لا يأبه بالإسلام ولا يهتم به عندما مثل في مسلسل يدافع فيه عن القتل المجرم الذي يسمونه زورا الموت الرحيم.. والأمر لا يقصد به الحياة ولا الموت ولا الرحمة.. و إنما الجرأة على حدود الله.. وقد نجح الفخراني في امتحانه أمام الشيطان فاستحق الجائزة.

لقد كان هؤلاء وسواهم الوجه الآخر للفنانات (!!) الذين جعل منهم صفوت الشريف داعرات لصالح المخابرات ( و أغلب الظن أن العكس صحيح.. و أنهم جعلوا الداعرات فنانات كي يساعدنهم على غسيل مخ الأمة..)..

هل هي صدفة أن كل سفراء النوايا الحسنة إما دعار و إما داعرات؟!!..

ربما نستطيع أن نقرأ الحاضر في الماضي.. والعكس صحيح.. فلو أننا نظرنا إلى العراق اليوم وكيف يختار اللصوص والسفلة والخونة كي يكونوا حكاما.. وفي نفس الوقت تتم مطاردة الأبطال والشرفاء والعلماء ووصمهم بالخيانة والإجرام والإرهاب. لو أننا قرأنا ذلك جيدا لعرفنا كيف تكونت كل الأسر الحاكمة في العالم العربي خلال قرن أو يزيد..

بالتوازي.. بالتوازي الكامل كان نفس الأمر يتم بالنسبة للفنانين..

إن مجلة النيوزويك الأمريكية – في طبعتها العربية- هي التي تتصدى الآن لصناعة وصياغة النجوم في العالم العربي..

هي التي تحدد المقياس والقالب والمثل الأعلى الذي يجب أن يحتذى..

ولقد اختارت المجلة في عددها الصادر بتاريخ 26 نيسان (أبريل)، وبمناسبة مرور خمس سنوات على صدورها أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم العربي، فكانت القوادة لا المخرجة إيناس الدغيدي هي شخصية عام 2005!!.. وكان من الشخصيات أيضا نانسي عجرم!! و أسامة أنور عكاشة لسبب محدد هو تطاوله الحقير البذيء السافل على الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه. كذلك كان ضمن المختارين نجيب ساويرس..ويحيى الفخراني.. ومخرجي المسلسل الهزلي الكافر طاش ما طاش والذي حرم العلماء مشاهدته

ولقد رعى الحفل رئيس مجلس الوزراء الكويتي خيب الله سموه!!..

إنني أضرب الأمثلة فقط.. لكنني أقرر أن جل النخبة في جل المجالات صنائع صنعت لا مواهب برزت.. و أن هذه النماذج صنعت لأنه سيتم الاحتياج إليها واستخدامها ذات يوم.. مثل اليوم الأغبر الذي يتحول فيه مهرجون من أمثال عادل إمام ونبيلة عبيد واعتماد خورشد إلى مفكرين يهاجمون الإسلام ويحكمون عليه.. 

نفس الأمر.. 

فقط .. ازداد الابتذال وازدادت السفالة..

وهذا الفارق طبيعي..

فهو الفرق بين حكم الطغاة وحكم المهرجين.

*** 

يجب ألا ننخدع مرة أخري.. مهما كانت أشواقنا الملتاعة إلى خلاص فلا ينبغي أن نخدع أنفسنا بخلاص مزيف..

فهل تمثل حركة " كفاية " خلاصا..؟..

لمصطفى بكري شهادة يقلل من قيمتها انحيازه لمبارك.. إلا أنها جديرة بالذكر.. يقول بكري:

" سورس رجل الاقتصاد اليهود الهنجاري الأصل الأمريكي الجنسية كان هو المسئول الأساسي الذي أشرف علي تدبير عملية الانقلاب السلمي في ورُيا فأطاح بشيفرنادزه وجاء بساكشفيلي، بعد أن أسس حركة شبابية قدم إليها ملايين الدولارات حملت شعار 'يكفي'، أنها شبيهة بحركة 'ابتور' الصربية التي أسقطت ميلوسيفتش في بلجراد سنة 2000، وهكذا تمكنت المئات من منظمات المجتمع المدني من أحداث الانقلاب في ورُيا".

إذن..

إن شعار كفاية نفسه شعار مشبوه.. وصناعة أمريكية..

أعتذر لمن سيصيبهم كلامي بالصدمة.. ولكن ذلك لا يعني بالنسبة لهذه الحركة أو سواها أن الحركة كلها أو حتى معظمها مخترق..

لقد كان الضباط الأحرار على سبيل المثال عدة مئات.. كان يكفي اختراق اثنين أو ثلاثة منهم لجرف الثورة كلها عن مسارها من خلف ظهر الباقين الذين لم يتصوروا ولم يتخيلوا ولم يصدقوا حتى وقعت الكارثة.

وربما تحتاج شهادة مصطفى بكري إلى مزيد من التدعيم بما نشرته الوفد تحت عناوين ضخمة في 7 أبريل:

"أعرب خبراء الأمن والقانون ورجال السياسة عن دهشتهم البالغة من وجود أوكار للجاسوسية في قلب القاهرة والكائنة في السفارتين الأمريكية والإسرائيلية.وطالبوا بضرورة التخلص من هذه الأوكار فوراً وطرد جميع أجهزة التجسس واصطياد العملاء من مصر.أشار الخبراء في الملف المنشور »بالوفد« علي الصفحتين الثامنة والتاسعة إلي أن السفارة الأمريكية في قلب القاهرة، تحولت إلي أكبر وكر للتجسس علي جميع مؤسسات الدولة في مصر. ويتم ذلك عن طريق عملاء أمريكان، يقومون بالتنصت وتجنيد العملاء ويدفعون ملايين الدولارات (...).. وأعرب الخبراء عن أسفهم الشديد لقيام واشنطن بافتتاح مكتب تابع للمباحث الفيدرالية F.B.I داخل السفارة الأمريكية ليعمل مع جهاز مخابراتها. وأشار الخبراء إلى أن المباحث الفيدرالية جهاز يشبه مباحث أمن الدولة في مصر ولا يمتد نشاطه خارج أمريكا، ورغم ذلك له فرع في القاهرة مما يثير العديد من الشبهات. وأكد خبراء الأمن والقانون ورجال السياسة أن الأمن القومي في خطر.."..

*** 

كل هذا صحيح..

ولقد قلنا من قبل في السياق أن كل ما يقال عن الآخرين صحيح.. وكل ما يقال عن الذات غير صحيح.. مع استثناء وحيد هو الهيئات والمؤسسات والأحزاب التي تعتمد الإسلام مرجعية لها.. ففي هذه لا يعتبر الصدق والكذب عملية مناورة يحدد موقفنا منها مصالحنا فيها.. لأن الفيصل هنا هو الحلال والحرام .. وغير مسموح بتجاوز الصدق مهما كان ضرره ولا استباحة الكذب مهما كان نفعه. وذلك خلاف في أصل المنهج.

*** 

إنني لا أتحدث عن الاختراق المكشوف المباشر.. ولا على أحزاب صغيرة – وحقيرة – صنعتها مباحث أمن الدولة، كذلك الحزب الذي اتهم رئيسه فيما مضى بسرقة أموال بعثة الحج لحزبه.. حينما ادعى فقد مئات الألوف من الجنيهات فراح يبكي ويعول حتى سدد له بعض الأمراء السعوديين ما ادعى أنه سرق. هذا الشخص جعلت منه المباحث عضوا سياسيا يقابله صفوت الشريف الذي لا يقابل إبراهيم شكري ومحفوظ عزام ومجدي حسين.. وعندما منحته المباحث صحيفة قبضت الرقابة الإدارية في الأسبوع الثالث لصدورها على شقيقه في قضية رشوة مسجلة بالصوت وبالصورة في تهمة بالابتزاز باسم الصحيفة التي يرأسها شقيقه والتي يعمل هو فيها في وظيفة رئيسية.

مثل هذه الأحزاب الكاريكاتيرية ليست هي ما أقصده.. وما ذكرتها إلا على سبيل التفكه.. و أيضا على سبيل التدليل على مدى السقوط الذي انحطت إليه السلطة و أجهزتها.

*** 

عفوا..

لقد نسيت حزب التجمع ..

لكنه – ككل أحزاب اليسار – لا يصلح بديلا لمبارك.. إنه كالصيارفة النصارى أو المرابين اليهود.. وصمة عار على جبين الوطن وبثرة قيح في تاريخه.. ويكفي أن رأسا من رؤوسه كان عميلا للروس بالأمر وهو عميل أمريكا اليوم أما أبوه غير الشرعي فهو هنري كوريل وكل انتمائه صهيوني و أمله الوحيد في الحصول على نصيب من كعكة السلطة لن يتم إلا من خلال إسرائيل.. وبرغم حسن تنظيمه ( بالتخطيط اليهودي الشيطاني) وارتفاع صوته إلا أنه لا يمثل أي رصيد في الأمة.

*** 

ليس ثمة بديل رغم أن النظام يترنح بصورة أجاد حسنين كروم وصفها في تكثيف أقرب للشعر:

".. لنعد تجميع أجزاء الصورة وشظاياها التي تتناثر، وأستطيع أن أقول، إن النظام بدأ يفقد تدريجياً ثقته بنفسه وفي قدرته، وبدأت تلوح أمامه احتمالات بدائله، تتراقص أمامه وتشكل كابوساً لا يعرف كيف يتخلص منها وأصبح عليه الآن أن يسدد ما عليه من متأخرات ويتلقى الوخزات أو الضربات ويتراجع أمامها، بعد أن يضرب بارتياح في كل اتجاه متي شاء وبالأسلوب الذي يعجبه، واكتشف الآن أنها ضربات ترتد إليه، جمد حزب العمل، ويرفض تنفيذ أربعة عشر حكماً قضائياً لصالح عودته وعودة جريدته الشعب ، واعتدي في الشارع علي أمينه العام مجدي أحمد حسين، وكانت النتيجة أن الشعب تصدر علي الإنترنت وتهاجم النظام وشخوصه بعنف لم تكن لتستخدمه لو سمح بعودتها، وأصبح مجدي أحمد حسين وصلاح بديوي وآخرون يذهبون لأداء الصلاة في الأزهر كل جمعة ليهتفوا ضد النظام وانتقلوا للمؤتمرات يهتفون بسقوط الرئيس، ثم اتجهوا أول أمس لمجلس الشعب وهتفوا نفس الهتافات، دون أن تجرؤ الشرطة علي التعرض لهم.

فما الذي استفاده النظام من تعنته وعناده معهم وضربهم! ؟

وقضية الدكتور سعد الدين إبراهيم كثيرون نصحوا النظام في بدايتها بسرعة غلقها لأنها لا تستحق، بالإضافة إلي أنها ستؤدي إلي صدام مع أمريكا ولن تتهاون فيه، والآن عاد الدكتور لا لنشاطه في مركز ابن خلدون وإنما إلي تحدي رئيس الجمهورية وشنه الحملات ضده وضد نظامه ويتوعد بمراقبة الانتخابات، دون أن يجرؤ أحد علي اعتراضه، فما الذي استفاده النظام من فعلته معه؟

وتم اختطاف عبد الحليم قنديل رئيس التحرير التنفيذي لـ العربي وضربه وتجريده من ملابسه، فماذا كانت النتيجة؟ أصبح المتحدث الرسمي باسم الحركة المصرية للتغيير وعاود الكتابة مهاجماً النظام والرئيس وجمال مبارك بعبارات أعنف وأشد، وبشكل متواصل ونقل معاركه للفضائيات العربية، ولم يعد يتجرأ علي المساس به أو الاقتراب منه.

وبعد الاعتداء الإرهابي في طابا تم اعتقال الآلاف من أبناء سيناء ولم يستمع النظام إلي كل الاحتجاجات التي طالبته بالإفراج عنهم، إلي أن بدأت النساء تقوم لأول مرة بالتظاهر في العريش، وجاءت منظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية وعقدت مؤتمراً بالقاهرة وأصدرت بياناً ضد النظام من أيام، دون أن يجرؤ علي منعها فما الذي استفاده بعناده وتعنته؟

ثم جاءت قضية أيمن نور ونحن لا دخل لنا بالجانب القضائي فيها إذا أحالها النظام للقضاء، إنما يعنينا الجانب السياسي والعملي فقد أفرج عن أيمن قبل انتهاء مدة الخمسة وأربعين يوماً وأقيمت له مهرجانات في باب الشعرية وأعلن نفسه مرشحاً لمنافسة الرئيس مبارك، وصدرت جريدة الحزب، وبدأ يدلي بالأحاديث ويهاجم النظام، ولم يستطع أحد الاقتراب منه الآن.فما الذي استفاده النظام بعناده وتعنته؟ ولماذا أدخل نفسه في معركة كان معروفاً من بدايتها أن نتائجها ستكون ضربة له؟

النظام يسمي إجراءاته ضربات إجهاض، وأنا أسميها الضربات المرتدة ضده، لقد بدأ التحول ولن يستطيع أحد وقفه، ورغم أن الجميع يهاجمون التدخل الأمريكي والأوروبي فإنهم يضحكون بينهم وبين أنفسهم مرحبين به سراً ويلعنونه علناً.فهو الذي اجبر النظام علي أن يتعلم المرض قبل أن يضرب، ويبدأ في التخلي عن عجرفته المعتادة، وهو الذي وضعنا ووضع نفسه في هذا الموقف المهين، أن يمنح الشعب حريته خوفاً من الأمريكيين، فأي نهاية تلك التي انتهينا إليها؟! 

*** 

أجاد حسنين كروم الوصف.. أما محمد عبد الحكيم دياب فهو يجيد التحذير والإنذار . والدكتور دياب كاتب بالغ التميز في القدس العربي.. ومن هذا المكان – صحيفة الشعب المجاهدة – أوجه له التحية والتقدير.. رغم دهشتي أنه برغم ذكائه ما يزال قوميا.. يحذر الدكتور محمد عبد الحكيم دياب الرئيس مبارك.. بل ويهدده..:

" ومن يتابع تسارع الأحداث والتطورات، يوقن بأن حكم الرئيس حسني مبارك قد انتهي، وما ينقصه ليس سوي مشهد الختام(...) ويري بعض الخبراء أن ما جري (...) يعرض مصر لمخاطر جمة، ويعرض عائلة الرئيس مبارك نفسها لمصير عائلة شاوشسكو في رومانيا، (...) ورغم ضعف هذا الاحتمال علينا أخذه علي محمل الجد، خاصة أنه يتداول في أوساط غربية، وهذا يقتضي بذل الجهد لتجنب وقوعه، ويتأتى ذلك بقناعة مشتركة بين عائلة الرئيس وأطراف المعادلة السياسية الداخلية، فعلي العائلة التسليم بانتهاء الدور، وعلي الأطراف الأخرى الإقرار بأن إخراج مشهد النهاية يحتاج حكمة كل العقلاء، (...) وعلي الرئيس مبارك وعائلته أن يعوا أن تأجيل مشهد الختام يفتح الأبواب أمام سيناريوهات ، قد تضاعف من مأزقهم، ولا تساعد علي حله. (...) والاحتمال الأكبر وراء تشبث عائلة الرئيس بالحكم مصدره الخوف في مواجهة مشهد الختام وتداعياته، خاصة إذا لم تتمكن من استثمار اللحظة المناسبة، وكي يتم تجنب السيناريو الروماني( شاوشيسكو) أو غيره، فعلي القوي الراغبة في التغيير الديمقراطي أن تحول دون وقوع عائلة الرئيس في قبضة جمهور غاضب، تسيطر عليه روح الانتقام، (...) يجب أن ينتهي مشهد الختام بأقل قدر الخسائر. وتتشكل من أجل ذلك هيئة وطنية، تمثل طوائف الشعب، ترتب عمليات التسليم والتسلم، وتحصر ثروة الرئيس وعائلته.. تُبْقي علي ما هو مشروع، وتسترد ما هو غير ذلك، وتودعه في خزانة الدولة، هذا مع العلم بأن أحاديث بدأت تتردد في الأوساط الصحافية البريطانية، في الأيام الأخيرة، عن ثروة الرئيس حسني مبارك، وتدعي بأنه مصنف بين العشرة الأكثر ثراء في العالم. القدس العربي 21 مايو 2005

*** 

في خضم هذا الطوفان الذي نواجهه لا توجد جماعة قادرة على تولي الأمر إلا جماعة الإخوان المسلمين.. فهي الأشد إخلاصا والأكثر أتباعا و الأحرص على الأمة..

لكن..

هل أمنّا على الإخوان من الاختراق..

إن الإخوان يؤكدون ذلك..

وليس لدينا دليل على العكس..

لكن الصورة العقلية تسبق حتى الواقع.. ومن المستحيل أن تترك أمريكا الإخوان دون اختراق.. قد يكون قديما قديما..

ورغم أنني واحد ممن يرون تصعيد المواجهة مع السلطة حتى النهاية إلا أنني لا أكف عن التفكير..

هل هي مؤامرة يستدرج إليها الإخوان مرة أخري لتصفيتهم.. ولست أستبعد أبدا أن يكون المستفيدون والمتواطئون هم الحزب الحاكم والتجمع والناصري..

لقد فعلوها من قبل..

وبالرغم من ذلك فإن أنصاف الحلول لم تعد تفيد..

والمواجهة التي نكص الإخوان عنها عام 54 خوفا من نشوب حرب أهلية هي ما تواجهه الآن مرة أخري بعد أن تضاعفت التحديات مئات المرات.

بل يخيل إلىّ أن على الأمة الآن أن تدفع كل الديون التي كان عليها أن تدفعها فلم تدفعها منذ قرنين..

الديون كلها .. بأرباحها – أو على الأحرى خسائرها – وغراماتها واجبة السداد الآن...أضعاف مضاعفة.

وكل المعارك التي لم تخضها الأمة عليها أن تخوضها الآن.. في ظروف أقل ملاءمة..

لم يسقط من الالتزامات التزام.. وكل ما لم يُدفع لابد أن يُدفع.. وكل ما لم يُسدد لابد أن يُسدد.. وكل ما لم يؤد لابد أن يؤدى..

إن المعركة توشك على الوصول إلى منعطف خطير..

مواجهة حياة أو موت للأمة وللطغاة معا..

المواجهة حتمية لأن خسائر التراجع هائلة..و إذا ما كرر الإخوان خطأهم بعدم المواجهة مثلما فعلوا عام 1954 فلن يستطيعوا تعويض الخسارة أبدا.. هذا إذا ما بقوا..

أما السلطة فإن ما طرحه محمد عبد الحكيم دياب هو المطروح أمامها..

العنصر الوحيد الفاعل في السلطة الآن هو جهاز الأمن..

والعنصر الوحيد الفاعل في الأمة الآن هم الإخوان المسلمون..

بالنسبة للسلطة ليس هناك سقف للجرائم التي يمكنها ارتكابها.. ولن يكون لديهم مانع أبدا من قتل مائة ألف أو مائتي ألف من الشعب كي يستقر الحكم للطاغوت .. كما فعل المجرمون الذين كانوا يسمون حكاما في الجزائر.

لكن من الناحية الأخرى فإنني أظن الجيش المصري أنظف و أشرف من قرينه في الجزائر.. جيش جنرالات فرنسا.. بل إنني أتصور أنه لو أولغ الأمن الغبي المجرم في دماء الإخوان كثيرا لتصدى الجيش للأمن و أوقفه عند حده.. لكن لكي يحدث هذا لابد من كثير من الشهداء والنزيف .. و أن يكون كل هذا في صف الإخوان..

العملية بالغة التعقيد.. ولا أملك إلا الدعاء.

إلا أنني في الوقت نفسه أناشد الأمة ألا تتخلى عن طلائعها..

ولقد نزف قلبي دما و أنا أطالع على شاشات الفضائيات وصفحات الصحف ما فعله الأمن الغبي المجرم في طائفة من علماء الأزهر خرجت في صمت لتصطف في صمت مطبق أمام أحد المساجد في مدينة طنطا احتجاجا على تدنيس المصحف في جوانتانامو وتأييدا لمطالب الإصلاح في مصر..

لم يقطعوا شارعا ولم يسدوا حارة.. وقفوا في وقار العلماء أمام المسجد..

كانوا جميعا من علماء الأزهر..

وكان معظمهم من كبار موظفي الدولة..

ولم يراع الأمن الغبي المجرم حرمة الدين ولا العلم ولا السن..

فهل تعرفون ماذا فعل بهم..

سحلهم..

نعم ..

سحلهم في الشارع ثم ألقى القبض عليهم..

( إن غدا لناظره قريب.. وخلال شهور إن شاء الله سيتم معاقبة المجرمين الذين فعلوا ذلك ابتداء من أصغر خفير إلى رئيسهم الأعلى بوش المجرم)..

كان على رأس العلماء الذين سُحلوا فضيلة الشيخ سيد عسكر الأمين العام المساعد السابق لمجمع البحوث الإسلامية.. وهو واحد – لا أزكيه على الله – من أرق و أعلم من شاهدت من العلماء و أغزرهم علما ..

صرخ الإسلام داخل قلبي يستمطر اللعنات على من آذى الشيخ ورفاقه..

صرخ الإسلام في قلبي و أنا أقارن الموقف الخسيس الجبان للأمن تجاه القسس والصعاليك الذين جمعوهم على باطل فراحوا يرجمون رجال الأمن بالأحجار فلا يجرؤ منهم أحد على الرد بحجر..

صرخ الإسلام ي قلبي: لم يحم البابا شنودة نفسه.. ولا القساوسة حموا أنفسهم .. وإنما حماهم شباب النصارى فأين أنتم يا شباب المسلمين..

أين المؤسسات الإسلامية داخل مصر وخارجها كي تطالب بعزل مبارك ردا على إهانة العلماء والتنكيل بهم..

مبارك..

مبارك الذي أعز الله به اليهود والنصارى.. و أذلنا به..

إنني أناشد الداخل والخارج أن يضغط على نظم مجرمة لم يعد يحركها إلا الخوف للإفراج عن العلماء الدعاة وعزل كل من اشترك في جريمة التنكيل بهم..

لقد تحول اعتقال الدعاة والتنكيل بهم و إهانتهم مقابل تكريم القسس إلى سياسة ثابتة لنظام ملعون.. وما اعتقال الشيخ نشأت والشيخ فوزي عبد المقصود إلا مثلا.. كذلك اعتقال الداعية الكبير الشيخ رفاعي سرور الذي لا يزال ابنه المهندس عمر معتقلاً في سجن أبي زعبل والذي كتب عنه الدكتور هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية في موقعه المتميز حيث ذكر أن الشيخ رفاعي سرور من الرعيل الأول للحركات السلفية ذات التوجه الجهادي، ويعد من العلماء القلائل الذين صدعوا بالحق في وجه الطغاة. كان الدكتور أيمن الظواهري يبجله ويكن له خالص الإحترام؛ إذ أنه قد تعرف عليه في سنة 1975م وكان يقول لقد تعلمت واستفدت منه كثيراً. وقد كان ضمن الإسلاميين المتهمين في القضية رقم 462 لسنة 1981م حصر أمن دولة عليا المعروفة باسم قضية تنظيم الجهاد وكان مثالاً للأسد الهصور والشيخ الصبور وخرج الشيخ نقياً صافياً حيث كان من قبل قدر قرر أن يعتزل العمل التنظيمي فعكف على تأليف بعض الكتب النافعة والتحقيقات الجادة ومنها كتاب عندما ترعى الذئاب الغنم: وهو من جزئين وهو في غاية الروعة ومترجم إلى عدة لغات أجنبية ألفه في بداية حقبة السبعينات. ,كتاب أصحاب الأخدود: رغم صغر حجمه إلا أن الله وضع البركة في هذا الكتاب الذي طبع في السبعينات وحتى وقتنا الحاضر وترجم إلى عدة لغات. وكتاب قدر الدعوة: من الكتب القيمة التي ينبغي على أي داعية إسلامي أن يقرأه وله كتابان في نفس السياق اسمه (حكمة الدعوة) وكتاب (بيت الدعوة).. وكتاب علامات الساعة: وهو دراسة تحليلية لعلامات الساعة: وهذا الكتاب لا يوجد له نظير في العصور القديمة ولا الحديثة إذ لم يؤلفه على طريقة القدماء، بل غاص في مسائل تحليلية وأجاب ببراعة عن إشكاليات وملابسات في غاية الأهمية. هذا الكتاب منشور من جزأين وترجم إلى اللغة الإنجليزية. 

*** 

وفي النهاية لا أملك إلا أن أضم صوتي لصوت الحق القوي الدكتور هاني السباعي وهو يطالب بمحاكمة ضباط أمن الدولة بصفة خاصة شرعياً وقانونياً وملاحقتهم قضائياً في أي مكان في العالم.

و أضم صوتي إلى صوته فيما بح فيه صوتي منذ أعوام عديدة و أزمان مديدة من المطالبة بإدرار فتوى من الهيئات الشرعية سواء في الأزهر أو في غيره تفتي بفسخ عقود زواج كل من يمارس التعذيب أو يزيف صوت الأمة ومن يشهد الزور ومن على شاكلتهم، وأن تفتي بعدم جواز دفنهم في حالة وفاتهم في مقابر المسلمين ليكونوا عبرة، فكالا للذين ينصرون السلطات الظالمة الوالغة في دماء شعوبها.

اللهم فاشهد

*** 

*** 

*** 

حاشية


اللهم اقتل الكافر المجنون السكير المتخلف المتوحش جورج بوش قتلة يتحدث بها العجم والعرب..

اللهم اقتله..

اللهم اقتله..

اللهم اقتله..







القراصنة..

هل يفتح باب الحرية أم لامناص من أن يكسر؟‍‍‍!

أخطاء المعارضة الفادحة وصفاقة الأحزاب الرسمية و أباطيل هيكل!!

الغيطاني يتهمني بالتحريض على قتله!!..

ماذا يفعلون بالمجاهد إبراهيم شكري

عتاب للحبيبين: مجدي حسين وعمرو خالد..



بقلم د. محمد عباس

www.mohamadabbas.net

mohamadab@gawab.com



الخطأ القاتل الذي وقعت فيه المعارضة، والذي سيجعل محصلة نضالها  هباء منثورا، هو أنها جعلت أهدافها منع التمديد أو التوريث، فقضت على نفسها بالدخول في مناورة مع نظام طاغوت مجرم باطش جبار لا يعرف دينا ولا قانونا ولا عرفا، وهو قادر بأدواته و أجهزته، وبكم الخسة والتدني والوحشية والضراوة التي لا يمكن أن ينافسه فيها منافس، على أن يحقق – بالخداع والغش والتزوير – الفوز في أي مناورة، ذلك أنه ليس مستعدا فقط لاقتراف كل الجرائم والموبقات كي يستقر ويستمر ويمدد ويورث إلى الأبناء والأحفاد، ليس مستعدا لاقتراف ذلك فقط، بل إنه يرتكب تلك الموبقات بالفعل.. يرتكبها منذ أتى.. وسيظل يرتكبها إلى أن يموت بعد أن يورثها لأبنائه و أحفاده.. ذلك أن لديه خبرة في الممارسة المستمرة المتواصلة منذ خمسين عاما.. بل إن خبرة بعض أجهزته يعود إلى ما قبل ذلك بكثير، فمباحث أمن الدولة، ليست إلا الامتداد الطبيعي للبوليس السياسي والقلم المخصوص، الذي أنشأه الإنجليز للقضاء على الحركة الوطنية، ومنع المجاهدين من التشكل لمقاومة الاستعمار، وما زال هذا الهدف، رغم الزمن، هو الهدف الرئيسي لمباحث أمن الدولة، بل إن إجرام الإنجليز، وخسة الاستعمار، الصليبي المجرم اللص الكافر لا تجرمننا من أن نقول أنها كانت أقل خسة وهمجية ووحشية وضراوة من أجهزة أمننا الحالية.. بل و أكاد أقول .. أنها كانت – أيضا – أقل عداء للإسلام..!!.

*** 

لطالما كتبت، ولطالما كررت أن المنهج الذي يستعمله الصليبيون الصهاينة ضد دولنا هو نفس المنهج الذي تستعمله حكوماتنا ضدنا، فليست حكوماتنا سوى أجهزة حكم محلي تخضع لرئاسة الأعداء، وكل ولائها له، لا لمجتمعها ولا لله،  و أن قدر الذين يريدون أن تكون  كلمة الله هي العليا هو  أن كتب عليهم القتال وهو كره لهم، و أن يكون جهادهم مزدوجا، فهو ضد العدو القريب والبعيد، ضد الطاغوت العربي والأعجمي، ضد أجهزة الأمن المحلية والعالمية، ضد صحافتنا وصحافتهم في نفس الوقت، وضد الميديا المحلية التي تحركها الصليبية الصهيونية حيث تحالف الجميع علينا،  إلا أن الأخطر من هذا وذاك، أن جبهة هائلة مخيفة قد فغرت أفواهها تحت أقدام الجميع، فلأول مرة في التاريخ توجد هذه الجبهة كدوامة أو كطوفان أو كبحر من الرمال المتحركة، تحاول أن تبتلع الجيش الذي نعتمد عليه، الجيش الذي هو الأمة، التي بدأت تحت معاول الغواية وغسيل المخ والتزوير وخيانة المثقفين  تستلب شيئا فشيئا، على أمل من أولياء الشيطان أن تتوه وتضيع وتشرد، أو أن تنضم إلى الأعداء تحت معاول الغزو الفكري وتزييف الوعي ونزيف الذاكرة.

ومن هنا لزم التنبيه..

*** 

نعم.. كان الخطأ القاتل الذي وقعت فيه المعارضة هي أنها فعلت كمحمد حسنين هيكل  فكانت كصاروخ انطلق من المكان الخطأ فكان حتما أن يضل ويضيع منه الهدف. لقد ذابت الاستراتيجية في التكتيك وبهذا خسرنا المعركة قبل أن تبدأ، كما أن التكتيك نفسه كان خطأ. كان أرض قتل، وهو تعبير عسكري يعني استدراج العدو إلى كمين يسهل قتله فيه. وهو – للأسى – ما يحدث الآن للمعارضة المصرية. ومع اختلاف المواقع والرؤى فقد استدرجت ثورة 23 يوليو إلى أرض قتل كتلك ثم قضي عليها فيها بعد أن أدت المطلوب منها. ومن يطالع تصريحات رايس، بأن السياسة الأمريكية في المنطقة خطأ منذ ستين عاما، و أن هذا الخطأ كان في تأييد نظم الحكم الدكتاتورية في المنطقة لصالح الأمن الأمريكي ( والإسرائيلي بالطبع ).. من يقرأ تلك التصريحات يفهم على الفور إن لم يكن قد فهم بعد أن الأمريكيين كانوا داعمين معضدين لنظام الحكم الدكتاتوري في مصر.. لثورة 23 يوليو.. التي كانت جزءا هاما في المخطط الأمريكي.. بل كانت الجزء الأهم.. كما أنه لابد أن يفهم على الفور إن لم يكن قد فهم أن من وضع الخط الأحمر أمام وجود الإخوان المسلمين في الحكم لم يكن حادث المنشية ولا تهم الإرهاب.. وإنما كان الخط الأحمر – وما يزال أمريكيا ( و إسرائيليا بالطبع)..

إن ندم أمريكا على ستين عاما من الخطأ يحدد هذا الخطأ بجانبين: جانب فعلوه يندمون عليه.. وجانب أمروا بعدم فعله، وهم الآن يتصورون أن عواقبه قد تكون أقل من عواقب ما فعلوه..

كان الذي فعلوه هو تعضيد بل إنشاء النظم القمعية خاصة نظم العسكر.. وعلى رأسها 23 يوليو.. أو ثورة يوليو الأمريكية كما يقول الأستاذ جلال كشك رحمه الله .. وكان ما أمروا بمنعه هو وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم.

لست أدري كيف لا يفهم الناصريون وجل قواعدهم طيبة هذا.. لست أدري كيف لا يفهمون إلا إذا كان عدم الفهم قرارا مسبقا.. أو أنهم كاليساريين يفهمون ويقبلون ويفضلون وجود إسرائيل عن وجود نظام حكم إسلامي.

( يا إلهي.. إنني أسأل نفسي فعلا.. حسني مبارك وفتحي سرور وكمال الشاذلي والحزب الوطني جله.. ورفعت السعيد.. والتجمع جله.. وبعض قيادات الناصريين.. وكل رؤساء الصحف القومية.. وجابر عصفور وسمير سرحان وصلاح عيسى وجمال الغيطاني.. و.. و... و... أولئك جميعا.. لو خيروا بين أن تحكم حماس فلسطين أو أن تبقى إسرائيل.. فأيهما يفضلون؟!!.. هل هناك أي شك؟.. هل هناك أي شك؟.. هل هناك أي شك؟...)..

عدم إدراك القوى الفاعلة لهذه الحقائق  ولتلك الألغام قد يدفع بالحركة إلى السقوط في حجر عميل سابق للمخابرات السوفيتية، وعميل حالي لأمريكا.. وعميل دائم لإسرائيل والصهيونية العالمية.. منذ هنري كوريل وحتى اليوم.. ذلك أن بقاءه وظهوره وبروزه  كلها ضمن المخطط الأمريكي الصليبي الصهيوني فيالضيعة مع من يتحالف مع مثل هذا أو ذاك

*** 

لا أريد أن أقع في الخطيئة التي اعتاد محمد حسنين هيكل على ممارستها حين يلوي – ببراعة منقطعة النظير – أعناق الحقائق ليرسم صورة سابقة التجهيز في وجدانه، حيث توجد الصورة أولا ثم يجري البحث والتنقيب عن المبررات والتبريرات والمسوغات والخلفيات. فيكون بهذه الطريقة كطبيب غير حاذق يبدأ بتشخيص المرض ثم يبحث عما يؤيد تشخيصه فإن لم يجد من الأعراض والعلامات ما يؤيده  لجأ إلى تلفيق الأدلة. غير أن ما يغطي على القصور المنهجي لهيكل، وعلى إخفائه ما يشاء من الحقائق و إبراز ما يريد، هو بلاغته و أسلوبه الأدبي الرفيع، حتى أنني سميته ذات يوم نجيب محفوظ السياسة كما سميت نجيب محفوظ هيكل الأدب، بيد أنني أكتشف الآن أن ذلك التشبيه كان رمية من غير رام، لأنني أكتشف فعلا أن هيكل لا يكتب تاريخا ولا سياسة، و إنما يكتب روايات عظيمة فعلا ينطبق عليها ما ينطبق على الشعر الذي أعذبه أكذبه، و أن أكذبه أعلاه في الصدق الفني،  لكنني أنبه القارئ هنا أن الكذب هنا لا يتعلق بسرد الوقائع بل في اختيار نقطة البداية والنهاية واختلاف التفسير والتبرير والتقديم والتأجيل والإهمال والاهتمام، وبهذه الآلية ، يمكن لعبقري كمحمد حسنين هيكل أن يصوغ – من نفس الأحداث – ألف رواية عظيمة.

وعلى سبيل المثال، فإن حديثه عن الشأن الراهن على شاشة قناة الجزيرة يوم الخميس  16 يونيو 2005، يصلح كنموذج مثالي لكشف عوار منهجه. يصحبنا هيكل – كما تصحبنا كل فصائل المعارضة الرسمية- إلى أرض التيه، فإذا قبلنا الدخول معه منذ البداية فلا مهرب منه حتى النهاية.. لأننا إن قبلت افتراضاته الأولي فليس ثمة مناص أمامنا من أن تسلم بالوسائل والنتائج ، وسبيل النجاة الوحيد أن ندرك منذ البداية أن نقطة البداية خطأ و أن الافتراضات باطلة.

إن هيكل، الذي لم أكف رغم اكتشافي لخطاياه عن الإعجاب به، يشبه المرافق الرسمي الذي يصحب الضيف فيريه ما يريد ويخفي عنه ما يريد, ويصل الأمر أحيانا إلى حد المهزلة، كذلك اللواء الذي اصطحب لجنة تقصى الحقائق في مجلس الشعب إلى السجون، ليثبت لهم أن سجوننا من أفضل سجون العالم. لقد دخلوا مع المرافق من الباب الخطأ، ورأوا المشهد الخطأ، لكن أحكامهم في ضوء ما رأوه -لا ما أخفي عنهم- لابد أن تتسق مع رؤية المرافق. ويكفي تدليلا على تحيزات هيكل أنه تناول باستعراض شامل فصائل وتوجهات المعارضة، لكنه لم يتطرق قط إلى الإخوان المسلمين، فكان أشبه بالمشبوه الذي يتلافى ذكر الجريمة القديمة خوفا من اكتشاف دوره فيها( دعنا الآن من تجنبه ذكر محمد نجيب وهو يحصر الرؤساء.. جريمة أخرى يتجنب ذكراها).. وكان عوار منطقه في هذا الصدد وذاك فادحا. فالوحيد الذي يتصدى الآن لهيمنة الغرب علينا وسحق هويتنا هو الإسلام وهم المسلمون، لكن هيكل يريد أمرين متناقضين: استرجاع الهوية ( أي هوية .. لم يحدد!!) واستبعاد الإسلام والمسلمين. كان العوار فادحا، كان يريد بمنهجه الغربي أن يعالج أمة مسلمة، كان يريد من الإنسان أن يعيش في بيئة غير بيئته،  وأن ينمو بعد ذلك ويزدهر، كان يريد من إنسانه أن يعيش تحت الماء، ولم يردعه أنه جرب و أن إنسانه غرق. وكان يريد من إنسانه أن يطير في الهواء، ولم يرتدع حتى بعد أن سقط إنسانه وهلك، ولم يفكر أبدا أن يبحث عن أرض الواقع الصلبة، والمرتكز الوحيد للمقاومة والتقدم. أرض الإسلام.

لقد كنت أتابع طوفان المعلومات الخصب عند هيكل وهو يتحدث عن تاريخ الفلسفة وحكمة التاريخ محوّما حول ثقافات الرومان والإغريق وحول أحدث النظريات في الغرب وحول أشهر الفلاسفة والمؤرخين. وكنت أنتظر اللحظة التي يحط فيها على مرفأ إسلامي يبلور فيه رؤاه و أفكاره كي تتناسب مع مجتمع إسلامي. لكنه لم يفعل. لذلك كانت كل رؤاه هباء ضائعا في التيه. فالطبيب البيطري مهما بلغت مهارته واتساع معارفه وعمق خبراته لا يصلح أبدا لعلاج إنسان. أو قل أن هيكل كالطبيب الشرعي، قد يجيد تشريح الموتى ومعرفة أسباب موتهم – أو التعتيم عليها – لكنه ضعيف جدا عندما يتصدى لعلاج الأحياء، ومن هنا كان ضعفه وهو يتحدث عن أسوأ عهود مصر، عهد مبارك.

نعم.. عند هيكل التاريخ موجود بقوة، كذلك الفن والفلسفة والأدب، وحتى الشيطان أيضا موجود، وفاعل، لكن الغائب دائما عن عالمه هو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عمن يتجاهلون وجوده عُلُوّاً كَبِيراً. وانظر على سبيل المثال إلى عبارته وهو يتحدث عن قصة صورة دوريان جراي مع رسول الشيطان، ولعل التعبير يتسق مع الفكر الغربي وفكرته المشوهة عن الرسل ، الزناة الخطاة، بل والشواذ، الذين صارع بعضهم الله وانتصر عليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً، أما الوجدان المسلم فلا يعرف للشيطان رسلا، فالرسل يبعثهم الله، لكنها طريقة الحداثيين المستغربين في امتهان المقدس وتلويثه والجرأة عليه ( نفس المنهج والغاية من تدنيس المصحف)..

إن الأديب هيكل، نجيب محفوظ السياسة، يملك من الثروة اللغوية ما كان يغنيه عن استعمال عبارة رسول الشيطان، التي لا توجد بكثرة نسبية إلا في الأدبيات التلمودية، وفي هجوم المستشرقين الصليبيين على الإسلام، فبعضهم، لعنهم الله، يقولون أن سيدنا جبريل ليس هو الملاك جبرائيل، و أن الثاني ملاك نزل على أنبياء بني إسرائيل، أما الأول حاشا الله فقد كان رسول الشيطان إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم!!..

كان في وسع هيكل أيضا أن يستعمل مرادفا آخر كترجمة لكلمة :" MESSENGER" " التي ترجمها بكلمة "رسول".. كان يستطيع أن يقول مندوب الشيطان أو وكيل الشيطان أو مبعوث الشيطان أو ساعي بريد الشيطان.. لكنه اختار كلمة رسول.. لأن الإنسان المسلم بالتداعي عندما يسمع كلمة رسول.. يكملها على الفور : رسول الله.. وعندما يكملها فإن من يخطر بذهنه على الفور ليس أي رسول لله بل سيد الخلق أجمعين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. يا هيكل!!..

هل غفل نجيب محفوظ السياسة عن مثل هذا؟!..

أم أن استعمال هذه التعبيرات يقوم بدور الشفرة في ربط علاقات معينة وانحيازات محددة. تماما كما يحدث في بعض التنظيمات السرية، عندما يلبسون رباط عنق به نقش معين لا يلبسها إلا الأعضاء، أو خاتما ذا نقش مميز، فيتعرف الأعضاء على بعضهم البعض، ويبذل كل منهم ما يستطيع من عون لرفيقه.. دون أي تبادل للحوار قد يكشفهما معا.. لكنهما بهذه الإشارات والطقوس .. يستطيعان أن يفعلا ما يشاءان دون أن يكتشف أحد ما وراءهما من أسرار.. و أنا أضرب المثل بالأفراد.. لكنني أقصد الجماعات.. و أقصد أن استعمال مثل هذه العبارات قد يؤدي – على سبيل المثال إلى فتح الأبواب المغلقة بل إلى الفوز بجائزة نوبل!!.

ثمة ملاحظة أخرى، حاولت إغفالها، إكراما لهيكل، لكنني لم أستطع، وكما كشفت في مقالات سابقة أن هيكل غربي المنهج والنزعة والهوى، و أن حديثه عن السودان يتماشى تماما مع الأهداف الأمريكية ( راجع قوله أنه لا يوجد سودان واحد بل أربعة، و أنها لا يمكن أن تستمر، و أن لطفي السيد وافقه على ذلك).. أقول أن هيكل عاد إلى نفس المربع.. ذلك أن اقتراحه بالتمديد لمبارك لمدة عامين – أقولها بأدب – يتماشى مع المخططات الأمريكية.. قلتها بأدب.. لأن الحديث المباشر قد يكون ذابحا. 

إن فترة العامين ستكون كافية لابتزاز مبارك حتى آخر قطرة، وللقضاء على زخم ومد الحركة الوطنية.

ولقد تمنيت – بعد اليأس - أن ينطلق هيكل  ولو من خلفية ثقافة مسيحية ليسعى إلى خلاص روحه بالاعتراف بدوره في الانهيار العظيم الذي نعيشه، تمنيت أن يقول : لا تصدقوني فقد قدتكم قبل ذلك إلى هاوية 67، ولو أنكم أطعتموني اليوم لقدتكم إلى نفس الهزيمة مرة أخرى.. لأن منهجي هو نفسه لم يتغير. وددت ذلك من هيكل،  لكنه كعادته اصطحبنا إلى نقطة الانطلاق الخطأ – تماما كما تفعل المعارضة الرسمية الآن- اصطحبنا إلى لحظة من يوم 7 أكتوبر 1973 ليؤرخ لبداية الانهيار العظيم. ولو أنك وافقته لكان كل حديثه منطقيا وشديد التماسك بعدها، لكن بناءه كله سوف ينهار إذا ما فاجأته بالسؤال: ولماذا تكون نقطة البداية هي 7 أكتوبر 1973؟! لماذا لا تكون 5 يونيو 1967؟؟!! كما أن بناءه سوف ينهار إذا ما سألته لماذا لم تجعل نقطة البداية عام 53، عندما انقلبت الثورة على مبادئها وبدأت في التهام بنيها، حيث أصبح أهم الدوافع لاستمرار الضباط الأحرار في الحكم بعد ذلك هو خوفهم من أن يستلم الحكم غيرهم فيحاكمهم على الجرائم التي ارتكبوها وعلى الأموال التي اختلسوها. ينهار البناء أيضا إذا ما سألته لماذا لا تكون نقطة البداية 27 فبراير 1954 أو 25 مارس من نفس العام ، أو تنفيذ القرار الأمريكي بسحق القوة الوحيدة القادرة على التصدي للغرب، ألا وهم الإخوان المسلمون، وعبر تمثيلية المنشية. ولماذا لا تكون نقطة البداية هو الاعتداء المجرم على السنهوري؟ وقد كان مقررا ليلتها عقد اجتماع لنقابة الصحافيين للمطالبة بالديموقراطية لكنهم بعد أن رأوا كرامة السنهوري تباح وجسده يستباح،  لم يذهب إلى الاجتماع منهم واحد، ليبدأ عصر طويل، عصر الموتى وهم أحياء، وهو عصر استمر نصف قرن، بدأ الموتى بعده يتململون، ويعلم الله إن كانوا يستيقظون أم يعودون إلى موتهم.

بقيت نقطتان حول هيكل:

الأولى حول استشهاده بأوسكار وايلد، الذي و إن أقررنا بقيمته الأدبية الكبرى إلا أننا يجب أن نتذكر أنه  شاذ جنسيا بحكم محكمة سجن به لمدة عامين، بل ويقال أن الرواية تمثل قصته هو شخصيا مع  نبيل انجليزي كان عشيقا له.( في لقاء سابق في قناة الجزيرة أبدى هيكل إعجابه الشديد بالشاذ فكريا أحمد لطفي السيد). ومرة أخرى فإن هيكل أكبر و أعمق من أن يختار استشهاداته اعتباطا، و أظن أن الخاتم المميز النقش هنا يخاطب من لا نعرف قائلا:

- أنا لا يهمني الشذوذ، لا يهمني الأخلاق، أنا حداثي، وكل تلك  الصفات حريات شخصية لا تمنعني من احترام الشواذ وتبجيلهم..

وبهذا المفهوم يكون الأمر خطيرا جدا، ويكون هيكل آخر من يصلح لوضع علامات على الطريق.

النقطة الثانية - أذكرها لإحساسي أنني تكلمت كثيرا عن عيوبه فأحاول البحث له عن ميزة- هي عبارة قالها في حلقة 23-6 على قناة الجزيرة – حيث كان في أفضل حالاته المعنوية والفكرية منذ بداية الحلقات بل والصحية أيضا- .. قال هيكل أنه رأي قطيعا من الأغنام يقودها راع، فخطر بباله أن حكامنا – رعاتنا – يحاولون أن يجعلوا من الشعب قطيعا كهذا القطيع، و أن راعي القطيع يريد أن يبيع قطيعه، و أن من سيشتريه يريد أن يذبحه!!..

ألم أقل لكم أنه نجيب محفوظ السياسة!!

ملحوظة: لي انتقاداتي الجوهرية لفكر نجيب محفوظ، لكننا لا يمكننا عدم التسليم بأنه روائي عملاق على مستوى العالم.. لكن ذلك ليس موضوعنا الآن.

*** 

أقول أن الخطأ القاتل لأحزابنا الرسمية ليس مجرد أنها وقعت في مستنقع التفاصيل، بل إنها منذ البداية خطأ، تحمل بذور الانهيار والفناء، إن الخلل لا يقتصر على الأحزاب والهيئات والمؤسسات.. ولكنه تجاوز ذلك ليشمل الأفراد أيضا.. لقد أصاب العطب أفراد الأمة.. ولقد تميعت أمامهم – تحت وطأة ضراوة التضليل- قضاياهم وانحيازاتهم.

ورغم أن القيم الخلقية للهيئات ينبغي أن تكون أعلى من القيم الخلقية للأفراد، إلا أن ضراوة الاجتياح أدت لانهيار الجميع أفرادا وجماعات، فلا الفرد مؤهل ولا الهيئات والأحزاب تصلح، أما الأحزاب الرسمية فقد كانت أشد سوءا من ذلك كله، كانت عاجزة، معوقة، مليئة بالعاهات، أسيرة الماضي مشلولة الحاضر عمياء عن المستقبل،  ولقد كان مضحكا على سبيل المثال موقفها من الإخوان المسلمين ومن حزب العمل، واعتبارهما غير شرعيين، على أساس أن السلطة الحاكمة شرعية وتمنح الشرعية من تشاء وتمنعها عمن تشاء، وتجاهلت الأحزاب الرسمية التناقض الصارخ الذي تقع فيه، فإن كان نظام الحكم شرعيا فلماذا كل هذه المعارضة الصاخبة إلا إذا كانت هذه المعارضة الصاخبة تعنى الخروج عن الشرعية، وهل يعني إقرار أحزاب المعارضة بشرعية نظام الحكم اعترافها بعدم تزوير الانتخابات على سبيل المثال؟..فإذا كانت الانتخابات والاستفتاءات لا تزور فلماذا إذن دعاوى التغيير ؟ و إن كانت تزور فإن هذه الأحزاب نفسها جزء من الواقع المزور وبهذا يكون الإخوان المسلمين وحزب العمل أكثر شرعية من أن حزب آخر.. لأن منح الشرعية من سلطة تفتقدها هو انتقاص للشرعية.

ولقد نالت الأحزاب الشرعية من الحزب الحاكم ما تستحق من امتهان و تجاهل  ومهانة.. لقد هانوا وسهل الهوان عليهم..

والحقيقة أنني ألاحظ أن موقف هذه الأحزاب من جماعة الإخوان المسلمين  ومن حزب العمل ومن القضية الوطنية ككل ليس موقفا مبدئيا و إنما هي مناورات لتحصيل بعض المكاسب التافهة الهزيلة، لتسمح لهم الدولة في النهاية بتزوير بعض المقاعد النيابية لأحزابهم. بل ألاحظ تطابق موقف هذه الأحزاب مع موقف الدول العربية تجاه فلسطين والعراق، حيث تسير هذه الدول على المنهج الأمريكي بحذافيره، وتتبنى المواقف الأمريكية كما تملى عليها، وهكذا تم حصار فلسطين والعراق وتجويعهما ومنع المدد عن مجاهديهم، نفس الأمر وبنفس الخسة مارسته أحزاب المعارضة الرسمية تجاه القوى الحقيقية الفاعلة في الأمة.

إلا أن الخطأ في التقدير لم يقتصر على الأحزاب الرسمية فقط، ربما مع الأحزاب الرسمية كان الخطأ مع سبق الخسة والإصرار والترصد، أما مع باقي القوى الفاعلة في المجتمع فقد كان الخطأ خطأ تقدير.

*** 

على مستوى الواقع، وعلى أرضية الممارسة العملية كان الخطأ في ظن سقيم أن الطاغوت يمكن أن يفتح أبواب الحرية والصدق بمظاهرة هنا ومناشدة هناك.. كان ذلك خطأ فادحا.. لأن باب الحرية لن يفتح.. بل سيكسر.. ولقد أدى عدم فهم ذلك إلى أساليب خاطئة  كجعل التمديد والتوريث هدفا، وكان الأولى أن يكون الهدف هو العزل والمحاكمة على ما اقترف الطاغوت و أعوانه و أجهزته في حق الوطن والأمة من جرائم، لا ينبغي أن تسقط أبدا بالتقادم، إذ كيف يمكن أن تسقط بالتقادم جرائم كجرائم شمس بدران وفؤاد علام ، أو حتى العادلى، أو جرائم الطواغيت التي لا يقترب منها أحد، ومنها على سبيل المثال التقصير الجسيم الذي أدي إلى كشف الجبهة في حرب 73 حيث أصبحت سماواتنا مفتوحة أمام طائرات العدو ابتداء من 19 أكتوبر 73 حتى تمكنت من تدمير قواعد الدفاع الجوي مما أدى إلى اكتمال حصار الجيش الثالث، ومرورا بتدمير مقدرات الأمة وسلب روحها وسرقتها وخيانتها وموالاة الأعداء وتفتيت كل إرادة عربية أو إسلامية أو حتى وطنية تحاول أن تلم أشتات الأمة . ولقد كنا في أكتوبر 73 ندا قادرا على مواجهة إسرائيل، بل وقادرا على هزيمتها لولا خيانة السياسة وخيبة الساسة، وكان هذا الجيش العظيم هو الذي بدأ به الرئيس مبارك، والذي لا نستطيع الآن ، بسبب الجرح الذي لا يندمل في القلب، أن نواصل مقارنة القوة بينه وبين الجيش الإسرائيلي، و أنا لا أتهم الطاغوت بأنه أضعف الجيش بسبب سياسات الخاطئة، بل أشك أنه أضعفه عامدا متعمدا، وكان هذا هو سبيله للاستقرار في الحكم ربع قرن أغلب ظني أنها ستزيد. كان سبيلا، لا السبيل الوحيد.  نعم . كان يجب أن نحاسب النظام على الجرائم لا تعد ولا تحصى، وبعضها لا يمكن الآن تقدير عواقبه، لكننا فقط نذكر – على سبيل المثال – عمولات السلاح التي أثرت وتؤثر على القوات المسلحة، فضلا عن تدمير معنوياتها، وليس أدل على ذلك مما  نشرته  الصحف منذ أعوام من مضابط التحقيق  في قضية " منظمة ثورة مصر " في أقوال البطل  المتهم: المقدم أحمد على في التحقيقات  من أن الولايات المتحدة باعت لمصر أسلحة فاسدة ومستهلكة وأن كافة أجهزة الرادار المشتراة من أمريكا ثبت عدم فاعليتها.. وأن هذه الأسلحة قد تم شراؤها رغم رفض لجنة مشتريات السلاح، وكشف أيضا أن أمريكا ظلت  سنوات ترفض إمداد مصر بقطع غيار الطائرات فانتوم 4أ مما أدى إلى إصابة 21 طائرة – هي كل ما لدى مصر من هذا النوع آنذاك – بالشلل التام وتوقفها تماما عن الطيران في مطار بنى سويف الحربي .

هذا بعض ما فعله الطاغوت بالجيش، وما فعله في الشرطة لا يقل خطورة و إثما، لقد دمر مفهوم الأمن كله، و أصبح الأمن جله مجرد خدم لشخص وغواياته و أخطائه وانحرافاته ومصالحه بل وشذوذه، وفي سبيل ذلك فقد قام هذا الأمن الغبي بتحطيم كل من حاول التصدي للطاغوت سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو أحزابا أو هيئات أو صحافة أو أي تجمع بشري يمكن أن يرتفع صوته ليقول للص أنت لص وللطاغوت أنت طاغوت. استطاع الطاغوت أن يدفع جهاز الأمن للقيام بعكس عمله، فبدلا من تأمين المواطنين إذا به يروعهم ويرهبهم، وبدلا من حماية الأعراض إذا به ينتهكها، وبدلا من القبض على اللصوص إذا به يحميهم ويقتل وينكل بمن يحاول التصدي لهم. و إذا به يزور الانتخابات ويلفق الاتهامات ويقتل خارج إطار القانون بل ويسحق القانون بأحذية ثقيلة وهو يختطف الناس كأعتى العصابات إجراما فيقتلهم أو يحبسهم رغم أحكام القضاء.. أقول كأعتى العصابات.. و إن كان هناك فرق.. فأعتى العصابات شذوذ  تطارده الدولة.. أما في حالتنا فإن هذه العصابات هي الدولة.

إننا لا نواجه حاكما ظالما كنابليون لكنه يحول بلاده إلى قوة عظمى.. ولا حتى سفاحا كموسيليني أو جبارا كهتلر.. أو خسيسا كشارون أو غبيا معتوها مجرما كبوش، فكل أولئك مهما كان رأينا فيهم كانت لهم سمتان: السمة الأولى أنهم كانوا يقصدون – صوابا أو خطأ – رفعة بلادهم وسيادتها.. والسمة الثانية أن جل بأسهم كان ضد أعداء بلادهم - ,أيضا: صوابا أو خطأ- .. أما سمة طواغيتنا فهو أن كل بأسهم موجه تجاه مواطنيهم، و أنهم يقصدون مع سبق الإصرار والترصد إذلال مواطنيهم وبيع أوطانهم مقابل استمرارهم واستقرارهم على عروشهم.. مقابل التمديد والتوريث. ولقد بلغت الخسة بأحدهم.. بعد أن حكم ثلاثين عاما أنه يرفض تحديد مدة الرئاسة على أمل أن تصل إلى ابنه، لذلك فقد رفض التحديد بدورتين!!.

نحن إذن لا نواجه حاكما ظالما أمرنا الإسلام –في ظروف خاصة وبشروط محددة- بالصبر عليه.. ولا خلافات سياسية يجب أن نحلها بالحوار.. لكننا نواجه قرصانا استولي على السفينة وهو مستعد لحرقها إن لم يتمكن من التمديد والتوريث!!.. ومثل هذا القرصان لا يفيد معه – بل ولا يجوز – حوار. و إنما ضغط شعبي لا ينتهي حتى يستسلم..

قد يبدو الأمر للوهلة الأولي غريبا، لكن القارئ يستطيع أن يدرك الحقيقة عندما يسأل نفسه : كم من هذه النخبة الفاسدة العفنة يفضل أن يظل اليهود في غزة عن أن تحكمها حماس.. وقس على ذلك في العراق و أفغانستان والشيشان والفليبين وكافة بلاد المسلمين. بل إنني أطرح سؤالا أسهل: كم من النخب في بلادنا تفضل حكم العسكر الباطش الجبار الفاجر عن حكم إسلامي؟!!.. 

لا أريد أن أوغل في تعداد هذه الجرائم ولا في الحديث عن مدى سفالتها وبشاعتها فهناك عشرات ومئات يقولون الآن ذلك.. أما نحن.. فقد كنا نقولها في "الشعب" و"الأحرار" و " الأسبوع"  وبأعلى صوت قبل أن يجرؤ على البوح بها أحد.. لكنني أتناول هذا الخطأ الجسيم القاتل المدمر الذي وقعت فيه المعارضة، والذي أخشى أن يفيد الطاغوت ويفيد أمريكا ويكون هو السبيل لنكسة جديدة للحركة الوطنية.

ولمزيد من التفصيل فإن الموقف المجرم السافل للسياسة الأمريكية والتي تطلق إشارات متعددة ومتناقضة يمكن لكل طرف أن يفهمها إما كما يشاء و يهوى , وإما كما يخاف ويخشى.. وفي هذا الجو، فإن الطاغوت المرعوب مما بعد ترك السلطة سيحاول أن يحقق لأمريكا كل ما تريد و أكثر.. سينافس حتى نفسه في التفريط والتسليم والخيانة.. سيفعل حتى ما لا يطلب منه.. بل ما يتخيل أنه إن فعله فإنه سوف يرضى سيده ومولاه .. والذي بكلمة منه سيجعله إما يستمر حاكما.. أو سجينا يحاسب على جرائمه.

لقد أعدت أمريكا ميدان المعركة الكونية  بعبقرية الشيطان.. حتى أننا نرى المتناقضين يلجئون إليها ويعلقون آمالهم عليها.. أعدت ميدان المعركة بحيث تبذل جميع الأطراف جهدها الأقصى لتحقيق غاياتها: نظم الحكم والمعارضة العميلة  كهدف.. وبعض المعارضة كمناورة .. متجاهلة حتى المثل الغربي الذي ينصحك بألا تجلد جوادك المجهد وهو يتسلق جبلا لأنه ببساطة سيموت – وهو تكرار فج للمثل العربي الرصين: إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى- .. ولكن أمريكا لا يهمها أن يموت الجواد – كالشاة والسادات – ما دام يغذ السير في طريقها الذي تريده.. لأنه إن مات فثمة ألف حمار يمكنها إكمال المسيرة.

الخطأ القاتل الذي وقعت فيه المعارضة أنها تصرفت كما لو كانت الحكومة حكومة فعلا .. والرئيس رئيس حقيقة.. والمؤسسات مؤسسات.. 

ولم يكن أي من ذلك صحيحا..

*** 

   تنفك المعضلة وتنحل المشكلة عندما نتوقف عن أوهامنا و خداع أنفسنا بالنظر إلى حكوماتنا كحكومات – مهما  كانت باطشة وظالمة- ..  لننتقل إلى تشخيص صحيح للواقع بأننا لا نواجه حكومات بل نواجه عصابات .. ولا نواجه حكاما بل نواجه قراصنة..

في هذا التصور يختلف كل شيء..

تختلف أحكام الشرع التي تفرق ما بين حاكم ظالم قد تجوز – أقول قد – طاعته درءا لمفسدة أكبر وما بين لص استولى على الحكم كما يستولي القرصان على سفينة.. فمع القرصان يجب القتال ومن يموت يموت شهيدا.

ويواكب القانون الدولي الشرع ويتفق معه.. فهو يجيز الخروج المسلح على الحاكم الذي يعطل أحكام القضاء.. والقرصان أخطر من ذلك بكثير. إنه لا يعطل أحكام القضاء فقط، بل هو يزورها تزويرا، ويختلقها اختلاقا، ويصطنع حوله فقهاء سوء فلا يتولى القضاء إلا قضاة النار إلا فيما ندر..

*** 

نعم قرصان وقراصنة.. أهدروا القانون فليس يجدي مواجهتهم به..

قرصان أفسد كل شئ وخرب كل شئ..

تناول ما شئت أيها القارئ لتكتشف أن التدمير والتخريب في كل مكان.

وسوف نكتفي بتناول نماذج قليلة توضح إلى أي مدى بلغ التخريب والانهيار.. الذي  وصلنا إليه، لا بسبب خطأ في الحسابات، بل بتعمد وقصد. و إنني أرجو أن يتنبه القارئ أن هذا الشذوذ والإجرام والقسوة لا تأتي صدفة ولا اعتباطا، و إنما هي منهج وتخطيط، حتى لو غفل المجرمون عن ذلك.

*** 

منذ فترة كنت أزور صديقا، وهو أستاذ جامعي في كلية الطب، كان نافد الصبر ضيق الصدر متوترا، وكان يرد على الهاتف مهتاجا ويدعو على الظالمين، والتفت إلىّ قائلا:

- يستعجلون نتائج الامتحانات، لقد انتهيت منها منذ أسبوع، لكنها تُـراجع في الأمن..!!..

وصكت الكلمة أذني فادحة وغريبة فهتفت به:

- تُـراجع في الأمن.. وما علاقة الأمن بذلك؟!..

فأجاب الصديق في دهشة:

- ألا تعلم ما يحدث منذ سنوات..؟.. كل النتائج في كل الكليات لابد أن تراجع قبل إعلانها من قبل الأمن.. إنها إحدى وسائلهم لتجفيف منابع الإسلام.. إذ تعدل النتائج وتغير الدرجات كي لا تكون المراكز الأولى للإسلاميين، كي يتسنى منعهم من الالتحاق بالسلك الجامعي..

وتساءلت في ذهول:

- لكنهم يفعلون ذلك دون الحاجة لتزوير النتائج.. فموافقة الأمن على التعيين أهم من شهادات الليسانس والبكالريوس والماجستير والدكتوراه!!.. إنهم يفعلون ما يريدون دون معقب.. فلماذا يلجئون إلى هذه الطريقة البشعة في تغطية هم من الأصل غير محتاجين إليها..

وفجأة التمعت الفكرة في رأسي فرحت أتمتم والكرب يجثم على قلبي فيكاد يزهق روحي:

- ليس الهدف مجرد تجفيف المنابع أو منع الإسلاميين من الالتحاق بهيئة التدريس في الجامعة.. الهدف أبعد من ذلك بكثير.. الهدف أن تصل الإهانة والخزي والإحساس بالعار إلى كل أستاذ بالجامعة.. لأن كل أستاذ يرغم على قبول ذلك سوف يفقد كل الجلال والهيبة المقترنة بالقيمة المعنوية لأستاذ الجامعة.. إن إرغام أساتذة الجامعة على القبول بهذا الهوان أشبه  باغتصابه.. إنه يدمره تدميرا..

ثم واصلت التساؤل:

- هل سيظل مقياس العدالة سليما عند هذا الأستاذ.. و إذا كان قد طأطأ وانحنى للأمن إذ يفعل فعلته الشنعاء.. إن كان قد طأطأ وانحني تجنبا لشر الأمن فلماذا لا يطأطئ وينحني بالتزوير في النتائج استجلابا لمنفعة خاصة أو وصولا إلى مصلحة. لماذا لا يزور مقابل مال أو منصب، أو مقابل أن يورث لابنه منصبه في الجامعة.

لقد بدأ الأمن الدائرة الشيطانية..دائرة الفساد والإفساد الذي لا يكف عن التوالد .. وليس الفساد هدفا في حد ذاته.. ولكن الأستاذ الجامعي الذي يفسد لن يكون قادرا بأي شكل من الأشكال على تربية جيل قد يكون منه من يعارض..  إن الأستاذ الذي يتحطم ، الذي يبيع نفسه لأجهزة الأمن، لن يستنكف من بيع جامعته وتقاليدها ولا من بيع تلامذته، سوف يبيع، ويتدنى، ويتسفل، وسوف يستدرجهم الأمن، سوف  يغمض عينه عن كل الفاسدين من أساتذة الجامعة إلا في حالتين: الحالة الأولى أن يظن بعض الأساتذة أنهم بقدرتهم على الغش والتزوير قد ربطوا أنفسهم بأجهزة أقوى من جهاز الأمن، والحالة الثانية لمجرد الترويع للترويض، حين يكشف الأمن  أمر أستاذ أو أستاذين فيحولهما إلى محكمة الجنايات بتهمة الغش والتزوير، ليكون لهذا وطأته الإضافية، إذ أن كل أساتذة الجامعة يعلمون أن زميلهم ذلك لم يسجن ويشهر به وينكل لأنه غش أو زور، بل لأن جهاز الأمن تخلى عن حمايته، لينتشر الرعب بين الجميع، وليعرف الجميع أن ثمة طريق واحد إلى الشهرة والثروة والمنصب والحماية، هو طريق الأمن، الذي يزعم أنه يحرس التعليم، بينما هو يدمره تدميرا، والأنكى أنه يدمره وهو يعرف أنه يدمره.  وهكذا يواصل الأمن تدمير الأساتذة وطلابهم.. وهو الأمر الذي يؤدي على المدى الطويل إلى تفريغ التعليم الجامعي من كل جوهره، و إلى أن يكون الجهل والخيانة والغش والخسة  أصناما معبودة فكلما ازدادت تلك ازدادت رفعة المنصب.

*** 

لم يكن الأمن وحده هو المجرم، بل كانت أجهزة الدولة كلها تتضافر للأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.

نعم .. لم يكن الأمن وحده.. لأن الأمر لم يقتصر على الطلاب بل تعداه إلى كل وظائف الجامعة، و إن كان الأمن هو الذي يرشح رئيس الجامعة ، ليبصم الوزير المختص على هذا الترشيح فإن رئيس الجمهورية هو الذي يصدر قرار التعيين، فإذا علمنا أن مرتبات رئيس الجامعة تتجاوز الأربعة ملايين من الجنيهات سنويا أدركنا أن رئيس الجامعة ليس أستاذا يتقاضى مقابل عمله، بل نخاسا يبيع الطلبة والأساتذة والعملية التعليمية برمتها ، و أن الملايين الأربعة كل عام هي الثمن. نخاس يتعهد أن يخرج عبيدا للنخاس الأكبر الذي تعهد لسادته في البيت الأسود أن يكون شعبه شعبا من العبيد لا يرهب ولا يخيف ولا يتمرد.. ولا حتى يفكر.

ما ينطبق على رئيس الجامعة ينطبق على الوظائف الأقل، بل لقد تدخلت الدولة كي تمنع أي آلية يمكن أن تحد من التدمير المنظم للعملية التعليمية، وعندما أدركت أن انتخاب العمداء تؤدي إلى تسرب ولو بسيط لبقايا ما يزال لديها مبادئ ومثل، فقد أقدمت على إلغاء الانتخابات ليكون الأمر بالتعيين لا بالانتخاب.

قد يندهش بعض القراء لأرقام المرتبات، ولكن القارئ سيقرأ في كتاب مدينة الذئاب عن ضابط شرطة يبلغ مرتبه مائتا ألف جنيه شهريا ( طبقا لبعض المصادر.. وطبقا لمصادر أخري فإن هذا الراتب قد يصل إلى مليون جنيه) .. وهذه المرتبات لم تعد أمرا شاذا و إنما يتقاضاها الكثيرون  من نادي الإدارة العليا، وحجم هذه المرتبات لا يترك أي فرجة للدين أو العقل أو الضمير إلا من رحم الله وعصم. وعلى سبيل المثال فإن  ممدوح الليثى يحصل بشكل شرعي على راتب يشمل عمولة الإنتاج والإشراف والبدلات إلى نصف مليون جنيه شهريا، بينما يحصل فرج أبو الفرج أيضا بشكل شرعي على مبلغ 290 ألف جنيه شهريا، بينما تحصل آمال مراد على مبلغ 180 ألف جنيه شهريا بالإضافة للمبالغ الطائلة التي كان يحصل عليها مستشارو القطاعات المختلفة فيكفى أن تعرف أن مقابل الجلسة الواحدة لا يقل عن خمسمائة جنيه ويحصل رؤساء القنوات المتخصصة على مبالغ تتراوح ما بين خمسة وعشرين إلى ثلاثين ألف جنيه.( العربي 8-8-2004- العدد 921)

***  

الكارثة هائلة.. والرشاوى الشرعية هائلة.. وحركات المعارضة المصرية تواجهها بعزم واه واهن ضعيف.. إننا كقوم أعدوا عدتهم لمواجهة ذئب غادر.. بينما عليهم في الواقع أن يواجهوا قطيعا من  ألف ذئب..

الكارثة هائلة.. والمجتمع غير مؤهل لمواجهتها.. والأحزاب الشرعية تخدع الأمة.. أما الحركات الفاعلة فحساباتها معقدة..

كنت أحاور صديقا ذات مرة فقلت له:

-  لو استطاعت المعارضة المصرية تقديم ألف شهيد لسقط النظام وتغير وجه المنطقة..

فإذا به يجيب في اكتئاب:

-  في الجزائر سقط مائتا ألف شهيد ولم يسقط العسكر اللصوص سارقي الثروات والبترول وناهبي عمولات السلاح..

ولم يسعني سوي التسليم برجاحة رأيه.

الكارثة هائلة وكل الأحزاب الشرعية وغير الشرعية  لا تدرك حجمها الحقيقي.. لذلك كانت المطالب قاصرة والأهداف متواضعة..

ولقد كانت بعض مواقع الإنترنت ( رغم أنها في رأيي متهمة حتى تثبت براءتها) أقرب إلى التقدير الكلي – ولا أقول الصحيح-  والتصور الشامل للمواجهة( و أنبه القارئ مرة أخرى أن هذه المواقع الإليكترونية هي في الأصل لعبة أمريكية، وقد تكون وسيلة للاختراق أو لسوق الجماهير في اتجاهات معينة، ويستطيع القارئ الفطن أن يدرك ذلك، وعلى سبيل المثال فإن أي موقع يتحدث عن اضطهاد الأقباط في مصر، لا بد أن يكون تابعا للمسيحية الصهيونية، لأن اضطهاد الأقباط فرية نجسة يروجها أنجاس مناكيد، في الوقت الذي لا تبلغ فيه أقصى طموحات المسلمين أن تتم مساواتهم بالأقباط، و أن يعامل الطاغوت المجرم المساجد بنفس الاحترام الذي يعامل به الكنائس )..

أحد هذه المواقع  وعنوانه : 

http://egypt.shadow.government.8m.net/matloobeen.html

نشر على صفحته الأولى:

بيان من حكومة الظل المصرية:

بيان بالمطلوب الحجز على أموالهم و القبض عليهم

الأشخاص الآتية أسمائهم و أقاربهم و تابعين لهم قاموا بنهب المال العام و أموال البنوك و بإهدارها و سهلوا العدوان عليها كما أن بعض منهم أثرى بطرق غير مشروعة أخرى مثل غسيل الأموال و تهريب السلاح و المخدرات و التلاعب بالبورصة و غيرها. و بعضهم الأخر ارتكب بالإضافة إلى نهب المال العام الجرائم الآتية أو سهلوا على أو شاركوا في ارتكابها:

1. جرائم ضد الإنسانية: بناء نظام سياسي فردى يحتكر السلطة بالقمع المسلح و بإرهاب و ترويع المواطنين و تزوير إرادة الأمة. القبض العشوائي على المواطنين و اعتقالهم دون اتهام لفترات طويلة. تعذيب المعتقلين و المحتجزين و الاعتداء الجنسي عليهم. احتجاز أقارب المطلوبين كرهائن بأقسام الشرطة و مباحث أمن الدولة و تعذيبهم و الاعتداء الجنسي عليهم. تقديم المتهمين إلى محاكم استثنائية أو عسكرية لا توفر الحد الأدنى من العدالة. خطف و اغتيال أو قتل خصوم النظام السياسيين. و غيرها.

2. فرض الأحكام العرفية بدون مقتضى صحيح لمدة 23 عام بالمخالفة للدستور و القانون و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و كافة المواثيق و المعاهدات الدولية.

3. تزوير الانتخابات و الاستفتاءات.

4. التمييز ضد و اضطهاد الأقباط و الأقليات الأخرى.

5. العمل على تقويض و عرقلة الجهود الرامية إلى إحلال السلام و تحقيق الاستقرار و ترسيخ مبادئ الحرية و الديموقراطية و كل الإصلاحات السياسية و الاقتصادية في مصر و الشرق الأوسط بحجج و ذرائع واهية مؤداها أنه لا إصلاح إلا بعد تحرير العراق و فلسطين.

6. نشر المبادئ الوهابية السعودية الهدامة و غيرها من أفكار و تيارات متطرفة في مصر و دول أخرى.

7. شن حملات كراهية شعواء في وسائل الإعلام المملوكة للدولة و بالمدارس و الجوامع و غيرها ضد الدول و الديانات الأخرى بغرض توجيه انتباه الشعب لعدو خارجي يشغل به النظام الحاكم الشعب و يشتت انتباهه عن التركيز على العدو الحقيقي للشعب و هو النظام الحاكم و ذلك حتى يتمكن النظام من الاستمرار في استعباد الشعب و نهب ثرواته بينما الشعب غافل يناطح و يجاهد ضد عدو وهمي لم يستعبده أو ينهب أمواله مثلما يفعل مبارك و أسرته و نظام حكمة.

و البيان الأول للمتهمين هو كالآتي:

أولا: المسؤولين

1. محمد حسنى مبارك رئيس مصر الغير شرعي.

2. جمال مبارك الحاكم الفعلي لمصر و نجل الرئيس الغير شرعي لها.

3. سوزان ثابت زوجة الرئيس الغير شرعي لمصر و المشاركة مع نجلها المذكور في حكم مصر.

4. علاء مبارك النجل الأخر للرئيس الغير شرعي لمصر.

5. أحمد نظيف رئيس الوزراء.

6. عاطف عبيد رئيس الوزراء السابق.

7. يوسف والى نائب رئيس الوزراء السابق.

8. صفوت الشريف وزير الإعلام السابق.

9. الحبيب العادلي وزير الداخلية.

10. فتحي سرور الرئيس الغير شرعي لمجلس الشعب.

11. زكريا عزمي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية.

12. أسامة الباز مستشار رئيس الجمهورية.

13. محمد حسين طنطاوى وزير الدفاع.

14. ابراهيم سليمان وزير الاسكان.

15. كمال الشاذلي وزير شؤون مجلس الشعب.

16. عمر سليمان رئيس المخابرات العامة.

17. صلاح سلامة مدير مباحث أمن الدولة. 

18. محمد التهامي المدير السابق للمخابرات الحربية.

19. صبري العدوى قائد الحرس الجمهوري.

20. محمد عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع الأسبق.

21. النبوي إسماعيل وزير الداخلية الأسبق.

22. حسن أبو باشا وزير الدفاع الأسبق.

23. حسن الألفي وزير الدفاع السابق.

24. ماهر عبد الواحد المدعى العام.

25. جابر ريحان المدعى العام الاشتراكي.

26. طلعت حماد وزير شؤون مجلس الوزراء السابق.

27. عاطف صدقي رئيس الوزراء الأسبق.

28. كمال الجنزورى رئيس الوزراء الأسبق.

29. رجاء العربي المدعى العام السابق.

30. يوسف بطرس غالى وزير المالية.

31. سليمان متولي وزير المواصلات الأسبق.

32. محمد عبد الوهاب وزير الصناعة الأسبق.

33. أمين مبارك عضو مجلس شعب.

34. ماهر أباظة وزير الكهرباء الأسبق.

35. إبراهيم نافع رئيس تحرير الأهرام.

36. إبراهيم سعدة رئيس تحرير الأخبار.

37. سمير رجب رئيس تحرير الجمهورية.

38. مدحت حسانين وزير المالية السابق.

39. حسن خضر وزير التموين.

40. عبد الرحيم شحاتة وزير الحكم المحلى.

41. حسين بهاء الدين وزير التعليم السابق.

42. فاروق سيف النصر وزير العدل السابق.

43. سامح فهمي وزير البترول.

44. مختار خطاب وزير قطاع الأعمال السابق.

45. إسماعيل سلام وزير الصحة السابق.

46. هتلر طنطاوى رئيس الرقابة الإدارية السابق.

47. حمدي وهيبة رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق.

48. فؤاد علام مدير مباحث أمن الدولة الأسبق.

49. جمال عبد العزيز مدير مكتب رئيس الجمهورية.

50. محمود عبد العزيز رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي الأسبق.

51. رشيد محمد رشيد وزير الصناعة و التجارة.

52. أحمد المغربي وزير السياحة.

53. محمود محيي الدين وزير الاستثمار.

و غيرهم.


ثانيا: رجال الأعمال

1. أحمد عز عضو مجلس شعب

2. محمد منصور و اخوتة (ياسين و يوسف)

3. أحمد بهجت.

4. محمد أبو العنين عضو مجلس شعب.

5. إبراهيم كامل.

6. حمزة الحولي.

7. حسين سالم.

8. عفت السادات و شقيقيه(أنور و طلعت).

9. آل غبور (رؤوف و منير و طلعت و باهر).

10. منير ثابت و ولدية(طارق و خالد).

11. محمد فريد خميس عضو مجلس شورة.

12. أنسي ساويرس و أنجالة(نجيب و سميح و ناصف).

13. محمد شتا و نجلية(هشام و خالد).

14. محمد نصير و نجله(خالد).

15. تيسير الهوارى و نجلة(حاتم).

16. رامى لكح.

17. عبد الوهاب قوطة وولده (محمد).

18. يعقوب نصيف و نجلية(هانى و مجدى).

19. علية العيوطى.

20. حسام أبو الفتوح.

21. محمد جنيدى.

22. مصطفى البليدى.

23. عادل مارك.

24. شفيق جبر.

25. عبد المنعم سعودى.

26. ثروت باسيلى.

27. جلال الزربة.

28. حسام بدراوى.

29. خالد أبو اسماعيل.

30. شفيق بغدادى.

31. طاهر حلمى.

32. طلعت مصطفى و ولده(هشام)

33. ياسر الملوانى.

34. رشيد محمد رشيد.

35. محمود محى الدين.

36. شريف الجبالى.

و غيرهم.


ثالثا: أقارب رؤساء سابقين.

الأشخاص                                                                                                              

1. جيهان عبد الرؤوف زوجة رئيس الجمهورية السابق.

2. نهى السادات كريمة الرئيس السابق.

3. لبنى السادات كريمة الرئيس السابق.

4. جيهان السادات  كريمة الرئيس السابق.

5. حسن مرعى صهر الرئيس السابق.

6. محمد عبد الغفار صهر الرئيس السابق.

7. محمود عثمان صهر الرئيس السابق.

8. خالد عبد الناصر نجل الرئيس الأسبق.

9. عبد الحميد عبد الناصر نجل الرئيس الأسبق.

10. عبد الحكيم عبد الناصر نجل الرئيس الأسبق.

11. هدى عبد الناصر كريمة الرئيس الأسبق.

12. منى عبد الناصر كريمة الرئيس الأسبق.

13. أشرف مروان صهر الرئيس الأسبق.

14. حاتم صادق صهر الرئيس الأسبق.

و غيرهم.


ملحوظات:

1. المجموع الكلى للمبالغ المودعة بأسماء الأشخاص سالفي الذكر و أقارب و ممثلين لهم في بنوك سويسرا و الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة و جزر القنال الإنجليزي و الباهاما 250 مليار دولار بخلاف الممتلكات و الموجودات الأخرى.

2. هناك قائمة أخرى لفاسدين و مفسدين و مرتكبي جرائم ضد الإنسانية جارى إعدادها.


المطلوب: 

1. الحجز على الأموال المذكورة لردها إلى أصحابها الحقيقيين و هم أبناء الشعب و ذلك باتباع الطرق المتعارف عليها و المنصوص عليها بالقانون و الأعراف الدولية.

2. القبض على الأشخاص المذكورين لتقديمهم للمحاكمة لنهبهم المال العام أو لحيازته أو لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية.

***  

إلا أن ثمة موقع آخر خطير خطير.. و أخطر ما فيه أنني أحس فيه برائحة الخنزير رامسيفيلد.. إنه مخطط لإشعال حرب أهلية.. وهو يحتوي على نفس المبالغات الصهيونية الصليبية التي ووجه بها عراقنا الجريح.. نفس المبالغات ونفس الكذب.. ولقد فكرت في تجاهله لكنني أحسست أنها أمانة فقد يكون فيمن يقرأ عنه في مقالي ذاك من يستطيع كشفه أو فضحه أو إبطال مراميه .. لكنني أؤكد أن طاغوتنا الغبي هو الذي يفتح الباب لمثل هذه الفتن بغبائه وجموده.. وعنوان الموقع هو:

http://butcher.jiffyseek.com/ta3zeeb.htm

يقول أصحاب الموقع:

أرسل لنا بيانات ضابط شرطة عذبك أو عذب قريب أو صديق لك و سنقوم بضمة لقوائم الموت

أخي المواطن: 

هل سمعت عن المسطرة؟

إن من جرب أو حتى سمع عن المسطرة لم يكتب له أن يعيش لكي يحكى عنها! 

كل من جرب المسطرة و عددهم يناهز العشرين ألف دفنوا جميعا سرا بمقابر جماعية أو تم إحراقهم في أفران خاصة مثل أفران الأوشفيتس التي أحرق فيها النازيون 6 ملايين يهودي أوروبي.

المسطرة هي أكثر طريقة تعذيب و حشية في التاريخ و التي ابتكرها كلاب أمن الدولة لانتزاع معلومات مطلوبة بسرعة بواسطة القيادات من بعض ضحاياهم. المسطرة لم تبتكر لانتزاع اعترافات لأنها تنتهي حتما بموت الضحية. و طبقا للمسطرة يقوم ضباط مباحث أمن الدولة بإطلاق الرصاص من مسدس عيار 22 مم رصاصة رصاصة على كل سنتيمتر من ساق الضحية بدءا من قدمه و حتى أعلى فخذه إذا كان لا يزال على قيد الحياة. و بعد أن تقتل الضحية تحرق أو تدفن بمقابر جماعية سرية.

أخي المواطن:

هل سمعت عن الدخلة؟

للأسف إن من جرب الدخلة كتب له أن يعيش بعذابها. فالأفضل لكل من عذب بالدخلة أن يموت لأن آلامها النفسية و العقلية التي لا تحتمل ستطارده  مدى حياته و ستؤثر سلبا على علاقته بكل من حوله.

و الدخلة مثل أي دخلة عادية تبدأ عادة بالمداعبة حيث يقوم مجرمون أمن الدولة بنزع ملابس الضحية عنة و جعله يقف عاريا تماما أمامهم ثم يقومون بتحسس الأجزاء الحساسة بجسمه و بمداعبة أعضائه التناسلية بالأيدي أولا ثم باستخدام أدوات تتراوح من أسلاك و عصى كهربائية و غيرها. و تنتهي المداعبة بكهربة الأعضاء التناسلية و بجذبها بقوة بواسطة السلك الكهربائي. و هنا تبدأ الدخلة بإدخال عصى غليظة في فتحة شرج المتهم إذا كان رجل و في المهبل إذا كانت المتهمة امرأة. و بعد ذلك يقوم ضابط أو من ينيب باغتصاب المتهم و لا يهم إذا كان رجل أو امرأة. و إذا انتهت الدخلة  دون انتزاع معلومات أو اعترافات ترضى البهوات الضباط يتم استدعاء أو خطف أقارب المتهم مثل زوجته و شقيقته و أمة و أبوة الذين يتم معهم ممارسة الدخلة بكل مراحلها أمام المتهم بدءا من المداعبة و انتهاء بالاغتصاب.

آخي المواطن:

لقد عممت الدخلة في كافة أقسام الشرطة بعد أن كانت حكرا على مباحث أمن الدولة و أصبحت تمارس جهارا نهارا دون خوف من أي رد فعل أو انتقام شعبي.

لقد أصبح نظام الحكم كالكلب المسعور ليقينه بأن أيامه أصبحت معدودة فراح يمعن في التنكيل بأبناء الشعب عل ذلك يخيفهم و يمنعهم عن النهوض ضده لافتراسه و الفتك به عندما تحين الساعة.

و بالرغم أن الساعة آتية لا ريب و لا تأخير فيها، إلا أننا في هذا الأثناء لن نتفرج على هذه المجازر و نسكت. و لذا، فقد ابتدعنا نظام قوائم الموت لردع ضباط الشرطة الذين أصيبوا بجنون القتل و التعذيب و الاغتصاب. بموجب هذا النظام الجديد سيتم تقديم هؤلاء الضباط غيابيا إلى محاكمة خاصة سريعة و في حالة الحكم بإعدامهم و الذي سيكون تنفيذه سريعا أيضا فإنه سيتم إتاحة الفرصة أولا لضحية التعذيب أو أقاربه تنفيذ حكم الإعدام بأنفسهم في الضابط المدان بالتعذيب. نرجو  إرسال بيانات الضابط الذي عذبك إلى العنوان التالي:

ta3zeeb@mail2egypt.com

و بدءا من أول نوفمبر المقبل ستكون أقسام الشرطة التي يتم فيها ممارسة الدخلة أو أي تعذيب أخر و هي في الواقع جميعها بما فيها أقسام الشرطة بالمناطق الراقية مثل قسم شرطة قصر النيل و مدينة نصر و مصر الجديدة ستكون عرضة لعمليات تأديبية و انتقامية و لذا فإننا ننصح المواطنين بعدم التواجد في أي قسم شرطة في أي مكان بمصر بعد الساعة الثانية عشر ظهرا مهما كانت الأسباب حماية لأرواحهم. كما ننصح الموظفين المدنيين بأقسام الشرطة بعدم التواجد بها بعد هذا الوقت بأي حال.

و من ناحية أخرى سيكون أي ضابط أمن دولة أو أي ضابط أخر يمارس أو مارس التعذيب في أي وقت مضى سواء كان لا يزال بالخدمة أو أحيل للتقاعد عرضة للعمليات في أي مكان. و على كل ضابط أمن دولة أو أي ضابط أخر لم يمارس التعذيب قط أن يكتب لنا على العنوان التالي لكي نضاهي اسمه مع قوائم الموت:

free@mail2egypt.com

لقد أقر لنا بعض ضباط أمن الدولة أن منظر التعذيب و قتل المتهمين كالذبائح أصاب ضباط و صف ضباط أمن الدولة بلوثة القتلة و التي تجعلهم متعطشين بصفة دائمة للقتل و لسفك الدماء. و قد أفاد هؤلاء الضباط أن القتل يجلب لهم شعورا خاصا بالسعادة و الرضاء.

فاتورة التعذيب و القتل و الاغتصاب منذ عام 1988

 عدد الذين اعتقلوا دون محاكمة: 500000 - 800000

 العدد الراهن للمعتقلين دون محاكمة: 120000

 عدد الذين قتلوا بالمسطرة: 20000

 عدد الذين قتلوا بوسائل تعذيب أخرى في أمن الدولة و عموم أقسام شرطة مصر: 100000 - 150000  

 عدد الذين تم اغتيالهم أو تصفيتهم: 15000 - 20000

 عدد الذين اختطفوا بلا أثر: 10000 - 20000

 عدد الذين ماتوا أثناء الاعتقال: 150000

 عدد الذين جربوا الدخلة في أمن الدولة و عموم أقسام شرطة مصر: 150000- 300000

 عدد أقارب المتهمين الذين جربوا الدخلة:  400000 - 600000    

 عدد الذين أعدموا بموجب أحكام صادرة من محاكم خاصة و عسكرية: 10000- 20000

فاتورة قتل أخرى سيدفعها مبارك و زبانيته                  

أولا: ثورة جنود الأمن المركزي عام 1985

بعد إخماد الثورة تم تجميع عدد 10000 جندي في ثلاثة معسكرات بصعيد مصر و تم قتلهم بالرشاشات و دفنهم كالذبائح في مقابر جماعية سرية. و كانت بعض الجهات الأجنبية في ذلك الوقت قد قدرت عدد القتلى في هذه المجزرة السرية ب 4000 فقط بخلاف المفقودين الذين لا يعرف عددهم حتى الآن.

ثانيا: التلوث

كان مبارك اعتبارا من عام 1984 قد أمر بإلغاء تعاقدات لاستيراد محطات عدة لمعالجة المجارى و القمامة في مدن مختلفة بالجمهورية منها الإسكندرية و القاهرة و ذلك بهدف توفير العملة الصعبة لشراء أسلحة يحصل هو منها على أرباح و عمولات كبيرة إذ كان يبيعها للعراق أثناء حربها مع إيران. و عندما استفسر منة المسؤولون عما يجب عملة بالمجارى و القمامة، أمرهم حسنى مبارك بأن تلقى المجارى في البحر المتوسط و بالبحيرات المختلفة بالبلاد و بنهر النيل. و عن القمامة أمر مبارك المسؤولين بأن يحرقوها بالهواء الطلق. حتى محطات كبس و معالجة قش الأرز فقد أوقف مبارك التعاقد عليها و أمر بأن يحرق قش الأرز في الهواء الطلق. و مبارك الذي ينتقل للإقامة بشرم الشيخ و الإسكندرية في فترة حرق الأرز في أكتوبر و نوفمبر خوفا على صحته لا يرى أن الشعب المصري من حقه أن يعيش في بيئة نظيفة. و فيما يلي فاتورة مبارك لتلوث الهواء و البحر و مياه الشرب في الخمسة عشرة عام الماضية و ذلك حسب إحدى الدراسات:

 قتلى : 2600000 منهم 1600000 طفل.

 مصابون (سرطان و امفيسيما و فشل كلوى و غيرها): 11000000 .

ثالثا: طائرة مصر للطيران بالارناكا عام 86 و مديرية الأمن بأسيوط عام 81 و غيرهما.

سنعرض تفصيلا لهذه المجازر المسؤول عنها مبارك شخصيا في حينه.

***  

لقد تعمدت أن أورد البيانات كاملة كي يطلع القارئ على حجم المبالغة وكم الأكاذيب التي لا يجرؤ عليها إلا خنازير من فصيلة رامسيفيلد وتشينى ومايلز و أبي زيد وشارون..

و أظن الأمر خطير .. و هو أخطر عندما تواجهه أمة مفككة فقدت كل قدرتها على المقاومة بسبب الطاغوت قبل أن يكون بسبب الأعداء.

***  

نعود إلى ما كنا فيه.. 

إلى البوار الذي أصاب أجهزة الأمة وهيئاتها ومؤسساتها جميعا فكأنه السرطان لم يترك عضوا إلا وانتشر فيه.. وكأنه التسمم لم يترك خلية إلا بعد أن تسرب إليها وتخللها وغزاها..

كل الهيئات وكل الأجهزة وكل الخلايا..

لم يسلم منها أحد..

ولقد تناولنا الجامعة في عجالة وظهر لنا الانهيار الكارثي فيها.. فإذا تناولنا الصحافة وجدنا الأمر لا يقل خطورة ولا فداحة عما يحدث في الجامعة..

ولقد نكأ الجرح في قلبي  صحافي متميز في إحدى الصحف المستقلة.. كان قد قرأ في صحيفة صوت الأمة في 23 مايو الماضي  خبرا يقول:

اتهم الروائي جمال الغيطاني رئيس تحرير أخبار الأدب الدكتور محمد عباس صاحب أزمة وليمة لأعشاب البحر أنه يقف وراء حملة شرسة شنت  ضده بسبب مقال له عن النقاب نشرته أخبار الأدب .

المقال «الأزمة تسبب في تشديد الحراسة الأمنية على الغيطاني بعد أن أبلغته جهات أمنية بوجود اسمه ضمن قائمة للاغتيالات تضم 20 اسما تم اكتشافهما خلال التحقيقات مع المتهمين في أحداث الأزهر وعبد المنعم رياض .

الغيطاني لم ينف كلية التهديدات مؤكدا أن المقال أحدث أزمة بالفعل لكنه رفض بشدة الخوض في تفاصيل وأسباب تشديد الإجراءات الأمنية عليه منذ شهر تقريبا ونفى رئيس تحرير أخبار الأدب ما تردد عن طلبه الحصول على ترخيص سلاح مؤكدا أنه يملك بطرق رسمية سلاحا منذ أن كان مراسلا حربيا .

وشن الغيطاني هجوما عنيفا على الدكتور محمد عباس واتهمه بالوقوف وراء الحملة الشرسة التي تعرض لها بسبب مقال النقاب ، مؤكدا أنه – أي عباس -  من خلال كتاباته في موقع الشعب الإليكتروني يحرض عليه منذ فترة طويلة.

*** 

لو كان الأمر قضية خاصة لما كتبت فيه حرفا واحدا.. لكنني أذكره و أستفيض فيه كتطبيق عملي بعد الكثير من الكلام النظري. تطبيق عملي سوف يشمل نماذج تطبيقية للأفكار حين تحتك أو تصطدم بالواقع.

لقد طلب الصحافي أن يجري حوارا معي حول هذا الأمر و أمور أخرى، واعتذرت له، قلت له أن الوسط الصحافي لا يشجع على عمل جاد، وأنه رغم احترامي للصحافة الحقيقية وللصحافيين الحقيقيين فإن جل النموذج المطروح الآن خارج نطاق ثقتي، و أن تجربتي أيام قضية الوليمة كشفت لي كما من الكذب لم أكن أتصوره، ورحت أتذكر في خطرات سريعة كيف قلب أسامة سرايا ومحمد عبد العال ومحمد حسن الألفي الوقائع تماما، وغيرهم وغيرهم وغيرهم، لا أذكر أي صحيفة التزمت الحد الأدنى من معايير الصدق والأمانة وميثاق الشرف الصحافي مع استثناء وحيد هو صحيفة الأسبوع، وهو استثناء لم يكن كاملا، لقد التزمت الصحيفة الحياد في أمر لم يكن يصلح فيه حياد، وعلى الرغم من ذلك فقد عانت  الكثير بسبب رفضها الاشتراك في الكذب والتشهير، و استقال منها أسامة أنور عكاشة (وهو مستنسخ آخر من على سالم) بسبب حيادها.. كان يريد منها موقفا حاسما ضد الدين!!..

*** 

لأسباب كثيرة عزفت عن الصحافة منذ  ذلك الوقت..   وقلت لنفسي أن الصحافة المسموح بها الآن – فيما عدا استثناءات نادرة-  هي صحافة  بمنهج عادل إمام ومحمد هنيدي وسمير رجب حيث السطحية والإثارة والتفاهة والكذب، فثمة جهاز ما، أغلب الظن أنه أمني، حيث يقبع مثقف أمن دولة، وهو أخطر من ضابط أمن دولة،  ليطلق كومبارس هؤلاء أو أولئك بتعليمات محددة، ويشير مثقف أمن الدولة إلى غلمانه ليسلطهم على  شخص ما مع أمر يقول: مزقوا ثيابه، أو مزقوا لحمه. لكن الخطأ الذي وقعوا فيه دون أن يدركوا،  أنهم كانوا قد فقدوا مصداقيتهم عند الناس فلم يعد لهم مخالب ولا أنياب ولم يعودوا يملكون سوى النباح.

راح الصحافيّ يلح علىّ أن أتحدث، محاولا رشوة الغرور الكامن في النفس البشرية بأن من حق القراء وهم كثيرون جدا أن يسمعوا مني، لكنني كنت عزوفا، حتى تخيلت أنه يأس مني، لكنه بادرني بما أربكني، إذ أنه قال أنه يستسلم لإصراري على الرفض، لكنه يرجوني رجاء خاصا أن أسمح له بزيارتي.

ولم يكن بمقدوري أن أرفض. لكنني قلت له أنني سأستقبله كضيف وليس كصحافي.. و أنني لن أدلى له بأي حديث..

*** 

عندما جاء راح يلح علىّ مرة أخرى  أن يسجل الحديث فرفضت.. وحكيت له عن تجربتي مع عشرات من الصحافيين إبان قضية الكفر والعهر والتطبيع المعروفة خطأ بقضية الوليمة.. حكيت له كيف بدل رؤساء التحرير حديثي كله.. وكيف كان أسامة سرايا بالذات بارعا في الاختلاق.. وكيف أنهم جميعا رفضوا التصويب والتكذيب الذي أرسلته إليهم.. وحكيت لضيفي كيف أنني لا أنسى أربعة نماذج من الصحافيين الذين أجروا معي حوارا أيامها.. أحدهم كانت له علامة صلاة كبيرة.. قلت له أنني أثق فيه بسبب علامة الصلاة تلك.. و لا يخدعنك ضجيج العلمانيين فالأمر ليس حرية فكر و إنما مؤامرة كبرى على العالم الإسلامي لطمس هويته.. إنها قضية دينية نعم.. لكنها قضية أمن قومي أيضا.. و بذل الصحافي من المواثيق المغلظة ما بذل.. لكنه كان أجرأهم في الكذب و أمهرهم في الاختلاق. النموذج الثاني اتصل بي بعد النشر باكيا وهو يقول أنه خجل من نفسه لأن رئيس التحرير غير الحوار كله.. أما النموذج الثالث فكان أكثر انفعالا.. كان يقول لي أنهم بعد أن غيروا كل ما كتبه انهارت أمامه كل الرموز وكل القيم.. و أنه يفكر في الانتحار بالقفز من مكتبه في الدور السابع.. أما النموذج الرابع فقد واصل الإلحاح علىّ أياما متوالية و أنا أرفض بعدما رأيت من حجم الكذب والاختلاق.. لكنني استقبلته أخيرا.. كان صحافيا في مجلة آخر ساعة.. وقرب نهاية الحديث أذن الظهر فدعوته إلى الصلاة لأفاجأ به يقول لي:

-  لكنني مسيحي.. فهل يؤثر هذا على نظرتك لي؟..

وقلت له:

-  على الإطلاق .. لكنني فقط أسألك و أحيل الأمر إلى ضميرك المهني والوطني.. قضية هم الذين يقولون أنها تتعلق بالإرهاب والتطرف.. أليس من الكياسة أن يتصدى لها صحفي مسلم كي يستطيع مهاجمتي دون هاجس أنه يهاجمني كمسلم لأنه مسيحي.. أسألك.. لماذا أرسلوك أنت بالذات.. لماذا لم يرسلوا صحافيا مسلما فذلك يخدم أغراضهم أكثر ولا يثير من الحساسيات ما أثاره الهجوم الغبي من مفيد فوزي على الأزهر وعلىّ.. لا .. ليس عندي حساسية منك.. بل إن المسيحي المؤمن أقرب إلىّ من المسلم المنافق .. فالمنافقون – وليس المسيحيون ولا حتى المشركون – هم الذين في الدرك الأسفل من النار.. وقلت له أنني لا أريد من دينه شيئا.. لكنني أريده فقط أن يحتكم إلى ضميره المهني.. أن يتصرف كصحافي حقيقي.. و أن يمنع تزوير أقوالي وتلفيقها ونسبة ما لم أقل إلىّ لتشويه صورتي..

ووعدني الصحافي المسيحي بذلك.. بل ووعدني بأنه سيقاتل من أجل ذلك حتى لو اقتضى الأمر أن يهجر مهنة الصحافة كلها..

بعد أيام وجدته يتصل بي قائلا:

-  لقد قاتلت كما وعدتك.. ولقد حدث ما توقعته أنت .. 

 وصمت قليلا ثم أردف :

-  الحوار لن ينشر.. أصروا على تزويره فغافلتهم واستعدته.. ولن أعطيه لهم أبدا..

*** 

  سألني ضيفي الصحافي:

أمن أجل هذا تهاجم  الصحافة والصحافيين؟..

 وقلت له أنني لم أهاجمهم، بل إنني أدافع عنهم.. لا أهاجمهم إلا إذا اعتبرت تشخيص المرض هجوما على المريض.. لا أهاجمهم .. إلا إذا اعتبرت المجاهدين في العراق وفلسطين هم البغاة.. أما الصليبيون واليهود فحمائم سلام.. ثم أنني لا ألقي الحديث على عواهنه .. إنني أذكر ما يكتبه  صحافيون عن الصحافيين. و أنني بموقفي ذلك أدافع عن الصحافيين الحقيقيين وعن الصحافة الحقيقية.

قلت له : أنت صحافي، وتعرف مدي الامتهان والإذلال الذي يتعرض له كل صحافي من شباب الصحافيين، وأن دونه ودون القيد في النقابة خرط القتاد، وأنه بنفس المنهج الذي ذكرته في الجامعة، فإنه لا يسمح للصحافيين الشرفاء بالمرور من عنق الزجاجة دون موافقة الأمن الذي لا يسمح بالمرور إلا للأشرار المستعدون لبيع كل شئ و أي شئ، لا يسمح الأمن للشرفاء والمجاهدين والأبطال بالمرور، ذلك أن الأمر مع الصحافيين أشد خطرا من الجامعة، لأن صحافيا شريفا متميزا يمكن أن يقلب الدنيا على رأس نظام فاسد، كما أن السماح للشرفاء بدخول النقابة سيقلب موازين القوى ضد عملاء السلطة التي انتقت بعضهم من الحضيض، فرئيس تحرير صحيفة كبرى كان ساعي بريد، و أخر كان موظفا صغيرا في قسم السيدة زينب، وثالث كان "عامل فني سجاد" ورابع كان كواء وخامس كان تومرجيا.. و.. و.. 

قال الصحافي:

-  لكن الصحافي لا يقيم بشهاداته..

وقلت له:

- أنا معك تماما في هذا.. ولعلك تعرف من مقالاتي أنني واحد من أشد الناس إعجابا بالعلامة محمود شاكر.. ولم يكن يحمل شهادة جامعية.. كذلك تعلم عن عميق إجلالي لأديب العربية مصطفى صادق الرافعي.. وقد كان كذلك.. ثم أن أشهر وربما أكفأ صحافي عربي هو محمد حسنين هيكل الذي لا يحمل إلا شهادة متوسطة دون أن يشينه ذلك.. كذلك لا يمكن أن أغمط قدر العقاد رغم انتقادي له إلا أنه أفضل ألف مرة من عميد الأدب العربي سارق مرجليوت . لقد كان هذا صحيحا في الماضي، وهو الآن أكثر صحة بعد أن أصبحت أجهزة الأمن تمنح درجات البكالريوس والماجستير وحتى الدكتوراه في الداخل والخارج لمن تشاء من عملائها، وقد كنت مستعدا أن أفهم أن 25% من القيادات الصحافية على سبيل المثال يحملون شهادات متوسطة أو أقل، لكن أن يكون أكثر من 80% من القيادات الصحافية غير مؤهلة، بل ينتقيها أمن الشيطان وحزب الشيطان من الحثالة، الحالة التي ستنفذ للطاغوت كل أهدافه فتجعل الباطل حقا والحق باطلا، وتمارس الكذب بلا حياء، وتنال من الشرفاء وتقدس اللصوص والخونة.

سألت الصحافي:

- أستحلفك بالله أن تحيل سؤالي التالي إلى ضميرك.. أنا و أنت نعرف أن آلاف الصحافيين الشرفاء ينتظرون الانضمام إلى النقابة دون جدوى، و أنهم يخضعون لإذلال وقهر لا يتصور، و إلى اختبارات مروعة على قدرة الصحافي على التدني والتسفل دون حدود ، و أن من يفعل ذلك يسمح له بدخول النقابة، أما من يرفض فإن الأمر بالنسبة له أصعب ما يكون، لا أقول أنه مستحيل لكنه صعب جدا، ومقابل كل شريف يضم إلى النقابة ستجد خمسة على الأقل من الفاسدين.

-  عدت إلى مهاجمة الصحافة..

-  يا بني.. أنا لا أهاجمها بل أدافع عنها.. لأن المطروحين في الصدارة على الساحة الآن ليسوا صحافيين بل قراصنة استولوا على مقاليد الصحافة التي لن يستقيم أمرها إلا بطردهم..أما الشرفاء فهم مقموعون مطحونون لا يسمح لهم بالكتابة ولا بالظهور.. يا بني لست أنا الذي يقول.. ألم تقرأ فهمي هويدي حين كتب يقول أن هناك  صحفيين مصريين يتلقون مرتبات بشكل منتظم من رجال أعمال وجهات حكومية لنشر موضوعات بعينها. وقد أكد هويدي  أن الفساد نابع من بعض القيادات الصحفية، كما كشف  عن أن هناك "مؤسسة صحفية واحدة تضم 120 شخصا، تجاوز رصيد كل واحد منهم خمسة ملايين جنيه مصري وحرص هويدي على أن يؤكد أن عبارة "الصحفي المليونير" لم تكن واردة في مصر على مدار تاريخها، إلا أن هذه العبارة أضيفت للقاموس خلال السنوات الأخيرة، رغم أن انضمام أي صحفي – كما يقول هويدي – إلى نادي المليونيرات في الظروف العادية لا يمكن أن يتحقق له من أي باب من أبواب الحرفة إذا كان شريفًا بطبيعة الحال. وواصل هويدي قوله أن بعض هذه القيادات حولت الصحف لـ"عزب" خاصة بأسرها، وأن بعض القيادات تحصل على إتاوات عن كل شيء يدخل المؤسسة الصحفية من إعلانات إلى صفحات الوفيات. وأضاف هويدي يقول: إن هناك اختراقا من قبل بعض المؤسسات الأجنبية لبعض المؤسسات الصحفية لتمويل أنشطة مهمة فيها. كما أن بعض المجلات الأسبوعية تنشر حملات صحفية عن مسألة معينة مثل مشكلات الدواء أو فساد الصناديق الاجتماعية، ثم تنشر بعدها إعلانات لهذه الجهات الرسمية تدافع عنها،  وختم هويدي  بالقول: إنه لا يمكن تحميل رجال الأعمال أو الوزارات التي تشتري المحررين كل المسؤولية؛ فهناك محاولة للإفساد، وهناك القابلية للإفساد. وقال من يحاول الإفساد ما كان له أن ينجح في ما يسعى إليه، إلا لأنه وجد أمامه طرفا قابلا للغواية.

سألت الصحافي:

- هل كان فهمي هويدي يدافع عن الصحافة الحقيقية أم يهاجمها؟

ثم واصلت:

- ألم تندهش لاتفاق وزير ثقافة ووزير داخلية في تقييم الصحافيين، فالأول قال أن الصحافيين عنده صنفان: صنف يشتريه بدعوته على العشاء.. وصنف آخر يدفع ثمنه الذي لا يزيد عن عشرة آلاف جنيه.. أما وزير الداخلية الأسبق  فقد قال أن 75% من الصحافيين يحصلون على مرتبات منه.

-  إنك تنتقي ما يدين الصحافيين..

-  لكنها بأقلام صحافيين.. هل قرأت الكتاب الدامي للصحافي النابه المتميز أحمد عبد الهادي.. كتاب عنوانه "انقلاب في بلاط صاحبة الجلالة".. ولقد تمزق قلبي و أنا أقرأ إهداء الكتاب فهو إهداء يحرق كالنار.. يهديه إلى:  جيل الغضب لعله لا يغفر أبدا أو يسامح.. 

وواصلت قائلا بعد أن أمسكت بكتاب"انقلاب في بلاط صاحبة الجلالة"..  :

- لست أنسى أبدا نزيف المرارة الذي سفحته و أنا أقرأ هذا الكتاب .. وما زلت أذكر  وصف الصحافي القدير طريق البداية:

"  حاربنا في سبيل العثور على فرصة في بلاط صاحبة الجلالة..(...)  وعندما عثرنا على  هذه الفرصة، كانت صدمتنا كبيرة.. التجارة.. والبيزنس.. والجنس..  والابتزاز.. بجوار المقالات التي  تذوب عشقا في الوطن.. صحفيين تحولوا إلى تجار عبيد،  ورقيق أبيض  وآخرين قفزوا على  الساحة بالابتزاز والنصب.. اكتشفنا أننا تحولنا إلى سلعة يتاجر فيها البعض.. اكتشفنا عشرات الأبواب الخلفية،  التي  لابد من المرور بها أولا،  في سبيل الاستمرار.. صحفيين صغار تحولوا إلى طعام في سبيل استمرار الكبار.. صحف احترفت تجارة كل شيء،  بدءا من التهليل والتطبيل والتصفيق لمن يدفع،  وانتهاء بالهجوم المخطط على  كل من تسول له نفسه ورفض مطالبها.. وصحف أخرى تفوح منها رائحة البترول،  والدولارات،  وصحف من عينة مصاصي الدماء..كل شئ أصبح يباع ويشترى.. اختلطت الأقلام الفاسدة بالشريفة،  فكان من الطبيعي أن يتوه كل شئ.. ونتوه  نحن أيضا وسط مدينة نجح كل سكانها في إخفاء وجوههم الحقيقية، خلف أقنعة مزيفة وملابس أنيقة أخفت كل حقيقتهم.. فكان لابد من هذا الكتاب،  الذي يكشف الستار عن بعض أسرار الصحافة المصرية،  وما يدور في الكواليس،  بعيدا عن أعين القراء،  ويكشف بعض من معاناتنا نحن الجيل الجديد في بلاط صاحبة الجلالة..ويكشف أيضا أبعاد الانقلاب الذي قام به البعض للسيطرة على  عرش صاحبة الجلالة. والثورة المضادة التي  حاول بعض الصحفيين الجدد تزعمها،  لتخليص صاحبة الجلالة من بين براثن بعض السماسرة..

قلت للصحافي:

- لست أنا الذي يقول ذلك.. بل يقوله صحافي شريف يدافع عن الصحافة الحقيقية والصحافيين الحقيقيين ويؤكد أن الموجود الآن في الساحة ليست الصحافة بل الانقلاب على الصحافة..

ثم واصلت القراءة:

" كانت صدمتي بحق قوية.. صحفي شاب في مقتبل العمر لا يزال في بداية الطريق،  احترف البغاء الصحفي.. احترف النصب وتزوير الحقائق وقلبها رأسا على  عقب،  من أجل حفنة جنيهات.. لا يمانع في الرقص مع الشيطان طالما أن ذلك سينتهي به إلى ما ينشدة.. (...) .. في عش الدبابير،  تصطدم بوقائع وحسابات أخرى،  تختلف عن كل الحسابات المعتادة.. التجارة السياسية الممنوعة.. تصفية الحسابات بين الأشخاص والدول.. وبين البعض والدولة،  من خلال استغلال صغار الصحفيين.. ولا يهم النتيجة أو الثمن،  المهم ماذا تحقق وما هي النتيجة؟" ..

ثم وجهت حديثي إلى الصحافي في مرارة:

- أنت انضممت إلى النقابة وحققت جزءا من أمنك الاقتصادي لكن تذكر زملائك الذين لم ينضموا بعد.. زملائك الذين يصفهم زميلك أحمد عبد الهادي في مرارة ذابحة صارخة: وافقنا على  الاستمرار في العمل ( دون مرتب ..م ع )  على  مضض،  لحين العثور على  فرصة أخرى.. وهمس زميل في أذني : "اعمل زيي وأنت لا تحتاج لأي مكافأة" .. " مش فاهم" .. " استغل الجريدة في نشر قضايا الناس بالفلوس".." وحياتك برضه مش فاهم".." اللي عايز ينشر قضيته أو أي شكوى تخصه يدفع خمسين جنية.. . فيك من يكتم السر.. أنا أتقاضى من هذه الطريقة،  أكثر من ألف جنية شهريا".. "..لكن ده اسمه استغلال ونصب "..


كان الصحافي قد تخلي عن تحفزه وهجومه.. وبدا أنه يري أبعاد الكارثة.. كان يدركها ولكنه يتجاهلها.. لكنني أضعها الآن أمامه و أواصل القراءة من كتاب الصحافي أحمد عبد الهادي:


عفوا ستبدو  صاحبة الجلالة هذه المرة عارية تماما،  لا يستر جسدها ثمة ملبس.. إنها قصص ومآس وحكايات شباب الصحفيين،  اختلطت بالعرق والدموع والدماء.. اعترفوا بها فوق أوراقهم التي  لا يملكون زادا من الحياة سواها.. وبعضهم كشف جزءا آخر من ملابس صاحبة الجلالة،  لتبقى في النهاية مجردة من كل ملابسها.. إنها مواقف عاشها البعض أثناء رحلتهم.. أبطالها أحياء يرزقون.. الشخوص حقيقية.. الأحداث كذلك.. والأسماء واقعية لم أقترب منها بقلمي.. وكل شيء كما هو بلا زيف أو رتوش.. مثلما هو في كل صفحات هذا الكتاب..فقط بعد قراءتها سوف نكتشف جميعنا،  أننا أصبحنا في مواجهة أنفسنا..  وأن هناك أيضا سوق جديد للعبيد والنخاسة صنعة البعض،  وساهمنا فيه جميعا بقصد أو بدون قصد

نعم لقد رأيت بعيني رأسي صحفيين كل مهمتهم في جرائدهم هو لعق حذاء رئيس التحرير،  حتى يتم تعيينهم ودخولهم نقابة الصحفيين،  لنفاجأ بهم بعد ذلك رؤساء تحرير علينا في جرائد أخرى،  أما من يتعفف ويحفظ كرامته ويقوم بالعمل على  خير وجه وبكل ضمير،  يتم لفظة خارج ( الشلة ).. فالجرائد الآن تسير بنظام ( الشللية)، كأن يأتي رئيس التحرير ( أحيانا ) بأخوته ومعارفه وأصدقائه،  وهم لا يفقهون ما هو الفرق بين الجريدة وورقة اللحمة.. هكذا سقطت القيم،  وأصبح الصحفي الكبير هو من يستطيع أن "يسلك " مصالحة بجميع الطرق الملتوية.

 

ثم يعرض أحمد عبد الهادي بعض نماذج من صحافيي السلطة والنظام:


" ..أحمد جنيدى بدأ حياته ساعي في صحيفة معارضة.. ونجح في التودد إلى رئيس التحرير،  وتملقه ونافقة.. وبدأ الكل يخافه ويخشاه خاصة،  عندما أقنع الجميع أن هناك صلة قرابة تربطه برئيس التحرير.. وأخذ يفرض سطوته على  الصحفيين،  الذين كان يجبرهم على  إعداد الموضوعات الصحفية  والأخبار الهامة له.. وخلال سنوات عملة بالجريدة،  نجح في الحصول على  الشهادة الجامعية،  ونجح في الاقتراب أكثر من رئيس التحرير.. وصدر قرار بتعيينه وحصل على  عضوية نقابة الصحفيين.. وحصل على  إجازة بدون مرتب وبخدعة محبوكة الأطراف،  وتوسيط بعض المعارف،  تولى رئاسة تحرير صحيفة حزبية لسان حال أحد أحزاب المعارضة.. ولأن رئيس الحزب تجاوز الخطوط الحمراء المقررة،  فقد تم دعم جنيدى ومساعدته،  حتى أطاح برئيس الحزب وجلس هو مكانه  وجنيدى الذي لا يعرف حتى الآن أبجديات العمل الصحفي،  وأصول الإملاء،  وألف باء السياسة،  يقوم برسم مستقبل مصر السياسي والإعلامي،  ويكتب المقالات التي  تتصدر صحيفته.. ويشارك في اجتماعات الأحزاب والقوى السياسية.. والاجتماعات التي  يعقدها رئيس الجمهورية مع القيادات السياسية.." 


ثم يتحدث أحمد عبد الهادي عن مهزلة الانضمام إلى النقابة:  


 و كان رئيس لجنة القيد بنقابة الصحفيين آنذاك يرفض قبولنا هو والكثير من أعضاء مجلس النقابة كأعضاء في النقابة،  رغم استيفائنا كافة الشروط،  ورغم وجود أوراق تعييننا في النقابة منذ سنوات طويلة.. فيما كان يتم قبول عضوية المئات من الصحف القومية.. قال البعض،  أنها تعليمات عليا حتى لا تتزايد أعداد صحفيي المعارضة بشكل قد يخل بالتوازنات داخل النقابة،  وبالتالي لا تستطيع الحكومة التحكم في الأمور داخلها.. واندهشنا فقد كان مبلغ علمنا أن هذه النقابة هي الوحيدة التي  لا يمكنها أن تخضع لسلطان أي توجه،  حتى لو كان هذا التوجه حكوميا.. ثم مالنا نحن وهذه التوازنات؟.. وزعم أعضاء مجلس النقابة أن لدينا مشاكل مالية وإدارية بالجريدة،  ولابد من حلها أولا.. وتم حل كل ما يزعمون من مشاكل.. ورفضوا عضويتنا رغم ذلك،  في حين كانوا يقبلون مئات الصحفيات ذوات الوجوه الجديدة اللاتي لا عهد لهن بالصحافة من الأصل،  حتى أننا حصلنا على  قائمة كاملة بأسماء فتيات يعملن سكرتيرات في مكاتب رؤساء بعض المؤسسات القومية،  ورغم ذلك تم قبولهن أعضاء في نقابة الصحفيين فيما تم طردنا شر طردة.. واعتصمنا بالنقابة.. وأضربنا عن الطعام.. ولم يستجب إلينا أحد.. نحن الذين ندافع عن المقهورين فشلنا في الحصول على  أبسط حقوقنا..


كان الصحافي – ضيفي-  قد استسلم لحالة من الإحباط والصمت، ورحت أواصل الأجزاء التي وضعت تحتها الخطوط أثناء قراءتي للكتاب أول مرة.. رحت أقرأ له تفاصيل عن إغلاق صحيفة الشعب وكيف تم.. كما رحت أقرأ له كيف يمكن إصدار صحيفة لا تصادر: 

يقول الصحافي أحمد عبد الهادي:


- تم اختيار حمدي غنام بعناية فائقة،  لمتابعة وتغطية أخبار وزارة الكهرباء والمعروف في الوسط الصحفي كله،  ولا يعرفه القراء،  أن المهندس ماهر أباظة وزير الكهرباء كان ينفق حوالي 3. % من ميزانية وزارته،  على  الإعلانات التي  تستفيد منها كل الصحف القومية والمعارضة والمستقلة،  مقابل عدم الكتابة ضده أو ضد وزارته أو أحد من رجاله.. ونجح أباظة في استقطاب كل الصحف والصحفيين من حوله،  ولم يكتب ضده صحفي واحد طيلة وجودة في الوزارة..(..)..

وكان الأمر فاتحة خير لحمدي غنام،  الذي كان يعود بالإعلانات من وزارته أسبوعيا والتي  يحصل على  ربع قيمتها عمولة،  رغم أن قانون نقابة الصحفيين يحظر تعامل الصحفي في الإعلانات،  حتى لا يتم إجبار الصحفيين على  جلب الإعلانات.. لكن غنام كان يضرب بالأمر عرض الحائط،  فقد كان يقف خلفه رئيس التحرير.. وكان الكل على  علم بأن هناك رؤساء مؤسسات قومية،  يتقاضون عمولات بالملايين من الإعلانات التي  تأتى عن طريقهم.. والتزم الجميع الصمت إزاء ما يحدث  لم يكتف حمدي بما يتقاضاه من عمولة،  بل راح يقوم بتزوير توقيعات وزير الكهرباء على  أوامر نشر الإعلانات لصحف عديدة،  طمعا في المزيد من العمولة.. وتم اكتشاف الأمر.. وصدر قرار بطرده من الجريدة.. فسخر من القرار قائلا :

- طظ 

- يعنى مش زعلان ؟

- أزعل ليه إذا كنت فهمت أصول اللعبة ؟

ولم أفهم لحظتها ما يرنو إليه بكلماته إلا عندما اشترى حمدي ترخيص جريدة من قبرص بألف جنيه.. وقرر إصدارها في مصر.. وقلت له: 

- الأمر ليس بهذه السهولة التي  تظنها

- ليه ؟

- يابني..  سيتم التعامل مع جريدتك باعتبارها صحيفة أجنبية..وستظل تحت سيف الرقابة في كل عدد.. ومن السهل مصادرتها في أي لحظة

- هه.. ! مع أمثالك يحصل الكلام ده.. أما واحد فهم اللعبة،  مش ممكن..

- يعنى هتعمل إيه ؟

- أبدا.. صورة لوزير الإعلام ووزير الداخلية في الصفحة الأولى،  وأسفلها خبرين حلوين عنهما.. وفي أعلى  الصفحة الأولى خبر بارز عن الرئيس.. بكده تنتهي الحد وته،  وتمر الجريدة من الرقابة في كل عدد . و....جريدة حمدي غنام تصدر منذ عدة سنوات في انتظام ومليئة بالإعلانات.. ولم يتم مصادرة عدد واحد منها حتى الآن (...)   وكان يشن الحملات الصحفية الضارية ضد بعض رجال الأعمال،  ثم يرسل لهم بعض الصحفيين للتفاوض معهم،  ومساومتهم،  لوقف حملاته مقابل دفع مبالغ مالية باهظة.. ولا مانع من تسخير الصحفيين لإعداد حملات صحفية تسبح بحمدهم إذا لزم الأمر(...)  ونائب رئيس التحرير قام بتحويل مبالغ مالية طائلة،  أرسلتها إحدى دول الخليج للصحفيين بجريدته تقديرا منها لدورهم في دعم بعض القضايا العربية،  إلى جيبه الخاص (...)  وأخيرا أصبح صاحب جريدة مستقلة.. وسيارة فارهة.. وشقة فاخرة..  وموبايل.. و..و.. وكلما بزغ نجم صحفي في الجريدة قصم ظهره.. وكلما جاءت صحفية جديدة إلى الجريدة،  يضمها إلى حريمه الخاص،  وإلا فالشارع مصيرها.. وفي مكتبه تجد الجنس.. بجوار الحشيش.. بجوار مقالاته التي  تذوب عشقا في الوطن (...)

*** 

قلت لضيفي الصحافي:

هل تريد المزيد.. بل هل تحتمل المزيد.. وهل ما زلت على اتهامك لي بأنني أهاجم الصحافة.. أم أنك أدركت معي أن الصحافة – ككل مؤسسات الدولة – سفن استولى عليها قراصنة علينا أن نطردهم منها.. وبطردهم نحمي الصحافة والصحافيين. نعم.. علينا أن نستعيد سفننا ففيها أبناؤنا و إخوتنا.. أما من تزعم أنت أنهم صحافيين .. وأنني أهاجمهم فليسوا صحافيين و إن حملوا بطاقة النقابة إنما هم قراصنة لو طبق عليهم القانون العادي لحكم عليهم بالسجن.. ليس بسبب قضايا سياسية بل بسبب الرشوة أو التربح أو الاختلاس أو الابتزاز..

 هل تريد المزيد.. بل هل تحتمل المزيد .. هل تريد مني أن أحكي لك عن (...).. الذي كان سائقا فعين صحافيا..  أو عن الصول (...) الذي عين أيضا صحافيا..أم رجل الأمن وبطل المصارعة (...) الذي عين صحافيا لأنه كان بلطجيا يهدد أعداء رئيس التحرير.. أم عن (...) الذي عينه رئيس التحرير ( بل أقرب رؤساء التحرير إلى قلب الرئيس ) عينه صحافيا بعد الحكم النهائي عليه بالسجن ثلاثة أعوام.. أما الاتهام فكان تسهيل دعارة.. وما زال ذلك الصحافي يعيش في كنف الصحافي الكبير لا يجرؤ أحد على المساس به لتنفيذ الحكم.. هل أحدثك عن (...) أقرب رؤساء التحرير إلى رئيس سابق .. وكيف فتح شقته دار بغاء لأصدقائه الإسرائيليين.. هل أحدثك عن خطف الزوجات والاغتصاب والإرغام على التطليق....

وقاطعني الصحافي بعد أن بلغ به الإحباط كل مبلغ:

-  كل ما تقوله صحيح.. بل إنك أثرت مواجعي .. ولقد ذكرتني بالصحافي (...) الذي كان مثلي الأعلى فإذا به ينقلب على فكره كله وعلى ماضيه كله مقابل وظيفة مرموقة في الحكومة.. 12 ألف جنيه شهريا كافية للقضاء على كل المبادئ والمثل.. 

 وبدت نظرة حائرة بائسة في عيني الصحافي وهو يقول :

-  الحقيقة أنني اكتشفت انعدام المثل.. ولكن هذه العيوب عيوب المجتمع كله.. فلماذا تركز على الصحافيين..

-  لكنني لم أركز على الصحافيين.. رغم أنهم يستحقون  التركيز عليهم لثلاثة أسباب: السبب الأول خطورة تأثيرهم ودورهم في التأثير على الأمة.. ذلك أن خطأ الفرد لا يصيب إلا الفرد أما زلة العالِم فيضل بها عالـَم.. والثاني هي قلة عدد الصحافيين.. فلو أن عشرة آلاف انحرفوا في نقابة الأطباء أو المهندسين أو المعلمين أو التجاريين أو المحامين  على سبيل المثال لما شكل هذا العدد أكثر من 2-10% من تعدادهم.. أما في نقابة الصحافيين فإن انحراف ألفي صحافي يعنى انحراف 50% من الصحافيين.. أما السبب الثالث فهو سبب يقتصر على الصحافيين.. ذلك أن كل المهن الأخرى لها جذور عميقة في الواقع والتاريخ.. فلو أن الجيل الحالي من الأطباء فقد أخلاقياته فلدي الأجيال القادمة أجيال خلف أجيال تستطيع أن تعود إليها لتستعيد أخلاقيات المهنة وتقاليدها.. أما في نقابة الصحافيين فإننا لا نملك إلا عددا محدودا جدا من الأجيال.. ولا تنسي أن بعض الأحياء الآن قد عاشوا تلك الفترة التي لم تكن فيها شهادة الصحافي أو مصاهرته تقبل.. بعد ذلك جاءت أجيال كان فيها من الصحافيين  العظماء من كان.. لكن أغلب الموجودين لم يكونوا عظماء..  كانوا عملاء للقصر أو السراي.. ثم جاءت الثورة كتسونامي  دمر الأمة.. حيث تم تنحية جيل كامل من الشرفاء كآل أبو الفتح وتم في نفس الوقت تقريب المخبرين والخدم.. وبعض ذوي الموهبة كمحمد حسنين هيكل والأخوين أمين.. كان جمال سالم يطارد الصحافيين ويضربهم بالحذاء.. لكن ذلك لم يكفي فتكفل السجن والتعذيب الحيواني البشع المجنون بعملية الترويض.. استبعد الإسلاميون تماما فقد كان استبعاد الإسلاميين من الساحات جميعا مطلبا أمريكيا مقابل استمرار الثورة.. وتم التركيز على الشيوعيين الذين حلوا حزبهم بعد أن فقدوا الثقة في كل شئ.. كانوا قبل دخولهم السجن قد فقدوا الإيمان بالله.. وبعد دخولهم فقدوا الإيمان بالإنسان أيضا.. أحدهم.. وكان رئيس تحرير كبير كان يسب نفسه سبابا مقذعا أثناء التعذيب مقسما بأغلظ الأيمان أنه مستعد للقيام بدور الخادم بل القواد للسادة الحكام .. وفعلا أفرج عنه مع باقي الشيوعيين وأوكل إليهم أمر الصحافة كلها.. وقام كمعظم زملائه بالدور الذي وعدوا به.. دور القواد والخادم.. وارتفعت أسهمهم كثيرا.. إلا أن ذلك لا يعني أن كل الشيوعيين كانوا كذلك.. هناك القليلون منهم صمدوا واحتفظوا بنقائهم وقيمتهم.. لكن من هذا الصنف الشاذ المروض نبتت أعراف شديدة الشذوذ تنتشر الآن في الوسط الصحافي.. يقاومها بعض الشرفاء .. لكن الدولة تشجع كل شذوذ وانحراف كأب سافل يحرض بناته على البغاء.. إن نموذج الصحافي الذي تشجعه الدولة لا يبحث عن حقيقة أو قيمة أو خبر صادق.. إنه يسعى لإحداث فرقعة أو تدبير فضيحة قد تقربه من ذوي السلطان.. ومن هنا انتشر ما أسميه بصحافة عادل إمام ومحمد هنيدي.. منتهى السطحية والجهل.. الاعتماد على " القفشات والمفارقات" .. تحويل الحوار مع الطرف الآخر إلى استجواب من ضابط جلاد إلى ضحية معتقل.. محاولة تحطيم صورة الرموز.. والنيل من هيبتهم.. والسخرية منهم..  و إهدار قيمة الشرف.. وذلك كله لا يحدث إلا لتحقيق ما تراه الآن.. ألا تري على القمة إلا الطاغوت.. أما الآخرون جميعا فقد تم النيل منهم إن لم يكن بتحطيمهم فبتلويث سمعتهم..على أن الطريق الأمثل والأقصر والأقرب إلى قلوب الحكام هو الجرأة على الدين..

-  الحقيقة أنني لا أستطيع أن أرد عليك.. فكل ما تقوله صحيح .. لكنني ما زلت أسأل: لماذا الصحافيون فقط..

- لا.. لم يقتصر الأمر على الصحافيين.. لقد كتبت الكثير جدا عن ضباط الشرطة.. عن القضاء وعن النيابة وتواطؤها مع الشرطة حتى أدى الأمر إلى صدام علني عنيف على صفحات الصحف بيني وبين النائب العام الأسبق.. ولقد كتبت عن القضاء كثيرا.. وفي مقالات متعددة أذكر منها صرخاتي مع المستشار الجليل يحيى الرفاعي.. حين نقلت صرخاته في مقال لي كانت عناوينه : " المستشار يحيى الرفاعي شيخ القضاة في مصر والعالم العربي ينعى استقلال القضاء والوطن ويعلن: " نظام الحكم  تجرد من مشروعيته في نظر العالم أجمع" .." المؤسسات القضائية تبدو كمجرد مرافق إدارية تابعة للسلطة التنفيذية"...." التبعية الإدارية التدريجية في النيابة العامة تسحق إرادة المرؤوسين فيها".." ضاعت سمعة القضاء المصري في نظر العالم أجمع حتى صرنا مضغة في الأفواه" .."وزير العدل يعبث عبثا ليس له أي أصل من شيم قضاء مصر"..

ولقد كتبت عن  قاضي الجنح الذي  ينظر أكثر من مائتي قضية في ثلاث ساعات.. أقل من دقيقة لكل قضية.. فإذا احتسبنا وقت النداء على المتهمين والشهود والمحامين لتقلص الوقت لأقل من نصف دقيقة لكل قضية‍‍ !!.. نصف دقيقة قد تدمر مستقبل الفريسة التي وقعت في البراثن..  وكنت أدرك أن النظام الفاسد يضع القضاء في ظروف مستحيلة كي ينشغل بنفسه من ناحية، ومن ناحية أخري فهم يطعنون جوهر العدالة نفسه بإثبات أن تطبيقها مستحيل. وكتبت أيضا عن النيابة ما جعلني أسترجع ما جاء في حيثيات حكم قضائي أنها أصبحت كالشرطة سواء بسواء.. بل وأزعم أنني فسرت الحديث النبوي الشريف: قاض في الجنة وقاضيان في النار تفسيرا جديدا حين قلت أن ذلك لا يعني أن ثلث القضاة في الجنة وثلثيهم في النار.. فالتمييز هنا بين القضاة تمييز نوع لا تمييز عدد.. كقولك أن للتفاح في هذه المزرعة ثلاثة ألوان: لون أحمر ولون أصفر ولون أخضر.. فإن ذلك لا يعني أن ثلث التفاح أصفر وثلثه أحمر وثلثه أخضر.. بل قد يكون الكل أحمر إلا تفاحتين واحدة صفراء والأخرى خضراء.. فالحديث إذن لا ينبغي أن يطمئننا أن ثلث القضاة قضاة عدل.. وقد يكون الرقم أقل بكثير..

قال الصحافي:

-  لكنك لم تهاجم الأطباء.. ربما لأنهم زملاؤك.. رغم أنني أعددت تحقيقات كثيرة عن جرائم الأطباء ومنها سرقات الكلى المنتشرة في المستشفيات الخاصة..

-  لقد تابعت بعض تلك التحقيقات.. ومن المحزن أنكم فضلتم فيها الإثارة والتسطيح عن البحث عن الحقيقة.. مرة أخرى صحافة عادل إمام ومحمد هنيدي.. صحافة القفشات والفضائح.. ألم يكن حمدي السيد ضيفا في أحد تلك التحقيقات.. ألم يدل الرجل برأيه كعالم وخبير وطبيب باستحالة حدوث ذلك.. وأن الأمر لا يخرج عن محاولة من باع كليته للحصول على مزيد من المال ممن اشتراها منه.. أما عن دخول المريض إلى المستشفى ليكتشف سرقة كليته فهو افتراء أسوأ ما فيه الكذب و إغفال الكوارث الحقيقية مقابل كوارث متخيلة..

- ها أنت تدافع عن الأطباء..

- لا .. أصبر قليلا.. إن الكوارث الحقيقية التي يشملها عالم الطب في بلادنا أخطر ألف مرة مما تقول و إن كان صحيحا.. فما بالك إذا كان ما تقوله عن سرقات الكلى خطأ.. اصبر .. فالكارثة أكبر مما تظن.. قبل عام 65 كانت شهادات الطب المصرية معترفا بها في العالم كله كشهادات انجلترا و أمريكا.. الآن .. حتى الدول العربية لا تعترف بالشهادات المصرية في الطب.. لقد كانت السياحة الطبية قادرة على جذب استثمارات و أرباح تفوق دخل قناة السويس.. لكن سيادة الجهل والسرقة حولت الاستثمار إلى استحمار..ولقد عشت ورأيت أصغر المستشفيات في مصر لديها من الإمكانيات أكثر من المستشفيات الكبرى في السعودية على سبيل المثال.. ثم عشت ورأيت مدى تخلف أكبر مستشفياتنا أمام المستشفيات السعودية.. ولقد عشت ورأيت المرضى العرب من كل مكان يأتون للعلاج في مصر ..ثُم عشت ورأيت المرضى المصريين يذهبون إلى جدة وعمان والرياض للعلاج.. إن الوضع الطبي في مصر كارثة لا يمكن أن تتخيلها.. إن الجامعة بما فيها من كوارث معظمها بسبب سيطرة الأمن هي التربة التي تنبت فيها النبتة المشوهة للطبيب، حيث انعدمت تقريبا العملية التعليمية، وتحول أعضاء هيئة التدريس إلى مدرسين يقدمون الملخصات لطلبتهم مقابل آلاف الجنيهات ( في الستينات كان منهجنا الدراسي وكتبنا هو نفس المنهج والكتب التي تدرس في كلية طب  لندن).. الآن يدرسون من ملخصات ملخصات الملخصات لتكون أرواح الناس أمانة في أيديهم بعد ذلك..وحيث تخضع النتيجة لرأي الأمن، ليس لاستبعاد الإسلاميين فقط، بل لمنح ابن ضابط أو ابنة محافظ الدرجات الأولى.. وبديهي جدا، أن الأستاذ الذي يرضخ لطلبات كهذه لرجال الأمن، الأستاذ الذي يمنح الدرجات العليا لأبناء الضباط والمسئولين، سيجد أنه بصورة أولى أن يمنح هذه الدرجات لأبنائه و أبناء زملائه. كل هذه العيوب تتكرر في شهادات التخصص، ليكون التزوير والغش هو القاعدة وما دونها استثناء، كل هؤلاء سوف يجدون رئيس جامعة لص اختاره وزير لص، و عمداء بلا ضمير و أساتذة بلا علم.. ثم نأتي بعد ذلك للممارسة.. إن آلاف المرضي يموتون سنويا بسبب جهل الأطباء وبسبب عدم توفر فرص التدريب.. وآلاف من المرضى يموتون بسبب عدم وجود العلاج.. و آلاف من المرضى يموتون ليس بسبب عدم التعقيم بل بسبب أن المياه التي يتم التعقيم بها مختلطة بماء المجاري.. كما أن عددا لا يعلمه إلا الله يموتون بسبب استيراد أدوية مغشوشة بعد دفع عمولات هائلة، أو بسبب استعمال المريض المصري كحيوانات تجارب لأدوية لم يصرح باستعمالها في بلادها. ثم يأتي بعد هذا كله دور الفساد المباشر.. دور شراء أجهزة طبية معطلة أو ناقصة.. ولقد كتبت قبل ذلك عن معلومات يقينية من هنا وهناك.. أحدها كان يتعلق بمستشفى اشترى أجهزة تنفس صناعي دون جهاز الإنذار الخاص بها ( مقابل عمولة ضخمة للتغاضي عن عدم وجوده).. وفائدة جهاز إنذار أنه يطلق صفيرا عاليا عند توقف الجهاز لأي سبب خاصة أن هذا الجهاز يستعمل للحالات الحرجة عندما يكون المريض مخدرا أو في غيبوبة.. والذي حدث أن مريضين ماتا في ليلتين متتاليتين لأن الجهاز توقف مرة وانفصلت أنابيبه عن المريض مرة أخرى.. وفي الحالتين مات المريضان.. وقامت المستشفي بتكهين الجهازين.. إنني لا أتحدث عن وقائع منفصلة و إنما عن قواعد عامة ودونها استثناء.. أتكلم عن إهدار ملايين الجنيهات في تزيين المستشفيات للسيد الوزير اللواء المحافظ بينما الأساسيات كمطهر أو ضمادة أو حقنة بنسلين غير موجودة.. ولقد تحدثت في مقالات سابقة كيف أن "التهريج " الصحي بإعطاء حقن الطرطير لعلاج البلهارسيا دون تعقيم قد أدي إلى إصابة ملايين المصريين بالالتهاب الكبدي الوبائي ومن ثمة بسرطان الكبد.. كتبت عن السرقات التي تقوم بها المستشفيات الخاصة للمرضى.. تحدثت عن انهيار القيم بين الأطباء.. فالذي باع ضميره في الجامعة.. ماذا يمنعه من بيعه خارجها.. تحدثت عن العمولات والرشى.. تحدثت عن جهات حكومية كبري ترغم المراكز الطبية على أسعار لا يمكن أن تكون معقولة.. و لأنها غير معقولة فلا بد أن تخفي خلفها سرقات من نوع ما.. وفي مثال لذلك.. فإن حقنة معينة سعرها الرسمي 285 جنيها .. لكن الجهة الحكومية الكبرى اشترطت على المراكز الطبية تقديمها بسعر خمسين جنيها..!!.. وكان الأمر فادحا وواضحا وبينا..إما أن الخمسين جنيها تصرف دون إعطاء الحقنة أو أن هناك سرقات تعوضها وتزيد.. سرقات يرغم عليها الضحايا ليهلل لها صحافيو الإثارة الرخيصة.. سرقات يقع فيها الصغار.. أما الكبار فيظلون بمأمن.. هل تتصور كم الرشاوى التي تدفع للتصريح لدواء جديد.. هل تعرف السر الخفي وراء عدم التصريح للفياجرا لمدة أربعة أعوام  بعد أن صرح بها العالم كله بحجة الحرص على صحة المصريين- المصريين الذين تشبعت دماؤهم بالكيماويات والمسرطنات-  هل تعرف كم كسب المهربون من منعها.. وهل تعلم من هم هؤلاء المهربون.. هل تعلم سر التصريح بالحبة الصفراء لعلاج الالتهاب الكبدي الوبائي والتي لم يصرح بها في معظم بلاد العالم ويذهب العديد من خبراء الكبد أنها نصب واحتيال .. هل تعرف سر اهتمام صحيفة الأهرام بها.. وهل تعرف شيئا عن عشرات الملايين التي حصل عليها وكيل استيرادها.. وهل تعلم من هو هذا الوكيل؟ هل تعلم كم العمولات التي تدفعها شركات الأجهزة الطبية لكي يصدر في مصر قانون فريد في العالم بمنع استيراد الأجهزة الطبية المستعملة حرصا على صحة المصريين !! بينما هذه الأجهزة المستعملة تباع في العالم كله وعلى رأسه أمريكا كلها وكندا و أوروبا كلها واليابان و آسيا.. لا أعلم دولة في العالم منعت استيرادها سوي مصر رغم أن استيرادها كان يوفر مئات الملايين ويرفع من مستوى الخدمة الطبية .. لكنه لم يكن يقدم رشوة إلى مسئول هنا أو موظف هناك.. وعلى الرغم من ذلك .. فإن استيراد هذه الأجهزة لم ينقطع.. لكن بعد دفع الرشاوى الهائلة.. 

هتف الصحافي الضيف مروعا:

-  يا إلهي..

وواصلت:

-  يسعد صحفيو عادل إمام ومحمد هنيدي بالتنكيل بطبيب ضبط متلبسا بالرشوة هنا.. أو بالسرقة هناك.. أو بتزوير درجات ابنه..أو بعملية جراحية يخطئ فيها..  يسعدون بالإثارة والفضيحة..يسعدون ببعض الماء الذي أدي إلى انزلاق فرد  ويغفلون عن الطوفان..  فتلك كلها جرائم موجودة في أي مكان في الدنيا.. ولكنها استثناء.. في بلادنا تكاد تصبح قاعدة.. الخطر ليس ذلك.. الخطر في عمومية التهريج وانعدام الخبرة وموت المرضى بسبب القصور والجهل والإهمال..

-  يا إلهي.. يا إلهي.. ألا يوجد في مصر طب إذن؟!..

- يوجد القابضون على الجمر.. وعددهم – والحمد لله-  ليس قليلا لكنهم ليسوا أغلبية بأي حال..  والأسوأ أنك لا تستطيع أن تميزهم من سواهم خاصة أن شبكات الفساد تجعل التلفاز والصحف تروج دائما للطبيب الفاسد الذي يدفع لها.. نعم..  بالرغم من ذلك كله يوجد القابضون على الجمر.. يوجد من أظن أن لهم أجر المجاهدين إذ يقاومون هذا الفساد كله وهذا الدنس كله.. إلا أنني أحذرك من أن صحافة الإثارة تخدم هذا الفساد.. لأنها تركز على جرائم خيالية ( كسرقة الكلى) فتجذب الانتباه عن الجرائم الحقيقية.. وتقدم الجرائم المتوهمة إلى المحاكم فتحكم بالبراءة فيغرق الناس في الإحباط.. لأن هذه الجرائم المرعبة التي ظلت الصحافة تتحدث فيها شهورا قد انتهت في المحكمة إلى البراءة.. لا جدوى إذن .. والفساد أقوى من أن يقاوم حتى بالمحاكم.. وكل ذلك باطل.. بدأه صحافي لم يتحر الحقيقة لأنه لم يتعلم ذلك ولم يتعود عليه .. صحافي  من صحفيي عادل إمام ومحمد هنيدي..

*** 

قلت لضيفي:

-  هل تريد المزيد؟!!

-  نعم.. لكنني أرجوك و ألح في رجائي أن تسمح لي بتسجيل باقي الحديث..

-  لا .. و أرجوك لا تقطع حبل أفكاري.. إنني إذ أتحدث عن الفساد لا أقصد جهة معينة أو هيئة محددة.. لا أقصد الجامعة أو الصحافة أو القضاء أو الطب أو الصناعة أو الزراعة أو الأمن أو الجيش أو السياسة أو الاقتصاد.. لا أقصد أيا من ذلك وحده.. بل أقصدها جميعا..في سيمفونية مرعبة للفساد لا يمكن أم تتم اعتباطا..  و أصرخ في الناس أن هذا الفساد الكلي الشامل أمر ضد طبيعة الأشياء وضد طبيعة المجتمعات.. هذا الفساد لا يمكن أن ينتشر بهذه الطريقة إلا بوجود مؤامرة كبري تستفيد منها نخبة خائنة يرأسها طاغوت باع  كل شئ.. بل إنني أقول لك أن وجود هيئة واحدة صالحة في المجتمع   كفيلة بإصلاح المسار.. لو أن الصحافة سلمت لكشفت كل ذلك.. ولو أن القضاء سلم لعاقب عليه.. ولو أن الشرطة سلمت لتحرت عنه.. ولو أن النيابة سلمت لأحقت الحق وبرأت البريء و أدانت المتهم.. ولو أن الجامعة سلمت لأصلحت كل ذلك.. الأمر أخطر بكثير جدا مما تظن.. وفكرة القرصان الذي استولى على سفينة لا تقتصر على النخبة.. بل كل صحيفة سفينة استولى عليها قرصان.. وكل مستشفي وكل معهد وكل جامعة وكل قسم شرطة..و..و... كل ذلك سفن استولى عليها قراصنة.. نحن لا نواجه النخبة الحاكمة بل نواجه الهكسوس.. نواجه احتلالا أشد قسوة من الاحتلال الإنجليزي والإسرائيلي.. ومثل هذا الاحتلال لم تخرجه المفاوضات ولا المظاهرات المحدودة الحريصة على أمن أعضائها.. ولكن بمن ستخرج مثل هذا الاحتلال؟.. بتلك النماذج المريضة التي حدثتك عنها.. هل يستطيعون؟.. وهل لدينا الأعداد الكافية من القابضين على الجمر؟!..

وواصلت قولي لضيفي:

-  أنت صحافي،  لذلك لا داعي أن أقص عليك ما نشرته صحيفة العربي عن كتاب ضابط الشرطة العميد محمود قطري  الذي قضى في الخدمة 24 عاما يجيب ربما للمرة الأولى – كما تقول صحيفة العربي- عن السؤال الذي أظن أنه يحير كل مواطن في هذا البلد، وهو: لماذا يتحول ضابط الشرطة من بنى آدم لحم ودم إلى وحش ينتهك أعراض المصريات في الشوارع وفى أقسام الشرطة وفى سلخانات أمن الدولة والسجون وفى كل شبر يتحكم فيه أباطرة الداخلية .. فما الذي يجعله يمارس التعذيب والقتل لمواطني بلده الذين يدفعون مرتبه من عرقهم وكأنه يشرب قهوة الصباح ..  والكتاب بعنوان اعترافات ضابط شرطة في مدينة الذئاب - وطبعا صادرته وزارة الداخلية- لا يقف عند حدود الوقائع التي سردها ولكنه يحاول دائما التركيز على الآليات التي يستخدمها قادة الداخلية ووزيرها لإنتاج وحوش على خلق الله وعبيد تحت أقدامهم .. كتاب يكشف الآليات التي جعلت الضابط مظلوما إلى حد لا يتصوره عقل وظالم إلى حد لا يخطر على بال .. إنه العالم الخفي للداخلية والذي وصفه المؤلف بجملة بليغة: مستنقع للظلم، الكبير فيه يظلم الصغير والقوى يفترس الضعيف وهؤلاء يفترسون المواطنين. 

-  لقد قرأت ما نشر عن الكتاب..

-  لا داعي إذن للخوض في تفاصيله.. لكنني أذكرك بما كتبته أنا من أعوام عن ضابط آخر هو العميد حمدي البطران وكتابه يوميات ضابط في الأرياف والذي كشف فيه كيف يقوم رجال الشرطة بالتزوير والتعذيب والقتل بدم بارد والاستيلاء على ممتلكات ضحاياهم كغنائم.. وتحدثت أيضا عن مطالب بعض لواءات الشرطة بتصفية جهاز مباحث أمن الدولة لأنه يحمل وزر فساد الوزارة كما تحمل الوزارة وزر فساد الدولة..  ولقد صودرت كتب كثيرة مماثلة وهُدد مؤلفوها بقتلهم أو بقتل أبنائهم إذا ما أصروا على نشرها، و إزاء هذه المصادرات لم تهتز شعرة لكائنات  التنوير والتحرير والتعهير والشذوذ والكفر.. لقد انتفضوا فقط عندما اعترضنا على كتب تهين الإسلام والمسلمين.. وذلك في عرف أصحاب التنوير حرام.. أما مصادرة الكتب التي تخدش شعور أصغر ضابط أمن فحلال.. ولعله التآلف بين مثقف أمن الدولة وضابط أمن الدولة. 

*** 

عند هذا الحد راح ضيفي يلح علىّ إلحاحا أحرجني بأن أسمح له بتسجيل باقي الحديث  .. كان إلحاحه قويا بدرجة لم أستطع رده.. قلت له أنني لا يهمني أن يكذب عليّ فقد فعلها زملاء له من قبل .. لكنني إن فعلها سأشكوه إلى الله وأنعم به من وكيل.. ثم قلت له مداعبا: ما يقلقني فعلا هو رد فعل أصحابي عندما تشوه حديثي.. فقد يشكّون في إيماني.. فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين و أنا لدغت من الصحافيين عشرات المرات.. ثم أردفت جادا: ومع ذلك فإن قبولي بالتسجيل معك الآن دليل حب لا كراهية.. وثقة لا شك.. ودفاع لا اتهام!!..

*** 

أدار المسجل.. وفاجأني سؤاله الأول:

-  ماذا بينك وبين جمال الغيطاني..

كنت خالي الذهن فعلا فأجبته:

-  لا شئ.. كشخص.. لكنني على المستوى العام أعتبره واحدا من أخطر الحداثيين .. وقد قلت قبل ذلك أن الحداثة هي القطيعة المعرفية.. وخطورة جمال الغيطاني أن به بعض موهبة.. وبعض قبول.. فالناس ينظرون إليه دون سبر أغواره، ينظرون إلى ذلك الرجل الضعيف جسما.. الخفيض صوتا والمتلعثم أحيانا .. وقد اختلط عندهم ارتياده للمساجد كآثار معمارية بالموقف من الدين.. كل ذلك يجعله مقبولا عند الناس.. إنه لا يستفزهم ليرفضوه من اللحظة الأولى .. كيوسف القعيد مثلا.. 

-  لكن لماذا لا يكف عن اتهامك بالتحريض على قتله بل وقد نشرت بعض الصحف ذلك..

-  فعلا تذكرت.. لقد حدثني أحد الصحافيين في هذا الموضوع.. وقال كلاما غريبا عن أنه كتب مقالا  يهاجم فيه  النقاب  مما دفعني إلى التحريض على قتله.. ومن ناحيتي فقد توقفت عن أخذ الغيطاني على محمل الجد منذ زمان طويل.. لكنني رأيت من واجبي أن أقرأ هذه المقالة التي يزعم أنني حرضت على قتله بسببها.... دخلت على الشبكة العنكبوتية أبحث عن مقاله ذاك .. بحثت بمختلف ماكينات البحث فلم أجد له أثرا.. وهذا يدل على أن المقال لم يكن له أي تأثير في الأوساط الدينية والثقافية والفكرية.. و إلا لحفلت المنتديات والمواقع به.. لم يذكره أي موقع.. على الإطلاق..  لكنني تذكرت أيضا أن الفترة التي يتحدث عنها الغيطاني قد امتلأت فجأة بالحديث والكتابة والندوات التي تهاجم النقاب.. كان منهم وزير الأوقاف و إقبال بركة  وعكاشة والرخاوي ومجلات وصحف داخل مصر وخارجها وقنوات فضائية انطلقت فجأة تتحدث عن النقاب.. وفي نفس الوقت... وكنت قد تعلمت بالخبرة أنه في بعض هذه الأحوال يوجد مايسترو خفي يوجه العازفين ويدفع أجرهم .. وقد كشفته الكاتبة البريطانية فرانسيس ستونز في كتابها من يدفع أجر العازف.. وفيه أن المخابرات الأمريكية كانت تنفق كثيرا على كثير من الكتاب لكي يثيروا قضايا معينة في أوقات معينة لتجد طوفانا من المقالات والكتاب يتحدثون عن موضوع واحد و كأنهم كلاب صيد أطلقهم الصياد ..( راجع أيضا ما قاله هويدي عن شئ من ذلك).. وقد حدث ذلك ويحدث وسيحدث.. وما زلت أذكر هياج عش الزنابير على الدكتورة نعمات أحمد فؤاد عندما طالبت بعودة الكتاتيب للمحافظة على القرآن واللغة العربية .

-  لكن ذلك لا يكفي لحدة الغيطاني وشراسته  في الهجوم عليك..

-  إنني أعتقد أن واقعة التحريض  كاذبة.. وليس هناك أي تحريض على الغيطاني.. وربما  بدأ يحس بانطفاء الأضواء حوله فاخترع هذه الحكاية كي يعيد الأضواء.

قلت لنفسي أن ضيفي الصحافي  قد بدأ نوعا من الإثارة .. وأنه بدأ يمارس صحافة عادل إمام ومحمد هنيدي.. لكنني أخذت أستجمع الخيوط في ذاكرتي فقلت باسما:

-  نعم تذكرت الآن.. لقد نلت منه نيلا عظيما في مقال أخير لي عندما اكتشفت علاقة يبدو أنها حميمة بين أخبار الأدب وبين مسخ الرئيس العراقي جلال طالباني.. وكيف كتبت أخبار الأدب شعرا فيه.. وكيف أشاد الغيطاني به.. في وقت لم يكن فيه أي واحد يعيره أي اهتمام.. ولا أي واحد كان يتخيل أن يصبح هذا الإمعة رئيسا .. في هذا العدد كانت أخبار الأدب تتحدث عن قوات الاحتلال الأمريكية كقوات تحرير للعراق.. وكل ما فعلته أنني كتبت عن أخبار الأدب ..وكانت الفضيحة توحي بأنهم في أخبار الأدب لم يفكروا فذهبوا.. بل أُمِروا فذهبوا.. ويبدو أن هذه الضربة جاءت في الصميم.. حتى أن الغيطاني لم يرد عليها.. لم يواجهها ليفندها.. بل واختار أن يهرب منها تماما ليواجه اتهامي باتهام.. المشكلة أنه لا يرد ردا مباشرا أبدا.. رغم أنه حتى الشيطان عندما سأله الله لماذا لم يسجد لآدم فإن الشيطان أجاب عن السؤال إجابة مباشرة: خلقتني من نار وخلقته من طين.. لم يتجاهل الشيطان السؤال ليجيب عن سؤال آخر أو ليوجه اتهاما.. ولقد اختار الغيطاني أن يجيب على واقعة كشفي لعلاقته بطالباني باتهامي بأنني أحرض علي قتله من أجل مقال – لم أقرأه له - عن النقاب. 

حسنا.. لنفترض أنني حرضت على قتله.. فما علاقة ذلك بصمته عن واقعة علاقته بطالباني وتأييد الغزو الأمريكي واعتباره تحريرا لا غزوا.. 

كان الغيطاني يستطيع مواجهتي بطريقة من ثلاثة: إما أن يقول : أنت كذاب وما كتبته لم يحدث، و إما أن يقول أنت صادق و أنا أعتذر عن خطيئتي و أستغفر، و إما أن يقول أنا كتبت فعلا ما ذكرته أنت لكنك فهمته خطأ أما الصواب فكذا وكذا.. لكن الغيطاني ترك كل هذا ليتهمني بالتحريض عليه بسبب موضوع النقاب.. وهي آلية تكررت من الغيطاني في مواقف عديدة.. فعندما يخاف من كشف موضوع ما فإنه يثير موضوعا آخر للتغطية عليه.. وهو نفس ما فعله عندما كشف صديق عمره و أستاذه صلاح عيسى عن قيامه بكتابة "رواية زبيبة والملك"  لتنشر بعد ذلك باسم صدام حسين بعد أن حصل على مكافأة كبيرة. المقال الذي اعتمد عليه صلاح عيسى  كتبه سليم عبد القادر بعمان (الأردن) تحت عنوان «زبيبة والملك - لصدام الغيطاني»، ساردا فيه مجموعة من المعلومات المثيرة عن تفاصيل كتابة رواية «زبيبة والملك» ، مؤكدا أنه استقاها من رعد بندر شاعر البلاط الملقب بـ «شاعر أم المعارك»  وسيصبح هذا المقال - كما يقول محمد أسليم:  دكتوراه في الاجتماع السياسي .. من أصل سوري ويقيم في مسقط-  الذي نعتمد على نصه مدعما بنصوص أخرى في هذه الواقعة - نصا مرجعيا لكل الذين سيكتبون عن المسألة فيما بعد، سواء الذين سيقفون ضد الغيطاني أو معه؛ ولقد أعادت صحيفة القاهرة نشر «زبيبة والملك - لصدام الغيطاني» بتصرفات بسيطة، ومضت صحيفة «صوت الأمة» أبعد، فنشرت الفضيحة تحت عنوان «امسك عميل صدام»... (...) لا يسعنا في الوقت نفسه إلا الاعتراف بأنه يصعب فهم المقاربة التي تبناها الغيطاني لمعالجة المشكل ( ...)  لقد قام الغيطاني، على التوالي بـ: أ - تكذيب أن يكون هو «كاتب زبيبة والملك»، مرجحا أن يكون كاتبها هو صدام نفسه.. ب – مواجهة الاتهام باتهام مضاد، حيث وصف المعلومات المنشورة بأنها: «افتراءات تمثل مرحلة جديدة في تشويه المثقفين المصريين والعرب».. ج – السعي لتحديد سياق عام، وطني وقومي، تذوب فيه القضية، بحيث يصير المستهدف ليس الغيطاني وإنما فئة كاملة من الأشخاص تتمثل في «المثقفين المصريين والعرب الذين رفضوا الحرب على العراق» و«الذين يدينون الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.. د – أبلغ الغيطاني أيضا أجهزة الأمن المختصة في مصر للتصدي للافتراءات التي تستهدفه، وأكد أنه سيرفع دعوى قضائية..( لاحظوا أنه لم يرفعها.. وكان قد هدد أيضا برفع قضية ضدي أيام الوليمة لكنه لم يرفعها أيضا.. م ع ).. ج – السعي إلى «تدويل» الأزمة – إن جاز التعبير - بإصدار بيان يعبر عن استياء نخبة من المثقفين والكتاب اللبنانيين والسوريين والمصريين (والبقية آتية لا محالة)، نشرته مجلة الآداب اللبنانية(...) يستنكر "حملة التشهير والذم والاتهامات البذيئة" ضد الغيطاني، بل ويذهب إلى حد مماهاة الثقافة العربية معه، بحيث صار «المسُّ» به «مسًّا» بها، و«الإساءة» إليه «إساءة» إليها.  والملاحظة البارزة في هذا البيان هي هذا التعارض الوجداني بين وضع القضية في إطار عام واعتبارها مسألة شخصية تهم الغيطاني وحده (...) أمر غريب لا تضاهيه إلا غرابة التفسير المقدم: لقد هوجم الغيطاني لأنه «اختار أن يدافع عن الهوية العربية وأن يلتزم أخلاقية الكتابة»، ولأنه «يرفض التبشير الكاذب وتشويه الحقائق». وهو تفسير لا يمكن أن يجيب عن أسئلة من نوع: إذا كانت الحملة تستهدف الصفتين السابقتين، فهل الغيطاني هو المثقف الوحيد الذي يتحلى بهما في الوطن العربي؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك فلماذا الغيطاني دون غيره؟ (...)

ثم يختم محمد أسليم بقوله: 

-  مسكين جمال الغيطاني ألقوا القبض عليه يمارس البغاء .. بينما الجميع من حوله وصلوا مراحل القوادة وأدمنوا الفسق والمجون ..  

***

قلت لضيفي الصحافي: إنني أشعر بإشفاق حقيقي تجاه الغيطاني.. إنه ليس جيدا بالدرجة  الكافية ليكون من الصالحين.. كما أنه ليس سيئا بالدرجة التي تدخله زمرة الشياطين.. إنه ليس كغالي شكري مثلا أو يوسف القعيد أو محمد البدري أو نوال السعداوي.. إنه هش.. وقد طحنته أنياب التنين بالتعذيب في السجن الحربي في الستينيات ويبدو أن ذلك ولد داخله رعبا لا يوصف.. رعب جعله  غير قادر على الدفاع عن نفسه ، كالطفل، الذي كلما شعر بالخطر، هرع إلى أمه يطلب منها العون والحماية والانتقام، وفي حالة صاحبنا فإن الأم هي جهاز الدولة بشقيه الثقافي والأمني.

-  اسمح لي أنني لم أفهم طرحك!!..

-  سأقول لك عن تصوري الآن ، واضعا في الاعتبار أنه مجرد تصور، وأنه لا يلغي التصورات الأخرى بل يكملها، وبصورة ما دون تطرق إلى أمور إن تبد لكم تسؤكم، كان على جمال الغيطاني أن يكتب موضوعا عن النقاب ( لا تسألني لماذا .. أرجوك!!)، وبعد أن كتبه نهشه الخوف، فالوضع السياسي ملتبس، وتوازنات الحكم اليوم قد لا تستقر حتى الغد، ولقد أغضب المحتمل قدومه، وسينكشف عنه المحتمل ذهابه، وكان عليه أن يختار اختيارا من اثنين.. إما أن يعتذر عما كتب، وهذا ليس في طاقته، و إما أن يتهمني بالتحريض على قتله، فذلك ينقل القضية من إطارها المحلي إلى إطار عامي قد يحتاج إلى اللجوء إليه بعد ذلك.. كما ينقلها من خانة الدين التي لن يجد من ينصره فيها إلى خانة الإرهاب الذي سيمتد نصره فيها من الرياض إلى القاهرة إلى واشنطن.. إلا أن التوفيق خان الغيطاني.. ربما بسبب عدم إلمامه بالفقه.. فقضية النقاب حتى لو أنكره كلية لا تستوجب التحريض على قتله!! كما أننا – فيما أظن متهمون بالتطرف في تطبيق مفهوم الدين وليس في الخروج عنه.. ونعلم أن الدم أعظم الحرمات و أن القتل – دون حق - من أعظم الكبائر ..فإذا كان ما ارتكبه الغيطاني لا يستحق القتل ولا التحريض ولا الحد ولا حتى التعزير فإن اتهامه كله يسقط.. وتبقى فقط الضوضاء التي أثارها.. وهي مطلوبة على أي حال وله فيها منافع شتى!!..

*** 

قلت لضيفي:

- أنا واحد من المعجبين بأعمال الغيطاني الأولى، حتى عندما هاجمه الناقد اليساري فاروق عبد القادر و أفرد له صفحات طوال في كتابه:"أوراق من الرماد والجمر" يمسك فيها سرقات الغيطاني الأدبية، لم يؤثر ذلك كثيرا على موقفي منه،  لكن صدمتي فيه في قضية الوليمة كانت كبيرة وقد كنت أظنه مشبعا بالثقافة العربية الإسلامية فإذا بي أكتشف شططه وشذوذه.. وتذكرت ما قاله محمود شاكر في حين تصدى لوصف الغزو الفكري  و تدميره  المفزع لعالمنا الإسلامي .. والذي شارك فيه مثقفونا ومفكرونا: .. يقول العلامة: " لم ينتصب أحد لوصف هذا التدمير المفزع الذي يشترك في جريمته مثقفون كثيرون، في الأدب، وفي العلم، وفي التاريخ، وفي الفلسفة، وفي الاجتماع، وفي السياسة، وفي الفن كله من مسرح وسينما وموسيقا وغيرها (...) وقد زاد الأمر فلم يبق مقتصراً على التعليم والكتابة والتأليف والصحافة، بل دخل كل بيت دخولاً مفزعاً عن طريق الإذاعة والتلفزيون،بلا رقيب ولا حسيب "(في الطريق إلى ثقافتنا) .. 

قلت لضيفي ضاحكا ومستدركا:

-  في أزمة الوليمة هاجمني الغيطاني بضراوة غير متوقعة وغير صادقة فحصلت منه على تعويض مقداره عشرون ألف جنيه أنفقته حيث يكره..

ثم واصلت:

- على أنني لا أنكر حتى الآن شعوري بنوع من الشفقة والرثاء له.. لم يكن قويا بالقدر الكافي ليواجه ولا ضعيفا للحد الذي يدفعه للاستسلام فعاش حائرا وقلقا .. لقد انتقل من مجرد حاصل على دبلوم تجارة قسم صناعة السجاد إلى أديب شهير ورئيس تحرير أشهر .. ونقلة مثل هذه تفقد حتى العاقل توازنه. ثم أنه  تولى أخبار الأدب .. وهي محدودة التوزيع إلى درجة مخجلة إلا أنه جعل منها قاعدة – حكومية – لإطلاق صواريخه، كان في رعاية الدولة التي تستطيع أن تجعل أقل الصحف أهمية وتوزيعا أعلاها صوتا، ولقد انتقل من اقتناع إلى اقتناع ومن مذهب إلى مذهب وكأنما كان يبدل السطح دون الأعماق بعد أن علمه سوط الجلاد ألا يخرج ما في أعماقه.. وهو وضع يدفعني لأشد درجات التعاطف معه.. بل والعطف عليه .. وهو وضع أيضا يذكرني بوضع الدكتور شوقي في رائعة يوسف إدريس : " العسكري الأسود".. لقد كان الغيطاني على سبيل المثال ناصريا ويعشق إبراهيم سعدة في نفس الوقت.. وكان يستدعي مسخة ناقد ( ضابط مفصول من الجيش بتهمة أخلاقية ) ليهاجم واحدا من أعمق المثقفين العرب ( الأستاذ الدكتور عبد العزيز حمودة) وليتهمه بالسطحية. ولقد كتب كتابه :حراس البوابة الشرقية في صف صدام ثم انقلب عليه حين أُمر أن ينقلب.. ولقد استغل – كما يصفه زملاؤه -  صحيفته أخبار الأدب للسباب والمهاترات ضد أعدائه ومن يسلط عليهم  و تزلفا ونفاقا لمن له عندهم مأرب. جعل الصحيفة مرتعا للأهواء الذاتية والمهاترات والتحيزات اللاموضوعية النفعية المباشرة لقد مجد إدوارد الخراط ورفعه إلى عنان السماء فلما رفض الخراط أن يبادله التزلف هوى به إلى أسفل سافلين. إنه يتعامل بسيف الدولة وذهبها من أجل مصالحه.. وعند فوز الإسلاميين بمقاعد مجلس نقابة المحامين طلب منه – في إطار عملية تشويههم- أن يعرض كتاب الملحق الإعلامي لسفارة تونس في القاهرة"عبد الله عمامي" وهو كتاب ينظر إلى الإسلام والمسلمين بازدراء واستهانة. يعشق ويمتدح ويمجد في موسى صبري و أنيس منصور  وكمال عبد الرؤوف ومفيد فوزي ورشاد كامل وطارق حجي كما يمجد أيضا الشاعر الصنديد العقيد  على النعماني رئيس شرطة مرافق الجيزة !! والعقيد محمد فرج نائب مدير مصلحة السجون!! وعلى الباز ضابط بوليس!! وعبد الرحيم الماسخ !!.. بل وحتى عبد العظيم رمضان بعد معاركه معه.. لكنه اكتشف  أنه يمثل المرحلة فعاد يعبر عن عظيم تقديره لشخصه وسمعته العلمية ولمكانته كمؤرخ محايد موضوعي".. و.. و.. و..

وواصلت القول:

-  لقد كانت نهشة التنين الوحشي  في السجن الحربي نهشة قاتلة.. ولقد انعكست على علاقاته بالآخرين انعكاسا قويا.. تماما ما حدث مع الدكتور شوقي في العسكري الأسود.. لقد شارك الغيطاني - على سبيل المثال - عام 1980 في مؤتمر روما الذي حضره إسرائيليون فلم ينسحب فتعرض لهجوم عنيف فبادر خالد محيي الدين بالدفاع عنه راجيا السهام المصوبة أن لا تذبحه.. لكن الغيطاني سرعان ما رد الجميل لخالد محيي الدين بالانسحاب من مجلة أدب ونقد لأسباب لا تخفى. ولقد شارك في مجلة مأمون حمزة بل كان مستشارا لها رغم علمه بأنها مدعومة أمريكيا.. ولقد روج لها في أخبار الأدب. ولقد انتحل لنفسه آراء نقدية للأستاذ عطية حسن. كما أيد أعمالا أدبية وروايات وقصائد بها إساءات مباشرة للدين.. كان بعثيا حتى النخاع وكانت علاقته وثيقة بطه يسن رمضان. وكانت السفارة العراقية تشتري آلاف النسخ من كتبه. ولقد جعله عمله كمراسل حربي على علاقة بأجهزة الأمن والمخابرات. وهو ما يزيد بالتأكيد من قلقه الدائم.لكن الأخطر من كل هذا أن قلقه ذلك دفعه لالتماس الأمن خارج وطنه وخارج ثقافته. أيام قضية الوليمة صرح أنه و أصدقاءه سيفكرون في الهجرة من مصر إذا انتصرت وجهة نظر المتطرفين أمثالي!!.. لم يبح إلى أي مكان سوف يهاجرون.. لكنهم لم يقصدوا بالتأكيد مكة أو المدينة.. فهل كانوا يقصدون القدس كعلي سالم؟!لن أندهش لذلك إن حدث.. ولعل الطريق إلى نوبل يمر بالقدس.. أو على الأحرى بإسرائيل. إن كثيرين من المستلبين الآن يجاهرون بأنهم يفضلون حكما إسرائيليا لغزة عن أن تحكمها حماس، ولست أدري هل وصل الغيطاني إلى هذه الدرجة أم لا.. لكنني أقول أنه اندفع في طريق وعر لا أظنه يريح ضميره منذ جعل من صحيفته ثغرة لهدم ثوابت الأمة وثقافتها، ومنذ جعل منها منبرا لشواذ الفكر والجسد ( وارجع في ذلك إلى بحث الأستاذ فاروق عبد القادر عن الغيطاني كملحق لهذا المقال.. وتذكر أيضا ما أوردناه حول علاقة أوسكار وايلد ببطل روايته) .. وليس أدل على ذلك من استضافته الدائمة لمسلوبي العقل من دعاة مصر الفرعونية، بل وقيامه هو نفسه بتقديم برامج طويلة في إذاعة لندن لإحياء الحضارة الفرعونية..

وفاجأني ضيفي:

-  وماذا في ذلك.. أليست حرية رأي.. هل تصادر عليه فكره؟!..

- لا .. لا أصادر عليه فكره.. لكنني أذكرك بموقف علماني عاقل هو محمد حسنين هيكل في الحضارة الفرعونية.. من أنها وجدت ثم ماتت .. وليس من سبيل لبعثها.. كما أنبهك أن محاولة بعث الحضارة الفرعونية في مصر والبابلية والآشورية  في العراق  والعربية في الشام والطورانية في تركيا.. كل ذلك كانت خطوات محددة لهدم الدولة الإسلامية.. و أن المخطط ما يزال قائما..

-  أنا لا أفهم.. هل الخلاف بينك وبينه خلاف ديني أم خلاف ثقافي..

- من ناحيتي هو خلاف ديني بالكامل.. ومن ناحيته هو خلاف ثقافي بالكامل..

- لا أفهم..

-  من ناحيتي فإن الإسلام الشامل يتحكم في كل رؤاي.. ومنها موقفي من الجهاد والثقافة والولاء والبراء.. ومن ناحيته فإن الخلاف سياسي.. فأنا لا أعارضه في آرائه في الفقه والشريعة ولا حتى في نظام الحكم.. إنما أعارضه لأنه رأس حربة مستوردة تطعن في قلب الأمة.. أعارضه في موقفه الممالئ للتغريب والصهينة والنيل من الإسلام والمسلمين مقابل الوله والوجد الصوفي بالديانات الأخرى في موقف شديد الغرابة والشذوذ.. أعارضه في ممالأته  للطواغيت ضد الأمة – مهما أوحت المظاهر بغير ذلك-. وباختصار شديد فإن موقفي منه هو موقف العلامة محمود شاكر من لويس عوض.. لكنني مندهش من تركيزك على موضوع جمال الغيطاني.. على العموم سأعطيك بحثا للأستاذ فاروق عبد القادر يكشف لك الكثير عن المشروع الفكري والأخلاقي لجمال الغيطاني.. وضع في الاعتبار أن فاروق عبد القادر ناقد يساري.. ويحمل عداوة للفكر الإسلامي.. لذلك لا يمكن أن يتهم بالتحيز ضد الغيطاني. 

ملحوظة: الدراسة النقدية تأتي في آخر المقال، وقد تكون خارج إطار القارئ غير المهتم بأدب الحداثيين، لكنها من وجهة نظري لا تتعلق بأبطال روايات الغيطاني قدر تعلقها بجيل كامل فقد هويته، جيل شاذ بلا عقل ولا قلب ولا أخلاق.

*** 

قال ضيفي الصحافي:

- لقد تابعت مقالاتك الأخيرة على الشبكة العنكبوتية.. ولقد قلت أنك واثق أن جميع الحركات في مصر مخترقة من الخارج.. فهل تقصد ذلك فعلا..

- نعم..

- هل تقصد أن جميع الحركات في مصر عميلة..

- لا .. على الإطلاق..

- أليس هذا تناقضا.. كيف تكون مخترقة وغير عميلة؟..

- إنني أتحدث عن اللون البرتقالي لحزب وعن شموع حركة.. وعن شعار كفاية نفسه فهو مستورد من جمهوريات الاتحاد السوفيتي المنفصلة.. ثم أن مصر أهم بكثير جدا من أن يتركها الصليبيون والصهاينة دون محاولات مستمرة للسيطرة والتوجيه.. لكن ذلك لا يستدعي أن يكون كل فرد في حزب الغد أو حركة كفاية مخترقا.. يكفي فرد أو فردان يغرسان داخل الحركة للتوجيه عند اللزوم أو لقطف الثمار عند الحصاد.. كما أن هذا الاختراق لا يؤثر على وطنية الباقين الذين لا يعلمون.. إنه يؤثر فقط على مشاعر خيبة أملهم حين تنحرف الحركة عما تصوروه لها من أهداف..

-  وهل تعني أن حركة الإخوان أيضا مخترقه..

-  حركة الإخوان المسلمين أكبر و أهم وأخطر من أن تترك دون اختراق.. إنها الحركة الوحيدة القادرة على توحيد أمة الإسلام وبالتالي على مواجهة الغزوة الصليبية الصهيونية.. ولو أنك رجعت إلى الإمام الشهيد حسن البنا لوجدت أنه – هو أو مندوبيه- كان يعامل كرئيس دولة في العديد من الدول العربية والإسلامية.. ولولا المؤامرة التي اشترك فيها النظام الملكي ثم عبد الناصر بإيعاز أمريكي لكان لإخوان شأنهم ولتغير مجرى التاريخ في المنطقة..

-  لكنك تقول أنهم مخترقون..

-  بالتأكيد.. و أتمنى أن يكون لدي قياداتهم الوسائل المطلوبة لعلاج هذا الاختراق..

-  لكن الاختراق يعني العمالة..

-  ذلك صحيح.. لكن بمفهوم صحافة الإثارة والابتذال الرخيص.. صحافة عادل إمام ومحمد هنيدي وسمير رجب ..

- لا أقصد الإساءة..

- ولا أنا..  لكنني فقط أقول لك أن على عشماوي كان نقطة الاختراق في تنظيم 65 فهل ينال هذا من عظمة البطل الشهيد سيد قطب ورفاقه؟.. 

-  لماذا أسلوبك حاد هكذا..

-  عندما أحس أن حرمة الدين  أو كرامة الأمة تستباح..

-  يقولون أن كتاباتك في الأدب وفي بعض المقالات قلة أدب..

-  لم أخسر قضية رفعتها عليهم ولم يكسبوا قضية رفعوها ضدي..

-  وقصة المؤتمر؟..

-  لقد نشرتها الشعب كاملة أيام الأستاذ عادل حسين رحمه الله.. فهل كنت تظنه ينشرها وفيها أي نوع من أنواع الخروج..

-  وقصر العيني..؟

-  لقد أكد العديدون – و أظن أن منهم الغيطاني وكذلك فاروق حسني- من أنهم سيتقدمون بطلب إلى الأزهر لإدانتها.. لكنهم لم يجرءوا.. فالرواية انتصار حاسم للإسلام.. ومع ذلك .. إنني أستغفر الله عما أعلم وعما لا أعلم من ذنوبي.. وإن كان في رواية قصر العيني أي مساس أو شبهة مساس بالدين فإنني أبرأ إلى الله منها( لكن أرجوك.. لا تفعل مثل أسامة سرايا.. ولا تجعل المانشيت في هذا التحقيق: محمد عباس يتبرأ من رواياته!!).. ثم أنني منذ أعوام طويلة أعلنت أنني أنتظر رأيا واحدا من عالم دين واحد يعترض على الرواية لكي أعلن ذلك.. 

-  ألم يعترض عليها كثير من الأدباء كجمال الغيطاني وصلاح عيسى وآخرون..

-  لكنني طلبت أن يعترض عليها عالم..لا جاهل!!..

-  آخر سؤال..

-  تفضل..

-  كيف طاوعك ضميرك أن تدعوا بالرحمة والمغفرة للمجرم الإرهابي حسن بشندي.. هل تؤيد الإرهاب؟..

-  يا رجل..!! أما من حياء!!.. أما من ضمير؟.. أما من دين ؟ لنفترض أن الشهيد حسن بشندي – إن شاء الله– خرج كما يقول إعلام الشيطان لضرب السياحة والسياح  في مصر.. ولنفترض أنه اجتهد فأخطأ فهل له ثواب أم ذنب.. هل كان يسعى إلى متعة من متع الدنيا أم قدم روحه فداء لما اعتقده وفي هذا ببعثه الله على نيته و أحسبها الاستشهاد.. لكنني أقول لك واثقا أنه أفضل ملايين المرات من السفهاء الذين يهاجمونه.. إنه – في أسوأ الاحتمالات-  رجل طلب الحق فأخطأ.. وهم – في كل الحالات – رجال طلبوا الباطل فأصابوه.. نعم حسن بشندي غفر الله له ورضي الله عنه.. إنه أفضل من المفتي وشيخ الأزهر ومني ومنك.. شاب في مقتبل عمره يضحي بروحه في سبيل الله فأي جلال  .. أما من حياء!!.. أما من ضمير؟.. أما من دين..لقد تآمر أهل قريش.. وكانوا مشركين لا مسلمين.. تآمروا على قتل سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.. تآمروا على قتله فلم يقل اللهم لا تغفر لهم.. بل قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.. فهل تجوز المغفرة على مشرك حاول قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تجوز على مسلم حاول خطأ كان أم صوابا أن ينتصر أو ينتقم أو يثأر لدينه.. قاتلهم الله أني يؤفكون..

*** 

بعد أيام اتصل بي الصحافي مبديا اعتذاره.. فالحوار أكثر جرأة مما يمكن نشره!!

ملحوظة : دواعي الأمانة تقتضيني أنني استعدت الحوار من الذاكرة.. وقد يكون هناك اختلاف في الألفاظ أو الترتيب.. لكن الأفكار واحدة بطبيعة الحال..


*** 

*** 

***  

حاشية

الدكتور مصطفى الفقي.. أنعم و أكرم!!

الدكتور مصطفي الفقي.. البطل القومي اللامع..  ذهب بنفسه ليقدم بلاغا في قسم الشرطة  ضد سائقه الخاص.. أما موضوع البلاغ فهو أن السائق – غير الأمين!!- قد سرق الخمور التي أعدها الوجه القومي اللامع لضيوفه!!..

هل تذكرون السكير سامي شرف..

و أيضا على صبري..

و أيضا عبدالله إمام..

و أولئك هم أبطال القوميين حيث النضال في الحانات .. والبطولة في السكر..

أخزاك الله يا مصطفى الفقي..

وأخزى معك رفيقك وصديقك أسامة الباز الذي يزمع مع شيخ الأزهر قيادة حملة لمبايعة مبارك عبر المساجد..

*** 

حاشية

ملعون

المجرم .. الجلاد.. رفعت الأسد.. قاتل عشرات الآلاف.. اللص الذي أصر على الاستيلاء على ملايين الدولارات مقابل نزوحه من سوريا.. حتى اضطرت سوريا إلى استدانتها من ليبيا مما أدى إلى انهيار الليرة السورية.. هذا المجرم الجلاد اللص – الذي آوته أوروبا دون قضية واحدة على تشجيع الإرهاب أو تمويله-  يزمع العودة إلى سوريا من أجل الإصلاح والديموقراطية..

ولم يقل لنا الجلاد المجرم أي جهاز مخابرات يدربه ويطلقه ككلاب الصيد.

*** 

حاشية

الـ ANN

قناة الـ ANN  الفضائية التي يملكها السفاح رفعت الأسد ابتكرت تعريف جديدا للقومية لا تقدر على مثله أشد القنوات كذبا وفجورا..

كان التعريف الجديد للقومية هو: الإيمان بالله!!!!!!!!!!!!.


*** 

حاشية

عتاب على فاروق حسني


نعم.. رغم افتقاد أي ود – وهذا شرف – فلابد أن نعاتبه..

إذ كيف – وهو الوزير الفنان الجميل الحساس – يحتفل بغزو نابليون الذي ابتدأ به تنويرنا وتحديثنا وتعليمنا ونشر الشذوذ والحرية الجنسية بيننا .. ثم يمر 5 يونيو دون أن يحتفل الوزير الفنان بانتصار مماثل – في نفس المخطط الصليبي الصهيوني- حققته إسرائيل على الإرهابيين الظلاميين المتخلفين  من عرب ومسلمين...

*** 

حاشية

الشيخ خالد الجندي

بعد فتواك بحرمة مقاطعة الاستفتاء – دون أي تعليق على التزوير والقتل وانتهاك الأعراض- .. بعد ذلك.. الله بين الأمة وبينك.. 

لكنك خسرت الكثير جدا..

وثمة سؤال أو اقتراح قد يفيدك..

لماذا لا تلقي دروسك في قناة الحرة.. أو في تلفاز إسرائيل.. فجمهورهما سيوافقك ويعجب بك؟!

*** 

حاشية

المهندس إبراهيم شكري


ينفطر القلب من الألم إزاء الوضع الذي يحاصر فيه مجاهد كالمهندس إبراهيم شكري، الذي مهما بلغ اختلافنا معه فإن ذلك لا يدفعنا إلى هضم حقه كمجاهد، يجاهد فيصيب ويخطئ.. وليس سرا أن الخلافات تصاعدت بشدة مع الأستاذ إبراهيم شكري وبين قواعد حزب العمل خاصة بعد اختفاء العملاقين الدكتور حلمي مراد والأستاذ عادل حسين.. ثم انفجار أزمة الوليمة.. حيث أدى تصاعد الأحداث إلى عزل المهندس إبراهيم شكري عن قواعد حزبه – العمل-  لينفرد به مجموعة من أعضاء الحزب الذين زرعهم الأمن مسبقا لنقل أخبار الحزب وعرقلة مشروعاته، حاصره أبناء السوء هؤلاء منفذين خططا كانت تحاك لهم في أوكار الأمن.. وورطوا الرجل في أكثر من قرار خاطئ منها المصالحة مع محجوب عبد الدايم – الشهير بحمدي أحمد- وفصل الإسلاميين من الحزب وعلى رأسهم الأستاذ مجدي حسين والأستاذ الدكتور مجدي قرقر والأستاذ عامر عبد المنعم والدكتورة نجلاء القليوبي ( لم يفصلني والحمد لله.. لأنني فضلت دائما الاستقلال  والاكتفاء بصداقة الحزب عوضا عن عضويته!).. لكن الرجل كان يفعل ذلك تحت الضغط.. وكان بعض هذا الضغط يستثمر كبر سنه ( 90 عاما) بل وعدم تركيزه في بعض الأحيان.. وكان الأستاذ إبراهيم شكري يئوب إلى الحق فور تنبيهه له.. إلا أنه في الفترة الأخيرة.. ومع ازدياد وهن الشيخوخة أصبح محاصرا في بيته – بحجة المرض – فلا يسمح له بمقابلة من كانوا ينبهونه للمعروف والخير.. وبطريقة ما أصبحوا يحصلون على توقيعه لأمور في غاية الخطأ..  فمنذ أسابيع كانت نقابة الصحافيين تعقد اجتماعا احتجاجيا  في الذكرى الخامسة لإغلاق صحيفة الشعب.. فإذا بهم يفاجئون بخطاب من المهندس إبراهيم شكري ينفي فيه موافقته على عقد هذا الاجتماع.. وقبلها كان قد قدم طلبا إلى مجلس الشورى بإيقاف صحيفة الشعب الإليكترونية.. كما أن الوسط السياسي فوجي به يوم الاستفتاء الماضي يخرج على إجماع المعارضة فيذهب ليدلي بصوته..

من ناحيتي .. أشك تماما أن هذه التصرفات تصدر من المجاهد – و أعنيها – إبراهيم شكري وهو في تركيز يسمح له بإدراكها..

على أنني لا أريد احتكار الحديث عن هذه النقطة الشائكة – والتي توجع القلب-  لذلك أعيد نشر ما نشرته صحيفة " المصريون" الإليكترونية:

منع إبراهيم شكري من الحديث في غير وجود نجله

كتب أسامة الهتيمي : بتاريخ 13 - 6 - 2005 

في إطار اللغط الذي أثير مؤخرا حول اعتزام المهندس إبراهيم شكري رئيس حزب العمل التنازل عن كل القضايا المرفوعة من الحزب ضد الدولة للطعن في عدم قانونية لجنة شئون الأحزاب بتجميد نشاط الحزب مقابل عودته ، حاولت " المصريون " الاتصال بشكري لاستطلاع رأيه حول ما نشرته إحدى الصحف المسائية حول ما تم تسميته بصفقة التخلص من الإسلاميين .

وأجرت " المصريون " اتصالا هاتفيا برئيس حزب العمل في منزله غير أن سكرتيره الخاص أحالنا على سائقه الذي يتردد أنه يمارس لونا من الوصاية على تحركات شكري .

وكررت "المصريون " المحاولة عدة مرات إلى أن تم تحديد موعد لمقابلة مندوب " المصريون " برئيس الحزب صباح اليوم التالي بمكتبه بشارع بورسعيد .

وفي اتصال هاتفي أجرته " المصريون " بمكتب رئيس حزب العمل قبل الموعد المحدد للتأكيد عليه أفاد سكرتير شكري بمكتبه أنه صدرت أوامر لم يحدد مصدرها بعدم السماح لأي صحفي بلقاء شكري في غير حضور نجله المهندس أحمد شكري أحد الرافضين لقيادات الحزب المنتخبة في المؤتمر العام عام 1999 وهو ما يعني رفض انعقاد اللقاء .

كما أصبح حامد زيدان رئيس تحرير الشعب الأسبق المتحدث الإعلامي والرسمي باسم شكري على الرغم من أن زيدان ترك الحزب وانضم إلى حزب الجيل الذي احتل به موقع نائب رئيس الحزب .

(!!!)..

وعلامات التعجب من عندي..

ولننتقل إلى خبر آخر:


بديوي: إبراهيم شكري ليس مخولا بفصل قادة الحزب

المصريون : بتاريخ 13 - 6 - 2005 

 تعقيبا على ما نشرته "المصريون" بعنوان "الحكومة توافق على عودة حزب العمل نظير استبعاد الإسلاميين و ترشيح شكري للرئاسة " تلقت الجريدة من الصحافي صلاح بديوى ، الصحفي بجريدة الشعب ، و عضو اللجنة التنفيذية بحزب العمل ردا ، أشار فيه إلى أن حامد زيدان الذي يقول إنه يتحدث باسم إبراهيم شكري رئيس حزب العمل هو حاليا نائب لرئيس حزب الجيل الديمقراطي ومن المتحدثين الإعلاميين باسمه والمشرف العام علي تحرير صحيفته المسماه بـ الجيل لا يصلح ـ بحسب بديوي ـ ولا يجوز له أن يتحدث باسم حزب العمل بعد أن سقطت عضويته في الحزب منذ 3 أعوام لانضمامه لحزب الجيل.

و اتهم بديوي حامد زيدان بالمشاركة فيما اسماه "مؤامرة" تستهدف مواصلة "العدوان" علي شرعية الحزب ومنحها لغير أصحابها من عناصر موالية لأجهزة الأمن بحسب تعبيره .

و لفت بديوي إلى أنه هو زملاؤه بحزب العمل أحرص الناس على سمعة إبراهيم شكري و تاريخه و لا يرضيهم أن يخوض انتخابات للتغطية فيها على الرئيس مبارك - 78 عام - إلي جانب أن وضعه العام لا يساعده علي الترشيح وأن السلطة حالياً تستغل معاناة تجميد حزب العمل للضغط على شكري و حمله على تقديم تنازلات إليها علي حساب تاريخه وعلي حساب مبادئ الحزب وهو "ما لا يمكن لنا في حزب العمل أن نسمح به حفاظا ً علي الأستاذ إبراهيم شكري" على حد قوله. 

و ألمح بديوي في رده على "المصريون" إلى أن حزب العمل يوجد فيه تيار واحد فقط وهو التيار الإسلامي بعد أن ذهب ما سماهم " المنشقون" عنه في الماضي إلى حزبي الجيل والحزب الدستوري و قال :" إن الحديث عن وجود تيار اشتراكي بالحزب حاليا هو بمثابة أوهام يختلقها الأمن فقط مستغلاً عنصرين أحدهما يحمل جنسية سودانية وهو أحمد شكري والذي له مصالح بزنس مع النظام ما كان له أن يخلط بينها وبين العمل العام في حزب مجاهد كحزب العمل والآخر يتمتع بصلات أمنية قوية ويقوم بإبلاغ الأمن عن كل عضو يحاول دخول المقر الرئيسي للحزب بالسيدة " بحسب قوله و تابع "إن اللجنة التنفيذية لحزب العمل وهي أعلي سلطاته هي المخول لها فصل أي عضو بالحزب ورئيس الحزب لا يملك تلك الصلاحيات وبالتالي يكون ما أثير علي لسان نائب رئيس حزب الجيل الديمقراطي يعد نوعا من التهريج "


ولننتقل إلى مقال آخر يلم بأطراف الموضوع كله.. والمقال منشور بالعدد الأخير من الشعب.. لكنني أعيد نشره كله لأنه يحيط بالمشكلة من أطرافها..


مؤامرة مفضوحة ضد حزب العمل

حامد زيدان ليس عضوًا بحزب العمل حتى يتحدث باسمه

بقلم : عبد الحميد بركات

الأمين العام المفوض لحزب العمل


نشرت صحيفة "نهضة مصر" في عددها الصادر في 17 من شهر يونيو الجاري حوارًا مع حامد زيدان نائب رئيس حزب الجيل؛ يؤكد في بدايته أنه المتحدث باسم حزب العمل ورئيسه وأنه واحد من ثلاثة يديرون حزب العمل الآن، ونقول له من أين جاء بهذا التأكيد وهو ليس عضوًا بالحزب؛ حيث إنه عضو بحزب آخر هو حزب الجيل الديمقراطي ويشغل فيه موقع نائب رئيس الحزب، وبموجب اللائحة وقانون الأحزاب فقد سقطت عضوية حامد زيدان في حزب العمل إذ لا يجوز له أن يجمع بين عضويتي حزبين في آن واحد؛ اللهم إلا إذا نصب حزب الجيل- هذا الحزب الوليد والمحسوب من الأحزاب الصغيرة- نصب نفسه وصيًّا على حزب العمل الحزب العريق والمحسوب من الأحزاب الكبيرة، وهذا ما لا يقبله أعضاء وقيادات حزب العمل.

أما أنه أحد ثلاثة يديرون حزب العمل الآن فهذا إجراء غير لائحي وغير قانوني، فعندما يستغل هؤلاء الثلاثة الظروف التي يمر بها المهندس إبراهيم شكري رئيس الحزب، حيث لم يعد قادرًا على إدارة الحزب نظرًا لشيخوخته وما يصاحبها من أعراض؛ فإن الأستاذ إبراهيم شكري – أطال الله في عمره ووهبه الصحة والعافية- سيبدأ العام التسعين من عمره المديد في 22 من سبتمبر القادم. أقول: إذا استغل هؤلاء الثلاثة هذه الظروف ليعملوا ما يشاؤن أوينفذوا طلبات الجهات الأمنية أو لحاجة في نفس كل منهم غير عابئين بلائحة ولا قانون فهذا محل سخرية ممن يسمعون بهم أو يعلمون بما يقومون به من كل ذي عقل ومنطق، حيث إنهم لا يديرون إلا مقر الحزب الرئيسي في حماية الأمن  دون اللجان المنتشرة بالمحافظات. فاللائحة والقانون هما الفيصل في الاختلاف، ونحن لم نختلف أبدًا مع المهندس إبراهيم شكري على احترام اللائحة والقانون؛ وهما تؤكدان على إدارة الحزب بطرق ديمقراطية، وأبسط قواعد الديمقراطية هي التمسك بالمؤسسات المنتخبة من المؤتمر السابع والمنعقد في أبريل 1999، ولقد حاول هؤلاء منذ انعقاد هذا المؤتمر إقصاء المؤسسات لكن قواعد ولجان الحزب في كل مكان ومعهم المهندس إبراهيم شكري كانوا يفشلون لهم مخططاتهم دائمًا. ونذكر للأستاذ إبراهيم شكري أنه عندما وقع اتفاقًا مع حمدي أحمد بشهادة مصطفى بكري وآخرين يعود بمقتضاه حمدي أحمد ورفاقه إلى عضوية الحزب، اعترضت اللجنة التنفيذية على هذا الاتفاق، ونزل المهندس إبراهيم شكري على قرار اللجنة التنفيذية وألغى اتفاقه معهم.كما نذكر له أنه وقع مع الأستاذ مجدي حسين- بصفته الأمين العام للحزب- بيانًا أصدرته اللجنة التنفيذية في اجتماعها بمنزل الأستاذ إبراهيم جميل أبو علي في 14 من نوفمبر 2001 يؤكد على وحدة الحزب والأهمية المبدئية للاحتكام إلى المؤسسات الشرعية المنتخبة للحزب في اتخاذ جميع القرارت والتمسك بثوابت الخط السياسي والفكري للحزب الذي أقرته مؤتمرات الحزب، ويشهد على ذلك السيد حامد زيدان الذي كان حاضرًا في الاجتماع المذكور، وذلك قبل انتقاله إلى حزب الجيل الديمقراطي.

ولماذا نذهب بعيدًا، ألم يتم انتخاب الأستاذ مجدي حسين أمينًا عامًّا في منزل إبراهيم شكري بوجود 41 عضوًا وتفويض 9 آخرين وبالإجماع بما فيهم حامد زيدان نفسه في مارس 2001م؟!

وبناءًا على هذا الاحتكام إلى المؤسسات والثوابت السياسية والفكرية واللائحة فإن فصل أي عضو طبقًا للائحة هو من حق اللجنة التنفيذية فقط وبعد تحقيق، وليس من حق أحد في الحزب- حتى ولو كان رئيسه- أن يفصل أحدًا من الحزب.

أما ما يدعيه السيد حامد زيدان بأنه لا شرعية لأحد إلا للمهندس إبراهيم شكري بعد حكم المحكمة الإدارية العليا لسيادته بذلك، فأوضح أن حكم المحكمة كان في مواجهة حمدي أحمد وآخرين كانوا قد نازعوا المهندس إبراهيم شكري على رئاسة الحزب وأيدتهم لجنة شئون الأحزاب وسحبت اعترافها بالمهندس إبراهيم شكري رئيسًا للحزب. لكن هؤلاء ولجنة شئون الأحزاب لم ينازعوا المؤسسات المنتخبة حتى لا تكون لهم شرعية، فشرعية هذه المؤسسات قائمة إلى أن يعقد المؤتمر العام القادم في أي وقت تسمح به الظروف التي تمر بالحزب.

أما ما يذكره السيد حامد زيدان عن إساءة الأستاذ مجدي أحمد حسين للمهندس إبراهيم شكري فقد رد عليه الأستاذ مجدي حسين في نفس الصحيفة، لكن أُذكّر الأستاذ حامد زيدان بأنه انضم إلى المرحوم أحمد مجاهد في خلافه مع الأستاذ إبراهيم شكري وانشقاقه بعد المؤتمر العام الخامس للحزب سنة 1989، وقد أعلن يومها الأستاذ أحمد مجاهد نفسه رئيسًا للحزب في مواجهة الأستاذ إبراهيم شكري، وفي هذه اللحظات كان الأستاذ حامد زيدان في صف المرحوم أحمد مجاهد ضد الأستاذ إبراهيم شكري، فمن الذي أساء إلى المهندس إبراهيم شكري إذن؟!

هناك فرية اخترعها هؤلاء الثلاثة بأن المؤسسات المنتخبة لم يعد لها صلاحية، حيث انتهت مدة عضويتها بمرور أربع سنوات على انعقاد المؤتمر العام السابع في 1999. وما يدعونه هذا وإن كان غير لائحي ولا صحيح قانونًا أو عرفًا ينطبق على كل المنتخبين من المؤتمر العام وفي مقدمتهم رئيس الحزب، فإذا طبقنا هذا سيكون في الحزب فراغ تنظيمي، وهذا غير قانوني وغير منطقي، وقد جرت العادة أن تتولى الوزارة المنتهية صلاحيتها تسيير الأمور لحين تشكيل وزارة جديدة، كما أنها ليست المرة الأولى التي يتأخر فيها موعد انعقاد المؤتمر العام، فقد انعقد المؤتمر العام السابع سنة1999؛ أي بعد ست سنوات من المؤتمر السادس 1993، واستمرت المؤسسات المنتخبة وهي التي أعدت للمؤتمر الأخير. ويحدث هذا في كثير من الأحزاب والجمعيات الأهلية والنقابات وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني التي تدار بطريقة ديمقراطية، فما بالنا بالظروف التي يمر بها حزبنا أخيرًا.

 أنبه أن الحزب كانت قياداته ولجانه في المحافظات والمراكز مجتمعين على قلب رجل واحد مع المؤسسات الحزبية، وهؤلاء الثلاثة معزولون تمامًا عن هذه القواعد، وخير دليل على هذا هو المؤتمر العام الطارئ الذي عقدناه في فندق أمان بالجيزة في 29 من ديسمبر الماضي وحضره أكثر من 300 من ممثلي المحافظات والذي قرر تمسكه برئاسة المهندس إبراهيم شكري وتمسكه بالمؤسسات الحزبية المنتخبة من المؤتمر العام السابع وبخط الحزب الفكري والسياسي.

وأخيرًا.. أؤكد لكل من يقرأ هذا المقال أن المهندس إبراهيم شكري بريء مما يعمل هؤلاء الثلاثة براءة الذئب من دم ابن يعقوب؛ لأنه لو سئل شخصيًّا فسينفي ما يقال على لسانه أو ما يكتب باسمه، لأنه يعتبر نفسه أبًا للجميع، وهو لن يفرط في أحد خاصةً الأستاذ مجدي حسين ابن زعيمه وحبيبه وقدوته المرحوم أحمد حسين زعيم مصر الفتاة التي ينتمي إليها المهندس إبراهيم شكري، ] وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[ (الأنفال:30) 

      ]يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ[ (الصف:8) صدق الله العظيم.


والآن لنترك كل هذا ولنركز على أمر إنساني واحد هو الذي ينفطر قلبي من أجله..

هذا الأمر.. هو أن جهاز الأمن الباطش الجبار، قد تواطأ بلا قلب وبلا ضمير، مع ابن عاق، لامتهان مجاهد وطني مستغلين كونه في أرذل العمر، ومستعينين بمجموعة من العملاء الذين زرعهم الأمن في الحزب منذ البداية لتدميره عند اللزوم..

إلى من يلجأ الإنسان في وضع مأساوي مثل هذا.. 

يا رب..

ليس لها من دونك كاشفة..

*** 

حاشية

مجدي حسين وعمرو خالد


حبيبان ، قريبان إلى قلبي وعقلي، وكلاهما – أحسبه - يجاهد في سبيل الله لا يبغي إلا وجهه الكريم الذي أشرقت لنوره السماوات والأرض.

لكن مقال الأستاذ  مجدي حسين الأخير أزعجني..

وليس عيبا أن نختلف.. بل لقد كنت أفخر دائما بأن حزب العمل هو الحزب الوحيد الذي يستطيع أصدقاؤه الاختلاف معه دون انقطاع أواصر الود..

ولطالما حفلت العلاقة بالاختلاف بيني وبين المرحوم الأستاذ الدكتور حلمي مراد ( حيث أورد ذلك في تقديمه لكتابي اغتيال أمة منذ ما يقرب منذ عشرين عاما).. وبيني وبين المفكر الفذ العملاق عادل حسين.. ثم بيني وبين أخي وصديقي المناضل الأستاذ مجدي حسين..

كذلك اختلفت مع الأستاذ إبراهيم شكري في منتصف التسعينات، ونشرت ذلك في الشعب وفي كتابي : " إني أرى الملك عاريا"..

ولقد نوهت لبعض هذه الاختلافات في مقالات متعددة..

ولقد أشرت إشارة عابرة إلى اختلاف جذري يختلف عما سبقه بيني وبين الأستاذ مجدي حسين دون أن أذكر الأسماء وذلك في عتابي على ظهوره في قناة الحرة.. وقد كان هو أحد الزعماء الأفذاذ لحركة المقاطعة..

ثم ازداد قلقي بعد مقاله الأخير في صحيفة الشعب.. حيث يدور مفهومه أن أمريكا تحت وطأة فشلها وهزيمتها في العراق بدأت تغير سياستها و أسلوبها..

وكان هذا أكثر من أن أستطيع احتماله أو الموافقة عليه.. أو احتمال مسئولية الصمت عنه أمام القراء أو تحمل وزره أمام الله..

فأمريكا لم تغير سياستها ولن تغيرها أبدا بل لم يغير الغرب سياسته إزاءنا منذ هرقل..

أمريكا تستهدف الإسلام وتهينه وتزدريه وتستهدف محوه.. فإن أمكن الوصول إلى ذلك بالغواية فلا بأس بإيقاف القتل..( وعلى أي حال هي لم توقف القتل.. و إنما زادت من جرعة الخداع)..

و أمريكا لن يردعها إلا أن تدرك قدرتنا على إيذائها بأية طريقة.. ( أعترف في رضا بأن الأستاذ مجدي حسين شديد الوعي بهذه النقطة بل إنه يعزي التغيير الذي تصوره في السياسة الأمريكية إلى المقاومة المسلحة العراقية)..

قد أعترف أن أمريكا قد تغير وسائلها لكن تغيير الوسائل لا يعني تغيير الأهداف. 

كما أنني أدرك أن أشكال المقاومة لا تنحصر في التشكيلات القتالية، لكنها لو تخلت عنها فقدت كل شيء.

وبرغم أنني واحد من الذين يظنون أن إيران قد بددت في الأعوام الخمسة الأخيرة رصيدها الذي كونته طيلة ربع قرن، إلا أنني أنظر مقدِّرا ممارساتها كدولة، تستطيع أن تناور و أن تفاوض و أن تقبل و أن ترفض، و أن تعوض خسارتها في ميدان بمكسب في ميدان آخر، و مهما قيل عن اتفاقيات سرية وعن عمالة فلن يبلغ هذا ولا ذاك قدره في صفوف حكامنا. أنظر إلى ذلك و أقدره أيا كانت دوافعه لأننا إزاء دولة وحكومة ورئيس وليس مجموعة من العبيد والخصيان والغلمان – يلبسون كالمهرجين ملابس ملوك ورؤساء و أمراء. أقول أنني أقدر – لا أؤيد-  نجاحات السياسة الإيرانية إزاء أمريكا رغم أنها لم تطلق طلقة رصاص، لكن اليد على الزناد.

هذه هي الحقيقة .. و أي فهم للأمور غير ذلك مرعب خاصة لمن كان في مكان ومكانة مجدي حسين.. رغم أنني أعترف أن مقاله الأخير يلمح ولا يصرح، ويشير ولا يمسك.. لكنني تعودت في مقالاته النارية وكتاباته الفقهية العميقة أن تكون الكلمة رصاصة لا تلتوي ولا تنحرف فأعرف من أين انطلقت و إلى أين صوبت.. 

في المقال الأخير تهت..

كان هناك " بما أن " كثيرة جدا .. لكنني لم أجد: "إذن"..

وهذا ما أرعبني..

ولم يخفني ما قيل بقدر ما أخافني ما تصورت أنه لم يقل..

ولكن:

بعض الظن إثم!..


كنت قد تحاورت في الأمر مع الأستاذ مجدي ولم يحل الحوار الاختلاف..

كنت قد كتبت هذا الجزء منذ أسبوعين.. لكنني ترددت في نشره.. فالوقت ليس مناسبا إثارة الخلافات أو الاختلافات ومعاول الشيطان تنهال على الحزب وسكين الجلاد يوشك أن يعمل فيه عمله..

وقلت لنفسي أن الخلاف لا يفسد للود قضية..

لكنني سرعان ما رددت على ذلك بأن هذه الحكمة تنطبق على وجهات نظر تحتمل الصواب والخطأ .. لكنها لا تصلح أبدا فيما هو باطل كله..

فهل يجوز ألا يفسد الخلاف قضية الود مع من يقترف الكبائر – معاذ الله -.. أو يزعم أنها حلال..

كان قلبي ينفطر..

قلت لنفسي أننا طالما أدنا القيادات التي لم تجاهر بمعارضتها في الوقت المناسب.. ولطالما قلنا أنه لو حدث هذا لما حدثت هزيمة 67 ولا مصيبة كامب ديفيد  ولا الكوارث التي غطت حكم مبارك جله.. 

وفكرت في الانقطاع علن الكتابة في " الشعب " احتجاجا لكنني تذكرت عهدا قطعته على نفسي ألا أتوقف عن الكتابة إلا إذا حطموا قلمي أو قطعوا يدي..

لكن أمرا قد حدث حسم ترددي..

فقد ظهر الأستاذ مجدي حسين في قناة الحرة مرة أخرى..

ويا أخي الحبيب مجدي حسين..

هل استبطأت نصر الله..

يا أخي الحبيب مجدي حسين.. نحن لا نجاهد من أجل حزب ولا صحيفة ولا وصول إلى الناس نستنصرهم.. نحن نجاهد في سبيل الله يملؤنا الرعب من أن نكون نجاهد كي يقال أننا نجاهد.. وقد قيل فيذهبون بنا إلى النار..

نحن نجاهد داعين أن يخلص الله نيتنا له و أن يختم لنا على خير..

نحن نجاهد لا نبالي إن لم يسمع بنا الناس.. أو حتى أهل بيتنا.. لأننا نعلم أنه سبحانه وتعالى: يسمع ويرى..

ونحن لا نبالي إذا كان ما بيننا وبينه عامر وكان ما بيننا وبين العالمين خراب..

أيها المجاهد الذي جاهدت أكثر مما جاهدنا.. و أبليت أكثر مما أبلينا.. ودفعت من حريتك وراحتك أضعاف أضعاف ما دفعنا.. أحسبت ألا تُفتن؟!!.. أم ظننت أنك معصوم من وسوسة الشيطان.. وكيف نواجه الناس ونحن نطلب منهم أن يقاطعوا الشبسي و الإيريال والبيبسي كولا ونحن لا نقاطع الحرة؟!.. أو على الأحرى: العاهرة الحرة..

 إنني أرجوك أن تقول لنا جميعا وللقراء أمرا من ثلاثة:

إما أن تقول أنك على صواب وحجتك كذا وكذا ( والله الذي لا إله إلا هو أنني لو خيرت لاخترت أن تكون أنت المصيب.. لكنني في هذا الأمر لا أجد للصواب لك بابا)..

وإما أن تقول أنك أخطأت و أنك تستغفر وتتوب..

و إما أن تكشف لنا بالدليل الساطع والبرهان الدامغ على أن للأمر وجها آخر تماما لم نحط به خيرا .. وأن تخبرنا به..

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

***

 مع عمرو خالد الأمر أشد و أقسى و أنكي.. 

الأمر تصريح لا تلميح.. وتلبس لا إشارة..

لذلك فللكلمات طعم البكاء وملح الدموع..

ولقد عرفت عمرو خالد قبل أن يشيع أمره وينتشر ذكره.. كان يلقي دروسه ومواعظه في بيت صديق لابني في جمع محدود من الأصدقاء.. ولقد لمست بعد ذلك أن تأثيره على أبنائي كان أكثر من تأثيري أنا عليهم.. ولم يكن ذلك غريبا على الكثيرين من  أصحابي الذين فوجئوا بنفس الأمر..

وقفت دائما منافحا عنه، منوها بأن الرجل داعية فذ أثبت نجاحا منقطع النظير عند فئة لم يكن للدعاة إليها سبيل. وكنت أرد الاتهام عنه.. فإذا اتهموه في علمه الفقهي قلت لهم أن الرجل داعية وليس فقيها.. وإذا عابوا عليه بعض الخلل العقدي اعتذرت لهم بأن الرجل ليس عالما.. وحتى حين لوحظ عليه عدم تحري الدقة في إسناد الحديث قلت لهم أن جهابذة شيوخ الأزهر يقعون فيما هو أشد و أنكى.. ثم أنه لم يتورط فيما يتورط فيه علماء شيطان وسلطان سفلة استبدلوا دنياهم بدينهم فتجد منهم عالما خسيسا يقول أن عدم الذهاب إلى الاستفتاء كتمان للشهادة التي أمر الله بها، ولا يذكر الخسيس أن هذه الشهادة تزور، ولا هو فعل كذلك الخسيس المجرم الآخر الذي يحارب مكبرات الصوت في المساجد ولا يحاربها في الكباريهات، ولا كذلك الزنديق الذي ينفي – بفقه أمريكي – العمليات الاستشهادية فكلها عنده انتحار وكفر – كأنه يخشى الكفر حقا!!- ، ولا هو فعل ككبيرهم  عبد الشيطان الذي يفتي في الصباح بأنها استشهادية وفي المساء بأنها انتحارية – وبين الصباح والمساء ستجد زيارة حاخام أو مكالمة سفير.

لم يفعل عمرو خالد ذلك..

لذلك تجنبت ذكر اسمه عندما كتبت في مقالي الماضي عن مسابقة مجلة النيوزويك التي اختارت داعرة كشخصية للعام.. واختارت  : أسامة أنور عكاشة منوهة بموقفه من الصحابي الجليل  سيدنا عمرو بن العاص (وصفه الحقير بأنه – أستغفر الله العظيم – أحقر شخصية في التاريخ الإسلامي) ويحيى الفخراني.

تجنبت ذكر اسمه رغم أن المجلة ذكرت اسمه فيمن سيكرمون..

قلت لنفسي أن الأمر بذاءة و إسفاف ومحاولة لتلويث اسمه..

ولم يخطر ببالي ولو كهاجس أن يقبل عمرو خالد ترشيح..

لكنه قبل – و إن كان لم يذهب- ..

فواحسرتاه..

واحسرتاه أيها القلب المتصدع الذي لم يعد يدري من أين تأتيه الطعنة القادمة ولا لماذا ولا كيف .. أمن أعدى الأعداء أم من أقرب الأصدقاء.

أم من أب أ و أم؟!..

لقد جاءتني ابنتي الصغرى (ليسانس الآداب) مذهولة مصعوقة كما لو كانت أركان الكون قد تصدعت.. وكأنها تخشى أن تنقض عليها السماء. 

كانت هي أكثر أبنائي تحمسا لعمرو خالد..

وكانت تقف في صفه دائما عندما يعن لي أن أصوب جزءا أو أصحح فكرة أو أنتقد خطأ..

جاءتني بنظرة لن أنسى ما حييت ما كان فيها من مرارة وانكسار وصدمة وذهول.. و.. و ... و .. وشيء لم أستطع حينها التعبير عنه.. وكعادتي .. فإن عجز الألفاظ عن التعبير عن معنى يضنيني ويشقيني  ويزعجني.. كشوكة في الحلق .. لا يخف وجعها إلا بنزعها كما لا يخف  وجعي إلا بالعثور على اللفظ الذي يعبر عن  المعنى..

سألت نفسي : ماذا تشبه نظرة المرارة والانكسار والصدمة والذهول في عيني ابنتي..

هل تشبه نظرة صديق خانه صديقه؟..

أم حبيب خانه حبيبه..

أم قيمة هانت أم  فكرة خانت أم أملا خاب أم هدفا لم يتحقق أو رجاء لم يجب.. أم دعوة لم تستجب..

رحت أمحص الأمر و أقلبه على وجوهه.. لأكتشف أن أيا من ذلك لا يفسر نظرة المرارة والانكسار والصدمة والذهول في عيني ابنتي .. فما أكثر الصديق الذي يخون صديقه والحبيب الذي يخونه حبيبه وما أكثر ما تخون الفكرة وما يخيب الأمل ولا يتحقق الرجاء ولا تستجاب الدعوة..

ما أكثر ما يحدث ذلك.. للدرجة التي لا يصلح معها أي مما ذكرت  لتفسير نظرة المرارة والانكسار والصدمة والذهول التي كانت تشي في عذاب لا يوصف أنها قد تعرضت لخيانة لم يسبق أن تعرض لها أحد.. خيانة ضد قوانين المنطق وسنن الكون.. وضد الفطرة التي وضعها الله فينا..

وبينما تضنيني حيرتي قفز إلى وجداني شطر بيت شعر أظنه لأحمد شوقي:

فيا لك هرة أكلت بنيها..

فانتُزعت الشوكة من حلقي!!..

نعم هذا ما يفسر نظرة المرارة والانكسار والصدمة والذهول.. لقد كانت رد فعل لتصرف ناب خارق مروع مذهل، خارج عن المألوف يوازي أنها – ابنتي – قد رأت عمرو خالد يأكل واحدا أو واحدة من جمهوره.. بل ويتلذذ بمضغ لحمه وسحق عظامه..

ومن هنا كانت نظرة المرارة والانكسار والصدمة والذهول.. وربما الاشمئزاز والقرف.

تخيلتها تستعيد دراستها لتصرخ:

- حتى أنت يا عمرو خالد!!..

***

ترى.. هل يشمت بي أصدقائي الذين شاجرتهم من أجلك؟!..

يا عمرو: طريقك إحياء الدين لا علمنة الدين..

يا عمرو: سبيلك ما يقربك من المؤمنين لا من النيوزويك..

قد يعتذر لك البعض بأنك وقد طردت من وطنك..- طردك أولياء الشيطان – لم تجد من سبيل إلى العودة إلا عن طريق تأشيرة دخول من النيوزويك.. لكن أرض الله واسعة .. فهاجر.. تعد  و أمعن في البعد  تقترب!!..

يا عمرو.. لأن يهدي بك الله واحدا خير لك من الدنيا وما فيها.. 

يا عمرو.. حتى البغيض أسامة أنور عكاشة الذي أشك إذا ما كان الإسلام يمثل أي مرجعية له.. أسامة أنور عكاشة الذي يدافع دفاعا مستميتا عن الغزو الأمريكي للعراق.. أسامة أنور عكاشة احتج غاضبا على اقتصار أسباب تكريمه على سباب الصحابي الجليل فخشي على سمعته وشرفه ومصداقيته بين جمهوره – وهي صفات أشك في وجودها – فرفض الذهاب للتكريم..

فكيف قبلت أنت يا عمرو خالد.. أيها الأمل الواعد الذي أدعو الله ألا يكون قد خبا.. والجذوة المشتعلة التي تضيء الطريق للمسلمين..

يا عمرو: إن كنت قد كسبت واحدا من العلمانيين فقد خسرت من المسلمين مائة.. و إن كنت قد كسبت ألفا فقد خسرت مليونا.. و إن كنت قد كسبت مجد الدنيا فأخشى أن تكون كسبت خزي الآخرة..

يا عمرو: غفر الله لك..

أخشى ما أخشاه أن يندفع علماؤنا ومفكرونا إلى نوع من التصالح والتطبيع مع الشيطان فإذا الحرة قناة كالقنوات الأخرى لا تثريب على من يتحدث فيها و إذا النيوزويك مجلة كبقية المجلات لا مانع من التعامل معها.

لن أتحدث عن الولاء والبراء ولا " وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً" ولا عن ضرورة المقاطعة ولا عن حرمة التعامل مع عدو استباح الدم والأرض والعرض.. ولا أن وسائل الإعلام أصبحت لا تقل خطرا عن كتائب الجيوش.. لن أتحدث عن ذلك.. بل أتحدث عن ماوتسي تونج الذي حرم على الصينيين أثناء الثورة الاستماع إلى سيمفونيات بيتهوفن وموزارت.. وعندما سئل عن السبب قال: لكي لا تحبوا أعداءكم..

كان بيتهوفن وموزارت.. لم يكونا الحرة والنيوزويك.. اللتان لم توجدا أصلا إلا لغسيل المخ والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف مما يجعل التعامل معهما لا يقل عن التعامل مع إسرائيل..

بالمناسبة: أحيي الأستاذ جورج إسحاق الذي اتخذ قرارا  بمقاطعة تلك وذلك.. 

أيها الحبيب عمرو خالد..

لا تظن أبدا أنك بتوددك إليهم يرضون عنك..

لأنهم لن يرضوا عنك إلا إذا اتبعت ملتهم..

ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

*** 

هامش: يعلم الله أنني أسعى إلى رأب الصدع لا إلى توسيع شقة الخلاف.. ولو أن أي واحد منكم ضمن لي ألا أموت اليوم لأجلت المواجهة إلى الغد.. لذلك و لأسباب لا بد أن القارئ سيتفهمها فإن الحاشيتين السابقتين غير منشورتين في نسخة هذا المقال المنشورة في صحيفة " الشعب".. 

وبرغم ما أعانيه من ألم فإنني فخور بقدرتنا على انتقاد أنفسنا وتصويب أخطائنا.. إن شاء الله..

***

***


***


حاشية

دراسة نقدية

هامش: الجزء التالي للمتخصصين في الأدب والمهتمين بنقد الفلسفة الغربية، أما غيرهم فإنني أنصحهم بعدم قراءته، إذ قد يجرح الشعور والحياء، وأنبه القارئ أنني أورده لكي يدرك كم البذاءة التي يتمتع بها هؤلاء الناس دون أي مقتضيات فنية أو أدبية بل وأيضا ركاكة الأسلوب وسقم المعنى، إن كلمة أديب في العربية مشتقة من المآدب والكرم، وتعني رقي المشاعر ومكارم الأخلاق، ولقد لاحظت أن عصابات النقد الأدبي في تواطؤ صريح مع الكتاب الحداثيين نادرا ما تكشف أساليبهم الوقحة. ولقد اخترت نشر هذا الفصل ليدافع عن مثل هذا الأدب من يدافع عنه عن بينة وليرفضه من يرفضه عن بينة. و إنني واثق أن من يعرفون الغيطاني عن طريق التلفاز أو الندوات سيصدمون صدمة عنيفة عندما يطلعون علي كم الفظاظة والبذاءة في أدبه.. خاصة رواياته الأخيرة.. حتى فاروق عبد القادر.. اليساري العتيق دهش.. واشمأز.. واشمأنط .. وتقزز.. وإلى الدراسة:

م ع 


في عمل جديد لجمال الغيطاني:

رجال ونساء في المؤسسة والخبيئة


فاروق عبد القادر

في الرواية العربية المعاصرة- كتاب الهلال-العدد 633


بين جمال الغيطاني وبيني قصة قصيرة أراها مقدمة ضرورية لهذا الحديث، وأسوقها بإيجاز: عرفت أعماله منذ بدأ النشر في النصف الثاني من الستينيات (صدرت مجموعته الأولى في 1969، ولعل أول دراسة طويلة نشرت عن أعماله كانت لي «الوجه والقناع » مجلة الطليعة يونيو 1972: - ص 188- 195. 

 لم يكن قد أصدر سوى مجموعته تلك وعددا من القصص القصيرة شكلت مادة الدراسة. وفى عام 1976كتبت عن روايته وقائع حارة الزعفراني في ذات المجلة (سبتمبر 1976)، ولم أعد للكتابة عن أي من أعماله حتى 1987حين تناولت روايته "رسالة في الصبابة والوجد " وبعدها بخمس سنوات، في 1992- وفى روز اليوسف هذه المرة - نشرت مقالا عن رواية هاتف المغيب. (15/6/1992)، ولم أفاجأ بقدر الصخب الذي أعقب نشر هذا المقال الأخير، وكان ما لفت نظري فيه أمران مرتبطان: الأول أن أحدا ممن تصدوا للرد على ما كتبت - وهم كثيرون - لم يقف ليناقش الرواية ذاتها، ثم يختلف معي أو يتفق. الثاني أن الروائي نفسه - وكان يحرر صفحة أدبية أسبوعية في صحيفة الأخبار قبل أن تصدر أخبار الأدب ويتولى رياسة تحريرها في يوليو 1993- لم يتصد للرد أو المناقشة على نحو واضح أو مباشر، بل آثر الغمز واللمز والتلسين، فكتب عن بلطجية النقد الأدبي، الذين يشهرون جنازير الابتزاز ومطاوي مسممة تستهدف عملية اغتيال أدبي، وعن ظاهرة البلطجة التي تنتقل من المجتمع إلى مجال النقد الأدبي.. فنقرأ مقالات مكتوبة بقرن الغزال ... الخ ( الأخبار 24 و 26 و 1/7). 

وتمضى بنا الأيام بعد "هاتف المغيب"، أصدر الغيطاني "متون الأهرام" 1993، "من دفتر العشق والغربة"، ه 199، "خلسات الكرى"، 1996، "دنا فتدلى"1997، و "سفر البنيان"، 1997. وأخيرا أصدر عملا في جزأين .. هو موضوع هذا الحديث: "حكايات المؤسسة" و"حكايات الخبيئة" (طبع الأول منهما ثلاث طبعات: واحدة في بيروت، واثنتان في القاهرة، أما الثاني فصدرت طبعته الأولى قبل أسابيع ).

وقبل أن ندخل هذا العالم أود أن أثبت ملاحظتين: الأولى أن طنينا قد أحاط بهذا العمل، خاصة حكايات الخبيئة، فمن قائل إنه تصفية حسابات معلقة بين الكاتب والمؤسسة التي يعمل بها، من حيث الطريقة التي تدار بها هذه المؤسسة، وأشخاص القائمين على هذه الإدارة، ومن قائل أن المسألة تتجاوز هذه المؤسسة إلى المؤسسة الأشمل والأعم وأن شخوصا في هذا العمل تقف مكافئة لبعض المسئولين، يشتركون معا في سمات محددة، توقف عندها الكاتب، وأبرزها عمدا، ليحددهم ويعينهم بحيث لا يدع مجالا لخلط أو التباس. ويقول هؤلاء وأولئك - بالتالي - إن الرواية قد دخلت أرضا كانت مقتصرة على جلسات النميمة وثرثرات المقاهي (وسنرجئ مناقشة هذه الدعوى حتى نعرض للعمل نفسه. الملاحظة الثانية أن حكايات المؤسسة و حكايات الخبيئة مرتبطان معا بأكثر من رباط. هي ذات المؤسسة وهم ذوات الأشخاص وهو ذات المناخ العام (خل جانبا طريقة السرد واللغة وبقية أدوات العمل الروائي، ومن ثم يحق لنا اعتبارهما عملا واحدا رغم الفارق الزمني بينهما في تاريخي الكتابة والنشر. خمس سنوات، وهذا أمر ليس غريبا بوجه عام، كما أنه مسبوق عند الكاتب نفسه. (الجزء الأول في 318 صفحة .الثاني في 339 .

ولعلني لا أستبق الحكم حين أقول إن المشكلة الأولى، والرئيسة، في هذا العمل هي تعثره بين المكاشفة والتخفي، التصريح والتلويح، بين ما يريد الراوي أن يقول وما يستطيع أن يقول. وحين أراد أن يجعل مؤسسته بشخوصها وأحداثها واقفة تتأرجح على هذا الحد الزلق بين الواقع وما وراءه أو ما فوقه، لم يجد بين يديه سوى أدوات ووسائط فقيرة: المبالغة التي تتجاوز كل الحدود، والإلحاح بالتكرار في الألفاظ والمعاني - لدرجة الإضجار، في ظنه أن هذه المبالغات تحيط الشخصيات بأطر غرائبية أو واقعية سحرية يستخدمها الروائيون الكبار في أمريكا اللاتينية بوجه خاص. لكن هذه، عندهم، ليست أطرا، بل تفاصيل من صميم حياتهم وممارساتهم وتراثهم وموروثهم الثقافي، أما نقلها إلى أعمال صادرة عن ثقافة مختلفة ومتوجهة لجمهور مختلف فيشبه تماما أن تلصق قطعا من الصدف على لوح خشبي، إن تساقطت هذه القطع، تكشف عرى الخشب وقبحه ! .

العمل كله يأتينا عن طريق راوية كلى القدرة والمعرفة، يعرف كل التفاصيل في الماضي والحاضر، عن الأفكار والمشاعر، هو الذي يقدم الأحداث والشخصيات، إنه لا يقدم للحدث ثم يخليه أمام قارئه كي يراه بعينيه هو ولا يقدم الشخصية ثم يفك قبضته الخانقة عنها كي تقول وتفعل وتحيا حياتها أمام القارئ لكنه يقدم الأحداث والشخصيات جميعا بطريقة التقارير التي تأتى جاهزة، ناجزة، واقفة بعيدا ومكتملة. ومن ثم فلا اختلاف في اللغة أو طريقة السرد أو الوصف. هي ذات اللغة عند جميع الشخصيات ولسرد جميع الأحداث، بما يسودها من كليشيهات وبلاغة قديمة وأخطاء في المعنى والمبنى! .

ومن شأن هذه الطريقة أن تفقد العمل أي بناء. مهما جهدت نفسك لن تجد معالم بناء ما، وإذا كان أحد تعريفات الرواية إنها حركة تتقدم في الزمان، فلن تجد هنا تقدما يطرد في أي اتجاه، وفى الصفحات الأخيرة من الجزء الثاني قد تفاجئك ذكريات أو معلومات عن المؤسس الذي يبدأ به العمل كله، وهذا شأن بقية الشخصيات، ولدى الراوي صيغ جاهزة يصل بها أو يفصل. خذ بعضها :

" لكننا نقصر الآن ونعود إلى ما جرى"، " ولهذا تفصيل"، " لكن الحديث عن ذلك سابق لأوانه"، "وأموره في ذلك معروفة يطول تفصلها"، "سيرد ذكره في موضعه"، و "هذا مما يطول شرحه فلنرجئه"..... ومثل هذا كثير.

 إن هذه الطريقة في السرد تفك أوصال العمل، وتؤدي لألوان من التكرار لا يمكن تفاديها وبطبيعة الحال، ثمة حتم أخر، له طبيعة سيكولوجية في الغالب، هو ما يحدد البنى أو التيمات المتكررة وربما رأينا شيئا منها فيما يلي.

ويمكننا - على وجه العموم - أن نجد نوعين من الشخصيات: شخصيات في البؤرة وأخرى في الهامش. الأولى تحظى من الراوي بأوفى اهتمام، فيسرد كل التفاصيل التي يعرفها عنها، في ماضيها وحاضرها، أما الثانية فقد يكتفي بذكر أسمائها (واختيار الأسماء لا يخلو من غرابة) وما يلتصق بكل منها من وقائع أو سمات خاصة (لا تخلو من غرابة كذلك)، لكن هذه وتلك من الشخصيات تقدم إلينا بطريقة التقارير الجاهزة، كما سبق القول.

من الطبيعي، في المؤسسة أن تبدأ بالمؤسس. ونحن لا نراه، بطبيعة الطريقة التي يستخدمها الراوي، وكل ما يتعلق به يأتي إلينا عن طريق الاسترجاع من اثنين من قدامى العاملين، ويجب أن نضع في الاعتبار أن له معارضين ومناصرين، لكننا نستطيع استخلاص بعض المعلومات التي تبدو مؤكدة: إنه يبدو بلا تاريخ محدد، وأقام مؤسسته في تاريخ غير محدد كذلك (إذا كان الروائي يحدد زمن الكتابة: الآن، فإن كل الشواهد تؤكد أنها أنشئت في أربعينيات القرن الماضي)، لكنه اشترى الأرض التي أقيمت عليها حين كانت حقولا أو بورا على أطراف القاهرة ثم أصبحت في قلبها. لعل أهم الملامح الخاصة به أنه درس الاقتصاد في جامعة أمريكية. وأنه أولع  بالآثار، ويقال :إنه عثر على خبيئة (من المعروف أن هذه الكلمة تعنى كنوز المقابر الفرعونية أو الخارطة التي تحدد أماكنها، وهى ترد هنا لأول مرة ص 21 مرتبطة بخبيئة وادى الملوك، وأنها مدفونة خلف أبواب وسراديب في الطوابق السفلي من المؤسسة، وسوف نعرف - في القسم الثاني أن لها أمينا ستدور عنه وعنها الحكايات. ومما يبدو مؤكدا كذلك أن المؤسسة تعرضت للتأميم أول الستينيات، وأن المؤسس تعرض لمحنة كبرى وسط الستينيات، ثم رد إليه اعتباره بعد مايو 1971، وينسب الراوي إلى المؤسس علاقة خاصة بجمال عبد الناصر، وأحد قدامى العاملين يصف زيارة عبد الناصر للمؤسسة ويربط بين الرجلين: لم ير مثيلا لمشيته، لمهابته، لقوة حضوره، لا يضاهيه إلا المؤسس، ولا يفسر الراوي هذه المحنة الكبرى التي أصابت المؤسس، ولا بكلمة واحدة !.

أرجو أن يتضح لك ما أعنيه من التعثر بين المكاشفة والتخفي، بين أن تقول ولا تقول، وأن تغمز بعينك للقارئ في إغراء بالتواطؤ: أنت تعرف وأنا أعرف لكنني لا أجرؤ على مزيد من الإفصاح، أرجو أن يتضح لك ما أعنى إذا وضعت في اعتبارك الحقائق التالية: إن مؤسسة أخبار اليوم أنشئت في أربعينيات القرن الماضي، وخضعت للتأميم مع بقية المؤسسات الصحفية في 1960 ويقول الراوي عن المؤسس: في ليلة التأميم صدر قرار سيادي أن يستمر المؤسس في موقعه بكامل مسئولياته وهذا تماما ما حدث مع مصطفى أمين، الذي تعرض لمحنة كبرى هي قضية التخابر الشهيرة منتصف الستينيات، وأن الذي رد إليه اعتباره هو الرجل الذي قام بأحداث مايو 1971! .

أضف لذلك المعلومات التي تبدو مؤكدة - من فرط تكرارها - عن المؤسس، معلومات أخرى من قبيل أن له حكايات تتردد مع أميرات من أسرة محمد على، وأنه كان يمارس الجنس خلال ساعات العمل في المؤسسة، وثمة حكاية مترددة (تتردد ثلاث مرات في جزئي العمل، بنفس كلماتها تقريبا) عن موظف منضبط، ما أن فتح باب مكتب المؤسس - الذي لم يكن يغلق قط - حتى فوجئ بمؤخرة شاهقة التكوين والبياض منفلقة بروعة، تضوي أمامه، وكان المؤسس يستند إلى المقعد التاريخي، وصاحبته تعلوه، وثمة حكاية أخرى عن الطريقة التي انتقم بها المؤسس من الشاب الممتاز خالد الذي كان أول دفعته في الرياضيات، وعمل بالمؤسسة، حتى أيقن المؤسس بوسائله الخاصة، إلى جانب تقارير الأمن أن خالدا عضو قيادي مهم في تنظيم سرى يساري متطرف، يؤمن بالحتمية التاريخية ! (علامة التعجب من عندي) . استوثق أيضا أنه وراء العديد من الشائعات التي استهدفته شخصيا، فكيف كان انتقامه؟  لقد رتب الأمور بحيث تنتهي إلى هذا المشهد الذي لم يعاينه أحد: "عندما دخل رئيس البعثة إلى الخيمة فوجئ بالطباخ النوبي فوقه".

تلك الحكايات، وأمثالها، لها سياق أخر. من الشخصيات التي في البؤرة أيضا اثنان من قدامى العاملين، صحبا المؤسس وبقيا معه حتى أطيح بهما: "الجواهري" و "عطية بك". لاحظ - مرة أخرى - أن الطريقة الوحيدة للتعرف إليهما هي التقارير ذوات الطابع التجريدي الجاف التي تحوى تفاصيل كثيرة لكنها لا تكاد تضيف شيئا. على سبيل المثال: ما أهمية أن نعرف أن ذرية الجوهري كلها من الإناث: بنات وحفيدات؟  أو أن نعرف أنه شديد التمسك بقرارات المجمع اللغوي، يتابعها ويحفظها عن ظهر قلب، يأبى نطق كلمة الساندويتش ويقول: شاطر ومشطور وبينهما طازج؟  وهو يأبى الاعتراف بأنه كاتب خطب المؤسس التي عدت قطعا رفيعة، رصينة من الأدب البليغ والنثر الجميل، ويمضى في المبالغة المعتادة فينسب إليه بعض الكلمات الشهيرة خلال ذلك القرن، ثم يورد أولى هذه الكلمات على نحو خاطئ، استنادا لمعرفة سماعية وذاكرة خئون، لعل إنجازه الوحيد هو أنه عمل على إرسال آلاف البرقيات إلى القيادات السياسية والتنفيذية والأمنية .. تستنكر وترفض أن يتولى البروفيسور المزعوم أمر المؤسسة .

أما عطية، أو "عطية بك" فيتقدم إلينا بهذه الأوصاف: حاد النظرة مختصر اللفظ، لهجته توحي بالثقة، لا يتكلم إلا متمهلا.. لديه مهابة مؤثرة، وهو أحد الذين اختارهم المؤسس بنفسه لسببين: قدرته على الإقناع، وموهبته في إطلاق الشائعات (ولا بأس بأن يسوق إلينا الراوي بعض هذه الشائعات 0 ومنها واحدة أدت برجل أعمال رصين إلى أن يقتل امرأته ويقطع جسدها ويعبئه في علب الأناناس الفارغة). على أن إنجازه الحقيقي هو هذه "القفلة المرورية" التي أحدثها في العاصمة فشل الحركة فيها، بسبع خطوات فقط أحدث التكدس في المدينة وضواحيها، وبسبع خطوات معاكسة بدأت العجلات تدور والمررو يتدفق، كان يعترض – بطريقته- على أن يصبح البروفيسور رئيسا للمؤسسة، بعدها صدر قرار علوي باعتقاله ! .

هذا شأن بقية الشخصيات: "البروفيسور قلقاسة" (لا نعرف له سوى هذا الاسم) مسئول الجراج وأول من أنشأ أجهزة الأمن في المؤسسة، كاد يصبح رئيس المؤسسة الرابع لولا أنه أزيح في اللحظة الأخيرة، وعين بدله رئيس قطاع الحواسب الآلية هو الذي سيبقى على رأسها - ورؤوسنا - حتى نهاية العمل كله. "الأشموني": عاشق الترام وأقدم موظفي الاستعلامات، أعزب، في حياته قصة حب خائبة وصديق وحيد يعمل مفتشا للصحة يترددان معا على المطاعم ليتناولا الطعام دون مقابل (ستتكرر هذه الشخصية بذات الملامح في الجزء الثاني ويأخذ لقبه المشروع: الدكتور)، و "عم صديق": كليشيه جامد للخادم والتابع النوبي الأمين: "عزب الميدومى" الذي تسلل إلى مكتب سيادته عن طريق إصلاح الأجهزة المعطلة في بيته، وبوساطة من الزوجة الأجنبية الثكلى صعد إلى مكتبه وتولى مسئوليات عديدة. .. الخ .

كل هذه شخصيات ورقية لو صح التعبير، جثث هامدة فارقتها كل أمارات الحياة، كل واحدة منها كولاج مهترىء، تتنافر مكوناته ولا تتآلف، وهى مكونات بائسة لا تعطى الكثير: المبالغة التي تتجاوز كل الحدود، والتزيد والثرثرة والتكرار واستخدام المترادفات والصيغ الجاهزة الوصف والسرد والتعبير.

نبقى على شخصيتين لابد من التعرض لهما، ولا حيلة لنا، فالصراع بينهما يستعر على امتداد صفحات العمل خاصة جزءه الثاني، أولهما قواد و ثانيهما شاذ: "عبده النمرسى" و"فيروز بحري" أنعم بهما وأكرم !. وكلاهما كما سنرى - لا يخفى حقيقته أو يتستر بها، أولهما يشيد أكثر من مرة - بفضائل القوادة، هذه كلمات قليلة له من مواضع متفرقة: 

في الجمالية يقولون إنه قادر على غواية أي مصونة، إخراجها من خدرها، ترويضها وتطويعها ثم اللعب بها كالخاتم في الإصبع. (ص 141 )..

 لكم تمكن من جميلات منيعات استعصين على رجال أشداء أثرياء يملأون هدومهم تماما، لكنه لم يضاجعهن إرضاء لرغبة، إنما لتطويعهن وتليين للعصيات منهن، متعته التامة في جمع طرفين متباعدين ثم الوقوف على ما يجرى إذا أتيح ذلك سرا أو بالإصغاء، وبالذات إلى رواية الأنثى... 

إنه ملم بما يقال عنه لكنه لا يعبأ، ليس لأن وجهه مكشوف، إنما لإشفاقه على من لا يدرك متعته التي يلقاها .. (ص 222، 223 ).


 ومن المعروف في أدبيات التحليل النفسي أن القواد يتماهى مع الطرف الذي يقاد، أي المرأة وهو، من ثم، يصدر عن شذوذ جنسي سالب، كامن أو سافر. 


ولا يخفى النمرسى سعادته لأن ما ظل يمارسه سرا أصبح اليوم على مستوى الكوكب كله، لنستمع إلى حديث القواد:

 طائرات خاصة تقلع الآن من مطارات روسيا محملة بجميلات تتراوح أعمارهن بين الثانية عشرة والعشرين، اطلع على صور التقطت لحفل أقامه ثرى جديد في مدينة دمياط، اتفق مع مكتب استيراد وتصدير على قيام ثلاثين فتاة روسية من عمر واحد - ستة عشر - ملامحهن متقاربة، أطوالهن متساوية، بالخدمة عاريات الصدور، تفرس في صورهن كعادته، يوقن أن معظمهن عذراوات، للفض سعر خاص يعرف أن البعض على استعداد ليدفع ما يطلب منه مقابل توفير واحدة منهن، أن يكون الوالج الأول، أن يرى قطيرات الدم القليلة. . الخ (الخبيئة، 211 - 212. ولعل أهم إنجازات هذا القواد أنه جمع بين سيادته و صفية الأبنوبي قبل أن يستولي على سيادته حلف مقدس بين "الجلاديوس" و "فيروز بحري".

بقي هذا الأخير ولعل هذه الشخصية أهم أسباب الطنين الذي أحاط العمل كله، فمنذ ظهورها المفاجئ على مسرح العمل في الفصل المعنون باسمها (الخبيئة، ص 148) وهى مركز الاهتمام حتى النهاية. ولنلاحظ، أولا، غرابة الاسم، وإذا وضعنا في الاعتبار ما أشرنا إليه من التعثر بين التصريح والتلويح، ولعبة التواطؤ بين الكاتب والقارئ، ربما أدركنا أن اسم الحي المعروف في الإسكندرية أصبح الاسم الثاني لفيروز، وثمة شخصية كاملة "زهران الحسيني" لا هدف لها سوى تأكيد أن فيروز كان يعمل في خدمته بالإسكندرية، وإيراد صفحات مليئة بالثرثرة عن شوارع الإسكندرية ومطاعمها، يعرفها العابر لا المقيم، وعلاقات فيروز بنفر من أهل المدينة. ولنلاحظ ثانيا، أن موقف الراوي - وشخوصه الناطقة والصامتة جميعا- تجاه المؤسس يناقض تماما مواقفهم تجاه فيروز، ثمة حالة من التقدير والإعجاب حول المؤسس، وحنين دائم لأيامه في المؤسسة، وثمة مواقف عدائية سافرة تجاه فيروز منهم جميعا (الاستثناء هو القواد، فرغم أنه يخوض ضده صراعا رهيبا إلا أنه لا يخفى إعجابه به، لا عجب ولا غرابة، فبين القواد والشاذ أكثر من صلة ونسب ).

فمن هو فيروز؟

أول كل شئ أن تعيينه مسئولا عن قطاع الفيوضات جاء مفاجئا للجميع بسبب عمله سنوات طويلة حامل حقيبة المراسلات مع مجموعة الدول الناطقة بالأسبانية فيما يبدو لم يكن هذا إلا ستارا لمهام أخرى قام بها (..) يتقن عدة لغات، وسيم، أعزب رغم اقترابه من الخمسين، رقيق الطلة، عيوق .(هل لكلمة الفيوضات هذه أي معنى؟ أقرب معنى لها من قاموس المتصوفة، حيث يعنى الفيض دفق الإلهام أو الإبداع)، وسرعان ما ذاعت حقيقته وتحدث بها الجميع: إنه لوطي، بل من مشاهيرهم المسجلين، له ملف في الأمن الجنائي، ولا يترك الراوي، صاحب المعرفة الكلية بالماضي والحاضر والأفكار والمشاعر سبيلا للتشكيك في هذه الحقيقة، بل يظل يراكم الأدلة والشواهد على ثباتها ومجاهرة صاحبها بها حتى يبلغ به الأمر أن يرسل صورة له إلى القواد المتربص:

 الآن، لديه ما يقطع الشك باليقين، صورة، صوره حقيقية أبيض وأسود ملتقطة له في الفراش، وجهه واضح رغم أنه بلا نظارة طبية، بين ذراعي شاب نحيل، طويل الذراعين والعنق، ثم لا يكتفي، بها يزوده أيضا بشريط كامل من الصور الحية .. مضاجعه، تبدو ملامحه واضحة، ينحني الآخر فوقه، ما أدهش النمرسي وضعهما!. (..) فيروز يستلقي على ظهره، مفسحا ساقيه للآخر، الوضع الطبيعي للذكر مع الأنثى، أيضا .. تلك القبلات المحمومة .. (..) قبلات التهامية. كأن شفتا فيروز (كذا، وصحتها: شفتي) مستخفيتان في فم الآخر الذي لم يتعرف على شخصه .

هل كان أحد بحاجة إلى كل هذا القدر من البذاءة والفجاجة والغلظة للتدليل؟  لكن هذا ليس كل شئ،.. سواء بالنسبة لفيروز أو لرفيقه الذي عينه مستشارا فنيا، ومنحه الراوي اسما لا يقل غرابة. "فريح قته". جاء في التقرير الذي يقدمه عنه الراوي إنه لقيط، وشاذ منذ اغتصبه خادم المسجد في مدخل المئذنة، بعد ذلك .. شاع أمره، حتى ليزعم بعضهم أن تلاميذ الفصل أتوه متتابعين في الخرابة المطلة على الحقول، لكن بين الرفيقين فروقا سيتفصل الراوي بلفت النظر إليها: فيروز يؤتى ولا يأتي، أما فريح فيجيد الأمرين معا.. (.. قادر على المضاجعة مع تصريفات خاصة ومعاملات محددة لمواضع قرب منتصف ظهره وأسفل مؤخرته، لا يتردد في طلبها !.

مرة ثانية: هل كان أحد بحاجة لهذه البذاءات كلها كي يصدق أن الشواذ أصبحوا مطلقي الأيدي في المؤسسة، حتى إنهم يقيمون حفلات مجون شاذة "HOMOSEXUAL ORGIES " في قدس أقداسها: غرفة الخبيئة؟  أو لكي نصدق الصيحة التي يطلقها أحدهم: "بدأ زمن المؤخرات يا مؤسسة" أو ما يهتف به الآخر أمام الجميع: "كله إلا هذا اللوطي"..

إذا كان هذا حال الرجال - مع التحفظ الضروري على الوصف – فما حال النساء في هذه الحكايات؟ ..


لعل الملاحظة الأولى التي تفرض نفسها حول شخصيات النساء في هذا العمل هي تشابه أوصافهن، كلهن مصنوعات من ورق، والصفات التي تتصف بها إحداهن يمكن أن تسرى على الأخريات، فلا تمايز بين هذه وتلك. يتجسد هذا النموذج، أولا، في رشيدة النمساوية، أسميت بهذا الاسم بعد خروجها إلى أوروبا مع صاحب لصاحبها الأول، كانت في الثالثة عشرة حين ظهرت لأول مرة في المقهى المجاور لمبنى المؤسسة، يصفها الراوي، مغدقا عليها أفضل الصفات للنموذج: أثنى انفجارية!، ملكة الفراش، والعالمة بالطرق الخفية إلى مسام الرجال .. ( مع بدء المعاشرة تقيم مهرجانا من المتعة، تعطى ما يطلب منها دون تلميح أو تصريح، ثم تبادر بما يناسب ويوافق)  والجواهري نادم لأنه حاش بصره عن التشبث بنصف جسدها الأسفل، وما يحتويه من تكوين نادر فريد، يؤكد أنه السبب في انطلاقها، ولا يضن الراوي، العليم بكل شئ، النافذ لكل الأسرار، دون مبالاة بأن يكون لما يعرفه منطق أو لا يكون، لا يضن على قرائه بصورة لها أثناء الممارسة. هكذا ترد في خواطر الجوهري: كانت تدرك بالنظر طبيعة من يواجهها وماذا يرضيه فتلبي وتغدق .. (.. إذا ما بدأت الاحتواء تقبض فلا تفلت، يداعب داخلها الآتي، القادم يمس برهافة ولين أو يلف الخناق ... الخ) .

"رشيدة" كانت زمن المؤسس، أما الرئيس الحالي ففي عهده صعدت "صفية الأبنوبي" حتى أصبحت كل شئ، وعرف عنها الراوي - وهو هنا "النمرسي" القواد - كل شئ: عرف أن زوجها مغترب في صحارى بعيدة كي يوفر لها المال، رغم ذلك فهي تقول لصاحبتها إنها لا تسمح له بالعبث في نهديها، لم تمكنه من مس حلمتيها، تحرص على صلابتهما وتخشى ترهلهما، ثم إنها نفرت من رضاعته لهما كأنه مازال صبيا لم يفطم بعد، وماذا بوسع المسكين أن يفعل إذا كانت لم تتجاوب معه .. لم يستطيع فض بريدها أو قراءة شفراتها السرية، لم يقلب كوامنها، ما أن يبدأ حتى تتمنى فراغه بأقصى سرعة، مع أنه حرص دائما على إرضائها، مع متانة تتمناها أي أنثى مجربة .. ولكن .. ماذا تقول؟ 

أنا لا أقول شيئا، أفضل إرجاء أي تعليق حتى نرى البقية.

 صفية هذه تقيم ثلاث علاقات بثلاثة عشاق في ذات الوقت، يكفينا أولهم: فنان تشكيلي يكن لردفيها هياما فريا،يمرغ وجنتيه بتكوينها الربراب، وفى إحدى العصارى (كذا..) قام بتلوينها مستخدما درجات نادرة تحكى ألوان الغسق .. (ابحث عن أصل الصورة في مائة عام من العزلة وستجده هناك)، يقول عنها الراوي بالنص: موهبتها في ردفيها .. (ص 234)  ثم يصف قوامها بالتفصيل: قوام صاعد، واثق، مؤخرة مستنفرة محرضة، ذات وضع خاص، فخذان منبسطان مستديران، وصدر مشرع يفز من القميص، لم تمر بمكان أو في مواجهة عينين إلا وتعرضت للرشق البصري .!

تعال ننظر لنموذج نسائي أخر، واضح أنه يحظى من الراوي بالإعجاب والاحترام معا، سأسوق لك قدرا بسيطا من أوصافها: هانم ! يا سلام على رسوخ الحسن، على زمزمة الطراوة (يعنى إيه؟ ) لا هي بالطويلة ولا بالقصيرة، حضورها طلى، مثالية القد، متسقة التداوير، تتعاقب مويجاتها كتوالي الليالي والنهارات. .. الخ. هل نقلت إليك هذه الكلمات المرصوفة شيئا؟ هل صورت لك امرأة ما؟ لننتظر: هذا وصفه للجلاديوس (أطلق عليها هذا الاسم لأنها كانت تورد هذا النوع من الزهور للمؤسسة التي فاقت سابقاتها، وتحالفت - ولا تزال - مع فيروز للسيطرة على سيادته، ومن ثم على المؤسسة بمشروعات دعائية براقة وزائفة: لا سابقة لها ولا مثيل حاضر، من تحادثه مرة لا ينساها، نسيجها ناعم، هواها طرى، لا يدخل رجل في محيط بصرها إلا وتدركه مويجاتها، وأخيرا هذا وصفه لصاحبة الحب الخائب في حياة "فيروز" التي تركته لأنها أيقنت من عطبه ولا جدواه بالنسبة لها، هذا "النمرسي" القواد يتأمل صورتها: "يا سلام ".. فارهة متناسقة طالعة، صريحة الملامح كسماء الصعيد، الأنف أنف والفم فم ..(..) يتراجع قليلا ليراها من مسافة، يتذكر عمدة في جنوب الصعيد، بعد انصراف امرأة أجنبية متينة، موثقة، قال بترو: والله عايزة خيال شاطر ! .

هاته هن النساء في بؤرة العمل، ثمة أخريات في الهامش، منهن من استجابت لرغبات سيادته وأقامت معه علاقة دامت فترة قصيرة ثم انتهت لفاجعة .. من ذلك واقعة "منتزه الزياتي"  كانت بنية مستطيلة الحضور والملامح، مفرطة السموق، كل ما عندها طولي.. (يعنى إيه؟ ). وسط الثرثرات المتصلة عنها وحولها نعرف أنها ابنة شيخ جليل، عانس فاتها قطار الزواج، لهذا أكدت سيدة في قسم الوثائق أنه افتضها بيده، إذ عانى كثيرا لسمك غشائها نظرا لتقدم عمرها، هل تسأل: وما الذي أعجب سيادته فيها؟ إن الراوي هو الذي يطرح السؤال، وهو الذي يجيب: بالعكس، إنها مخزون مركز من الرغبة المقموعة، المنسية، وبقليل من العزف الماهر على بواباتها تتفجر منها حمم، وبعد أن نبذها وأهانها جاءت الأخبار بوفاتها في ظروف غامضة، عثروا على جثمانها داخل كابينة آلت إليها بالميراث .. قرب جليم، وترددت الهمسات بأنها ليست الأولى، وسأل سائل: ألا تذكرون نفيسة الحولاء؟  عانس أخرى تجاوزت الخامسة والأربعين .. «ترهب العاقبة إذا أفضت بما جرى لها في الطابق الثاني عشر، منذ انفرادها به، همسه ونجواه ولطفه ورقته، استسلامها المدهش له، المحير "انهار في لحظة ما ظلت عمرها كله تدفع عنه كل ما يبعث على الأذى"  أما بعد أن نبذت، بدورها، وأبعدت، اكتفت بالجنون حتى لاحظ القوم ما يطرأ عليها فجأة من تبدلات وتغيرات.

ليست هناك امرأة واحدة ناجية قادرة على الرفض؟  بلى. هذه "امتثال القوصي"  وتلك أوصافها (وأرجو أن تتجاوز الركاكة والأخطاء في النص التالي): 

"تعرف بالممشوقة السمهرية .. لفتت الأنظار بحضورها المؤصل، المنطلق، المتين (..) هكذا تبدو.. لو ظهرت في زمن تمكن صفية لجرى صراع وانتهى الأمر لصالح امتثال بلا ريب، لكن كل (كذا) منهما جاءتا (كذا أيضا)  في وقت"  رفضت امتثال الخضوع لسيادته، ولم تستجب لإغراء قواديه (حتى حين تصوغ هذا الرفض لا تجد سوى أكثر الكلمات غلظة وبذاءة وخشونة: هذا ما لن تسمح به أبدا، أن يمتطيها ذو سلطة أن يسكب ماءه داخلها بنفوذه). وحققت امتثال رفضها، وخرجت – يقول الراوي: ممشوقة القد، رفرافة، صارية المسعى (يعنى إيه)  وما أسرع ما جاء انتقام المؤسسة: أشاعوا في المقر الرئيسي وفى كل الفروع أن الفحوص التي أجريت لها في الإدارة الطبية أثبتت أنها مصابة بالإيدز. (هل تذكر كيف كان انتقام المؤسس؟  ولماذا يتركز كل شيء في النصف الأسفل).


عادة ما تكون صورة المرأة في الأعمال الأدبية منظارا مقربا لموقف الكاتب من قضاياه، أو رؤيته للعالم لو أحببت هذا التعبير، والحقيقة أنني أجدها، في هذا العمل، باعثة على الدهشة أكثر من أي شئ أخز، والحقيقة أيضا أن هذا الموقف ليس جديدا عند صاحبه. قبل أكثر من عشر سنوات كتبت عن أحد أعماله: إلى جانب تلك الغرائب، ثمة ولع مدهش بحكايات الجنس وممارساته، فلنقل إن ثمة شبقا كظيما مكبوتا يتخلل العمل كله ..(.. وإذا كانت لحظات التواصل الجنسي- بما فيها من حميمية ونفاذ إلى الأعماق من مناطق الحق الإبداع عند الروائيين، فإنها، عند صاحبنا، ترد في نفس الصيغ الجاهزة والبلاغة الرثة، خارج التجربة تماما .

وفي هذه الحكايات (المؤسسة الخبيئة) يتفجر الشبق الكظيم المكبوت 0 مثل حمم ملتهبة صادرة عن الأعماق، بكل ما تحويه من مواد منصهرة وسخام ونفايات وأوشاب، وكأن الكاتب لا يستطيع له دفعا أو مراجعة، ولا يتعلق الأمر هنا بموضوع الكتابة قدر ما يتعلق بالمبالغة والإسراف والتزيد. .. بعبارة ثانية: إنني أعرف أن الجنس شأن أي نشاط إنساني آخر، وربما قبل أي نشاط إنساني آخر، لأسباب لا تخفى - يمكن أن يكفى موضوعا وحيدا للعمل الأدبي، وقد أولعت زمنا بقراءة هنري ميللر ولورانس وجان جينيه وكولن ويلسون وتنيسى وليامز وسواهم، من كتاب الغرب، وعرفت عددا لا بأس به من أعمال مؤرخين وفقهاء لا ينكر قدرهم أحد  في تراثنا العربي: ابن حزم وابن الجوزي والسيوطي والنفزاوي وسواهم، وكلها أعمال عن العشق والجنس تستخدم الكلمات ذوات الحروف الأربعة كما يقول الانجليز دون تحرج، ولم أجد في هذا كله إثما ولا حرجا، لكن المسألة أننا إزاء عمل أدبي، ومن ثم لابد أن الأسئلة المتعلقة بالمادة ذات الطابع الجنسي في هذه الأعمال حول ضروراتها وتوظيفها من ناحية، ونجاح أو إخفاق صوغها أو تفنينها من الناحية الأخرى. وما يزعجني أنني أجد معظم المادة الجنسية وهى كثيرة بالقياس لأعمال روائية أخرى تكاد تكون بلا ضرورة أو وظيفة، ثم إنها تأتي - في معظمها - فجة غليظة نابية تظللها مسحة بذاءة فظة.

وإذا كانت النصوص التي أوردت لك سطورا منها فيما سبق غير كافية، يمكن أن أسوق لك سطورا من حكاية "أم العامود" (الخبيئة، ص 288وما بعدها) إن الراوي يتحدث عن العابرين حول المؤسسة، وهم عدد من الناس لم يكونوا يوما بين العاملين فيها، لكنهم واقفون خارج أسوارها، والراوي نفسه يصفهم بأنهم جاءوا كأنهم لم يفدوا، عبروا وكأنهم لم يظهروا00 هذا يعنى أنهم هامشيون تماما، ولا أهمية لهم، ولم يلعبوا أي دور في المؤسسة وما يدور فيها، وهو يحكى عن كل منهم حكاية هي ما بقيت منه. فماذا بقى من "حمدون الصعيدي"؟  وإنني - صادقا - أرجو قارئي أن يحتمل كل هذه البذاءات وفجاجة التعبير: ما بقى من حمدون ذكر عضوه، يؤكد "الديروطي" حارس الجراج القديم أنه رآه بعينيه. . طويل إلى درجة أنه يلتف كثعبان إذا قعد(. .) حمدون طريح الأرض نحيل، ما يقوم منه يماثل طوله، وتد منتصب، نافر، إلى درجة تجاوزه الجلباب وطرحه إلى الوراء، بدا استثنائيا، فريدا، غريبا، داعيا، متشوقا، المرأة أقبلت. وبلعت ريقها، تلفتت حولها، شلحت جلبابها وأمسكت هذه البركة، أولجت ما يمكنها احتماله، قضت حاجتها، تلقت منه، رأت تقلصه وبربشة عينيه في ضوء القمر كأنه يحتلم، عندما بلغ ارتواؤها الكمال. وتسربت إلى خلاياها سخونة مائه. ظل متصلبا، وعندما أدركها الإنهاك أكملت طريقها، في اليوم التالي عرفت طريقها إليه (..) ويبدو أن نوبة في كرم انتابتها تجاه صديقاتها(..) يبالغ البعض فيقول إنها تقاضت هبات وأجورا أبدلت أحوالها. وصار لقبها المعروف "أم العامود".

هل تري فارقأ بين مضاجعة القيام، ومضاجعة الموتى ..(NECROPHILIA )..

إنني أحاول ألا أتجاوز حدود ما يمكن اعتباره نقدا أدبيا ولو أنني أحد المشتغلين بالتحليل النفسي. لوجدت في النص السابق - وسواه كثير- .. مادة ثمينة !.

لكن لعل الراوي - بإيراده هذه الحالة- يستوفى كل أشكال السلوك الجنسي، فلنقل: غير العادي. وقد فات علينا من هذه الأشكال الشذوذ والقوادة، ولكن بقى المزيد: هذا هو الراوي يثرثر عن الخيل، فيتحدث عن حصان  جميل، فلا ينسى أن يقول: ولم تخف عن العيون رعشة النشوة التي تسرى في النساء اللواتي تطلعن إليه، حتى إن خدرا كان يصيب بعضهن، والحديث عن تلك الأميرة الهولندية التي حاولت مضاجعته ليلا معروف .. (المؤسسة، ص 1ه)  صحيح، لماذا لا يكون الاتصال الجنسي بالحيوان موجودا في هذا المعرض؟ ، وقد فات عليك وصف الراوي لأكثر من نموذج من نماذجه النسائية بأن موهبتهما في ردفيها أو أنها شقت طريقها بنصفها الأسفل، وقد لا نكون بحاجة للقول أننا لم نر امرأة تفكر، أو تشعر، قدر ما نرى أوصافا مكرورة للقوام والأرداف، مع اهتمام خاص بالنموذج الذي يجمع الأنوثة والذكورة معا، أو بكلماته أنوثة فياضة ملفتة شذاها ذكوري .. (المؤسسة، ص 222)  بل إن ثمة ما هو أشد خفاء، وما يقف الراوي دون التصريح به على كثرة ما صرح. هذا هو البروفيسور في لقاء جنسي مع امرأته: لانت قليلا في« الفراش حتى كادت تتخذ الوضع الذي رغبه، ولم يستطع التصريح به إحدى عشرة سنة كاملة، كان يتحايل دائما، وعندما يصبح على وشك تستدير ناحيته وفى عينيها حذر عظيم ».. (ص 96)، وهاهي صفية تتحدث بصراحة أكثر عن زوجها: قالت إنها لم تسمح له إلا بوضع تؤثره أثناء المضاجعة .. وعندما رغب في الوضع الخلفي أبدت فزعا، قالت إنها لا تتصور ذلك، وأنه لا يمكن إلا من حيث أمر الله، قبل يديها وأقسم أنه لم يقصد، ولم يفعل ذلك في حياته، وأن هذا الوضع طبيعي... الخ (ص 218- 219) .

ولو أنني مضيت في تعداد مظاهر السلوك الجنسي السوي في هذه الحكايات ما انتهيت (ثمة علاقة وممارسة سوية واحدة تقدمها عدسة الراوي بين هانم وزوجها). يكفى أن أقول إن ثمة المولع بالتسمع والمولع بالنظر وممارسة العادة السرية وممارس الجنس عبر التليفون أو التليفزيون. 

غير أن ما أدهشني أكثر من سواه هو السؤال الذي يلح على سيادته بحيث يوجهه إلى سائقه الخاص في أكثر من صياغة: الأمر بدأ بعد ما نطق مستفسرا عن الرجل: هل يمكن أن يصبح شاذا في عمر متقدم؟  ثمة صيغة ثانية: هل يمكن لرجل لم يعرف الشذوذ طوال عمره أن تقوى الرغبة المعاكسة فيسعى إلى من يضاجعه؟ . هناك صيغة ثالثة: ممكن أن يتحول الرجل إلى شاذ بعد الخمسين؟ . طبعا تعددت الصيغ والمضمون واحد (الخبيئة، ص 76 ). ويصمت الراوي صمتا غير حكيم، فلا يقول لنا بماذا أجاب السائق ! .


ولئن بدا أنني أسرفت في الوقوف عند الجانب الجنسي من العمل، لو صح الوصف، فما ذلك - مرة ثانية – إلا نتيجة التعثر بين التلويح والتصريح، بعبارة أخرى: إننا نجد في العمل شواهد وقرائن تشير لأن الراوي إنما يتحدث عن مؤسسة بعينها، هو يعرفها عن قرب، وتبقى الأصول الواقعية للشخوص والأحداث معروفة له، وللقلة التي تشاركه هذه المعرفة، بحيث تحيل شخصيات مثل المؤسس و الجوهري و عطية بك و البروفيسور و عم شرف، إلى أصولها تلك، لكنها تفتتت بين أيدي الراوي ولم تصبح شخصيات روائية اكتملت لها أسباب الحياة بعيدا عن قبضته الخانقة (لإنعاش الذاكرة فقط، وليس بهدف المقارنة، نشير لأن عددا من أعمال فتحي غانم المهمة تدور داخل المؤسسات الصحفية، قبل تأميمها وبعده كذلك، لكن شخصيات مثل محمد ناجى ويوسف السويفي وأحمد دياب ويوسف منصور وسواهم هي شخصيات روائية نابضة بالحياة، ومن ثم تأتى ردود أفعالها تجاه الأحداث معبرة عن تفاعلها مع هذا الواقع كأفراد ونماذج في ذات الوقت)  وكلما حاول الراوي أن يغوص داخل شخوصه الورقية تلك لم نجد سوى الخيالات والممارسات ذوات الطابع الجنسي! .

فلو أنك سألت، مثلا، عن الجوانب الفكرية لتلك الشخصيات، أو الأبنية الفكرية القائمة وراء مختلف الصراعات داخل المؤسسة ما وجدت شيئا. والسبب واضح: أن الراوي لا تدعمه سوى ثقافة سطحية ودهشة، تقوم - في معظمها على الرغبة في الإدهاش، فتمضى إلى المبالغة اللفظية والتكرار، مستعينة بحكايات هي أقرب إلى ثرثرات العجائز في قهاوي المعاشات.

سأضرب لك أمثلة قليلة: كل تلك الثرثرة حول الباشا الذي حصل على الباشوية نتيجة هفوة من الملك السابق، أو سيارته الكاديلاك السوداء التي آلت إلى ابنته هانم. كذلك أيضا هذا الملف الخاص » الذي يقدمه لنا الراوي عن "النبراوي بك". ولعل في هذه الشخصية - إضافة إلى المؤسس و" فيروز بحري"   يكمن جوهر ما أسميه "أدب التلسين" أو أدب "إياك أعنى فاسمعي يا جارة" بمعنى التقاط بذور من وقائع وأحداث ذوات طابع أكثر عمومية وشمولا، وقائع وأحداث وقعت وحدثت بالفعل، ودخلت سطور التاريخ المعاصر، ولا يزال شهودها أحياء، ثم إغراقها في مستنقع من التفاصيل غير الدالة والحكايات الصغيرة يباعد بينها وبين أصولها، وهذا خط دفاع الراوي ليبقى آمنا في جميع الأحوال، فهو قد قال ولم يقل في ذات الوقت، ولست أظن هذا الهدف الصغير الرخيص من أهداف العمل الإبداعي، أيا كان هذا العمل .

إن الملف الخاص" بالنبراوي" (ص 4ه أو ما بعدها من الخبيئة يمكن عزله عن العمل تماما، أعنى أنه لا يتصل بما يحدث داخل المؤسسة أو متعلقا بالخبيئة. والملف يبدأ بهذه السطور: اليوم الثالث لصدور القرار (يعنى قرار تعيين فيروز بحري) ظهر مقال لكاتب ينتمي إلى جيل ما بعد الرواي، تجاوز الثمانين بأربعة أعوام. ارتبط بعلاقة وثيقة بالمؤسس ..(.. كتب مقالا في الأهرام يشير فيه صراحة إلى خطورة تولي المنحرفين والشواذ المواقع المؤثرة بسبب سهولة التأثير واختراقهم من نقاط ضعفهم، وتعاضدهم مع أمثالهم بغض النظر عن الجنسية والدين، والذي حدث أن النبراوي تراجع عن موقفه هذا، وأعلن تراجعه أمام الجميع، مبررا ذلك بأنه تسرع في الحكم على إنسان لم يحط بكل ما يتعلق به علما، ولكن بعد توافر ما جلى الموقف وأوضح الصورة يمكنه القول أن الأخ العزيز فيروز بحري جدير بقطاع الفيوضات، و أن القطاع جدير به، وأنه يتوقع ازدهارا حقيقيا سينعكس على الجميع ... الخ .

الواقعة تستند إلى أساس صحيح. حدث هذا في 87 اندفع كاتب كان شهيرا إلى مهاجمة وزير عين حديثا لأسباب شبيهة بما أشار إليه الراوي، ونشر مقاله - بالفعل - في الأهرام، ودارت اتصالات بين الطرفين يعرف تفاصيلها من كانوا على صلة بها، انتهت بتراجع الكاتب الشهير، ونشر مقاله في الأهرام أيضا، بعدها بقليل رحل الكاتب الشهير.

هذه الواقعة أحاطها الراوي برواية أجيال عن "النبراوي" وعائلته وسر "التحويجة" الخطيرة التي توصل إليها جده الكبير في العصر العثماني لإعداد طبق الجمبري بالملوخية الخضراء، وكيف أن السلطان كافأه بإعطائه أرضا في الإسكندرية هي اليوم قلب المدينة الحديثة، وبسبب هذه القضية تراجع "النبراوي" عن موقفه ! .

لعل هشاشة ثقافة الراوي وفقر خياله يتبديان - أكثر ما يتبديان - في حكاية هذا الطبق الشهير الذي سيظل يصحبنا حتى الصفحات الأخيرة من العمل (بعد أن تحول إلى جمبري البحر الكاريبي)  ومن أجله، لا من أجل أية قضايا أخرى، جاء إلى مصر بيل كلينتون وكوفي عنان. مرة ثانية: لإنعاش الذاكرة، لا للمقارنة، كتبت ايزابيل الليندي نصا رائعا عن الأطعمة والأشربة ذات الطابع الايروسي أو الشهوي، لا حد لغناه وتنوعه.

هشاشة الثقافة وبؤس الخيال هما أيضا ما يحولان دون أن نرى في هذه المؤسسة شيئا أبعد أو أشمل من هذا الإطار، فليس يكفى أن توزع أسماء شخصيات على مدن دلتا مصر وصعيدها: من "النمرسي" إلى "الأبنوبي" إلى "الدمياطي" إلى "الأشموني" إلى "القفطي" إلى "الدير مواسى"  الخ... كي نكتسب هذه الدلالة الشاملة، وليس يكفى كذلك أن تذر بعض المعلومات الجزئية هنا وهناك، أو أن تنعى استقرار، التدهور أو أن تبدى التحسر والحنين إلى "أيام المؤسس" . أو أن تقول على لسان هذا أو ذاك من الشخوص أن الزلازل لا تزال مستمرة تهدد مبنى المؤسسة، أقول: إن هذا، ومثله، لا يكفى كي نرى في المؤسسة دلالة عامة أو شاملة .

ثم: تعال حاسبني: كيف يمكن افتراض الصدق في راوية .. يهجو المؤسسة وهو جزء من صميم نسيجها، مرتبط - ارتباطا عضويا وثيقا - بأجهزتها ورموزها، غارق في عطاياها وامتيازاتها: منظورة وغير ومنظورة؟  كان القدامى يقولون عن حق إنما يشكر السوق - من ربح .. أما أن يهجو السوق من ربح فهو أمر يثير الريب في عدم التصديق، على أقل تقدير!.

أضف لذلك كله أن كثيرين يرفضون أن يكون مصير بلادهم على التحليل الأخير مرهونا بصراع دائر بين قوا د و شاذ تؤازره عاهرة. (هذا أخر المشاهد الذي يبدو فيه سيادته معها: كانت أصابع سيادته تستقر تحت سرتها بثلاثة قراريط (.. يداعب أوتارها بلمسات وندية ! (علامة تعجب من عندي، وكانت تحرك أوضاعها بحيث يبلغ منها قصده ومستراحه .. (الخبيئة، ص 312.).

 لسنا - بطبيعة الإبداع ذاته ضد أن يقدم الكتاب هجائيات للمؤسسات، بل لعل الأمر أن يكون على العكس تماما، وقد فعلها، ويفعلها، كثيرون، لكن ثمة شرطا فنيا ضروريا: أن يفلح الكاتب في إقامة كيان بديل للمؤسسة موضوع هجائه بعلاقات القوى المتداخلة والمتشابكة فيها، بالمصالح الصلبة التي يعبر عنها أطراف الصراع للسيطرة عليها، بالفرز الصحيح للقوى المشاركة في هذا الصراع، وموقف الكاتب منها. لا نكاد نجد شيئا من هذا كله هنا: ثرثرات متصلة من الحكايات، يحاول راويها أن يجعلها قادرة على إثارة الدهشة فيسرف في المبالغات اللفظية واستخدام الكليشيهات والصيغ البالية في التعبير.

والحقيقة أنني لا أستطيع أن أخفى دهشتي - مرة أخيرة إزاء اللغة المستخدمة في العمل كله. هذا كاتب سود آلاف الصفحات، حرفيا دون مبالغة، ورغم ذلك لم تخلص لغته بعد. ورغم افتراض وجود المصححين والمراجعين فلم تسلم من الأخطاء بعد! .. إنه لا يزال يستخدم بلاغة بالية وكليشيهات رثة. ولا أود أن أثقل عليك، لكنني أذكر لك أمكنة قليلة: 

"كانت بداية طلوع أمره"، و" أبدى العطوفة"، " بعد جهد وكد كديد"، "كم يبلغ حجم ملابسها؟ "، "إلا أن صفية شالت منها"،" شاب فندقي الحضور"،" خاطر سيادته تغير عليها"،" صارت لافتة للقاصي والداني"،" بعد أن عمت وطمت"،" شدة معزوليته"،" بدونها يلقى المسئول عكوسات وعثرات"، "هذا الاندماج الإداري القسري القادم من ألباب الذوات لكنه مقبوض معكوم من الداخل"، "ألا يدع سبيلا لدقات قلبه المتهارعة وما انفجر داخله" (من المؤسسة). استمر ذلك رغم كل الهنات والوعورات".

 ثم خذ كل هذه الركاكة والأخطاء في جملة واحدة: " نعم .. الأمور مقضة، مقلقة، باعثة على الخشية والتوجس خيفة من أي الأسباب لا أحد يمكنه التحديد أو التعيين أو القطع، لكن ثمة إدراك عام"، "الأفكار المشروعايتة"، "إذا وقف تعاوده الزعبوبة" (من الخبيئة)، ومثل هذا كثير.

ورغم افتراض وجود المصححين والمراجعين مازالت أخطاء اللغة تفقأ عين القارئ. مرة أخيرة خذ أمثلة قليلة: 

"لم تهتز شفتيه"، "لكن ثمة جانب آخر"، "سنة سبعا وخمسين"، "بعضها مثار علنا. الآخر خفيا مكتوما"، "لم يخلف سيادته غريبا"، "تطالها يديه" (من المؤسسة)، "إذا طلبوا منه شئ"، "لكن كثيرون"، "من يروه صامت"، "يبسط يداه"، "مع أنهم ملمين"، "انتهى أمره إلى ذلك الحال الذي جعل كثيرون يتقبلوه"، "كأن ركبتيه لم تدميان ساعات طوال" .. (من الخبيئة) .

 ومثل هذا كثير كذلك .

وإذا كان هذا هو ما أصبح عليه الحال في وجود المصححين والمراجعين فكيف كان قبلهم؟  ليست المسألة افتقادا كاملا للإحساس باللغة كأداة للتعبير الفني فقط. بل إن فيه قدرا من الخفة والعجلة والاستخفاف بالقارئ يجعل الكاتب لا يعيد قراءة ما.كتب، ولا مرة واحدة .

 وما قولك بكاتب روائي يخطئ أسماء أبطاله؟  هذا "راضى"، في صفحة 60. يصبح "رياض" في 64، و" صفية" تصبح "صفا"، في 123، و "منتزه الزياتي" في صفحة 108 سوف تصبح "نزهة" في 111، و، "عزب الميدومي" سوف يصبح "عزب الدمنهوري" و "النادي المخملي" في صفحة 159 سوف يصبح "النادي اللازوردي"  في 178، وهكذا.


قال صاحبي: في نهاية ما كتبت في عام 1992 قلت إنك كتبت لأنك تكره أن تكون شيطانا أخرس ..

 قلت: أود أن أضيف كلمة تعلمناها من شيوخنا كذلك:

-  من أفتى في مسألة، وتحرج من مسألة، بطلت فتواه.

وأنا لا أريد لفتواي أن تبطل!



ساد العلماء فَسُدْنَا.. وفَسَدُوا فَفَسَدْنا..

أنا مع الإرهاب

بكم تبيعون آية " ترهبون.."؟!..

شرم الشيطان والمسوخ لا شرم الفقهاء والشيوخ..

إن قتلتمونا فسوف نقتلكم بالمثل


بقلم د محمد عباس


www.mohamadabbas.net

mohamadab@gawab.com


طوال عمري، كلما حزبني أمر، يجعلني أوقن أن بطن الأرض أصبح أفضل من ظهرها، يُختزل التاريخ أمامي، ويتقلص الزمان إلى لحظة، فأتمنى أن أدفع عمري كله مقابل تلك اللحظة التي قد تنقلني من مدار الابتلاء إلى مدار الاصطفاء. 

أتوق إلى تلك اللحظة، حيث يلتمع النور في قلبي معشار ثانية ثم أموت. تكفيني من الدنيا هذه اللحظة فلا أريد سواها. فكأنما هي المادة الفعالة في دواء ينقذ من الهلاك وسواها غثاء قد يعطي لونا وقد يعطي رائحة لكن ليست فيه أي فائدة..

 مثل هذه اللحظة هي التي اقتنصها الحر بن يزيد في كربلاء، فقد كان واحدا من قادة جند الشيطان اللواء ابن زياد، بل وشارك في حصار سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين رضي الله عنه، لكنه- الحر- حينما حمي الوطيس، و أدرك أن سبط الرسول صلوات الله وسلامه عليه مقتول، ثاب إلى رشده، و آب إلى روحه، وعاد إلى ربه محدثا نفسه:

- لا عذر لنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قتل الحسين وبقينا وفينا عين تطرف.

ويواصل:

- اُخيّر نفسي بين الجنة و النار، فوالله لا أختار على الجنة شيئاً و لو قُطّعت و اُحرقت ... 

ثم يتوجه إلى زملائه من قادة جيش الشيطان مستنكرا:

- ألا تقبلون من هؤلاء ما يعرضون عليكم ؟والله لو سألكم هذا الترك والديلم ما حلَّ لكم أن تردوه.

 فأبى أتباع الشيطان ابن زياد.

فصرف الحر وجه فرسه، وانطلق إلى الحسين وأصحابه، فظنوا أنه إنما جاء ليقاتلهم، فلما دنا منهم قلب ترسه وسلّم عليهم.

ويتوجه الحر إلى الحسين رضي الله عنهما قائلا :

- ما ظننت أن القوم يبلغون بك ما أرى و أنا تائبٌ إلى الله فهل ترى لي من توبة؟"

وينشرح قلبه لإيماءة ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهتف قائلا:

- .. واللهِ لو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلّدين إلا أن فراقها في نصرك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها.

 ثم كرّ على أصحاب ابن زياد فقاتلهم، فقتل منهم رجلين ثم قتل رحمة الله عليه (البداية والنهاية- ابن جرير).

***

تلك هي اللحظة الناطقة الفارقة التي تنقل الإنسان من مدارات يكون فيها كالأنعام بل أضل إلى مدارات أخرى يبز فيها الملائكة.

كنت أفكر في تلك اللحظة فأتمناها لنفسي، و أتمناها لمن أحب من شيوخي .

أخاف مكر ربي و أطمع في وعده فأطلب مثل تلك اللحظة التي لا تدوم سوى سويعة أو بعض سويعة طامعا أن تضيق تلك السويعة وتختزل علها لا تتسع لوسوسة الشيطان فيحرمنا ثمرتها.

نعم.. فمن يقيس العمر على شهوات الدنيا  يجده أقصر ما يكون.. ومن يقيسه بالذنوب يجده أطول مايكون.. والكارثة أن في كل طول فتنة..

***

تلك اللحظة التي تقتصر على لحيظات كما حدث مع الحر بن يزيد.. أريدها كذلك.. و أخاف أن تتمدد لتشمل عمرا بكامله كما حدث مع المجاهدة البطلة – أحسبها كذلك- زينب الغزالي.. والتي كان يجب أن يكون هذا المقال عنها.. لكن ما جد من أمور أنقضت ظهري، وجعلتني أؤجل الكتابة عنها محاولا المسارعة لإطفاء نار شبت في قلوب قوم مسلمين.. والمؤلم حتى الموت.. أن من أشعلها هذه المرة .. كانوا هم بالذات من نهرع إليهم كي يطفئوا النيران حين تشب.. كانوا عمالقة من نوع الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ البوطي .. و أيضا.. وتلك كارثة أخرى: الدكتور الشيخ محمد إسماعيل المقدم.

***

كنت قد حاولت الاحتشاد للكتابة عن المجاهدة زينب الغزالي التي من الله عليها بعمر كان بطوله – إن شاء الله – في الطاعة والنجاة من الابتلاءات بالنجاح لا بالهروب ( و أرجو أن أكتب في مرة قادمة) .. ولم يكن السبب وفاة هذه المجاهدة الصابرة، فقد كان في تخطيطي منذ البداية أن الجزء الباقي من مقالاتي عن الإخوان المسلمين، أو بصورة أحرى عن المسلمين، يشتمل على ثلاثة فصول: فصل عن المجاهدة زينب الغزالي، وفصل عن جريمة كرداسة، والفصل الأخير عن درة المسلمين الشهيد سيد قطب. كنت أقول لنفسي: فليكن الولوج إلى هذا الجزء خلال باب شد ما يعذبني ولوجه، وشد ما يعذبني ما حدث للشهيدة على فراشها –إن شاء الله- زينب الغزالي. و أعددت المادة كلها.. فلما جد ما جد.. فصرفني عما انتويت قلت لنفسي : لعلي أقل من أن يكرمني الله بشرف الكتابة عنها.. أو لعل الله نزهها عن كلمة إنصاف تصدر في الحياة الدنيا التي هي أقل عند الله من جيفة أو جناح بعوضة.. ليدخر لها جزاءها كله في الآخرة..

***

كانت المصائب تتهاطل حولي.. ولم يعد في القلب سوى مزق أعجب كيف تستطيع الاستمرار وتنبض.. وكنت قد أدركت منذ أمد طويل أن الكارثة التي انقضت على رؤوسنا ليس منبعها فساد الحكام – لا نفيا لفسادهم الذي يبزون فيه الشيطان نفسه- بل فساد الأمة التي لو لم تكن هكذا لما وُلــِّــى عليها مثل هؤلاء الطواغيت المجرمين. إلا أنني ما لبثت حتى أدركت أن فساد الأمة لم يكتمل إلا بفساد العلماء.. وانحراف الفقهاء .. وجلد الفاجر ووهن الثقة..

كانت المصائب تتهاطل حولي.. وكنت أرى عجز الأمة فينفطر قلبي ويكاد عقلي ينفجر.. وكانت تجربة العراق ماثلة أمامي.. فصدام حسين ليس أقوي من جورج بوش.. والجيش العراقي ليس أقوى من الجيش الأمريكي.. ولا المخابرات العراقية أكثر وحشية وفظاظة وقسوة من المخابرات الأمريكية.. وبالرغم من ذلك فإن أمتنا في العراق لم تواجه صدام حسين.. وحين واجهه البعض كانت المواجهة ضعيفة ومحدودة.. وهذه الأمة التي نكصت عن مواجهة الأضعف نهضت لتواجه الأقوى والأعنف والأشرس إلى ما غير حد.. والأمة التي سيطر عليها صدام حسين عقودا لم يستطع المجرم المجنون جورج بوش أن يسيطر عليها أسابيع قليلة، فخرجت عليه، ومرغت في الطين والدم أنفه..

كان التناقض بينا ..

في حالة صدام حسين كان ما منع الناس هو الحلال والحرام.. وشبهة الخروج على حاكم قد يكون مسلما.. وعندما انتفى هذا الحاجز الشرعي  مع الوحش المفترس بوش.. كان ما كان. .. و أذل الشعب الأعزل إلا من إيمانه أقوى الإمبراطوريات و أكثرها تسليحا عبر التاريخ..

في حالة المجرم بوش لم يستطع فقهاء الشيطان أن يسوغوا للأمة نبذ الجهاد و إلا كشفتهم الأمة.. لم يستطيعوا ذلك إلا على سبيل الاستثناء من مسوخ كالعبيكان والعبيكانيين كانت فتاواهم الشيطانية داعمة للجهاد لا مثبطة له.. لأنهم كانوا قد بلغوا شأوا مسشتفزا من امتهان العقل لا يمكن أن يقبله أي عقل.كانت فتاواهم مثيرة للاشمئزاز والغضب. وفي الجانب الآخر لم يكن أمام باقي العلماء من سبيل لكبح جماح الأمة عن الجهاد والاستشهاد.. فالقضية واضحة والفتوى فيها يعلمها العالم والجاهل..

***

إذن.. فالمسئولية الكبرى تقع على عاتق العلماء.. فلو أنهم وحدوا أمرهم.. وعبدوا ربهم.. وبينوا للناس – قبل حدود الحلال والحرام – حدود الإيمان وحدود الكفر.. حدود من لم يحكم بما أنزل الله.. لما كان ما كان..

هالني الأمر..

قلت لنفسي أن الحكام قد نجحوا في توظيف العلماء كي يقوموا بعكس دورهم تماما.. ولكي يكونوا كمسمار يغرسونه بين التروس التي تشكل محركات الأمة.. فيمنع هذا المسمار تلك التروس والمحركات من الحركة.. أو يحطمها تحطيما إذا ما أصرت وتحركت..

هالني الأمر عندما تكشف لي أن السر في استمرار البلاء هم العلماء والفقهاء..

وهالني الأمر عندما اكتشفت أن الإسلام – مجازا - قد تم الاستيلاء عليه لكي يوظف في مصلحة السلطان والشيطان.. تماما كما كان الإنجليز يجندون المسلمين لحرب المسلمين..

الآن ليس الإنجليز بل شيوخ يرتعون تحت ظلال المسجد الحرام والجامع الأزهر..

يوظفون الإسلام ضد الإسلام ويحاربون الإسلام بالإسلام ( لا تنسوا أن الأزهر يصفي الآن تحت سمع وبصر رجاله، و أن وزير الأوقاف في مصر يتقرب إلى الله بالمعاصي، ويكاد لا يجد في الدين شعيرة قائمة إلا حاول هدمها، ولا تنسوا أن مستشاره عليهما من الله ما يستحقان، شديد التحمس للمرتدة الشاذة أمينة ودود.. والطيور على شكلها تقع.. والخنازير أيضا!)..

هالني الأمر حين اكتشفت أن فقهاء الشيطان يدعون لإسلام ليس هو الإسلام.. ولاستسلام ليس من الإسلام في شيء.. وأنهم يكرسون المظالم ويتسترون على الظالم.. ويصدقون الكاذب ويكذبون الصادق ويرفعون أسهم الكافر ويكفرون المجاهدين.

كنت أصرخ : هل أصاب العلماء وباء؟! أم أصاب الفقهاء عماء؟!.. 

كنت أصرخ فيهم بعد أن جرفهم الطوفان ليسموا الجهاد إرهابا فيدعون إلى مقاومته:

- بكم بعتم آية: ".. ترهبون .."..؟!..

- بكم بعتم آية : " .. ترهبون .."..؟!..

***

هالني الأمر.. وقلت لنفسي: من المستحيل أن يقف فقهاؤنا عاجزين عن مواجهة الكارثة.. واقترح علىّ بعض الأصدقاء أن أقوم بزيارة واحد من أكبر علماء الحركة السلفية في مصر – وبالتالي في العالم- وهرعت إلى العالم الجليل.. و أنا جاد في وصفه بالجليل.. بل إنني مدين بضبط إيماني والولاء والبراء وتصحيح توحيدي لله إلى الفكر السلفي عامة فلا أنسى له هذا الفضل أبدا.. ذهبت إلى الشيخ الجليل.. ورحت أحاوره ساعات وساعات .. وكنت أستصرخه أن الأرض عطشى إلى دماء الشهداء.. لكن ليس أي شهداء.. بل الشهداء من العلماء.. دمهم المبذول الآن هو الذي يستطيع أن يوقف الطوفان.. فليستشهدوا إذن.. إن دماء عشرة أو عشرين أو مائة أو حتى ألف عالم شهيد ليست بغالية في سبيل وقف انهيار المسلمين.. ودماء هؤلاء هي التي قد تردع الطواغيت الذين باعوا الدين كله وباعوا الأوطان وباعوا الأمة ولا يمنعهم من الجهر بالكفر إلا خوفهم من شعوبهم.. فليكشف العلماء نفاق الطواغيت وخيانتهم.. قلت للشيخ الجليل أن ما لا أطيق البوح به هو شعوري أن علماء السلف في مصر والجزيرة العربية قد خذلونا.. لقد قادونا إلى الصواب.. و إلى تنقية عقائدنا من البدع.. وظننا أنهم لن يتخلوا عن الصدارة والقيادة أبدا ولن ينكصوا عن دفع ثمن الجنة والرضوان أبدا حتى ولو استشهدوا عن بكرة أبيهم. وكنت واثقا أن سلطان الطاغوت في مصر والجزيرة لن يجرؤ على مزيد من انتهاك حرمات الدين خوفا منهم ومن أتباعهم.. لكن استسلام عدد كبير من علماء السلف كان مذهلا قبل أن يكون فاجعا.

كيف تسلل الوباء إليهم؟..

وكيف يسيطر العماء عليهم؟..

كنت أحاور الشيخ الجليل وكان يحاورني..

وكنت أقاوم البكاء..

فالشيخ الذي هرعت إليه ليحث العلماء على الاستشهاد.. كان مهزوما من داخله.. وبدا أنه مرعوب من مباحث أمن الدولة.. و أن أقصى ما يطمح إليه أن يتركوه في حاله و أن يسكتوا عنه.. كان مختلفا تماما عما كان عندما قابلته منذ سنوات حيث خلب فؤادي بقوة إيمانه وجرأته بالحق لا على الحق حتى قلت لنفسي أنه لا توجد قوة في الدنيا قادرة على تخويفه هو أو تلاميذه أو النيل منهم.. كان واثقا أننا الأعلون.. وكان واثقا من النصر.. في هذا اللقاء انعكس هذا كله.. بدا لي الشيخ يتصرف كما لو كانت جلستي معه مسجلة بالصوت وبالصورة و أنه سيواجه بالحساب العسير بعد انصرافي مباشرة.. وتصورت أنه لا يرد على تساؤلاتي بل يدفع عن نفسه اتهامات ضابط بمباحث أمن الشيطان التي سيوجهها له بعد ساعة أو بعض ساعة.. بل لقد عبث بي الخيال فقلت لنفسي أنه يتصرف كما لو كان خلف تلك الستارة التي يحركها الهواء ضابط أمن دولة شاهرا سلاحه.. و أن ضابط أمن الشيطان هذا سيطلق النار عليه على الفور إن أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو نطق كلمة حق أو حاول أن يغير منكرا بيده أو حتى بلسانه.. ولم يستطع الشيخ الجليل أن يقول أنه يخالف الشرع بموقفه ذاك.. ولا حتى أن يقول أنه يتخذ الرخصة سبيلا إلى الأمن الشخصي.. حيث لا تجوز الرخصة لعالِم يزلّ بزلّته عالَم.. بل راح يبرر موقفه بغطاء شرعي بحجة أن الأمر ملتبس و أنه لا يجوز الخروج على الحاكم إلا إذا بدا منه كفر بواح.. وكنت أصرخ فيه: هذا أمر فيه خلاف.ثم أن الرأي الذي تتبعه ليس الوحيد فهناك آراء فقهية أخرى.. ثم .. ماذا إن أخفي الحاكم كفره كجزء من المؤامرة على الدين وعلى الأمة.. أيعجز الإسلام أمامه؟ أيعجز الإسلام عن أن يسحب حصانته عمن يسخرون منه ويستهزئون به ويشنون أعتى الحملات للقضاء عليه.. هل بلغنا هذا الحد من السذاجة والبله الذي يجعلنا نمنح حصانة الإسلام لكل من لم يعترف بصريح الكلمات أنه كافر.. رغم أن كل أفعاله تنطق بذلك.. كما أن كل كلماته تقولها بالتلميح الصريح و إن تجنبوا النطق بكلمة الكفر بعد أن فهموا من أين نؤتى..

وحتى من نطق .. ومنهم مئات من الكتاب وحاكمين عربيين على الأقل.. عجز الفقهاء عن دمغهم بالكفر.. وحتى كلاب من كلاب جهنم كأدونيس والعظمة وخليل عبد الكريم وسيد القمني عجز الفقهاء عن مواجهتهم.

كنت أصرخ في الشيخ الجليل:

- لا تصمتوا.. لا تنتظروا حتى يتسرب من بين أصابعكم الدين كله.. لا تصمتوا.. فإن عجزتم فواجهوا الناس إذن بأن الفقهاء عجزوا عن مواكبة التحديات.. واجهوا الناس وقولوا أنكم عاجزون عن الفتيا.. قولوا ذلك وتوقفوا عن الفتيا كلها لأن ما تفتون به الآن يصب في صالح بوش والشيطان.. وضد المجاهدين..

وواصلت الهتاف بطعم النحيب:

- لا تصمتوا.. أو فاعترفوا للناس قائلين: لا تعتمدوا علينا في قيادتكم كعلماء ولا في الفتوى لكم كفقهاء..

وارتفع صوتي مشتعلا بالغضب كشواظ من نار و أنا أقول له:

- قولوا للناس دعكم من الإسلام، فالإسلام ذخيرة لم تعد وسائل إطلاقها موجودة.. الإسلام قنبلة نووية لا يوجد لدينا من يحملها وما يحملها.. والإسلام صاروخ هائل نجح الأعداء في التشويش على أجهزة توجيهه فما عاد – حين يطلق – يصيب أحدا غير المسلمين.. قولوا للناس: الإسلام لا يدعمكم في معركتهم هذه.. الإسلام – بتفسيرنا -  سيقف على الحياد بينكم وبين الشيطان وبينكم وبين السلطان وبينكم وبين شارون وبوش وبريمر وطالباني وكل أسرة الشيطان.. أما نحن العلماء والفقهاء فإننا نعترف أننا رضينا ولاية الكافر على المؤمن فلا تصدقوا فتاوانا ولا تعملوا بها..

ثم واصلت وقد بلغ الغضب مني غايته:

-  قولوا للناس أنكم عجزتم عن حماية الإسلام.. فإن أردتم إلقاء اللائمة على الإسلام فقولوا لهم أن الإسلام – حاش الله- عاجز عن الدفاع عن نفسه.. قولوا للناس دعكم من موقف الإسلام وانسوا أنكم مسلمون.. نعم إنسوا أنكم مسلمون واذهبوا ودافعوا عن أوطانكم وشعوبكم وشرفكم وكرامتكم واستقلالكم، نعم.. اذهبوا ودافعوا.. ليس دفاع الجهاد في سبيل الله بل كما دافع الهندوس والبوذيون والملاحدة عن إلحادهم و أوطانهم وشعوبهم وشرفهم و أموالهم.. دافعوا بالعصبية عصبية الجاهلية الأولى.. دافعوا بالقبلية النتنة.. أما الإسلام فلا تنتظروا منه عونا ولا دعما لأنه – بتفسيرنا وفتاوانا -  على الحياد.. ولأننا توقفنا عن تكفير الكافر لأننا نخشى أن يظلم أحدا في هذا الوضع الملتبس.

***

أعترف أن الشيخ الجليل قابل ثورتي بصبر جميل لكنه لم يتعد الشكوى مما يفعله الأمن بهم..

واجهني الشيخ بالصبر الجميل.. أما تلامذته فقد انقسموا قسمين، قسم أدانني بحجة أنني تجاوزت حدود اللياقة  فما هكذا ينبغي الحديث إلى العلماء.. وقسم قال: ليتك قابلت الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم..

***

حزبني الأمر وصرفني عن السعي للقائه هموم و أمور..

والدكتور محمد إسماعيل المقدم قيمة فكرية وعقدية شامخة جدا كما أنه كاتب موسوعي لا يشق له غبار.. و أعترف أنني كنت أوافقه في جل ما يكتبه عدا خلاف معه في تقدير الأولويات و هو أمر ناقشته معه منذ أعوام. أقول نا قشته.. لا مناقشة الند بل مناقشة الطالب الباحث عن الحقيقة في مناجمها.

ولكي نعرف قيمة الحركة السلفية وفي القلب منها الدكتور محمد إسماعيل المقدم فإنني أجرؤ على القول أنني اعتبرتها الحركة التي تعود بالإسلام إلى صورته الأولى وإلى صفائه حين أنزل. بل و إنني أجرؤ على القول أنني كنت أعزي نفسي بثبات الحركة السلفية حين تثمر الضغوط والحسابات السياسية على رموز شامخة كالشيخ يوسف القرضاوي، فيصدر منه ما لا نتصوره منه من مواقف أو تصريحات.. وكنت أقول لنفسي: الحمد لله الذي ثبت هؤلاء على دينه.

***

لشد ما يصعب علىّ أن أضيف لهؤلاء قيمة شامخة مثل الدكتور محمد إسماعيل المقدم لكن فتاواه الأخيرة تصب في مجرى الهزيمة.. ولست ندا للرجل في علمه ولا مساويا له في فضله لكنني أظن – وبعض الظن فقط وليس كله إثم- أن الأمر لا يتعلق بعلم وإنما بتنزيل على الواقع يخضع لضغوط سياسية، أخشي أن تكون استجابات علماء السلف – وهم أساتذتنا وقدوتنا بلا شك - تجاه الواقع القاسي الرهيب كاستجابات الصوفية ذات يوم عندما دهمتهم الابتلاءات فتخلوا عن الجهاد.. وغرقوا في بحر لجي أقله صحيح و أكثره باطل.. بل وشرك.. ولم يكن الأمر تطبيق شرع.. ولا حتى تقية .. و إنما كان نكوصا عن الجهاد و إيثارا للسلامة..

*** 

بعد التفجيرات الأخيرة في لندن تحدث الدكتور المقدم في خطبة عنوانها "تفجيرات لندن والبعد الغائب " ليدين بعنف وبشدة المسلمين المتشددين الذين اقترفوها .

وبادي ذي بدء فإنني أطرح رأيي صريحا دون مواربة، فأنا مع الإرهاب الذي "ترهبون به عدو الله وعدوكم" كما أنني ضد الانسياق خلف الغرب – وهو كافر- في تسمية العنف أو الحرابة أو الترويع إرهابا كي يرغمنا على التنصل من مقتضيات آية في القرآن.. ولست أدري كيف وافق علماؤنا على ذلك وبكم باعوا آية "ترهبون".

نعم.. أنا مع الإرهاب الذي لا يخلو كتاب من كتب الاستراتيجية منه.. والذي بمقتضاه يتم إرهاب العدو – بل والصديق أيضا- لردعه عن العدوان تحسبا ووجاء من رد الفعل المحتوم.. بل إنني أؤكد أنه لا يوجد نظام حقيقي أو دولة محترمة في التاريخ إلا وهي تملك وسائل الإرهاب ( الردع ) هذه.. 

أنا مع إرهاب من ذلك الذي منع أمريكا من إفناء روسيا والصين بقصفهم بمئات القنابل النووية قبل أن يصلا هما إليها.. وظلت الخطة في انتظار التنفيذ حتى وصل الاتحاد السوفيتي – لا رحمه الله – إلى سر القنبلة النووية فأرهب أمريكا فتوقفت عن محاولات سحقه..

السحق الذي تفعله فينا الآن.. لأننا لم نرهبها..!!..

السحق الذي لابد أن يدفعنا – ضمن ما يدفعنا – إلى صناعة القنبلة النووية نرهب بها عدو الله وعدونا.. ورغم أنني أدرك أن الإسلام في جوهره يحرم استعمال كل أنواع أسلحة الدمار الشامل.. لكن .. و أيضا وفي نفس الوقت.. الإسلام يحرم القتل لكنه جعل من القتل في القصاص حياة.

ما أريد إثباته أيضا أن قتل المدنيين في عمومه مرفوض..لا بالرأي والهوى بل بأحكام الشريعة الصارمة، والتي تجعل من قتل نفس بغير نفس كقتل الناس جميعا. وما أريده و أطالب به، ألا نقتل من الأمريكيين نفسا بنفس.. يكفيني نفسا أمريكية واحدة مقابل نفوس عشرة من المسلمين!!..بل مائة.. بل ألفا..  فهل يفتي فقهاؤنا بذلك.. أم يظل الدم المسلم يسفك بلا ثمن؟!..

نعم.. قتل المدنيين حرام شرعا.. ولكنني بفقه الأولويات أقول أن ذلك الرفض ينصب على المدنيين المسلمين قبل سواهم.. فإن أصاب الأمر المسلمين فليكن الأمر سجالا وعقابا بمثل ما عوقبنا به.. ليأمن المدنيون جميعا أو ليتهدد الخطر الجميع. 

إن أمريكا التي تقتل مئات الآلاف تكتفي بمبرر وحيد لا تعقيب عليه، هو أنهم مشتبهون، فإذا تأكد أنهم مدنيون لا تجشم نفسها عناء الاعتذار.. فالاشتباه مبرر كاف للقتل. ثم أن حكاية المدنيين والعسكريين التي لاكها كثير من شيوخنا حتى مججناها تفسر على هوى الصليبيين واليهود. فكل مشتبه من المسلمين مباح دمه، أما الأمريكيين فلم يبق إلا أن يفتي شيوخنا بضرورة موافقة الجيش الأمريكي والمخابرات الأمريكية على قتل الأمريكي قبل قتله و إلا جاز اتهامنا بالإرهاب!.. ولم يقدم شيوخنا أي تعريف للعسكري، وهل ضابط المخابرات عسكري أم مدني؟! وهل المرتزق عسكري أم مدني؟! وهل عالم الصواريخ عسكري أم مدني، وهل لص البترول عسكري أم مدني ( تذكروا تهديد أمريكا بقصف  المفاعل النووي الإيراني بمن فيه من مدنيين.. وتذكروا كيف قامت هذه الخنازير البشرية بقصف محطات الكهرباء والمياه والمجاري كأهداف استراتيجية استشهد أثناء قصفها آلاف العراقيين دون احتجاج على قتل المدنيين).. هل تمويل العمليات العسكرية عمل عسكري أم غير عسكري( أغلقت أمريكا حتى مؤسسات الزكاة ونكلت بالمشرفين عليها).. ولنتذكر على سبيل المثال المحكمة الأمريكية الفاجرة التي حكمت على  الشيخ محمد علي حسن المؤيد – الفقيه اليمني-  بالسجن 75 عاما. كانت أمريكا قد استدرجته بطريقة خسيسة إلى ألمانيا.. ثم ألقت القبض عليه.. حتى المحكمة الفاجرة للبلد الفاجر ذي الحضارة الفاجرة  كانت قد برأت الشيخ الجليل  من الاتهام بتمويل فعلي لشبكة القاعدة، لكنه أدين في بند آخر يتعلق بتوفير دعم مادي وموارد أخرى لحركة حماس. رغم أن تمويل حماس ليس مجرما في أي بلد عربي أو إسلامي.. ظاهريا على الأقل. فهل المؤيد مدني أم عسكري. هل الشيخ عمر عبد الرحمن مدني أم عسكري. ولماذا لا يتذكر جل شيوخنا حكاية حرمة قتل المدنيين إلا إذا كان المجرم المقتول أمريكيا.

*** 

نعم.. أكرر أنني ضد قتل المدنيين جميعا.. وفي الصف الأول منهم المسلمون.. والمحزن بل المخجل أن أصوات جل فقهائنا لا ترتفع إلا إذا كان القتلى من غير المسلمين.. فإن كان القتلى مسلمين خيم عليهم صمت القبور.. بل إنهم عليهم من الله ما يستحقون.. يبلغ شجبهم لقتل كلب أمريكي غاصب عنان السماء.. فإن كان منا مائة ألف قتيل اكتفوا بالرفض الهامس الوجل.. ودون عقد أي مقارنة أو سببية بين هذا وذاك.

النقطة الأخرى التي أود التركيز عليها أننا لسنا مدانين ولا جناة بل نحن الضحايا.. و أن أي استسلام منا لتوصيفاتهم الظالمة تشبه إقرارا بجرائم لم نرتكبها.. فإذا ما أقررنا بها كان ذلك اعترافا باستحقاقنا للازدراء والعقاب.

النقطة التالية هي أننا برغم كل شئ ما زلنا خير أمة أخرجت للناس وسنظل كذلك حتى أبد الآبدين، إنني أعرف أن الأمر مرتبط بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنني أعرف في نفس الوقت، أننا مهما بلغنا من سوء وذنوب ومعاصي، فإننا أفضل بكثير من الأمم الأخرى، فقيمنا أفضل، و أخلاقنا أفضل، وبقايا عقيدتنا أفضل و أصح.

النقطة التالية هي أننا لم نكن إرهابيين أبدا.. أما الصليبيون واليهود فلم يكفوا عن الإجرام والتوحش والسرقة أبدا..

لسنا إرهابيين..

لسنا بحاجة للدفاع عن أنفسنا بل نحن في حاجة للهجوم على أعداء الله والإنسان..

لسنا في حاجة إلى دفع اتهام بل نحن في حاجة إلى توجيه ألف اتهام.

في كتاب خطير بعنوان " الغارة على العالم الإسلامي" يصرخ الدكتور ربيع بن محمد بن علي

الأستاذ بالجامعة الإسلامية منددا بالإرهاب الذي يمارس ضد الإسلام والمسلمين.. ضد الهجمات التترية التي يشنها مغول هذا العصر على المدنيين العزل وانتهاك حرماتهم وحرمات مساجدهم وإمطارهم بالقنابل المحرمة .. ويفضح الكاتب كيف قامت ممالكهم على الاستعمار والأكاذيب والأضاليل وقلب الحقائق بعد أن جعلوا من المقاومين لكل احتلال متمردين، ومن المدافعين عن كل عرض ووطن إرهابيين والذابّين عن شريعة ربهم متطرفين، وبعد أن جعلوا من كل غاز يريد فرض عقيدته وزائف ديمقراطيته على المسلمين بطلاً، ومن كل أثيم يسلب أرضاً أمّنها الله أو يعذب نفساً عصمها الله أو ينتهك عرضاً حرمها الله مغواراً. 

يفضح الكاتب عوار حضارة الغرب باحتلال بلاد المسلمين إثر اختلاق أسباب واهية.. وتهاوت مدنيتها ورقيها في أبشع صورة باستخدامها هي- في إهلاك الحرث والنسل- ما جاءت لحماية الشعوب منه من قنابل عنقودية وفوسفورية وسامة وحارقة وبيلوجية وكيماوية إلخ وبكميات تقدر بآلاف الأطنان، وبتوفير غطاء لغطرسة ربيبتها إسرائيل، وبمحاولاتها اليائسة في القضاء على الوجود الإسلامي، وبنشرها العري والفساد والزنا والمسكرات والبلطجة والخنا، وبممارستها لكل أساليب البطش والأعمال السادية، وبفرضها حكومات صورية تخدم مصالحها وسياسات قمعية تكشف عن أطماعها ومناهج وضعية تبين عن نواياها في بسط سيطرتها وعقيدتها في بلاد المسلمين ... انكشف عوار حضارة الغرب بإذلال العجائز والمستضعفين من المسلمين في العراق وغيرها وبقتل الأطفال وباغتصاب المحصنات الغافلات .. وتهاوت مدنيتها ورقيها في سجن أبو غريب ومستشفيات  ... انكشف عوار حضارة الغرب بقتل الجرحى العزل داخل دور العبادة وبهدم المساجد وإكراه الناس على اعتناق المسيحية التي المسيح منها براء .. وتهاوت مدنيتها ورقيها بترك الجرحى عمدا ينزفون وبدك المستشفيات على من فيها وبمنع جهود الإغاثة من أن تصل إلى مستحقيها قبل أن يقضوا نحبهم .. انكشف عوار حضارة الغرب بالمروق من الاتفاقيات الدولية وقوانين الأمم المتحدة ولوائحها.. وكلها تقضي بحظر قصف المناطق السكنية وانتهاك دور العبادة والأماكن التاريخية والثقافية والانتقام تحت أي ظرف من الظروف من المدنيين العزل .. وتهاوت مدنيتها ورقيها بسكوت أصحابها بل وبإقرارهم هدم البيوت على الفلسطينيين وإخراجهم في كثير من الأحيان من ديارهم بعد سحلهم ورميهم كالكلاب في الميادين العامة يجترون الآلام والأحزان ليكونوا عبرة لغيرهم ممن يأبون الظلم ويتمسكون بالكرامة .. انكشف عوار حضارة الغرب برضائها عما ارتكبه شارون في صبرا وشاتيلا من مذبحة راح ضحيتها ألفي مدني أصدر أوامره ببتر أعضائهم وسحق رؤوس أطفالهم وإعدام رجالهم في الشوارع واغتصاب نسائهم، وعما ارتكبه في دير ياسين من قتل ما يقرب من 360 فلسطينياً في أبشع مجزرة شهدتها الإنسانية، وعما قام به من نسف أكثر من 400 طفل وسيدة وشيخ في (رام الله) أدار ظهورهم للحائط وراح يفرغ الرصاصات في أجسادهم، وعما ارتكبه في كفر قاسم من قتل وجرح 57 بينهم أطفال ونساء وعندما اضطرت الحكومة الإسرائيلية أمام سخط الرأي العام للتحقيق معه قال بكل فخر إنه "سعيد بارتكاب مذابح ضد العرب"، وعما فعله بنفس المنطق بعد تعيينه قائداً للقوات الإسرائيلية أثناء العدوان الثلاثي حين قام بأسر 300جندي مصري وأمر بدهسهم بالمدرعات وهم أحياء، وعما فعله عندما هاجم في نفس العام غزة وخان يونس وقام بتجميع 25 جندياً من الحرس الوطني الفلسطيني وأطلق عليهم النيران، ولم يهدأ له بال حتى توجه إلى مستشفى البلدة وقام بقتل المرضى والأطباء ثم قام بتجميع80 شاباً من الشوارع ليطلق النيران عليهم واحداً تلو الآخر حتى أجهز عليهم وترك جثثهم لمدة ثلاثة أيام لمزيد من الإرهاب للأهالي .. وتهاوت مدنيتها بتصديقها بعد كل ما ذكرنا بما يشيعونه من أن هؤلاء هم شعب الله المختار وأنهم يفعلون ذلك استعجالاً لمجيء وعودة المسيح الذي سيحكم القدس بعد أن تطهر من نجس المسلمين. 

يصرخ الكاتب من انقلاب الصورة واتهامنا نحن بالإرهاب، وأصرخ معه عندما أسمع بعض شيوخنا يكررون حديث إفك الغرب.. وكأن ما ذكرنا نتفاً منه وما يجري على الساحة العراقية والأفغانية يحدث على كوكب آخر، أو كأننا معاشر أتباع محمد الذين نسعى للصدام .. وكأننا نحن الذين ذهبنا لنغزو بلادهم وندمر أوطانهم ونستولي على ثرواتهم.. ونقتل رجالهم وأبناءهم ونغتصب نساءهم.... 

*** 

نعم.. ليس لدي أي استعداد للاعتراف بأن المسلمين إرهابيون.. وليتهم كانوا.. وليتهم يكونون!!

لست مستعدا لتلقي قائمة اتهامات بل لتدبيج قائمة اتهامات بعض  شهودي فيها ضباط إسرائيليون ألفوا كتابا خطيرا بعنوان: " التمرد" وهو أحدث واخطر كتاب صدر في إسرائيل يضم شهادات حية لثمانية من ضباط جيش الدفاع أعلنوا العصيان ورفضوا الخدمة في جيش الاحتلال في الأراضي الفلسطينية وهو تجسيد حي لأبشع أنواع العنصرية والإرهاب وجرائم الحرب بالتواطؤ مع النظام السياسي والهيئة الدينية والنظام التعليمي وجميع أجهزة الدولة . وبعض شهودي أيضا كتابات الأمريكيين أنفسهم. وبعض شهودي نعوم تشومسكي.. و رامزي كلارك.. وجيف سيمونز.. وجوانتانامو و أبي غريب..

*** 

لم أكن إذن أتوقع هجوما من عملاق جليل كالشيخ محمد إسماعيل المقدم على شباب المسلمين في لندن.. ولا كنت مستعدا لسماع إدانته وازدرائه للمجاهدين.

منه نتوقع أن يوقر الأكبر ويعلم الأصغر.. لا أن يزدريه ويهاجمه.. ولأنكي أن يتواكب هذا الهجوم والازدراء مع الهجوم الصليبي الصهيوني عليه.

لقد تحدث الدكتور محمد إسماعيل في خطبة بعنوان : "تفجيرات لندن والبعد الغائب " مسجلة ومفرغة عن المعاهَد، وعن بلاد المسلمين وعن عقد أمان..

تحدث الشيخ كما لو كنا في بلاد إسلامية و كما لو كان هناك ولي أمر.. و أنزهه أن يكون كالعبيكان يرضى أن تكون المسوخ الشائهة التي تحكمنا ولاة أمر. وكيف يكونون ولاة أمر لشعوبهم وهم لا يستطيعون أن يكونوا ولاة أمر لأنفسهم.. وليهم الشيطان.. وبوش.. وشارون..

ولقد تحدث الشيخ  عن واجب احترام الشرع وآدابه وأحكامه، وعن العواقب التي تحصل نتيجة هذا الفعل غير الناضج وغير المنضبط بالشرع الشريف. وعن وتأثير مثل هذه الحادثة على الجالية الإسلامية في مثل هذه البلاد.. 

ثم واصل الدكتور محمد إسماعيل :أنا لما سمعت بالخبر الخاص السفير لم أجزع على الإطلاق، كنت مطمئن للغاية أن هذه عملية (تهويش)، فما توقعت أبداً يحصل القتل بهذه الطريقة، مع استبعاد البُعد، يعني بغضِّ النظر عن أبعاد أخرى. لكن أقول ما وُضع في اعتباركم الثِّقَل السياسي لمصر في الأوضاع الحالية، وأنكم تجيّشون كما هائلا من المسلمين وتصدمون مشاعرهم بمثل هذا التصرف، لم يوضع هذا في الاعتبار على الإطلاق.

ما نلحظه في مثل هذه الأحداث أن هناك استئثاراً بالرأي، وأجاب كل ذي رأي برأيه، والفتاوى تَصدر وتُنفذ من أناس لا يدرى مقدار علمهم ولا تحصيلهم ولا مؤهلات الفتوى عندهم، فهم يقتحمون الفتوى، ويستبدون بها، ويُلزمون كل الأمة بتحمل عواقبها مهما كانت نظرتهم.

أيضاً موضوع الإنترنت والمصائب التي تجيء من الإنترنت، فكل واحد يريد أن يقول شيئاً يقوله، وطبعاً هذه إساءة أخرى للإسلام، لأنه أحياناً تصدر بعض التصريحات من الشباب عجيبة جداً، وهذه مرصودة بلا شك من أعداء الإسلام، ويبنى عليها المواقف، فموضوع الفوضى العارمة في الإنترنت، وما يحصل حتى من ممارسة بعض الشباب إرهاب على العلماء، إرهاب على الشيوخ، إن لم توافقني فأنت كذا وكذا، ويحصل ما يحصل في هذه الأحداث.

هذا الكلام كنت كتبته أيام المشاكل التي كانت تحدث في الجزائر، وهذا نموذج، ونحن لا نعتبر للأسف، الجزائر كان يحدث فيها مذابح رهيبة، لدرجة أن الواحد من شناعتها ما كان يصدق أن هناك إنسان أصلاً ينتمي للإنسانية أو لآدم عليه السلام ويَقوى على فعل هذا: يبقر بطون الحوامل، ويذبح الأجنة، وهم مسلمون، لماذا؟، لأنه يكفر هؤلاء الناس، فيستحلُّون دماءهم، و يفعلون هذه الجرائم الوحشية.. ينزلون على القبيلة يذبحوها كلها، وهذا جهاد!! ما السبب؟ السبب انحراف الفكر الذي يؤدي إلى انتهاك حرمات الله سبحانه وتعالى وانتهاك حرمات المسلمين، لأن من لم يوافقوهم في مشربهم يكفرونهم، وبالتالي عواقب التكفير مثل هذه التصرفات، لعلكم تابعتم ذلك في الجزائر.

***

يعلم الله كم يصعب علىّ انتقاد الشيخ الجليل..

ولكن ما هو أصعب من الصعب و أمر من العلقم و أصعب من السير على خرط القتاد، أن ألمح في حديثه انحرافا فكريا – لا أجرؤ على أن أقول عقديا- لا شك فيه. إن الإدانة جلها إن لم يكن كلها موجهة للمسلمين أينما كانوا.. و ألفاظ كالمعاهد وعقد الأمان ودار الإسلام تستعمل في غير محلها، كما أن الشيخ الجليل تحدث – مشفقا – على الجالية الإسلامية في الغرب وما تعانيه بسبب طيش إخوانهم من الإرهابيين. متجاهلا أمورا في الشرع ما كان يجب له أن يتجاهلها، ومنها إن الجالية الإسلامية في الغرب إن لم يكن مباحا لها الدعوة لدينها فليس الغرب لهم بدار مقام. كما تجاهل إحصائيات مرعبة أورد بعضها جيفري لانج في كتابه" حتى الملائكة تسأل" ومن هذه الإحصائيات أن 90% من أبناء و أحفاد الجاليات الإسلامية في أمريكا يمرقون من الإسلام. فهل هذا هو الوجود المريح الذي يدافع شيخنا الجليل عنه؟!.

ويتحدث الشيخ الجليل عمن قام بعمليات الإرهاب بازدراء شديد و إدانة بلا حد ليقع في أخطاء فادحة. إن الإسلام لا يعرف الازدراء ولا السخرية فلا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم.. وكفي بالمرء شرا أن يحقر أخاه المسلم، ومن ظن أنه علم فقد جهل. ثم أن شيخنا الجليل قد افترض أن من اشتبهت فيهم السلطات البريطانية هم الذين قاموا فعلا بهذه العمليات متجاهلا احتمالات لا أول لها ولا آخر.. منها أن يكون ما تم قد تم بالاختراق.. وتاريخ المخابرات – خاصة الأمريكية والروسية والسوفيتية – حافلة بمثل ما نقول، وقد تمرست فيه إلى الحد الذي لا يدرك فيه القائم بالعمل أنه مدفوع .. ومنها على سبيل المثال أن يكون الأمر تدبيرا للموساد فيه ضلع وما فضيحة لافون عنا ببعيدة ( قام الموساد منذ نصف قرن بتفجيرات في القاهرة والإسكندرية ضد المصالح الغربية ليثير الغرب على مصر.. واكتشفت المؤامرة بالصدفة عندما اشتعلت إحدى القنابل في جيب أحد الجواسيس قبل موعدها)..

 ودعنا الآن من أنه بعد خمسين عاما قام الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف بتسليم رسائل شكر إلى ثلاثة من عناصر الشبكة الذين ما زالوا على قيد الحياة وجميعهم في العقد السابع من العمر وهم مارسيل نينيو وروبرت داسا ومئير زافران. هكذا عاملت إسرائيل إرهابييها المجرمين كأبطال مجاهدين لكن شيخنا الجليل اعتمد مقولات الإعلام الغربي دون أي اعتبار آخر فعامل الأبطال المجاهدين كإرهابيين مجرمين بغض النظر عن الصواب والخطأ في الاجتهاد... وهو حين فعل ذلك.. وحتى على فرض صحته قد وقع في خطأ آخر.. لقد تعامل فكريا مع هؤلاء الأفراد كما لو كانوا دولة لديها مؤسساتها و أجهزتها التي تستطيع التدبير والتخطيط والاختيار ودراسة الاحتمالات والعواقب.. وكل ذلك – للأسف – غير صحيح. لنفترض أن كلام الشيخ الجليل صحيح.. و أن الذين يهاجمهم غلمان وجهلة من نتاج عصر الإنترنت الذي دفعهم للتطاول على العلماء، لنفترض هذا ولنضعه في إطاره الصحيح بأن نضرب مثلا، فلنفترض أن الشيخ الجليل نكص عن إمامة المصلين في مسجده، ولنفترض أنه انسحب من المسجد، وتلاه تلاميذه تلميذا بعد تلميذ وصفا بعد صف، ولم يبق في المسجد سوى بعض الصبية من الجاهلين، فهل تسقط فريضة الصلاة عنهم؟!.. أم أن على أحدهم أن يتقدم للإمامة حتى لو أخطأ في قراءة القرآن راجيا من الله أجرا.

 يا شيخنا الجليل نحن أمام وضع استثنائي شاذ لم يحدث في التاريخ، وضع كان على الحكام أن يقودوا جيوشهم وبلادهم و أمتهم للمقاومة الوطنية إن لم يكن للجهاد العقدي، لكنهم خانوا بعد أن هانوا، و ما أحسبهم هانوا إلا بعد أن نافقوا، وفسدوا فأغووا علماءهم و أغووهم، فاستسلموا، وسلموا الأمة، والجيوش التي كان عليها أن تحارب العدو أصبحت هي الداعم الوحيد لاستقرار النظم العميلة التي استسلمت للعدو. أصبحت الجيوش دعما غير مباشر لليهود والصليبيين، أما أجهزة الأمن فهي دعم مباشر. كان الوضع الأساسي أو الـ "Default" بلغة الكمبيوتر أن تحارب الجيوش و أن تدعمها الأمة وأن تحافظ على خطوطها الخلفية أجهزة الأمن، و أن يتوافر بعد هذا كله أفراد للعمليات الاستشهادية طبقا لخطة شاملة، لكن التحول الشيطاني المجنون عصف بكل شئ، ولم يبق من المنظومة التي دمرها الكفر والجنون سوي استشهاديين بلا خطة شاملة، وحتى بلا قيادة. ومن الطبيعي أن يرى كلا منهم جزءا محدودا من الصورة، ومن الطبيعي أن يخطئوا، ويكفيهم شرفا أن لم يقتلهم اليأس، فاستمروا في الجهاد تحت ظل اليأس من كل شئ إلا من روح الله. فعاشوا أو استشهدوا بين الأجر والأجرين. هؤلاء هم الذين يستهزئ بهم شيوخنا ويلعنهم العلمانيون والمنافقون.

نعم .. الأمر أشبه بعمارة ضخمة انهارت، وبانهيارها يصبح الانهيار هو الطبيعي، و أما السقف، أو الجزء من السقف، الذي يظل معلقا في الطابق العاشر أو العشرين فهو الشاذ، رغم أنه هو الذي بقي في مكانه ولم يتغير، والأولي بنا أن نعيب ما انهار لا أن نعيب ما ثبت.. حتى إن كان قد تقلقل باهتزاز ما حوله. نحن إذن أمام ردود فعل، لا نستطيع تناولها دون تناول الفعل نفسه، مدركين أن الأمر كله، الفعل ورد الفعل، مستحدث، و أننا لن نجد له في الفقه القديم مرجعا يفصل لنا بين الحلال والحرام، لن نجد تجربة سابقة ولا وضعا مماثلا ولا فتوى جاهزة، الرأي فيما يحدث سيعتمد إذن على القياس، ومع القياس ستختلف الآراء والفتاوى، وفي هذا الاختلاف رحمة، وليس فيه ما يستوجب الازدراء أبدا، خاصة عندما يكون هذا الازدراء موجها لإخوانهم في الدين. ويجب أن أشدد هنا، أن هذا الازدراء والتعالي والغلظة التي يتعامل بها فقهاؤنا مع الاستشهاديين، ليس لها أية مرجعية إسلامية، ولا حتى جاهلية عربية، و إنما مرجعيتها كلها صليبية يهودية شيطانية، ومن هنا دهشتي وذهولي لتسللها إلى كبار فقهائنا، وسنتناول هذا بمزيد من التفصيل بعد قليل. إلا أنني هنا أعاتب شيخنا وشيوخنا الآخرين، لقد أفتوا، وفي نفس الوقت أفتى علماء آخرون لا يقلون عنهم علما ولا ورعا بعكس ما أفتوا، واختلفت الرؤى بنوع الجهاد وشروطه. وكان على هؤلاء وهؤلاء أن يحترم كل منهم فتوى الآخر، إلا إذا كانت دواعي هذه الفتوى ليست دينية، ولا في سبيل الله، إنما في سبيل الأمن.

***

لقد تناول شيخنا الجليل أيضا واقعة قتل السفير المصري، وكان تناوله لها فاجعا وموجعا. كان موقفه موقف من لم يتبين، من أطاع الفاسق وصدق الكذاب، واستأمن الكافر وخون المسلم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) الحجرات ..

لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم..

لقد اعتمد الشيخ رواية الصليبيين واليهود والكفار والمنافقين و أهمل رواية المجاهدين.

ولست أدري كيف يقف شيخنا الجليل أمام الله يوم القيامة وهذا الوزر في عنقه.

لقد أصدرت المقاومة العراقية بمختلف فصائلها بيانًا وزع على عدد من مساجد العاصمة بغداد تعلن فيه براءتها من عملية خطف السفير المصري وقتله ومن العمليات التي تستهدف المدنيين العراقيين وتتهم قوات الاحتلال بعمليات القصف بالهاون على المنازل والسيارات المفخخة التي تستهدف العراقيين المدنيين.ولقد تمزق قلبي و أنا أقرأ هذا البيان.. ومما جاء فيه - وقد نشرته 'مفكرة الإسلام' ووكالات الأنباء والصحف- : '...من الملاحظ على اليهود والصليبيين إنهم في كل مرة تشتد فيها الهجمات عليهم يلجئون إلى ممارسة أساليب وطرق خبيثة لإيذاء المجاهدين وإيقاف السيل الجارف للهجمات المتلاحقة'.

وتوجه البيان بالخطاب إلى عموم الأمة بالقول: 'كيف يمكن أن تنطلي حيل الكفر وخداعهم والله تعالى ربنا قد أخبرنا عنهم أنهم [ لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمة ]... وأنهم كما خاطبهم ربنا ذاما لهم بقوله: [يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون.

يا إلهي..

هل نحن بلا قلب..

من المؤكد أن لدينا خلل في العقيدة و أن هذا الخلل هو الذي يصدنا عن الجهاد في سبيل الله، لكن هل لدينا خلل في العقل والقلب أيضا؟..

يواجه المجاهدون أعتى قوة في التاريخ و أكثرها وحشية وهمجية، يقومون وهم الأضعف بفرض الجهاد الذي نكص عنه الحكام والنخبة والعسكر.. والأمة أيضا.. يقومون بالجهاد نيابة عن أمة بأسرها.. يقومون بالجهاد محاصرين مطاردين لا يجدون طعاما ولا شرابا ولا كساء ولا ملاذا.. ولا حتى تفهما ممن قعدوا عن الجهاد أو ولوا الدبر.. مثلنا ومثل طواغيتنا وعلماءنا.. مثلنا نحن نغرق في دهن التخمة ونردد عنهم أحاديث الإفك.. ليضاف إلى مسئولياتهم – فلذات الكبد وسويداء القلب – أن يقنعونا بسلامة مواقفهم وبتحريهم الحلال والحرام و أن يشرحوا لنا كل هذا..

إنني أوجه نفس التساؤل الذي تساءلوه إلى شيخنا الجليل – وإلى كل شيوخنا معه-.. أكرر نفس التساؤل: 

'كيف يمكن أن تنطلي حيل الكفر وخداعهم والله تعالى ربنا قد أخبرنا عنهم أنهم [ لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمة ]... وأنهم كما خاطبهم ربنا ذاما لهم بقوله: [يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون] .

أوجه نفس التساؤل إلى شيخنا الجليل – وإلى كل شيوخنا معه- فأواصل تلاوة بيان المجاهدين: 

'ولكي لا يلتبس الحق بالباطل نقول إن دماء المسلمين ليست رخيصة عندنا – كما هي عند الصليبيين – لنهدرها بهذه الطريقة خاصة وإن من بين هذه الأسباب المهمة لإعلان جهادنا حقن دماء المسلمين ونحن حفاظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل [أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء] وقوله صلى الله عليه وسلم [لا يزال الرجل في سعة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا].

أوجه نفس التساؤل إلى شيخنا الجليل – وإلى كل شيوخنا معه- صارخا فيهم أين يذهبون من الله أمام هذا البيان للمجاهدين: 

بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على نبينا محمد بن عبد الله و بعد.. 

يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ..... الحجرات 

فهذا بيان من قائدنا أمير المؤمنين أبو مصعب الزرقاوي عجل الله شفاءه إلى المسلمين كافة حول الأحداث الأخيرة و المتعلقة بسفك دماء الدبلوماسيين الثلاث المصري و الجزائريين يقول فيه..

أولا..... إن إخوانكم المجاهدين في عاصمة الرشيد يتبرؤون كليا مما نسبه إليهم أعداء الله من سفك دماء المسلمين الثلاث و يعزون أهاليهم في مصر و الجزائر و يسألون الله أن يغفر لهم و يسكنهم فسيح جناته إنه غفور رحيم.

ثانيا ..... إن كل تصريح أو شريط فيديو يخص هؤلاء الثلاثة نسب إلينا فهو محض افتراء و كذب و نبرأ من كل قول أو شخص ينسبه زورا إلينا فحربنا هذه جهاد و الجهاد لا يكون إلا ضد الكفار و من يتولاهم و أعداؤنا هم المحتلون كافة و الحكومة العراقية بجيشها و شرطتها و عملائها .

ثالثا ..... إن كل رصاصة أو قذيفة تطلق على كل مواطن عراقي غير أعدائنا فقد أطلقتها يد مجرمة غير أيدينا الطاهرة المجاهدة و ليعلم العالم بأسره أن الشعب العراقي الأبي الحر هو عون لنا على أعداء الله و هو أعلم بمن يسفك دماء أبريائه.

رابعا ..... إن كلا من المخابرات المصرية و الجزائرية تعلم أن لا دخل لمجاهدينا لا من قريب و لا من بعيد في هذه القضية و لقد جمعنا بأشقائنا الجزائريين لقاء سري في أحد مخابئنا ببغداد و أقسمنا لهم أننا برآء من التهم المنسوبة إلينا بل و عاهدناهم على تقديم يد المساعدة و الجلسة موثقة بالصوت و الصورة ولكن و مع اقترابنا من كشف خيوط الجريمتين حيث قام مجاهدونا باختطاف أحد عناصر الجيش العراقي العميل الذي اعترف أن فريقا مكلفا بمراقبة شخصيات سياسية محددة هو من قام باختطاف الضحايا و تسليمهم للقوات الأمريكية مباشرة بعد نقلهم إلى منطقة قرب مطار بغداد, فوجئنا بنبإ اغتيالهم و الادعاء بأن جماعة أبو مصعب الزرقاوي هي المسئولة عن ذلك.

خامسا..... نتحدى أي شخص كان أن يأتينا بدليل واحد بل بشبه دليل يربطنا بالقضيتين و نقول أننا نتهم الأمريكان بقتلهم و أشرطة الفدية دليل على ما نقول فكلا الشريطين لا يظهر فيهما أي من رجال الجماعة الخاطفة و هو ما يخالف سلوكنا المعتاد حيث نظهر في كل شريط لنا المجاهد المسئول مباشرة عن العملية و هو يقرأ بيانه ملثما ثم إننا لا نعصب أبدا عيون المخطوفين أمام الكاميرا إذ ما جدوى ذلك و هم بين أيدينا رهائن ثالثا فنحن نأذن للمخطوفين دائما بمخاطبة شعوبهم و رؤسائهم و هذا ما لم نره في الشريطين المزعومين و رابعا أين صور قتلهم فنحن نصور عملية القتل دائما أما هؤلاء فقد قتلوهم رميا بالرصاص كما أخبر أسيرنا العميل ثم إن البيان الصادر عنهم يفضحهم أيما فضح فنحن لا نملك قاضيا شرعيا ناهيك عن محكمة شرعية ثم إن طريقة إخراج و تصوير الضحايا تختلف كليا عما نفعله نحن و أشرطتنا متوفرة لمن يريد التحقيق في الأمر.

سادسا..... إن الهدف من هاتين العمليتين واضح لكل ذي بصيرة و نظر فأعداء الله يريدون تشويه صورة المجاهدين و الجهاد على أرض الرافدين في العالم الإسلامي و لكن هيهات هيهات فالمصريون أدرى بالفرق بين الجهاد و الاستعمار و الجزائريون أعلم الناس بدسائس الكفر و هم الذين قدموا مليونا من الشهداء و ما استهداف دولتين عربيتين كبيرتين لدليل على ذلك و لو كنا نحن الفاعلين لبدأنا بسفراء الكفر و الإرهاب و والله سنفعل بإذن الله تعالى

سابعا..... إننا نعلن من هذا المنبر أننا نستهدف جنود الاحتلال و الحكومة المزعومة و جيشها و كل شخص تربطه علاقة بهم فقط و كل عملية تستهدف مراكز الشرطة و الجيش فنحن من نفذها حتى و لم نتبناها أما استهداف الأبرياء من النساء و الأطفال و العزل في المساجد و الأسواق فنشهد الله و رسوله أننا براء منها و كل مدع و منسب لها إلينا فهو كاذب.

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا الكريم

كنت أقرأ و أتابع و أسمع و أهتف:

يا شيخنا الجليل ما غرك بربك الكريم..

يا شيوخنا.. ما غركم بربكم الكريم..

*** 

قلت لنفسي لعل ما أوقع الشيخ الجليل في هذه الأخطاء هو عدم المتابعة خاصة في ظل التعتيم الإعلامي، ورغم أنني قلت لنفسي أن من لا يتابع لا يفتي فقد التمست له المعاذير. لذلك اشتدت دهشتي وذهولي عندما كرر نفس المنهج ليقع في خطأ فادح آخر.. خطأ ليس له فيه أي عذر بعد أن انتشرت الفضيحة كالنار في وسائل الإعلام جميعا واكتشفنا بعد عقد كامل من الكذب الفاجر من الذي يقوم بعمليات القتل في الجزائر .. 

لقد اتهم شيخنا المسلمين مرة أخرى..

ولم يكن ذلك ما حدث..

ما حدث انكشف أمره منذ زمان طويل – جزى الله الأستاذ فهمي هويدي خيرا فقد كان من أول من كشفوه – ويلخصه  مقال للأستاذ خالد الشريف يقول فيه: أصدر ضابط سابق في الجيش الجزائري يدعي حبيب سويدية كتابا تحت عنوان الحرب القذرة فضح فيه جنرالات الجيش الجزائري الذين نفذوا مذابح ضخمة ضد المواطنين العزل بهدف استمرار دوامة العنف في البلاد وتفجير بحور الدم في الجزائر وقد أثار الكتاب صدمة كبيرة وموجة غضب عارمة داخل الجزائر والوطن العربي هذا الكتاب الذي كشف فيه حبيب سويدية عمليات نفذتها مجموعات من الجيش للتخلص من الإسلاميين، ويروي فيه ما شاهده من جرائم ضد المدنيين من قتل وحرق دبرت بحيث يبدو أن متشددين إسلاميين هم الذين ارتكبوها. وقد أعطى الكتاب وما أثير حوله من ضجة إعلامية في فرنسا ثقلا لمطالبات جماعات الدفاع عن حقوق الإنسان في الجزائر للتحقيق في عمليات قتل. وفي طيات كتابه المثير يروي سويدية في شهادته جزءا من هذه المأساة فيقول رأيت زملاء لي في الجيش الجزائري يحرقون صبيا عمره 15 سنة، ورأيت جنودا يتنكرون في زي إرهابيين ويذبحون المدنيين. رأيت ضباطا يقتلون ببرودة أعصاب متهمين بسطاء. رأيت ضباطا يعذبون حتى الموت المعتقلين الإسلاميين. رأيت الكثير من الأشياء، ورأيت ما يكفي لإقناعي بتحطيم جدار الصمت. وإن ما أورده سويدية في كتابه من المشاهد الرهيبة قامت بها مجموعات الأمن والجيش، من بينها مذبحة الزعترية كفيلة بتمزيق نياط قلوبنا إن كان في القلوب إسلام أو إيمان لقد كان سويدية شاهد عيان على ارتكاب العناصر العسكرية لهذه المجازر الفظيعة فسويدية ضابط شاب ومظلي سابق في الجيش الوطني الشعبي الجزائري تخرج من الكلية الحربية وعمل في صفوف القوات النظامية ابتداء من 1989، شارك على نطاق واسع في ملاحقة الأفغانيين الجزائريين وكاد يقتل ورأى رفاقا له يسقطون ومدنيين يذبحون ومعتقلين يعذبون حتى الموت وأبدي سويدية اعتراضا على هذه الحرب القذرة وتهرب من تنفيذ عمليات قتل المدنيين فأحاطت به الشبهات، ولفقت له الأجهزة تهمة السرقة فقضى أربع سنوات في السجون ثم عبر البحر إلى فرنسا حيث طلب اللجوء السياسي وكتب خلال عام العام الماضي كتابه هذا عن الحرب القذرة الدائرة منذ تسع سنوات بين الجنرالات والإسلاميين والتي تسببت في تقديره في سقوط 150 ألف قتيل ودمرت البنية الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية معا للمجتمع الجزائري. وخطورة الاتهامات التي يوجهها مؤلف الحرب القذرة إلى جنرالات الجيش الجزائري تعود إلى أنه يسميهم بأسمائهم، ويقدم وصفا دقيقا للعمليات القذرة التي سمع بوقوعها أو تولى هو تنفيذها بناء على الأوامر الصادرة من الأعلى. 

"وكان من أبرز العمليات القذرة التي زرعت الشك في قلب (سويدية) أثناء عمله في بلدة الأخضرية ذات الميول الإسلامية لغالبية سكانها ما حصل في إحدى ليالي آيار من ذلك عام 1994م حين تلقى أمرًا بأن يواكب رجاله في مهمة عسكرية، وقد فوجئ بأولئك الضباط يرتدون جلابيب، وقد أرسلوا لحاهم كما لو أنهم إسلاميون، وفي الحال أدرك أن مهمة قذرة ستنفذ، لا سيما وأنهم كانوا يحملون معهم قوائم أسماء، وبالفعل اتَّجه الضباط الأربعة بحراسة الدورية التي يترأسها إلى قرية مجاورة، وقرعوا أبواب بعض الأكواخ ثم عادوا ومعهم خمسة من الرجال وقد أوثقت أيديهم خلف ظهورهم، وألبسوا أقنعة حتى لا يروا شيئًا، وعند الرجوع إلى موقع القيادة في بلدة الأخضرية تبين (لسويدية) أن زملاء آخرين له قاموا بمهمة مماثلة، وعادوا أيضًا ببعض الأسرى من القرى المجاورة . 

وتم اقتياد الأسرى إلى سجن الثكنة حيث بدأت عمليات تعذيب دامت بضعة أيام، ثم انتهت بقتل الأسرى رميًا بالرصاص أو ذبحًا أو حتى حرقًا، ورميت جثثهم في ضواحي بلدة الأخضرية، وقد حضر (سويدية) عملية تعذيب وحرق لاثنين من الأسرى، رجل في الخامسة والثلاثين، وفتى في الخامسة عشرة . وهو وقد سمى في كتابه الضابط الذي سكب عليهما صفيحة النفط وأضرم فيهما النار، وكذلك الضباط الذين كانوا يتفرجون على العملية. وبلغ الاشمئزاز ذروته عندما أذاعت القيادة العسكرية على أهالي الأخضرية بيانًا يفيد أن الإرهابيين داهموا بعض القرى المجاورة وقتلوا العشرات من رجالها وألقوا بجثثهم في الطرق . وقد دعت القيادة الأهالي إلى التعرف على جثث القتلى في مشرحة مستشفى الأخضرية وإلى استردادها لدفنها، أما الجثث التي أُحرِق أصحابها فقد تعذَّر التعرف على هوياتهم، فقد وعُدَّ أصحابها من المفقودين الذين لا يزال أهاليهم يبحثون عنهم إلى اليوم . 

*** 

هذا هو ما حدث في الجزائر يا شيخنا الجليل..

قاله لنا المجاهدون فلم نصدقهم.. 

صدقنا الخونة عملاء الصليبيين والصهاينة.. وصدقنا الصليبيين والصهاينة.. ولم نصدق إخوتنا.. بل سادتنا وقرة أعيننا.. لم نصدق المجاهدين.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.. 

صدقت يا سيدي ويا حبيبي.. ولقد جاءنا الزمن الذي يكذب فيه الصادق ويصدق الكذاب.

ولا يجمل بي أن أنتهي من هذا المعني دون أن أتناول خطبة أخيرة لعبد العزيز بوتفليقة.. الرئيس الجزائري.. يعترف فيها بأن بعض عمليات الإرهاب كان يقوم بها الجيش الجزائري.. فهل وصل ذلك إلى مسامعك يا شيخنا الجليل؟!.

أليس ذلك غريبا..

لم يكن من حق فضيلة الشيخ الجليل الدكتور محمد إسماعيل المقدم بعد ذلك كله أن يتحدث بازدراء شديد عن : " ما كان يصدق أن هناك إنسان أصلاً ينتمي للإنسانية أو لآدم عليه السلام ويَقوى على فعل هذا: يبقر بطون الحوامل، ويذبح الأجنة، وهم مسلمون، لماذا؟، لأنه يكفر هؤلاء الناس، فيستحلُّون دماءهم، و يفعلون هذه الجرائم الوحشية.. ينزلون على القبيلة يذبحوها كلها، وهذا جهاد!! "..

لم يكن من حقه..

وثمة معنى آخر جاهدت نفسي كي لا أفصح عنه.. لكن نفسي أبت علىّ..

هذا المعنى – بالإدانة والاستهجان- أحس به كثيرا مع العلمانيين ورجال السلطة.. أحس به مثلا مع واحد كالجلاد القاتل المجرم فؤاد علام عندما ينفي حدوث التعذيب وتزوير الانتخابات بينما هو أول من يدرك أنه كذاب وأنه هو نفسه الذي كان يقوم بها.

لأول مرة أحس بمعنى قريب من هذا مع واحد ممن أحبهم و أجلهم..

الشيخ الجليل يعرف.. لكنه يقول غير ما يعرف.. فهل هي التقية.. أم ابتعد... ولا أكمل!!..

*** 

لم يكن من حق شيخنا أن يفعل ذلك ليثير في نفسي شعورا مريرا أحسسته ذات يوم تجاه شيخ جليل آخر طالما أحببته وهو الشيخ يوسف القرضاوي.. و أقصد فتواه المسمومة عن جواز قيام الجندي الأمريكي المسلم بقتل آخيه المسلم في أفغانستان. 

*** 

لكن الشيخ الجليل الدكتور يوسف القرضاوي لا يتركني أغرق في ذكرياتي كي أواصل عتاب شخنا الجليل الدكتور محمد إسماعيل المقدم..

لم يتركني في الماضي.. لأنه كان حاضرا في الحاضر.. كان حاضرا في بلد يعبد فيها الشيطان اسمها محافظة شرم الشيخ!!

 كان هو الآخر يشارك في إدانة الإرهابيين في شرم الشيخ .. حيث يعبد الشيطان .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم....

كان يدين الإرهابيين ( المجرمين) الذين ينطلقون من فهم خاطئ للإسلام ..

كان الشيخ الجليل يدين ويؤكد الشبهات ببيانات الأمن.. وفي نفس الوقت كان رئيس الوزراء العلماني يستبعد تورط الإسلاميين والقاعدة في انفجارات شرم الشيخ ويرجح الثأر بسبب قسوة الأمن الباطش الجبار مع أهل سيناء..

آه يا ألمي..

آه يا شيخي..

مالكم كيف تحكمون؟!

أجعلتم المسلمين مجرمين..

مالكم كيف تحكمون؟!

أشاركتم الغرب في رأيه في الإسلام والمسلمين..

وهل تعرفون ما هي نهاية الشوط..

أليست: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم؟!..

أم تغير القرآن وسيرضى منا اليهود والنصارى بأقل من الكفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.. 

*** 

كان الدكتور يوسف القرضاوي يتحدث في افتتاح "ملتقى اقرأ الفقهي الأول" عن الإرهاب، وهو الملتقى الذي تنظمه مؤسسة "اقرأ" السعودية بمدينة شرم الشيخ المصرية تدعيما لمدينة شرم الشيخ بما ترمز له وتحديا للإرهابيين!!. ولقد حضر المؤتمر شيوخ أجلاء كثيرون – كالبوطي مثلا- عجبت كيف حضروا.. كما حضره شيخ الأزهر فلم أعجب لحضوره..

كان فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي يتحدث في شرم الشيخ، ولست أدري لماذا ذهب؟ وهل استشعر حرجا بين أن يدين الإرهاب وبين أن يدين عبادة الشيطان في شرم الشيخ، ويشرح لأهلها أن ما حدث لها إنما هو قصاص إلهي، وربما جعله الحرج يهرب من هذا وذاك ليهاجم ركنا آخر، ليس عند الصليبيين واليهود، و إنما في جامعة سعودية، عن أحد الباحثين، انتقده الشيخ الجليل بقسوة، وازدراه وحقر رأيه، وكان الباحث قد قدم رسالة في إحدى الجامعات السعودية تقول: إن اشتراك الدول الإسلامية في هيئة الأمم المتحدة إثم كبير. وحرام على كل بلد إسلامي أن يدخل في الأمم المتحدة.. ووضع أسانيده الفقهية..

 وكان الشيخ يهاجمه بشدة و يقول: "أنا لا أيأس من مخاطبة هؤلاء، وخاطبتهم في مصر، وبعد أن حاورهم العلماء انتهوا إلى التراجع عن هذا الفكر، وكتبوا 6 كتب لتخطيء أنفسهم، وكانوا ينقلون عن كتبي، وكانت كتبي من المحرمات عليهم". 

هل كان أمر هذه الرسالة الجامعية التي تطالب بالانسحاب من الأمم المتحدة يستحق وقفة شيخنا الجليل؟..

وهل الكفر بالأمم المتحدة – بغض النظر عن مواقفنا الشخصية- من نواقض الإسلام؟..

ولماذا لم يدن الشيخ الجليل القذافي وبوش وقد تحدث كلاهما عن الانسحاب من الأمم المتحدة أو مقاطعتها، بل إن الولايات المتحدة قد انسحبت بالفعل من العديد من المنظمات التابعة للأمم المتحدة. كما أن أحد منظري اليمين المتطرف في أمريكا وهو "ديفيد فروم" يدعو إلى انسحاب أمريكا من الأمم المتحدة.. والى معاداة فرنسا، والى اعتصار الصين والى خنق كوريا الشمالية، والى اعتبار قيام دولة فلسطينية وهما من الأوهام ينبغي تبديده. كما يكشف "فروم" أن أمريكا كانت تنوي الانسحاب من الأمم المتحدة إذا ما أدينت بسبب غزوها للعراق. وفي هذا الصدد يقول بوش: إن الأمم المتحدة ستلحق بالمرحومة عصبة الأمم.

فكرة الانسحاب من الأمم المتحدة إذن ليست شذوذا ولا جنونا .. وحتى لو كانت كذلك فإنها لا تقتصر على المسلمين!!..

الفكرة ليست شاذة.. و إنما هي مطروحة.. وبقوة.. وممن تناولوها بعض المفكرين الإسلاميين المرموقين..

يقول المفكر الإسلامي محمد مورو:

وهكذا فإن أقل قدر من الحكمة يقتضي الانسحاب من الأمم المتحدة، حتى لا يتحول العرب والمسلمون إلى شهود زور على أنفسهم في تلك المنظمة الضارة جدًا علينا، وعند انسحاب الدول العربية والإسلامية فإن المسألة ستكون أقل ضررًا وأكثر وضوحًا وهو من باب أنه لو وقع العدوان فلن يكون باسم الشرعية الدولية، أو على الأقل إذا وقع عدوان على دولة عربية أو إسلامية -العراق،سوريا، السودان مثلا؛ فإنه لن يكون باسم باقي الدول العربية والإسلامية المشاركة في تلك الهيئة المسؤولية المسماة بالأم المتحدة. 

من ناحية الشكل إذن فإن الأمر اجتهاد يجوز الاختلاف فيه، ولقد علمنا الشيخ الجليل أن ما فيه خلاف لا يجوز عليه اختلاف. أما من ناحية الموضوع فإن الأمر مطروح ومطروق، لكنه ليس في سلم الأولويات التي علمناها الشيخ، ولم يكن يستحق منه مجرد ذكره بله إدانته وازدرائه. فالكفر بالأمم المتحدة ليس إنكارا لما هو معلوم من الدين بالضرورة، وبالتالي ليس من نواقض الإيمان!!..

*** 

ولقد جاء في حديث الشيخ الجليل بأن مقترفي فكر المراجعات، أو على الأحرى التراجعات، كانوا يهاجمونه ثم عادوا إلى كتبه. وما كان للشيخ أن يفخر بتراجعات تمت في السجن تحت هيمنة مباحث أمن الشيطان..

ما كان له أن يفخر، بل كان عليه أن يدين جهاز الأمن الفاجر الباطش الجبار الذي دفع هؤلاء إلى تراجعات لا يصدقها الكثيرون، وأنا منهم، فهي تراجعات قضت على مرجعيتهم ودمرت مستقبلهم السياسي كما جعلت منهم مجرمين يرجون التوبة.. وجعلت من أعدائهم شهداء.. ومن شيوخهم في الإخوان – بتعبير المتراجعين أنفسهم- خطاة لا يجوز التحالف معهم.. ولقد مدحوا مبارك أو على الأحرى نافقوه وجرموا الإخوان الذين يعتبر شيخنا الكبير واسطة العقد فيهم، وهذا أمر لم يتطرق إليه شيخنا الجليل أبدا رغم كثرة تناوله وفخره برجوع التائبين لدي أجهزة الأمن عن فكر الجماعات إلى كتبه...

إن الشيخ الجليل يسير نفس المسار فيدين المجاهدين ويزدريهم. والمجاهدون قد يكونون قوما طلبوا الحق فأخطئوه، وما من أجل هذا الخطأ أدانهم شيخنا، ولكم يحزنني أنه أدانهم حين طلبوا الحق ومدحهم حين رجعوا عنه.

قال شيخنا القرضاوي: "المسألة في رأيي فكرية قبل كل شيء، هناك من يردون أحداث العنف إلى أزمات بطالة وأزمات نفسية، لكن المؤثر الأكبر هو الجانب الفكري". وأوضح: "هناك فئة فسادها ليس في ضمائرها وليس في نياتها... الآفة في المنهج، في الرؤوس لا في الضمائر... كثير منهم مخلصون لكنهم أخطئوا الطريق، ولا بد من استقامة الطريق مع استقامة النية". 

ورأى القرضاوي أن "هناك قضايا أساسية ينبغي أن تعالج مثل فرض الكفاية". وقال: "هؤلاء الشباب يقولون: إنه فرض على الأمة الإسلامية أن تغزو ديار الكفار ولو كانت مسالمة". وأضاف متسائلا: "هل هذا الحكم متفق عليه؟".

 *** 

لكن..

يا شيخنا الجليل..

المشكلة بهذا العرض مقلوبة..

لسنا نحن الذين نهدد بغزوهم – حتى و إن قال بذلك فئة لا تكاد تذكر أو تسمع-..

لسنا نحن الذين نهدد بغزوهم بل هم الذين يغز وننا بالفعل.. ولقد بلغ الأمر أنه في مطلع القرن العشرين لم تكن توجد في العالم كله أي دولة إسلامية مستقلة.. ولقد اكتشفنا بعد حقب، أن الجلاء عنما تم كان صوريا.. فالاستعمار الذي رحل ترك وكلاءه يحكموننا..

يا شيخنا الجليل: ماذا  إذن عن فتوى الحاخامات – لا اجتهاد الأفراد-  حاخامات جيش إسرائيل أثناء غزو لبنان (لصحيفة هاآرتس), في 5/7/1982، بما يلي ((علينا ألا ننسى أجزاء التوراة التي تبرر هذه الحرب، فنحن نؤدي واجبنا الديني هنا (في أرض لبنان) فالنص المكتوب يفرض علينا واجباً دينياً، هو أن نغزو أرض العدو.

يا شيخنا الجليل: وماذا عن  تحريض نشر رسميا، في كتيب صادر عن قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، والتي تشمل ولايتها منطقة الضفة الغربية. ويكتب الكاهن الأول في القيادة هذا الكتيب: ((عندما تلتقي قواتنا بمدنيين خلال الحرب أو خلال ملاحقة ساخنة أو غزو, ولم يكن مؤكد أن أولئك المدنيين غير قادرين على إيذاء قواتنا, فوفق أحكام الهالاخاه, يمكن، لا بل يجب قتلهم.... عندما تهاجم قواتنا العدو، فهي مصرح لها, لا بل مأمورة وفق أحكام الهالاخاه, بأن تقتل حتى المدنيين الطيبين))..

يا شيخنا الجليل: وماذا عن  الفقرات التالية المأخوذة من كتاب "الأصولية اليهودية في إسرائيل"، تأليف إسرائيل شاحاك ونورتون مزنفسكي، دار نشر بلوتو، 1999:

ورداً على سؤال "ماذا نفعل إذا هدد طفل عربي حياة يهودية؟" يقول الحاخام افينير إذا ما حاول طفل غير يهودي أن يقتل يهود بإلقاء حجارة على سيارة على سبيل المثال يجب أن يعتبر هذا الطفل "مضطهد لليهود" وأن يقتل.

ورداً علي سؤال إذا ما كانت الهالاخاه تسمح بإعدام العرب الذين يلقون الحجارة قال افينير أن هذه العقوبة مسموح بها بل إلزامية. وهي ليست مقتصرة على إلقاء الحجارة فقط فهناك أسباب أخرى تستدعي الإعدام. وقد أشار افينير أن المحكمة الحاخامية وملوك إسرائيل يتمتعون بحق معاقبة أي شخص بالإعدام  إذا ما أدى ذلك إلى عالم أفضل.

يا شيخنا الجليل: وماذا عن  القس الإنجيلي الأميركي بات روبرتسون صاحب اللائحة «الشيطانية» التي يطالب بالقضاء عليها والتي تضم القرآن الكريم وقيادات سياسية شرق أوسطية، داعياً الإدارة الأميركية إلى اغتيال الرئيس الفنزويلي المنتخب هوغو شافيز، تفادياً لتحول فنزويلا «معقلاً للشيوعيين والتطرف الإسلامي».

يا شيخنا الجليل: القضية المطروحة الآن أن فقههم ودينهم المزيف يدعوهم صراحة وعلى لسان فقهائهم إلى قتلنا وغزو ديارنا.. ونحن نترك حالة العجز العربي الفاجعة لنتحدث عن مقولات أفراد قطعت عن سياقها و أوصلها لنا في الأغلب الأعم ضباط مباحث أمن الشيطان لندين قائليها.. ولندين فيها الإسلام والمسلمين..

فهل هذه هي القضية المطروحة الآن..يا شيخنا الجليل.. 

يا شيخنا الجليل.. هل المطروح الآن غزو ديار الكفار أم جهاد الدفع عن بلاد المسلمين التي غزاها الكفار؟!..

يا شيخنا الجليل: هل يوجد الآن في أربعة أركان المعمورة بلد، بل مدينة بل قرية بل شبر من الأرض يحتلها المسلمون أو يفكرون في غزوها؟..

يا شيخنا الجليل : كيف تعزو ما يحدث إلى شباب يقولون: إنه فرض على الأمة الإسلامية أن تغزو ديار الكفار ولو كانت مسالمة.. فأين هؤلاء الشباب؟.. وعلى فرض وجودهم فإنهم هم أنفسهم لا مكان لهم في أوطانهم.. ولو وجدوا لحرروا أوطانهم قبل أن يغزو ديار غيرهم..

يا شيخنا الجليل أبيت اللعن: الأمر ليس كما تقول..إلا إذا كنا نقيس على الشاذ ونجعل الاستثناء هو القاعدة.. وفي هذه الحالة فإن الآفة تكون فعلا في المنهج، لكن في منهجنا نحن لا في منهجهم هم.. وتكون في الرؤوس والضمائر.. لكن في رؤوسنا نحن وفي ضمائرنا نحن لا في رؤوسهم وضمائرهم..

يا شيخنا الجليل: نحن خذلنا المجاهدين.. ولم يكن لدينا من الإنصاف ما يدفعنا للاعتراف بأنهم على صواب و أننا على خطأ ولا الشجاعة لنعترف أننا من القاعدين فرحنا نرميهم بدائنا وننسل.. بل وتحول الأمر إلى آلية نفسية.. فنحن كلما هاجمناهم أكثر خيل إلينا أننا ندفع عن أنفسنا الاتهام أكثر... وقد يكون هذا صحيحا في الدنيا .. فوسائل الإعلام كلها تنشر ما نقول وتقاطع ما يقولون.. وقد نكون ألحن منهم.. فإنما نأخذ قطعة من النار.. 

يا شيخنا الجليل : لقد جاء في الفتاوى الكبرى ما نصه "العدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه" وهذا النوع من القتال لا يشترط له شرط. وذكر الإمام العز بن عبدا لسلام أن جهاد الدفع من الفروض، والفرض لا يستأذن فيه أحد. أما ابن عابدين - وهو من فقهاء الحنفية - فيقول: إذا هجم العدو على ديار المسلمين أصبح قتالهم فرض عين كالصلاة والصوم. ومثل هذا القول ردده الدسوقي من علماء المالكية وكذا الرملي من علماء الشافعية وابن قدامة من علماء الحنابلة وغيرهم كثير وأمام هذه الفتوى من جميع علماء المذاهب.

*** 

إنني أدرك أن الشيخ يوسف القرضاوي جزاه الله خيرا وغفر له وبدل سيئاته حسنات هو من أكثر من أفتي بالجهاد في العراق وفلسطين.. ولقد كتبت كثيرا أنني أحبه و أقدره و أحترمه و أنظر إلى جهده الهائل من خطابة وندوات وكتب ومؤتمرات وتدريس ونصح و آلاف الأشياء التي لا أعرفها.. أرقب ذلك كله بإعجاب لا حد له و أنا أدعو أن يجعله الله في ميزان حسناته، كنت كذلك وما زلت، لكن مشاعري تلك أصابها كدر بعد فتوى أفغانستان المشئومة، ثم أن أهل السنة والجماعة، جزاهم الله خيرا، قد استقروا على أنه، هو ومثله، مهما بلغت مراتبهم،  يؤخذ منهم ويرد عليهم، و أنه يخطئ ويصيب، وليس الخطأ ما يقلقني.. ولكن ما يزعجني ويرعبني أنني أراه في شموخه العالي وقد خالطت فتاواه – كشيخنا الجليل محمد إسماعيل المقدم – بعض ملامح الهزيمة الداخلية..

نعم ألمح ملامح هزيمة من لم يعد حرصه على الموت كحرص الآخرين على الحياة..

إنني أدعو الله أن أكون على خطأ.. فأنا أذوب من الألم عندما أرى في بعض شيوخنا الأجلاء بعض ملامح هذه الهزيمة.. خاصة شيخينا الجليلين، اللذين لم يعد لنا من أمثالهما كثير، خاصة بعد أن خذلنا جل علمائنا وشيوخنا في الجزيرة العربية..

نعم ..

خذلونا..

دفعونا إلى الصواب ثم تخلوا عنا..

فكانوا كالأعراب الذين صاحبوا الحسين رضي الله عنه ثم تسللوا تحت جنح الظلام عندما عرفوا أنه ميت.

خدعونا..

أخذنا أنفسنا بمنتهى الشدة كي نطابق المقياس الذي وضعوه للمسلم ( وهو مقياس صحيح .. لكنهم هم الذين تراجعوا عنه)..

تناقضت فتلواهم واختلفت مواقفهم وبلغ التطابق بين الفتوى والسياسة حدا ضاع معه الدين..

ولقد بلغ الأمر حد المهزلة.. عندما أصبح من يوزع فتاوى الإيمان والكفر.. والإرهاب والاعتدال.. ليس عالم دين و إن كان منافقا أو جاهلا.. بل وزير داخلية.. 

وفي هذا الصدد فإن هناك أمرين لا أجرؤ أبدا على تصديقهما حول الفتاوى التي يصدرها بعض شيوخ الجزيرة..

الأمر الأول أن هناك فتاوى مخالفة للشرع يطلبها ولي الأمر.. وولي الأمر يعلم.. والشيخ يعلم .. لكن الفتوى تصدر في النهاية..

لا أستطيع أن أصدق ذلك – مستريحا-.. لا أستطيع أن أصدقه على الرغم من الفتاوى الشاذة بالاستعانة بكافر على مسلم أو بالصلح مع إسرائيل أو بعدم جواز الجهاد في العراق وفلسطين..

أما الأمر الثاني فهو أن ثمن هذه الفتاوى يصل إلى عشرات الملايين.. و أن تسلم الشيك يسبق إصدار الفتوى..

لا أصدق.. أو على الأحرى لا أريد أن أصدق.. 

رغم ظاهر الحال لا أصدق..

فالأفضل لي، ليس على مستوى العقيدة فقط، أن أكذبه، و أن أؤكد أن أمر اختلاف الفتاوى، واختلالها، اجتهاد يتسع للمخطئ كما يتسع للمصيب..

لا أصدقه.. لأنني لو صدقته فقدت نصف قلبي ونصف عقلي..

ولكم وددت أن يتصدى من يكذب هذا.. ولو بصورة غير مباشرة.. بإصدار فتوى تخالف رأي الملك مثلا.. لأن تطابق كل الفتاوى مع رأي الملك وتصريحاته لا تعني إلا شيئا واحدا، وهي أن مطلق هذه الفتاوى يعبد الملك من دون الله.

وعندما أقول لبعض أصدقائي في الجزيرة أنني لا أصدق أن ذلك يحدث يؤكدون لي حدوثه، ويعزون عدم تصديقي إلى الخلط بين قداسة الدين وبين بشر ليست لهم قداسة..

و كنت أتمتم كل مرة مخاطبا نفسي بحروف لا تبين:

- لا ترفض التصديق بشدة.. فلطالما شككت أن بعض  من أسند الطاغوت إليهم  الفتيا في بلادك غير مسلمين!!

*** 

يبقى الشيخ يوسف القرضاوي طودا شامخا يخطئ ويصيب لكنني – ولا أزكيه على الله – أحسبه فوق مستوى الشبهات.. لكنني مع كثرة انحرافات أقرانه أصبحت حساسا جدا لما أتصوره خطأ منه.. إنه كجرعة ماء قد لا يحزبنا كثيرا أن تنسكب منا في الوادي فلدينا سواها الكثير.. لكن.. ماذا نفعل إن انسكبت منا في الصحراء وليس لدينا سواها..

يا شيخنا : إني والله أحبك.. أحبك ذلك الحب الذي يجعلني أدعو لك بالشهادة خاتمة لحياة حافلة بالطاعات وعمل الخير وصواب كثير وسيئات أدعو الله أن يبدلها حسنات..

يا شيخنا الذي أحبه: لماذا ذهبت إلى شرم الشيخ غفر الله لك؟!

يا شيخنا الذي أحبه: لماذا أفتيت فتوى أفغانستان المسمومة غفر الله لك؟!.. 

يا شيخنا الذي أحبه: لماذا تراجعت جزئيا عن فتواك بقتل الأمريكيين جميعا في العراق غفر الله لك؟!.. فكما أنه في فلسطين ليس هناك مدني إسرائيلي فكذلك الأمر في العراق.. وربما تكون هناك شبهة في المدنيين الأمريكيين في باقي بلاد المسلمين.. أما في العراق فألف كلا..


*** 

أذوب من الألم و أخشى أن يلجأ شيوخنا الأجلاء، قدوتنا، إلى التقية فأبادر لأذكرهم بشيخنا و إمامنا أحمد بن حنبل رضي الله عنه، حين جاءه من تلامذته من يقول:

- أيها الإمام ما عليك أن تجيب؟.

 فيقول له :

-  انظر من خـلال الشرفة وأخبرني ماذا ترى؟.

 فينظر فيقول :

- إني أرى أهل بغداد قد اجتمعوا كل معه القرطاس والقلم ينتظرون ما تقول به..

 قال: 

- أف ...أنجو بنفسي وأضل جميع هؤلاء..

يا شيوخنا الأجلاء تنجون بأنفسكم وتضلون جميع هؤلاء..؟؟

*** 

في شرم الشيخ أيضا تهاطلت الإدانات ..

وكانت الإدانات في الظاهر تنصب على المجاهدين.. لكنها في الواقع كانت تواجه الجهاد نفسه وعينه وذاته..

لم تكن الإدانة موجهة إلى صلاة كنقر الغراب لا تصح.. بل كانت الإدانة للصلاة كلها..

نعم .. 

الأمر كذلك.. 

فمن أدان الجهاد لم يدنه لعدم انضباطه بضوابط الشرع، فقد كان عليه في هذه الحالة أن يتحدث جادا لا هازلا عن ضوابط الشرع وكان عليه أن يعلم الناس كيف يكون الجهاد بل كان عليه أن يقودهم فيه.. لكن ما يحدث الآن أمامنا إدانة مطلق الجهاد..

إنني أعلم أن المجاهدين ليسوا معصومين من الخطأ .. بل و أعلم أن أول من يدخل النار يوم القيامة منفق وعالم وشهيد.. المجاهدون ليسوا معصومين إذن .. ولو تناول شيوخنا الأمر من هذه الزاوية لما كان لنا من تثريب عليهم.. كان شيوخنا يستطيعون اتهامهم في العراق مثلا بأنهم – حاش الله- لا يجاهدون في سبيل الله.. بل في سبيل عصبية أو حزب أو مال أو مجد.. أو ثأر من عدو غاصب باطش جبار مجرم ولم يقصدوا بجهادهم وجه الله.. وكان يمكن لهم أن يتهموا إخواننا في سيناء أنهم لم يقصدوا بتفجيراتهم وجه الله و إنما هم يثأرون من جهاز أمن باطش جبار مجرم ولم يقصدوا بما فعلوه وجه الله.. كان شيوخنا يستطيعون قول ذلك أو الادعاء به.. وكان عليهم في الخطوة التالية أن يعلموا هؤلاء و أولئك كيف يكون الجهاد حقا.. وكيف يستطيعون تصفية قلوبهم من الشوائب والأدران كي تكون قلوبهم خالصة لله الواحد الواحد القهار.. لكن شيوخنا لم يفعلوا ذلك.. شيوخنا هاجموهم بنفس منطق مباحث أمن الدولة والموساد والسي آي إيه.. شيوخنا هاجموهم بنفس المنطق الذي هاجم به ابن زياد وعمرو ابن سعد وشمر بن ذي الجوشن الإمام الحسين رضي الله عنه..

*** 

يشتعل القلب بالغضب المحموم والأسى الفاجع.. عندما أقرأ كيف تسلل الأعراب من جيش الحسين رضي الله عنه..

كان حبيبي رضي الله عنه ابن بنت حبيبي صلى الله عليه وسلم قد أدرك أنه شهيد، و أن شيعته خذلوه فقال :

- من أحب منكم الانصراف فلينصرف من غير حرج عليه وليس عليه منا ذمام..

 فتفرق الناس عنه حتى بقى في أصحابه الذين جاءوا معه من مكة، وإنما فعل ذلك لأنه ظن أن من اتبعه من الأعراب إنما اتبعوه لأنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهلها فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون علام يقدمون وقد علم أنه إذا بين لهم الأمر لم يصحبه إلا من يريد مواساته في الموت معه..

يشتعل القلب بالغضب المحموم والأسى الفاجع.. عندما أرى كيف يتسلل العلماء هاربين من المواجهة..

أعتذر إليك يا سيدي وحبيبي الشيخ أسامة بن لادن ويا أيمن الظواهري و يا أبو مصعب الزرقاوي رضي الله عنكم ورضيتم عنه.. أعتذر.. لم نكتف بخذلانكم.. بل راح بعضنا يردد عنكم ما يختلقه أعداء الله من محاولة لتشويهكم.. وما تشويهكم يبغون ولكن تشويه الجهاد كله.. الجهاد كذروة سنام الإسلام..

أعتذر لكم..

إن يكونوا قد انسلوا عنكم فقد انسل أجدادهم من حول الحسين رضي الله عنه..

تري.. 

لو تأخر سيد شباب شهداء أهل الجنة إلى زماننا.. أو لو أننا تقدمنا إلى زمانه.. في أي معسكر كان يكون و في أي معسكر كنا نكون..

أقولها وقلبي ينزف.. أقولها ومخالب تنين الألم الوحشي تنهش قلبي فلا تعود المخالب إلا وقد تعلقت بها مزق لحم القلب ويقطر منها دمه.. أقولها .. أو على الأحرى أسأل: 

- هل كان الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ محمد إسماعيل يكونان في معسكر الحسين أم في معسكر ابن زياد..

أسألهما ليس لأنهما الأذل أو الأقل بل لأنهما الأجلّ.. هما القامة العالية التي لا ينبغي لها أن تنحني حتى إذا انحنى الباقون.. هما الهامة العالية التي ينبغي أن تلتزم بالعزيمة حين يلجأ الآخرون إلى الرخصة.. بل أقول أنهما هما بالذات عليهما أن يتوجا حياتهما بالاستشهاد.

أسألهما و أسأل سواهما والسؤال قرار يجب أن يتخذ في سرعة ومضة الضوء المنعكس على صفحة سيف:

- عندما يكون الموت هو الشرف الوحيد الباقي.. أننكص عنه؟.. أنهرب من قدر الله؟؟.. أمن الاستشهاد نفر؟!..

أسأل والأسئلة طوفان من المرارة العاتية:

- في أي صف كانت تكون مباحث أمن الدولة والحرس الوطني والجيش المصري والجيش السعودي والجيش السوري وجيش الخليج .. مع الحسين أم مع ابن زياد؟!....

أتساءل و الأسئلة كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ:

- أي معسكر كانت ستقصف طائراتنا وأي قلاع كانت ستدمر بوارجنا و أي لحم طاهر كانت ستسحق دباباتنا..

أتساءل والتساؤل نيران مشبوبة في القلب:

- مع من كانت صحفنا ستكون؟!.. ومانشيتات الأهرام والحياة والشرق الأوسط : كيف كانت ستصف الإرهابي الحسين ؟! كيف كانوا سيسبّونه؟.. وهل كان سبابهم سيطال جده؟!.. صلى الله عليه وسلم.. هل كان السباب يطاله؟.. لا يتجاهلن أحدكم السؤال ولا ينكرنه.. فالسباب يطال جده رغم مسافة ألف وخمسمائة عام.. وعلى الرغم من ذلك فإن صحفنا الكبرى تعتبر سباب جده رقيا وتقدما وحضارة، وبعض مفكرينا، هم الذين يفعلون ذلك. مع من كان الكتاب والمفكرون سيكونون.. ؟!.. و أنتم يا ناس.. أنت يا أمة.. مع من كنت تكونين.. وهل كان الحسين رضي الله عنه سينجو من تهمة الإرهاب؟!..

أسألكم يا ناس.. و أستحلفكم بالواحد القهار ألا تكذبوا:

- لو أن الحسين يوجد الآن.. في أي بلدة من بلاد عالمنا العربي.. فهل يوجد بلد واحد سينصره ويحميه؟!

أسألكم يا ناس.. و أستحلفكم بالواحد القهار ألا تكذبوا:

- لو أن الحسين وجد الآن.. فهل كانت توجد حكومة عربية واحدة ترفض أن تسلمه ليؤسر في جوانتانامو؟!!

أسألكم يا ناس.. فهل عرفتم قدركم.. وقدر دينكم في قلوبكم؟!

*** 

الكارثة أن حملة الازدراء والاحتقار التي يواجه بها شيوخنا جموع المجاهدين ليس لها في الإسلام مرجعية ولا أصل.. ولو عرف شيوخنا مغبة هذا الازدراء لعرفوا أنه باب من أبواب الشيطان وما فتحوه أبدا.. ثم أنه علامة ضعف.. لأن الأمر لو كان صحيحا عقليا لما استوجب إلا بعضا من الحوار.. أو حتى القتال.. لكنه لا يستدعي الازدراء.. الرأسماليون لم يزدروا الشيوعيين.. والنازيون لم يزدروا الرأسماليين.. لكنهم كانوا أعداء وتقاتلوا حتى الموت فمن أين أتانا وباء الازدراء وما أصاب علماءنا به رغم أن تناول القرآن للمستهزئين والساخرين مرعب. و إنني لأعجب كيف لم يدرك علماؤنا وشيوخنا كل ذلك وقد أدركه العلمانيون والأجانب..

نعم..

آلية الازدراء آلية شيطانية خبيثة شريرة عنصرية لا يمكن أن يأتي من ورائها خير..

إن الفطرة التي خلقها الله فينا رادار يجعلنا ندرك بالغريزة وبالروح قبل العقل أين الصواب و أين الخطأ.. والإنسان .. مهما بلغ شره يحتاج إلى مبرر للشر.. إنه لا يقول أنا شرير لذلك سأقتل وأسرق و أدمر.. بل هو يقول أن الآخر شرير.. بل هو محور الشر.. لذلك سأقتله و أدمره و أستولي على ثروته كي لا يستعملها في تدمير العالم..نعم..

حتى الشيطان يحتاج إلى مبرر لجرائمه.."خلقتني من نار وخلقته من طين"..!!.. والمجرم مهما بلغ إجرامه يحتاج دائما إلى مبرر لقتل إنسان آخر، وعلى مستوى الجماعات والدول فقد كان استغفال الناس وتزييف الواقع كليا وطمس آثار الحقائق نهائيا يمكن أن يتحقق قبل تطور وسائل الإعلام التي جعلت من إخفاء مثل هذه الجرائم الآن أمرا مستحيلا.. كما أن هذا المبرر الشيطاني الذي يبدأ بالازدراء وينتهي بالقتل أو بتبريره لا يمكن إيجاده في حالة الرغبة في قتل إنسان ..أي إنسان.. لأن كل إنسان يتمتع بحق المساواة الكاملة مع القاتل و على رأسها حق الحياة، لهذا فان القاتل يلجأ إلى الحيلة.. إلى الخداع والتزوير والكذب.. إلى تجريد الضحية من خصائصها الإنسانية كما يقول الفيلسوف الفرنسي سارتر و النزول بها إلى منزلة القرود لتبرير جريمته. إنه بمنطوق حضارته المنافقة لا يستطيع أن يقتل إنسانا، لكنه لا يتوقف عن القتل، بل يتوقف عن تسمية من ينوي قتله إنسانا!!.. ولكن مجمل هذه التبريرات – وكل من يصدقها أو يرددها أو يقتنع بها حتى لو كان عالما أو شيخا - ساعدت على إبادة الكثير من الشعوب للاستيلاء على أراضيها و ثرواتها كما يقول د.كمال سيد قادر ـ فيينا في مقال قيم له على الشبكة العنكبوتية( في موقع صليبي صهيوني دنس اسمه إيلاف.. أظن أن أصوله سعودية .. و أنه يمثل الليبراليين الجدد بكل نجاستهم.. ومن الغريب أن هذا الموقع الشيطاني  نشر مثل هذا المقال القيم.. ربما لمجرد ذر الرماد في العيون.. وربما للتستر)..

إذن..

فالهجوم والازدراء والاحتقار والإدانة هي الخطوات الأولي نحو احتلال بلادنا وقتل أبنائنا ونهب ثرواتنا..

فإن شاركنا أعداءنا في الهجوم والازدراء والاحتقار فإننا كالطابور الخامس الذي يمهد الأرض للعدو قبل وصوله. إلا أن تأثيرنا يتجاوز مجرد الشهادة.. فنحن إنما نشهد ضد أبنائنا و إخوتنا..

فهل أدركتم ذلك يا شيوخنا..

إن كنتم أدركتموه فتلك مصيبة و إن كنتم لم تدركوه فالمصيبة أعظم.

نعم.. من يمارس الازدراء يشارك في القتل.. قتل أهله واحتلال وطنه وسرقة ثروته وتضييع هويته..

الأمر لا يقتصر على الولاء والبراء – وهما ضروريان ضرورة الحياة نفسها – لكن الأمر لا يقتصر عليهما.. لأن الحكم ينطبق حتى على الملحدين.. لأن الملحد ( ومنهم كل الشيوعيين وجل القوميين) الذي يمارس هذا الازدراء والتشهير إنما يعطي أعداء وطنه المبرر للاستيلاء عليه.. 

هل رأيتم ملحدا إسرائيليا يحب العرب أكثر من حبه لإسرائيل؟!.. بل ويفضل حكم العرب عن حكم اليهود؟!..

طرح السؤال على قومي مصري: هل تفضل أن يحكم الإسرائيليون غزة أو أن يحكمها الإسرائيليون؟.. وكانت إجابة الخائن واضحة.. ( وهو خائن.. بغض النظر عن كفره الذي يحتاج إثباته إلى خطوات محددة)..

*** 

في نفس هذا الصدد فإن صحيفة علمانية، هي القدس العربي كتبت في 15-8 تقول أن أي حملة استعمارية في التاريخ سبقتها حملة عنصرية ضد الشعوب و البلدان المستهدفة. و الحملات العنصرية كانت تشن بطريقة تتناسب مع الزمن و الثقافة السائدة في هذه الحقبة الزمنية. فمثلا الحملات العنصرية ضد شعوب آسيا و أفريقيا و أمريكا منذ القرن السادس عشر و إلى الحرب العالمية الثانية كانت تستند إلى ادعاءات حول همجية و تأخر هذه الشعوب لتبرير استعمارها و كأنه حملة تنويرية لجلب التمدن و الرفاهية لهذه الشعوب من قبل الشعوب الأوربية المتحضرة. و لكن كما يبدو فان الأمر تغير الآن لان الشعوب و البلدان الإسلامية من الصعب اتهامها بالتأخر لتبرير استعمارها و لذلك وجدت وسيلة أخرى لتوفير هذا التبرير أي عن طريق تشويه صورتهم من خلال حملات عنصرية تتخذ من الدين أساسا لها و خاصة في إطار اتهامات تنوى الربط بين الدين الإسلامي والإرهاب.

وتواصل الصحيفة قائلة: يجب علينا أن ندرك أن مثل هذا النوع من الهجوم ليس سوى تمهيد للاستعمار. ولما كان الاستعمار يعني ارتكاب جرائم وحشية ضد شعوب و أمم تتمتع نظريا على الأقل بالمساواة مع المستعمر نفسه فلذلك على الأخير أن يقوم بإطلاق مواصفات غير لائقة اجتماعيا و دينيا و سياسيا على الشعوب التي ينوى المستعمر استعمارها و إذلالها بهدف التقليص من كرامتها و قيمتها الإنسانية و حرمانها من حق المساواة الكاملة مع الآخرين كأعضاء في المجتمع البشرى تبريرا لجرائمه الاستعمارية ضد هذه الشعوب.

*** 

ليس الأمر أمر عنف ولا إرهاب.. فالعنف دينهم والإرهاب عملهم.. الأمر كله محاولة وأد الصحوة الإسلامية .

يقول المغفور له أحمد ديدات في كتابه :"هذه حياتي":

هذه الصحوة الإسلامية التي بدأت تنتظم العالم الإسلامي قد أرهبت الغرب، ولكي يقلل من شأنها بدأ يطلق عليها أسماء تخيف الناس : كالتطرف والتعصب وغير ذلك من الأسماء، وهذه دعاية غربية تساندها مؤسسات التبشير لتقلل من شأن الحركات الإسلامية، وهذه هي استراتيجيتهم الجديدة التي يتبعونها لمحاربة الإسلام شأنهم ذاته كما كان في الماضي، إذ كانوا يقولون : إن الإسلام دين خاطئ، ومحمد صلى الله عليه وسلم رجل شهواني – حاشاه وحاشاه – تزوج عدة نساء، وعندها لم تجد تلك الادعاءات تقبلاً واسعاً استبدلوها بهذه الاستراتيجية الجديدة لتشويه الإسلام، وعلى ضوء هذه الحرب النفسية فإن العالم الغربي النصراني مصمم على تنصير العالم الإسلامي، ويعدّ لذلك خططاً مركزة لتنصير المسلمين في العالم، والدلائل على ذلك أكثر من أن يحصيها العد، فالآن يتفرغ لنا المنصرون بالملايين حيت يتوزعون حول العالم لتنصير المسلمين، وهم يقرعون أبوابنا في بلادنا فلم تسلم من هذا القرع دولة من الدول، فقد تنصر 15 مليون أندونيسي، وهم يفتخرون بأنهم استطاعوا تنصير المسلمين الباكستانيين، والبنغاليين الآن أكثر من أيام الاستعمار البريطاني، وهناك الآن مئات الألوف متفرغون للتنصير في إفريقيا .

*** 

نعم..

لم يكف الغرب المجرم أبدا عن اختلاق الذرائع.. فمرة هو متقدم لأنه أبيض ونحن متخلفون لأننا ملونون.. ولكن الأمر انقلب عليه حين طبق النازيون نفس النظرية عليه.. ثم لجأ الغرب بعد ذلك إلى العنصرية الاجتماعية باتهام الشعوب التي يريد استعمارها بأنهم متخلفون ووحوش لذلك يجب استعمارهم لغرس الحضارة فيهم ( ولكن.. لنتذكر أن فرنسا عندما احتلت الجزائر كانت نسبة الأمية في فرنسا أكثر منها في الجزائر.. وعندما جلت عنها بعد مائة وثلاثين عاما كانت نسبة الأمية في الجزائر تقارب 100%).. فإذا فشلت الذرائع السابقة كان المبرر صدام الحضارات واتهام الإسلام بالإرهاب. المعركة الدائرة حول رسم صورة المسلم (أو بالاحرى العربي) في وعي الآخرين، لم تعد تنفصل عن المعركة الدائرة حول الهيمنة علي العالم العربي وداخله ومعه. رسم صورة العربي والشرقي والمسلم، كما بين ادوارد سعيد، كانت ولا تزال جزءا من معركة الاستحواذ والتبرير للقمع والهيمنة. وصف الآخر بالبربرية والهمجية يمهد الطريق لشن الحرب لترويض هذه البربرية. وبالمثل فان الحديث عن الثقافة التي تولد الإرهاب هو بمثابة تبرير لمخططات ستوصف إنها ضرورية لاجتثاث ثقافة الإرهاب وفرض الحضارة والتحضر علي هذه المجتمعات المارقة.

*** 

يذهلني، بل يذبحني أن كتابا علمانيين غير مسلمين ولا عرب كانوا أكثر إنصافا للمسلمين من بعض شيوخنا..

يقول باتريك سيل تحت عنوان " لندن تدفع ضريبة غزوها للعراق " : 

.... كانت تلفزيونات العالم وشبكاته الإخبارية، قد بثت في السابع من يوليو الجاري، صوراً بشعة مثيرة للصدمة والأسى، لأشلاء جثث تبعثرت وتناثرت في الشارع العام، ولركاب حافلات ومترو أنفاق، ملطخين بدمائهم وهم يهرعون إلى المحطات هرباً من جحيم الانفجار، قبل أن تختطفهم النقالات وسيارات الإسعاف حيث أخذوا للإنقاذ والعلاج. فهل كان ما رأيناه مشهداً من مشاهد المذابح اليومية، التي تشهدها المدن والعاصمة العراقية بغداد؟ كلا، فنحن في قلب العاصمة البريطانية لندن حسبما تقول تلك الصور! (...) وتشير كافة البيانات الظرفية، إلى أن تنظيم القاعدة أو إحدى الجهات ذات الصلة به، هو المدبر والمنفذ لهذه الهجمات. ولما كان الأمر كذلك، فلمَ فعل تنظيم القاعدة ما فعل بلندن؟ هل هي رغبة من التنظيم، في مهاجمة "القيم البريطانية" كما جاء في تصريحات رئيس الوزراء توني بلير؟ أم أن لهذه الهجمات صلة باستجابة مضادة للسياسات البريطانية؟ والإجابة البديهية على هذا السؤال، هي أن القنابل الأربع التي هزت لندن وفجرتها، إنما هي بمثابة استجابة محسوبة ومخططة ومدروسة، للقرار الذي اتخذه توني بلير بالانضمام إلى حليفه الرئيس الأميركي جورج بوش، في حربهما الثنائية ضد العراق. وبعبارة أخرى، فإن أولئك القتلى والجرحى والمصابين، والشلل التام الذي أصاب تلك المدينة الكبيرة كلها يوم الهجمات، وعودة مئات الآلاف من مواطنيها مشياً على الأقدام في ذلك اليوم، إلى جانب ما أحدثته الهجمات والتفجيرات من خسائر مادية واقتصادية فادحة، كل ذلك قد قصد منه أن يكون ثمناً تعين على بريطانيا دفعه، رداً على الحرب العراقية التي شنها بلير. 

*** 

يا إلهي..

لكم كنت أود أن يقول شيوخنا ما قاله باتريك سيل الذي لم يكتف بإدانة بلاده بأشد الأساليب قسوة.. بل إنه يتجاوز ذلك ليدين الدول العربية ( بالعين لا بالغين!) التي عجزت عن تحريك إصبع واحد لحماية العراق، أو وقف المطامح الاستعمارية الأميركية- البريطانية الجديدة عند حدها، قبل شن الحرب. بل إن الذي حدث من بعض الدول العربية، هو أنها وفرت القواعد العسكرية التي شنت منها الحرب على العراق.

ويواصل باتريك سيل فاهما متفهما، وليس مزدريا مهاجما: .. وفي ظل هذا الفراغ الناشئ عن العجز أو الشراكة العربية في غزو العراق، فقد علا دور اللاعبين الجدد -غير الحكوميين- من أمثال تنظيم القاعدة، وطفح كيلهم ورغبتهم في الثأر من ذلك التدخل الأجنبي السافر في تقرير مصير بلدانهم وشعوبهم. وفيما يبدو فإن الهدف الرئيسي لهذه التنظيمات، هو ابتكار رادع عسكري ما. أما الرسالة الموجهة إلى الغرب عموماً، فهي في غاية البساطة والمباشرة: "إن قتلتمونا فسوف نقتلكم بالمثل". 

ويصرخ سمير جبور في القدس العربي في 22-7-2005  في مقالة ممتازة مؤكدا أن العوار عند الغرب وليس عندنا:

وقد تصدي بعض الكتاب والخبراء الغربيين لهذه التحريضات والمقولات المغرضة مشيرين بأصابعهم إلي ما يعتقدون بأنه الدوافع الحقيقية. فعلي سبيل المثال يقول باتريك بوكانين أن الذين ينفذون هذه العمليات لا يريدون تحويلنا عن ديننا... إنهم يقتلوننا من أجل طردنا من بلادهم . ويقتبس بوكانين من كتاب روبرت بيب المنطق الاستراتيجي من وراء الإرهاب الانتحاري أن الدافع من وراء الهجمات الانتحارية ـ الإرهابية ليس دينيا وإنما استراتيجيا الغاية منه إجبار الدول الديموقراطية المعاصرة علي سحب قواتها العسكرية من... أوطانهم .

وأما مايكل شوير الذي كان رئيس وحدة بن لادن في مركز محاربة الإرهاب في وكالة المخابرات المركزية يعرض ستة أسباب لمهاجمة الولايات المتحدة يوم 11 /9 وستبقي عرضة للهجوم وهي:

1. الولايات المتحدة تدعم إسرائيل وهي لا تبالي بالفلسطينيين.

2. الولايات المتحدة والقوات العسكرية الأخرى ضاربة في شبه الجزرة العربية.

3. الولايات المتحدة تحتل العراق وأفغانستان.

4. الولايات المتحدة تدعم البلدان التي تضطهد المسلمين ـ روسيا والهند والصين.

5. الولايات المتحدة تضغط علي العرب للمحافظة علي تدني أسعار النفط.

6. الولايــــات المتحدة تدعم الحكومات الدكتاتورية.

وقد أعلن رأي ماكفرن وهو محلل استخباراتي سابق أن الولايات المتحدة شنت الحرب علي العراق من اجل النفط ومن أجل إسرائيل والقواعد العسكرية التي نشرتها أوساط المحافظين الجدد لكي تتمكن إسرائيل من السيطرة علي هذا الجزء من العالم . وقال ماكفرن انه لا ينبغي اعتبار إسرائيل حليفة لأميركا بعد الآن.

إريك مرغوليس الكاتب الكندي المرموق يقول معلقا علي أحداث لندن أن الدافع من ورائها ليس دينيا وإنما سياسيا... ليس لأنهم يكرهون الحياة الغربية... هاجموننا لأننا هاجمناهم . ويتابع مرغوليس: صحيح ما يقوله طوني بلير أن قتل المدنيين وهم في طريقهم إلي أعمالهم إنما هو عمل بربري ، ولكن ماذا تطلق علي إلقاء القنابل علي أفغانستان والقرى العراقية، واستخدام الدبابات لسحق المتظاهرين الفلسطينيين أو ذبح 100 ألف مدني من الشيشان علي يد حليفتنا روسيا ؟.

و يواصل سمير جبور: 

العقل البشري بصورة عامة، سواء الذي يذوق طعم العذاب يوميا أو تلك الملايين التي تتضامن معه وتتظاهر في عواصم العالم، لم يعد يحتمل مظالمكم وانتهاككم لكل القوانين والشرائع؛ العقل البشري سئم حروبكم ومذابحكم واحتلالاتكم؛ الإنسان الفلسطيني ومعه أنصار الحرية وأصحاب المباديء الإنسانية لم يعد يحتمل شارون وممارساته؛ لم يعد يحتمل بوش وتعبيرات وجهه ويده التي أشار بها إلي شارون بأنه رجل سلام وهو المطلوب للعدالة الدولية؛ لم يعد يحتمل ارتكاب المذابح واغتيال القيادات والإذلال علي الحواجز وهدم المنازل وزج الآلاف في المعتقلات وهتك الأعراض؛ الإنسان الفلسطيني لم يعد يحتمل عنصرية مستوطنيكم ولا جداركم العنصري؛ العقل البشري ناقم عليكم في العراق وفلسطين: في جنين والفلوجة في أبو غريب في صبرا وشاتيلا في كل بقعة من جنوب لبنان؛

العقل البشري ثائر علي حصاركم للعراق الذي تسبب في وفاة 500 ألف إنسان نسبة كبيرة منهم من الأطفال؛ العقل البشري لا يفهم لماذا تهبون إسرائيل 1،6 تريليون دولار (منذ سنة 1973 فقط) والفلسطينيون يعانون من الفاقة والجوع في ظل احتلال بغيض؛ وهم لا يحتــاحون إلي أموالكم بل يريدون استرجاع وطنهم؛ العقل البشري لم يعد يحتمل أكاذيبكم وذرائعكم لتدمير العراق خدمة لإسرائيل فقط لا غير لتسيطر هي علي البترول مباشرة وتدمر القوة العربية القائمة والمحتملة. (...) لقد آن الأوان لمراجعة المواقف والتوقف عند الأسباب الحقيقية لغليان الشعوب قبل إن يمتد الحريق ليلتهم الأخضر واليابس...! 

هكذا يتحدث بعض العلمانيين وحتى النصارى واليهود ( وليس نموذج تشومسكي ببعيد) .. ويالها من مذلة حين نتمنى أن يرقي إنصاف شيوخنا لنا إلى مستوي بعض العلمانيين والنصارى واليهود، الذين يتحدثون عن المسلمين دون إدانة ودون ازدراء.

*** 

ولقد تناولت ظاهرة الازدراء تلك في مقالات سابقة. وهي قديمة، بدأت بالمشركين، ثم المستشرقين، ثم الخونة من شيوعيين وقوميين، وقد اشتد أوارها، حتى أصبح الازدراء هو القاعدة وما دونه استثناء، بداية من تمثيلية المنشية عام 54، وعلى يد عبد الناصر و أعوانه، عليهم من الله ما يستحقون، وفي ذلك الوقت، انضم إلى حملة الشيطان بعض العلماء أو أشباه العلماء، واستمر الأمر، حتى تسللت الظاهرة إلى كتاب مرموقين، كالأستاذ فهمي هويدي. خاصة في كتاباته عن طالبان، حيث كتب أسوأ كتبه على الإطلاق : "طالبان جند الله في المعركة الغلط".. وبرغم أنه في ثنايا الكتاب برأها من كثير مما اتهمت به ظلما وزورا، إلا أنه تناول الحركة كلها بازدراء وتعال غير مبرر، ازدراء وتعال انتقل إلينا من رأى الصليبيين واليهود فينا، تناولها ليس – حتى – كخطأ يمكن أن يُصوّب، بل كتخلف يجب أن يزدري ويجب أن يستأصل. وبدا لي قلمه الرشيق، سيفا سُلّ على الحسين، ممن كان ينبغي عليه أن يستشهد دونه. أو على الأقل كان واحدا من آل البيت – لا الأعراب- لكنه انسل هاربا تاركا الحسين رضي الله عنه.

سوف يدرك فهمي هويدي خطأه بعد ذلك.. سوف يدرك أن طالبان ليست مستهدفة لأنها كما يقول – بالباطل – متخلفة.. بل لأنها مسلمة.. و أنه هو نفسه سيستهدف ذات يوم.. رغم أنه غير متخلف!!.. ولست أدري هل أدرك الخطأ حين أدركه في الوقت المناسب أم سبق السيف العذل.. المؤكد أنه أدرك.. والمؤكد أنه لم يعتذر.. ويتجسد إدراكه في مقال منشور بمجلة راديو الإسلام ( العنكبوتية) يبدأه بصرخة:

"أخشى ما أخشاه أن نكون بصدد تشكيل فلسفة قمعية جديدة دون أن ندري، تسوغ التخلص من الاتجاهات الإسلامية، بزعم أن أصحابها يمثلون "فئات ضارة" بالمجتمع." 

ثم يتناول  كتاب الدكتور عبد الوهاب المسيري «الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ»، الذي يشرح نشوء فكرة  ضمان العافية والنقاء العرقي للألمان وما يترتب عليه من إبادة الفائض البشري، ويلاحظ فهمي هويدي تشابها  مع الحجج التي تساق للتخلص من التوجهات الإسلامية في زماننا. لقد جرى تبرير الإبادة في المرحلة النازية باعتبار أن ثمة فئات غير نافعة للمجتمع، في حين أن ما ينسب للحالة الإسلامية يتجاوز عدم النفع، ويروج لفكرة الإضرار بالمجتمع.  وفي ألمانيا النازية كان الحديث عن تفوق «العرق السيد»، وفي حالتنا يروج البعض لفكر ونموذج سيد، يتمثل في الليبرالية والنظام الرأسمالي الغربي. ولقد تحدث  المنظرون الألمان عن «أجناس عليا» ممثلة في الآريين، وأخرى «سفلى» تمثلت في العرب والزنوج واليهود. والعلمانيون عندما يتحدثون عن أفكار عليا «مشروعهم العلماني الليبرالي»، وأخرى سفلى ممثلة في أطروحات الإسلاميين بمختلف اتجاهاتهم. 

ثم يصل هويدي إلى الاستنتاج الفاجع:

إذا كان التشابه إلى ذلك الحد، وفي ظل إشاعة المخاوف من الإسلاميين والإلحاح على ما يمثله حضورهم المتنامي من خطر وضرر، ما الذي يمنع من أن يقتنع البعض في النهاية بأنه لا سبيل إلى تجنب الضرر والخطر إلا بالخلاص من تلك الشرائح، اهتداء بالخبرة الألمانية؟ - وهل نستبعد أو نستغرب أن يثور يوماً ما جدل بين العلمانيين المخاصمين حول أفضل السبل لتحقيق ذلك «الخلاص» المنشود، وهل يكون بالإبادة أو التعقيم أو النفي، ويكون الخياران الأخيران مطلباً ينحاز إليه «المعتدلون» من دعاة احترام حقوق الإنسان؟

*** 

فهمي هويدي كاتب كبير بلا شك.. ولست في مجال مدح أو قدح،  ولقد كنت شديد الإعجاب به حتى لاحظت أمرين: الأمر الأول هو حديثه عن فئات كثيرة من الإسلاميين بازدراء واستعلاء والأمر الثاني هو فتنة أدعو الله أن ينقذه منها ألا وهي فتنة علمنة الإسلام، ذلك أن بعضا ممن نحسن الظن بهم، يبدون و كأنهم في عطش شديد إلى الاقتراب من العلمانيين والقوميين والشيوعيين للحصول على شهادات صلاحية ( أو حسن سير وسلوك ) منهم، وكأنما تحول كل واحد من الأوغاد السفلة من الشيوعيين إلى كفيل يحتاج المسلم إلى كفالته كي يستطيع الكتابة والحياة دون اشتباه، نعم يلجأ بعض الإسلاميين إلى العلمانيين للحصول على شهادات بالتفتح والاستنارة وعدم الإرهاب، وهي شهادات لا يمكن أن يحصلوا عليها من عملاء مجرمين منافقين. نعم.. العلاقة بين بعض الإسلاميين وبعض العلمانيين كالعلاقة المريضة المنافقة التي يحاول المعتقل السياسي إقامتها مع رجل أمن في السجن – أو خارجه- ليأمن شره.. علاقة بين مجاهد متهم بالإجرام وليس بمجرم، وضابط مجرم يدعي حماية الوطن، وما يحمي إلا وطن الصليبيين واليهود.

نعم.. علاقات مريضة..

من ذلك على سبيل المثال تصريحات شاذة من بعض قيادات الإخوان لبعض الصحف القومية، حيث يتحول الإسلام في تصريحاتهم إلى مسخ شائه يمكن أن يكون أي شئ إلا الإسلام.. وظهور بعض المناضلين القدامى بعد أن أجهدهم الإعياء واستبطئوا النصر ففكروا في التحالف المؤقت  مع الشيطان والظهور في قناة الحرة أو في مجلة النيوزويك بعد أن سوغ لهم الشيطان هذه الفعلة، وهم يظنون أنهم يخدعون الشيطان وينشرون أفكارهم.. وما يخدعون إلا أنفسهم، ثم، وهذه ثالثة الأثافي قيام مجاهد سابق، ومفكر بارز، هو الأستاذ كمال حبيب ، بالحديث عن صلاح عيسي.. ووصفه بأنه صادق ومخلص.. والحمد لله أنه لم يقل الصادق الأمين!!..

صلاح عيسى..

صادق ومخلص!!..

إذن فليمت قيصر..!!

وليمت الإسلاميون جميعا إذن..

في نفس الشهر كان الفاسق سيد القمني ( هو بشخصه فاسق على الأقل.. أما كتاباته فهي كفر بواح) يعلن توبة مزيفة، وكان جمال الغيطاني يصرخ مستنجدا بأجهزة الأمن لأنني ( محمد عباس!!) أحرض على قتله، وكان صلاح عيسى يتصل بكمال حبيب للمرة الأولي ( أوجعني أن كمال ذكر ذلك بحبور وبفخر.. بينما مقالة واحدة يكتبها كمال تعدل تاريخ عيسى كله) راجيا إياه- نيابة عن الإسلاميين-  عدم اللجوء إلى التكفير أو الألفاظ الحادة.. 

كان تواكب الأحداث الثلاثة بما تحمله من توتر دليلا على رعب العلمانيين المرتدين – عن يساريتهم- وتوجسهم من احتمال انتصار الصحوة الإسلامية وتصديها للغزو الكافر..

ودعنا يا شيخ كمال من أن صلاح عيسى ليس هو الذي يضع لنا ضوابط التكفير فالذي يضعها لنا عملاق كالشيخ القرضاوي ( رغم انتقادنا الشديد له في بعض المواقف إلا أننا لا نغمط الرجل حقه) .

يقول الدكتور يوسف القرضاوي:

من الكفرة الذين يجب أن يُدفعوا بالكفر دون مواربة ولا استخفاء الأصناف التالية: 

-  الشيوعيون المصرون على الشيوعية، الذين يؤمنون بها فلسفة ونظام حياة، رغم مناقضتها الصريحة لعقيدة الإسلام وشريعته وقيمه، والذين يؤمنون بأن الدين -كل الدين- أفيون الشعوب، ويعادون الأديان عامة، ويخصون الإسلام بمزيد من العداوة والنقمة، لأنه عقيدة ونظام وحضارة كاملة. 

-  الحكام العلمانيون، ورجال الأحزاب العلمانية، الذين يرفضون جهرة شرع الله. وينادون بأن الدولة يجب أن تنفصل عن الدين، وإذا دعوا إلى حكم الله ورسوله أبوا وامتنعوا، وأكثر من ذلك أنهم يحاربون أشد الحرب من يدعون إلى تحكيم شريعة الله، والعودة إلى الإسلام

كما يذكر الدكتور القرضاوي من نواقض الإسلام: 

- أن الإنسان بعد أن يدخل في الإسلام بالإقرار بالشهادتين، يصبح -بمقتضى إسلامه- ملتزما بجميع أحكام الإسلام، والالتزام يعني الإيمان بعدالتها وقدسيتها، ووجوب الخضوع والتسليم لها، والعمل بموجبها. أعني الأحكام النصية الصريحة الثابتة بالكتاب والسنة. فليس لها خيار تجاهها بحيث يقبل أو يرفض، ويأخذ أو يدع، بل لابد أن ينقاد لها مسلما راضيا، محلا حلالها، محرما حرامها، معتقدا بوجوب ما أوجبت، واستحباب ما أحبت. وغيرها من أركان الإسلام وحرمة القتل والزنا وأكل الربا وشرب الخمر ونحوها من الكبائر، ومثل الأحكام القطعية في الزواج والطلاق والميراث والحدود والقصاص وما شابهها. 

فمن أنكر شيئا من هذه الأحكام "المعلومة من الدين بالضرورة" أو استخف بها واستهزأ فقد كفر كفرا صريحا، وحكم عليه بالردة عن الإسلام. وذلك أن هذه الأحكام نطقت بها الآيات الصريحة، وتواترت بها الأحاديث الصحيحة، وأجمعت عليها الأمة جيلا بعد جيل، فمن كذب بها فقد كذب نص القرآن والسنة. وهذا كفر. ( مجلة الوحدة الإسلامية – يناير 2005)

*** 

صلاح عيسي بوق البغاة على الإسلام وصوت الردة ضد المسلمين الناكئ لكل جرح والمثير لكل شبهة  وآخرها أن المسجد الأقصى في المدينة المنورة وليس في القدس الشريف ( وبتفسير صبيه فإن الهدف هو ترك الأقصى لليهود لأن نبينا صلوات الله وسلامه عليه لم يسر به إليه!!).. 

صلاح عيسى هذا أمين وصادق.. 

ولقد ذكرني مقال متميز بعنوان :"الاحتلال والاستقلال والمرتدون الجدد" القدس العربي- 2-9-2005 بصلاح عيسى ومن سار على دربه. في هذا المقال كتب باقر إبراهيم عن المرتدين الجدد، وخاصة من مرتدّي اليسار، الذين هيأوا لمنظومة من الأفكار، أخذت تتكامل، هادفة لنشر اليأس من جدوى النضال الشعبي لتحرير الأوطان.(...)لابد أن نلاحظ، أن المرتدين الجدد، وفي العراق، نموذج صارخ لهم، يتميزون بقدر كبير من التفنن بالخداع والمكر السياسي، والتلاعب بعاطفة الجمهور. وذلك ما يميزهم عن العملاء المكشوفين، ويجعلهم أكثر خطرا عي قضايانا الوطنية، ويتطلب جهدا اكبر لكشف البراقع الزائفة التي يتسترون بها.

ويفضح باقر إبراهيم وسائل المرتدين الجدد في استثمار قتل المدنيين الأبرياء في العراق لتشويه الجهاد كله وليس زعماء الجهاد فقط.. بينما الحقيقة واضحة لمن يريد الحقيقة.. فالأمريكيون والبريطانيون هم الذين  يدبرون التفجيرات المدروسة، أو العشوائية، وسط التجمعات المدنية والأسواق والمدارس أو دور العبادة. المحتل يخطط فقط، أما المنفذون فهم الموساد وعملاء الاحتلال وميليشياتهم، وحروبهم الطائفية المعد لها سلفا. لقد بات من المعروف أنهم هم الذين قاموا بالتفجيرات في الأماكن المقدسة والجوامع والكنائس والمدارس والأسواق الشعبية، معروفة الغرض ومعروف من يستفيد منها. ويكفي أن يعرف الناس أيضا، ما كشف بعد الاحتلال، من أن خمسة آلاف شخص قد تم تدريبهم في هنغاريا، وكان تلك وجبة واحدة من الوجبات التي أعدت لاحتلال العراق. وقد أعدت تلك الألوف ودربت للقيام بحرق وتدمير ما لم تدمره طائرات الاحتلال وقصف مدافعه أثناء الحرب. وان مهمة هذه الشبكات لم تنته بعد الحرب، بل هي مستمرة حتى اليوم وستستمر.

ويصرخ باقر إبراهيم:

ما أن تحصل عملية تدميرية كبيرة، تمس الناس الآمنين، أو المنشآت ذات النفع العام، حتى يسارع أبواق الاحتلال، وفي مقدمتهم المرتدون، ليوجهوا الإدانات الجاهزة والقاطعة التي تحمل مسؤوليتها للمقاومة الوطنية، أو القوي الرافضة للاحتلال.

للرد علي هؤلاء تفضل، كالعادة، الاستعانة والاستشهاد بما يقوله الأمريكان أنفسهم عن تلك العمليات. وفيما يلي أسوق للقاريء الكريم نموذجا واحدا مما قالوه.

تذكر الكاتبة الأمريكية (نعومي كلاين) في مقالة لها بعنوان (السنة الصفر ـ نهب العراق سعيا إلي يوتوبيا للمحافظين الجدد)، نشرتها مجلة المستقبل العربي في عددها 308 الصادر في تشرين الأول (أكتوبر) 2004 ما يلي:

في 2 آذار (مارس) 2004، مع رفض الأعضاء الشيعة في مجلس الحكم التوقيع علي الدستور الانتقالي، انفجرت خمس قنابل أمام مساجد في كربلاء وبغداد، فقتلت قرابة 200 من المصلين.

وحذر (جون أبو زيد)، القائد العام للقوات الأمريكية في العراق من أن البلد علي حافة حرب أهلية.

وخشية هذا الاحتمال، تراجع السيستاني ووقع السياسيون الشيعة علي الدستور الانتقالي. كانت حكاية مألوفة: صدمة ـ هجوم عنيف ـ مهد الطريق لمزيد من العلاج بالصدمات!

من المعلوم أن ذلك الدستور المؤقت، ونعني به (قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية) اقره مجلس الحكم يوم 8 آذار (مارس). أي بعد ستة أيام فقط من تلك التفجيرات المروعة. ذلك ما شهدت به الكاتبة الأمريكية (نعومي كلاين). ولكن لن تنتهي تهريجات أبواق الاحتلال، وخاصة المرتدين منهم.

كما أن ادوار الموساد الإسرائيلي، التي يتجاهلها المرتدون الجدد ليست في شمال العراق فقط، بل في كل مناطقه، لم تعد خفية علي احد. (...) كان دور الشبكات والعناصر الصهيونية، مساندة قوات الاحتلال في إشاعة الفوضى والحرائق والتفجيرات في التجمعات السكنية والأسواق الشعبية، وحيثما يمكن نشر الرعب وكسر الإرادة الشعبية الرافضة للاحتلال.(...) نحن رأينا، في جميع الفعاليات التدميرية والاغتيالات والسرقة وتشويش الأفكار، وفي الدجل السياسي، أثناء احتلال العراق وبعده، إن المتواطئين مع الاحتلال، هم أنفسهم، دعاة التطبيع مع دولة العدوان الصهيوني، ومعهم المرتدون وأحزاب الردة.(...) لعروبة العراق حصة مرموقة من العداوة (...) من اليسير أن نلاحظ أن كثرة من المرتدين، هم الذين يقودون حملة فك ارتباط العراق بانتمائه العربي، بعد احتلاله. (...) والقليلون من الناس البسطاء يعرفون أو يتذكرون أن أغلب هؤلاء كانوا تحت الرعاية الأخوية الفائقة للقيادات العربية، ومنها الفلسطينية والمصرية والسورية والليبية والجزائرية واليمنية وغيرها.

وهناك من كانوا تحت الرعايات الخاصة لأجهزة مخابرات تلك الدول. وكون بعض أولئك المرتدين، بفضل تلك الرعايات، تجارات رابحة، أو ممالك إعلامية، أو منشآت عقارية وأرصدة.

وهذا ما يشير إلي الجوانب غير السياسية، وغير النزيهة، في ذلك الجحود الذي نشهده اليوم، بحق الواجب العربي، بعد حصول المرتدين علي سادة جدد من الغرب، يقدمون عطاء اكبر!

هؤلاء هم من يدينون اليوم، أي مجاهد عربي، يتطوع لطرد المحتل من العراق، أو يرفع صوته مطالبا بتحريره، رغم أن الجميع يعرفون أن مهمة تحرير العراق، كانت بالأمس، وستظل اليوم، مهمة العراقيين بالدرجة الأولي، وأنهم الأقدر علي النهوض بها أولا وأخيرا..(...)بعض هؤلاء المرتدين، خاصة من حمل منهم لقب الكاتب الصحافي أو المحلل السياسي، أو أكثر من ذلك في ميادين الثقافة والأدب، كان قد ادخل في دورات للإعداد السياسي والثقافي في بلدان المتروبول، تمهيدا لاحتلال وطنهم، بعد أن اغرقوا بالامتيازات وبالمال الحرام.(...)  قال هؤلاء المرتدون في حملة الثقافة كل شيء في وصف عقد الإرهابيين . لكنهم لم يذكروا عقدة واحدة هي أن هؤلاء الإرهابيين المعقدين نفسيا ، قد رفضوا احتلال بلادهم وقرروا التصدي له.(...) كان الأجدر بالمرتدين الجدد، أن يحللوا نفسيا وعاطفيا، سياسيا واقتصاديا، العقد التي تكونت عند من ارتدوا عن النضال، وهجروا معسكره ليصبحوا مأجورين، أو متطوعين يؤمرون فيكافئون من أميرهم الجديد.

وكأن باقر إبراهيم يصف الشيوعيين المصريين إذ يقول:

أن بعض الذين افنوا زهرة شبابهم في نضال ايجابي سابق، وجدت في أسوار نضالهم الثغرات الجدية التي لم تكن ظاهرة تماما حينها. دلل علي ذلك أنهم تلقفوا بسرعة طروحات الردة الجديدة في أحزاب الردة، فاستهوتهم واجتذبتهم.

بعضهم راح يعلن عن قناعات جديدة تكونت لديه بعد الاحتلال، وبعد أن أعاد قراءة الماركسية واللينينية، خاصة ما قالته عن الإمبريالية!

تقول بعض تلك الطروحات والقناعات، أن أمريكا رغم مقاصدها المعروفة، لكن مصلحتها هي إقامة نظام ديمقراطي في العراق، وهي جاءت من اجل ذلك! ولهذا السبب يلزم أن ندرس الظواهر بعين جديدة! وهكذا كانت العين الجديدة قد رأت تلك الرؤية الجديدة. فيا لبؤس الجديد ويا لبؤس القراءة الجديدة للماركسية.! ( بعض من بدءوا مد الجسور مع الأمريكيين  يرددون هذه الحجة)..

ولا ينسى الكاتب في مقاله الطويل الشامل أن يحذر من أن الغواية لم تفلت بعض الإسلاميين لاصطيادهم هم الآخرين وضمهم إلى صفوف المرتدين الجدد!!..

غفر الله لك يا دكتور كمال حبيب.. أثرت مواجعي..!!..

*** 

نعود إلى مؤتمر شرم الشيخ لإدانة الإرهاب.. حيث قال الشيخ الجليل البوطي: لا يجوز قتل من قال: لا إله إلا الله..

جزاك الله خيرا يا شيخنا..

ولكن القضية المطروحة ليست كذلك.. إنها عكس ما تقول.. إنها – بمفهوم العولمة والحداثة:

- لا يجوز قتل إلا من قال: لا إله إلا الله..

*** 

أما المفكر الإسلامي الدكتور صالح المرزوقي فقد قال: "لا يجوز لجماعة من المسلمين أن تعلن الحرب على العدو دون موافقة ولي الأمر. فقد أجمع الفقهاء على أن إعلان الحرب من أحكام الإمامة والسياسة العامة لا من التصرفات الفردية التي تشتط فتدفع إلى ضلالات، وتوجد مثل هذه البؤر التي تسيء للأمة. فإعلان الجهاد مقصور على إذن الإمام وموافقته". 

يا شيخ: عاملك الله  حسب نيتك..

يا شيخ: فإن كان الإمام الأكبر كافرا!!..

يا شيخ: فإن كانت الإمامة الكبرى معقودة لحيوان متوحش مسعور هو جورج بوش..

يا شيخ: إن كانت الإمامة الصغرى معقودة لخنزير اسمه شارون..

يا شيخ: و إن كان الخفراء والخدم هم جل حكامنا وبعض شيوخنا فممن نحصل على الإذن وممن نأخذ الموافقة..

يا شيخ: أيها المدافع عن شرم الشيخ.. هل تدرك ما شرم الشيخ؟!

يا شيخ: لماذا لم يفكر أحد من العلماء في إدانة ما يحدث في شرم الشيطان لا شرم الشيخ أو المشايخ.

في شرم الشيخ التي اجتمع عيون العلماء فيها لتأييدها و إدانة الإرهاب فيها لم تصدر من الشيوخ كلمة إدانة للعهر والفجور الذي يحدث فيها والذي يتجاوز إهدار كل قيم الدين إلى إهدار الأمن القومي.. شرم الشيخ التي يعبد فيها الشيطان فيتقاطر إليها شيوخنا لا لكي يدينوا عبادة الشيطان أو ليمنعوها بل ليدينوا المجاهدين ويزدروهم.

*** 

إنني أرجو من القارئ أن يقرأ السطور التالية بتركيز ففي آخرها مفاجأة، ولقد ميزتها باللون وبالبنط المائل كما أن تحتها خط:

*** 

جاءني شاب في مقتبل العمر اسمه سامح درويش‏..‏ قال لي‏:‏ 

- في البداية هناك سؤال أريد أن أطرحه عليك يا سيدي أو إنه يطرح نفسه وهو‏:‏ ماذا يحدث في محافظة شرم الشيخ؟ وعفوا إن كنت سميتها محافظة ولكن يجب تسميتها دولة شرم الشيخ‏..‏ الدولة التي يسيطر علي عاداتها وتقاليدها اليهود والسياح الأجانب‏!‏

الموضوع يبدأ بالمصادفة عندما ذهب قريب لي لكي يقضي شهر العسل وبالأدق أسبوع العسل في الغردقة وشرم الشيخ‏..‏ وقد أخذ معه كاميرا فيديو للذكريات الجميلة وقد تباطأ في عمل الشريط ولكني قدر رأيته منذ بضعة أيام فقط‏..‏

وأنا أشاهد الشريط رأيت كارثة بكل المعايير،  فقد رأيت دولة شرم الشيخ تحتفل بميلاد شخص عزيز عليها تحبه وتقدره وإلا ما كانت تحتفل بميلاده‏..‏

أتعرف من هو يا سيدي؟‏..‏ انه لعنة الله عليه في السماء والأرض: الشيطان‏!‏

جميع الفنادق والمطاعم والكافتيريات يحتفلون بمولد هذا الملعون بالصور والديكورات الكبيرة والمخيفة المقززة للنفس لصقوها ووضعوها في كل شبر في هذه المحافظة‏..‏ الحفلات الصاخبة التي يتنافس عليها كل فندق ومطعم لتقديم الأفضل أو الأقذر‏!‏

نعم هذا ما حدث وأعتذر أن كنت تأخرت ولكني لم أشاهد هذا الكفر إلا من بضعة أيام فقط‏,‏ أليس هذا الذي كنا نطلق عليه هنا عبدة الشيطان؟

لماذا نحاربهم هنا ولا نحاربهم هناك؟

أهناك شئ يمنع؟‏..‏

أين المسئول عن الأمن هناك؟

لماذا لم يمنع هذا الكفر؟‏..‏

ستقول لي أنهم ليسوا بمصريين أو عرب أو حتى مسلمين‏..‏ ولكنهم في بلد مسلم وعلي أرض مسلمة وديننا أولا وعاداتنا وتقاليدنا كعرب لا تسمح بذلك‏..‏ لا أعلم أن كانت هذه أول مرة أم لا‏..‏ ولكني أتمني أن تكون هذه آخر مرة يحدث فيها هذا الكفر‏!‏

ولا حول ولا قوة إلا بالله‏..‏

إذا كان الشيطان قد خرج من القاهرة في رحلة إلي شرم الشيخ‏..‏ لكي تحتفل به الفنادق والمطاعم والسياح بعيد ميلاده السعيد‏..‏ ونحن لا ندري بما يجري داخل بلدنا شيئا‏..‏ فتلك مصيبة‏..‏ وإذا كنا ندري ولم نحرك ساكنا فالمصيبة أعظم‏..‏

فليس من أجل خاطر السياحة وإكراما لعيون السياح‏..‏ أن نخسر ديننا وننصب الشيطان أميرا علي شرم الشيخ ونحتفل بعيد ميلاده الميمون‏..‏ ونقيم له الأفراح والليالي الملاح ونعلق شارته ونرفع أعلامه ونحرك المواكب بالأعلام والموسيقي‏..‏ وكأنه موكب الخليفة في احتفال الطرق الصوفية في الحسين‏!‏

(...)

فهي كما قالت لي أستاذة في علم الاجتماع اسمها جاكلين أونوريه وهي فرنسية جاءت إلي القاهرة تدرس عادات أبنائها والتطور الفكري والثقافي والحضاري لشبابها‏:‏ مصنع للجريمة‏..‏ يتعلم فيه الجميع مبادئ الانحراف الصريح‏..‏ حسب المفهوم المصري والتقاليد المصرية‏..‏ الذي يسمي من يشرب الكحوليات ومن يدخن الماريجوانا والحشيش بلغة أهل البلد‏,‏ انحرافا وفسادا وخروجا علي التقاليد والدين‏..‏

ولأننا لا نعرف ماذا يجري داخل صالات الديسكو التي انتشرت في كل مكان‏..‏ لأنه مكان لا يدخله الكبار أمثالنا‏..‏ وإذا حاولنا أن ندخله قالوا لنا‏:‏ أين رفيقتك؟‏!‏

والشباب الصغير لا يريد أن يحكي لنا ماذا يجري في الداخل ابتداء من منتصف الليل وحتى شروق الشمس‏..‏ ولكن فتاة واحدة أصابها ما أصابها عندما غامرت ودخلت جهنم الحمراء هذه لأول مرة‏..‏ وخرجت منها بمأساة‏..‏ تعالوا نقرأ ماذا شاهدت وماذا حدث لها في جهنم الحمراء التي يطلقون عليها خطأ اسم صالات الديسكو‏ (...)

(...)

 قالت لي أم فاضلة تشغل منصبا مرموقا وكلماتها تغلي وتفور غضبا وانفعالا‏:‏

(...) بكل أسف لقد شاهدت هذه المحطة وفوجئت وأنا أشاهدها بأن الفيلم الذي تذيعه في بدايته بريئا كل البراءة وأحداثه تجري داخل معسكر للطلبة والطالبات الذين جاءت عائلاتهم لتحتفل بتخرجهم‏..‏ ثم تظهر قصة الفيلم علي حقيقتها عندما يتبادل الأولاد والبنات كل واحد يأخذ بنت علي خيمة أو غرفة أو ظل شجرة بعيدة أو زورقا علي شاطئ البحيرة‏..‏ ليمارسوا الحب تحت عيناي الكاميرا التي لا تفارقهم لحظة حتى الأمهات والآباء الذين جاءوا يحتفلون بأولادهم في حفلة التخرج كان لهم نصيب من هذا القرف الجنسي ومع من؟‏..‏ مع الأولاد والبنات الصغار‏..‏ لقد شاهدت هذا الفيلم حتى نهايته وقد أغلقت الباب حتى لا يشاهده من في البيت لكي أعرف ماذا تقدم لنا هذه المحطات من فسق وفجور وعظائم الأمور‏!‏

(...)

لقد تسلل الشيطان في غفلة منا إلي صدور شبابنا‏..‏ يعبث في عقولهم‏..‏ ويدمر ما بقي في حياتهم من خير وحق وعدل وفضيلة‏..‏

***

والآن أطلع القراء على المفاجأة .. فكل الكلام المميز السابق ليس كلامي.. و إنما هو تحقيق صحافي منشور في الأهرام وبقلم عزت السعدني وهو كاتب ليبرالي حكومي على علاقة وثيقة بالأمريكيين ،  أما عنوان التحقيق فهو:  " مقعد في قطار بلا سائق".. العدد 41830.

هذه هي شرم الشيخ التي ذهب شيوخنا ليدعموها ضد الإرهابيين وغلاة التكفير.

***

لا..

لا..

لم يكن صلاح عيسى وخليل عبد الكريم وسيد القمني وجابر عصفور ويحيى الرخاوي وفؤاد علام وخيري منصور وجمال الغيطاني وحيدر حيدر والعفيف الأخضر ومحمد أركون و أدونيس وصبحي حديدي وعلاء حامد وفؤاد زكريا و أسامة أنور عكاشة و .. و.. و.. .. لم يكونوا من الأعراب الذين تخلوا عن الحسين تاركينه في الصحراء يواجه الموت وحده..

لا..

لا..

لم يكونوا من الأعراب..

بل كانوا جميعا يرتزقون في جيش بن زياد..

أنا رأيتهم يمتطون جيادهم ليرضوا في الأرض الجسد الشريف لسيد الشهداء بعد أن ذبحوه..

أما العلماء الأجلاء والشيوخ الفضلاء.. فقد تركوا ميدان المعركة وذهبوا إلى شرم الشيخ ليدينوا الإرهاب.

*** 

لم يتخل عن الحسين من آل البيت أحد.. بل انضمت كوكبة من فرسان جيش ابن زياد لجيش المسلمين..

وأوصى الحسين في هذه الليلة إلى أهله وخطب أصحابه في أول الليل فحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على رسوله بعبارة فصيحة بليغة وقال لأصحابه من أحب أن ينصرف إلى أهله في ليلته هذه فقد أذنت له فان القوم إنما يريدونني فلو قد أصابوني تلهوا عن طلب غيري فاذهبوا حتى يفرج الله عز وجل فقالوا له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه لا بقاء لنا بعدك ولا أرانا الله فيك ما نكره لا والله لا نفعل ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتى نرد موردك.. 

أما سعيد بن عبد الله الحنفي فقد قال: والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك، والله لو علمت أنى أقتل دونك ألف قتلة وأن الله يرفع بذلك القتل عنك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك لأحببت ذلك وإنما هي قتلة واحدة.

*** 

لله درك..

لله درك..

لله درك..

والله لو علمت أنى أقتل دونك ألف قتلة وأن الله يرفع بذلك القتل عنك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك لأحببت ذلك وإنما هي قتلة واحدة.

*** 

جملة اعتراضية- الحمد لله الذي أذاقني قبسا – ولو ضئيلا - من حلاوة هذا الإحساس عندما تصديت للكفر والفسوق والعصيان والشذوذ دفاعا عن كتاب الله وعن نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم فيما عرف بأزمة الوليمة.. و أظني .. ولو على المستوى النظري كنت مستعدا فيها أن أستشهد دفاعا عن القرآن ألف مرة..

*** 

أشعر أن بعض شيوخنا يقومون بالدور الكئيب الذي رواه لنا التاريخ عن الأعراب.. يتخلون عن الحسين رضي الله عنه.. يتخلون عن الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري والمجاهد أبو مصعب الزرقاوي.. وعشرات ومئات و ألوف..

نعم..

أبو مصعب الزرقاوي مجاهد و إن كره المرتدون..

*** 

وهنا أنبه القراء لمكر الصليبية الصهيونية الحاقدة وطريقتها التدريجية في هدم الدين..

ولعل القراء تنبهوا إلى خفوت الحملة على الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري، وقد يعود ذلك لأن دوائر شياطين الإنس قد أدركت أنهما خلبا لب أمتهم، و أن الهجوم عليهما لا ينال منهما بقدر ما ينال من المهاجم.. لهذا تركوا هذه المهمة لنوع شرس من الكلاب البشرية ليس لهم قيمة حقيقية.. تركوا هذه ووجهوا كل سلاح أكاذيبهم الباطش الجبار ضد أبي مصعب الزرقاوي..

نفس الآلية الكافرة التي استعملوها مع الإسلام كله..

سياسة الخطوة خطوة.. فعندما يكون الخصم قويا وضخما يجب عدم مواجهته و إنما تفتيته وخداعه..

في البداية يقولون: نحن لسنا ضد الإسلام بل نحن ضد الانحراف عنه..

ثم: نحن لسنا ضد الإسلام بل نحن ضد فقهاء الحيض والنفاس و أدعياء الدين ورجاله وكهنوت العلماء ( ليس في الإسلام أي من ذلك)..

ثم.. لنعد إلى السنة الصحيحة الصادقة كالبخاري ومسلم..

ثم.. البخاري ومسلم ليسا قرآنا .. لنعتمد على القرآن فقط..

ثم – أستغفر الله العظيم- القرآن نص بشري سرقه – خرست أفواههم – محمد ( صلى الله عليه وسلم) من التوراة والإنجيل ومن أشعار أمية ابن الصلت..

فهل فهمتم الآن يا قراء لماذا يركزون الهجوم على المجاهد أبي مصعب الزرقاوي رضي الله عنه..

هل أدركتم..

هم يجعلون من اللصوص والمجرمين قديسين ونحن ندمغ المجاهدين في سبيل الله بأقبح الصفات ونسميهم مجرمين..

هل تذكرون باروخ جولدشتاين؟..

المجرم باروخ جولدشتاين.. الذي ارتكب مذبحة ضد المصلين المسلمين في الحرم الإبراهيمي في فبراير 1994 قتل خلالها 29 مصليا.

كرمه اليهود وجعلوا منه بطلا بل وقدسوه وسموه شهيدا..

أما نخن فنسمي أبي مصعب الزرقاوي إرهابيا ومجرما!!..

  وفي كتاب "باروخ البطل" الذي يجمع مقالات لذكرى جولدشتاين، امتنع مارزل عن التطرق إلى "الأعمال" التي قام بها صديقه. وقد كتب مارزل في مقال تحت عنوان "البوصلة": " كنت كلما قابلت الشهيد باروخ جولدشتاين ذي الذكرى العطرة، انتقم الرب لدمه– أشعر أنني أستطيع أن أصل إلى الحقيقة عن طريقه لأنه رجل صادق لا يتهاون وليس لديه اعتبارات خارجية". (...)  كلمات "القتل" و"المذبحة" وفي المقابل استخدم كلمات "الفعل", أو "الحدث". و ذلك لأن قتل اليهودي لغير اليهودي تحت أية ظروف لا يعتبر جريمة في نظر الهالاخاه. وفي كثير من الأحيان تتطابق المشاعر العامة تجاه قتل اليهودي لغير اليهودي و التي يعبر عنها الإسرائيليين بوقاحة مع الهالاخاه. وقد قال ليفينجر لبارنيا أن قرار البلدية عبر سريعاً عن الأسف من أجل العرب الذين قتلوا و لكنه يؤكد علي مسؤولية الحكومة. و حين سأل بارنيا ليفينجر إذا ما كان يشعر بالأسف قال ليفينجر: "أنا آسف من أجل الموتى العرب كما أأسف من أجل الذباب الميت." 

جعلوا من المجرم بطلا.. ونحن نجعل الأبطال مجرمين.. قبل أن تجف دماء المصلين المسلمين و أثناء دفن جولدشتاين كانت جدران الأحياء الدينية في القدس الغربية قد غطيت بملصقات تُعدد فضائل جولدشتاين وتأسف لعدم تمكنه من قتل مزيد من العرب. أطفال المستوطنين المتدينين أتوا إلى القدس للتظاهر وهم يعلقون لافتات تقول "د. جولدشتاين عالج أمراض إسرائيل". و تحولت العديد من الحفلات الموسيقية الدينية إلى مظاهرات لإحياء ذكرى جولدشتاين. (100)

أما نحن فنلعن أبي مصعب الزرقاوي.. رضي الله عنه..

على من يلعنه اللعنة..

***  

فقرة اعتراضية:

في حلقة على قناة الجزيرة، ظهر المستشار الجليل محفوظ عزام، خال الدكتور أيمن الظواهري، متلفعا بإباء المسلم وشموخه، ليحكي لنا – بدموعنا – عظمة أيمن الظواهري ورقته وحساسيته وتدينه ونبوغه واهتمامه بأمر المسلمين. كان مجاهدا بين خونة ولذلك كان لابد لهم أن يمسكوه، وعندما أمسكته الكلاب المسعورة عذب عذابا شديدا  في قضية الجهاد الكبري عام 1982 والتي ضمت 302 متهم والتي حكمت المحكمة فيها بالافراج عن ايمن الظواهري. واعلنت في حيثيات حكمها انه تعرض لابشع انواع التعذيب وان ما لاقاه لم تشهده العصور الوسطي من التعذيب وعندما رفعت قضية تعويض لايمن الظواهري بناء علي التوكيل حكمت المحكمة ب 3 آلاف جنيه فقط?! واشترطت وزارة الداخلية في سابقة الاولي من نوعها ان المبلغ مودع لدي مباحث امن الدولة وانه اذا رغب ايمن الظواهري الحصول عليه يجب حضوره بصفة شخصية لتسلم المبلغ?!.

وثمة عتاب على المستشار محفوظ عزام..

لقد كان جليلا ومؤثرا ونبيلا..

ولكن كيف رضي أن يظهر معه على الشاشة نفس الكلب المسعور الذي عذب أيمن الظواهري رضي الله عنه.. صحيح أنه عامله كحشرة فرفض تبادل أي حديث مباشر معه، بل ولم يصافحه أو ينظر إليه، ولكن .. كان الأولى رفض الظهور مع الكلب المسعور قاتل كمال السنانيري.

***  

هل كان شمر بن ذي الجوشن هو الذي جز رأس الحسين رضي الله عنه؟.. أم كان فؤاد علام؟ أم كان صلاح عيسى؟!..

و أي من علماء شرم الشيخ أفتوا بجواز قتله؟!..

***  

..وخرج من أصحاب الحسين زهير بن القين على فرس له شاك في السلاح فقال يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله نذار إن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم ونحن حتى الآن أخوة وعلى دين واحد وملة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف فإذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنا أمة وأنتم أمة إن الله قد ابتلانا وإياكم بذرية نبيه لينظر ما نحن وأنتم عاملون إنا ندعوكم إلى نصره وخذلان الطاغية ابن الطاغية عبيد الله بن زياد..

*** 

هو نفس الدم الذي أصبح بيننا وبين القوميين والشيوعيين والمتغربين والحداثيين والليبراليين..

لقد ولغوا في دمنا..

وتحالفوا مع الأعداء علينا..

و أعطوهم المسوغ والمبرر لسحقنا..

انقطعت العصمة..

ليسوا منا ولا نحن منهم..

نحن أمة وهم أمة..

*** 

 وحمل رجل يقال له عبد الله بن حوزة حتى وقف بين يدي الحسين فقال له يا حسين أبشر بالنار فقال له الحسين كلا ويحك إني أقدم على رب رحيم وشفيع مطاع بل أنت أولى بالنار قالوا فانصرف فوقصته فرسه فسقط وتعلقت قدمه بالركاب وكان الحسين قد سأل عنه فقال أنا ابن حوزة فرفع الحسين يده وقال اللهم حزه إلى النار فغضب ابن حوزة وأراد أن يقحم عليه الفرس وبينه وبينه نهر فحالت به الفرس فانقطعت قدمه وساقه وفخذه وبقى جانبه الآخر متعلقا بالركاب وشد عليه مسلم بن عوسجة فضربه فأطار رجله اليمنى وغارت به فرسه فلم يبقى حجر يمر به إلا ضربه في رأسه حتى مات ..

اللهم حزهم إلى النار يا رب..

اللهم حزهم إلى النار يا رب..

اللهم حزهم إلى النار يا رب..

*** 

هل كان الحسين في كربلاء أم كان في تورا بورا وكان أسامة بن لادن و أبو مصعب الزرقاوي في كربلاء..

هل أنا من السكارى وما هم بسكارى؟!

هل أخرف..

أم أنني أصبت كبد الحقيقة فلولا هذا ما كان ذاك.. و الأمر كالمعادلات الرياضية التي يمكن التعويض فيها بحدود مختلفة كأن تقول إذا كان خمسة في خمسة تساوي خمسة وعشرين وكانت عشرين زائد خمسة تساوي خمسة وعشرين فإن خمسة في خمسة تساوي عشرين زائد خمسة..

أنا لا أخرف إذن وليس المكان هو المهم و إنما من شغل المكان.. (وما حب الديار شغلن قلبي ولكن حب من سكن الديارا).. ليس المكان هو المهم.. المهم هو نحن.. مع من.. وفي أي جيش أبحث عن شيوخنا .. مع الحسين و أسامة بن لادن والزرقاوي أم ابن زياد وشمر وعلاوي وطالباني وبوش.

*** 

شيوخنا الأجلاء لم يجرءوا على قول ما قاله شاعر قضى جل عمره فاسقا هو نزار قباني الذي صرخ في قصيدة عنوانها: أنا مع الإرهاب:


متهمون نحن بالإرهاب../ إذا رفضنا محونا../ على يد المغول واليهود والبرابرة..

متهمون نحن بالإرهاب../ إذا رفضنا أن نفاوض الذئب../ وأن نمد كفنا لعاهرة..

متهمون نحن بالإرهاب../ إذا حملنا الخبز والماء../ إلى طروادة المحاصرة..

متهمون نحن بالإرهاب../ إذا رفعنا صوتنا../ ضد الشعوبيين من قادتنا..

وكل من غيروا سروجهم../ وانتقلوا من وحدويين إلى سماسرة.. 

متهمون نحن بالإرهاب../ إذا اقترفنا مهنة الثقافة../ 

إذا قرأنا كتابا في الفقه والسياسة..

إذا ذكرنا ربنا تعالى../ إذا تلونا سورة الفتح../ وأصغينا إلى خطبة يوم الجمعة..

فنحن ضالعون في الإرهاب../ متهمون نحن بالإرهاب..

إن نحن دافعنا عن الأرض../ وعن كرامة التراب..

إذا تمردنا على اغتصاب الشعب../ إن كان هذا ذنبنا../ ما أروع الإرهاب.. 

لم يبق في حياتنا قصيدة../ ما فقدت عفافها../ في مضجع السلطان..

أنا مع الإرهاب.. / إن كان يستطيع أن يحرر الشعب..

من الطغاة والطغيان.. / وينقذ الإنسان من وحشية الإنسان..

أنا مع الإرهاب.. / إن كان يستطيع أن ينقذني..

من قيصر اليهود.. / أو قيصر الرومان..

أنا مع الإرهاب.. / بكل ما أملك من شعر.. ومن نثر.. ومن أنياب..

مادام هذا العالم الجديد.. / بين يدي قصاب..

أنا مع الإرهاب.. / إن كان مجلس الشيوخ في أمريكا..

هو الذي في يده الحساب.. / وهو الذي يقرر الثواب والعقاب..

أنا مع الإرهاب.. / مادام هذا العالم الجديد..

يكره في أعماقه.. / رائحة الأعراب..

أنا مع الإرهاب.. / مادام هذا العالم الجديد..

يريد أن يذبح أطفالي.. / ويرميهم إلى الكلاب..

من أجل هذا كله.. / أرفع صوتي عالياً..

أنا مع الإرهاب.. 

أنا مع الإرهاب.. 

أنا مع الإرهاب.. 


*** 

كان خبراء الموساد والسي آي إيه وضباط المخابرات المصرية والسعودية والسورية والأردنية والتونسية يقفون على رابية يرقبون المعركة..

 أقبل مدير مباحث أمن الشيطان ورئيس الحرس الوطني  فحملا على أصحاب الحسين وتكاثر معهما الجند حتى كادوا أن يصلوا إلى سبط الرسول صلى الله عليه وسلم فلما رأى أصحابه أنهم قد كثروا عليهم وأنهم لا يقدرون على أن يمنعوا الحسين ولا أنفسهم تنافسوا أن يقتلوا بين يديه ..

جاء عبد الرحمن وعبد الله ابنا عزرة الغفاري فقالا:

-  أبا عبد الله عليك السلام حازنا العدو إليك فأحببنا أن نقتل بين يديك وندفع عنك ..

ثم أتاه أصحابه مثنى وفرادى يقاتلون بين يديه وهو يدعو لهم ويقول جزاكم الله أحسن جزاء المتقين فجعلوا يسلمون على الحسين ويقاتلون حتى يقتلوا ..

ثم جاء عابس بن أبى شبيب فقال:

- يا أبا عبد الله أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعز على منك ولو قدرت أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشيء أعز على من نفسي ودمى لفعلته السلام عليك يا أبا عبد الله أشهد لي أنى على هديك..

 ثم مشى بسيفه صلتا وبه ضربة على جبينه وكان أشجع الناس فنادى ألا رجل لرجل ألا ابرزوا إلى فعرفوه فنكلوا عنه ثم قال عمر بن سعد ارضخوه بالحجارة فرمى بالحجارة من كل جانب .. 

*** 

أوصيكم يا قراء، أو يا أبناء القراء أو أحفادهم، عندما تحتل القاهرة كما احتلت بغداد، وعندما يحدث للإسكندرية ما حدث للفالوجا ولأسيوط ما حدث لجنين ولطنطا ما حدث لجروزني، أوصيكم ألا تقولوا هزمتنا الفرنجة أو غلبنا الصليبيون أو اكتسحنا اليهود. لا تقولوا ذلك بل قولوا هزمتنا جيوشنا، تلك الجيوش التي دفنت كرامتها عندما اقتصرت مهمتها على حماية الحاكم الطاغوت اللص المجرم وعلى حماية حدود إسرائيل. 

لا تقولوا هزمنا بوش وبلير وشارون وباراك..

 بل قولوا هزمنا الأسد وعبد الله ومباراك..

 لا تقولوا هزمنا الأعداء بل قولوا هزمنا الأشقاء والأبناء..

 لا تقولوا هزمتنا السي آي إيه والموساد .. 

لا تقولوا ذلك بل قولوا هزمتنا مباحث أمن الدولة والحرس الوطني والمخابرات والقلم السياسي.. 

اصرخوا أن هذه الأجهزة مزقت الوطن وشرذمت الأمة وجعلت أبناءها يفضلون الاحتلال الإسرائيلي أو الأمريكي عن احتلال الجيش الوطني..

 يــــــا لـَـصَخَبَ صوتِ تمزّق القلب ونحن نقرأ أن شيوخ القبائل في سيناء يفكرون في طلب الانفصال عن مصر.. 

يــا لــرنين أنــين القلب وهو ينتحب إذ يحدثني من العريش أحمد فيقول لي جربت اعتقال الموساد واعتقال مباحث أمن الدولة.. وشتان .. ووالله لولا الإسلام لفضلت الأولى.. 

 لذلك.. ولما هو أكثر من ذلك أكرر: لا تقولوا هزمنا بن جوريون أو جولدا مائير أو ديان أو رابين أو شارون.. بل قولوا هزمنا جمال عبد الناصر وحسني مبارك وجمال مبارك والملك عبدالله والملك حسين و..و..و.. 

لا تقولوا هزم مفكروهم مفكرينا بل قولوا انتصر أغواتهم وعبيدهم ومأجوروهم.. انتصر صلاح فضل وجابر عصفور وفاروق حسني وسمير رجب وصلاح عيسى وخيري منصور و أدونيس ومحمود درويش وعصابة الأربعة.. لا تقولوا هزمتنا الواشنطن بوست والديلي نيوز ويديعوت أحرونوت والنيوزويك بل قولوا هزمتنا الأخبار والأهرام والأهالي والحياة والشر الأوسط وروز اليوسف.. لا تقولوا هزمنا تشدد ابن تيمية وابن عبد الوهاب وعبد الله عزام وعمر عبد الرحمن بل قولوا هزمنا تفريط طنطاوي وبيومي وفقهاء التراجعات..

ثم يا قراء، أو يا أبناء القراء أو أحفاد القراء .. عندما يحدث هذا كله.. وعندما تدينون هؤلاء جميعا لا تقللوا أبدا من إدانتكم لأمة مشلولة سلط الله عليها من تستحقهم.. أمة لم يستنفرها للدفاع عن نفسها دين ولا وطن ولا شرف ولا عرض ولا حتى طعام وشراب..

أمة زورت إرادتها فلم تتقدم لتسحق المزورين..

أمة انتهكت نخبتها فلم تتحرك لتدهس المنتهكين..

ثم اسألوا.. لو حدث ما يحدث في بلادنا في بلاد أخرى فتحرك الشعب ليذبح الطاغوت ويسحقه.. هل يعتبر هذا التحرك إرهابا؟..

دعنا من الإسلام الآن لمجرد الجدل..

دعنا منه..

دعنا منه بعد أن أوردت لكم في مقالات سابقة أنهم في الغرب يعتبرون المسلم المتشدد هو كل من ما يزال يصر على أن القرآن كلام الله..

دعنا منه ونحن نقرأ أن بلير – معبرا عن الغرب كله- يعرف الإرهابي بأنه كل من يدعو إلى تحكيم الشريعة.. وهو رأي أظن أن مبارك وعبد الله وزين العابدين والأسد بل وكل حكامنا ونخبتنا النجسة يوافقونه عليه..

دعنا من الإسلام..

هبنا ملحدين كالروس.. أو بوذيين نعبد البقر.. وجاء الغرب – بقيادة أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا أو أي طاغوت آخر ليمزق أوطاننا ويشرذم شعوبنا ويمتهن مقدساتنا ويستولي على ثرواتنا بل ويحل محل بعض شعوبنا.. لو حدث ذلك مع عبدة البقر فتصدوا للعدوان وقاتلوا من تطاله أيديهم من الغزاة أو من يساعدهم.. فهل يعد ذلك إرهابا؟..

لو أننا ثأرنا لكل ألف قتيل من قتلانا بقتيل أمريكي واحد فهل يعد ذلك إرهابا..

لو أننا فجرنا شارعا لهم مقابل كل مدينة ينسفونها لنا فهل يعد ذلك إرهابا.

لو أن الأمريكيين استولوا على أرض روسية أو هندية أو صينية وجعلوا منها حاملة طائرات ضخمة وثابتة وقاعدة تكرس استمرار التمزق والتشرذم فهل كان الروس أو الهنود أو الصينيون سيسكتون قبل أن يسحقوا العدوان سحقا ويبدوا الغزاة عن بكرة أبيهم؟!.. هل تعد المقاومة إرهابا في مثل هذه الظروف..

*** 

من معسكر آل البيت خرج  غلام كأن وجهه فلقة قمر في يده السيف وعليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ما أنسى أنها اليسرى فقال لنا عمر بن سعد بن نفيل الأزدي والله لأشدن عليه فقلت له سبحان الله وما تريد إلى ذلك يكفيك قتل هؤلاء الذين تراهم قد اعتزلوهم فقال والله لأشدن عليه فشد عليه عمر بن سعد أمير الجيش فضربه وصاح الغلام يا عماه قال فشد الحسين على عمر بن سعد شدة ليث أعضب فضرب عمر بالسيف فاتقاه بالساعد فأطنها من لدن المرفق فصاح ثم تنحى عنه وحملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمر من الحسين فاستقبلت عمر بصدورها وحركت حوافرها وجالت بفرسانها عليه ثم انجلت الغبرة فإذا بالحسين قائم على رأس الغلام والغلام يفحص برجله والحسين يقول:

- بعدا لقوم قتلوك ..  خصمهم يوم القيامة فيك جدك..

 ثم قال:

-  عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك ثم لا ينفعك صوت والله كثير عدوه وقل ناصره..

 ثم احتمله وقد وضع صدره على صدره ثم جاء به حتى ألقاه مع ابنه على الأكبر ومع من قتل من أهل بيته ..

كان  الغلام هو القاسم بن الحسن بن على بن أبى طالب ..

*** 

يا أسامة بن لادن..

يا أيمن الظواهري..

يا أبو مصعب الزرقاوي..

خصمهم فيكم يوم القيامة رسول الله صلى الله عليه وسلم..

*** 

أعيا الحسين رضي الله عنه  فقعد على باب فسطاطه وأتى بصبي صغير من أولاده اسمه عبد الله فأجلسه في حجره ثم جعل يقبله ويشمه ويودعه ويوصى أهله فرماه رجل من بنى أسد يقال له ابن موقد النار بسهم فذبح ذلك الغلام فتلقى حسين دمه في يده وألقاه نحو السماء وقال:

- يا  رب.. إن تك قد حبست عنا النصر من السماء فاجعله لما هو خير وانتقم لنا من الظالمين..

 ورمى عبد الله ابن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسين بسهم فقتله أيضا ثم قتل عبد الله والعباس وعثمان وجعفر ومحمد بنوا على بن أبى طالب إخوة الحسين وقد اشتد عطش الحسين فحاول أن يصل إلى أن يشرب من ماء الفرات فما قدر بل مانعوه عنه فخلص إلى شربه منه فرماه رجل يقال له حصين بن تميم بسهم في حنكة فأثبته فانتزعه الحسين من حنكه ففار الدم فتلقاه بيديه ثم رفعهما إلى السماء وهما مملوءتان دما ثم رمى به إلى السماء وقال:

-  اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا . 

*** 

كنت هناك.. 

رأيت كتيبة شمر.. 

تحت لوائها كان يقاتل مبارك وعبد الله والأسد.. وكل حكامنا..

هتفت: اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا .

*** 

كنت هناك..

بحثت عن الشيخ حسن نصر الله والسيستاني  وأحمدي نجاد  فلم أجدهم في جيش الحسين فبرى الألم القلم.. ورحت أتمتم والتمتمة قطرات دم:

- كيف يصلون خلف الحسين ويقاتلون خلف ابن زياد؟..

*** 

كنت هناك ..

كنت أنتظر المعجزة..

ولم يكن عقلي القاصر قد أدرك بعد أن المعجزة كانت ألا تحدث معجزة..

وكنت أنتظر الفارس يوسف بن القرضاوي والفارس محمد ابن إسماعيل ابن المقدم يقودان كتيبة الشيوخ لاختراق الحصار المضروب حول أسامة بن لادن والظواهري والزرقاوي.. عفوا أقصد الحسين وآل بيته.. كنت أنتظرهما لكنهما لم يأتيا أبدا..

*** 

وكنت أري ضابطا بمباحث أمن الدولة يطلق رصاصة على فم الحسين الشريف قبل أن يروي عطشه.. فار الدم فتلقاه الحسين بيديه ثم رفعهما إلى السماء وهما مملوءتان دما ثم رمى به إلى السماء وقال:

- اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا .

ورحت داميا أقول ولا أكف:

-  اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا .

- اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا .

- اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا .



**** 

***** 

******* 

حاشية يتيمة

مسخرة!!

أظن أن القارئ الكريم ينزهني عن أن أدلي بدلوي في الانتخابات.. أظنني أعز عليه من ذلك و أكرم.. وعلى العموم.. في كل الانتخابات السابقة واللحقة – شاملة التغييرات والتعيينات في الصحافة – لم ينجح هذا ولا ذاك..- المحزن أن القضاء أيضا لم ينجح.. وذلك متوقع-  لم ينجح هذا ولا ذاك..  لكن .. نجحت السفارة الأمريكية.. والموساد.. والسي آي إيه!!.










الحقيقة كما حدثت لا كما قيلت

النصارى يحكمون مصر!

والبابا يتبختر كقيصر!! 

الأقباط يعترفون والمفتي والنائب العام ينكران !!

و قسيس يطلب من النائب العام أن يكون صادقا!!

بلاغ إلى النائب العام: أسماء المجرمين 

إني أتهم.. والبابا آخر المتهمين..

أبناء الأفاعي جعلوا بيت العبادة  مغارة لصوص

*** 

السيد النائب العام: نطالبك بالصدق!!( مسيحي!)

عاصفة الشيطان على العالم يحملها بوش 

العار لمن نكل بالمسلمين فأخل بالتوازن فطغى النصارى..


www.mohamadabbas.net

mohamadab@gawab.com


كلما ازدادت الخطوب، وتهاطلت المصائب، وتكاثرت الفتن، تدهمني الحيرة، وينقض السؤال ظهري، سؤال يقول: في أي الشئون أكتب، ولأي الفتن أتصدى، وعن أي الخطوب أدافع، أتقلب على الجمر و أقبض عليه إذ أتساءل: أي الكوارث أولى بالمواجهة، و أي المصائب لا يجوز التواني عن الحديث عنها، كلما حدث ذلك تتغير أولوياتي، فأنصرف عما نويت التصدي له، وأتحول عما أردت الخوض فيه، ليس انصرافا عن المهم، بل اتجاها للأهم، فأكون كالأب الذي ينصرف عن ابنه الذي تصرعه الحمى، إلى ابنه الآخر الذي يكاد النزيف أن يقتله، وما أكثر ما انتويت أن أكتب حاشية في أمر ما، حاشية من بضعة سطور، فإذا بالحاشية تتحول إلى مقال، وكم من مرة انتويت أن أكتب مقالا واحدا أعود بعده إلى ما كنت فيه، لكن المقال يستدعي أجزاء و أجزاء و أنا أدرك أنني لم أكمله، و أن هناك نقاطا في غاية الأهمية لم أذكرها، أقول كلما حدث ذلك ينساب إلىّ خيال حزين، ربما كان رؤيا، وربما كان من خلال أستار الزمن رؤية، عن فارس، ربما كان في الأندلس أو في العراق أو في فلسطين أو في سيناء أو في البوسنة والهرسك أو الفلبين أو كوسوفا أو في بخارى أو في سمرقند، أو الشيشان أو كشمير أو في دمشق وبيروت والرياض والقاهرة،  فارس يحاول الدفاع عن قلعة تهدمت حصونها ونقبت ثغورها، وانشغل ولاتها الخونة، و أمراؤها اللصوص، انشغلوا عن الدفاع عنها بجمع ما سرقوه منها والهرب، ويقف الفارس حيرانا، هذا الثقب أولى بالدفاع أم تلك الثغرة، تلك الثلة من فرسان العدو أم تلك القلة، هل يندفع إلى اليسار أم اليمين أولى، إلى الأمام أم الخلف أخطر، كلما اتجه إلى مكان اكتشف أن الخطر في المكان الآخر أشد، وكلما عزم على أمر وجد أن فرصة تنفيذه قد ولت، تجيئه النداءات من كل صوب، والاستغاثات من كل جهة، اختلطت الأصوات فما عاد يعلم إن كان الصوت صوت أخيه أم صوت عدوه، وما إذا كانت الاستغاثة صادرة لتحذيره أم لتضليله كي يندفع إلى المكان الخطأ في الزمان الخطأ، اشتبكت الأصوات واختلطت الملامح، الأعداء يلبسون زى قومه وقومه يلبسون زى الأعداء، لم يعد يعرف، لم يعد يفهم، عيناه تكذبان وأذناه تكذبان وفكره يختل، إلى من يستجيب؟ من يُنجد وبمن يستنجد؟؟ تدور عيناه، تنسعر عيناه، يجرى لكن في نفس النقطة من المكان، يلهث، يدور حول نفسه، يظل يدور، ويدور ويدور..

***

يستبد بي هذا الخيال الكابوسي، ثم ما يلبث حتى يستسلم لواقع لا يكاد يختلف عنه، فمنذ شهور، مرت كدهور، و أنا أنوي العودة للكتابة عن شهيد الإسلام سيد قطب، لعن الله قاتليه، و نصر متبعيه وتابعيه، ورحت أؤجل و أؤجل، ملتمسا الأعذار لنفسي، فالشهيد – إن شاء الله- يستطيع أن ينتظر، وهو – إن شاء الله- في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

 وعندما انتقلت المجاهدة زينب الغزالي – وهي الشهيدة في فراشها إن شاء الله – إلى رحاب الله، قلت لنفسي قد آن الأوان إذن، لأن مدخل الكتابة عن الفصل الأخير من حياة الشهيد سيد قطب، لابد أن يمر من خلال أيام من حياة المجاهدة العظيمة، و عزمت، وتوكلت، وقدرت، ونويت..

نعم.. عزمت، وتوكلت، وقدرت، ونويت.. لكن الله قدر أمرا آخر، عندما اشتعلت النار في مكان آخر، من الشلو المليء بالحروق، والجسد المليء بالجراح، و أقصد بهذه النار تلك المسرحية المجرمة، التي تسئ إلى الإسلام أبلغ إساءة، والتي مثلت في إحدى الكنائس في مدينة الإسكندرية، ربما كان المسيح عليه السلام يقصد مثلها عندما تحدث عمن يحولون دور العبادة إلى مغارات لصوص.

و أنبه القارئ الكريم إلى ملابسات لابد يدرك أسبابها حيث أنني سأحاول قد ما أستطيع، أن أستعيض بالتلميح عن التصريح، وبالإشارة عن العبارة، ليس لمجرد الحفاظ على الوطن من تداعيات الفتنة، بل رعبا من تحذيرات سيدي وحبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، رعبا من أن أخطئ في حق ذمّيّ أو معاهد ولو بغير قصد فلا أشم رائحة الجنة، رعبا من أن أخالف الرسول الخاتم الذي اجترأ عليه عباد الشيطان رغم أنه يقول في قبط مصر:

- "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما" 

الراوي: عبد الله بن عمرو بن العاص  -  خلاصة الدرجة: صحيح  -  المحدث: البخاري  -  المصدر: الجامع الصحيح  -  الصفحة أو الرقم: 3166

- " إنكم ستفتحون مصر. وهي أرض يسمى فيها القيراط. فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها. فإن لهم ذمة ورحما ".الراوي: أبو ذر الغفاري - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2543

- الله الله في قبط مصر؛ فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله 

الراوي: أم سلمة هند بنت أبي أمية- خلاصة الدرجة: إسناده صحيح رجاله ثقات- المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 3113 

- إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة و رحما 

الراوي: كعب بن مالك - خلاصة الدرجة: صحيح على شرط الشيخين - المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 1374

***

إن القارئ الذي يتابعني، يعلم أنني عزفت منذ عشرين عاما عن الدخول في هذا الأمر إلا في لمحات سريعة، ولعله يدرك السبب، ذلك أنني – كما تعود القارئ مني- لا أسمي الأشياء بغير أسمائها، ولا أري التأول والتقية حقا لي، و أنني عندما لا أستطيع قول ما أعتقد أنه الحق فإنني أصمت، ليس جبنا، و إنما فطنة المؤمن.

تجنبت الحديث عن الفتنة الطائفية لأنني أرى أن هذه الفتنة وما سبقها ليست فتنة طائفية بالمعنى الصحيح، فهي ليست بين أتباع محمد و أتباع عيسى عليهما السلام، و إنما هي بين أنصار الله و أنصار بوش، بين أتباع محمد وعيسى وموسى عليهم السلام جميعا و أتباع المخابرات المركزية الأمريكية و الموساد. بين أبناء مصر و أعداء مصر. بين الشرفاء والخونة، بين العملاء والوطنيين، بين الأصلاء والدخلاء، إنها قضية ينبغي أن تحكم فيها المخابرات لا الشريعة، وألا يحدد الفقهاء الجرائم الكامنة فيها.. بل  محاكم أمن الدولة.. وأن يتحرى عن مخازيها ومؤامراتها جهاز مباحث أمن الدولة لو كان بالفعل جهاز مباحث أمن دولة وليس فرعا للموساد والسي آي إي. 

وعندما نبهني البعض إلى موقع عبد الشيطان زكريا بطرس شعرت بالاشمئزاز والعزوف فالرجل كلب من كلاب النار يمزق الحقيقة وخنزير يدنسها. تجنبت الرد عليه والانشغال به، فمن ناحية ليس فيما يطرحه أي جديد، ومن ناحية أخرى هو عميل لجهاز مخابرات ما، ومهمته أن يشغلنا بسفاسفه وحديث إفكه عما هو أهم من مواجهة أكاذيبه. بل إن مجهود هؤلاء الناس غالبا ما يصب في صف الإسلام، لأن من يستمع إلى مثله ويصدقه، تكون صدمته هائلة عندما يكتشف الحقيقة، ويترتب على هذه الصدمة  إما الإلحاد بمعنى الكفر بالدين كله  و إما الدخول في الإسلام. وبغض النظر عن الصواب والخطأ فإن الكفر بالدين كله قد يتسق اتساقا شيطانيا، أما الإيمان باليهودية دون المسيحية والإسلام، أو الإيمان باليهودية والمسيحية والكفر بالإسلام فعبث لا يمكن للعقل البشري أن يتورط فيه، ذلك أن نقطة العبور أو التحول، أو الحد الفاصل بين بشر كالأنعام أو أضل، وبشر كالملائكة أو أفضل، هي نقطة الإيمان بالغيب كمطلق، وبعد هذا الإيمان يأتي الإيمان بالرسل، جميعا، كنتيجة طبيعية بل وحتمية للإيمان بالغيب.

ولقد ذكرت في مقال سابق  ما قاله المفكر المسيحي الشهير نظمي لوقا في كتابه محمد الرسالة والرسول: " أن التسليم بوجود رسل ونزول وحي يجعل من الصعب التسليم برسالة ورفض الأخرى، والإقرار بظهور رسول ونفي ذلك عن آخر" (ولأنه تحدث عن نبي الإسلام بموضوعية و إجلال في كتابه" محمد الرسالة والرسول" فطرده البابا شنودة شر طردة، وحرم الصلاة عليه في كنائسه، ودارت أرملته الكاتبة صوفي عبد الله على الكنائس دون فائدة: راجع المقال بالغ الأهمية للأستاذ جمال سلطان- مجلة المنار الجديد – شتاء 2005).

نعم.. لم يكن الأمر صراعا بين المسلمين والمسيحيين بل صراعا بين الأمناء والخونة، بين الشرفاء والعملاء، بين الطيبين البسطاء والجواسيس، وليس عندي في ذلك شك.

بيد أننا يجب أن نعترف أن أولئك وهؤلاء يوجدون على الجانبين.. ولست أظن – على سبيل المثال – أن البابا شنودة، أشد خطرا على الأمة – وبالتالي الوطن والدولة – من وزير الأوقاف أو بعض كبار الشيوخ في الأزهر. كما لا أظن أن أقباط المهجر رغم خيانتهم وعمالتهم أشد خطرا من كتائب المثقفين المجندين كعملاء في الداخل. والعملاء لا تستعمل هنا ككناية أو تشبيه أو مجاز، بل كصفة، فهؤلاء تسميهم الصحف الفرنسية والألمانية بكتاب المارينز وبصحف المارينز، والمقصود بالنسبة لهؤلاء، الصحف والأقلام التي سخرت وتسخر للترويج لأفكار أمريكا الساعية إلي تعميم الحرية والديمقراطية عبر العالم والتي تعتم علي كل الأخبار حول جرائم أمريكا وإسرائيل، والتي خصصت لها الحكومة الأمريكية بمختلف فروعها حوالي 628 مليون دولار في السنة المالية 2004. الصدمة التي أحدثها إدراك المحافظين الجدد في واشنطن بأن مخططهم لغسل عقول المسلمين لم يحقق نجاحا يذكر زادهم شراسة في حرب التضليل. إلا أن العقول والقلوب المدربة على توقي الخطر الخارجي قد تغفل عن الخطر الداخلي.. رغم أن الخطر الداخلي لا يقل خطورة عن الآخر وقد يزيد.

نعم.. انحرافات المنافقين أشد خطرا.. وكذلك انحرافات المنحرفين عن طريق الإسلام ولو دون ردة ظاهرة أو باطنة.

هل هناك فرق حقيقي بين مجلة روز اليوسف ومواقع الأقباط؟ بين عبد الله كمال و أوغسطينوس؟ بين رفعت السعيد وزكريا بطرس. 

هل هناك أي فرق؟!.

***

ليس من حقي التأول ولا التقية، فإما أن أصمت و إما أن أقول الحقيقة بملء فمي..

مهما كانت جارحة أو محرجة أو دامية..

وليس أمامنا سوى أن نسمي الأشياء بأسمائها.. لا بعكس أسمائها كما يفعل سوانا فيسمي الاستسلام سلاما والخيانة تحررا والكفر فكرا والزنا حبا والسرقة مهارة والاختلاس شطارة، والتجهيل تنويرا، والكذب تطويرا، والانحلال حرية، والاستغلال حقوقا، وينسب الخمر إلى الروح فيقول المشروبات الروحية..و..و... 

الحقيقة التي أواجهها اليوم هي أن المسرحية التي مثلت في مغارة اللصوص السكندرية، هي بالفعل مسرحية سافلة مجرمة، ولقد كنت حريصا على ألا أكتب حرفا واحدا قبل أن أشاهدها أكثر من مرة، ولقد دهشت لكم الإجرام والبذاءة والكذب فيها، ولكن دهشتي وذهولي الأكبر، كانت عندما تصدى البعض لينكر ذلك، وليدعي أن المسرحية لا تمس الإسلام بل تحارب الإرهاب. وكان هذا القول كذبا فاجرا كالمسرحية نفسها، كذب يزداد فجوره كلما ازداد منصب قائله ومدعيه. كان ممن قاله صحافيون علمانيون، وكان منهم أقباط غير شرفاء، لكن المذهل حقا أن يتورط في هذا الكذب الفاجر قيادات كنسية.

كان كذبا فاجرا، لأن من يقول أن المسرحية لم تتطرق للإسلام بل للإرهاب يعلم ما في المسرحية، ويعلم أنها كلها تسفه الإسلام وتحقره وتزدريه، وأن الكاهن الذي وقف يحيي الممثلين في نهاية المسرحية قد مرغ قداسته المدعاة في الوحل، وهبط إلى مرتبة كمراتب عادل إمام، أو أي ممثل أو ممثلة ساقطة في مسرحية هابطة في ملهي ليلي.

نعم..

أعترف..

آذت المسرحية مشاعري، لكن ما آذاها أكثر كذب كبارٍ غير محتاجين إلى الكذب.

إن الكذب كله مرفوض، وهو رذيلة، بل كبيرة من الكبائر، يدل على خسة في النفس، وفساد في الطبع، ولعلنا نذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سئل: "أيزني المؤمن؟ قال: نعم. أيسرق المؤمن؟ قال: نعم. أيكذب المؤمن؟ قال: لا".

إذن فصفة الإيمان – كلها – منفية عن كل من يكذب في أي ملة و أي دين..

و أولئك الذين كذبوا ليسوا عبادا لله سواء حرف دينهم أم لم يحرف.. 

ليسوا عبادا لله بل عبيدا للشيطان. لا فرق بين كبير وصغير.. بل إن الشيطان يتسلط على الكبار أكثر.. ملوكا كانوا أو رؤساء أو بابوات وشيوخ.

***

لعل القارئ يدرك أن المسرحيات لا تُحكى، لأن ما يتم قوله فيها بالصمت والإشارة والموسيقى والديكور و الإيماءات والإيحاءات لا تقل أهمية عما يقال بالكلمات، لذلك أقول للقارئ أن ما ورد في هذه المسرحية الساقطة إساءة للإسلام نفسه، إساءة فاجرة، للإسلام وليس للإرهاب، الإسلام المتمثل في القرآن الكريم و النبي محمد صلى الله عليه وسلم بشخصه والسنة الشريفة مباشرة وليس في أقوال الفقهاء أو سيرة العلماء أو فقه التابعين وتابعيهم.

نعم.. الإهانة موجهة للإسلام: للقرآن الكريم و للرسول العظيم صلى الله عليه وسلم..

ولقد قال بعضهم أن المسرحية تشبه أفلام عادل إمام..

ولقد كذب وكذب عادل إمام..

عادل إمام، الشيوعي، عميل الداخلية،  المستهزئ بدين الله وبعباده الصالحين، والذي يدعي البعض علاقته الوثيقة برئيسنا القادم، جمال مبارك، عادل إمام هذا – رغم تفاهته وفسوقه- لم يبلغ هذا القدر المنحط من المجاهرة بالعداء للإسلام والسخرية من القرآن.. إلا أنني أحسب أن عادل إمام لم ينكص عن ذلك بسبب بقايا إيمان أو إخلاص أو حتى احتراما لعشيرته وقومه.. لكن عادل إمام أكثر حصافة و أقل وقاحة لذلك فهو يعرف الحدود التي يجب أن يقف عندها.

الفارق إذن هو الفارق بين مهارة قرد يتسلق ويتسلل ويهرب.. وغباء ثور يقتحم ويحطم حتى لو تهاوى السقف على أم رأسه.. وحتى لو تسبب بحماقته وطيشه في أن يرجمه الناس كالزناة والخطاة.

هل يدرك الثور الغبي  أنه غبي؟!

ملحوظة: في نهاية المسرحية يقف شخص يلبس ملابس قسيس ليحيي الممثلين، وكلما حيا ممثلا انطلق الممثل ليقبل يده!!.. والملحوظة مهداة لخنازير التنوير الذين لو رأوا مشهدا مماثلا مع مسلم لا يمثل الإسلام في شيء لما كفوا عن العواء والنباح والفحيح.

*** 

لا أكتب في صحيفة يومية، والصحيفة الأسبوعية التي كنت أكتب فيها أغلقت لأنها دافعت عن الإسلام، لذلك لن يكون مجديا أن أتصدى لتفاصيل المسرحية التي أفاضت الصحف اليومية والأسبوعية في عرضها، لكنني أشهد أمامكم يا أمة لا إله إلا الله محمد رسول الله شهادة يسألني الله عنها يوم القيامة أنه لا توجد صحيفة واحدة تزيدت أو أضافت إلى ما ورد بالمسرحية فعلا، ومن الناحية الأخرى، فلا يوجد أي صحيفة، ولا حتى الصحف كلها، قد استطاعت أن تعرض كل ما ورد في العمل الفاجر.

تقول المسرحية الفاجرة أن الإسلام دين لا يفهمه أحد وأن القرآن لا معنى له وأن المسلمين مخادعون وإرهابيون و أن القرآن يدعو للعنف والفواحش و أن المسلم متوحش متخلف مجرم لا يستمع لمنطق العقل ويقتل لأتفه الأسباب و أن الشرع يتم تفصيله حسب المقاس و أن هدف المسلمين تدمير المسيحيين وتخريب الكنائس وقتل القساوسة. 

 دعنا الآن من أن هذا كله ليس قول الإنجيل ولا المسيح ولا حوارييه.. و إنما قول بوش وشارون والموساد والسي آي إيه وعملائهم أينما كانوا.. وكما ذكرت في المقالة الماضية فإن هذه هي الآلية التي يتبعها أي مجرم خسيس لكي يوجد لنفسه المبررات والدوافع للجرائم التي ارتكبها أو تلك التي يوشك على ارتكابها، دعنا من ذلك، ودعنا أيضا من مزيد من التفاصيل عن المسرحية الفاجرة.

دعنا من ذلك لنطرح بعض التساؤلات:

إن كان هناك منحرف مجرم ألف هذه المسرحية المجرمة الساقطة، فماذا عن العشرات والمئات الذين من المحتّم أنهم علموا بالجريمة فصمتوا..

يدّعي المجرمون أن المسرحية لم يشاهدها أي مسلم.. فمن الذي سرب تسجيلها إلى المسلمين.. 

لماذا هذا التوقيت بالذات يتم توزيع 200000 اسطوانة والمسرحية على شباب الجامعات في مظروف مكتوب عليه:  كل عام وانتم بخير وبمناسبة شهر رمضان الكريم.. لاحظوا عدد الاسطوانات الموزعة .. وبالتالي التكلفة التي تناهز نصف مليون جنيه.. من السهل تعقب مصدرها لمن يريد..

لقد أعلن "عدلي أبادير " في أحد قنوات القمر الصناعي أنه يجهز لفيلم تسجيلي عن اختطاف فتاة مسيحية وإرغامها على الإسلام؟؟ وأنه سيفضح المسلمين ومصر على مستوى العالم. وعدلي أبادير هذا مكانه مستشفى للأمراض العقلية، لكن الكونجرس يستضيفه والمخابرات الأمريكية والإسرائيلية تحركه، لكن ما العجب في ذلك؟ بوش المجنون نفسه: مجنون ويحكم.. وكذلك شارون المجرم.. وبلير الشاذ وبيرلسكوني اللص.. فما كل أولئك سوى دمى تحركها أجهزة المخابرات في لعبة سيدها الشيطان.

- هذه المسرحية السافلة ليست سوى قمة جبل الثلج العائم الذي يختفي معظمه.. هي المفضوح والمكشوف فما هو المخبوء والمستور؟ .. إنها متصلة بسياق يتصل فيه الداخل بالخارج والماضي بالحاضر في منظومة شيطانية واحدة منذ يوحنا الدمشقي حتى الآن، سياق المؤامرة، سياق الغارة على العالم الإسلامي، سياق التبرير للجرائم التي يوشكون على ارتكابها فيبادرون بالتمهيد والتبرير لها. وفي هذا السياق المتصل يقول خنزير من خنازيرهم في مجلة صوت مصر الحر: 

"أنا القبطي الفرعوني صاحب الأرض، أنا القبطي الشامخ صاحب هذا الوطن الذي سُلِبَ مني منذ الغزو الإسلامي وإلى الآن، وسيرحل قريباً كما رحل من أسبانيا، فلم تعد النعرة الإسلامية لها جاذبيتها الآن في جو أصبح الغرب المتحضر يفهم أن العرب جرب"...

هذا الفاجر يجيب لنا عن سؤال يقول: ماذا يريد خنازير المهجر عملاء المخابرات الأمريكية والإسرائيلية.

في نفس السياق أيضا يقول خنزير آخر لا أدري لماذا تستضيفه الجزيرة ولماذا تسمح له القدس العربي بالكتابة فيها.. يقول هذا الخنزير ( واسمه مجدي خليل):

"لقد دفع الأقباط المسالمون حوالي 4000 قتيل وجريح خلال العقود الثلاثة الماضية بدون سبب سوى لكونهم مسيحيين، هذا بالإضافة إلى تخريب ونهب ممتلكات بعشرات الملايين وممارسة التهجير القسري لخلخلة الصعيد من الكثافة القبطية، بالإضافة إلى تطفيش مئات الألوف للهجرة للغرب حيث الحريات والفرص المتكافئة "..

4000 أيها الكذاب..

4000!!

والأمر الطبيعي بعد الكذبة الفاجرة أن يتدخل العالم لإنقاذ الأقباط من المذابح، لذلك فإن هذا الخائن طالب بالتدخل الأجنبي في شئون مصر، بدعوى حماية الأقباط!!.. فكتب يقول: "إن المطالبة بممارسة ضغوط دولية على الدول من أجل المحافظة على حقوق مواطنيها واحترام المواثيق الدولية هو أمر مشروع تماما، داخليا وخارجيا.. ولا عجب في هذا، فنحن نعيش في عصر الدولة ناقصة السيادة، وهذا أحد أهم أوجه ظاهرة الكونية"

فهل رأى الناس كذبا أكثر وقاحة وفجرا.. كذب الماضي وكذب الحاضر..  كذب  يبارزون فيه الشيطان فيبزونه .. كذب يستمر فيتحدث الفاجر عن واقعة لم تحدث أبدا ولا في خيال الشيطان ذاته حيث يقول الجاسوس العميل:  "بكي البابا شنودة على العنف الموجه ضد الأقباط والذي كان هو شاهد عيان عليه منذ حادثة السويس في 4 يناير 1952، والذي قامت به جماعة الأخوان المسلمين حيث تم حرق عدد من الأقباط بشكل بربري والطواف بهم في الشوارع وإلقائهم في إحدى كنائس السويس وإشعال النار فيها"..

هل سمع أحدكم بمثل هذا الكذب الفاجر..

بل هل تتخيلون يا قراء أن تصل الخسة والانحطاط إلى هذا الحد؟!..

المسلمون هم الذين يقتلون ويحرقون.. لكننا لا نقول المسيحية ولا حتى الصليبية بل نقول الأمريكيين أو البريطانيين أو الروس أو الهنود أو الصرب أو التايلانديين ..

لا نتهم المسيحية – رغم ما يفعله بنا أتباعها- سموا ونبلا وترفعا عن الألم و إدراكا أن وازرة لا تزر وزر أخرى..

لا نتهمها رغم أن كل بلايانا من أتباعها.. وكل كوارثنا من أبنائها .. وليسوا أتباعها ولا أبناءها  بل أتباع الشيطان وعبيده.

لا نتهمها رغم اعترافات اللورد كرومر بخيانات بعضهم كما خان البعض الآخر إبان الحملة الفرنسية.. إذ يكشف اللورد كرومر في مؤلفه (مصر الحديثة) الروح المتعصبة لبعض الأقباط المتطرفين (مجلد 2 فصل 36 الطبعة الإنجليزية) بقوله:

" إن مباديء الحيدة الدقيقة التي طبقها البريطاني كانت غريبة عن طبيعة القبطي وعندما بدأ الاحتلال البريطاني أخذت تساور عقله آمال معينة فكان القبطي يقول لنفسه: إنني مسيحي والإنجليز مسيحيون فلو كان الأمر بيدي لكنت تعصبت للمسيحيين على حساب المسلمين... وكان يقول لنفسه ولما كان للإنجليز السلطة فإنه من المؤكد أنهم سوف يحابون المسيحيين على حساب المسلمين.. هذا هو الخطأ المحزن الذي يلام هؤلاء الأقباط عليه ولما اكتشف القبطي أن هذا الأسلوب في التفكير عقيم وأن سلوك الإنجليزي مرجعه مبادئ لم يضعها القبطي في اعتباره ويعجز عن فهمها تملكه إحساس بالفشل عمق ضغينته.. لقد كان يرى أن تطبيق العدالة بالنسبة للمسلمين يعنى الظلم له وكان يعتقد ولو بطريقة غير شعورية بأن الظلم وعدم محاباة الأقباط ألفاظ مترادفة".

نعم فكر خسيس.. نعم .. لكننا لم نحمله على الأقباط جميعا بل حملناه على من قاله..

***

هناك حكاية فرعية أريد أن يكون القارئ على علم بها كي يعيش معي الأحداث كما حدثت، ففي منتصف رمضان فوجئت بمكالمة هاتفية ذكرتني بالمسرحية الشهيرة: "القصة المزدوجة للدكتور بالمي" تأليف الكاتب الأسباني الكاتب "أنطونيو بويرو باييخو"(1916-2000م) ، ترجمة الأستاذ الدكتور الحداثي  صلاح فضل ( ينطق اسمه  زملاؤه وتلاميذه بطريقة أخرى: إذ يقولون: بل كان صلاحـــاً فـضــلّ!..)   وقد مثلت المسرحية على المسرح في الثمانينيات، ثم عارضها الكاتب المسرحي السوري سعد الله ونوس في مسرحية  (الاغتصاب)  حاول في إعداده لهذه المسرحية مقاربة الهم الفلسطيني، على خلفية نفس الأحداث.

لحظة التنوير في المسرحية تبدأ بكتاب، تحمله زوجة معتقل مات من التعذيب، إلى زوجة الضابط الجلاد الذي قتله، ولم يكن لدي المسكينة أي فكرة عن طبيعة عمل زوجها، الجلاد، الحيوان الوحش المسعور ( وليأخذها مني ضباط الأمن في كل أرجاء عالمنا العربي والإسلامي: كل من يمارس التعذيب جلاد، حيوان وحش مسعور، أما من يمارسها لصد الناس عن دين الله وهو يعلم، فليس في كفره شك، ولتعلم زوجته و أبناؤه و أهله أن حكمه حكم الكافر).. أقول أن لحظة التنوير تبدأ بهذا الكتاب، والأرملة المعذبة تتحدث إلى زوجة الجلاد بألم لا يوصف  وبازدراء، لأنها زوجة جلاد لم تحاول أن تعرف عن طبيعة عمله شيئا. وتدور أحداث المسرحية بعد ذلك لتنتهي بالجلاد قتيلا.

في تلك الليلة الرمضانية هاتفني شخص ما:

هناك قرص مدمج ( CD) أريد أن أوصله إليك..

حاولت أن أؤجل مجيئه حتى ينتهي رمضان، كان سيقطع أكثر من مائتي كيلومتر، وكان سيضيع علىّ برنامجي في تلك الليلة، حاولت، لكنني فهمت منه أن الأمر يثقل ضميره، و أنه يريد أن يلقي الحمل علىّ بعد أن فعل ما بوسعه.

كان حييا مهذبا.. تكتسي ملامحه بتلك النظرة النبيلة الحزينة التي يتسم بها من يحملون هم نصرة لا إله إلا الله محمد رسول الله،  أعطاني القرص المدمج وسألني إن كنت قد سمعت شيئا عن قصة المسرحية التي مثلت في كنيسة مار جرجس في الإسكندرية، وعن المظاهرات التي تمت في الأسبوع الأول من رمضان بسببها، كانت معلوماتي محدودة، وكنت حريصا على ألا أحكم قبل أن أرى، بدا لي الشاب الجميل كما لو كان جنديا، ظل يجري ويسابق الزمن مائتي كيلومتر، كي يبلغني، أنا الجندي الأقدم منه، بالكارثة الجديدة التي حلت، وبدالي، أنه في اللحظة التي أبلغني فيها، قد أبرأ ذمته أمام الله، وارتاح ضميره، بعد أن نقل إلىّ همه وغمه وعذابه، وبدا كما لو أنه  قد تخلص من حمل ثقيل أبهظ ظهره، لينقض ظهري أنا، وتحدثت ملامحه: "لا أطلب منك شيئا.. أتركك لضميرك"..

هالني ما سمعت.. هاهي ذي قصة الوليمة تتكرر مرة أخري.. قصة الفسوق والمجون والكفر.. قصة الإجرام والإسفاف والاعتداء على قدس أقداسنا وكرامة رسولنا صلى الله عليه وسلم.. هاهو جيش الشيطان يتجمع من جديد.. وهاهي ذي الشراذم الساقطة الباقية من جسد سلطة تعفنت وتحللت ولم يعد لها من الأمر إلا أن تقايض بكل شيء كي تستمر عاما آخر..

ترددت في جنبات نفسي أصدا ندائي يومذاك : " من يبايعني على الموت" .. أنت تعلم يا علام الغيوب أنني كنت أعنيها وكنت قد أعددت نفسي لها.. و أنني أتشبث بها.. دثارا يغطي نار القلق المستعرة داخلي خوفا من الحساب.. من النار.. وقبل الحساب وقبل النار خوفا من خزي الوقوف أمامه وأنا من أمة مهزومة، وما كان لها أن تُهزم، فليس أمامها من سبيل إلا الشهادة أو النصر..

نكأ الشاب النبيل الجرح.. طلبت منه أن يشرح لي الأمر..

وها أنذا أنقلها بنفس حروفه تقريبا كما سمعتها منه يومها ثم كما استزدت منه بعد ذلك هاتفيا أو بالشبكة العنكبوتية. لقد فكرت أن ألحق كل جزء مما قاله الشاب أو كتبه بما يوافقه ويواكبه في مقالي.. فألحق حديثه عن المفتي بما كتبته أنا عنه، وتعليقه على البابا بتعليقي عليه لكنني فضلت أن أترك حديثه كما قاله.. يحمل مشاعره كما أحسها وبألفاظه كما قالها، شهادة أمام الله والأجيال القادمة يعرفون منها كيف حدث ما حدث.. يعرفونه يقطر صدقا لا كذبا.. شرفا لا خسة.. أمانة لا عمالة.. ولكي تكتمل شهادتي فإنني لم أجر إلا بعض تصويبات نحوية و إملائية وقليلا جدا من التصويبات الأسلوبية( جملتين أو ثلاث) .. كما أنني لاحظت ربما مرة أو مرتين أنه ذكر اسم البابا دون لقبه، فأضفت اللقب.. ثم أنني قدمت الفقرة الثانية وجعلت الأولي – وهي التي تتحدث عن المفتي- جعلتها الأخيرة.. وهذه شهادة منى أمام الله قبل أن تكون أمام الناس. و أرجو أن يلاحظ القارئ أنني ميزت كلام الشاب بأمرين: أن الخط مائل و أن الخلفية خضراء، ولكي لا يلتبس الأمر على القراء في المنتديات العديدة التي تعرض مقالي كنص دون تنسيق فإن كلام الشاب يبدأ من الفقرة التالية إلى فقرة تقول: ويجول في خاطري سؤال :  إذا كان المفتى لم يفعل هذا أو ذاك فلماذا لم يصمت مثلما عهدناه دائماً في قضايا المسلمين الكبرى والهامة ؟؟؟.  كما يجب أن أضيف هنا، أن شهادة الشاب تتفق تماما مع المكالمات الهاتفية العديدة التي جاءتني من الإسكندرية مسلمة ومحيية بمناسبة العيد.. نعم.. تتفق تماما.. والآن إلى الشاب النبيل..

منذ أكثر من ثمانية شهور والجمر يشتعل تحت الرماد، وذهب بعض الشباب إلى جهاز مباحث أمن الدولة في الإسكندرية و أبلغوه بالأمر و أعطوهم نسخة من الرص المدمج بالمسرحية.

بعجرفة وصلف رد المسئول بأنهم سينظرون في الأمر، ثم لا شئ..

ظلت النار تشتعل، وقلوب الشباب الغض  تحترق وكل آن و آخر يستغيثون بمسئول  هنا أو هناك بلا جدوى..

ثم بدأت القضية تطفو على السطح بتحقيق  نشرته جريدة الميدان الأسبوعية بتاريخ (6/10)  عرضت فيه نصوصا من المسرحية وتحدثت عن توزيعها على نطاق واسع في الجامعات ، وتابعتها جريدة الأسبوع في الأسبوع التالي بتحقيق للصحفية زينب عبد اللاه نبهت فيه على خطورة المسرحية وما تحتويه من سب وتهكم على أقدس المقدسات الإسلامية، وعادت الميدان فنشرت تحقيقاً موسعاً عن المسرحية ومحتوياتها واستطلعت آراء عدد من المسلمين والمسيحيين  الكتاب والمفكرين، وذهبت أيضا إلى كنيسة مار جرجس بمحرم بيك لسماع رأيهم ولكن لم يسمح للصحفيين بالدخول واكتفي القساوسة بقولهم أن البابا أمرهم ألا يتحدثوا في المسرحية لأنه شخصياً بتابع الحدث، وذهبت الجريدة أيضاً إلى مقر البطريركية في العباسية فلم يتحدث لها أحد ورفضوا لقاء الصحفيين،  ومع هذا التفاعل وانتشار الخبر  وتكبر الكنيسة عن الحديث إلى المسلمين  وسكوت القيادات الأمنية والدينية والقانونية على هذه الجريمة , قامت أول مظاهرة للشباب المسلم أمام الكنيسة الآثمة في الإسكندرية , بعد صلاة التراويح يوم الجمعة (14/10) 

خرج الشباب تملئ حلوقهم المرارة القاسية، مرارة الشعور بالخديعة ونكران الجميل من الكنيسة التي ما عاشت الأمان  إلا في ظل الإسلام وأهله، وبينما تظهر لهم التسامح ظاهرياً فهي من أعماق قلبها تزرع الكراهية والحقد والكذب تجاه المسلمين في نفوس أتباعها، وفي الوقت الذي تظهر فيه احترامها للإسلام ظاهرياً فهي في أعماقها تجعل من أقدس مقدساته مادة للضحك والسخرة والتندر، خرج الشباب تملئ حلوقهم المرارة، مرارة الشعور بالغدر والخيانة من قيادات الدولة ومؤسساته , الذين يملئون الدنيا ضجيجاً ويشحنون الأمة كلها لوفاة ممثل أو مرض رئيس أو هزيمة رياضية، وعندما يُسب ربّ المسلمين ويستهزئ بكتابهم ويطعن نبيهم يصمت الجميع وكأن شيئاً لم يحدث،  لقد غدروا بالشباب المسلم عندما استنفدوه في مناسباتهم التافهة  وتركوه وهو جريح والكلاب تنهش في دينه وعقيدته بلا رأي ولا عون، خرج الشباب يملؤهم الغضب لله ورسوله تجاه الكنيسة ...ولكن 

لم يدفعهم الغضب إلى التحطيم والتخريب ، وإنما وقف الشباب يتظاهرون معبرين عن غضبهم  وقد أقاموا بأجسادهم سوراً حول الكنيسة حتى لا ينفلت الزمام من أيديهم ويثور العامة على الكنيسة ومن فيها، كانت تلك الوقفة النبيلة تحرص على ألا يصيب الكنيسة أو من فيها أذى، لم تكن تريد ذلك، كانت تريد فقط أن تلقي الضوء على الحدث وتعبر عن غضب الشباب تجاهه وتعلن مطالبها للجميع. وانصرف الشباب بعد وعود من الأجهزة الأمنية والإدارية في الإسكندرية  بالتحقيق ومعاقبة الجاني والمسئول عن هذه الجريمة،  ولكن ثورة جمرة الغضب لم تهدأ في نفوس المسلمين في الإسكندرية فقامت في الأيام التالية عدة مظاهرات خرج فيها أهالي الإسكندرية رجالا ونساء ليعبروا عن غضبهم ويعرضوا مطالبهم حتى أنه خرجت مظاهرة نسائية يوم السبت (15/10)  تعبر عن الغليان في صدور أبناء هذا الدين..

مرت الأيام والمظاهرات والكنيسة صامته صمت القبور وكلما خاطبت احد رجالها يقول لك البابا بنفسه يتولى هذا الموضوع , وفعلا بعد المظاهرة الأولي توجه البابا شنودة إلى الإسكندرية ونزل بها لعدة أيام, وانتظر المسلمون ما تتمخض عنه الاجتماعات بين قيادات الدولة ورجال الكنيسة.

وتمخض الجبل فولد بياناً  مستفزاً للمجلس الملي يتحدث عن مؤامرة تحاك ضد الأقباط وعن قلقه تجاه ذلك ويتهم الصحافة بإثارة الفتنة , أحدث البيان صدمة للمسلمين جميعاً بل ولبعض العقلاء من المسيحيين،  وانتظر الناس حركة رجال الدولة ولكن لم يتحرك أحد، بل على العكس، قامت الأجهزة الأمنية باستدعاء بعض الدعاة وهددتهم باعتقال كل من يحاول أن يثأر لدينه، وراحت الصحف العميلة تطرح القضية من زاوية أخري تماما وتتحدث عن الشباب الذين قادوا المظاهرات وعن خطرهم وعمالتهم وأغراضهم الدنيئة في إشعال الفتنة, وهنا بدأت تدوي على ساحة الحدث أصوات أجهزة الإعلام وهي تعلن أن هناك أيد خفية تحرك الحدث وتهدف إلى زرع الفتنة وتعلن تمسكها بالوحدة الوطنية وعلى اثر ذلك تحركت أجهزة امن الدولة للقبض على من شارك في المظاهرة الأولى.

وهنا اسقط في الشباب المسلم.

وبدا للجميع أن الدولة اختارت أن تداري ضعفها وعجزها أمام الكنيسة عن طريق التنكيل بالمسلمين وبدا للجميع أن الأمر قد مر بسلام لرجال الدولة والكنيسة أما المسلمين الغاضبين فأجهزة الإعلام والأمن كفيلة بإسكاتهم.

حتى كان يوم الجمعة( 21/10) والذي افتتحه الأمن بمنع الصلاة في مسجد أولاد الشيخ المجاور للكنيسة ظناً منه أن هذا يعجز المسلمين الغاضبين ويعيق حركتهم و ولكنه فوجئ أن أهالي الإسكندرية تواعدوا بالخروج من المساجد بعد الصلاة للاحتشاد أمام الكنيسة , ووقف الأمن أما م الجموع عاجزاً بالكلية , عاجزا عن تلبية مطالبهم العادلة والمشروعة وعاجز عن مواجهة غضبهم النبيل على دينهم فلجأ إلى القوة لتفريق المتظاهرين وارتفعت يده العاجزة عن القصاص من الظالم إلى البطش بالمظلوم وهنا كانت أحداث الإسكندرية الدامية التي استشهد فيها ثلاثة من المسلمين.

3-

المظاهرات كانت عفوية وليس لها علاقة بأي تنظيمات سياسية كالإخوان أو غير سياسية كالدعوة السلفية 

بل دعني أقول أن هذه التنظيمات كانت تنأى  بنفسها عن تحمل مسؤولية هذه المظاهرات!!

 غريبة هي التنظيرات التي سمعت عن من قام بالمظاهرات فالكل ممكن يصدق أن الإخوان فعلوها من اجل الانتخابات 

والبعض ممكن يصدق أنها من ترتيب الحكومة لتكريس قانون الطوارىء وانتهاك الحريات

والبعض أنها من ترتيب صهيوني لضرب عنصري الأمة 

الغريبة انه لا احد من العلمانيين ومن تابعهم ممكن يصدق أن هناك من المسلمين من غار على دينه ورسوله فتظاهر غريبة جدا ألا يكون هذا في خلدهم !!!!

4- البابا لا يبكى إلا يوم الأربعاء !!!

بكى البابا بعد أن مات من مات من متظاهري العزة في محرم بك من مات..

بكى البابا بعد أن أصيب من أصيب من المسلمين..

بكى البابا بعد أن اعتقل من اعتقل من المسلمين..

بكى البابا بعد كل هذا دمعتين دمعتين.. 

بكى لكي يتحول من جان إلى مجني عليه..

بكى والكاميرات تنقل له إلى العالم مدى محنة الأقباط وهم يتهجمون على دين الأغلبية والأغلبية الهوجاء تتظاهر يا للعجب!!!..

بكى دموع التماسيح وكان بكلمة يقولها أو يشرح فيها ما حدث من كنيسة تتبعه وقساوسة منتمين للكنيسة  كان ممكن أن يوقف تلك الفتنه..

لكن يعلم الله كم سعدت لعدم اعتذاره حتى ينضح للعامة والخاصة وجهه القبيح ولله الحمد من قبل ومن بعد.

5- نشرت صحيفة الأسبوع عدد 31اكتوبر 2005 تحت عنوان " مجمع البحوث الإسلامية يناقش أحداث الإسكندرية" :   سيطرت أحداث محرم بك بالإسكندرية على مناقشات الجلسة التي عقدها مجمع البحوث الإسلامية والتي عقدت الخميس الماضي حيث تم عرض تقرير من السي دي الخاص بالمسرحية التي تم عرضها بكنيسة مار جرجس وأثارت الأزمة أشار التقرير إلى أن المسرحية تحمل إساءات للدين الإسلامي حيث تضمنت قراءات محرفة لآيات من القران بجانب إساءات للرسول صلى الله عليه وسلم وطالب التقرير بضرورة التحري عن مصدر السي دي وتحديد المسئول عن ذلك .

ولنا تعليق هذه الحقيقة أدركها الشباب المسلم المتظاهر قبل أن يدركها المفتى ومجمع البحوث ولذلك تظاهروا فهل نحولهم إلى جناة أم إلى شرفاء لم يطأطئوا رؤوسهم كما طأطأها....

 (1) حوار عزت السعدني في الأهرام ,تحقيق السبت (29/10/20005)

 يقول الأستاذ عزت السعدني في مقدمة العمود الرابع ما نصه :"وذهبت إلى الدكتور على جمعة مفتي الديار المصرية أسأله لعلى أجد عنده ملاذاً...

قلت له : هل رأيت مسرحية كنت أعمى وأصبحت مبصرا"والتي عرضت في كنيسة محرم بيك وتتداول الآن على أقراص CD.

يقول فصلية المفتي : نعم شاهدتها 

أسأله :  وما رأيكم دام فضلكم ؟؟

يقول فضيلة المفتي : عمل سيئ يسيء  للإسلام والمسلمين .... ويجب محاكمة كل من قام به وشجعه وصوره ووزعه على الناس. 

أسأله: هل صدمك هذا السي دي.

فضيلة المفتي :لم اصدم ...لان الناس تسرق وتقتل وترتكب الجرائم ..وهي جريمة مثل كل الجرائم ولابد من معاقبة مرتكبيها . وجاءت في وقت تشمر فيه عصابة الإفك في نيويورك عن ساعديها لكي تهاجم مصر، والغريب أنهم من أبناء هذا الوطن ومن أقباطه الذين طردتهم الكنيسة لسوء تصرفاتهم وخبث نواياهم.

أسأله :هل هناك مخطط لإظهار هذه المسرحية الآن في وقت الانتخابات البرلمانية لصالح مرشح دون أخر؟.

فضيلة المفتي : ممكن برضه ولم لا.

قلت : وما العمل؟.

فضيلة المفتي: العمل عمل الله .. والقانون ... والغريب أن الذين ارتكبوا هذا الإثم نسوا تماماً قول المسيح   بن مريم عليه السلام :باركوا لاعنيكم"أهـ

هذا ما قاله المفتي بالنص في جريدة الأهرام ..ولكن ....

يظل ما قاله المفتي في برنامج البيت بيتك(21/10/2005) مع المذيع الكارثة تامر أمين من أنه لا توجد مسرحية أصلا والكنيسة ليس لها علاقة بالموضوع  ودعوته للغاضبين لربهم ودينهم أن يتمسكوا بالوحدة الوطنية.

يظل قوله هذا هو الأشهر والأقوى والأكثر شيوعاً بين الناس وهنا حق للعقلاء أن يتساءلوا:

- لماذا يتحدث المفتي بلسانين ويتكلم بلغتين ؟؟؟.

- هل لم يكن يعلم بأمر المسرحية ولما رآها تغير رأيه؟؟؟.

لكنه لم يقل لا اعلم بل قال لا توجد ولا داعي ولا.....

- هل يتحدث المفتي مثل الساسة في بلادنا حديثين: فحديث للخاصة وحديث للعامة؟؟

- هل تحرج المفتي عندما نفي وجود المسرحية بينما اعترفت بها الكنيسة ؟؟.

- هل وهل وهل ...

 تختلف الآراء والتحاليل لكلام المفتي ...

ولكن الشيء الوحيد المتيقن  أن المفتي سقط سقطة كبيرة وعظيمة لا ولن ينساها تاريخ الأمة..

وان المفتي ولى الأدبار في معركة من اشرف المعارك لتي يخوضها الإنسان في حياته .. معركة الدفاع عن الدين , الله والرسول والقران.

وأن المفتي خسر فرصة لا تعوض يصلح بها صورته المشوهة عند جماهير المسلمين ويبني له في قلوبهم مكانة عظيمة.

ويجول في خاطري سؤال :  إذا كان المفتى لم يفعل هذا أو ذاك فلماذا لم يصمت مثلما عهدناه دائماً في قضايا المسلمين الكبرى والهامة ؟؟؟

***

   نكأ الشاب النبيل الجرح.. بعد أن شرح لي الأمر..

   نكأ الشاب النبيل الجرح وهو يؤكد أن المظاهرات كانت عفوية وليس لها علاقة بأي تنظيمات سياسية كالإخوان أو غير سياسية كالدعوة السلفية..   نكأ الجرح.. فالحقيقة كما أعلمها علم المتصل لا المنفصل أن هذه التنظيمات كما قال كانت تنأى  بنفسها عن تحمل مسؤولية هذه المظاهرات!!

   نكأ الشاب النبيل الجرح و أوجع قلبي وهو يلاحظ أن الكل يضع كل الاحتمالات لهذه المظاهرات إلا الاحتمال الوحيد الصحيح..  فالكل يمكن يصدق أن الإخوان فعلوها من أجل الانتخابات والبعض يؤكد أنها من ترتيب الحكومة لتكريس قانون الطوارىء وانتهاك الحريات والبعض يقول أنها من ترتيب صهيوني لضرب عنصري الأمة .. أما الغريب فهو أنه لا أحد من هؤلاء وعلى رأسهم العلمانيين يمكن يصدق أن هناك من المسلمين من غار على دينه ورسوله فتظاهر..

   نكأ الشاب النبيل الجرح و أنا أحس بكلماته على الورق تصرخ: 

 غريبة جدا ألا يكون هذا في خلدهم !!!! 

غريب يا بنيّ.. وقد أوجعتني والله..

هل أحسستم بوجعي يا قراء..

وهل أوجعكم وجعي..

وهل أوجعكم ما أوجعني..

أوجعني أيضا وصف الشاب للشباب المسلم الذي وقف في المظاهرة الأولى، ورغم غضبهم فقد أقاموا بأجسادهم سوراً حول الكنيسة حتى لا ينفلت الزمام من أيديهم ويثور العامة عليها..

أوجعني عندما تذكرت ما يفعله العمانيون الأشرار من تشويه للشباب المسلم، وهم بهذا يقومون بأكبر خدمة للموساد والسي آي إيه.. إنهم صحفيو المارينز.. وهم الطابور الخامس الذي يفت في عضد الأمة ومهمته كسر قلب الأمة المتمثل في هذا الشباب الذي لا يوجد غيره ليدافع عن الدين والهوية والأمة والوطن عندما تقتحم الدبابات الأمريكية والإسرائيلية باقي عواصمنا.

  ***

عندما اندلعت أعمال العنف في المظاهرة الأخيرة في الإسكندرية كنت حريصا على معرفة من الذي مارسه، كنت أدرك أن الضوابط الشرعية التقليدية وعجز الفقهاء عن التجديد تكبل الشباب المسلم و أنه يصعب أن يمارس العنف ضد كنيسة حتى لو اعتدت هذه الكنيسة، هذا الشباب النقي الطاهر الذي يعبد الله كأنما كل يوم آخر يوم في حياته لا يقدم على فعل إلا بفتوى خاصة بعد الصحوة الإسلامية وتجارب ممارسات العنف غير الكافي والتي جاءت بمردود عكسي، تصوري النظري إذن كان يؤكد لي أن العنف مارسه آخرون، وهو ما أكده لي عالم من علماء الإسكندرية والذي كان شاهد عيان.. فلقد صدق حدس الشباب المسلم.. استطاعوا هم ضبط أنفسهم.. لكن العامة لم يستطيعوا.. قال لي الرجل أنه سمع العشرات يؤكدون أنهم لا يصلون.. ولكن عندما يسب النصارى الرسول صلى الله عليه وسلم أو يهينوا القرآن فإنهم سوف : " يجيبوا عاليها واطيها".. و أكد لي الرجل أن هذا لم يحدث إلا بعد تلكؤ الأمن وطناش أهل السياسة والحكم.

  ***

الأمن الباطش الجبار صمت..

واللواء الوغد الخسيس الذي أمر بهدم مدرسة الجزيرة الإسلامية صمت..

أعوان الشيطان وكلاب النار الذين نكلوا بالشباب المسلم أيام الوليمة أيما تنكيل كانوا أمام النصارى كالجرذان و أمام المسلمين كالضباع الضارية التي لا تقتات إلا لحم البشر.

أعوان الشيطان وكلاب النار من كتاب وصحافيين وسياسيين ومفكرين فعلوا نفس ما فعلوه أيام الوليمة..

نفس الحجج النجسة التي تنطلق من أرواح نجسة وصف القديس أوغسطينوس مثلها بقوله:  إنهم يرغبون في تدمير الحق الذي لا يمكن تدميره. أمّا الخنازير فتختلف عن الكلاب فهي لا تهاجم لتمزّق بأسنانها، لكنها تدنّس الشيء إذ تدوسه بأقدامها في طياشة... إذن لنفهم أن "الكلاب" تُشير إلى مقاومي الحق، "والخنازير" إلى محتقريه.

نعم..

كنا وما زلنا نواجه الكلاب والخنازير..

نفس الكلاب والخنازير..

  *** 

 إنني أذكر القراء فقط بما فعله اليهود عند عرض مسلسل يتعرض لبروتوكولات حكماء صهيون، البروتوكولات، وليس للتوراة أو سيدنا موسى،  كما أذكرهم بما فعلته مكتبة الإسكندرية من إلغاء عرض البروتوكولات في أجنحتها أصلا. كما أذكرهم أيضا بمظاهرات المسيحيين أثناء فضيحة الراهب المشلوح، وكان مشلوحا لم يعد ينتمي إلى الكنيسة، ولم يعد ما يهينه ينسحب عليها، وكان من فضح الأمر ونشره  صحافي علماني لا يمثل الإسلام ولا المسلمين، ومع ذلك هاجت الدنيا وماجت، واعتذر كل مسلم عن عمل لم يكن مسئولا عنه بداية ونهاية، وبالرغم من ذلك تظاهر شباب الأقباط وخربوا , وأصابوا رجال الأمن ولم يكد يصب منهم أحد. وبعدها ادعوا بالكذب الخسيس المنكر أن رجال الأمن هم الذين اعتدوا عليهم، رغم أنهم يعلمون أنهم لو قتلوا رجال الشرطة الموجودين جميعا لما امتدت يد إليهم بسوء، حيث تكرس جبن من عبد الطاغوت ونسي الله فأنساه نفسه. ولو حدث الأمر مع مسلمين لما اكتفت الشرطة بإبادتهم عن بكرة أبيهم، بل كانوا سيشنون حملات عسكرية بالمصفحات والطائرات والصواريخ على بيوتهم ومدنهم وقراهم ليدمروها تدميرا.

 أذكر القراء كذلك بمظاهرات الأقباط أثناء العمل السينمائي " بحب السيما "رغم أن معظم طاقم العمل كان مسيحيا..وبرغم أنها كانت إيحاءات فنية ( إبداع كما يقول خنازير التنوير).. وليس التعرض لمقدسات وكتب. كان تمثيلا وممثلين وممثلات في قصة خيالية وليس قساوسة يتحدثون عن القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم.

  *** 

ذلك الفاجر الذي ترحب به أجهزة الإعلام لأنه كلب أمريكي وخنزير من خنازير المهجر، ترحب به و كأنه بشر سوي لا كمجرم ينبغي محاكمته يروج زورا حكاية حرق الأقباط في السويس. وهو نفس المنهج الخسيس المجرم الذي اكتشفت أنهم جميعا يتبعونه في أبسط القضايا و أعقدها.. يمارسونه في قضية وفاء قسطنطين، وفي قضية أسلحة الدمار الشامل، بنفس الطريقة التي يمارسونه بها في محاولة اصطياد سوريا.

لم يحرق المسلمون أحدا..

كانوا هم الذين حُرِقوا لا حَرَقوا.. 

وبالرغم من ذلك لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين.. 

لم نتهم المسيحية ولم نقل أنهم قاموا بحرق (100) شاب مسلم بالبنزين، بل قلنا فعلت الشرطة في تايلاند ذلك، بل وصرح رئيس البوليس في المنطقة بأن حياة المسلم لا تساوي (26) سنتاً فقط (ثمن الرصاصة).

لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بتسليط الكلاب المدربة على التهام للأعضاء الذكرية لـ 300معتقل في سجن أبو غريب بعد فتح أرجلهم عنوة عبر قيود حديدية في أيديهم وأرجلهم مثبتة في الحائط ووفاتهم على الفور..

لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بالمسئولية عن مصرع مصرع 60 طفلاً في سجن أبي غريب بعد تقطيع أطرافهم أمام أمهاتهم، ومن ربط الأعضاء الذكرية والألسنة أحيانا للعديد من أبناء العراق الصامد بالأسلاك الكهربائية..

لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بإجبار المعتقلين على اللواط والإتيان بحركات جنسية مهينة وهم عراة ليتم تصويرهم على أنهم همج، ومن دهسهم أحياناً بالأحذية العسكرية على الرأس والرقبة والأماكن المجروحة، ومن تقييد بعضهم وربطهم بالأسرة وهم عراة وحرمانهم من الطعام الشراب لساعات طويلة، ومن تعليق البعض منهم لعدة ساعات لإجبارهم على الإدلاء باعترافات كاذبة، ومن تبول على أجساد بعضهم العارية وجراحاتهم، ومن وضع حبال حول رقاب بعضهم وجرهم بها كالكلاب، ومن حلق رؤوس عراقيات وضربهن وإجبارهم على المبيت في الماء وعلى عدم النوم والوقوف لمدد طويلة أحياناً ووفاة العديد منهن بعد اغتصابها أو اغتصابه..

لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بذلك أو بغير ذلك مما تواترت أخباره ويعف اللسان عن ذكره وكان ضمن 100 ألف حالة تعذيب أكدتها المنظمة العربية لحقوق الإنسان وأظهرتها عدسات الكاميرات وتناقلتها جميع وكالات الأنباء ووقف عليه العالم كله..

لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين بما أوقعته إدارة بوش ( لم نقل إدارة المسيحيين أو الصليبيين رغم أنه هو قالها )  على العراقيين في سجون الموصل وأم قصر وبوكا وغيرها، وعلى مجاهدي طالبان في سجون أفغانستان  وفي (جوانتانامو) بـ (كوبا)  ..

 لم نتهم المسيحية ولا اليهود بما نشرته صحيفة (ديلي ستار) الملحقة بـ (الهيرالد تريبيون) فقد أمدت إسرائيل الأمريكيين بآليات ونظم تعذيب لانتزاع الاعترافات من أسرى ومعتقلي السجون العراقية حتى بات العسكريون الأمريكيون يستمعون بعناية فائقة إلى خبراء إسرائيليين للتزود بخبراتهم في التعامل مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية.. وعملاً بمبدأ أن الفعالية في انتزاع الاعترافات ينبغي أن تكون لها الأسبقية على احترام مقتضيات الديمقراطية وحقوق الإنسان فقد أقيمت تدريبات مشتركة أمريكية إسرائيلية في صحراء النقب.

لم نتهم المسيحية ولا اليهود بما حدث عندما ثار الجزائريون أثناء الحرب العالمية الثانية مطالبين بحريتهم، فما كان من البوليس الفرنسي إلا أن قصف المتظاهرين بمدافع الميدان التي تستخدم في تحطيم الحصون، كان القصف وحشيا، وكان ذلك في الثامن من مايو سنة 1945، فأعلنت الأحكام العرفية على أثر ذلك، وأقبل الطراد ديجواى – تراون" ليواصل المذبحة فأمطر مدينة خزاطة" وابلاً من قنابله الثقيلة، وقامت قوات الجيش بالحملات التأديبية، وشنق الوطنيون من غير محاكمة، كان عدد القتلى من العرب كما قيل أولاً بصفة رسمية إنه 1500، غير أن الجيش أعلن أنه يتراوح بين 6000 و 8000.  ثم جاءت إحصاءات أخرى تقول إن العدد الصحيح هو: عشرون ألفا، وبعد إعادة النظر في حقائق الأمور تبين أن العدد الصحيح هو 000 40 قتيل، وقد أيده القنصل الأمريكي ببيانات من عنده. 

أربعون ألف قتيل يحصدون هكذا بين عشية وضحاها!!! 

أربعون ألفا......

ولم نتحدث عن وحشية المسيحية أو المسيحيين..

بعد المذبحة.. ذهب المبشرون كي ينصروا اليتامى من أبناء الشهداء.. تماماً كما حدث لأبناء وبنات مسلمي البوسنة والهرسك – وليقولوا لهم وهم يحشرونهم في إحدى الملاجىء المسيحية: الله محبة!!!" و على الأرض السلام!!!" و للناس المسرة!!!".

*** 

ولم يكن الأمر عابرا ولا جديدا.. 

كانوا دائما كذلك.. منذ مذبحة معرة النعمان وبيت المقدس مرورا عبر القرون حتى مذابح الفلوجة وبغداد وتلعفر..

ولم نتهم المسيحية بالهمجية والوحشية والتخلف..

في نهاية القرن التاسع عشر كانت القوات الأميركية تكتسح كل أرض ظهرت عليها حركة مقاومة في الفيليبين، وكما هو الأمر الآن في العالم، لم يعد يقاوم إلا المسلمون. كانوا منذ مائتي عام يحاربون الاستيلاء على بلادهم وتنصيرها حتى جاءت القوات الأمريكية ولم تترك هناك فلبينيا واحدا إلا قتلته. وكذلك لم يعد في هذا البلد رافضون للوجود الأميركي لأنه لم يتبق منهم أحد"!!! ويضيف صحفي رافق الحملة ما نصه: "إن الجنود الأميركيين قتلوا كل رجل وكل امرأة وكل طفل وكل سجين أو أسير وكل مشتبه فيه ابتداءً من سن العاشرة، واعتقادهم أن الفلبيني ليس أفضل كثيرا من كلبه وخصوصا أن الأوامر الصادرة إليهم من قائدهم الجنرال "فرانكلين" كانت :"لا أريد أسرى ولا أريد سجلات مكتوبة!!. 

كانوا مسيحيين جميعا ومع ذلك لم نتهم المسيحية ولم نقل عليهم بالحق ما ادعوه بالباطل علينا.

لم نقل ذلك.. رغم أن نفس هذا الإجرام موجود أيضاً بين فرق النصارى أنفسهم: فقد اشتركت الكنيسة الكاثوليكية في صربيا مع قساوستها ورجال الإكليرك والرهبان وكذلك أعضاء منظمات الشباب الكاثوليك في المذابح التي لاقاها الأرثوذكس من أهل الصرب في معسكرات الاعتقال التي كان يشرف عليها القساوسة الكاثوليك وأسفرت عن مقتل 700000 من الصرب الأرثوذكس و 90000 من اليهود والزيجويتر، على الرغم من علم البابا بما يحدث هناك تبعاً للتقرير المفصل الذي قدمه إليه (بوكون) في الثامن من أكتوبر لسنة 194. ( باختصار وتصرف عن: الغارة على العالم الإسلامي د/ ربيع بن محمد بن علي).

يقول أحد ضباط الأمم المتحدة الذين خدموا في البوسنة والهرسك: "إنه قضى شهوراً طويلة لا يستمع إلا لطلقات الرصاص والبنادق ولا يرى سوى قذائف الصرب التي كانت تتوالى تباعاً فوق أشباح الموتى وهي عطشى لمزيد من الجثث من الرجال والنساء والأطفال المسلمين في مذبحة (سربرنيتشا) المروعة".

ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..

 ولقد اعترف قائد القوات الصربية (فوشتيك) لمجلة (ديرشبيجل) الألمانية وقال بالحرف الواحد: "لقد قتلت وحدي مئات المسلمين، وقمت شخصياً بإطلاق الرصاص على الأسرى المسلمين للقضاء عليهم"، وعندما نبهته المجلة إلى المعاهدات الدولية التي تحرم قتل الأسرى قال: بأنه "لما لم يجد سيارات لنقلهم، وجد أن أرخص طريقة هو قتلهم بالجملة، مثلما أجهز رفاقه الصرب على 640 مسلماً كانوا يختبئون في مخبأ"، كما ذكر: "أن من لم يقتله كان يقوم أحياناً بخرق عينيه وتعذيبه، وانه كان يلجأ إلى تهشيم أيدي الأسرى ببطء حتى يعترفوا بما يريد"، وحين سؤل عن هدف الحرب التي تخوضها القوات الصربية في البوسنة صرح بقوله: "المسلمون في أوربا يجب أن يختفوا كأمة، وأن على المسلمين في البوسنة إعلان تحولهم عن الإسلام وأن يصبحوا صربيين أو كروات أما الخيار الثالث فهو الموت، وإن بيننا وبين المسلمين الألبان في كوسوفو ثأر وسنقوم بطردهم ومن يرد البقاء سنقتله، لا نريد مسلمين بيننا أو حتى في أوربا كلها"، كما يؤكد حقيقة العداء بين الغرب والإسلام ما صرح به جزار الصرب الأرثوذكس الأصوليين (سلوبودان ميلو سوفيتش)، وذلك حين سئل عما يفعله في مسلمي البوسنة فقال: "إنني أطهر أوربا من أتباع محمد".

حدث هذا كله ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..

***

نعم..

حدث هذا كله ولم نقل أن المسيحيين إرهابيون.. حتى عندما تفجرت الحقائق بالفضائح وثبت – على سبيل المثال- أن طائرات حلف الناتو التي كانت تحلق فوق سماء البوسنة لم تكن تضرب المعتدي، بل تضرب مواقع خلفية لا توقف الزحف الصربي على الجيب الذي وعدت الأمم المتحدة بحمايته.

وما (سربرنيتشا) التي نحكي أحد فصولها، وما (بيهاتش) التي نقصُ بعض ما حدث فيها، إلا اثنتان من عشرات المدن البوسنوية التي تم فيها طبقاً لبعض الإحصائيات قتل وتعذيب وحرق ما يزيد عن300 ألف مسلم أغلبهم من النساء والأطفال، منهم 70 ألف قضوا نحبهم في مجازر جماعية و50 ألف معاق وما يزيد عن 120 ألف مفقود، كما تم تدمير أكثر من 800 مسجداً من أصل 1500 مسجد، وطرد جماعي قسري لما يزيد عن مليوني مواطن- هم تقريباً جملة من بقي حياً من سكان هذه الدولة المسلمة- بلا مأوى ولا طعام ولا خيام، واغتصاب ما يزيد عن 75 ألف جندي داخل ما يقرب من عشرين معسكراً لأكثر من 700 ألف طفلة وسيدة، زرعت أرحام المئات منهن بأجنة ذئاب وكلاب بشرية تنتسب إلى تلك الحضارة الزائفة الفاجرة التي لا تعرف الرحمة ولا تمت للإنسانية ولا للقيم والمبادئ النبيلة بأدنى صلة، والغريب في الأمر أن عمليات الاغتصاب غالباً ما كانت تتم علانية وعلى مرأى ومسمع من الجميع بل وأمام الآباء والأزواج في كثير من الأحياء، وكان جزاء من يتحرك لإنقاذ أي منهن وابلاً من الرصاص يخترق رأسه ويسقط بعدها صريعاً مضرجاً في دمه، ووسط هذا الجحيم تروي بعض التقارير الرسمية الأوربية مأساة أكثر من 60 أسرة تعرضت لاعتداءات تفوق الخيال وكلها من قبيل ما ذكرنا. ( باختصار وتصرف عن: الغارة على العالم الإسلامي د/ ربيع بن محمد بن علي).

ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..

وإزاء هذه الأعمال البربرية والأوضاع الهمجية أجمع المراقبون الدوليون من كل جنس أن الذي جري في هذه الآونة شيء يصعب إيجاد وصف مناسب له، وربما لو اطلعوا على ما فعله الأمريكان وتحالفه البغيض بقيادة مجرميّ الحرب (بوش) و(بلير) فيما بعد في مسلمي الفلوجة وأبو غريب وجوانتانامو فيما أسمياه بالحرب الصليبية الثالثة لتغير رأيهم، لكن نستأنس على أي حال لبيان ما جرى في البوسنة بتقرير (شفارتز) عضو الحزب الديمقراطي المسيحي وعضو البرلمان الألماني الذي ورد في إحدى نشرات منظمة البر الدولية بتاريخ 16/ 7/ 1413 تحت عنوان (رأيت بعيني) وفيه يقول: "رأيت طفلاً لا يتجاوز عمره الثلاثة أشهر مقطوع الأذنين مجدوع الأنف، رأيت صور الحبالى وقد بقرت بطونهن ومُثل بأجنتهن، رأيت صور الشيوخ والرجال وقد ذبحوا من الوريد إلى الوريد، رأيت الكثيرات ممن هتكت أعراضهن ومنهم من تحمل العار ولم يبق لولادته سوى أسابيع، رأيت صوراً لم أرها على أية شاشات تليفزيونية غربية أو شرقية، وأتحدى إن كانت عند هؤلاء الجرأة والشجاعة لبثها"، وما أشبه الليلة بالبارحة فما يعاود الغرب فعله ومعه الشيطان الأكبر في مسلمي أفغانستان والعراق وجوانتانامو لا يقل بشاعة عما فعله الصرب. 

ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..

والذي لا شك فيه، أن ما رآه (شفارتز) وسبق أن تعجب له (كاميرون) لا يساوي شيئاً بالنسبة لما حجب عنها، فهما معذوران في عدم دقة ما وصفاه لأنهما لم يريا وحوش الصرب يقطعون- حين قتلهم المسلم البوسنوي- إصبعين فقط من أصابع يده ويتركون الثلاثة الباقية علامة التثليث .. ولا وهم يدهمون القرى فيبدؤون أول ما يبدؤون بتدمير ودك المساجد بالمدافع والدبابات وأحياناً عن طريق القذائف والمتفجرات التي يضعونها بداخلها، كما كانوا يبالغون في تعذيب حفظة القرآن وأئمة تلك المساجد ويذبحونهم في أغلب الأحيان على مرأى ومسمع ويمثلون بجثثهم .. ولا وهم يأخذون أطفال البوسنة إلى كندا وأمريكا والغرب ليتم تنصيرهم داخل الأديرة ولا يسمح بزيارتهم إلا للقساوسة .. ولا وهم يقومون بنحر المجموعات التي كانت تحاول الهرب بعد الإمساك بهم .. ولا وهم يلقون بمئات الجثث في الأنهار وأحياناً يتركونها في الشوارع والطرقات فما يكون مصير من يحاول أخذها ليدفنها إلا نفس المصير.. ولا هم يقومون بإجبار امرأة مسلمة على شرب دم ابنها الصغير بعد قتله أمامها.. ولا وهم يضعون الأطفال المسلمين في فرّامات اللحم وخلاطات الأسمنت ومطاحن الأعلاف.. ولا وهم يقومون بدفنهم أحياء وأحياناً بسحب دمائهم حتى الموت لنقلها - حسب ما جاء في جريدة (المسلمون) بتاريخ 24/ 7/ 92 – لجنود الصرب.. ولا وهم يطلبون من المسلمين من خلال دار الإذاعة الخروج من منازلهم وإلا تعرضوا للقتل فما يكون مصير من خرجوا ممن زاد عددهم عن الألف إلا القتل.. ولا وهم يسمحون لهم لبضع ساعات لشراء الخبز كيما يسدوا رمق أطفالهم الذين عضهم الجوع حتى إذا ما خرجوا لشرائه حصدتهم قذائف الهاون من فوق رؤوسهم.. ولا وهم يقومون بتجنيد الشباب المسلم واقتياده إلى الخطوط الأمامية بعد إلباسهم نفس لبسهم ليكونوا دروعاً بشرية في مرمى نيران الحرس الدفاعي المسلم.. ولا وهم يقومون في يوم واحد هو 17/6/ 1992 بقتل ألف مسلم ثم يتبعون ذلك بفقء أعينهم وبرسم الصلبان على جثثهم بالخناجر ثم بتقطيع آذانهم وأنوفهم ويتركونهم بعد ذلك نهباً للحيوانات تلغ في دمائهم.. ولا هم يقومون بحصد 20 ألف مسلم في 31/ 10/ 92 خارج (يابيتش) والاستمتاع بقتلهم بعد حصارهم- حسب إذاعة لندن الذي وصفت هذا العمل بأنه انتهاك خطير لحقوق الإنسان.. ولاهم يقومون بشوي طفل رضيع على النار أمام أبيه تماماً كما يشوى اللحم، ويأمرون الأب تحت تهديد الرصاص أن يأكل من لحم فلذة كبده ليطلقوا عليه الرصاص بعد ذلك. 

ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..

لم ير (شفارتز) ولا (كاميرون) من بقرت بطونهن من النساء المسلمات بعد أن خطت ورسمت على أجسادهن الصلبان.. ولا من قتلن منهن بعد عملية الاغتصاب ويقدر عددهن بأكثر من 30 ألف فتاة شوهد بعضهن عراة قد قطعت صدورهن ومثل بهن.. ولا من لقين مصرعهن بعد أن استؤصلت أرحامهن لا لشيء إلا لأنهن كن في الدورة الشهرية إبان فترة الغزو.. ولا الأسرى من الذكور وهم يجبرون على خلع ملابسهم الداخلية والكشف عن أعضاء الذكورة لديهم، فإذا وجدوا أنه مسلم مختون قطعوا أعضاءه التناسلية ثم قاموا بذبحه وإلقائه في الماء المغلي وشيه كالذبائح.. ولم يريا عمليات التعذيب والتمثيل والذبح الواسعة النطاق التي كانت تتم بالمدى والسكاكين حيث يتم تقييد الشباب الأعزل ولعلماء المسلمين هناك ثم يطرح أرضاً ويلقى بعد ذبحه- حسب شاهد عيان- في المستنقعات أو الأنهار أو في أكوام القمامة.. ولا مئات الألوف ممن نزحوا نساءً وأطفالاً وشيوخاً عن بلادهم وأخرجوا منها بغير حق إلا أن يقولوا (ربنا الله)، وأضحوا- وهم يتسولون لقمة العيش- بلا وطن ولا عائل ولا مأوى بعد أن سلبوا كل ذلك وشردوا أفراداً وجماعات في بقاع شتى هرباً من الجحيم، ولم يريا هذا الصربي الذي كان يجول بين عشرات القناصة مفتخراً بما فعله إخوانه في البوسنة ومعلناً أنه تواق لتكراره مرة أخرى في (كوسوفا).. وبدا واضحاً أن تلك هي حقيقة النظام الذي يدعي أنه عالمي وحيد، والحضارة التي تدعي أنها لا تفرق بين الناس على أساس الجنس أو اللون أو الدين، والقول باعتذار حكومة الصرب فيما بعد يكذبه واقع انخراطها الآن مع حكومات الغرب في إرسال جنودها وعدتها وعتادها لحرب المسلمين في العراق وأفغانستان. 

ولم نتهم اليهود أو النصارى الصليبيين بالوحشية والهمجية والتخلف..

لقد انتشرت الفتوحات الإسلامية من الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً ومن جبال القوقاز شمالاً إلى أواسط أفريقيا جنوباً.. ولم يجرؤ مؤرخ مهما كان مغرضاً أو حاقداً على الإسلام وحضارته أن يتهم جيشاً عربياً أو إسلامياً بفعل شيء من ذلك أو بارتكابه جرائم حرب أو قيامه بإبادة جماعية ضد سكان بلدة أو جزيرة مهما كانت نائية أو صغيرة أو تافهة كما فعل الصرب في البوسنة، وكما يفعل اليهود في فلسطين، والأمريكان والبريطانيين في الفلوجة والبصرة والرمادي والنجف وبعقوبة والموصل وتلعفر وبغداد وغيرها، وكما يفعل كل أولئك ومن كان على شاكلتهم في مسلمي البلاد التي يستعمرونها شرقاً وغرباً غير مكتفين بالزج بأهل البلاد التي يحتلونها داخل سجون أوطانهم ولا بنهب نفطهم وخيراتهم بحجج واهية استنكرها المنصفون ممن هم على دينهم وقام أقرب الناس إليهم وأخلصهم لبني جلدتهم بتفنيدها، لكونها في جملتها ذرائع لا تنطلي على من عنده مسحة من عقل أو مثقال ذرة من ضمير، ولكونها في مجموعها حجج هي أوهى من نسج العنكبوت.. وعلى أولئك المبهورين بحضارة الغرب من أهل النفاق والطابور الخامس أن يراجعوا بأنفسهم التاريخ ويقرؤوا ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالنصارى عند فتحه بيت القدس وما فعله صلاح الدين بهم عند تحريرها، ليتأكدوا من صدق ما نقول وليميزوا بين الحضارة الحقيقية المتمثلة في عظمة الإسلام ورجال الإسلام.. وتلك الحضارات المعاصرة الزائفة التي بنيت على الهمجية والبربرية واستلاب أراضي الغير ونهب ثرواتهم دون وازع من ضمير ولا احترام لقيم.  .(الغارة على العالم الإسلامي)..

والغريب في الأمر أن تنبري بعض الأقلام لتبرئ ساحة الغرب من تهمة العداء للإسلام وترفض مصطلح (حرب الحضارات)، وكأن ما ذكرنا نتفاً منه وما يجري على الساحة العراقية والأفغانية يحدث على كوكب آخر، أو لكأننا معاشر أتباع محمد الذين نسعى للصدام.. ويتعامى أصحاب هذه المقولة وكأنهم في حالة سكر أو إغماء وتغابٍ عن آلاف الأطنان من القنابل الأشد فتكاً وعن ترسانة الغرب وآلته العسكرية التي ما فتأت ولا زالت تجوب بلاد المسلمين شرقاً وغرباً وهنا وهناك بعد أن جاءت بنفسها طائعة مختارة من كل حدب وصوب تدمر وتهلك وتخرب.. يقول اليهودي المتعصب (صموئيل هنتجتون) في أخطر فقرات كتابه (صراع الحضارات) في كشفه لحقيقة الأمر وفي رده على حسني الظن من المسلمين كي يصححوا معلوماتهم ويعدلوا من تفكيرهم الخاطئ: "إن الصراع على خطوط الصدع بين الحضارتين الغربية والإسلامية قد بدأ منذ أكثر من ألف وثلاثمائة عام، وعلى مدى القرون كان الاحتكاك المسلح بين الغرب والإسلام ولم يهدأ أبداً، ومن غير المتوقع أن يؤول ذلك التفاعل إلى الزوال بل يمكن أن يصبح أكثر ضراوة.. إن الإسلام- هكذا هو يقول- يمتلك حدوداً دموية"، والفقرة الأخيرة التي علل بها روح الصدام، هي بيت القصيد لأن (هنتجتون) يعلم قبل غيره أن أنهار الدم التي فجر ينابيعها وأوقد نارها يهود كل عصر ومصر، إنما جاءت بفعل الغرب وأن الروح الصهيونية والصليبية البعيدتان كل البعد عن دين موسى والمسيح، لم يخمد لهيب سعارها المتأجج في صدور هؤلاء وأولئك على امتداد التاريخ القديم والحديث، بل ولغاية تصريح بوش الأخير بشن الحملة الصليبية.. مروراً بالحملات والحروب الصليبية التي أطلقها البابا (أوربان الثاني) في نوفمبر سنة 1095 م، ودعا لها حكام الغرب وداهمت- كما هو الحال الآن ولكن أكثر الناس لا يعلمون- كل ما واجهها في بربرية متعطشة للتخريب والتقتيل حتى كانت الخيول تنزلق في برك الدماء المسلمة  وسقط فيما سقط كثير من نصارى القدس .. وبجحافل الفرس والرومان وجيوش (جنكيزخان) وولده (اغوتاي) التي اجتاحت العالم الإسلامي عام 1221، 1236، ومن بعدهما هولاكو الذي استطاع بالمغول عام1258أن يبيد جند الخليفة المستعصم عن آخرهم، واستباحوا كل شيء ببغداد وأجهزوا على ما يربو عن التسعين ألفاً من سكانها دون تفرقة حتى امتلأت الدروب بالجثث وداستها الخيول.. وبحملات (تيمورلنك) الذي زحف بقواته على بغداد في 1393 وأشاع في الأهالي القتل والتعذيب كعصر الأعضاء والمشي على النار والتعليق من الأرجل ودس خرق التراب الناعم بأنف المعذب، وأتم احتلال بلاد الشام ثم احتلالها بعد مذابح شملت الأطفال والنساء والشيوخ وبعد أن كلف كل واحد من أتباعه بأن يأتي برأسين حتى بلغ عدد القتلى تسعين ومائة ألف.. وبسقوط غرناطة سنة 1492م الذي راح ضحيته الآلاف وأجبر 400000 أربعمائة ألف على الدخول في المسيحية بعد أن نصبت لهم محاكم التفتيش وعقب تعرضهم لفظائع وأهوال تشيب لها الولدان.

يصرخ د/ ربيع: أين حقوق الإنسان من اتخاذ أطفال دروع بشرية يضعونها على فوهات الدبابات ومن قتل جرحي وطردهم أحيانا وتدمير مراكز طبية وأخذ كل ما تبقى من أجهزة طبية من داخل المستشفيات بعد الاعتداء على الأطباء لمنع معالجة الجرحى وقصداً لإفناء من لم يفن من رصاصات القناصة وقنابل الفوسفور وقذائف الطائرات ونيران الدبابات والمدرعات التي لا تبقي ولا تذر وتدمر البيوت على ما ومن فيها؟ أين حقوق الإنسان من هذه الانتهاكات التي نسمع عنها مما يجري في الهند وبورما وبلغاريا وكشمير والفلبين وغيرها ضد كل ما هو إسلامي؟ وفي أي نظام أو أية شريعة يُمنع المعتدى عليه من الدفاع عن نفسه ويحظر عليه السلاح بل ويطلب منه تسليم بنادقه المتهالكة التي بقيت مع بعض أفراده في حين يتمتع المعتدي بدباباته وطائراته وصواريخه وكامل عتاده يقتل ويهلك ويدمر؟ أين ذلك النظام الدولي الجديد الذي يدعي القوامة على العالم إلا أن يكون هذا النظام أقيم خصيصاً لمواجهة الإسلام والمسلمين؟. 

حدث هذا كله فلم نتهم المسيحيين ولا المسيحية بالتوحش والتخلف والإرهاب..

حدث فلم نعلن الحرب على العالم..حاولنا فقط أن ندافع عن أنفسنا.. وفشلنا.. لأن الغرب – المسيحي – كان قد جاء بمجموعة من القوادين والنخاسين وجعلهم ملوكا علينا..فأذلونا..

لم نتهم الجمع بل حددنا التهمة بمن يرتكبها فقط..

لأننا خير أمة أخرجت للناس لم ننسب الفعل للدين ولم نقتل لمجرد الاشتباه كما يفعل وحوش يدعون انتماءهم زورا إلى عبد الله المسيح عيسى ابن مريم.

أساءوا إلينا فرددنا على إساءاتهم بالإحسان..

*** 

كان لا بد أن أكتب هذا كله ردا على موجة الهجوم الوقحة التي لا تعرف الحياء والتي انطلقت ضد الإسلام والمسلمين بعد افتضاح ما حدث.. موجة حاولت قلب الأمر كله وكأن الأمر لم يتم بسبب مسرحية مجرمة سافلة بل بسبب غوغائية المسلمين المتخلفين..

من الفقرات السابقة أظننا نعرف من هو الوحشي ومن هو المتخلف..

*** 

ومع احتدام الأمر في الإسكندرية، ومع صلافة البابا وهو يرفض الاعتذار، وجدت صاحبي وقد بلغ به الانفعال كل مبلغ يهتف صارخا:

سوف يتغير الحال.. وسننهض من كبوتنا.. ويومها سنفعل بهم الأفاعيل..

وقلت له في وجوم:

ولا حتى هذه ستنالها.. فدينك يعصمهم منك مهما جاروا عليك.. نعم.. ديننا يمنعنا من الثأر والانتقام.. بل ويدعونا إلى الصفح والمغفرة..

صدقت يا رب..

صدقت يا حبيبي..

كنتم خير أمة أخرجت للناس.. لم نتهم المسيحية ولا المسيحيين.. بل لن نحملهم مسئولية ما فعلوه بنا..

***

فلنترك حظيرة الخنازير تلك لنتجه إلى خنزير آخر.. في حظيرة خنازير أخرى.. حيث تتعدد الأماكن ويتوحد الهدف: تشويه الإسلام تمهيدا للقضاء عليه.. واتهام المسلمين بما ليس فيهم لنزع صفة البشرية عنهم حتى يستسيغ العالم إبادتهم دون إدانة..نواصل تقليب الصفحات في سفر جليل جميل " الغارة على العالم الإسلامي وصدام الحضارات"إعداد د/ ربيع بن محمد بن علي الأستاذ بالجامعة الإسلامية حيث يتعرض لترجمة  (روبرت) اللعين في لمعاني القرآن الكريم بطريقة أعطت صورة بشعة لهذه المعاني.. ومن ترهاته أنه أعطى معنىً غامضاً لخطاب (يا أهل الكتاب) وجعله يبدو في معظم الأحيان وكأنه موجه إلى المسلمين.. كما أضفى على كل الآيات المتعلقة بأحكام الزواج والطلاق معاني جنسية داعرة بحيث تبدو للقارئ الغربي لاسيما الرهبان مثيرة للاشمئزاز والنفور، ففي ترجمته مثلاً لقول الله تعالى: ) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ..((البقرة: من الآية230) ، يقول: "فلا تحل له حتى يطأها رجل غيره".. وجعل المعنى في قوله سبحانه: ) وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ((البقرة: من الآية220) ، (تمارسوا معهم اللواط).. وفي قوله: ) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ((البقرة: من الآية223) (فأتوهن في أدبارهن).. وفي قوله تعالى: ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ..(  (الأحزاب: من الآية50) هكذا: (نحن نجيز لك أزواجك اللائي أتيتهن مهورهن، وجميع إمائك اللائي أعطاكهن الله، وبنات عمك وبنات عماتك، وبنات خالك وبنات خالاتك اللائي اتبعنك، وكل امرأة مؤمنة إذا هي ترغب أن تقدّم جسدها أو نفسها للرسول، وإذا الرسول يرغب أن يضطجع معها فليفعل، وهذا خاص لك وليس للمؤمنين الآخرين).. وهكذا. 

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل قام معلق مجهول بالتعليق والتحشية على تلك الترجمة فزاد في التشويه إلى أقصى حد فمثلاً عندما لا يتفق القصص القرآني مع بعض قصص العهد القديم.. مثل وسوسة الشيطان لآدم وزوجه للأكل من الشجرة، بينا في العهد القديم: أن الحية هي التي أغرت آدم بالأكل من الشجرة.. يهاجم القرآن ويتهمه بالخرافة ويعلق عليه وعلى  القصة الرائعة لحمل مريم بعيسى عليه السلام كما جاءت في سورة مريم بقوله: (كذب وقح) .. كما علق على قوله تعالى من سورة الغاشية: ) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ $ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (  قائلاً: (لماذا أنت بعد هذا توجَّه أصحابك إلى أن يُحوِّلوا الناس إلى دينك بالسيف، إذا أنت تقول مثل هذه المبادئ التي لا تُجبر الناس على الطاعة، فلماذا تُجبر الناس على الطاعة ولماذا تُخضعهم بالقوة مثل الحيوانات والبهائم المتوحشة، وليس بواسطة الحجج والبراهين مثل البشر، في الحقيقة أنت نموذج للكذّاب، فأنت في كل مكان تُناقض نفسك).. فهل يقول عاقل بأن إلهاً يخاطب نبيه بهذه اللهجة وبهذا الخبل؟ وما الذي يجبر هذا الإله لأن يرسل هذا النبي من الأساس إذا كان هذا هو حاله؟ اللهم إن هذا بتهان عظيم.  (الغارة على العالم الإسلامي وصدام الحضارات إعداد د/ ربيع بن محمد بن علي الأستاذ بالجامعة الإسلامية.).

*** 

ما أريد أن أقوله، أن ما عرض في مغارة اللصوص، لم يكن مقطوع الصلة بما قبله ولا بما حوله، إننا نتكلم عن انحراف واسع المدى.

انحراف ممتد عبر التاريخ..  ذلك  أن هذه الحملة العدوانية الشرسة- المتمثلة في تصوير الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام  في صورة بالغة البشاعة ومغايرة تماماً للحقيقة وقائمة على التلفيق والأوهام وليّ الحقائق من طرف وسائل الإعلام في الغرب وقيام الحرب الصليبية المقنعة التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإسلام والمسلمين تحت مسمى (الحرب على الإرهاب وإزالة أسلحة الدمار الشامل)- هذه الحملة ليست جديدة ، بل هي عقيدة غربية موروثة تشكلت ونمت منذ القرن الأول وحتى نهاية القرن الثامن الهجري.. وانتقلت هذه العقيدة كاملة متماسكة عبر هذه القرون الثمانية لتصل إلى القرون الحديثة والمعاصرة، وأصبحت أشبه بالمستنقع الآسن العَفِن الذي تغرف منه وسائل الإعلام الغربية وبعض رجال الدين الإنجيليين في أميركا، وينشرونها عبر وسائلهم المختلفة على أنها حقائق. ينشرونها أيضا عبر عملائهم وجواسيسهم من أقباط مهجر وعلمانيين وشيوعيين. 

***

نعم.. الحملة لا تقتصر على المسرحية السافلة ولا على الكاهن الساقط الذي باركها.. 

الحملة سلسلة طويلة تمتد من يهوذا الإسخريوطي إلى كاهن الكنيسة الساقط..

الحملة تضم الآلاف والملايين..

الحملة تضم خنازير مثل "جيري فالويل" الذي لا يكف عن مهاجمة النبي صلى الله عليه وسلم، من خلال بعض وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى، ومما قاله فالويل مساء يوم الأحد 6 أكتوبر 2002م في برنامج 60 دقيقة: "أنا اعتقد أن محمداً كان إرهابياً، لقد قرأت ما يكفي من المسلمين وغير المسلمين أنه رجل عنف، ورجل حروب.. في اعتقادي المسيح وضع مثالاً للحب كما فعل موسى، وأنا اعتقد أن محمداً وضع مثالاً عكسياً". 

***

نعم.. الحملة لا تقتصر على المسرحية السافلة ولا على الكاهن الساقط الذي باركها.. إنها تضم خنزيرا اسمه “بات روبرتسون" ويقف خلف أقوى تحالف سياسي ديني في الحزب الجمهوري وهو التحالف النصراني،  وفي هجومه على النبي عليه الصلاة والسلام من خلال برنامج هانتي وكولمز في قناة فوكس الإخبارية قال ما يلي: "كل ما عليك هو أن تقرأ ما كتبه محمد في القرآن، إنه كان يدعو قومه إلى قتل المشركين.. إنه رجل متعصب إلى أقصى حد.. إنه كان لصاً وقاطع طريق.. (...).

***

تقول المسرحية السافلة مثل ذلك..

نعم.. الحملة لا تقتصر على المسرحية السافلة ولا على الكاهن الساقط الذي باركها.. إنها تضم واحدا آخر مثل فرانكلين جراهام الذي قام بعمل الطقوس الدينية لتنصيب الرئيس الأمريكي الحالي (جورج دبليوبوش) وقد أدلى (فرانكلين) بتصريحات إعلامية ذكر خلالها أن الإرهاب جزء من التيار العام للإسلام، وأن القرآن (يحض على العنف) وكرر جراهام خلال برنامج (هاينتي وكولمز) المذاع على قناة فوكس نيوز الأمريكية في الخامس من أغسطس 2002م رفضه الاعتذار عن تصريحات أدلى بها بعد حوادث سبتمبر 2001م وصف فيها الإسلام بأنه دين (شرير)..

نعم.. هو أيضا رفض الاعتذار.. فالكفر ملة واحدة..

نعم.. الحملة لا تقتصر على المسرحية السافلة ولا على الكاهن الساقط الذي باركها.. إنها تضم خنزيرا سافلا مثل جيري فاينز: وهو راعي كنيسة في (فلوريدا) افترى على الرسول عليه الصلاة والسلام واتهمه زوراً وبهتاناً بأنه "شاذ يميل للأطفال ويتملكه الشيطان، وتزوج من 12 زوجة آخرهن طفلة عمرها تسع سنوات ( أعتذر عن ذكر الباقي فهو بشع وكاذب.. ولم يطاوعني قلبي ولا قلمي على نشره بسبب شدة بذاءته في الهجوم  على حبيبي وسيدي ومولاي صلى الله عليه وسلم.

لقد تعمدت الإطناب لسببين، السبب الأول أن أؤكد أن عواء الذئاب ونباح الكلاب والخنازير على الإسلام لم يتوقف أبدا، و أن المسرحية السافلة التي مثلت في مغارة اللصوص لم يكن استثناء و أنه لم يؤثر في الإسلام أبدا والسبب الثاني أن أطرح على القراء منابع هذه الصورة الملفقة المشوهة والتي تمثل العقيدة الدينية الغربية الموروثة والتي تمثل المصدر الرئيسي للعلمانيين والقوميين والشيوعيين في بلادنا.. لأنه إذا عرف المنبع النجس بطل العجب.

لقد كان هدف تلك الخنازير من ذلك التشويه، تحصين النصارى من أهل الذمة الذين أدركوا عدالة الإسلام وسماحة المسلمين، والحيلولة بينهم وبين اعتناق الإسلام خاصة بعد دخول الكثيرين منهم في الإسلام .. فلم يجد وسيلة لتثبيت النصارى على دينهم سوى محاولة تشويه الإسلام بالباطل.

في هذا المستنقع النتن سوف نرى جذور العلمانيين العرب.

ولنطالع على سبيل المثال  الترجمة المشوهة لمعاني القرآن الكريم التي قام بها (روبرت أوف كيتون) لحساب بطرس المكرم سنة 537 هـ / 1143 م .. أو رسائل الكندي..في هذه أو تلك سنعثر على مرجعية أنصار أمريكا وإسرائيل أدعياء السلام والاستسلام.. ومهاجمة شعائر الإسلام، واعتبار الحج عملاً من أعمال الوثنية، ويرى أن الجهاد في سبيل الله إنما هو عمل الشيطان..!!

هل تشمون الآن نتن روائح فكر نوال السعداوي وصلاح عيسى وجابر عصفور و أدونيس ومجلة روز اليوسف؟!

هل ترون فاروق حسني و أزلامه؟

هل ترون النخبة؟؟

هل ترون عبد الرحمن الراشد والشرق الأوسط والحياة والأهرام والأخبار؟..

هل ترون رفعت السعيد وقد بارت كل تجارته، فكلما ازداد الخونة كسد سوقه وقل الطلب عليه؟..

هل ترون المسوخ التي جاءت بدلا من المسوخ التي ذهبت؟..

يواصل د/ ربيع بن محمد بن علي فضحه للعدوان الفكري الإعلامي على الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام من جانب رجال الدين الإنجيليين ووسائل الإعلام الغربية- الذي يُعبِّر عن عقيدة موروثة ويمثل الدوافع الحقيقية لحرب دينية مصطنعة- ليس إلا وسيلة تمهيدية ضمن وسائل كثيرة يشملها هذا العدوان السافر على الإسلام والمسلمين والذي يهدف ضمن ما يهدف- رغم كل الأقنعة الزائفة التي يستتر بها- إلى مسخ هوية الأمة الإسلامية وتحويلها عن دينها وتدمير عقيدتها، وتمزيقها إلى دويلات وطوائف متناحرة لا تدين بالولاء إلا لأمريكا وإسرائيل، ونهب ثرواتها ومقدراتها، وتحويلها إلى مجرد مجتمعات استهلاكية لمنتجاتهما وتحويل كل فرد مسلم إلى مجرد كائن بهيمي لا حافز له ولا هم إلا السعي اللاهث وراء لقمة العيش وإشباع غرائزه الفطرية. 

نعم..

مسخ لهوية أمتنا..

والقضاء على الإسلام..

وهذه المرجعيات والمراجع هي البركة العفنة التي تتربى فيها الخنازير..

فهل تشمون روائح النتن يا قراء؟..

 وبرغم كل ما كان وما هو كائن فإننا لا نتهم المسيحيين ولا حتى اليهود..

هل تذكرون كيف انقلبت الدنيا من أجل تماثيل بوذا..

هل تذكرون كيف روعوا وشوهوا طالبان.. وكيف اتهموهم بالهمجية والتخلف لأنهم لا يدركون قيمة تلك الأصنام.. ثم كيف اتهموا الإسلام كله بالهمجية والتخلف لأنه لم يدرك ولم يدرك أهله قيمة تلك الآثار.. هل تذكرون كم من واحد منا انخدع فانضم إليهم مهاجما طالبان المتوحشة التي تقتل التماثيل!!.. غفر الله لكثير ممن ندعو لهم بالهداية والمغفرة.. غفر الله لشيخنا العظيم القرضاوي ولكاتبنا الكبير فهمي هويدي..

خُدعوا بالحضارة فانخدعوا..

كان ابن عباس رضي الله عنه يقول من خدعنا بالله انخدعنا له.. 

أما القسم من نخبتنا التي نظنها على خير فقد انخدعت بغير الله!!..

هل تعرفون ما فعل رواد الحضارة بعد ذلك بآثار العراق؟..

لكننا – نحن خير أمة أخرجت للناس- لم نقل ماذا فعل الصليبيون بهذه الآثار.. بل قلنا فقط ما روته صحيفة (الأسبوع) بتاريخ 22/ 3/ 2004 - 17/ 5/ 2004- 14/ 11/ 2004 وعلى لسان مدير المتاحف، ومدير المحفوظات الوطنية (سعد إسكندر) - أن هناك ما يزيد على (51) ألف قطعة أثرية عراقية مفقودة، فضلاً عن سرقة ونهب أكثر من 60% من تاريخ العراق المكتوب، وهذه النسبة تمثل ملايين السجلات والوثائق الملكية منذ العهد العثماني.

لم نتهم – نحن الأمة الوسط- الصليبيين ولا اليهود رغم أن الجرائم الأمريكية والصهيونية على تراث الأمة وحضارتها لا تقف عند حد، فقد نشرت صحيفة (الجارديان) البريطانية بتاريخ 15/ 1/ 2005 مقالاً افتتاحياً عن التدمير المتعمد الذي تعرض له تراث الحضارة البابلية على يد قوات الغزو جاء فيه: "أن الدمار الذي سببه إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية على حطام مدينة بابل التاريخية أحدى أهم وأشهر المناطق الأثرية في العالم، يعتبر أحد أدنأ الأعمال البربرية الثقافية في الذاكرة الحديثة، حيث إنه عمل لا تبرره أي ضرورة عسكرية وكان من الممكن تجنبه تماماً إذ لم تكن هناك ضرورة لبناء المعسكر في المدينة حيث كانت توجد حدائق بابل المعلقة إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، وندرك- والكلام لا زال على لسان (د/ جون كورتيز) من المتحف البريطاني وكما جاء في تقريره-- أن السلطات الأمريكية كانت على علم تام بتحذيرات علماء الآثار بالأهمية الأثرية العالية لهذه المنطقة ورغم ذلك فقد تجاهلت القوات الأمريكية هذه التحذيرات تماماً"، وأعرب د/ كورتيز عن دهشته إزاء "الدمار الهائل الذي لحق بالموقع فيما بعد والذي لم يقتصر على هدم بعض الصروح الأثرية النادرة مثل بوابة الإله (عشتروت) إحدى أشهر الآثار في العالم، بل امتد إلى ما يقرب من ثلاثمائة ألف متر مربع من المنطقة الأثرية تم تسويتها بالأرض ودفنها في الردم المأخوذ من مناطق أخرى، لإنشاء مهبط لطائرات الهيلوكوبتر ومواقف لسيارات النقل الثقيل لم يكن يجب أبداً وضعها فوق هذا الكنز الأثري- ويضيف د/ كورتيز- أن هذا العمل البشع من وجهة النظر الأركيولوجية، يعني أن مواقع أثرية لم يسبق التنقيب فيها قد أصبحت مدمرة للأبد، مما يحرم البشرية من الحصول على معلومات أثرية مستقبلة منها ومن هذه المنطقة الحدائق المعلقة نفسها، وقد تضاعف الدمار نتيجة استجلاب رمال وردم من مناطق أخرى قد يكون بعضها مواقع أثرية بدورها". 

وقد نقلت الإذاعة عن مراسل من المتحف البريطاني أن الولايات المتحدة تسببت في خسائر فادحة في مدينة بابل العريقة التي فاقت في روعتها أية مدينة أخرى، وأضاف المراسل في تقريره أن طرقاً مرصوفة منذ ألفي عالم قد دمرت بالعربات العسكرية، وأن بقايا الآثار استخدمت لحشو أكياس الرمل عندما أقيمت قاعدة عسكرية هناك، وأن المركبات العسكرية الأمريكية سحقت تحت عجلاتها وجنازيرها ألفين وستمائة عام هي عمر حجارة الرصيف الأثري الذي دمرته تلك المركبات، أما الرمال الأثرية التي تحتوي- حسب قول الإذاعة- على قطع أثرية، فقد أزيلت هي الأخرى واستخدمت لملء أجولة الرمال ولأغراض عسكرية أخرى، الأمر الذي أدي إلى طمس المعلومات حول المكان سيما بعد أن أزيلت أتربة التربة السطحية لثلاثمائة ألف متر مربع من المنطقة وتم تغطيتها بالحصى ومواد معالجة كيمائية، ونقلت الإذاعة على لسان أحد الباحثين وعن متحدث باسم القوات الأمريكية قولهما: إن المنطقة شوهت معالمها تماماً، وأن الغزو والتدمير كان على نحو خطير، وطال إلى جانب الحدائق برج بابل الذي يعد هو الآخر كنزاً من كنوز العالم القديم ومعلماً بارزاً من معالم الحضارة البابلية التي قامت منذ أربعة آلاف سنة. 

ومرة أخرى: تذكروا تماثيل بوذا!!ّ

تذكروها واكتشفوا بأنفسكم نوع الكذب الخسيس المجرم الذي يواجه به هؤلاء الناس العالم.. ابتداء بجورج بوش وانتهاء بالكاهن الساقط الذي بارك المسرحية السافلة مدعيا أنها تدين الإرهاب ولا تسئ للإسلام.

نعم..

هذا متصل بذاك..

ومسرحية الإسكندرية استمرار لخيانات قطيع غير بسيط من الأقباط لوطنهم عبر التاريخ ليتركز في النهاية في أقباط المهجر.

نعم.. لم تكن مسرحية الإسكندرية استثناء ولا خطأ عارضا و إنما كانت استمرارا لحقد قديم لم يمت أبدا.. دفن تحت وطأة انتصار الإسلام الطاغي و إبهاره و إعجازه.. دفن ولم يمت.. نعم.. دفن ولم يمت فتشبع عفونة معتقة عبر التاريخ تشمها في بعضهم فكأنها وصمة عارهم عبر التاريخ.. وصمة عار تشمها في بوش كما تشمها في نابليون كما في كاترين وبطرس كما في كمال أتاتورك ومبارك وعبد الله وجمال عبد الناصر وصلاح عيسى والغيطاني ومئات و آلاف وملايين.. ارتضوا غير شرع الله وحاربوا الله ورسوله..

***

نعم.. 

علاقة الأقباط بالمسلمين في مصر حفلت بتسامح هائل من المسلمين وبانحراف من بعض الأقباط.. ولم يكن الانحراف بسبب وجود مشكلة لدينا في قبول النصارى.. على العكس.. كانت المشكلة في قبول النصارى للمسلمين..و كان المستشرق الفرنسي كيمون في كتابه (باثولوجيا الإسلام يقول: "أعتقد أنه من الواجب إبادة خُمس المسلمين، والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة، وتدمير الكعبة، ووضع قبر محمد وجثته في متحف اللوفر"..

***

في المسرحية السافلة سوف نشم ذات الرائحة النتنة..

 كانت المشكلة انحرافا في صلب الفكرة تعرض لها الدكتور هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية ـ لندن في مقالة متميزة – و إن كنت لا أتفق معه في كثير مما ورد فيها، ولكنها على أي حال جهد وجهاد يحتمل الأجر أو الأجرين..  وعنوان المقال: " هل كان للأقباط دور تاريخي في مقاومة المحتل (حملات صليبية ـ فرنسي ـ بريطاني)؟

 يستعرض الدكتور هاني السباعي في بحثه استعراضهم للقوة واستقواء بعضهم بالأجنبي عبر التاريخ ونقضهم العهود، ونقضهم عقد الذمة منذ الفتح الإسلامي سنة 20هـ ، رغم تعامل ولاة المسلمين معهم بكل تسامح، فكانوا يتظاهرون ويعلنون العصيان المسلح على الدولة ويقتلون عمال الحكومة ويتصلون بدولة الروم ثم يتصدى الحكام لهم بإرسال من يطالبهم بفض العصيان في مقابل العفو عنهم إلا أنهم في الغالب يتعنتون ويصرون على التمرد بزعم أن دولة الروم قد تساعدهم غير أن حساباتهم كانت على الدوام خاطئة فسرعان ما ينتصر عليهم جيش المسلمين ثم يعفو عنهم الخليفة أو الوالي ويجددون له الولاء والطاعة والالتزام بنود عقد الذمة المنصوص عليه في اتفاقيتي بابليون الأولى (الخاصة بأهل مصر قبل فتح الإسكندرية)سنة 20هـ  وبابليون الثانية (الخاصة بأهل الإسكندرية) سنة 20هـ أيضاً، لكنهم يعودون مرة أخرى لعصيانهم متذرعين بأحداث لا تتناسب وحجم عصيانهم المسلح.. 

كما يلاحظ ما يحدث في العصر الحديث، حيث غر بعضهم تحريض أقباط المهجر وخفافيش البنتاجون .. فراحوا يبتزون الحكومة.. ويلاحظ الدكتور هاني السباعي أن تمرد الأقباط  و أخطاءهم تقابل من السلطة  بصبر منقطع النظير وغير معهود على رجال الشرطة الذين يتعاملون بمنتهى الرقة مع مثل هذه الأحداث رغم استفزاز المتظاهرين لقوات الأمن والحكومة وترديد شعارات معادية للإسلام وأهل البلد والحكومة نفسها ( وصل الأمر إلى استعمال هتافات مثل الاستنجاد ببوش وشارون والهتاف: لا إسلام بعد اليوم). وبرغم ذلك فإن الحكومة عادة ما تستجيب  للابتزاز .. الحكومة التي دأبت على تدليل الأقلية القبطية والرضوخ لمطالبهم المتعسفة التي يفتقدها الشعب المسلم في مصر، بل يطالب عدد كبير من المسلمين أن تعاملهم الحكومة مثلما تعامل الأقلية المسيحية حيث كل أنواع القمع والتضييق على المسلمين سواء في الفصل من الوظائف الحكومية والتربوية وإحالة العديد من المدرسين إلى وظائف إدارية، والطرد من المؤسسة العسكرية أو جهاز الشرطة أو الأجهزة الإدارية الحساسة وغير الحساسة في الدولة لكل من يشتبه أن له قريباً كان ذات يوم معتقلاً سياسياً أو يشتبه بأن هذا القريب كانت له صلة بالجماعات الإسلامية، بالإضافة إلى حملة حكومية منظمة بغية تجفيف المنابع الإسلامية سواء في برامج الإعلام أو المناهج التعليمية. هذا كله بالإضافة إلى  مطاردة وملاحقة الإسلاميين (60 ألف معتقل مسلم لا يوجد بينهم نصراني) عبر سلسلة المحاكمات العسكرية وتأميم النقابات المهنية وفرض الحراسات عليها والاعتقال طويل الأمد ومحاربة روح التدين، والسخرية من الهدي الظاهر لدى المتدينين المسلمين كالنقاب واللحية وتسخير كافة الأجهزة الأمنية لمحاربة الإسلاميين تحت شعار محاربة (الإرهاب)..

يتحدث الدكتور هاني السباعي بعد ذلك عن تاريخ طويل من الغدر والتشويه والكذب ويدين بقوة موقفهم إبان الغزوة الفرنسية والإنجليزية لمصر. ويقرر أن ما يقوم به أقباط مصر بقيادة الأنبا شنودة الثالث هو إهانة لمشاعر المسلمين في مصر وفي العالم الإسلامي بأسره. الأنبا شنودة الذي عودنا على اعتكافه السياسي في وادي النطرون مهدداً القيادة المصرية الخانعة المرتجفة من ضغوط الغرب؛ لن يجدي اعتكافه هذا إذا تمخض الزلزال وخرج المارد من قمقمه فلن يتحمل الشعب المصري كل هذه الإهانات المتكررة من أقباط مصر، تلك الأقلية التي لا هم لها إلا الاستقواء بالغرب .. لا .. ولن تنفعهم أمريكا ولا قوات الناتو ولا من في الأرض جميعاً من غضبة الشعب المصري المسلم المكلوم المهان في دينه وكرامته.. فأفيقوا قبل أن يتمخض الزلزال.. وساعتها سيقول الجميع ولات حين ندم!.

حاشية على بحث الدكتور هاني السباعي: 

 أعتقد أن الدكتور هاني السباعي يتحدث عن أقلية داخل أقلية، أقلية سافلة وسط أغلبية أفضل، تماما كأقليات اليسار السافل بين المسلمين، نعم.. أقلية و إن كنت أظن أنها تزداد تدريجيا,  أقلية..  لا أقولها نفاقا أو مجاملة للأقباط، فالتاريخ يتحدث فعلا عن ترحيب الأقباط – في مجملهم- بالفتح الإسلامي .. ليس ميلا للدين الجديد و إنما لأنهم كانوا يعتبرون الرومان كفارا و أعداء معا وكانوا يرون أن المسلمين أقل كفرا من الرومان الذين عاملوهم بوحشية منقطعة النظير، لقد قتل جستنيان الأول عام 560م 000 200 في الإسكندرية وحدها. وكان التاريخ الدامي لا ينفك يذكرهم  بكيفية دخول المسيحية لمصر في عام‏55‏ م علي يد مارمرقس الرسول وإنشاء أول كنيسة في مصر في منطقة بوكاليا في الإسكندرية وكيفية قتل مارمرقس الرسول بمعرفة الوثنيين بربطه من رقبته في عام‏68‏ م بحبل وجره في الشوارع حتى ظهرت عظامه وكيف عاش المسيحيون في اضطهاد دائم في مصر وصل ذروته في عهد دقلديانوس حاكم الدولة الرومانية في عام‏284‏ م حتى وصل عدد القتلى من المسيحيين إلي أكثر من مليون شخص. ويرى بعض المؤرخين المحايدين أن الفتح الإسلامي أنقذ قبط مصر من الإبادة. ثم أن المراجع القبطية نفسها – ومنها أنقل الآن- تذكر كيف بدأ الأقباط في مساعده عمرو بعد سقوط بابليون والإسكندرية واحتلاله البلاد وكان زعيم القبط وكبيرهم رجلا اسمه باليوناني سانوتيوس أو شنودة بالقبطي، أعلم عمرو بأحوال أهل البلاد وكيف اضطهدهم الأروام وهروب البابا بنيامين منهم واختفاؤه. فكتب عمرو بن العاص وعد عهد وأمان كالآتى (  أينما كان بطريرك القبط بنيامين، نعده الحماية والأمان وعهد الله فليأت البطريرك إلى هنا في أمان واطمئنان ليلى أمر ديانته ويرعى أهل ملته (2) وكان البابا بنيامين قد غاب عن كرسيه 13 سنه منها 10 سنين في عهد الأروام وحكم قورش(المقوقس) وثلاث سنين منذ غزا العرب مصر0كما أمر عمرو بإرجاع الكنائس التي اغتصبها الأروام من الأقباط. أما البابا بنيامين فلما عاد إلى كرسيه عمل وعلم بكل طاقته لإرجاع الذين أضلهم قورش فرجع منهم الكثيرين0وعاد الأساقفة أيضا إلى كراسيهم( أماكنهم) بعد هروبهم وأمر ملاك الله البابا أن يبنى بيعه (كنيسة) مطرا لأنها كانت أكثر الأماكن التي أهرق فيها الأروام والملكيين دماء الأقباط، ورمم أيضا أديره وادي النطرون (دير الأنبا بيشوي  وأبى مقار) بعد أن دمرها الفرس وقتلوا رهبانها. ثم تروي المراجع القبطية ما قاله المؤرخون العرب انه خرج 70000 راهب قبطي من وادي النطرون بيد كل منهم عكازا عراة الأقدام وبثياب ممزقه، مهللين لعمرو بن العاص.

ولا تنفي المراجع القبطية هذا الخبر لكنها تنتقد العدد.. وترى أن فيه مبالغة كبيرة.

هامش على الهامش:

هذا هو الفاتح الصحابي الجليل عمرو بن العاص.. 

فهل رأيتم فاتحا في التاريخ يفعل فعله ( كلب من كلاب الروم كان يقول: لقد فتحت أمريكا العراق كما فتح عمرو بن العاص مصر.. وكلب آخر من كلاب الروم قبح الله وجهه ( أسامة أنور عكاشة) كان يقول عن الصحابي الجليل أنه أحقر شخصية في التاريخ..

) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ( .

***

هكذا جرت حملات الكذب لتشويه الإسلام والمسلمين وكان هدفها الرئيسي تنفير النصارى من الدخول في الإسلام.. ولو لم تكن الغواية هائلة لما كانت الأكاذيب بهذا الحجم..

إنني أريد أن أفرق هنا بين أمرين أظنهما هامين، و أريد ألا أسقط في فخ الإساءة لأحد، كما لا أريد أن أسقط في مستنقع المجاملات الكاذبة  المنافقة اللزجة.

وعلى سبيل المثال: عندما يقول المسلم أن النصارى كفار فهذا ما قرره له القرآن الذي يقول : ) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ( (المائدة: من الآية 17 و 72) و) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ(  (المائدة : 73)..  إنه لا ينطلق من حكم شخصي أو هوى مضل. إنه ينطلق من القرآن كحكم سماوي مطلق لا استئناف فيه ولا قدرة لبشر على تغييره. نعم .. أعلم أن النصارى لا يؤمنون بالقرآن.. ولم نطلب منهم ذلك.. لكننا نطلب فقط أن يفهموا أننا نؤمن به أكثر من إيماننا بوجودنا الأرضي ( لا أقول ذلك لصرفهم عن محاولاتهم الساذجة السافلة لصرفنا عن الإسلام) وعندما نقول أنهم بدلوا في كتابهم، فإن ذلك يعني يقيننا المطلق بما أخبرنا به القرآن، وذلك لا يتعلق على الإطلاق، إنه لا يتعلق حتى بالنبأ الذي ذاع أن الكنيسة الكاثوليكية في روما توشك علي الإعلان رسميا عن أن‏80%‏ من الأقوال المنسوبة للسيد المسيح عليه السلام في الإنجيل‏،‏ غير صحيحة تاريخيا‏. أليس هذا ما قاله الإسلام؟ أليس هذا ما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم .

على الجانب الآخر .. ما هي مرجعية النصارى عندما يحكمون على المسلمين في شيء؟ هل قاله الله؟ هل نطق به عبد الله المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام؟ أم أنه رأي بشر.. إنني أرجو من القارئ القبطي أن يفهمني، إنني أحاول مناقشة الأمر بصورة عقلية مجردة، لا أهدف منها أبدا إلى إقناعه بالإسلام، بل أهدف منها – و أقولها بلا خجل وبلا كبرياء مرذول – إلى استرضائه. نعم أريده أن يفهم أنني عندما أقول أن الله واحد أحد لم يلد ولم يولد فإنني لا أقصد إيذاءه، وحتى عندما أقول لقد كفر الذين قالوا.. فإنني لا أملك من الأمر شيئا ولا حيلة لي ولا لغيري فيه.. بمعنى أنني من ناحية لا أقصد إيذاءه، ومن الناحية الأخرى فإنه إن كان ضروريا أن يمنعوا تلك الآيات من أن تتلى على الأرض فليس لهم إلا سبيل واحد.. أن يقتلوا مليارا وثلاثة أرباع مليار مسلم.. وهذا أيضا لن ينالوه أبدا.. ليس استكبارا.. ولكن أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك.

بشكل آخر: عندما يقول المسلم على النصراني أنه كافر فذلك أمر طبيعي.. تماما كما أنه طبيعي أن يقول النصراني عن المسلم أنه كافر، وشد ما يصيبني الاشمئزاز من إنكار  هذا المعنى أو الكفر به، فمن المؤكد أن المسيحي لا يقبل أبدا أن يقال أنه مؤمن بنبوة سيد البشر وخاتم النبيين سيدنا وحبيبنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن أي مسلم لا بد أن يشعر بالفخر الشديد حينما يذكر عنه أنه كافر بالتثليث، فذلك مدح لا قدح.

نعم.. وبطريقة أخرى فالكفر يعني الغطاء، أو الإخفاء أو الإنكار، وبذلك فإن إنكار النصراني لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم تعني بالنسبة لي كفره، و إنكاري أن الله ثالث ثلاثة تعني بالنسبة له أنني كافر بما يقول.. وهذا صحيح ولا يحمل أي نوع من الإساءة أو الإهانة. إن الأمر كما قال المستشار العلامة طارق البشري ذات يوم ضاربا المثل بالماركسية، فإن لها أسسا معينة فإن آمنت بها فأنت مؤمن و إن أنكرت المادية الجدلية  فأنت كافر بها دون أن يعنى هذا الرغبة في الإهانة.

***

لست أدرى هل استطعت توضيح الفكرة السابقة أم لا..

وربما يحتاج القارئ الآن أن أخفف من جهامة الكلمات وشدة وطأتها بأن أروي له الحكاية التالية..

لست أدري من الذي أدخل في روعي أن الأستاذ نبيل الذي أتعامل معه مسيحي، وظلت علاقتي به طيلة عشرة أعوام شديدة الصفاء والنعومة، كنا نلتقي – لقاء عمل – كل عدة شهور.. وكان هو يستمتع بخطئي و يتجنب كشف الحقيقة أمامي.. إلى أن التقينا في الحج!!..بعدها قلّت مجاملتي له، و أصبحت أعنفه أحيانا إذا أخطأ فيقول مازحا: ليتك ما اكتشفت الحقيقة، فأوضح له الأمر، ذلك أنني في علاقتي بالمسيحي أحمل مسئولية مضاعفة، مسئولية : " الدين المعاملة" ومسئولية توصية الرسول صلى الله عليه وسلم بهم. لكن هل تعني المجاملة أن أنكر ما هو معلوم في الإسلام بالضرورة؟ نعم.. لكم دينكم ولي دين.. لكن.. من هم هؤلاء الذين لهم دينهم ولي دين.. إنهم: ) يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ(!"..

***

وقبل أن نعود إلى المسرحية المجرمة فإننا نعرض في إيجاز شديد رد فعل العالم على الأكاذيب القذرة والمسرحيات المجرمة وجميع وسائل الإعلام الخاضعة للصليبيين واليهود.. 

نعرض رد فعل العالم على الأكاذيب عابرة القارات والقرون..

هل انصرف الناس عن الإسلام؟..

هل قل عدد المسلمين؟؟..

على العكس..

رد الفعل أن عدد المسلمين ازداد وكذلك نسبتهم.

- فقد ازداد عدد المسلمين نسبة إلى سكان العالم من  18%  عام 1980 23%  عام 2000 ويتوقع أن يصل إلى  31%  عام 2025( البيان  ذو الحجة 1419). 

وللمسلمين أقول أن ذلك يتم لأن الإسلام حق بذاته دون حاجة إلى دفاع ، كما أن فكرة التوحيد في الإسلام بالغة النقاء والرقي، نعم إنها نقية وشامخة للدرجة التي تخطف قلب أي إنسان على غير دين الإسلام عندما يسمع بها، وسنجد ذلك في كثير من مذكرات من هداهم الله لإسلام.

***

النماذج الوضيعة التي ذكرناها ليست استثناء و .. لا أقول أيضا أنها القاعدة في تناول الإسلام والمسلمين.. لكنها واسعة الانتشار..وعلى من يريد معرفة المزيد أن يلجأ إلى مواقع أقباط المهجر، وليست سوى أوكار للخونة والجواسيس والعملاء، وبالمناسبة سوف يذهل القارئ من أن أهم كتاب هذه الأوكار رفعت السعيد والعشماوي وحسن حنفي وفرج فودة والقمني وخليل عبد الكريم وصلاح عيسى والغيطاني ومن على شاكلتهم. دعنا من ذلك. لديّ صحيفة كنسية توزعها الأهرام تتعرض لسيدنا عمر بن الخطاب باتهامات خسيسة قذرة بشعة كالصحيفة ومن أصدرها وباركها ووزعها.. ولولا حرصي على عدم إشعال النار لذكرت التفاصيل.

***

    لم تستخف الكنيسة.. بل قامت بهذا العمل الفاجر بتحد سافر للمسلمين ولأجهزة الدولة وقامت بعرض كل شيء من أسماء طاقم العمل بالكامل.. فما المطلوب من هذا التصرف الوقح...هل هو إعلان التحدي والتمرد من قبل الكنيسة على الدولة؟  هل هو السعي إلى فتنة المفروض أن يكونوا أشد الناس خوفا منها؟ هل هو الاستقواء الدنيء بالخارج ؟  

يقول الدكتور يونان لبيب رزق ـ قبطي ـ في مجلة المصور : تصور نفر من الأقلية القبطية أنهم يستمتعون بالحماية الأمريكية ولعل هذا ما دفعهم إلي تأليف وتمثيل هذه المسرحية الركيكة والتي تفتقر إلي ابسط مبادئ الحبكة الدرامية، فهي تقوم منذ بدايتها علي فكرة وهمية مؤداها نجاح احدي الجماعات الإسلامية المتطرفة في إغراء شاب قبطي علي الانضمام إليها ولم يحدث أن سمعنا من قبل أن هذه الجماعات قد سعت إلي ضم أي قبطي، الأكثر من ذلك أن هذا الشاب لسبب أو لآخر قد استجاب لهذه الدعوة غير المنطقية، ولا ندري من كان وراء هذا التصرف الذي لا يمكن وصفه إلا بالتعصب وقصر بالنظر، أو على الأقل بفعل فاعل في نفس الفترة أخذت إحدى قنوات القمر الأوروبي هي قناة الحياة تبث برنامجا استفزازيا لقس مصري اسمه الأب زكريا حفل بالقصص الوهمية عن نجاحه في تنصير أعداد من المسلمين هذا فضلا عما يبشر به من معجزات وهمية.

***

       هو الاستقواء الخسيس إذن..  استقواء عميان يقودون عميانا .. ولكن.. إذا كان الأعمى يقود أعمى يسقطان معا في حفرة .. و أنهم هم الذين ينطبق عليهم ما جاء في الطبعة المعاصرة للإنجيل : "كتب أن بيتي بيتا للصلاة يدعى، أما أنتم فقد جعلتموه مغارة لصوص".. أو أنهم كما قال القديس أوغسطينوس :  إنهم يرغبون في تدمير الحق الذي لا يمكن تدميره. أمّا الخنازير فتختلف عن الكلاب فهي لا تهاجم لتمزّق بأسنانها، لكنها تدنّس الشيء إذ تدوسه بأقدامها في طياشة... إذن لنفهم أن "الكلاب" تُشير إلى مقاومي الحق، "والخنازير" إلى محتقريه. 

 لقد بلغ الفجور بالكهنة الذين اشتركوا في هذه الجريمة أن كذبوا حتى على البابا شنودة نفسه، فقد ورد في مقدمة المسرحية أنها "حظيت بمباركة صوت البابا شنودة".. والكلمة رغم غموضها أعطت انطباعا بتورط البابا نفسه تورطا مباشرا في هذا العمل الإجرامي. ولم يكن ذلك صحيحا، و إنما تدني الكهنة إلى مستوى النصب والاحتيال، ولقد فسر الأنبا موسى الجملة، فقد أتوا بتسجيل موعظة من مواعظه و سجلوها في المسرحية لتباركها.

لقد قلت قبل ذلك أن الغرض من مثل هذه المسرحية السافلة والكهنة السفلة الذين تبنوها هو تشويه الإسلام كي يشوهوه عند أبنائهم ولكي يبغضوا لهم أتباعه.. لكن القبطي المحترم الوقور المحروم من قبل البابا شنودة: جمال أسعد عبد الملاك يخبرنا بسبب آخر.. إن الكهنة الساقطين.. أبناء الأفاعي الذين يلبسون ملابس الكهنة.. يتاجرون في هذه المسرحيات ويكسبون منها.. وذلك سبب هام آخر.. وهو أيضا يؤكد أنهم ليسوا أتباع عبد الله المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، سواء بتحريف أو بدون تحريف ( فحتى المسيحية المحرفة لا تأمر بالكذب الفاجر أو جرائم القتل والإبادة)..و إنما هم أتباع يهوذا و أنهم ينتجون هذه المسرحيات من أجل الثلاثين فضة!!..

أين كانت الحكومات العميلة الساقطة وهي تتراجع تراجعا بعد تراجع وتفرط تفريطا بعد تفريط.

أين كانوا وهم يردون المؤمنات المحصنات ماريان مكرم عياد وتريزا إبراهيم ووفاء قسطنطين وغيرهن..

أين مباحث أمن الدولة التي لا تخفي عليها في المساجد خافية؟؟ أين؟؟ 

العار والشنار لأجهزة تسجل أسماء الشباب الذين يصلون الفجر في المساجد دون أن تجرؤ على التسلل لقلاع وحصون تسمى بعضها زورا كنائس.

الخزي والعار والشنار لأجهزة لا تجرؤ على التدخل في برنامج عمل الكنائس ثانية واحدة بينما تحرص على تقييد العمل في دور عبادة المسلمين الأعداء.. في المساجد!!.. يحرص كلاب النار على ألا يذكر اسم الله فيها.. فلا تفتح إلا قبل صلاة الفرض بدقائق ثم تغلق بعد الصلاة مباشرة.. لعنهم الله و أخزاهم.. و أخزى وزيرا يوافق على هذا ويباركه.

الخزي والعار والشنار لأجهزة الأمن الباطش الجبار التي قتلت الناس داخل المساجد وأطلقت النار داخلها وهدمت بعضها لاتهامات كلها مزورة وصمتت صمت الجرذان عندما كانت الجرائم جرائم خيانة عظمى لكنها تحدث في الكنائس.

الخزي والعار والشنار لهم .. الخزي والعار والشنار لهم .. الخزي والعار والشنار لهم .. إنني أوجه السؤال لهم أو لأي واحد منهم ما يزال لديه دين أو ضمير- وهو الأمر الذي أرتاب فيه- هل يمكن أن يفعلوا بالإخوان المسيحيين (!!) ما فعلوه بالإخوان المسلمين؟.. ولا أقول بالجهاد أو الجماعة الإسلامية؟؟..

لماذا استهان كلاب النار – أيا كانوا و أيا كانت مناصبهم.. من الخفير إلى الأمير.. بالمساجد وجبنوا أمام الكنائس التي تحولت  إلى دويلات متناثرة داخل الدولة ؟ نعم .. دويلات لها هيئة مستقلة وخصوصية خاصة داخل البلد .. دويلات لها قوانينها وسجونها و أجهزة إعلامها بل وصحفها.

هل يدرك القراء أن من حق كل كنيسة أن تصدر صحيفة؟! لدي بعض هذه الصحف، وهي طباعة فاخرة، وليست للتوزيع الداخلي، بل تباع، ومكتوب في صفحاتها الأولى أنها توزيع الأهرام، فهل يدرك جهاز الأمن الباطش الجبار ذلك؟ وهو الذي يحاصر أي مطبوعة للمسلمين، وهو الذي يمنع بمنتهى الجبروت والقسوة عودة صحيفة الشعب رغم عشرات الأحكام القضائية النهاية ، الخزي والعار والشنار لجهاز أمن يفعل ذلك..خزي وعار يلحق أيضا الباقين جميعا .. من الخفير إلى الأمير.

هل تراقب أجهزة الثقافة مسرحيات الكنائس ومطبوعاتها، وهي التي لا تسمح لأي مؤسسة مسلمة بأي نشاط، إلا إذا كان هذا النشاط نفاقا وازورارا عن الإسلام، هل تراقب هذه الأجهزة نشاطات الكنائس.. أم أنها مشغولة كوزيرها الشاذ – فكريا!- بإخراج مسرحية صنع فيها – عليه من الله ما يستحقه- نموذجا للكعبة وأتى براقصة لترقص فوقه.

أين وزارة الداخلية.. أين شرطة المصنفات وقسوتها الباطشة وهي تهاجم مساكين يرتزقون من بيع تسجيلات دينية معظمها صحيح لكنه لا يوافق هوى الشياطين التي تحكمنا ثم لم تتحرك قيد أنملة لإزار المسرحية الفاجرة.

فحيح ونباح وعواء انطلق يقول أن المسرحية مثلت منذ عامين.. لكن التساؤل: هل تسقط جرائم إهانة القرآن وسب الرسول بالتقادم؟.. وبعد عامين فقط!!.. 

فحيح ونباح وعواء انطلق يقول أن المسرحية مثلت مرة واحدة فقط.. وهذا كذب لأنها مثلت مرات عديدة.. أما المصدر فهم مسيحيون شاهدوا المسرحية.. و أسلموا بعدها!!

فحيح ونباح وعواء انطلق يقول أن المسرحية مثلت مرة واحدة ثم صدرت الأوامر بإيقافها.. وهذا كذب.. فقد مثلت في أغسطس الماضي حيث صورت..  لكن دعونا من أجل الجدل نوافق.. فإذا كانت الأوامر قد صدرت بإيقافها فمن سجلها؟.. ومن طبعها؟

فحيح ونباح وعواء انطلق يقول أن المسرحية لم يشاهدها مسلم قط.. فكيف وصل تسجيلها إلى آلاف المسلمين إذن؟ ( المسيحيون الذين هداهم الله للإسلام أقروا بأن التسجيل والتوزيع كان مقصودا به المسلمون وليس المسيحيين).. 

هل كل ضباط مباحث أمن الدولة مشغولون في مراقبة المساجد؟ أما من ضابط منهم يذهب ليقول لنا من الذي طبع القرص الفاجر ومن وزعه.. ومن هو الفاجر الذي وافق أو بارك؟!..

ثم: أين شيخ الأزهر.. لا عفوا.. أنا أسحب السؤال يا قراء.. لا أسأل عن شيخ الأزهر ولا أناديه فالرجل موظف.. والموظف ملتزم بشرع ولي نعمته لا بشرع خالقه.

أين المفتى؟.. لقد فقد الرجل احترامي كله وهو ينكر وجود تسجيل للمسرحية أصلا.. وهو قول كاذب لم يجرؤ عليه حتى البابا شنودة نفسه..

أين النائب العام.. الذي أكتفي بصدده بأن أشكوه إلى الله.. ليس في هذه القضية فقط..بل في كل قضية يكون الحاكم  طرفا فيها.. و أحيل القارئ إلى مقال لي نشرته منذ أعوام  ثم ضمنته كتابي " إني أرى الملك عاريا " عن صدام عنيف مع النائب العام آنذاك حين صارحته أن قاضيا في الجنة وقاضيين في النار.

أين وزير العدل – المزور كما اتهمه القضاة أنفسهم-..

إنني أنقل تعليقا من رسالة قيمة لبعض من تصدوا للمسرحية الفاجرة..  تعليقا يستنكر كيف أن أصحاب هذا العمل المسرحي الهزيل قيمة ومضموناً .. نشروا مثل هذه الأفكار دون أن تطرف لهم عين..ودون أدنى مسئولية أو شعور بالآخرين..إننا كنا نتصور إن مصر من كافة طوائفها وأفكارها ومثقفيها وبُسطائِها قبل علمائها كانت ستعلن التنديد والاستنكار على الفور إذ ما تجرأ أحدهم من دولة قريبة أو بعيدة بمثل هذا العمل..إننا لم نتصور أبدا أن نُؤتى من مأمننا..ونُطعن من مكمننا..كنا نتصور أن هؤلاء الذين يسبون الإسلام( مثل زكريا بطرس وأعوانه في القنوات المشبوهة) في الخارج هم أعداء لديننا ودولتنا ، وكنا نعلم أن أغراضهم الرخيصة المكشوفة في إثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين لن يعبأ بها شبابنا الواعي للوحدة الوطنية ولمستقبل وأمن بلاده .. فإذ بعيوننا تتحول عن مكامن الخطر الخارجي لنجدها هنا ونشاهدها من الداخل للأسف. المشكلة أن الطعنة هذه المرة جاءت صريحة من قلب أقباط مصـر أنفسهم ، وليس كما أعتدنا تلقي السهام من أقباط المهجر في الخارج. الشيء المؤسف أن هذه الطعنة وهذا الاستهزاء الرهيب بشرائع الإسلام جاء من قِبَل أكبر مِلّة طائفية مسيحية في مصـر وهم الأرثوذكس ، والذي يشكلون معظم أقباط مصر المسيحيين. ولو كان هذا العمل قد قام به مجموعة من الشباب كحالة منفردة لكنا قد سكتنا ولكذبنا أنفسنا وأعيننا ، وقلنا لأنفسنا ولأبنائنا المسلمين لا تحزنوا ولا تغضبوا لأنهم مجموعة عشوائية من الشباب لا تمثل أبدا الكنيسة المصرية ، ولا تمثل أبدا إخواننا الأقباط. إلا أن الصدمة هذه المرة كانت من قبل أحد الكنائس الأرثوذكسية التي يقودها ويرأسها البابا شنودة نفسه.. حيث أن العمل تم في "كنيسة ماري جرجس – بمحرم بك- الإسكندرية" ،هذا العمل المسرحي الذي يشرف عليه قساوسة كبار وليس مجرد مجموعة من الشباب المتعصب أو غيره. إن الشيء المحزن أن هؤلاء القساوسة يفترض أنهم أكثر استيعاباً وإدراكاً للمسئولية في مثل هذه الفترات ، ولا بد أن يكونوا قدوة للآخرين ، لأنهم رجال دين في محل نظر واهتمام الآخرين حيث أن تصرفاتهم وأفعالهم محسوبة عليهم. وللأسف أن أي شخص سيشاهد هذه المسرحية سيدرك أن العمل لم يكن عشوائياً ، بل كان عملا منظما متكاملا ضخما داخل مسرح الكنيسة وخارجها ، عمل فني بما يعرفه المشاهدون من طاقم تصوير وموسيقى وديكور وكمبيوتر وملابس ومكياج وتأليف وإخراج وطبعاً لا تنسوا القساوسة ومباركتهم للعمل بأنفسهم. بل إن الجمهور المسيحي الذي كان يحضر هذا العمل لم يكن بضع أفراد ولم يكن العمل سرياً، بل كان جمهورا كبيرا ضخما بالمئات أصرت الكاميرات إظهاره عدة مرات لتوضح مدى سعادتهم وتصفيقهم الحار للعمل إعجابا به!!. وتلك نقطة أخرى لا أتوسع فيها حرصا، إذ كيف يهبط هذا الجمهور الغفير إلى هذا الدرك السافل دون احتجاج واحد، وهل هذا الجمهور لا يمثل إلا نفسه أم أنه عينة عشوائية صادقة للانحطاط والكفر والسفالة.

***

إن عنوان المسرحية نفسه يعود إلى رواية وردت في الإنجيل تقول:

" وفيما هو مجتاز رأى إنسانا أعمى منذ ولادته. فسأله تلاميذه قائلين يا معلّم من اخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى. أجاب يسوع لا هذا اخطأ ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه. ينبغي أن اعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار. يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل. ما دمت في العالم فأنا نور العالم 

قال هذا وتفل على الأرض وصنع من التفل طينا وطلى بالطين عيني الأعمى. وقال له اذهب اغتسل في بركة سلوام. الذي تفسيره مرسل. فمضى واغتسل وأتى بصيرا "

"فالجيران والذين كانوا يرونه قبلا انه كان أعمى قالوا أليس هذا هو الذي كان يجلس ويستعطي. آخرون قالوا هذا هو. وآخرون انه يشبهه. وأما هو فقال أنى أنا هو. فقالوا له كيف انفتحت عيناك. أجاب ذاك وقال. إنسان يقال له يسوع صنع طينا وطلى عينيّ وقال لي اذهب إلى بركة سلوام واغتسل. فمضيت واغتسلت فأبصرت".(...) اسألوه فهو يتكلم عن نفسه. قال أبواه هذا لأنهما كانا يخافان من اليهود. لان اليهود كانوا قد تعاهدوا انه إن اعترف أحد بأنه المسيح يخرج من المجمع. لذلك قال أبواه انه كامل السن اسألوه،  فدعوا ثانية الإنسان الذي كان أعمى وقالوا له أعطي مجدا لله. نحن نعلم أن هذا الإنسان خاطئ. فأجاب ذاك وقال أخاطئ هو. لست اعلم. إنما اعلم شيئا واحدا. أنى كنت أعمى والآن أبصر "..يوحنا 9: 1-41.

 

***

إنني أريد أن أنبه القراء، والمسيحيين قبل المسلمين أن هذه الطريقة الساقطة في الهجوم على الإسلام تفيده ولا تنتقص منه ذلك أن الشاب المسيحي يفاجأ عندما تزال غشاوة الكلاب والخنازير الذين تحدث عنهم القديس أوغسطينوس من على عينيه، عندما تزال هذه الغشاوة يدرك هذا الشاب عظمة الإسلام وعمقه، إن الشاب يدرك كم خدع، ويكتشف كم كذبوا عليه، ويكتشف كم كان هذا الكذب خسيسا..  بل ويكتشف الشاب فوق ذلك من عظمة الإسلام ما يدفعه لإشهار إسلامه حين يكتشف أن الإسلام لم يأت مكذبا لنبيهم ولا سابا له ولا متورطا في محاولة قتله ولا مدعيا على أمه مثل ما ادعى اليهود بل قال في عيسى وأمه: (ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام)(المائدة 75). فعيسى عليه السلام عبد الله ورسوله جاء ذكره في السلسلة النبوية الكريمة شأنه شأن إخوانه من الأنبياء والمرسلين كإبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى عليهم الصلاة والسلام، وقصة عيسى ذكرت في أكثر من موضع في القرآن الكريم ولم يرد في موضع واحد من القرآن الكريم ما يمس عيسى عليه السلام بسوء أو يشينه كما أنه لم يرد فيه شيء يمس جناب أمه أو يشينها بل خص القرآن الكريم أمه بسورة كريمة من سوره هي سورة مريم عليها السلام فلنستمع إلى ما سطره الوحي الرفيع من الآيات في حق عيسى وأمه مريم عليها السلام: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين)(آل عمران 42)(وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم (آل عمران 45)

ولا يوجد فرق كبير بيننا وبين النصارى في شخص مريم عليها السلام فنحن نؤمن بها صديقة وبأنها بشر وبأنها عذراء لم يمسها بشري، طاهرة، صالحة، تقية، نقية، تعهدها الله برعاية خاصة وفضلها تفضيلا عظيما على نساء العالمين.

والفرق بيننا وبين رجال الكنيسة يتمثل أول ما يتمثل في شخص المسيح عليه السلام فنحن نؤمن بأنه رسول قد خلت من قبله الرسل ولا نؤمن بأنه إله ولا ابن إله ولا أنه يجلس إلى جوار أبيه في السماء ونؤمن بأن النصرانية الصحيحة التي نزلت على عيسى تنزلت بما نؤمن به وأن فرقا كثيرة من النصارى كانت عقيدتها موافقة لعقيدتنا ولكنها ووجهت بحرب إبادة فأبيدت. (التبشير والخطة الحكيمة لمقابلته الشيخ علي بن احمد بن طه المسيري)

***

لقد كتب عادل حمودة، الذي لا يجمع بينه وبين الإسلاميين إلا العداوة والشحناء – من طرفه- كتب في صحيفته " الفجر" عن الوقائع فأدان الكنيسة وحملها مسؤولية ما حدث بقوله:

"لقد أشعلت الكنيسة القبطية الفتنة هذه المرة في الإسكندرية.. مسرحية لا لزوم لها.. تتدخل في عقيدة الجيران.. ولا تحترم القاعدة الفقهية والوطنية والقانونية لكم دينكم ولي دين.. وقد تصورنا أن آباء الكنيسة وعلي رأسهم البابا شنودة سوف يبادرون بالشرح والتفسير والتبرير والاعتذار لكن.. ذلك لم يحدث.. إن كل مؤسسات الدولة في مصر اعتذرت للكنيسة عما نشر في صحيفة النبأ رغم أن ذلك كان خطأ شخصيا لم ترتكبه.. وعوقب رئيس تحرير الصحيفة علي ما نشر بالسجن ومات قبل أن يكمل فترة العقوبة.. وكان متوقعا أن تبادر الكنيسة بالاعتذار عما جري في الإسكندرية خاصة أنها مسئولة عنه.. كما أن الخطأ لم يكن شخصيا هذه المرة.. بل كان إهانة مباشرة يعاقب عليها القانون.. لكن. الكنيسة تغطت بالصمت.. وبدت وكأنها مظلومة لأنها أيدت انتخاب الرئيس مبارك وروجت له دون أن تجد من بين قائمة المرشحين علي قائمة الحزب الوطني سوي اثنين فقط من رعاياها، أحدهما وزير المالية يوسف بطرس غالي، والآخر في الإسكندرية، حيث الطبعة الأخيرة من الفتنة الطائفية، وكأن الكنيسة تعاقبنا علي ما فعلته السلطة بها.. كأنها تطالبنا بدفع فواتير بضاعة سياسية حصل عليها غيرنا.. وكان تفسير رموز الحزب الوطني صفوت الشريف وكمال الشاذلي وقد سألتهما مباشرة عن سر ندرة الأقباط بين مرشحي حزبهم أنه لم يتقدم للترشيح من الأقباط سوي عدد محدود جدا لا يزيد علي خمسة طبقت عليهم معايير الاختيار التي طبقت علي غيرهم.. لكن ذلك التفسير لا يريح البابا شنودة الذي طالب أكثر من مرة بنسبة من مقاعد مجلس الشعب للأقباط تناسب حجمهم وعددهم ولو قاطعوا العمل السياسي وجلسوا في بيوتهم لتأتيهم المقاعد المطلوبة بالتليفون مثل البيتزا والفراخ المشوية.. هوم ديلفري. وتصورنا أن آباء الكنيسة القبطية وعلي رأسهم البابا شنودة سيقدمون المتهمين فيما جري إلي سلطات التحقيق لتهدئة الخواطر وإطفاء النار قبل أن تتحول إلي جحيم.. لكن ذلك لم يحدث.. بل علي العكس.. نقلت رئاسة الكنيسة المتهمين إلي دير وادي النطرون وأخفتهم هناك.. مع السيدة وفاء قسطنطين وأخواتها اللاتي حاولت الانتقال من المسيحية إلي الإسلام.. وكأن الدير أصبح منطقة مستقلة عن السيادة المصرية لا يجوز تسليم أحد يلجأ إليه أو ينقل إليه.. وفي هذه الحالة يجب توقيع اتفاقية للتعاون القضائي وتبادل المجرمين بين الحكومة المصرية والكنيسة المصرية."

و أضاف نبيل عمر في نفس الصحيفة:

"وأظن أن الاعتذار في فتنة الإسكندرية كما يطالب الغاضبون لا يكفي، أو بمعني أصح ليس هو الحل، لأن القضية الآن ليست خناقة علي قارعة الطريق تحتاج إلي قاعدة صلح وكلمتين لتطييب الخواطر، وإنما تحتاج إلي تفعيل القانون.. فالقانون هو الدرع الذي يجب أن يحتمي به المصريون جميعا! وكلنا يعرف ماذا حدث في قضية رئيس تحرير النبأ ، إحالة إلي النيابة وتحقيقات ومحكمة وحكم بالسجن، ثم عزل من نقابة الصحافيين وإلغاء ترخيص الجريدة! وهو ما يجب أن يتم في حادث المسرحية المغضوب عليها، أن تحال إلي النيابة العامة وتحقق فيها بعيدا عن المهاترات والبيانات، والقانون المصري به من المواد التي تعاقب علي الإساءة المتعمدة للأديان، إذا ثبت أن المسرحية بها من المشاهد والحوار ما يمس الدين الإسلامي أو يسخر منه بأي شكل من الأشكال "...

***

يظل الطبيب الجراح متمتعا بحماية القانون وحصانته طالما التزم المعايير العلمية المهنية الصحيحة، بل ويعفى من العقاب حتى عن الخطأ غير المتعمد مادام لم يشبه إهمال أو تقصير أو تعمد، فإذا شابه أيا من ذلك، أو إذا استعمل آلات الجراحة، أو مهاراته للإيذاء، كأن يستعمل مبضع الجراح في طعن خصم، أو أن يستغل علمه في أن يسدد الطعنة في موضع يسبب ضررا أكبر، إذا ما فعل ذلك، فإن القانون لا يسحب عنه حصانته فقط، بل إنه يتشدد في عقابه، ليكون عقابه على الجرم، أكثر من عقوبة الشخص العادي.

وبهذا المعيار نفسه، فإن القسيس أو الكاهن أو البابا  ولو كان بابا روما أو الإسكندرية، أو الشيخ – ولو كان شيخ الأزهر- والمفتي ولو كان مفتي الديار، والوزير حتى لو كان وزير الأوقاف، إذا ما خرج على مقتضيات منصبه، وتجاوز اختصاصات وظيفته، فلا حصانة له، وعلينا أن نتوقف على الفور عن التعامل معه كرجل دين – في حالة المسيحيين- أو كعالم في الدين في حالة المسلمين ( ليس في الإسلام رجال دين)..نعم.. علينا أن نتوقف عن التعامل معه بوضعه السابق، لنتعامل معه كمجرم استغل ما اؤتمن عليه، واستعمله كما يستعمل الجراح المجرم مبضعه، للقتل لا للإنقاذ.

يدخل في هذا الإطار لينطبق عليه الحكم كل مجرم ادعى أن المسرحية (التي مثلت في مغارة لصوص أو وكر شيطان) لا تسئ للإسلام. كما ينطبق نفس الحكم على من رفضوا الاعتذار بحجة أن المسرحية لا تسيء للإسلام.  فلقد كان رفض الاعتذار إهانة مضاعفة. كان الأمر أشبه برجل يسب آخر، فيقول له: "أنت كلب".. فيطلب منه الناس الاعتذار.. فلا يزيد عن قوله: "لكنني لم أشتمه" .. وذلك كما لا يخفى على القارئ سباب إضافي، و تأكيد للسباب الأول.

نعم..

كل من شارك في العمل المجرم مجرم، وكل من رفض الاعتذار أيضا كذلك.

أما من تلاعب بالأحداث  وغير الوقائع و أنكر المعلوم بالضرورة فهو أكثر من مجرم ومن خسيس..

والحمد لله الذي هدى البابا شنودة إلى ما يشبه الاعتذار ( وهو غير كاف بأي حال) ، فقد نزع مؤقتا فتيل انفجار يعلم الله ماذا كان يمكن أن يحدث لو انفجر، ولقد كان فيما صدر عن البابا من شبه اعتذار كابحا لإجراءات كانت قد بدأت في الظهور. وكانت ستنال الأقباط وتمسهم مسا مباشرا. إجراءات كالمقاطعة الاقتصادية، حيث يسيطر المسيحيون على 60% من اقتصاد الإسكندرية، و 40% من اقتصاد مصر، وعلى غير ما يدعي عملاء المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، وجل أقباط المهجر، لعنهم الله أينما كانوا، على غير ما يدعون، فإن المسيحيين يتمتعون في مصر بوضع لا تتمتع به أي أقلية في العالم، إلا الأقليات الخائنة تحت سيف الطاغوت ( كما كان البيض في جنوب أفريقيا واليهود في العالم العربي) .. أقول أن ما يجب أن يحرص عليه الأقباط هو المحافظة على الوضع الذي وصلوا إليه، و أن يدركوا أن هذا الوضع يحمل أشد الغبن للمسلمين، الذين يشكلون الأغلبية الساحقة. و أن يدركوا، أن العالم الإسلامي، و إن كان غير قادر على الانتصار فهو غير قابل للتلاشي. و أن هذه الخاصية ستدور به مع الزمان حتى يجيء النصر الموعود، ولقد كان البابا شنودة، شديد الوعي بذلك حين منع الأقباط من زيارة القدس، حتى لا يكونوا أول من خان. ولقد كان موفقا في هذا، للدرجة التي جعلت تقدير كثير من المسلمين له، يفوق تقديرهم لشيخ الأزهر، فنحن مأمورون ألا يجرمنّا الشنآن ألا نعدل، ومأمورون أن نحكم بالظاهر، و ألا نشق عن قلوب الناس. وليس في هذا مبالغة، ولا مخالفة للولاء والبراء، ولا موالاة لغير مسلم على مسلم، بل لقد أدرك الضمير الجمعي الديني للأمة، أن الناس سبعة: أولها المؤمن وثانيها المسلم وثالثها الكتابي المسيحي ورابعها الكتابي اليهودي وخامسها المشرك والكافر وسادسها المرتد أما سابعها فهو المنافق الذي هو في الدرك الأسفل من النار، و أن ضمير الأمة يضع البابا في المركز الثالث، بينما يضع بعض شيوخنا – دون تعيين – في المركز السابع.

أقول أن البابا منع باعتذاره مقاطعة اقتصادية كانت ستؤذي الأقباط بلا شك، كما أنه كبح شعورا راح يتنامى بعد أن منعه الحياء من ذلك،  شعور بالغبن، وبالمهانة، و بأن الحكومة الضعيفة، فاقدة الحس والنخوة والكرامة، تستجيب للمسيحي مهما كان افتراؤه وظلمه، وتتنكر للمسلم مهما كان حقه.

وكان من ضمن ما يحرك هذا الشعور هو أن تعداد الأقباط لا يزيد عن ستة في المائة، و أن الحكومات المتعاقبة، الحكومات العاجزة الفاسدة العميلة، تتعمد عدم ذكر النسبة مجاملة للأقباط أو خوفا منهم، هذا الشعور لو وصل إلى غايته فسوف يطالب بحصر دقيق للأقباط، وسوف يتجاوز على سبيل المثال عن أن يحصل الستة في المائة على 10% أو حتى 12% من الاقتصاد لكن ليس أكثر، كما سوف يطالب بالتعامل وفقا للعرف الدولي، الذي يتجاهل بالكامل الأقليات الإسلامية في دول العالم، حتى لو وصلت هذه الأقليات إلى 30 أو 35% دون أي تمثيل على أي مستوى، بل سيطالب بإعطائهم تمثيلا يوازي تمثيل المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا أو ألمانيا، حيث تتقارب نسبة المسلمين هناك مع نسبة المسيحيين في مصر.

***

لقد كتبت ذات مرة أن تعداد النصارى في مصر يكاد يصبح لغزا، ليس لأنه مجهول ، لكن لأن هناك طريقة طريفة في النصب والاحتيال لا يتبعها إلا نصاب محترف، ذلك أن عدد الأقباط في مصر منذ الحملة الفرنسية إلى الآن يتراوح ما بين 5-6% من عدد السكان (حوالي أربعة ملايين نصراني) ويأتي النصابون من النصارى والعلمانيين الأشرار الذين يتملقونهم نكاية في الإسلام، ليخلطوا بين الرقمين: رقم العدد ( وهو هنا أربعة ملايين) وبين النسبة ( وهي هنا 6%). ففي المرحة الأولى يتم استعمال رقم النسبة المئوية بدلا من العدد فيكون تعداد النصارى ستة ملايين نسمة ( وليس أربعة ملايين أو 6% من عدد السكان) لكننا إذا ما حسبنا النسبة المئوية التي يشكلها الرقم المغلوط وهو الستة ملايين لوجدناهم يمثلون 8% من عدد السكان، وهو الرقم الذي يستعمل مع النسبة المئوية بشطب ما نشاء من طرفي المعادلة ليكون تعدادهم في المرحلة التالية ثمانية ملايين، لكن الثمانية ملايين لا يساوون 8% من عدد السكان بل 12%، يستعمل هذا الرقم عدة أسابيع ثم يتحول إلى أن عدد النصارى 12 مليون نسمة، وبعد عدة أسابيع من الحداثة ونسيان الماضي يكتشفون أن 12مليون مسيحي يشكلون 18% من السكان.. وهكذا دواليك .. حتى وصل الرقم الآن إلى 25% من عدد السكان نصارى.

وبهذه الطريقة لا يبقى سوى عدة خطوات ليكون النصارى هم الأغلبية في مصر..

وخطوات أخرى لتصل نسبة المسيحيين إلى 100% من الشعب المصري.

وفي مصر – بالذات- يمكن للنسبة أن تزيد عن 100%!!..

*** 

ورغم أن الدراسات العلمية الصادرة مؤخرا من باحثين مسيحيين لبنانيين تتحدث عن تعداد مسيحيي العالم العربي كله من المحيط إلى الخليج بأقل من عشرة ملايين، ورغم أن جميع الإحصائيات الرسمية المصرية منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى الإحصاء المعلن الأخير عام 1986 تؤكد على أن نسبة الأقباط من عدد سكان مصر شبه ثابتة ، وتتراوح حول  6% ، فإن البعض لا يكف عن التشكيك في صحة هذا الرقم، وللأمانة فإن منع إعلان الدولة للأرقام الإحصائية للسكان في العقد الأخير هو نوع من المجاملة للكنيسة .

*** 

في بحث علمي رصين أورده الدكتور محمد مورو في كتابه القيم: يا أقباط مصر انتبهوا – الناشر: المختار الإسلامي- حرر المسألة بأسلوب علمي خلصها من الأكاذيب التي تنشر عنها وتنثر حولها.

يقول الدكتور مورو ( بتصرف واختصار) : موضوع القضية همس يدور وشائعات تبذر في الظلام بأن الأقلية القبطية في مصر قد بلغ تعدادها أربعة ملايين ثم إذا بالرقم يرتفع إلى ستة ملايين ثم إلى ثمانية ملايين ويرتب مثيرو هذه الشائعات على هذا الادعاء حقوقا يضمنوها منشورات لم تعد سرا تداولتها الأيدي. والسؤال هو كيف وصل مثيرو هذه الشائعات إلى هذه الأرقام الإحصائية. والرد العملي يكمن في مناقشة هذا الادعاء في هدوء وموضوعية، ومع ذلك فلأي مواطن أن يطعن في هذه البيانات الرسمية أمام جهات الاختصاص كالمحكمة الدستورية أو مجلس الدولة مؤيدا دعواه بالأدلة القانونية، ولكن هذا الإجراء، الذي يبدو أنه الإجراء الوحيد لإثبات الحقيقة، هو الإجراء الوحيد الذي تجنبه الأقباط طول الوقت، ولقد طالبوا بكل شيء معقولا كان أم غير معقول، خائنا كان أم شديد الخيانة، لكنهم لم يتورطوا قط  في أن يطلبوا – على سبيل المثال – إجراء تعداد للسكان تحت إشراف الأمم المتحدة. تجنبوا ذلك لأنهم يدركون أنه لو حدث، فسوف يكشف كذبهم ويدحض ادعاءهم ويفضح مؤامرتهم.

لكن..  ماذا تقول الإحصاءات الرسمية عن نسبة الأقباط بين السكان؟

- أجرى أول تعداد في مصر على أسس علمية نظامية في أول يونيه 1897 بإشراف من دولة الاحتلال للتعرف على التركيبة الحقيقية للمجتمع المصري وأشرف على عملية الإحصاء المستشار المالي البريطاني مستر ألبرت بوانه وساعده في متابعة العملية عدد من الموظفين الإنجليز.

- في هذا الإحصاء بلغ مجموع سكان مصر 9.734.405 نسمة منهم 8.977.702 من المسلمين أي بنسبة 92.23% والباقي من المسيحيين واليهود، وفي هذا التعداد\\ كانت نسبة الأقباط الأرثوذكس: 7.3%.

-  توالت عمليات التعداد كل عشر سنوات وتوالى ارتفاع عدد السكان بمختلف طوائفهم مع ثبات النسبة المئوية لكل طائفة، ففي تعداد عام 1907 وكانت نسبة  المسيحيين من جميع المذاهب بما فيهم الأقباط الأرثوذكس إلى 7.8% .

- وفى مارس  1917 أجرى التعداد الثالث تحت إشراف المستر كريج مراقب الإحصاء والدكتور أ. ليفي وهو إنجليزي يهودي وبلغت نسبة غير المسلمين (مسيحيون ويهود) 8%.

- وفى 9 يناير 1927 أجرى التعداد الرابع وأشرف عليه حنين بك حنين مراقب مصلحة الإحصاء وهو قبطي أورثوذكسى بمعاونة المستر كريج فبلغت نسبة جميع الطوائف المسيحية واليهود 33 ر8% مع ملاحظة تضاعف عدد الأقباط الكاثوليك ستة أضعاف والأقباط البروتستانت خمسة أضعاف ( تحت وطأة الضغوط والدعاية الأمريكية).

ولقد حافظت النسبة المئوية للسكان على أساس الديانة في جميع التعدادات التالية مع فارق الارتفاع التدريجي للأقباط الكاثوليك و البروتستانت لكن النسبة العامة للمسلمين إلى مجموع السكان ظلت مستقرة تقريبا وهى 92%. ذلك أن الإسلام في الأغلب الأعم دين يتحول الناس إليه  ولا يتحولون منه. أو قل هو الدين.

  في تعداد عام 1937 وكذلك عام 1947 و 1960 كانت نسبة جميع الطوائف المسيحية 7.33% منهم 6.49% من الأقباط الأرثوذكس. وتكررت النتيجة في تعداد عام 1976 كانت نسبة غير المسلمين  6.32% منهم 68.% من الأقباط الأرثوذكس.. هذا الانخفاض النسبي يعزى إلى ارتفاع في عدد الأقباط الكاثوليك والبروتستانت وإلى هجرة أعداد من الشباب القبطي الأرثوذكس المتعلم إلى استراليا وكندا والولايات المتحدة.

إن مناقشة هذه الأرقام التي جاءت نتيجة لنظام وضعت أسسه تحت إشراف إنجليزي وانتقل إلى إشراف مصري قبطي أرثوذكسي لا يسمح لإثارة الشكوك حوله ولا يسمح بنقض أو رفض و إلا تحولت أية مناقشة إلى سفسطة بسبب الإمعان في المبالغة والاختلاف وتحويل المئات إلى آلاف والآلاف إلى ملايين...

يواصل الدكتور مورو حديثه المفعم بالمرارة والاستياء والاستهجان: 

إن تعداد سكان دولة كمصر يحتاج إلى أكثر من 30 ألفا من الموظفين المسلمين والأقباط للمشاركة في إجرائه، وهل يمكن أن تجرى في الظلام مؤامرة يشترك فيها ثلاثون ألفا لا يعرف بعضهم البعض؟

ولعل الدكتور مورو يقصد تلك الأكاذيب الفاجرة التي يطلقها أقباط المهجر مع أصوات داخلية تدعي في صفاقة ليست غريبة على الطواغيت والمستعمرين والقتلة واللصوص في التاريخ، فيزعمون أن الحكومة المصرية تأمر آلاف مكاتب السجل المدني بتسجيل المسيحيين كمسلمين!!

ولم يقدم أبناء الأفاعي مثلا واحدا.. نعود إلى الدكتور مورو الذي لا يكتفي بكل ما أورده بل يلجأ إلى أرقام إحصائية تفصيلية  أخرى تؤكد ما ذهب إليه فينشر الإحصاءات التفصيلية على مستوى المحافظات التي تكاد أن تكون نسبتها مستقرة ثابتة، ففي الفترة بين عام 1897 و 1976 تراوحت نسبة الطوائف المسيحية في المحافظات الآتية (على سبيل العينة) على النحو الآتي:

أسيوط بلغت النسبة (وهى أعلى ما يكون على مستوى البلاد) بين21.7% و 19.9% وفى القاهرة بين15.9% و 10.3% وفى قنا بين 8.5 و 7.5% وفى الشرقية ما بين 2.1 و 1.3% وفى الدقهيلة بين 2% 1.1% .

ومع أن هذه البيانات استخلصت من إحصائيات مباشرة فإن هناك ميزانا لتقنين مدى صحتها وذلك بإجراء مقارنة لعدد المواليد والوفيات خلال عام من الأعوام على أساس الديانة وهى بيانات مثبتة في شهادات الميلاد والوفيات وتخطر بها أولا بأول منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة التابعتين لهيئة الأمم المتحدة.  ويورد الدكتور مورو جداول تفصيلية بالأعداد التي لم يجرؤ قبطي واحد على الطعن فيها، وما كان أسهل الطعن لو أن معهم ذبالة حق. ومن هذه الإحصائيات  يتضح أن النسبة المئوية على أساس المواليد والوفيات لغير المسلمين تدور في جميع الحالات حول 6.22% وهو ما يؤكد صحة التعدادات المباشرة.

***

يؤكد الدكتور محمد عمارة نفس الأرقام في كتابه ( بتصرف واختصار قليلين) : " في المسألة القبطية: حقائق وأوهام- دار الشروق".. ويضيف قائلا: وعلى هذا الدرب- الكذب في الأرقام والإحصاءات- سار سعد الدين إبراهيم وغيره حتى رأيناهم يبلغون بعدد أقباط مصر إلى سبعة ملايين.. وأحيانا عشرة.. وأحيانا خمسة عشر مليونا!!.. يحدث ذلك في بلد يقوم بإحصاء رسمي ودقيق ومحايد لعدد السكان ودياناتهم وطبقاتهم وتخصصاتهم كل عشر سنوات.. ويحدث ذلك في مصر منذ الاستعمار الإنجليزي حتى الآن.. وهذه الإحصاءات تعلن الثبات التقريبي لنسبة الأقباط إلى المسلمين، منذ أن كان القائم على التعداد الإنجليز والموظفون الأقباط وحتى آخر تعداد.. ففيما بين 1907 م و 1937م كانت نسبة النصارى- كل النصارى- إلى المسلمين أعلى قليلا من 8%.. ثم هبطت في تعداد 1947 م إلى 7.9%.. ثم أخذت- بسبب ارتفاع أعداد المهاجرين الأقباط.. وهجرة من هاجر من الأجانب مع جلاء جيش الاحتلال- في الهبوط، فكانت في سنة 1965 م7.3 %.. وفى إحصاء 1986 م 5.9%.. أي أن تعداد الأقباط - في ذلك الإحصاء- أقل من ثلاثة ملايين.. وليس عشرة ملايين، أو خمسة عشر مليونا؟!.. والذي يقر هذه الحقيقة.. ويؤكد على صدق الإحصاءات الرسمية، ليس كاتبا إسلاميا، وليس مرجعا كتبه مسلم.. وإنما هو مرجع في المعلومات والإحصاءات كتبه اثنان من النصارى.. أحدهما فرنسي- هو فيليب فارج- رئيس المركز الفرنسي بمصر- والثاني لبناني- هو رفيق البستاني- ففي هذا المصدر (أطلس معلومات العالم العربي: المجتمع والجغرافيا السياسية)- والذي نشرته دار نشر قومية- وليست إسلامية- هي " دار المستقبل العربي! سنة 1994 م".. في هذا المصدر الحجة.. نقرأ تحت عنوان (أقباط مصر) ما يؤيد ما سبق .

"ويصرخ الدكتور عمارة مفسرا تناقص أعداد المسيحيين:

الحقيقة أن أقباط مصر، شأنهم في ذلك شأن مسيحيي الشرق الآخرين، سبقوا المسلمين إلى تخفيض عدد المواليد، ولذلك قد هبطت نسبة عدد الأقباط بالنسبة للعدد الكلى للسكان من 3. 7% في سنة 960 1 م إلى 9. 5% في عام 986 1 " (..). تلك هي الحقيقة، كما أعلنها العلماء المحايدون.. المتدينون بالنصرانية، من غير المصريين!!

لكن الهدف- من الكذب الفاجر- هو "تضخيم الورقة"، التي تتحول!- بالكذب أيضا- إلى عقبة أمام الهوية الإسلامية للدولة والمجتمع والدستور والقانون!!..

*** 

 يؤكد المستشار طارق البشري ما سبق ، ويضيف إليه في كتابه  " الجماعة الوطنية: دار الهلال- أبريل 2005"  فيقول:

  واطرد التعداد كل عشر سنوات ، فجاء تعداد سنة 1976باجمالى عدد السكان نحو ستة وثلاثين مليونا وستمائة وستة وعشرين ألف نسمة ، المسلمون منهم نحو أربعة وثلاثين مليونا وثلاثمائة وأربعين نسمة بنسبة حوالي  7. 93% من الإجمالي والمسيحيون عددهم حوالي مليونين ومائتين وخمسة وثمانين ألف نسمة بنسبة 6.24% من السكان. وفى تعداد سنة 1986بلغ العدد الإجمالي للسكان نحو ثمانية وأربعين مليونا ومائتين وأربعة وخمسين ألف نسمة ، المسلمون منهم يبلغون نحو خمسة وأربعين مليونا ومائتي ألف نسمة بنسبة لا تقل عن 94% من السكان ، والمسيحيون عددهم لا يجاوز ثلاثة ملايين نسمة بنسبة لا تجاوز 6% من سكان ، وفى تعداد سنة 1996بلغ الإجمالي العام نحو تسعة وخمسين مليونا وثلاثمائة وثلاثة عشر ألف نسمة ، بنسب مسلمين وأقباط مشابهة ، ورأت الحكومة عدم إذاعته لئلا يتكرر اللغط في هذا الشأن مثلما حدث في سنة 1976عندما نشرت نتائج تعداد سنة 1976مبينا أن عدد الأقباط في مصر لا يجاوز 3. 2مليون نسمة بنسبة لا تجاوز 24. 6% من الإجمالي ، أثار بعض من أقباط المهجر القاطنين في  الغرب ، وفى الولايات المتحدة الأمريكية بخاصة ، هذا الأمر مثيرين الشكوك حول صوابه ، وانعكس ذلك في الصحف الغربية وفي استقبالات الرئيس السادات في زياراته للولايات المتحدة ، وأثير الموضوع في مجلس الشعب ، فتشكلت لجنة لتقصى الحقائق بالمجلس لدراسة نتائج التعداد ومناقشة المسئولين عن إعداده في الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وكان ذلك في عدة جلسات أهمها الاجتماع الثالث التي انعقد في 15 يونيه سنة 1980 برئاسة وكيل مجلس الشعب السيد محمد رشوان محمود، وكان أعضاء اللجنة وهم من أعضاء مجلس الشعب هم الأساتذة مختار هاني ووجيه لورانس ود. حلمي الحديدي ونشأت كامل برسوم. وحضر الاجتماع الفريق جمال عسكر رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وذكر رئيس الجهاز المركزي في شروحه لعملية التعداد أن من اشترك في عملية التعداد كانوا حوالي 70 ألف فرد وظهرت نتائجه في 81 مجلد، وشرح مراحل التدريب للعاملين بالتعداد وإجراءات العملية، وإن البيانات تتحول إلى أرقام رمزية ويجرى التعامل بهذه ا لأرقام، وأن إحدى استمارات التعداد تبين منها أن شخصا مسيحي وأن زوجته مسلمة فبقى البيان كما هو، وإن مسيحيين كثيرين اشتركوا في عملية التعداد ومنهم وكيل وزارة هو السيد/ موريس حنا غبريال كان هو المسئول تقريبا عن تعداد الوجه البحري كله. كما ذكر أن نسب المسلمين والمسيحيين في التعداد لم تتغير على مدى ثمانين سنة، وبيانات المسيحيين تشمل كل الطوائف المسيحية بما فيها الأجانب، وآن نسبة المسيحيين كانت في تعدادي 1897 و 7 0 9 1 كانت في حدود 6.3%، ثم ارتفعت في التعدادات الثلاث التالية (1917، 1927، 1937) إلى أكثر من 8% نتيجة ضم جيش الاحتلال الإنجليزي بما يشمله من أسر إلى المسيحيين، وبقى الأمر كذلك تقريبا في تعداد 1947 بسبب انتشار قوات الاحتلال الإنجليزي في أنحاء مصر وما يتبع ذلك من تواجد أسرهم، فضلا عن التبعيات الأجنبية المختلفة ذات الديانة المسيحية في غالبها، وكان ثمة مجموعات من الأجانب المسيحيين الذين أقاموا في مصر لمدد طويلة ثم تمصروا بعد إلغاء الحماية على مصر في سنة 1922 وإلغاء المحاكم المختلطة. وذكر أنه كما أن الزيادة في نسبة الأقباط من 6.3% إلى ما يجاوز 8% لم يكن نتيجة نمو طبيعي إنما يرجع إلى الهجرة إلى مصر قبل الحرب العالمية الأولى وأثناءها، فكذلك فإن الانخفاض النسبي في نسبة الأجانب من سنة 1960 يعكس هجرة الأجانب والمتمصرين من مصر بعد ثورة 23 يوليه 1952 ومع تصفية كثير منهم أعمالهم في مصر، وبخاصة بعد حرب سنة 1956 ومع قرارات التأميم التي صدرت منذ عام 1961، ثم الهجرة المسيحية شبه المنظمة إلى الخارج بعد حرب 1967 للاستيطان في الولايات المتحدة وكندا واستراليا ". وذكر في حديثه أيضا أمام اللجنة أن جميع التعدادات المصرية التي أجريت قبل سنة 1947كان أشرف عليها خبراء إنجليز وفرنسيون، وإن مدير الإحصاء في تعداد 1907كان فرنسيا ، ومدير الإحصاء في 1917كان إنجليزيا ، وهو الذي أشرف على تعدادي 1927و 1937 ويدعى مستر كريج ، وأن رئيس الإحصاء آنذاك كان حنين بك حنين ، وهو قبطي مصري ، ثم قدم إلى لجنة تقصى الحقائق بيانا بالإخوة المسيحيين الذين اشتركوا في التعداد (يقصد تعداد 1976لم سواء في اللجنة التحضيرية أو في التنفيذ الميداني ، أو في التعداد التجريبي والمراجعة وأعمال الإدارة ، وذكر أن نسبة المسيحيين إلى المسلمين تكاد تكون واحدة ، ذلك لأن نسبة نمو السكان واحدة ، سواء لدى المسلمين أو لدى المسيحي.  ثم ذكر أن وصله خطاب سب من شوقي فلتاؤس كراس المقيم في الولايات المتحدة يتهمه فيه بتزوير البيانات ويطلب محاكمته ، وأنه رد عليه بما يوضح نسبة تسلسل السكان المسيحيين إلى المسلمين على مدى مائة سنة(...).

وكان ممن عقبوا على هذا حديث السيد روجيه لورانس عضو لجنة تقصى الحقائق الذي ذكر: " أنه خلال السنوات العشر السابقة على التعداد الأخير ، لاشك أن هناك أعدادا مهولة من الشبان الأقباط قد هاجروا وأقاموا في بلدان أخرى كأمريكا واستراليا".

*** 

من حقي إذا بعد هذا الاستعراض المفصل  لأعداد الأقباط في مصر أن أسأل بني قومنا النصارى الذين أوصانا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 أي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..

إنهم يحصلون بالفعل على أكثر من حقوقهم بكثير في بحر من سماحة إسلامية بلا حدود..

أم أنهم يستقوون بالأجنبي ليحصلوا على باقي حقوق المسلمين..

و إلى أي مدى يبلغ هذا الاستقواء..

هل يبلغ إلى مدى الاستعمار الكامل لمصر..

ويجب أن نعترف أنهم حصلوا في عهود الاستعمار على مزايا تتجاوز عددهم بصورة فاجرة.. فهل يحن بعضهم إلى أيام الاستعمار؟..

دعونا نعود إلى الدكتور مورو مرة أخرى إذ يستشهد بالسير ألدون جورست المعتمد البريطاني في تقريره المرفوع إلى حكومته بتاريخ 10 مايو 1911 والذي يلقى الضوء على محاولات بعض المتطرفين الأقباط إثارة الخواطر بدعوى أن الأقباط في مصر لا يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها المواطنون المسلمون قال  جورست: 

إن المسلمين يؤلفون 92% من مجموع السكان ويمثل الأقباط أكثر قليلا من 6% (...) لهذا فإن فكرة معاملة قطاع من سكان البلاد كطائفة مستقلة في نظري يمثل سياسة خطأ سوف تكون في النهاية مخربة لمصالح الأقباط.. إن شكوى عدم تطبيق العدالة مثلا في التعيين في الوظائف الحكومية تنقصه الإحصاءات التي تبين أن الأقباط يشغلون نسبة من الوظائف العامة تزيد بكثير عن نسبة قوتهم العددية التي تسمح لهم بذلك (...) إن جملة العاملين بوزارات الحكومة بلغت 17596 منهم 9514من المسلمين أي بنسبة 54.69% و 8208 من الأقباط أي بنسبة 71ر45% بينما في بعض الوزارات ترتفع هذه النسبة أكثر بكثير.. فوزارة الداخلية وإداراتها المحلية تضم 6224 موظفا منهم37.7% من المسلمين  والباقي من الأقباط(بنسبة الثلث من المسلمين والثلثين من المسيحيين.. وفي وزارة الداخلية بالذات!!)..

من هذا يتبين أن الأقباط يمثلون في الجهاز الحكومي من حيث العدد والمرتبات نسبة لا تتكافأ مطلقا مع نسبتهم العددية. .. إنني لا أقر مطلقا في ضوء مصالح الأقباط أنفسهم أن أشجع أي نظام من شأنه أن يحدث انشقاقا بين الطوائف المسلمة والقبطية لأنه ليس في صالح الطائفة القبطية .

أي تمثيل نسبي و أي حقوق إذن؟..

النسب السابقة لم نوردها نحن ولم ندعيها.. لقد سجلها المندوب السامي البريطاني ووجهها إلى حكومته في عام 1911 وهو مسيحي وليس مسلما!! .

وعلينا أن نلاحظ هنا أن الأقباط الذين كانوا وما يزالون يتمتعون بنسبة من الثروة والوظائف والمهن تفوق عشرة أضعاف نسبتهم العددية ، لم يقنعوا بهذا ، إنهم يريدون أكثر، لكن إلى أي حد؟!.. لم يقولوا حينها ولكن بعضهم يقولونها الآن: يريدون كل شيء!!  إلى حد  طرد المسلمين من مصر!! لأن المسلمين أتباع دين بدوي وافد!!.. وكأنما الأديان محلية، وكأنما عبد الله  المسيح عيسى ابن مريم قد أرسل إلى مصر،  ولماذا هم مسيحيون إذن وقد أرسل عبد الله سيدنا عيسى في فلسطين؟! لماذا والمسيحية دين وافد أيضا.. وما كان معظم دعاتها في البداية إلا بدوا ينتمون إلى الهكسوس ( ليس في هذا أي إساءة.. بل هي المراجع التاريخية، والأمر برمته تناولته في مقال سابق منذ سنوات).. لماذا يمارسون طريقة الساقطات من النساء في الإسقاط والاستهانة برعي الغنم وبالبدو وهم يقصدون بذلك العرب والصحابة عليهم رضوان الله وسلامه؟.. ألم يرع كل الأنبياء الغنم حتى اعتبر رعي الغنم من خصائص وعلامات النبوة؟.. في كلمة واحدة لعبدة الشيطان : ألم يرع عبدا الله موسى وعيسى عليهما السلام الغنم؟؟.. يا ذئاب يا كلاب!!..

***

من حقي أن أسأل بني قومنا النصارى الذين أوصانا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 أي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..

ينقل الدكتور محمد عمارة عن كتاب "آدم متز": الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري" ترجمة د. محمد عبد الهادي أبو ريدة. ط بيروت-67:

لقد درس المستشرق الألماني الحجة "آدم متز" (1869-1917 م) تاريخ المجتمعات الإسلامية، ورأى كيف كانت الدولة وأجهزتها الحساسة في أيدي الأقليات النصرانية، فكتب يقول: لقد  كان النصارى هم الذين يحكمون بلاد الإسلام .

***

 أي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..

يواصل د عمارة أن الأرقام- التي لا تكذب ولا تجامل- تعلن أن الأقلية القبطية- التي لا تتعدى الثلاثة ملايين- هي الحاكمة الفعلية في المجتمع المصري- الذي يزيد تعداده على الستين مليونا!!- فهم يملكون ويمثلون:

22.5% من  الشركات التي تأسست بين عامي 1974 م و 1995 م !.

-  و 20%  من شركات المقاولات في مصر..

 - و 50% من المكاتب الاستشارية..

 - و 60% من الصيدليات..

 -  و 45% من العيادات الطبية الخاصة..

-  و35% من عضوية غرفة التجارة الأمريكية.. وغرفة التجارة الألمانية..

 - و 60% من عضوية غرفة الجارة الفرنسية (منتدى رجال الأعمال المصريين والفرنسيين.

-  و 20% من رجال الأعمال المصريين..

 - و 20% من وظائف المديرين بقطاعات النشاط الاقتصادي بمصر.. 

 - وأكثر من 20% من المستثمرين في مدينتي السادات والعاشر من رمضان..

 - و 9، 15% من وظائف وزارة المالية المصرية.

 - و 25% من المهن الممتازة والمتميزة- الصيادلة والأطباء والمهندسين والمحامين.. والبيطريين..

أي أن 5.9% من سكان مصر- الأقباط- يملكون ما يتراوح بين 35% و 40% من ثروة مصر وامتيازاتها ؟!....

الدكتور محمد عمارة لم يؤلف هذه النسب.. بل لقد استقاها من مصادر بعضها أكثر نصرانية من النصارى، كروز اليوسف .. نعم .. كل الإحصائيات السابقة منقولة عن: تقرير "روزاليوسف) واتحاد المهن الطبية، و"اتحاد المقاولين" و"مجلة المختار الإسلامي" عدد 15 ربيع الأول سنة 1419 هـ- يوليو سنة 1998  م. وجمال بدوى (الفتنة الطائفية) ص 116 طبعة القاهرة سنة 1992 م.. 

فأي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

بسم الله الرحمن الرحيم..

 ) ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً $ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً $ وَبَنِينَ ينَ شُهُوداً $ وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً $ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ $ كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً $ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً $ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ $ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ $ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ( (المدثر).

***

ترى كم هي نسبة الأقباط في الأمية وفي سكنى المقابر وفي البطالة وفي المعتقلات وفي المقتولين من التعذيب؟؟.. وكم نسبتهم في الجامعات.. كم نسبتهم في أصحاب البلايين وكم نسبتهم في أصحاب الملايين..

كم نسبتهم.. 

كم نسبتهم..

كم نسبة الكنائس إلى عدد السكان؟ و أيها أكثر..؟

نسبة الكنائس أو نسبة المساجد؟؟ ولماذا لم يتطرق الأقباط إلى هذه التساؤلات قط..

كم نسبتهم..

***

ثم أن المسلمين سيطالبون حكوماتهم الفاسدة الفاسقة العاجزة العميلة، بمساواة المساجد بالكنائس، وجعلها قلاعا لا يعرف أحد ماذا يجري فيها، وبتمكين كل مسجد من إنشاء فرقته المسرحية و إصدار صحيفته!!..  بل قد يفكر البعض بأن العدل يقتضي باعتماد نسبة المسيحيين التي يقولونها هم بألسنتهم.. ليكون لهم في المعتقلات دون محاكمة ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف.. و أن يعدم منهم – بأحكام عسكرية – عشرون أو ثلاثون.. و أن ينكل بهم ويعذبوا كما ينكل بالمسلمين!!..أو بأن تفتح الكنائس قبل الصلاة بخمس دقائق وتغلق بعدها بخمس دقائق .. تحت رعاية مباحث أمن الشيطان.

أما عن تمثيلهم في المجالس النيابية فلماذا لا يعرضون أنفسهم على الناس؟.. لماذا لا يتقدمون للترشيح؟.. لماذا يقتصر جهدهم على لطم الخدود وشق الجيوب لأن الحزب الوطني لا يرشحهم على قوائمه، والحزب الوطني لا يرشحهم لأنهم ساقطو الأهلية، وسوف يفقد الحزب المقعد الذي يرشحهم عليه، كما أنهم يعلمون أن نواب الحزب ينجحون في الأغلب الأعم بالتزوير. لقد كان نواب الأقباط ينجحون بأصوات المسلمين عندما كانوا يدافعون عن الأمة والوطن والشرف والكرامة.. بل وعن المسيحية الأرثوذكسية أيضا.. لكن.. بعد أن انضموا إلى أمريكا و إسرائيل.. بعد أن خرجوا على إجماع الأمة وخانوها في لحظة حرجة من لحظات التاريخ لن تنسى لهم أبدا.. و أظن الوقت الذي سيبدءون دفع الثمن فيها قد اقترب إن لم يكن قد بدأ بالفعل....

نعم.. بعد هذا كله  أصبح من الصعب جدا إن لم يكن من المستحيل أن يحصلوا على أصوات المسلمين.. بل ولا على أصوات المسيحيين الشرفاء أيضا.

***

إن المسلمين يسجنون ويطاردون ويعتقلون ويعذبون ويقتلون في أمريكا لمجرد أنهم مسلمون.. فهل عانى المسيحيون طيلة عهود الدولة الإسلامية مثل ذلك؟!..

***

كنت أراقب بعض الوجوه على شاشة التلفاز تتحدث، أعترف أن بعضها كان من روز اليوسف، وبعضها من حزب التجمع وبعضها من الحزب الوطني ، بالإضافة إلى القمل  والديدان والطفيليات التي تنمو على جسده وتتغذى ويسمونها أحزاب معارضة متحالفة معه ، أما البعض الآخر فهو وجه النخبة العلمانية من أدعياء الثقافة. كنت أراقب الوجوه جزعا فزعا، قلت لنفسي ليس لهم من البشر إلا الإهاب، كل شيء فيهم لم يتعفن ويتنتن فقط بل قد ذوى وتلاشى أيضا، إنهم كتلك الحيوانات المحنطة التي تحنط بإتقان شديد، حيث يفرغ داخلها كله وتحشى بالقش.. نعم.. لا روح ولا عقل ولا قلب.. فقط القش.. لا شيء له قيمه.. فقط القش.. كنت أتأمل الوجوه في فزع وخلاياي تصرخ: شاهت الوجوه.. شاهت الوجوه.. شاهت الوجوه وانعدمت الضمائر.. كانوا بلا روح وكانت رائحة عفنهم تتسلل عبر شاشة التلفاز إلىّّ.. كنت أعرف أن صفقة كهذه لا يمكن أن تتم إلا بمباركة الشيطان وتوجيهاته ورعايته.. الشيطان أصلا لا فرعا وحقا لا مجازا.. كنت أستعيد بعض قصيدة لأمل دنقل:

تُرى.. حين أفقأ عينيك و أضع جوهرتين مكانهما..

تُرى .. هل تَرى..

هي أشياء لا تُشترى..

قلت لنفسي.. بل لم تكونا جوهرتين.. كانا كيسين من القش..

***

الأقباط جزء من نسيج الشعب المصري، ليسوا أكفأ أو أكسل، ولا هم أذكى ولا أغبى.. و كان الوضع الطبيعي أن يتمتعوا بنسب من الثروة والأعباء تتناسب مع عددهم.. ولكن الاستعمار الصليبي خلق هذا الخلل الشديد وجعلهم يتمتعون بعشرة أمثال نسبتهم العددية لخلق وضع غير قابل للاستمرار، لزرع شحنة قابلة للانفجار في أي وقت، لكن سماحة الإسلام والمسلمين تغاضت عن هذا كله، دون أي محاولة لتغيير الوضع أو إزالة الظلم الواقع عليهم من واقع مقلوب، ولم يحاولوا تغييره ولا حتى بالانحياز الاقتصادي لإخوانهم من المسلمين أو مقاطعة الأقباط..

)ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ..(

إن نسبة الكنائس إلى السكان أعلى من نسبة المساجد،  فحسب التقرير الاستراتيجي للأهرام لسنة 1999 ، فإن هناك كنيسة لكل سبعة عشر ألف قبطي ، بالمقابل هناك مسجد لكل ثمانية عشر مسلم.

ويعلق الدكتور عمارة على ذلك قائلا:  إذا كانت نسبة الكنائس لعدد النصارى تكاد أن تساوى نسبة المساجد لعدد المسلمين. فإن الواقع يقول: إن الكنائس مفتوحة على مدار النهار والليل.. والمساجد تغلق عقب الصلاة.. ومنبر الكنيسة حر كل الحرية، ومنبر المسجد مؤمم، لا يرقاه إلا من ترضاه وترضى آراءه "الأجهزة"!.. والشباب القبطي المتدين ينام في بيته آمنا، ونظيره المسلم يعيش في رعب قوائم "الاشتباه "!.. وأروقة الكنائس مفتوحة أمام التبتل النصراني- وحتى الرهبنة- بينما الشاب المسلم إذا أراد الاعتكاف بالمسجد في رمضان، لا يتاح له ذلك إلا إذا تقدم بصورة البطاقة إلى "الأجهزة"، التي تضعه- فورا- في القوائم المرشحة لما يعرفه الجميع!!.. وأوقاف الكنائس قائمة، وفى نمو- وهى تحفظ لها استقلال الموقف والتوجه والقرار-.. بينما أوقاف المساجد والأزهر ومؤسسات الخير الإسلامية، قد أممت، واغتالتها البيروقراطية الحكومية، واغتالت معها حرية هذه المؤسسات في التوجه والقرار!!..

 *** 

أي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..

والمسلمون يتمنون المساواة بالأقباط  على كافة المستويات..

أما الأمل في أن تتساوى الأقليات الإسلامية في العالم بمثل ما تتمتع به الأقلية القبطية في مصر فيبدوا مستحيلا..

***

من حقي أن أسأل بني وطننا من النصارى الذين أوصانا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 أي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..

أسألهم جميعا و على رأسهم البابا..

أستثني من السؤال فقط الفجرة من نشطاء المهجر وهم ليسوا أقباطا بل مجرمين وعملاء وجواسيس  وهم مستعدون للقدوم على ظهر الدبابات الأمريكية لينكلوا بالشعب كله مسلمين و أقباط..

أسأل أي حقوق..

أسألهم..

أسأل البابا شنودة أي حقوق مهضومة لهم و أي مظالم مدعاة تقع عليهم.. 

وليذكر لي البابا أو أي واحد من الأقباط أقلية مدللة كما يدلل الأقباط في مصر..

بل هاتوا لي أقلية مسلمة تتمتع بمعشار ما يتمتع به الأقباط في مصر..

هل يتمتع المسلمون في الهند أو الصين أو حتى أوروبا و أمريكا بما يتمتع به الأقباط في مصر؟ ..

يبلغ عدد المسلمين في الهند مائة مليون ( 15% من السكان) يذبحون ويحرقون أو يغرقون أحياء وينكل بهم أيما تنكيل..

 وفي الصين يبلغ عدد المسلمين  120 مليونا ( 11% من السكان) وقبل أن يتشكك القارئ في العدد الهائل عليه الرجوع إلى كتاب نشره كتاب اليوم ( أكتوبر 2005) بعنوان "المسلمون في الصين" .. وسلسلة كتاب اليوم هذه ليست تابعة لطالبان ولا للشيخ المجاهد  أسامة بن لادن رضي الله عنه بل لمؤسسة أخبار اليوم.. وهي مؤسسة نبتت في البداية في رحم الأمريكيين.. ولم تثر حولها طيلة تاريخها أية شبهة للتعاطف مع الإسلام أو المسلمين..

ينال المسلمون في الصين حقهم الكامل من السحق والتذويب رغم أن نسبة عددهم تصل إلى ضعف نسبة عدد الأقباط في مصر..

    وفي روسيا حوالي أربعين مليونا من المسلمين  ( 20% من السكان) ينكل بهم منذ ثلاثة قرون على الأقل.. سحقوا وحرموا من ممارسة أي شعيرة من شعائر دينهم وكان القتل نصيب من يكتشفون أنه ما يزال مسلما.. نعم.. عانى المسلمون في روسيا من شتى صنوف التعذيب والاضطهاد ومنعوا من إقامة الصلاة والصيام والحج والزكاة حتى الكتب الدينية والمصاحف لم تسلم من الروس فمنعوا طباعتها، وتم إنشاء مدارس لتلقين أصول الإلحاد وخلق جيل إسلامي لا يعرف عن الدين شيئا وانتشرت الكتب والمجلات التي تشوه صورة الإسلام والمسلمين.

 وعندما حاولت أذريبجان المسلمة الاستقلال تعرضت لما يشبه حرب صليبية حتى يخبو صوتها وفي الشيشان تعرض أهلها لشتى أفانين البطش والتعذيب فكان يتم نقل الأهالي في عربات الماشية ويتم إلقاؤهم بمجاهل الصحراء وتعرضوا لشتى أنواع التعذيب والتصفية الجسدية وتم طرد المسلمين من منازلهم وضياعهم واستولوا على ممتلكاتهم. 

***

نعم.. كان عدد المسلمين داخل ما كان يعرف  بالاتحاد السوفيتي أربعون مليونا، ويلاحظ أن عدد الولايات أو الأقاليم الستة عشرة منها ستة أقاليم يمثل المسلمون فيها أكثرية تبلغ في بعضها 95% وبالطبع تلاشت هذه الأكثرية وتحولت إلى أقلية; فألغيت المحاكم الشرعية في المناطق الإسلامية عام 1926م، ومنعت الأنشطة الإدارية الدينية واشتدت حملات الإرهاب الشرسة ضد المسلمين فاعتقل ابتداء من عام 1928م أكثر من مليون ونصف المليون من المسلمين، وفي عام 1929م أغلقوا وهدموا أكثر من عشرة آلاف مسجد، وأكثر من أربعة عشر ألف من المدارس الإسلامية.  واتبعت الشيوعية أساليب ترجو من ورائها إذابة المسلمين وتمييع كيانهم، وكان لمحنة الأقليات المسلمة في الإتحاد السوفيتي أبعاداً ذات خطورة لا يتصورها عقل بشري وخاصة ونحن في القرن العشرين; حيث هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، ولجنة حقوق الإنسان والقانون الدولي العام.

وفي بلغاريا يتم إجبار المسلمين على تغيير أسمائهم..

دعنا من أسبانيا.. فلم يعد فيها أية أقلية مسلمة.. أبيد الجميع أو طردوا بعد أن سُرقوا ونكل بهم..

  وفي كل من بورما و الفليبين  يبلغ عدد المسلمين 6% وفي البرازيل 11% وفي الغابون 5%  وفي جبل طارق 8%  وفي رواندا 14% وفي رومانيا 20% وفي فرنسا 7% وفي الفليبين 14% وفي زامبيا 15% وفي زيمبابوي 15%وفي الولايات المتحدة الأمريكية 3,5% (حوالي عشرة ملايين) وفي ليسوتو 10%  وفي فيجي 11% وفي بنما 4% وفي غويانا 15% وفي يوغسلافيا ( صربيا) 19% وفي سيريلانكا 9% وفي منغوليا 5.6%  وفي بتسوانا 5% وفي السويد 3.6% وفي سويسرا 4.5%  وفي ناميبيا 5% وفي نيبال 4%  وفي النمسا 5% وفي النيجر  وفي ترينداد وتوباغو 12% وفي جورجيا 11%  وفي أنجولا 25% وفي أندونيسيا 88% وفي أوزبكستان 88% وفي أوغندا 36% وفي إيران 99% وفي باكستان 97% وفي البحرين 100% وفي الإمارات 96% وفي أثيوبيا 65% وفي إريتريا 80% وفي أفغانستان 99% وفي جمهورية أفريقيا الوسطى 55%وفي ألبانيا 80% وفي الإمارات 96% وفي بروناي 67% وفي بريطانيا 5,1% وفي بلجيكا 4% وفي بلغاريا 35% وفي بنجلاديش 83% وفي بينين 20% وفي وفي بوركينوفاسو 50%وفي بوروندي 20% وفي البوسنة والهرسك 43% وفي تركمانستان 87% وفي تركيا 99,8% وفي تشاد 65% وفي تنزانيا 65% وفي توغو 55% وفي تونس 98% وفي الجزائر 99% وجزر القمر 98% وفي جيبوتي 94% وفي ساحل العاج 60% وفي السعودية 100% وفي سنغافورة 25% وفي السنغال 95% وفي سوازيلاند 10% وفي السودان 85% وفي سوريا 90% وفي سورينام 25% وفي سيراليون 65% وفي الصحراء الغربية 100% وفي الصومال 100% وفي طاجكستان 85% وفي عمان 100% وفي العراق 97% وفي غامبيا 90% وفي غانا 30% وفي غينيا 95% وفي غينيا الاستوائية 25% وفي غينيا بيساو 70% وفي فلسطين المحتلة قبل 67:  12% وفي غزة والضفة 85% وفي قازاقستان 51% وفي قبرص 33% وفي قرقزستان 76% وفي قطر 100% وفي الكونغو 15% وفي الكويت 89% وفي الكاميرون 55% وفي كينيا 29.5% وفي لبنان 70% وفي ليبيريا 30% وفي ليبيا 100% وفي مالطا 14% وفي المالديف 100% وفي مالي 90% وفي ماليزيا 52% وفي المجر 6% وفي مدغشقر 20% وفي مصر 94% وفي المغرب 99% وفي مقدونيا 40% وفي ملاوي 35% وفي موريتانيا 100% وفي موريشيوس20% وفي موزمبيق 29% 91% وفي نيجيريا 75% وفي اليمن 99%. ( بتلخيص شديد وتصرف عن: جمعان بن عبدالله الغامدي)..

أسأل البابا شنودة و أي قبطي مصري هل يتمتع المسلمون في أي من هذه البلاد بما يتمتع به الأقباط في مصر.. 

بل لقد بلغ الأمر أن هناك بلادا كالحبشة يصل تعداد المسلمين فيها إلى 65% محرومون من حقوقهم السياسية حرماناً كاملاً، لا وزير لهم في الحكم، ولا رجل في منصب حيوي. ولا يدرس لأبنائهم الإسلام في مدارس الدولة التي يشرف عليها النصارى، ولا يتاح لهم أن يفتحوا مدارس لتعليم أبنائهم القرآن والدين.

وفي فرنسا، قلب الحضارة الغربية، تقوم دعوة متزايدة تنادي بطرد المسلمين من فرنسا، وارتكب أصحاب تلك  الدعوة أعمالا وحشية، فألقت بخمسة من المسلمين من قطار " المترو " أحياء، أثناء سير القطار، فقتلوا على التو. وتهاجم مظاهراتهم المسلمين - والنساء المحجبات خاصة - في طرقات باريس، مدينة النور، وإحدى كبريات عواصم " العالم الحر "! هذا والمسلمون في فرنسا هم الأغلبية الثانية بعد النصارى، ويبلغ عددهم خمسة  أو ستة ملايين.

ليعطينا البابا شنودة المثل الذي يريدنا أن نحتذيه.. 

ليختر أي أقلية في هذا العالم المترامي الأطراف  ويقول لنا: عاملونا مثل هؤلاء!!..

*** 

أسأل البابا شنودة ألا يخشى من النار التي يشعلها رعاياه في الداخل والخارج؟!..

أسأله ألا يخشى أن ينفد صبر المسلمين الذي يبدو فعلا بل حدود..

أسأله ألا يخشى أن رد الفعل لا يكون دائما من علماء يلتزمون بقواعد الشرع، بل ربما يأتي من عامة الناس غضبا لدينهم واحتجاجا على استفزاز مجرم يمارسه مجرمون من الأقلية ضد الأغلبية.. ألا يخشى أن قوات الأمن التي حمت الكنائس والأقباط – بمساعدة الأهالي المسلمين – هذه المرة يمكن تحت وطأة الاستفزاز الفاجر أن تنضم  إلى الجماهير في المرة القادمة..

هل يتصور مدى المذبحة..

ألا يخشى البابا شنودة على نفسه..

إنني أقرأ المستقبل من كتاب مفتوح كما قرأته في حرب الخليج و أنذرت دون مجيب..

نعم ..

أقرأ المستقبل..

مصر الآن ليست الهدف المباشر.. و إنما يتم التسخين فيها فقط..

الدور المباشر الآن على سوريا.. تتلوها السودان .. تتلوها إيران.. ثم يأتي دور مصر ليسبق القضاء المبرم على السعودية..

أقرأ المستقبل لا اطلاعا على الغيب ولا تنجيما ولا كهانة  و إنما أستعمل عقلا وهبنيه الله فأرى كيف سيتم إشعال الفتنة في مصر..

نعم.. سيتم اغتيال اثنين أو ثلاثة لينفجر بعدها طوفان الدم..

سوف يتم اغتيال البابا شنودة.. والدكتور يوسف القرضاوي وعمرو خالد.. لتبدأ عاصفة الشيطان التي يحملها إلى العالم رسول الشيطان : بوش!!..

لكن يبدو أن البابا شنودة متورط في المشروع الغربي بأكثر مما نظن.

لكن هذا التورط للأسف – وربما العكس!!- ليس دينيا..

كما أن ثقته في هذا المشروع الغربي  أكثر مما يجب..

لذلك يلجأ باستمرار إلى التصعيد والصدام.. غير مدرك أن نهايته ستكون في موجة من موجات ذلك التصعيد، على يد عميل للموساد أو المخابرات الأمريكية.. ثم يتم اتهام مسلم.. ويأتي الخنزير ميليس.. ويكون البابا قد خدم "شعبه القبطي!!" حيا وميتا.. يكون قد خدم شعبه ودمر أمته ووطنه..

*** 

نعم

يستقوي أقباط المهجر بالعدو، بالأمريكيين و إسرائيل.

ولقد صمد معظم الأقباط المصريين للغواية طيلة التاريخ.. ولم يبدأ انهيارهم إلا منذ نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، للأسف مع مجيء البابا شنودة. الذي تنكب عن إعطاء ما لقيصر لقيصر.. بل ازدرى قيصر العربي  واستهان به وابتزه واستقوى بالرومان عليه حتى أصبح كأنه هو القيصر!!.

قبل الإسلام كان القبط ينظرون إلى المسيحيين الرومان ككفرة.  وكان هذا هو السبب في ترحيبهم بالمسلمين عند فتح مصر، واستمر هذا الموقف أثناء الحروب الصليبية، حيث انضم القبط إلى المسلمين في دحر العدو، بل إن الخط الهمايوني الذي لا يكفون عن الصراخ منه والتنديد به وفضحه كان مطلبا ملحا من الأقباط إلى الباب العالي لحمايتهم من الأمريكيين الذين كانوا قد بدءوا يبنون عشرات الكنائس في صعيد مصر في القرن التاسع عشر ( نفس توقيت إنشاء الجامعة الأمريكية في بيروت)..  ويعلق الأستاذ جمال سلطان في مقال له بمجلة المنار على ذلك بأن الخط الهمايوني إنما تم  بطلب ملح ومتكرر من قبط مصر ، وبعد استغاثات للكهنة والوجهاء الأقباط في مصر إلى الباب العالي لحمايتهم من الغزو الكنسي الكاثوليكي والبروتستاني الذي انتشر في مصر انتشار النار في الهشيم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وأصبحت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية مهددة بالانقراض بعد تحول أعداد كبيرة من أتباعها إلى الكاثوليكية والبروتستانتية ، وللمعلومية ما زالت هذه المخاوف تقض مضاجع الكنيسة المصرية وفي خاطرها دائما واقعة الأب دانيال البراموسي الذي انشق عنها ومعه عشرة آلاف قبطي تحولوا جميعا إلى الكاثوليكية، المهم أنه بعد أن بدأت قوات الغزو الأجنبي في تعزيز ودعم بناء الكنائس الأخرى ، استغاث أقباط مصر بالباب العالي وناشدوه وقف بناء مثل هذه الكنائس وحظر البناء أو الترميم إلا وفق شروط مشددة ، فاستجاب الباب العالي بعد إلحاح كبير ، وعندما صدر هذا القرار اعتبرته الكنيسة المصرية عيدا ويوما تاريخيا..

بيد أن الدكتور محمد عمارة يفاجئنا مفاجأتين هامتين في كتابه: "في المسألة القبطية: حقائق و أوهام" دار الشروق القاهرة..

نعم..

يفاجئنا بمفاجأتين  خطيرتين: الأولي أن الخط الهمايوني الذي لم يكفوا عن تشويهه والتنديد به كان إصلاحا هائلا نتمنى أن يطبق على الأقليات المسلمة حتى الآن..

أما المفاجأة الثانية فهي أن القانون لم يطبق في مصر على الإطلاق..!!

ويكاد الدكتور محمد عمارة يتفتت من الألم وهو يصرخ:

- اكذب.. ثم اكذب.. فإنك لابد واجد من يصدقك!!

تلك كانت فلسفة النازية والفاشية في الثقافة والإعلام.. ترديد اكاذيب، والإلحاح على عقول الناس بتكرار هذه الأكاذيب، حتى يصدقها الناس، بل وتصبح عندهم من البدهيات والمسلمات!.. ولقد كانت تتوارد إلى خاطري هذه المعاني كلما سمعت أو قرأت- بصدد الهجوم على مصر، والتهجم على حكومتها- أن مصر مازالت- بعد نحو قرن من زوال الدولة العثمانية- تطبق على مواطنيها الأقباط قانونا عثمانيا- صدر سنة 1856 م- اسمها الخط الهمايوني!، وأن بناء الكنائس في مصر لا يزال إلى الآن محكوما ببنود هذا الخط الهمايوني!.. وكان عجبي يتزايد، ليس فقط من الكذب والكاذبين، وإنما من حكومتنا التي تنفق بسخاء على طوابير من المثقفين ومن ترزية القوانين، كيف لا تفكر هذه الحكومة في تحقيق هذا الأمر، لنفى ودحض هذه الأكذوبة، التي غدت سبة في جبينها، يرددها صباح مساء العملاء من أقباط المهجر، والأعداء في دوائر الكونجرس الأمريكي، واللوبي الصهيوني في أمريكا(...) وإذا كان الهدف هو تجلية الحقيقة، لنفى ودفن الأكذوبة، فلنبدأ بتعريف القارئ بمعنى هذا (الخط الهمايوني).. إن  معنى كلمة الخط هو القانون.. ومعنى الهمايوني هو الشريف.. " الخط الهمايوني" إذن هو القانون السلطاني الشريف والمعظم. وهذا الخط الهمايوني، هو واحد من القوانين الإصلاحية- التي سميت بالإصلاحات الخيرية- تلك التي أصدرها السلطان عبد المجيد خان (1255- 1277هـ) لإنصاف الأقليات غير الإسلامية من رعايا الدولة العثمانية، وإزالة مظاهر التمييز بينهم وبين المسلمين، وتقرير المساواة بين كل رعايا الدولة، بصرف النظر عن العقيدة الدينية.. (...) أي أن هذا الخط الهمايوني، قد صدر ليحقق الإنصاف والإصلاح، سدا لثغرات التدخل الاستعماري في شئون الدولة، تلك الثغرات التي كانت متمثلة في الأقليات ذات الارتباطات والعلاقات المذهبية مع القوى الاستعمارية الكبرى في ذلك التاريخ- القيصرية الروسية.. وفرنسا.. وإنجلترا.. ولقد نص هذا الخط الهمايوني على ضرورة رفع المظالم المالية عن النصارى، سواء تلك التي كانت لحساب جهاز الدولة أو لحساب كبار رجال الدين في طوائف هؤلاء النصارى ففي هذا القانون  تقرر رفع المظالم عن كاهل النصارى، وتنظيم الرواتب والمعاشات للرهبان ورجال الدين وتكوين مجالس- بالانتخاب العام- لإدارة شئون هذه الملل والطوائف غير المسلمة.. (...) ولتقرير المساواة بين جميع الرعية، من كل الديانات والمذاهب، في تولى الوظائف العامة بالدولة، والمدارس، المدنية والعسكري(...) وفوق كل ذلك، فتح هذا الخط الهمايوني، الباب لهذه الطوائف والملل كي تنشئ المدارس الخاصة بها، على اختلاف تخصصاتها (...) كذلك نص الخط الهمايوني على كامل المساواة بين المسلمين وغيرهم في الخراج، والخدمة العسكرية، وسائر الحقوق.. (..) ولتقرير المساواة بين غير المسلمين والمسلمين في التكاليف المالية والخوارج، وإزالة أي تفرقة أو تمييز بين الرعية في ذلك..(..) .. أما بناء الكنائس الجديدة، فلقد أباحه الخط الهمايوني، بعد تقديم طلب البناء، والتأكد من ملكية الأرض التي سيتم عليها البناء، وذلك دون رسوم أو تكاليف.. 

يصرخ الدكتور محمد عمارة أن هذه الإصلاحات قد صدرت قبل قرن ونصف قرن إلا أنها ما زالت تمثل مطالب ومقاصد، بل وأمنيات، للأقليات المسلمة في كثير من بلاد النور والتنوير والديمقراطية الغربية في القرن الواحد والعشرين!!.. لكن الكذبة لا يكتفون بتشويه التاريخ، اعتمادا على الجهل وسوء النية.. وإنما ذهبوا إلى حد الزعم بأن مصر لا تزال حتى الآن تطبق على أقباطها هذا الخط الهمايوني، رغم زوال الدولة العثمانية وكل تقنيناتها منذ ثلاثة أرباع القرن.. بينما الحقيقة الصارخة والمذهلة تقول: إن هذا الخط الهمايوني لم يكن في يوم من الأيام مطبقا في مصر، حتى عندما كانت مصر ولاية من ولايات الدولة العثمانية!!.. فمصر منذ قيام دولة محمد على باشا (1184-1265 هـ 1770- 1849 م)  أي قبل نصف قرن من صدور الخط الهمايوني- قد حققت استقلالها في التشريع والتقنين عن الدولة العثمانية- أي الاستقلال في "العدل والحقانية"، بلغة ذلك التاريخ.. وهى قد حققت هذا الاستقلال في الفقه والتشريع والتقنين لكل أبنائها، مسلمين كانوا أو مسيحيين.. ولم يكن القانون العثماني حاكما في مصر، لا على المسيحيين ولا على المسلمين.. حدث هذا بحكم الأمر الواقع- في الاستقلال- الذي حققته دولة وسلطة محمد على باشا.. ثم جرى تقنين هذا الاستقلال التشريعي في اتفاق كوتاهية سنة 1833 م.. وحتى عندما جاءت معاهدة لندن سنة 1840 م فانتقصت من سيادة مصر واستقلالها، فإنها قد وقفت بذلك الانتقاص عند وضع القيود على قوة مصر العسكرية، وعند تقرير الجزية التي تدفعها مصر للدولة العثمانية.. وظلت سيادة مصر واستقلاليتها في المعاملات المالية الخارجية.. وفى التقنين والتشريع، ليس حبا من الدول الأوروبية- التي عقدت معاهدة لندن- في استقلال مصر بتلك الميادين، وإنما حرصا على فتح الباب أمام مصر لتستدين من أوروبا.. ولتأخذ بالقوانين الأوروبية، دونما عائق عثماني في هذه الميادين...

 ويشهد على هذه الحقيقة- حقيقة استقلال مصر في العدل والحقانية والتشريع والتقنين.. وأن القانون العثماني، ومنه الخط الهمايوني، لم يكن مطبقا بمصر في يوم من الأيام، منذ قيام دولة محمد على باشا- أن الإصلاحات التي صدر لأجلها الخط الهمايوني سنة 1856 م، قد سبقت إلى تقريرها مصر في عهد الخديوي سعيد (1273- 1279 هـ 1822-1863 م) بما سنته من إلغاء للجزية، ومساواة النصارى بالمسلمين في قواعد الجندية سنة 1855 م.. بل إن القانون العثماني، الخاص بالمسلمين لم يكن هو الآخر مطبقا في مصر- بسبب استقلالها في التشريع والتقنين- حتى أن الدولة العثمانية عندما قننت فقه المذهب الحنفي سنة 1869 م، واعتمدت "مجلة الأحكام العدلية" في القضاء العثماني، لم تطبق تشريعات وتقنينات هذه "المجلة" في مصر أيضا، بينما طبقت في سوريا والعراق وغيرهما من الولايات..ويشهد بهذه الحقيقة المهندس سمير مرقص- مدير مركز البحوث بأسقفية الخدمات العامة والاجتماعية بالكنيسة المصرية الأرثوذكسية،  كما يشهد بهذه الحقيقة الباحث والمفكر نبيل مرقص في (تقرير الحالة الدينية في مصر) لسنة 995 1 م- ص 88.

*** 

فهل رأيتم يا قراء كمّ الافتئات الفاجر رغم أنهم يعرفون الحقيقة لكنهم لا يكفون عن الكذب أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا.. فلا فرق بين أكاذيب نابليون وبوش.. ولا كرومر  وبلير.. ولا أسلحة الدمار الشامل والخط الهمايوني..

كذب فاجر..

كذب سافل..

كذب مجرم لا يخشى من افتضاح أمره أبدا لأن من كان يمكن أن يخشى من افتضاح أمره أمامهم هو الذي حرضهم.

بل كذب كافر.. كما أخبرنا سيد ولد آدم وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم..

كذب كافر.. وكل الكذب كافر..

ذلك أن الله الذي خلق لهذا العالم عقله هو الذي يعطيه معقوليته أيضا.. هو الذي يمنحه موازينه.. ومن هذه الموازين قيمة القيم.. قيمة الصدق  مثلا أو القيمة السلبية للكذب.. فالله موجود في العلاقة بين النتائج والأسباب.. وبين الغايات والأهداف.. والذين لا يؤمنون بالله هم الذين تنمحي عندهم العلاقة بين الغايات والأهداف وبين الأسباب والنتائج.. ويصبح لا فرق هناك بين الكذب والصدق.. ولا يوجد فائدة لهذا  أو ضررا لذاك إلا بقدر ما يجلبه من فائدة أو يدفعه من ضرر.. وسوى ذلك .. لا فرق على الإطلاق ..

*** 

بيد أن هذا الكذب الخسيس لا يصارح أبدا بما يريد، إنه يضغط ويضغط ويضغط حتى تنفذ له ما يريد .. وهو مختلف تماما عن الأكاذيب التي ابتزك بها..

ألم يحدث هذا في حرب الأفيون مع الصين؟.. ألم يحدث في أكاذيب أسلحة الدمار الشامل في العراق.. ألا يحدث الآن في قضية مقتل الحريري الذي لا أشك لحظة واحدة في أن الأمريكيين هم الذين قتلوه.. أما ضغطهم على سوريا وتهديدهم لها فليس سببه كما يعلنون الرغبة في كشف الحقيقة.. فهم أول من يعرف هذه الحقيقة.. كان المطلوب من صدام حسين – فك الله أسره- الاعتراف بإسرائيل  وكانت أكاذيب أسلحة الدمار وحقوق الإنسان ستتوقف على الفور.. والمطلوب اليوم من سوريا أن تبرم الصلح ( هو في الواقع استسلام وليس صلحا) مع إسرائيل، و أن تتخلى عن حزب الله.. لكن الأهم من ذلك كله أن يدخل الجيش السوري ليواجه المقاومة العراقية كمرتزقة بدون أجر..

دعنا الآن من مستوى الفجور..

لكن هذا هو المطلوب من سوريا والذي لم يعلن أبدا.. وسيظل الضغط مستمرا حتى تنفذ المطلوب منها.. ورغم أن الموضوع ليس موضوعنا في هذا المقال إلا أنني شديد العطف على بشار الأسد.. وشديد الإدانة أيضا لأنه طاغوت كالطواغيت لكن الزمن لم يتسع له ليتغول كالباقين.. طاغوت تأسس نظامه على الكفر.. ثم أنني واثق أنه كمبارك وعبد الله وكل الآخرين لو أمنوا رد فعل شعوبهم لأرسلوا جيوشهم لتموت بدلا من الأمريكيين في العراق، و أنهم يفعلون ما هو دون ذلك ولكن سرا، ولا تنسوا الفضيحة التي فجرها مصطفي بكري بتعاقد الأمريكيين مع المسرحين من الجيش المصري. و أذكر القارئ أن القوات السورية دخلت لبنان بطلب أمريكي وكان طبيعيا أن تخرج بطلب أمريكي.. غير الطبيعي والذي فات الأوان لتصحيحه هو استسلام سوريا لنزع لبنان منها سنة 1920.. كانت تلك أولي خطوات التمزيق. راجع: "دمشق من عصور ما قبل التاريخ إلى الدولة المملوكية" للكاتب الفرنسي جيرار ديجورج ترجمة محمد رفعت عواد - المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة ويتهم المؤلف بلاده بأنها وضعت بذور النزاع في سوريا منذ عام 1920 حين أعلنت قيام دولة لبنان مستغلة النعرة الطائفية الموجودة عند بعض الموارنة كما حاولت ضم السكان في حكم ذاتي محلي وأنشأت دولة حلب ودولة دمشق وجبل العلويين.

ليس هذا موضوعنا إلا من زاوية واحدة.. أن المخطط الذي تم به تفتيت الشام، والمخطط الذي يستعمل الآن لتفتيت سوريا ولبنان، هو نفس المخطط الذي يستعمل الآن لتفتيت مصر، والذي يعتبر البابا شنودة أحد أهم الأعمدة فيه، كما تمثل المسرحية الساقطة معولا مما استعمل ويستعمل في هدم بناء كان ذات يوم شامخا.

*** 

هل لاحظ القارئ نوع الكذب الأمريكي..

إنه وثسق الصلة بالكذب المصري عندما تشهر الدولة بأحد للوصول إلى غرض معين، لاحظوا مثلا التشهير بالمشير أبو غزالة لمنعه من التنافس على الرئاسة، ولاحظوا أيضا سحق أيمن نور.. ولم ينطق أي شيطان من الحزب الوثني بالحقيقة، فقط يستمر الضغط حتى يستسلم الضحية أو يموت.

لكن الأنسب أن أضرب مثلا يجلي الصورة.. فالأمر يشبه رئيس عمل قواد فاجر، يراود إحدى موظفاته عن عرضها، وهي تأبى، فيبدأ في إثارة المشاكل والإشاعات حول كفاءتها وذكائها و إتقانها للعمل، ومهما حاولت أن تتقن العمل و أن تتفانى فيه فإن ذلك لن يشفع لها أبدا..

الأمر الوحيد الذي يجعل الهجوم يتوقف هو استسلامها للاغتصاب..

وهذا ما تريده أمريكا من العالم العربي..

وما تريده حكوماتنا العربية من شعوبها..

وهذا هو الأمر الذي يتواطأ فيه البابا شنودة مع أعداء وطنه ضد أهله وقومه..

نعم.. إنهم لا ينطقون إلا كذبا..

الكذب يسري في دمائهم.. منذ لويس التاسع وحتى كاهن مارجرجس الساقط.

لكن سلامة الرأس كانت تعوض عن أخطاء الجسد لتؤسس نوعا من التوازن..

نعم..

كان التوازن قائما عندما كان توجه رأس الكنيسة المصرية وطنيا، عندما سادت مقولة مكرم عبيد التي ترفضها الآن رأس الكنيسة: أنا قبطي دينا ومسلم وطنا. عندما تغيرت المقولة إلى: أنا قبطي دينا وصليبي وطنا، أو و أمريكي وطنا، عندما حدث ذلك حدث الخلل.

يقول عبد العظيم رمضان في مقال منشور بصحيفة الوفد، وهو ليس شاهد عدل، لكنه في أي قضية سيشهد في صف البابا وليس ضده، ومع الأقباط ضد المسلمين، لكنه بالرغم من ذلك يقول: 

ومن المصادفات البحتة أن الكنيسة التي جلس علي عرشها البابا شنودة كانت تختلف عن الكنيسة التي جلس علي عرشها من سبقوه. فمنذ أواسط الخمسينيات، وبسبب ظروف حكم ثورة يوليو التي أشرنا إليها من قبل حدثت هجرة واسعة لعدد من شباب الأقباط الذين خرجوا يحاولون بناء حياة جديدة في الغرب، خصوصا في الولايات المتحدة وكندا واستراليا. وعندما جاءت قوانين التأميم في يوليو 1961 لحقت بهذه الموجة موجة أخري مكونة في هذه المرة من أغنياء الأقباط، الذين ذهبت عائلات بأكملها مع جزء كبير من ثروتها، وجد هؤلاء لأنفسهم موطنا جديدا في سويسرا وفرنسا وغيرها من بلدان أوروبا. وقد كان نتيجة لهذه الهجرات أن أصبح للكنيسة القبطية فروع عبر البحار، تتبع تعاليم الكنيسة الأم، وتبعث إليها بمساعداتها، وتمثل قوة ضغط تستطيع الكنيسة الأم أن تستخدمها في مواجهة السلطة المصرية عند اللزوم! وقد أدرك البابا شنودة الثالث هذا المصدر الجديد من مصادر القوة، فأخذ يركز علي كنائس الخارج، ويتوسع فيها، ويرسم لها أساقفة جددا، كما أخذ يوثق علاقات الكنيسة القبطية ببقية الكنائس الكبري في العالم، وراح يحقق تواجدا دوليا ملحوظا لكرسي مرقص الرسول، بلغ ذروته حين وقع في سنة 1973 إعلانا مشتركا مع البابا بول في الفاتيكان، يعربان فيه معا عن اهتمامهما المشترك بتحقيق الوحدة بين كل الكنائس المسيحية .

وفي عهده زاد التوجه السياسي للكنيسة المصرية وتقديم مفهوم جديد للنصرانية على أنها دين  ودولة، مستخدماً في ذلك سياسة الانتشار الدولي، والتقارب مع الكنائس الغربية ومؤسساتها لدعم السياسات الداخلية للكنيسة وتحقيق أغراضها، كما أعلن عن تنظيمات جديدة للكنيسة، ودعا إلى تطوير الكلية الأكليريكية وإعادة الكنيسة  إلى مكانتها العالمية، فزاد اهتمامه بإنشاء الكنائس في الخارج وعيّن لها الأساقفة، من أجل ذلك تعددت جولاته ولقاءاته. ومن أبرز هذه اللقاءات: لقاؤه ببابا  الفاتيكان بولس السادس عام 1973م، الذي تمت فيه المصالحة بين الكنيسة الكاثوليكية الغربية والكنيسة المصرية الأرثوذكسية. وتوقيعه وثيقة رفع الحرم المتبادل بين كنيسته والكنائس الأرثوذكسية الكلدونية وغير الكلدونية في شميزي عام 1990م. أيضاً الاتفاق على تحقيق الوحدة بين كل الكنائس النصرانية، وزيارته لرئيس أمريكا كارتر عام 1977م والتي كان لها أثرها السياسي والديني لصالح الكنيسة المصرية.

***

من أخطر ما يمكن، أن ننظر إلى الأمور نظرة جزئية منفصلة عن السياق العام، فنكرر قصة العميان والفيل في المأثورة الشعبية ( لا أظن أن هناك من لا يعرف القصة لشهرتها، وهي باختصار تتحدث عن أربعة من العميان راحوا يتحسسون فيلا ليصفوه، فقال الذي أمسك ساقه إنه كالشجرة،  وقال الذي أمسك خرطومه إنه كالثعبان الضخم، وقال الذي تحسس بطنه وهو واقف تحتها إنه كالسقف.. وقال الذي أمسك بأذنه إنه كشجرة الموز .. والمعنى واضح عن قصور النظرة الجزئية)..

لا نريد أن نغرق في التفاصيل، ولا نريد  في نفس الوقت أن نغمض أعيننا عن علامات الطريق.

منذ منتصف القرن التاسع عشر بدأت أمريكا تشعر بقوتها وترسل إرسالياتها التبشيرية إلى العالم ومنه مصر.

يقول الدكتور محمد مورو في كتابه الهام:  " يا أقباط مصر انتبهوا " : 

وفى أوائل عقد السبعينات في القرن التاسع عشر (1870)- نصب الأنبا كيرلس الخامس بطريركا للأقباط وواصل مقاومته للتيار التبشيري وسافر البطريرك إلى أسيوط ونشر في مقاومة الإرساليات وأمر بتجريد قسيس من رتبته لسماحه لأخيه المتخرج من مدرسة الإرسالية الأمريكية بالخدمة في الكنيسة القبطية كما أصدر مطران أسيوط فرمانا كنسيا لثلاثة من تلاميذ الإرسالية، وأمر البطريرك بإحراق كل الكتب البروتستانتية في أسيوط، ثم سافر إلى أبو تيح وإخميم حيث أغلقت مدرسة الإرسالية هناك.

وبالطبع لم تيأس أمريكا التي كانت تؤسس لمشروعها الأضخم عابر القارات والقرون، فتتسلل من الباب الخلفي إلى المثقفين، وليسوا بمثقفين وإنما هم الذين استسلموا للغواية.

يقول الدكتور مورو:

بدأت عناصر من المثقفين الأقباط والمتأثرين بالحضارة الغربية، ومعهم عدد من كبار الأغنياء الأقباط والوجهاء المرتبطين بالمصالح الاقتصادية بالمشروع الاستعماري الأوروبي. بدأ هؤلاء جميعا محاولتهم للسيطرة على المجتمع القبطي. بدأوا بالسيطرة على المجالس الملية، أو قل: ضغطوا على البابا كيرلس الخامس لاستحداثها لتكون وسيلة من وسائل تأثير القوة الثالثة على المجتمع القبطي والكنيسة القبطية. وسرعان ما دب الخلاف بين هذه المجالس الملية وبين البابا كيرلس الخامس. وحدث الصدام بين البابا كيرلس الخامس وبين بطرس غالى الذي كان يرأس تلك المجالس الملية. إلا أن الشعب القبطي وقف مع البابا في هذا الصراع. وحاول عناصر تلك القوة الثالثة المتمثلة في الوجهاء- المثقفين المغتربين- كبار الأغنياء الأقباط- الإطاحة بالبابا كيرلس الخامس. وتنصيب بابا جديد من المؤمنين باتجاهاتهم والموالين لسياساتهم. واستعان بطرس غالى والمجلس الملي بالاحتلال وبالخديوي ونجح هؤلاء في استصدار قرار بتعيين بطريرك آخر مكان الأنبا كيرلس الخامس. إلا أن الإكليروس القبطي ومعه الشعب القبطي تجمعوا ومنعوا الأنبا الجديد من دخول مقر البطريركية، وكانوا يهتفون ارجع يا محروم.

( جملة اعتراضية: أرجو أن يلاحظ القارئ البصمات الأمريكية القبيحة وطريقة تسللها)..

وكانت هذه التجارب مدعاة لإدراك ضرورة السيطرة بالزحف الهادىء على الإكليروس وعلى كرسي البطريركية، وليس بالانقلاب السافر عليها. وهكذا تم دفع عدد من شباب القوة الثالثة وخاصة من خريجي الجامعات إلى التحاق بالأديرة طلبا للانخراط في سلك الرهبنة (...)  وكذلك تم الاهتمام بالسيطرة على أقباط المهجر في أمريكا وكندا واستراليا وأوروبا، ليكونوا من دعاة القوة الثالثة ومن عناصرها النشيطة التي تعمل على ربط القوة الثالثة في مصر بالكنائس الأوروبية، وتحقق لها أيضا من خلال العمل في المهجر النفوذ السياسي والدعم المالي. وفى سنة 1959 انحازت عناصر تلك القوة الثالثة إلى انتخاب البابا كيرلس السادس على أساس أنه يمثل حلقة وسيطة، لأن قوتهم لم تكن تسمح بتصعيد بطريرك من داخلهم. وتمسك البابا كيرلس السادس بالتراث القبطي التقليدي، إلا أنه سمح للقوة الثالثة بالنفوذ إلى المجتمع القبطي عن طريق إنشاء أبرشيات جديدة يتولون إدارتها لرئاستها. وفى سنة 1971، توفى البابا كيرلس السادس ووجدت القوة الثالثة أن الفرصة مواتية فلديهم الكثير من العناصر في الإكليروس القبطي، كما أن الظروف المحلية والدولية في ذلك الوقت كانت تسمح بذلك، وهكذا جاء البابا شنودة الثالث وأصبح بطريركا للأقباط سنة 1971.

***

فلنترك الدكتور مورو قليلا..

كانت تلك الحقبة هي التي تفجرت فيها رغبة أمريكا المحمومة في السيطرة على العالم.. أو على الأحرى كان الغطاء قد انكشف عنها فظهر ما كان مستورا.. كانت قد خرجت منتصرة من الحرب فتسللت إلى كل دول العالم للسيطرة عليها.. وانقلبت حتى على أخلص حلفائها لتحل محلهم في المستعمرات، و كانت أقسى لحظات حياة تشرشل حين أدرك أنه لا يتعامل مع الحليف والصديق بل مع عدو مصرٌّ على التهامه، وهو نفس الشعور الذي شعر به أنتوني إيدن عام 56. وقد ترتب على هذا أن بريطانيا وهي تجلو عن اليمن الجنوبي سلمته للشيوعيين نكاية في أمريكا. كانت أمريكا تتمدد في العالم كله، في آسيا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية، وكانت كوريثة قيصر تركز على بلاد المسلمين.. كانت قد استولت – بلا غزو ولا تزال - على السعودية واستعادت إيران وبدأت سياسة الانقلابات في سوريا ودعمت الانقلاب في مصر. 

وكانت قد جندت السادات والملك حسين..

وكانت تصوغ جورباتشوف..

ثم..

ثم..

ثم .. في نفس السياق والإطار جاء البابا شنودة!!..

***

يذكر محمد حسنين هيكل في كتابه (خريف الغضب) أن السادات وممدوح سالم وزبر الداخلية 1971 وغيرهما من الجهاز الحكومي كانوا يفضلون انتخاب البابا شنودة كبطريرك للكنيسة القبطية عقب موت الأنبا كيرلس السادس وأن هيكل قد عارض في ذلك وطرح أسبابه لتلك المعارضة وألمح الأستاذ هيكل في نفس الكتاب إلى احتمال استخدام الحكومة المصرية لنفوذها لترجيح كفة البابا شنودة على غيره من المرشحين للكرسي البطريركي.. بل إنه روى واقعة الانتخاب وقيام الطفل باختيار الورقة التي ظهر فيها اسم البابا شنودة بطريقة معينة تجعلك تشك ولكنها لا تورطه!!

***

وكما قلنا أن موقف الكنيسة المصرية من الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية كان حادا جدا، وكان ثمة إدراك عميق بالتباين الحضاري بين هذه وتلك، و إدراك أن الكنيسة الأرثوذكسية لا تمثل الصواب العقدي فقط، بل وتمثل الهوية الوطنية ورفض التغريب، وكانت الكنيسة المصرية تحارب بضراوة مجلس الكنائس العالمي، الذي تشرف عليه المخابرات المركزية الأمريكية كما يقول الدكتور مورو: وهذا الكلام ليس من عندنا ولكن عليه شهادات من كتاب لايمتون للاتجاه الإسلامي بصلة.  فعلى سبيل المثال يقول محمد حسنين هيكل في كتابه خريف الغضب : إن مجلس الكنائس العالمي يعكس دون أدنى شك رغبة جهات أمريكية معينة في أن يقوم الدين بدور رئيسي في الصراع، وإن التحقيقات التي جرت في الكونحرس أثبتت أن مجلس الكنائس العالمي كان من الجهات التي حصلت على مساعدات ضخمة من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. ويضيف هيكل : وفوق منصة الرئاسة يوم الافتتاح كان جلوس وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس شقيق رئيس إدارة المخابرات المركزية الأمريكية آلان دالاس إلى جانب رئيس مجلس الكنائس العالمي وكان مما قاله دالاس:  أن نبشر بالمسيحية فهذا معناه أن نبشر بالحضارة الغربية. أما الكاتب القبطي المعروف د. وليم سليمان قلادة فيقول في كتابه " الكنيسة المصرية تواجه الاستعمار والصهيونية " (إن دعوة مجلس الكنائس العالمي تتجه في صراحة تامة إلى ضرورة تدخل الكنائس داخل البلاد المستقلة حديثا في سياسة بلادها، وابتداع لاهوتية جديدة لتبرير هذا الاتجاه تقول بأن نشاط الدولة في كل نواحيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو تحت سلطان الله ولابد للكنائس من أن تبدى رأيها في هذا النشاط ولابد من الاستعانة بخبرة الكنائس الغربية حتى يكون اتجاه الكنيسة داخل الدولة المستقلة حديثا متفقا مع اتجاه الكنائس المسيحية في الغرب (...)  أما الناقد الأدبى القبطي د. غالى شكري فهو ينقل النص السابق للدكتور وليم سليمان قلادة في كتابه " الأقباط في وطن متغير"  ويضيف إليه (أنه في ديسمبر سنة 1961 عقد في العاصمة الهندية نيودلهي المؤتمر العام الثالث لمجلس الكنائس العالمي وأصدر قرارا يبرىء اليهود من دم المسيح ويحذر الكنائس من التعليم المعادى لليهود، وكان هذا القرار- والكلام ما يزال لغالى شكري- هو أداة الضغط الأولى على الفاتيكان ليصدر وثيقته الشهيرة في تبرئة اليهود من دم المسيح.

ولخطورة الأمر فإن الدكتور مورو يعيد عرض الأمر ملخصا:

إذن فمجلس الكنائس العالمي تابع للمخابرات الأمريكية على حد قول هيكل وله دور مشبوه في الترويج لقيم الحضارة الغربية والسياسة الغربية عموما والأمريكية، خصوصا على حد قول د. وليم سليمان وهو موال لإسرائيل على حد شهادة غالى شكري، والطبيعي والمسألة هكذا أن الموقف الوطني الصحيح هو رفض ومناهضة هذا المجلس، وبالفعل كان هذا الموقف الصحيح هو موقف الأقباط المصريين حتى جاء البابا شنودة فأصبح رئيسا له!..

نعم..

أصبح البابا شنودة رئيسا له  على عكس التراث الكنسي المصري وعلى عكس المصالح الوطنية وعلى عكس المتوقع وعلى حساب المشروع الحضاري الوطني وانحيازا وتبعية للمشروع الحضاري الغربي.

وننقل هنا ما قاله الأستاذ عبد اللطيف المناوى في كتابه " الأقباط: الكنيسة أم الوطن" :(ما الذي تغير في موقف الكنيسة المصرية حتى تنخرط في أنشطة مجلس الكنائس العالمي بصورة أوسع وحتى تدفع بيطريرك أقباط مصر إلى سدة رئاسته).

ويجيب (أهم متغير فيما نرى هو الطرف الثالث في المعادلة المتمثل في الأنبا شنودة شخصيا الذي تولى منصبه سنة 1971).

وبعد أن عدد الحقائق حول الدور المشبوه لمجلس الكنائس العالمي، من ارتباطه بالمخابرات الأمريكية- واختراق الصهيونية لكنائس البروتستانتية الأوروبية والأمريكية وهى المسيطر على المجلس منذ إنشائه يعود ليتساءل هل يمكن أن تكون الخطوة حلقة في جر الكنيسة المصرية إلى تلك الساحة؟.

***

لماذا غير البابا شنودة موقعه ولماذا بدل موقفه..

هل كف الغرب عن طغيانه؟..

 هل تغيرت الكنيسة؟؟

أم تغيرت الفريسة؟؟

 ***

" إن البابا شنودة خيب الآمال ، وتنكب الطريق المستقيم الذي تمليه عليه قوانين البلاد ، واتخذ من الدين ستارا يخفي أطماعا سياسية ، كل أقباط مصر براء منها  وإذا به يجاهر بتلك الأطماع واضعا بديلا لها على حد تعبيره بحرا من الدماء تغرق فيه البلاد من أقصاها إلى أقصاها ، باذلا قصارى جهده في دفع عجلة الفتنة بأقصى سرعة ، وعلى غير هدى ، في كل أرجاء البلاد ، غير عابئ بوطن يأويه ، ودولة تحميه ، وبذلك يكون قد خرج عن ردائه الذي خلعه عليه أقباط مصر "

نص حرفي من حيثيات حكم محكمة القضاء الإداري بتاريخ 3/1/1982 ، في التظلم المقدم من البابا شنودة ضد قرار رئيس الجمهورية بعزله عن منصبه. 

***

سبحان الله..

إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ..

 إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ

الطاغوت الخائن المجرم الذي جاء وعاش برعاية أمريكا اتهم  الإخوان بما ليس فيهم فأذلهم الله وهم لا يستطيعون التنفس ببنت شفة..

اتهم الطاغوت الإخوان بأنهم عملاء للأمريكان.. 

وكان الطاغوت و أتباعه هم العملاء..

فانظر كيف أذلهم الله على يد من هم أكثر منهم عمالة..

سبحان الله..

لكم نكل الطاغوت المجرم بالمجاهدين والمسلمين ..

كان تخطيط المجاهدين  المسلمين  يتشابه إلى حد كبير مع ما نفذه البابا شنودة بالفعل.. لكن في الاتجاه المضاد.. 

كان التخطيط المسلم  يسعى لتكوين مراكز عالمية تابعة للتنظيم في مصر كي تكون نواة لوحدة إسلامية تعز مصر وتغنيها وتزيد من قوتها .. وكان التخطيط الصليبي الشنودي يسعى إنشاء مئات الكنائس الأرثوذكسية في العالم تتبع البابا شنودة وتمثل مراكز إعلامية خطيرة تستعمل في الضغط على مصر لتحجيمها و إرهابها وتفتيتها.. ومنع اتحادها بالدول الإسلامية الأخرى..

كان التخطيط المسلم يدرك أنه يمثل الأمة الوسط.. وميزان التاريخ والشهادة على الأمم.. و أنه كلما قويت مصر قويت الأمة وكلما قويت الأمة كلما اعتدل ميزان التاريخ.. وكان التخطيط الصليبي الشنودي يسعى لتذويب الأمة في الحضارة الغربية الوثنية المنحلة..

كان التخطيط المسلم يدرك أن عداوة الشيوعيين له ليست أخطر من عداوة الأمريكيين والصهاينة.. وكان التخطيط الصليبي الشنودي يحتضن اليسار ويتجه به إلى اليمين كي يكونا معا عملاء  للصليب والصهاينة..

وكان الاتهام الذي وجه للمسلمين هو الاتهام بالعمالة لأمريكا..!! ( يا للحسرة والاشمئزاز والألم)..

وكان عملاء أمريكا هم الجانب الآخر الذي لم يجرؤ أحد على اتهامه بالعمالة وهو العميل..

بل كان العملاء هم الذين وجهوا الاتهام بالعمالة!!

كان القاضي هو اللص والمدعي هو الجلاد والحاكم طاغوت..

ذبحوا الشهيد وكرموا الخائن..

فسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله .. صبرا على قضائك لا إله سواك..

نعم..

كان الخونة هم الذين اتهموا الشرفاء وحاكموهم وذبحوهم..

أما من خان فعلا ومالأ أعداء الأمة والوطن والدين فإن الطاغوت الخسيس المجرم لا يجرؤ على إدانته.. بل ينافقه ويتزلف إليه!!..

والحديث في هذا طويل لكنه  موضوع آخر..

*** 


أذكر القارئ بما سبق أن ذكرته به في بداية المقال عن الجراح الذي يستعمل مبضعه للقتل فيتوقف القانون عن اعتباره طبيبا..

و أذكره بأن أي إنسان يخرج عن مقتضيات وظيفته يفقد الحصانة التي تمنها له هذه الحصانة، ومن هنا حقنا في التنديد بما يفعله البابا شنودة.

يلفت الدكتور مورو النظر إلى قضية خطيرة تترتب على انحيازات البابا.. ذلك أن الأقباط جميعا ملزمون بطاعته باعتباره بطريركا وملزمون بدعم مشروعه السياسي حتى لو تعارض مع رؤاهم السياسية وهنا مكمن الخطر فإذا أدركنا أن الجذور السياسية للبابا شنودة تعكس الرفض للمشروع الحضاري الوطني، وتتعاطف مـع المشروع الحضاري الأوروبي وترى ضرورة التعاون مع الكنائس الأوروبية لأدركنا خطر المسألة على مصالح الوطن عموما وعلى المشروع الحضاري الوطني عموما، وعلى الأقباط والكنيسة القبطية خصوصا.

نعم..

أصرخ فيكم يا ناس..

لقد انشق البابا عن إجماع الأمة..

ومسيحنا الذي نعرفه لا يقر له بذلك..

ولا حتى مسيحه الذي يعرفه يقر له بذلك..

لم يقل عبد الله المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام أن نخون الوطن والأمة والعشيرة لننضم إلى سفاح وقاطع طريق اسمه جورج بوش..

ولا قال عبيد الله  المسيح عيسى بن مريم  عليه السلام أن أناصر اليهود ظالمين على من سواهم..

***

المشكلة ليست في المسرحية السافلة ولا في كاهن أو كهنة ساقطين أجازوها..

المشكلة أكبر بكثير..

المشكلة أن البابا شنودة يؤمن في داخله بما جاء في هذه المسرحية السافلة..

و أن هذه المسرحية و أمثالها جزء من مخططه..

وأن دموعه التي سالت لم تكن بسبب ضغوط مورست عيه، بل بسبب أنه بعد جهد خمسة وثلاثين عاما من التدمير وجد أن المسلمين ما تزال لديهم ذبالات روح..

كانت الدموع تثير الغضب لا التعاطف..

هل يمكن أن يتعاطف المرء مع قصاب يدمع لأنه لم يتمكن من ذبح فريسته؟!..

بل هل يمكن أن يتعاطف المرء مع نصاب لأنه فشل في خداع ضحيته؟..

المشكلة في اختراق رأس الكنيسة وعجز الأقباط عن مواجهة هذا الاختراق..

تماما كما تم اختراق رأس النخبة المسلمة – اسما -  وتماما – أيضا – عجز المسلمون عن مواجهة الاختراق وصده أو حتى كبحه..

المشكلة لخصها أنور السادات  وهو يتحدث عن البابا شنودة في خطابه أمام مجلس الشعب في 10 مايو1980 حيث اتهمه بأنه يريد أن يجعل من الكنيسة سلطة سياسية، وأن من سبب الفتنة الطائفية هو البابا شنودة، وأنه يحرض أقباط المهجر أمام الأمم المتحدة وأمام البيت الأبيض الأمريكي وأنه يتصل بالرئيس كارتر ليحثه على لي ذراع السادات وإحراج موقف السادات أمامه. وأنه يقف وراء المنشورات التي توزع في أمريكا عن الاضطهاد الذي يتعرض له المسيحيون في مصر، وكذلك المقالات والإعلانات المنشورة في الصحف الأمريكية وأن البابا شنودة يقف وراء مخطط ليس لإثارة الأقباط فقط، ولكن لإثارة المسلمين واستفزازهم.

إن البابا شنودة هو أكبر من أضر بالأقباط، وأنه لم يضر أحد بالأقباط مثلما فعل شنودة وأن هناك عددا من الأقباط يحارب في صفوف الموارنة في لبنان.

في تقرير لمجلس الشعب المصري أعدته لجنة فرعية مكونة من محمد رشوان وكيل المجلس كل من حافظ بدوى، محمد محجوب، كمال هنري أبادير، كامل ليلة، ألبرت برسوم سلامة، مختار هاني، كمال الشاذلي، إبراهيم شكري، ألفت كامل، إبراهيم عوارة. جاء في التقرير:

تأكد للجنة أن بعض المتطرفين من القيادات المسيحية وبعض المتعصبين من رجال الكنيسة قد حاولوا تضخيم بعض الأحداث الفردية وتصويرها في صورة صراع ديني وأنها اضطهاد للأقباط. بل ووصل الأمر إلى حد افتعال بعض الأحداث وإلصاق التهمة بالمسلمين بهدف إذكاء نار الفتنة واتخذ بعض القسس من مثل هذه الأحداث مادة للموعظة التي يلقونها في الكنائس، فتحولت بعض الكنائس إلى منابر لنشر الشائعات الكاذبة وبث روج الفرقة بين المسلمين والمسيحيين. وتسجل اللجنة أسفها مما لديها من قرائن ودلائل على أن بعض القيادات الكنسية ومنها رأس الكنيسة دأبوا على التشكيك وأنهم تمادوا في مسلكهم وأوعزوا بطبع منشورات وتسجيلات عن الأحداث دونما تمحيص وأوعزوا بنشرها في المجلات الصادرة بالداخل والخارج، و أن البابا شنودة يريد أن تقيم الكنيسة من نفسها دولة داخل الدولة.

إن مجمل هذه الأقوال والتصريحات تشكل اتهاما بالخيانة العظمى..

و إحقاقا للحق..

فليست رأس الكنيسة فقط هي التي تستحق هذا الاتهام لأن رؤوسا من أكبر الرؤوس في السلطة والأزهر تستحقه.

يقول الدكتور مورو:

أقباط مصر أبرياء من هذا السلوك الذي يسلكه البابا شنودة، والبابا شنودة هنا خارج على التراث الكنسي التقليدي. إن البابا شنودة يدفع عجلة الفتنة بأقصى سرعة، وهذه بالطبع جريمة كبرى. إن البابا شنودة يريد إغراق البلاد في بحر من الدماء وهذه تهمة أكبر. إن للبابا شنودة أطماعا سياسية، وهذا بالطبع مخالف للتراث الكنسي، ومخالف لحدود العقيدة المسيحية القبطية التي رسمتها لدور البطريرك. وهكذا فإن الحقائق الثابتة التي أكدتها حيثيات حكم محكمة القضاء الإداري والتي أكدتها الوقائع الثابتة تؤكد كلها أن القوة الثالثة التي نجحت بالوصول بممثليها، وخاصة البابا شنودة إلى الإكليروس المسيحي القبطي. هي قوة تعادى المشروع الحضاري للأمة، وتريد إلحاق الأقباط بالمشروع الحضاري الغربي، ولا تحافظ علي الاستقلال التقليدي للكنيسة القبطية في مواجهة الكنائس الأوروبية، وهى تسعى لإغراق البلاد في الفتنة الطائفية لتحقيق كل هذا. وإنه يخرج عن حدود وظيفته الدينية التي حددها التراث الكنسي ويتدخل في أمور سياسية. وأنه يعادى المشروع الحضاري للأمة الذي يؤمن به الأقباط والمسلمون أي هو هنا خارج على الإجماع الوطني ومنحاز إلى المشروع الحضاري الغربي. وأنه هنا خرج على الوجدان القبطي المنحاز عموما إلى المشروع الحضاري الإسلامي، باعتبار أن الأقباط جزء من النسيج الثقافي والحضاري الإسلامي. 

***

المشكلة إذن أكبر بكثير من أن تكون مشكلة مسرحية سافلة و كهنة ساقطين..

المشكلة ليست في الأطراف بل في الرأس.. وهي مشكلة يعجز الجسد عن حلها..

و للإنصاف الذي تعلمناه من ديننا فإن الانحراف ليس مقصورا على الأقباط.. بل إنه عندنا أخطر بحكم الغلبة العددية. وليس البابا شنودة بأخطر على مصر من مبارك وحاشيته أو من شيوخ في الأزهر. بل إنني قد ألتمس المعذرة للبابا شنودة، فالرجل ينصر طائفته و أمته ظالما ويحرضها على الظلم لكن في صف – ما يعتقد – أنه شعبه و أمته وربه، أما قياداتنا فينصرون أعداء الأمة والله والدين عليها.

*** 

المشكلة أن المسرحية السافلة والكاهن الساقط الذي أجازها جزء من مخطط شامل ..

مخطط لتفتيت الأمة..

مخطط يتحدث عنه الدكتور محمد عمارة فيذكر أن  المستشرق الصهيوني القذر برنارد لويس (كلاب العلمانية يرفعونه إلى عنان السماء.. فاحذر).. قد ذكر تفاصيله ..  وهذا المخطط  يقضي بتفتيت العالم الإسلامي- من باكستان إلى المغرب- على أسس عرقية و"إثنية" ودينية ومذهبية، وذلك حتى يزداد التشرذم في هذا العالم- المتشرذم أصلا- فتضاف إلى كياناته القطرية- التي تزيد على الخمسين- كيانات جديدة تزيد على الثلاثين.. لتتحول كل تلك الكيانات- حسب تعبير "برنارد لويس إلى "برج ورقى، ومجتمعات فسيفسائية.. أو مجتمعات الموزايك فيتحقق الأمن لإسرائيل لنصف قرن على الأقل..!!..

هذا المخطط هو الذي احتشدت جيوشنا في حفر الباطن لتدشينه لعن الله كل من شارك فيها..

ولقد تحدث هذا المخطط عن تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث:

دولة كردية سنية في الشمال و دولة سنية عربية في الوسط.. ودولة شيعية عربية في الجنوب.. وهو ما يجرى تنفيذه اليوم على أرض العراق.. أما مصر فلقد خطط "لويس " لتقسيمها إلى دولتين على الأقل..

فهل هذا هو المخطط الذي يدفعنا إليه البابا شنودة؟!..

هل هذه هي النهاية البئيسة لمن حسبناه شاعرا مثقفا وطنيا؟..

سوف تحرك أجهزة المخابرات الصليبية والصهيونية  الأقليات في العالم الإسلامي وفي قلبه مصر لتدمير  هذه  المجتمعات المستقرة، وتشعل النار في مشاعر الأقليات المسيحية في المنطقة، وتوجهها نحو المطالبة بالاستقلال.. "- كمما جاء بالحرف في عبارات "بن جورلون "- بمذكرات "موشى شاريت 

هل ينفذ البابا شنودة هذا المخطط؟!..

في مصر ظهرت في النصف الأول من الخمسينيات- "جماعة الأمة القبطية"- التي تدعو إلى تحرير مصر من الإسلام والمسلمين!.

ويتحدث الدكتور عمارة  - انظر أيضا لكاتب هذا المقال : إني أرى الملك عاريا- عن  وثيقة استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات "- التي نشرتها مجلة المنظمة الصهيونية (الاتجاهات) كيفونيم في 4 1 فبراير سنة 1982 م- تقول: "إن مصر المفككة والمنقسمة إلى عناصر سلطوية كثيرة- وليس على غرار ما هي اليوم- ل تشكل أي تهديد لإسرائيل، وإنما ضمانة للأمن والسلام لوقت طويل. وهذا في متناول أيدينا اليوم."! بل وتحدثت هذه الوثيقة عن أن تفتيت مصر هو مفتاح تفتيت كل بلاد العروبة والإسلام، فقالت- بالحرف-: فإن دولا مثل ليبيا والسودان والدول الأبعد منهما لن تبقى طويلا على صورتها الحالية، بل ستقتفى أثر مصر في انهيارها وتفتتها، فمتى تفتتت مصر تفتت الباقون. إن رؤية دولة قبطية مسيحية في صعيد مصر، إلى جانب عدد من الدول ذات سلطة أقلية- مصرية، لا سلطة مركزية كما هو الوضع الآن، هو مفتاح هذا التطور التاريخي الذي أخرته معاهدة السلام، لكنه لا يبدو مستبعدا في المدى الطويل.. "!  فنحن، إذن، أمام مخطط معلن! لانهيار مصر وتفتيتها"- ولسنا أمام "مؤامرة سرية" ولا "هوس بنظرية وذهنية المؤامرة".. وفى ضوء هذا المخطط علينا أن نرى "خارطة" كل ما يقال ويطبق اليوم باسم الأقليات..

في ضوء هذا  علينا أن نقرأ تصرفات البابا شنودة.. و تأليف المسرحية السافلة وعرضها!..

وفي ضوء السخرية من القرآن واللغة العربية في المسرحية السافلة علينا أن نفهم  المحاولات المريضة لإحياء اللغة القبطية، لا كلغة آثارية وتاريخية لأهل الاختصاص، وإنما لتحل محل اللغة القومية - العربية-!.. حتى ليصل الأمر إلى حد أن يعلن الرجل الثانى في الكنيسة الأرثوذكسية- الأنبا " غريغوريوس "- في صحيفة " وطني، 30 يوليو سنة 2000 م- "أن اللغة القبطية هي لغتنا بوصفنا قبطا.. وهى تراث الماضي ورباط الحاضر!! وهى من أعظم الدعائم التي يستند إليها كيان الشعب المسيحي، وأن إهمالنا للغة القبطية كان من اكبر العوامل التي عمل بها المستعمر الدخيل فقضى على الفوارق التي كان لابد من بقائها لتكون سورا يحمى كياننا من الانصداع ووحدتنا من التفكك !.. فهم يحيون اللغة القبطية لتكون سورا بين الشعب المسيحي وبين المستعمر الدخيل أي المسلمين المصريين!!.. 

هل تلاحظون يا قراء إذن ذلك التسارع المحموم نحو تفضيل الهيروغليفية أو القبطية أو حتى العامية على العربية الفصحى..

بالنسبة لنا فإن اللغة ليست وعاء للمعرفة والثقافة فقط.. إنها روح الأمة وتراثها ووجدانها.. إنها مسألة هوية ونسيج ضام يحمي الأمة من التفتت.. لذلك ستجد كل شركاء المؤامرة يهاجمون اللغة العربية ويدعون إلى سواها.. ( لست أدري كيف تغيب هذه الحقيقة الساطعة عن صحافي متميز مثل إبراهيم عيسى).. 

وراجع أيها القارئ ذاكرتك لتتذكر كل خئون هاجم اللغة..

راجع تضافر جهود السفهاء في كل مكان في وزارة الثقافة والإعلام وفي الكتاب والمخرجين والممثلين الذين جعلوا من اللغة العربية أو من تحية الإسلام علامة على الإرهاب..

لم يكن ذلك مجرد انحراف عقدي.. بل كانت وضاعة من يبيع شرفه بثمن بخس ولو كان ملايين الجنيهات.. فقد كانت خسة من يطلق فتياته للبغاء.

***

يتساءل المستشار طارق البشري والدكتور عمارة والدكتور مورو عن سر تزايد نفوذ أقباط المهجر على كنيستهم الأرثوذكسية.. يطرحون السؤال ويتركون الإجابة للقارئ أو للسلطة، يتحدثون عن مليار دولار تصل إلى الكنيسة كل عام..

مليار دولار..

الطواغيت والسفلة اتهموا الإسلاميين بكل فصائلهم بالتمويل الأجنبي.. ولم يثبت ذلك قط..

فلما ثبت على الأقباط تصرفت السلطة و أجهزة الأمن ككلب مذعور أجرب دس ذيله بين فخذيه وراح يختلس النظر رعبا وهو يتصنع أنه لم ير شيئا..

مليار دولار لا يدري أحد فيم تنفق وكيف تنفق وعلى من تنفق.. وهل كانت مئات الألوف التي أنفقت على طباعة قرص المسرحية السافلة من هذا المال؟

مليار دولار حسمت توجه رأس الكنيسة..

كتب الأستاذ جمال أسعد في صحيفة العربي في 2 يناير سنة 2005 رسالة وجهها إلي البابا شنودة، وذكر فيها الأموال التي لا تحصي ولا تعد والتي يتم إرسالها للكنيسة، تلك الأموال التي كانت سببا في فض العلاقة الكنسية بين الشعب وبين الإكليروس، حيث أصبح الإكليروس في غير احتياج للشعب لأن البديل كان أموال الخارج ثم استطرد موجها الحديث إلي البطريرك هنا لا ننسي مقولتك عندما قلت: (لقد انتهي اليوم الذي يمد فيه البابا يده لأغنياء الأقباط) ولكل ذلك ضاع الأمل في إصلاح كنسي كنا نتمناه.

وكانت النتيجة صدور قرار بحرمان جمال أسعد..

ولقد تكررت قرارات الحرمان في الداخل لكل شريف يقول كلمة حق، كنظمي لوقا الذي كتب يمتدح الإسلام والقس إبراهيم عبد السيد الذي كتب ينتقد البابا.. لكن هذه القرارات لم تلحق أبدا بخنزير مثل زكريا بطرس لا يجرؤ أبدا على مواجهة شاب مسلم في العشرينيات لديه الحد الأدنى من العلم الديني ( كما حدث في قصة فتاة حلوان) .. ولكنهم أعطوه قناة فضائية حيث يحصل على مائة وعشرين ألف جنيه مقابل كل محاضرة – واحدة – يلقيها.. وهو الجاهل عبد الشيطان!!..

نعم.. حرم البابا من لا يتفق فكرهم مع فكره وحرم من يختلف فكره مع فكره.. 

نعم.. حسمت أموال الخارج توجه رأس الكنيسة..

فتعداد هؤلاء المهاجرين، وإمكاناتهم المادية والأدبية، ونفوذهم وحركيتهم، وعلاقاتهم مع ولائهم للبلاد التي يحملون جنسيتها، وتسخيرهم أحيانا لخدمة المصالح الاستعمارية لتلك البلاد- وخاصة في أمريكا-.. وكذلك زيادة الفروع الخارجية لهذه الكنيسة، ومن ثم ثقل ونفوذ هذه الفروع.. كل هذا الجديد قد أحدث تطورا نوعيا وكيفيا – على حد تعبير الدكتور مورو-  في حسابات وتوجهات الكنيسة، التي اتجهت غربا أكثر فأكثر، بعد رجحان كفة رعيتها الغربية على رعيتها الداخلية الوطنية.. ولقد كان دخولها في "مجلس الكنائس العالمي"- الذي أقامته المخابرات الأمريكية، إبان الحرب الباردة، لخدمة الهيمنة الأمريكية- بعد أن ظلت هذه الكنيسة رافضة دخوله لسنوات طويلة- كان ذلك إعلانا عن هذا التحول في التوجهات.. حتى لقد أصبح بعض الغيورين عليها- حتى من أبنائها- يخشون من اهتزاز طابعها الوطني التاريخي لحساب الغرب و ا لتغريب!.. وهذا هو ما حدث.. تحول البابا شنودة إلى قيصر..

ولقد كتب مدحت بشاي يهاجم البابا شنودة في مقال له بجريدة روز اليوسف:

- ألا تري سيدي البابا أن انشغالكم بأمور سياسية والتحدث في شأنها إلي جميع الأجهزة الإعلامية وتبني مواقف قد تكون متسرعة تأتي بشكل قاطع وحاد في أحيان كثيرة قد أدي بنا إلي حدوث ظواهر سلبية وتبعات تحدث هنا وهناك مثل أن تتبني جماعة قبطية فكرة السعي إلي إنشاء حزب الأمة القبطية الذي يرفع شعارات شديدة التطرف، أو يتم تنظيم مؤتمرات لأقباط المهجر تناقش أحوال أقباط الداخل بشكل منفرد ودونما تنسيق مع الكنيسة الأم في مصر؟

ـ لماذا تفرض سيدي البابا سلطانك الروحي والتأديبي إذا لزم الأمر علي المسيحيين داخل البلاد، أما التابعون للكنيسة في بلاد المهجر ورغم حبهم الجارف لقداستكم نجد منهم المارقين المتاجرين بمواقف عنترية مبالغ فيها وبدلا من أن يمدوا أيادي العون الخيرة للمساهمة في حل مشاكل المواطن المصري يرفعون الشعارات الكثيرة للفتن والمشاكل.. فلماذا لا تجدون وسيلة لوقف محاولاتهم التي قد تودي بأحلام السلام الاجتماعي في وطنهم الأم.

ـ ألا تري قداستكم أن ما استحدثتموه من أشكال احتفالية بمناسبة الأعياد في مقر الكنيسة الأم والتي صارت طقوسا سنوية بداية من ارتداء البابا لحلة جديدة تخطف الأبصار من شدة بريق الإكسسوارات ذات الألوان الفضية والذهبية والقرمزية المبهرة للاحتفال بمولد المسيح الذي اختار لميلاده مِزود بقر ثم الاحتفال بقيامته وهو الذي رآه العالم علي الصليب برداء متواضع لا يكاد يستر بدنه.. فلماذا البابا الراهب الزاهد يطل علينا ملكا يرتدي بزة أباطرة القرون الوسطي؟ ثم تطوف بنا الكاميرا فنلمح الصف الأول وقد شغلت كراسيه مجموعة كبيرة من المسئولين يمثلون رموز الدولة والسلطة التنفيذية والتشريعية بالإضافة لعدد من الشخصيات العامة ونجوم المجتمع أقباطا ومسلمين في صورة تليفزيونية أمريكاني .. وهنا أناشد الكنيسة أن توضح للناس مبرر مشاهد سيناريو احتفالات ليالي الأعياد وتجيب عن أسئلة المواطنين التالية: لماذا تشاركنا تلك النخبة صلاة العيد، فإذا كان للتهنئة فأظن أن مكانها هو الصالون البابوي في الكاتدرائية ولا مانع من حضور كل كاميرات العالم لترصد تلك اللحظة العبقرية والتفضل الأخاذ في ضرب الأمثلة علي التواد والمحبة! أما إذا كان ليتفضل البابا بتقديمهم بامتنان للمجتمع المسيحي الحضور في الكاتدرائية والمتابعين لصلاة العيد عبر شاشات التليفزيون فأري أنه مشهد عبثي لم تعد مدلولاته المظهرية المتكررة ذات معني أو قيمة.. فما معني أن يتابع الضيوف طقوسا شديدة الخصوصية.. تعذبهم موجات الوقوف والجلوس المتكررة ويصعب عليهم بالطبع فهم ما يقال باللغة القبطية التي يصعب علي المسيحيين أيضا فك طلاسمها ويتعجبون لهذا الإصرار من الكنيسة علي استخدامها في تباعد مترفع عن وجدان مصلين بسطاء يرفعون أكف الضراعة إلي المولي فتخرج من صدورهم حروف مفردات عامية بسيطة صادقة.. فالرب المستجيب للدعاء لم يشترط لصلاتنا أن تكون بالقبطية. هل تشارك الرموز المسيحية في احتفالات المسلمين بحضور صلاة عيد الفطر أو الأضحى في المساجد وساحات الصلاة أم يتم الاكتفاء بالمشاركة بزيارات تهنئة لرجال الدين في مكاتبهم وهو الأمر الطبيعي والمقبول.. فلماذا التزيد علي الجانب الآخر!؟ هل صارت من طقوس الأعياد المسيحية شعائر تتضمن قراءة كشوف أسماء المهنئين يعقبها تصفيق الحضور وزغاريد النساء؟ .القدس العربي 8-11

***

   يتحدث الدكتور محمد عمارة عن تداعيات الصلف والمليارات والغباء والتعاون مع العدو ضد مصلحة البلاد.. يتحدث عن سقوط النخبة في مراكز "البحث "- في داخل مصر- في براثن العمالة والخيانة، ويتحدث عن أموال حرام  استقطبت غلاة العلمانيين، وسواقط الماركسيين، والتي تمولها- بسخاء يسيل اللعاب- الدوائر والمؤسسات الأجنبية، لتعد "الملفات " عن ما يسمى باضطهاد الأقباط وهموم الأقباط ومظالم الأقباط.. تلك "الملفات " التي تفتحها وتستخدمها الدوائر المعادية لوحدة مصر في الخارج.. حتى لقد وصل الأمر بأحد هذه المراكز : " مركز ابن خلدون- مع الاعتذار لاسم فقيه الإسلام ابن خلدون!"  أن يدعو صاحبه- د. سعد إبراهيم- إلى تنفيذ المخطط الإمبريالي- الصهيوني لتفتيت العالم العربي- أكثر مما فتتته اتفاقية "سيكس- بيكو" سنة 1916 م- فيطالب بإقامة كيانات "فيدرالية"، تحقق "تعددية سياسية"- نعم تعددية سياسية- لكل الأقليات في الوطن العربي "لأن المجتمعات التي تتسم بالتعددية الإثنية في الوقت الحالي، ينبغي أن تكون متعددة من الناحية السياسية أيضا.. 

نحن أمام جريمة خيانة عظمى ولسنا أمام مسرحية سافلة أو كاهن ساقط أو مغارة لصوص أو قيادات خائنة..

نحن أمام جريمة خيانة عظمى أيا كان وضع مرتكبها..

يصرخ الدكتور عمارة محذرا أن المشروع الغربي لا رابطة بينه وبين المسيحية الشرقية  ومنها الأرثوذكسية المصرية- فهذه الأرثوذكسية، فضلا عن أنها جزء من نسيجنا الوطني والقومي والحضاري والثقافي والقيمى، فإن مسيحية الغرب لا تعترف بمسيحيتها؟!.. وإنما يتخذ الغرب الاستعماري- والصهيونية- منها "ورقة" يلعب بها في معركته ضد الاستقلال الحضاري للشرق، واليقظة القومية لأممه وشعوبه.

*** 

طال البحث بأكثر مما قدرت له..

لكنني لا أستطيع الانتهاء منه قبل تناول أمرين: 

أولهما: هل البابا شنودة هو المسئول الوحيد..

وثانيهما : تساؤل عن موقف النائب العام. 

سوف أبدأ في ذلك على الفور

لكن دعوني أبدأ بطرفة أمريكية من العيار الفاجر.. فقد صدر عن الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي عن الحريات الدينية لعام 2005.. أما الطرفة فهي انتقاد التضييق على البهائيين واتهامهم بالكفر.. وفي نفس الوقت يطالب التقرير بعدم السماح للإخوان المسلمين بالحركة لأنها حركة محظورة..

هل ضحكت يا عزيزي القارئ؟..

أم بكيت؟!..

*** 

والآن لنبدأ بالسؤال الأول.. والإجابة: لا.. ليس البابا شنودة هو المسئول الوحيد عن الكارثة التي نقف الآن على مشارفها..

فالمشكلة التي نواجهها في حقيقتها ليست قوة مفرطة ظهرت على الأقباط فجأة.. بل ضعفا مستمرا مخططا حاق بالمسلمين.. كل من شارك فيه خان الله والرسول والأمة والوطن والدولة والهوية..

قبل البابا شنودة يأتي الملك فاروق وزمرة حاشيته وحربه الخائنة على الإسلام والمسلمين وعلى رأسهم الشهيد الإمام  حسن البنا..

قبل البابا شنودة يأتي جمال عبد الناصر وحربه الفاجرة على الإسلام والمسلمين وفي مقدمتهم الإخوان المسلمين وعلى رأسهم الشهيد العظيم سيد قطب..

قبل البابا شنودة يأتي أنور السادات الذي ادعى أن لا دين في الساسة ولا سياسة في الدين فكانت كلمة الكفر..

قبل البابا شنودة يأتي حسني مبارك وهو أخطر الجميع.. لأنه يقتل بالخنق وليس بالذبح أو بإطلاق الرصاص.. يقتل دون أن يدرك الآخرون أنه قتل..

قبل هؤلاء جميعا يأتي محمد علي وهزيمة علماء الأزهر أمامه.. كان محمد على امتدادا للمشروع الفرنسي.. بنفس الدرجة التي كان بها سعد زغلول امتدادا للمشروع الإنجليزي.

قبل البابا شنودة أيضا تأتي مباحث أمن الشيطان.. ليهنئوا الآن بعارهم.. فقد كان جهدهم طيلة نصف قرن لصالح إسرائيل و أمريكا والبابا شنودة.. فهنيئا لهم خزي الدنيا وعار الآخرة..

قبل البابا شنودة يأتي الشيوعيون والقوميون فقد كانت علاقتهم بأمتهم علاقة الذئب بالقطيع..

قبل البابا شنودة يأتي دور الأمة التي سمحت لكل هذا أن يحدث..

*** 

في الحلقات التي يذيعها هيكل على قناة الجزيرة كان يتحدث عن الموقف الأمريكي من إنشاء إسرائيل ( لا حظ أن تحليلات هيكل يجب أن تؤخذ بمنتهى الحرص والشك.. ولاحظ أيضا أنه مسئول قبل البابا شنودة).. قال أن أمريكا كانت ضد إنشاء دولة إسرائيل لأن معلومات مخابراتها كانت تؤكد أن العرب و إن أخذوا على غرة في البداية سوف يستجمعون قواهم في فترة وجيزة لن تتعدى الشهرين، وسيحاربون إسرائيل وسيقضون عليها.. و أن مئات الآلاف من المجاهدين سوفوا يهرعوا إلى فلسطين، ويقول هيكل أن ذلك لم يحدث، و أنه كان يمثل مفاجأة صارخة للولايات المتحدة الأمريكية غيرت بعدها موقفها بالكامل من القضية الإسرائيلية العربية..

عدم وجود رد الفعل إذن مسئول قبل البابا شنودة..

لقد أدركت أمريكا مدى ضعف العرب وهشاشتهم وعدم قدرتهم على رد الفعل فأخرجتهم من حسبانها ( دعنا الآن من أن هيكل لم يفسر لنا لماذا ظلت أمريكا على نفس الموقف بعد قيام ثورة 23 يوليو وقيادتها للعالم العربي)..

كان علينا مواجهة العنف بالعنف فلم نفعل فكان حقا أن يفعل بنا البابا شنودة ما يفعله..

عدم قيامنا برد العنف المستعمل ضدنا بعنف أشد هو الذي وصل بنا إلى هذا الحال..

وزير التربية والتعليم مسئول قبل البابا شنودة..

وزير التعليم العالي مسئول قبله.. ووزير الإعلام أيضا..

كل كاتب وكل ممثل وكل مخرج وكل مؤلف تبني وجهة النظر الصليبية اليهودية في الإسلام والمسلمين مسئول قبل البابا شنودة..

كل..

كل..

كل..

مسئول قبل البابا شنودة..

والحقيقة أن الوحيد الذي ألتمس له العذر هو البابا شنودة.. بل لعلى أهنئ طائفته به..

رجل وجد هذا الخنوع كله فلماذا لا يركب ويدلى ساقيه..

رجل وجد هذا الخضوع كله فلماذا لا يتسلط..

في العلاقات.. ابتداء من العلاقات بين الرجل وزوجه وانتهاء بالعلاقات الدولية تسيطر نظرية الفراغ.. فهو غير مسموح به.. وإذا ما تخليت عن مساحة لا بد أن يملأها طرف آخر..

ولقد أفرغ الطاغوت الدولة من الإسلام فكان لابد أن تحل المسيحية محله و أن تتصرف الـ 6% كأنها الـ 94%.

نعم.. تسبب الطاغوت من أكبر ملك إلى أحقر مخبر في فقدان التوازن الطبيعي..

وعندا يفقد التوازن الطبيعي تختل الطبيعة بنفس نوع الخلل القائم الآن والذي يمثل البابا شنودة أحد طرفيه..

نعم..

ومن أمثلة ذلك انتشار العنكبوت الأحمـر ودودة اللوز فـي مصر في أعقاب استخدام بعض المبيدات الحشرية بإسراف شديد وبطريقة غير محسوبة. ولم تكن مثل هذه الآفات مصدر خطر للنباتات فيمـا مضى، ولكن قتل المبيدات لأعدائها الطبيعيين ترك لها حرية التكاثـر.

وكمثال واحد على التوازن الذي أنشأه الله تعالى، وكيف يخربه الإنسان ما جرى في ماليزيا في الستينات. فقد قررت الحكومة هناك استعمال مادة د. د. ت السامة في الغابات والمستنقعات لقتل بعوض الملاريا. وفعلا مات البعوض، والتهم من قبل الصراصير. ولكن تمرضت هذه الصراصير فسهل التقاطها من قبل السحالي التي أصبحت بدورها فريسة سهلة للقطط. ثم ماتت القطط بالتسمم فتكاثرت الفئران بشكل كبير، فتكاثرت براغيث الطاعون التي تعيش على أجسام الفئران. وهنا اندلع وباء الطاعون، وهلك نتيجة لذلك أكثر مما كان ممكنا للملاريا أن تقتل في سنين!!. ..

فهل أدركتم الآن يا قراء لم سيطر وكيف سيطر كل من أراد أن يسيطر ابتداء من أمريكا ومرورا بإسرائيل ثم بأقباط المهجر ثم بالبابا شنودة ثم بأقباط الداخل ثم بكل عدو لله ولرسوله وللمؤمنين..

هل أدركتم أن المشكلة ليست في قوة غير طبيعية للبابا شنودة بل في ضعف غير طبيعي للمسلمين.. و أن العلاج يأتي بتقوية الإسلام لا بإضعاف البابا شنودة ( و إن كان ذلك لا يمنع من محاسبته أو حتى محاكمته)..

هل أدركتم أن المشكلة ليست في البابا شنودة بل في الرئيس مبارك وشيخ الأزهر .. وفينا..

*** 

ليس ثمة تثريب على الشباب لهف قلبي عليهم، ألئك الأطهار الذين جعلوا من أجسادهم سياجا يحمون به الكنيسة ومن فيها حتى لو كان بعض من فيها أشرار وفجار، لا تثريب عليهم منذ حاولوا قبل ذلك بشهور طويلة أن يستدروا عطف ديوث كي يغار على دينه لكن كيف يغار ديوث أجاب بصلف و كبرياء سوف نرى دون أن يدرك أنه أعمى البصيرة.. لا تثريب على الشباب الذين صبروا ثمانية شهور طويلة وهم ينتظرون رد فعل من مسئول.. دون أن يدركوا لهف قلبي عليهم أنه لم يعد في بلادنا مسئول.. ثمانية شهور وهم يكتمون الأمر بين ضلوعهم جمرا تتلظي عليه جنوبهم وهم يلتزمون بالصمت تستعر النار فيخفونها خوفا من انفجار الفتنة و أملا في رشيد يطفئ النار قبل أن تستفحل.

لكن أي رشيد..

أي رشيد..

أي رشيد والرئيس مبارك نفسه، والمفروض أنه أمين على الدين والأمة يعز النصارى ويلتمس رضاء اليهود ويذل المسلمين ويدعي أنه على الحياد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ادعاء غير صحيح، فهو في الواقع على الحياد بين الخونة من الفلسطينيين والإسرائيليين، وثلاثتهم ضد فلسطين المؤمنة المسلمة الصابرة.

مبارك هذا.. كي يجامل النصارى.. أعلن في إحدى خطبه رغم كل ما لديه من معلومات أن عدد الأقباط يصل إلى 10%.. ولم يكن ما قاله مبارك صادقا.. ولا كان خطأً عن سهو، بل كان خطأ متعمدا أراد به أن يجامل النصارى على حساب المسلمين و أن يعضد كلينتون الذي كان قد صرح بنفس الرقم قبلها بأيام، ولم نكن نريد منه أن يكذب.. بل كنا نريد أن يقول الحقيقة.

والحقيقة أن مواقف مبارك هي المسئولة عن حالة الاستخذاء العنيف للسلطة ورجالها أمام الأقباط. ومواقف مبارك هي التي دمرت النخوة والقدرة على المواجهة، وحتى الدفاع عن النفس. دمرتها في الأجهزة التي كان ينبغي أن تكون سياجا يحميها.. فإذا بها بالذهول كله وبالغباء كله وبطاعة المخلوق في معصية الخالق تدمرها تدميرا لصالح عبادة الطاغوت لعن الله كل طاغوت وكل من أطاعه.


*** 

نعم..

استمرار السياسة الحالية..

استمرار الرئيس مبارك..

ليست مجرد خطر على الدين.. بل على الأمة والدولة والحكومة أيضا..

أما البابا شنودة فأمره هين جدا..

رجل وجد فراغا.. فلماذا لا يملؤه.. ووجد نفاقا فلماذا لا يستثمره.. ووجد ظهرا محنيا فلماذا لا يقفز عليه ويتبختر؟!..

هل تريدون رأيي؟..

لو لم يفعل لكان مخطئا!!..

والحقيقة أنني حرصا على الوطن أركز على هذه النقطة و أرجو أن ينتبه أبنائي و إخوتي لها..

نحن نقول أن الأقباط يستقوون بأمريكا و بإسرائيل..

دعنا من القيمة الأخلاقية لذلك.. ودعنا من خطورته الهائلة على الأجيال القادمة من النصارى عندما يعتدل الميزان..

دعنا من ذلك وذاك.. لنقول أن هذا الاستقواء أمر حقيقي لا شك فيه..

لكن هناك استقواء آخر خفيا لا نكاد ندركه ولا نكاد نتنبه إليه..

وهو استقواء نظام الحكم المصري – والعربي أيضا- بالنصارى.. وهذا الأمر أيضا حقيقة لا شك فيها.

نعم..

تماما كما تمثل إسرائيل مفتاح قلب أمريكا ( لعن الله إسرائيل و أمريكا) فإن الأقباط يمثلون بالنسبة للحكومة المصرية وللنخبة المستغربة درعا واقيا من غضب أمتهم عليهم.. وملاذا آمنا وغطاء أمام أمريكا و إسرائيل..

هذه النقطة هامة جدا..

استقواء النخبة الفاجرة الكافرة (دون تعيين ) بالنصارى..

هذه النخبة التي فقدت كل دعم وكل تأييد من أمتها ولم يبق سوى دعم الجيش – الذي تخلى عن مهمته وانقلب على عكسها) والأمن ( الذي يقوم بأشد الأعمال إجراما وخسة وقذارة.. حتى أنه يمثل اليد القذرة للموساد والسي آي إيه) : ( انظر ماذا يفعل الأمن والجيش في بنجلاديش على سبيل المثال!)..( للقارئ أن يضيف علامة تعجب أخرى إذا أراد..!)..

هذه النقطة هامة جدا.. لن أمل من التركيز على ذلك.. لأنها تعني أن هناك حلفا غير مقدس بين الحكومة والنخبة والعلمانيين والملحدين والبلطجية والنصارى في طرف وفي الطرف الآخر توجد الأمة ودينها و أمنها ومستقبلها..

هذا حلف لا شك فيه و إن أنكره الجميع.. لكنه يتبدى بصورته الكاملة في شخصين يعدان من أبغض الشخصيات في الوجدان الجمعي: رفعت السعيد وعلى سالم.. لا أغمط حق الآخرين لكن أمرهم أتفه و أحقر من أن يذكر.

يتبدى بصورته الكاملة في هذين.. أما صورته الأخطر فلا ندركها أبدا.. لأنها تدور في كواليس أعلى طبقات الحكم.. حيث يتم تحذير الغرب دائما من الديموقراطية  لأنها ستأتي بالمسلمين إلى الحكم وهم ضد أمريكا والأقباط.

مخبر السيدة زينب.. حوذي الوزير الشاذ.. الذي ادعى أنه مضطهد طول عمره لأنه يطالب بالديموقراطية.. لكنه عندما ذاق خمر الشاذ انقلب على عقبيه وراح يصرخ: ولكن الديموقراطية هي التي أتت بهتلر.

الغريب أن هذه النخبة الخائنة والتي تبني فكرها على العلمانية – أي الإلحاد-  لا تعادي من الأديان إلا الإسلام، ولا تعادي من المناسك إلا مناسكه، أما فيما يتعلق بالأديان الأخرى، حتى البوذية فإنها تعامل بنفس الاحترام التي عوملت به أصنام بوذا في أفغانستان. الامتهان فقط للإسلام.. وهذا يدل – فيما يدل – على أن موقفها ليس موقفا فكريا، وإنما هو موقف العاهرة التي تهاجم الدين ليس لأنها فقدت الاقتناع به، و إنما لأن ضوابطه تحول بينها وبين شهواتها ومكاسبها.

وهذه الفئة الخائنة المجرمة، المدلسة الكاذبة المزورة، والتي ظلت لأكثر من قرن تربط ما بين العلمانية والعلم، وهذا كذب ( على مستوى كتب الفلسفة وليس الدين).. كما ظلت تربط بالإفك ما بين الحداثة والتحديث، فالأولي كفر وخيانة.. والثانية واجب و أمانة.. ولست أنسي أبدا مخبر قسم السيدة زينب وهو يصرخ على شاشات التلفاز: فلنعد إلى ركوب الإبل إذن.. فياله من حمار!!..

*** 

كثيرون هم الذين يلعبون نفس اللعبة القذرة، وكثيرون هم الذين يسوقون لأنفسهم ويروجون لها كما تروج البغي لنفسها..

فقط..

افتحوا أعينكم وراقبوا..

لكن.. و أنتم تفعلون ذلك  قولوا لا إله إلا الله سبحانه جل وعلا شانه.. محمد رسول الله..

انظروا إلى مثوى هؤلاء الآن وكيف ينظر الشعب إليهم..

انظروا إلى فكرهم في مزبلة التاريخ.. وانظروا إلى الإخوان المسلمين وتأييد الشعب الكاسح لهم.. بل تأييد الله إن شاء الله.

*** 

حسم العلمانيون والمستغربون أمرهم وانضموا إلى أعداء الأمة..

كانوا قد باعوها وخانوها و أدركوا أنها لفظتهم فمدوا أعينهم و أيديهم إلى الحلف المدنس..

بدءوا كالحية الرقطاء بالتسلل مدعين أن العلمانية من الإسلام و أن الماركسية نظرية اقتصادية لا تتعارض مع الإسلام.. ثم كانت الخطوة التالية: العلمانية مذهب يمكن أن يتفق عليه الجميع مع كامل الاحترام للإسلام.. ثم لا إسلام بعد اليوم.. وبعد أن كانت العلمانية – كما ادعي الفجار – وسيلة لتحقيق العدالة.. أصبحت هي الغاية.. و أصبح الإسلام مرفوضا و إن حقق العدالة.

*** 

انظر مثلا إلى الدكتور علاء الأسواني الذي لم أعترف له بموهبة قط .. وحينما كنت مسئولا منذ ما يقرب من عشرة أعوام عن صفحة عبد الله النديم في الشعب فقد رفضت بإصرار انضمامه إلى كتابها، كما أنني فيما بعد ذلك لم أعترف بموهبته، فقد أدركت إنه يسير على خطى الشيطان من مسيلمة إلى فاروق حسني وصلاح عيسى وعصفور و.. و.... ولم يختلف موقفي بعد صدور روايته عمارة يعقوبيان، حيث الجنس المبتذل، والقطيعة المعرفية وانعدام المرجعية، وبعض الغزل لليهود ثم الدفاع عن الشذوذ الجنسي، وهذه مقومات نجاح العمل الأدبي بمفهوم العلمانية والحداثة. خاصة إذا صحب العمل ضجة إعلامية لم يظفر بها كاتب في مصر من قبل.. ومسارعة من الجامعة الأمريكية لترجمتها لإنجليزية، ثم أعقبتها ترجمة لإيطالية، وكلف وحيد حامد بكتابة السيناريو للفيلم السينمائي الذي تصدى لإنتاجه وعماد الدين أديب (!!) راصدا لإنتاجه 60 مليون جنيه!! واستدعاء كبار الممثلين لتمثيلها كعادل إمام نور الشريف، يسرا، إسعاد يونس، هند صبري، محمد عادل إمام، سمية الخشاب، خالد صالح، خالد الصاوي، احمد راتب، احمد بدير، عبد المنعم، باسم سمرة، احمد صلاح. بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الفنانين الذين وصل عددهم إلى 160 فنانا..بل وتقرر أن يكون أول فيلم عربي يعرض تجاريا في أمريكا.. و..و..

كان واضحا أن الأمر يتعلق بصناعة نجم.. بل كانت فضيحة صناعة نجم سوف يؤيد إسرائيل غدا والصليبيين بعد غد وسيظل ضد الإسلام على الدوام.. ومن أجل هذا يربى اليوم.. ويمنح ما لم يمنح لنجيب محفوظ نفسه .. ولم يلتفت أحد إلى نقاد كبار عندهم صغار عندنا كفاروق عبد القادر الذي أكد أن الرواية متوسطة القيمة، و أنها تسئ إلى المصريين كما قال صبري العسكري أنها مستنسخة من أعمال نعمان عاشور .. لكن أحدا لم يلتفت إليهما..

*** 

إنني أريد أن أنبه القارئ إلى أمر بديهي جدا، و هو أن أي اثنين يتواطآن على ارتكاب الفاحشة، لا يفعلان ذلك في العلن أمام الناس، ولا يحتاجان إلى جدل، تكفي غمزة أو إشارة أو لفتة أو كلمة عابرة لا يلتفت إليها إلا شريك التواطؤ.

وما يتم في سبيل التواطؤ على ارتكاب الفاحشة يحدث أيضا في التواطؤ على خيانة الأمة والدين والوطن..

أظن أن شيئا من هذا القبيل قد حدث من بعض ضباط الجيش العراقي و أمريكا قبيل سقوط بغداد.. و أن كثيرا منه لا يكف عن الحدوث بين حكامنا وبين أروقة المخابرات في الغرب.

*** 

نعود إلى علاء الأسواني، الذي كان عليه أن يسدد ثمن الأفضال التي أسبغت عليه، بالغمزة أو الإشارة أو اللفتة أو الكلمة العابرة، لذلك، فما أن حدث ما حدث في الإسكندرية، إلا وقد انطلق النجم وانبرى، لا ليدين الإساءة البالغة والمسرحية السافلة والكهنة الساقطين، بل ليدين المسلمين أولا!! الذين أدى تطرفهم إلى  تطرف بعض المسيحيين الودعاء الطيبين، أو على حد نص الكلام المنشور في صحيفة العربي: "يجب أن نذكر، بصراحة، أن التعصب ضد الأقباط قد أدي بهم إلي تعصب مضاد، وهذه ظاهرة طبيعية، فلو أن طالب الطب القبطي المظلوم، قدر له أن يتولى منصبا قياديا فسوف يتعصب علي الأرجح للأقباط ضد المسلمين الذين ظلموه.. وقد آثر الأقباط الانسحاب والتقوقع وعزفوا عن المشاركة وتحولت كل مجتمعاتهم إلي كيانات مغلقة عليهم وأصبح القبطي يمارس كل أنشطة حياته عن طريق الكنيسة وحدها.. ".. 

أما طالب الطب فلنترك النجم يروي روايته:

حدثت هذه الواقعة أثناء الامتحان العملي في إحدى كليات طب الأسنان.. انتهي الطالب من علاج أسنان المريض، وجاءت الأستاذة لتقييم عمله وإعطائه الدرجة.. فأعجبت بمهارته وقالت:

ـ شغلك ممتاز.. سأعطيك الدرجة النهائية.

ابتسم الطالب في سعادة.. وسألته الأستاذة وهي تتصفح كشف الأسماء:

ـ اسمك إيه..؟

ـ إيهاب أمين..

ـ قل اسمك بالكامل

ـ إيهاب أمين جرجس..

هنا بدا الامتعاض علي وجه الأستاذة ومنحته درجة أقل بكثير من الدرجة النهائية التي وعدته بها.. لأنه قبطي.. ليست هذه الحادثة شاذة ولا نادرة في كليات الطب، فالطلاب الأقباط يتم إنقاص درجاتهم عمدا حتى تفوتهم فرصة التعيين كمعيدين في الجامعة، ولو أفلت أحدهم في غفلة من الزمن وتم تعيينه فإن إدارة القسم تتعمد غالبا إسقاطه في امتحان الماجستير مرة بعد أخري حتى يستبعد من الجامعة.. هذا الظلم الفاحش، المنافي لأبسط قواعد الدين والأخلاق، يحدث يوميا من سنوات ويعرفه كل طلاب وأساتذة الطب في مصر.. ولا يقتصر اضطهاد الأقباط علي كليات الطب ولا علي الجامعة بل يتعدى ذلك إلي مجالات الدولة جميعا، فالمحافظون ورؤساء الجامعات وقادة الجيش ومديرو الأمن والنائب العام، كلها مناصب محجوبة عن الأقباط.. التمييز ضد الأقباط حقيقة.

*** 

عندما أسمع هذه النماذج البشرية، أتصور أنهم ينتظرون من كل مسلم أن يعتذر لأنه مسلم ، و أن يعترف بالخطأ .. ويقلع عن الإسلام فيتوب!!.. ويدهشني سيطرة الخلفية الصليبية على وجدانهم فكل ما يتعلق بالإسلام مدان ولا مبرر له.. وكل ما هو متعلق بأي دين آخر محترم ومصان ومقدس وتستدعي دواعي اللياقة والكياسة ( والجنتلة!) أن نتحدث عنه باحترام عظيم.

إنني أتعمد التفصيل في هذه النقطة، لا لكي أكشف ما تعلنه كلمات علاء الأسواني، ولا لأفضح ما يضمره قلبه وهو أكبر، و إنما لأعرض أمام القارئ نموذجا تفصيليا لكيفية صياغة الأكاذيب وتلوينها حتى لو اعتمدت في بعض أجزائها على وقائع حقيقية أو صادقة.

نعم..

هناك تحيز في بعض الأقسام في بعض كليات الطب ضد المسيحيين – وهو خطأ لا ندافع عنه أبدا-.. لكنه خطأ فردي.. لأن ذلك الخطأ لو كان عاما أو جماعيا لوجدنا على سبيل المثال أن عدد الأطباء الأقباط نصف نسبتهم العددية في المجتمع.. فإن كانت نسبة الأقباط أقل من 6% فإننا نتصور أن نسبة الأطباء ستكون 3 أو 4% مثلا..

لكن الحقيقة التي تخرق كل عين ومنها عيني علاء الأسواني أن الأقباط  يملكون  60% من الصيدليات.. و 45% من العيادات الطبية الخاصة....

نعم..

45% من العيادات الخاصة ومنها طبعا عيادات الأسنان..

فهل تشعر بالاشمئزاز أيها القارئ من طريقة نجومنا من نسج الأكاذيب وتلوينها وتوظيفها في النهاية ضد الأمة والدولة.

45% من العيادات الخاصة ومنها طبعا عيادات الأسنان..

يا له من اضطهاد جميل ليت الأكثرية الإسلامية تتعرض لمثله..

وسوف أقول الآن أمرا يبدو متناقضا مع هذه النسبة.. لكنني سأفسره على الفور..

مع الاحتلال الفرنسي القصير انحرف كثير من المسيحيين كما انحرف كثير من المسلمين.. ومالئوا المحتل.. وبعد هزيمة نابليون وفراره ثم انسحاب الحملة كلها بدأ الغزو الثقافي عن طريق محمد على وبعثاته ( هناك وثائق تؤكد أن فرنسا قبل انسحابها كانت قد رتبت الأمور لمحمد على لكي ينتهي الحكم إليه، على أي حال، سادت الثقافة الفرنسية واستبدل الغزو الثقافي بالغ7زو العسكري. في هذه الفترة أنشئت كلية الطب وكان كل أساتذتها من الأجانب، الذين اختاروا فيما بعد أكثرية من المسيحيين، واضطهدوا المسلمين في استقواء خسيس بالمستعمر، حتى أن بعض الأقسام كقسم النساء والولادة في طب القصر العيني، ظل عشرات الأعوام لا يسمح لمسلم واحد فيه بالتخصص في النساء والولادة تحت رئاسة أستاذ القسم العالمي المشهور: الدكتور نجيب محفوظ.

بعد معاهدة 36 بدأ رد الفعل العكسي.. و أصبح ممنوعا على أي مسيحي أن يتخصص في هذا الفرع.. واستمر الأمر نصف قرن حتى بدأ التوازن يعود من جديد.

لكن..

على الرغم من ذلك ظل الأقباط  يملكون  60% من الصيدليات.. و 45% من العيادات الطبية الخاصة....!!

والحقيقة أن مثل هذه الأحداث – خاصة من ناحية المسلمين -  لا تعود إلى تفرقة دينية بقدر ما تعود إلى عصبية قبلية.. كتلك التي نشاهدها ما بين جامعة القاهرة وعين شمس.. أو ما بين جامعات القاهرة والأقاليم. و أفسر التناقض فأقول: يوجد قدر قليل جدا من التمييز ضد الأقباط، ولن أجامل في الحق يا قراء، إنه تمييز يكاد أن يكون مشروعا، ففي القرنين الماضيين أدى استقواء الأقباط بالغرب إلى خلل جسيم في الموازين، جعل الأقباط الذين يمثلون أقل من 6% يمتلكون 60% من الصيدليات و 45% من العيادات. و أظن أن هذا لو حدث في بلد غير مسلم، لتم استصدار قرارات مشددة بوقف التحاق أبناء الأقباط بكليات طب الأسنان وكليات الصيدلة.. وأن أن ما متع صدور هذا القرار: ليس إلا سماحة الإسلام.

أم عن الغبن الكاذب الذي يشعر به الأقباط  فهو كالحمل الكاذب، وليد لوهم خاطيء  فإن لم يكن فلتخطيط فاجر.. إن – بعضهم- يحنون إلى عهد الاستعمار عندما كانت له اليد الطولى.. يحنون إليه فيستدعون الأمريكي القذر لاحتلال البلد.. ولست أدري كيف غفلوا وقد عاشوا معنا مئات القرون، عن أن قوة التوحيد في قلوبنا، تجعلنا ننكسر ونخسر لكننا لا نهاب ولا ننهار..ونحن نعرف على سبيل المثال أن أمريكا أقوى.. و أن بوش أقوى لكن البغل أيضا أقوى فإذا أخذت الذبابة شيئا من أي منهما – بوش أو البغل- لما استطاعا استرداده ضعف الطالب والمطلوب. وفي نفس هذا الإطار دار الحوار بين الغازي المنتصر نابليون وبين علماء الأزهر.. وراح نابليون يمارس ألاعيبه كي يبهرهم ويقهرهم ويجعلهم يدركون أن لا قبل لهم بنابليون وجنوده، لكن عالما من العلماء أدرك ذلك فأجابه إجابة صاعقة: فالله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، كانت الإجابة تحمل عمق التاريخ من الثراء الروحي والعمق النفسي، والقدرة على امتصاص أي قدر من الهزائم، ثم الاستعانة بمن يأتي بالشمس من المشرق والانتصار من جديد.. كان المعنى يحمل ذلك، لكن مخبر قسم شرطة السيدة زينب، القذر، جعل من هذا الرد المعجز مادة لتندره ودليلا على تخلف المسلمين وظلاميتهم. وكان هذا دأب كل أعضاء الحلف المدنس، غير المقدس.

لكننا نعود إلى قصة الدكتور علاء الأسواني لأنها نموذج للكذب الذي لا يقف على قدمين أبدا.. و أنا لا أتمالك إلا الدهشة: ألم يسعف النجم الساطع خياله ليحبك الكذبة أكبر.

نعود إلى الفرية التي تنتهج نهج الميلودراما المباشرة الساذجة:

فالأستاذة تمتحن الطالب دون أن تعرف اسمه!! ودون أن تطلع على بطاقته خشية أن يأتي آخر ليمتحن بدلا منه.. ثم هي لا تعرفه.. وهذا يعني أنه في الأغلب الأعم ليس في الماجستير أو الدكتوراه.. لأن عدد الطلبة القليل في الشهادتين يجعل العلاقة مع الأساتذة مباشرة.. إذن .. الطالب في الكلية.. والأستاذة لا تعرفه.. ولم تسأله عن اسمه منذ البداية.. واكتمال الكذبة يستدعي أن تنبهر الأستاذة بإجاباته.. لتكتشف أنه مسيحي.. فلا تعطيه الدرجة التي يستحقها..

لم يقل لنا النجم الساطع مصدر معلوماته ولا من حكى له الحكاية.. المفترس أم الفريسة.. ولم يكن يستطيع أن يقول لنا أنه سمعها بنفسه.. لسبب بسيط.. أنه حصل على بكالريوس طب الأسنان من جامعة أمريكية.

القصة إذن فبركة الدكتور علاء الأسواني.. ونعم.. توجد أخطاء فادحة ويوجد تحيز.. وقد يكون ضحاياه أحيانا من الأقباط لكن الضحايا معظمهم من المسلمين..

يلح علىّ سؤال لعلاء:

- هل تصلي؟!..

ويلح علىّ سؤال آخر.. إذا كان الظلم يحيق أحيانا ببعض الأقباط فلا يعينون في مناصب معينة – دون أن يؤثر هذا على النسبة العامة: الأقباط  يملكون  60% من الصيدليات.. و 45% من العيادات الطبية الخاصة....أقول إذا كان هذا يحدث فهل يمكن أن يخبرني النجم الساطع عن عدد الذين يحرمون من تولي أي منصب في الجامعة لأنهم يصلون الفجر جماعة في المساجد؟!..

هل يمكن أن يخبرني عن أي مكان يمنع  المسيحيون من ارتياده لأنهم ملتحون.. أنا أخبره بعشرات الأماكن يمنع المسلمون من ارتيادها حتى في الأفراح..  عشرات الأماكن و أولها النوادي العسكرية..!!

هل يملك علاء الأسواني للسؤال إجابة؟!.. 

هل يمكن أن يفسر لي علاء الأسواني تسامح الدولة بلا حدود مع الأقباط  وشبابهم الذين نكلوا بالشرطة وضربوهم ومع الخنزير زكريا بطرس.. وقسوتها بلا حدود مع المسلمين..

هل يمكن أن يفسر لي علاء الأسواني إلى من تنحاز الدولة وهي تصر على إغلاق صحيفة الشعب التي كان علاء من كتابها – للأسف-  ثم لا تجرؤ على العبث بحق – مشكوك فيه – يجعل من حق كل كنيسة أن تصدر صحيفة لا تجرؤ حتى الكلاب على النباح عليها؟..

هل يمكن أن يفسر لي علاء الأسواني شيئا عن قناة الخنزير زكريا بطرس الذي يحصل على أكثر من مائة وعشرين ألف جنيه مقابل كل عظة ينطقها الشيطان على لسانه، وكيف لا يجرمه القانون ولا يحرمه البابا (الذي حرم جمال أسعد بسبب معارضته)..

وهل يمكن أن يفسر لي أمر القناة القبطية الأخرى  التي لا نعرف عنها شيئا سوى ما قاله  الأب بيشوي الأنطوني المدير العام للقناة التي سميت قناة (أجابي) التي تعني المحبة بالقبطية و أنها تسعى إلى ربط الأقباط الموجودين في مصر بالأقباط الموجودين في الخارج وأن ننقل كلمة الرب .

وأضاف نقول أن قناتنا ستقربنا من المسلمين وقد يفهموننا أفضل وأفضل من خلال القناة .

وسيقدم برامج القناة كهنة وشمامسة وستذيع في البداية ساعتين يوميا تجري إعادة بثها. ويرأس القناة الأنبا شنودة بابا الأقباط وتمول من التبرعات.

ونقل التقرير عن الأب بيشوي الأنتوني أحد المديرين التنفيذيين في القناة قوله: القناة تخضع لتوجيه البابا شنودة الثالث نفسه، الذي عين لجنة عامة تتشكل من 13 أسقفا لإدارة القناة. وأضاف: القناة تتم إدارتها من داخل دير في شمال شرق القاهرة.

كان قد تقرر بدء بث القناة الفضائية في 14 نوفمبر الماضي على القمر الصناعي الأمريكي تيليستار 12 الذي يغطي مصر وعدة دول إفريقية.

هل يمكن أن يفسر لي علاء الأسواني أمر القناتين الأخريين.. قناة ستمنح للحيزبون نوال السعداوي والأخرى لحمدي قنديل..

لاحظوا أن كل القنوات الآن ضد الإسلام فإذا أضفنا القنوات الحكومية ازداد الأمر سوءا.. كما يزداد سوءا مرة أخرى عندما نكتشف عدم وجود أي قنوات دينية مصرية.

ومرة أخرى لاحظوا يا قراء ذلك الحلف المدنس لا المقدس بين النظام والعلمانيين والشيوعيين والقوات المسلحة – جيشا وشرطة-  ثم الأقباط من ناحية والاتجاه الإسلامي من الناحية الأخرى.

نعم حلف مدنس تصل الخسة فيه إلى حد مدهش.. فالمثقفون يبررون جرائم السلطة – لا أقصد جرائم الرأي.. ولست أراها جرائم- ولا تهتز لهم شعرة لعشرات الآلاف من المعتقلين ما داموا مسلمين.. ولا لعشرات المقتولين بيد المحاكم العسكرية، ولا للتزوير، وقد ترتب على هذا كله تفشي الفساد بصورة مروعة لم تحدث أبدا.. ذلك أن المجرم القاتل المعذب المزور لن يستنكف أبدا عن سرقة البلاد في منظومة يزعمون أنها لمحاربة الإرهاب وإنما هي حرب على الإسلام يتحاكمون فيها إلى الطاغوت وقد أمِروا أن يكفروا به،  يقوم المثقفون إذن بمعظم الدور الداخلي، ثم يأتي الأقباط يضمنون رضا الطاغوت الغربي على مواجهة دين أهل البلاد   بأي طريقة، ولو بتزوير الانتخابات.. ولو بالتعذيب والتشريد والقتل. أما الشيوعيون فهم أخس الجميع وهم سماسرة بيع شرف الأمة، ولاحظوا يا قراء، أن الشيوعيون، رواد الإلحاد و أساتذة الكفر يتحدثون بمنتهى الاحترام عن القبط – دون المسلمين- وتنهال أموال الأقباط عليهم.. و أصواتهم أيضا في الانتخابات..

ورغم حجم المرارة الطافحة فإن هذا الحلف طبيعي وكان علينا أن نتوقعه لا أن نندهش له.. ذلك أن الإسلام حين – بإذن الله – ينتصر سوف يكتسح هؤلاء جميعا كما يكتسح فيضان النهر أكداس القمامة والجيف التي ترسبت في مجراه فترة الجفاف..

نعم..

عندما ينتصر الإسلام بإذن الله سوف يقضي على الطاغوت.. والفساد.. والعمالة.. والخيانة.. والمال الحرام... والتزوير... والتهريب... والتعذيب... وسوف يحجم فساد القضاء .. وسوف يحاكم أجهزة أمن وعدل حولت القانون إلى سكين في يد مجنون.. وسوف يعيد النصارى إلى حجمهم الطبيعي: أقل من 6%.. وسوف يتمتعون بحقوق أكثر من حقوق أي 6% أخرى في العالم!!..

فهل أدركتم يا قراء أن هذا الحلف كان محتما..

و أن مواجهة عنصر واحد من عناصره تمثل خطأ عقديا واستراتيجيا أيضا وذلك ما أنبه إليه و أحذر منه.

إن أطراف الحلف الخسيس كلها، كل منها يستتر خلف الآخر – بمنتهي الخسة والجبن-.. ليستتر الجميع خلف البابا شنودة.. الذي يسلط أتباعه في الداخل والخارج للتحذير من المسلمين..

إن المستفيد الرئيس من هذا الحلف المدنس هم كل الطوائف التي ذكرت.. ما عدا النصارى.. فهم ضحاياه..ذلك أن وضع الآخرين جميعا مؤقت سرعان ما تلفظهم الأمة كما يلفظ الجسد خبثه.. وكما يطرد الخراج صديده وكما يطرد الحديد صدأه.. نعم وضع هؤلاء جميعا مؤقت وعارض.. أما الدائمون معنا فهم النصارى.. الذي لن ينسى المسلمون لبعضهم أبدا أنهم خانوهم وقت الأزمة.. وكانوا عونا عليهم لا لهم.. 

ترى: ماذا يمكن أن يحدث لهم إذا اعتدل الميزان؟..

هل يرضى النصارى أن يعاملوا بعد عشرين عاما كما يعامل المسلمون اليوم في أمريكا؟!.

أطراف الحلف الخسيس كلها إذن تستتر خلف النصارى ليكون الصدام مباشرا بين المسلمين وبينهم فهذا سيكون أفعل في الاستقواء ( لا يراعي المجرمون خطورة ذلك على الأمة)..

والمطلوب ألا يستدرج المسلمون إلى هذا.. 

إنني أخشى من أن يفهم البعض مما سأقوله على الفور أنني ضد المظاهرات التي خرجت تندد بالمسرحية السافلة والكهنة الساقطين ومغارة اللصوص، على العكس، لو استطعت أن أقبل قدم كل من خرج محتسبا لينصر دينه لفعلت.. 

بالطبع .. أنا ضد أي نوع من التخريب..

لكنني في نفس الوقت أرى أن السبب في التخريب ليس العامة الذين استثارتهم المسرحية الفاجرة.. بل الأجهزة الفاسقة التي علمت بالكارثة ولم تتحرك..

كان يمكنها أن تطفئ النار فلم تطفئها.. ليس مجرد إهمال لأمر الإسلام والمسلمين .. ولا مجرد تفريط في أمن الدولة.. بل تصعيدا للصراع بين المسلمين وبين النصارى..

لاحظوا يا قراء أنهم جميعا و أولهم البابا شنودة يميلون إلى التصعيد.. ذلك أنهم يظنون -أخلف الله ظنهم-  أن الظروف لم تكن في صفهم عبر التاريخ كله كما هي الآن.. و أن أمة الإسلام لم تتشرذم كما هي الآن .. و أن الحكام لم يكونوا أبدا أشد خيانة وفسوقا مما هم الآن.. و أن النخبة لم تخن أمتها كما تفعل الآن.. فلماذا لا ينتهزون الفرصة إذن..

بل.. أليس هذا المعنى بتمامه هو عنوان الكتاب الشهير لريتشارد نيكسون – الرئيس الأمريكي الأسبق-  الذي كتب كتابا بعنوان : انتهزوا الفرصة .

بعد انهيار وتفكّك الإتحاد السوفيتي وسقوط المعسكر الاشتراكي وإثر حرب الخليج الأولى انتهى النظام العالمي "القديم" متعدّد الأقطاب ليحلّ محلّه نظام أصطلح على تسميته بالنّظام العالمي الجديد وساد رأي بالإدارة الأمريكية وخاصة لدى صنّاع القرار مفاده أنّ الولايات المتّحدة "حققت قيادتها المطلقة للعالم لأنّها استطاعت أن تمسك باللّحظة التاريخية الفريدة التي توفّرت لها" وعليها منذ الآن أن تستعمل كلّ إمكاناتها المادّية والمعنوية للحفاظ على هذا المكسب وأن تؤسّس له للاستئثار بريادة العالم وزعامته وإعادة صياغته وتشكيله من جديد وفق المصالح القومية الأمريكية، كيف لا وهي التي تتمتع بتفوق لم تصل إليه أعظم الإمبراطوريات منذ فجر التاريخ : "فهي تمارس سيطرة لا نظير لها على كل أنحاء العالم وتنتشر قواتها حوله من سهول أوروبا الشمالية إلى خطوط المواجهة في شرق آسيا" وعلى امتداد وطننا العربي "كما تسيطر على النظام المالي العالمي وتوفر أكبر مجمع لرأس المال الاستثماري وأوسع سوق للصادرات الأجنبية " بحيث إذا هبطت الأسهم في وول ستريت تداعى لها الاقتصاد العالمي بأسره. فكان أن سيطرت على صانعي الإستراتيجية الأمريكية فكرة الفرصة التاريخية السانحة فصدرت في تلك الفترة كتب ودراسات تؤسس لهذه الغاية وتعمل من أجل هذا الهدف حتى أن الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون نفسه أصدر كتابين أحدهما بعنوان (انتهزوا الفرصة) Seize The Moment)) والثاني (1999 نصر بلا حرب) (Victory Without War 1999) شدّد فيهما على نفس الأفكار المشار إليها وحذر في الكتاب الثاني من الإسلام الذي سماه "المارد الأخضر" في إشارة إلى "المارد الأحمر" الشيوعي المتمثل بالاتحاد السوفيتي المنهار.(نايلي نبيل، باحث في الشؤون الإستراتيجية. جامعة باريس المشروع الإمبراطوري في السياسة الأمريكية: من التطهر التبشيري إلى إستراتيجية الصدمة والترويع).

كما يحاول اليهود جر العالم إلى حروب مهلكة يخرجوا هم منها سالمين ظافرين، فإن النخبة المجرمة وجميع أجنحتها من ضباط ومثقفين وكلاب صيد تمزق وخنازير تدنس وكهنة ساقطين وكتبة كذبة فاسدين.. كل أولئك يريدون تفجير الفتنة في مصر لعل أمريكا تأتي لتنصرهم نصرا حاسما.

لست قلقا من ذلك.. فلدي وعد مكين من رسول أمين بأن مصر في رباط إلى يوم القيامة. لكنني أريد أن أحقن الدم.. و أرى أن التوجه يجب أن يكون تقوية الإسلام وليس مواجهة النصارى.. 

إنني لست ضد التظاهر.. بل أنا معه ومع الإفراط فيه بضوابطه الشرعية قبل الأمنية، و أعود إلى التذكير بما قاله هيكل، من أن أمريكا غيرت موقفها من العالم العربي عندما وجدته لا يقاوم، لو قاوم ما حدث ما حدث، بل ولقد تمنيت بالنسبة للمظاهرات الحاشدة، أن تحاصر وكرا للشيطان قتل فيه من التعذيب مسلم، أو لجنة للشيطان يزور فيها صوت، أو قاضيا من قضاة النار، بنفس الحمية التي حاصرت بها بيتا من بيوت العبادة حوله أبناء الأفاعي إلى مغارة لصوص.

إن فتح جرح مملوء بالصديد في جسد انعدمت مناعته قد يؤدي إلى تسمم الجسد كله..

إن الجسد العليل الذي هاجمته الطفيليات والطحالب والجراثيم والحشرات إنما يزداد مرضه وتتفاقم علته لو وجهت جهدي إبادة الجراثيم أو مكافحة الطحالب.. وعلاج مثل هذا الجسد إنما يأتي كنتيجة لتقويته وزياد مناعته .. وفي هذه الحالة ستتساقط الأوصاب جميعا..

وزيادة القوة والمناعة تأتي بأمرين: العوامل الإيجابية التي يجب توفيرها.. والعوامل السلبية التي يجب القضاء عليها.

إن المواجهة مع النصارى تعطيهم أكبر من حقهم وحجمهم وتعطينا أقل من حقنا وحجمنا.. كما أنها تلون الصراع بلون طائفي كاذب.. فنحن لسنا ضد النصارى الذين ينتمون لمصر.. بل ضد النصارى الذين يعبدون أمريكا و إسرائيل. كما أن هذه المواجهة ستطمس  حقيقة الصراع كونه صراعا بين شرفاء وعملاء.. بين أمناء وخونة.. بين مواطنين صالحين وقطاع طرق مزورين لصوص أصبحوا في غفلة منا حكاما وقادة جيوش ووزراء عدل وكتاب سوء.. وأبناء حكام.. وزوجات حكام..و..و..

وننتقل إلى الجزء الأخير من المقال.

*** 

*** 

لأسباب لا بد أن القارئ سيتفهمها سوف أتعرض لموقف النائب العام من القضية باختصار شديد، فالرجل صرح جهارا نهارا أنه سيستهدف  من يكتبون في الموضوع..

 لكنني أؤكد في حدود وعيي وعلمي أن مصر لم تقابل قرارا للنائب العام بمثل هذا الاستنكار والاستهجان أبدا..

بل إن الأمر يتجاوز كل حد ممكن، فليس له سابقة ولا مثيل فالنائب العام يواجه بمانشيتات الصحف تتهمه بالكذب.. كما تتهم وزير العدل بالتزوير..

أتناول الأمر باختصار  متسائلا في الوقت نفسه: هل النائب العام من قضاة الجنة أم من قضاة النار..

ولست أخشى السجن ولا حتى الموت في سبيل الله.. ولكن علينا تجنبهما.. فإن جاءا فسنثبت ونصبر إن شاء الله.

لقد بدا موقف النيابة مثيرا لتساؤلات الكثيرين، وكان ما تنشره الصحف يخفي أكثر مما يظهر.

انظر مثلا إلى البيان التالي:

مصدر قضائي مسئول لـ الوفد:  

النيابة لن تحقق في مسرحية الفتنة.. لعدم وجود بلاغ  

أكد مصدر قضائي مسئول لـ»الوفد« أن تحقيقات النيابة العامة بالإسكندرية لن تتناول أسباب اندلاع المظاهرات الدامية بمنطقة محرم بك. ولن تتناول التحقيقات حكاية اسطوانة الـCD المسجلة للمسرحية التي أثارت الأزمة. 

وبدا التصريح غريبا .. لأننا تعودنا أن النشر في الصحف يعدّ بلاغا..

ولم تعلق النيابة..

ولكن بدا أن النيابة مصرة على عدم التحقيق..

وفي  31 - 10 -2005   نشرت صحيفة المصريون:

اتهمت مصادر قانونية رفيعة المستوى النائب العام المستشار ماهر عبد الواحد بالمسئولية غير المباشرة عن اندلاع أحداث كنسية مار جرجس التي شهدتها الإسكندرية وخلفت 3 قتلى وعشرات المصابين بعد أن تواترت أنباء عن وجود عرض مسرحي يسيء إلى الإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

وشددت المصادر على أن جهات أمنية علمت بأنباء قيام جهات بتوزيع الـCD الذي يتضمن المسرحية على طلاب وموظفي جامعة حلوان بدون التميز بين مسلم ومسيحي وشاهدت المسرحية وقدمت بلاغا للنائب العام وأرفقت به نسخة من المسرحية وطلبت منه اتخاذ اللازم فما كان من المستشار ماهر عبد الواحد إلا حفظ البلاغ في مكتبه والامتناع عن إجراء أي تحقيق.

وانتقدت المصادر تجاهل النائب العام التحقيق في القضية ومساءلة المتورطين فيها مشيرة إلى أنه لو اتخذ أي إجراء جاد يستبق الأحداث لتم استبعاد السيناريو الدامي الذي وقعت أحداثه أمام كنيسة مار جرجس من تدافع للمسلمين احتجاجا على العرض المسرحي الذي يسخر من الإسلام.

وأبدت المصادر استياءها البالغ من عدم توجيه النائب العام اتهاما لقساوسة ورهبان كنيسة مار جرجس طبقا للمادة 160 من الدستور والذي يعاقب بموجبه أي شخص عرض الوحدة الوطنية المصرية للخطر أو قام بفعل يضر بالسلام الاجتماعي.

وانتقدت المصادر قيام البابا شنودة بمعاقبة كهنة الكنيسة التي مثلت فيها المسرحية بالنقل إلى دير وادي النطرون أو دير السريان أو نقلهم إلى الأديرة النائية باعتبار أن ذلك قرار كنسي يخرج هؤلاء عن سلطة الدولة ويكفل لهم حصانة غير دستورية مشيرة إلي أن مثل هذه التصرفات تفقد الدولة هيبتها وكرامتها وحقوقها القانونية بقدر ما يشل من سلطانها علي بعض مواطنيها لافتة إلى أن الكهنة والرهبان وسائر الأقباط ليسوا فوق القانون ومعاقبتهم تعد مهمة الحكومة وليست مهمة الكنيسة أو أحد اختصاصها.

وطالبت المصادر شيخ الأزهر بالتدخل للإفراج عن 102 من المواطنين المسلمين أسوة بما قام مع البابا شنودة الذي اعتكف بدير وادي النطرون حتى أفرجت النيابة العامة عن الشباب الأقباط الذين ألقي القبض عليهم علي خلفية أحداث وفاء قسطنطين مطالباً د. طنطاوي بموقف مشابه لمواقف البابا شنودة عندما أثيرت قضية اعتناق وفاء قسطنطين للإسلام وعدم الاكتفاء بإصدار بيانات علاقة عامة لا تقدم ولا تؤخر وتسهم في عدم احترام قدسية الدين الإسلامي.

و كان الدكتور محمد سليم العوا الفقيه القانوني قد حمل النيابة العامة في تقرير ضاف نشرته صحيفة الأسبوع المستقلة مسئولية تدهور الأحداث و تصاعدها لصمها عن التحقيق في البلاغ الذي قدم إليها قبل أن يعلم المواطنون بأمر المسرحية ويتسع نطاق توزيعها ملمحا إلى أن خضوع الكهنة والقساوسة الافتراضي لهذا التحقيق كان سينهي الأزمة في مهدها.

وأشار العوا إلى أن تصرف النائب العام قد حول الكهنة والقساوسة إلى دولة داخل الدولة ويعد تكريسا وتضخيما لمفهوم الطائفية الذي لم يعد مفهوما في حالة الدولة الحديثة التي يحكمها مبدأ المواطنة.

وحذر العوا من أن الصمت على تجاوزات الكهنة والقساوسة للقانون وإفلات المتورطين وراء المسرحية من الحساب يشكل خطورة بالغة عل الأمن والاستقرار في مصر ويهدد بحدوث فتنة تأكل الأخضر واليابس على حد قوله 

وفي تصريحات خاصة لـ"المصريون" قال الدكتور أحمد المجدوب الخبير الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث أن المعلومات التي تفيد معرفة جهاز أمن الدولة بتداول الـCD بين طلاب جامعة حلوان وإبلاغه النائب العام بذلك هي معلومات بالغة الخطورة ، وإذا كان النائب العام علم بأمر الـCD قبل عرضه بفترة كافية فإن ذلك كان يلزمه بالتحقيق ، وبإصدار قرار بمنع تداول الـCD وعرضه بالإضافة إلى الحصول على جميع النسخ الموجودة والتي تداولها هؤلاء الطلاب وهو الأمر الذي كان كفيلا بمنع الأزمة قبل اشتعالها لفترة كافية ، مؤكدا على أن الخطأ الأكبر يتمثل في طبع CD كهذا وتداوله لأنه يسيء إلى الدين الإسلامي الذي هو دين الأغلبية في مصر فيما يجعل اعتذار الكنيسة أمرا واجبا لأن الخطأ كبير ولا يمكن تجاهله. 

*** 

ثم بعد هذا كله حدثت المفاجأة الهائلة المزلزلة التي ليس لها في تاريخ النيابة مثيل:

مفاجأة يعلنها النائب العام لـلأهرام‏: ‏لم تعرض في كنيسة بالإسكندرية مسرحية تسيء للإسلام 

أعلن المستشــار ماهــر عبد الواحد النائب العام ـ في تــصريحات خاصــة لـ محمد زايد مستشار رئيس التحرير ـ أن التحقيقات في أحداث الإسكندرية الأخيرة‏,‏ كشفت عن مفاجأة مهمة‏,‏ فقد تأكد أن المسرحية التي قيل إنها عرضت داخل كنيسة مار جرجس في منطقة محرم بك‏,‏ وتضمنت إساءة للإسلام‏,‏ لم يحدث أن عرضت أصلا‏,‏ كما ثبت أنه لم يشهدها أحد‏,‏ ولا استمع مواطن لاسطوانة الـ‏C.D‏ المدعاة‏.‏وقال إن التحقيقات أوضحت علي نحو قاطع أن الادعاءات المضللة هي التي أثارت حالة التجمهر والشغب وما ترتب عليها من أحداث مؤسفة‏.‏

*** 

كان الكل قد اعترف.. ولم يبق إلا فضيلة المفتي والنائب العام..

ولقد سبق المفتي النائب العام بهذا الرأي ولكن عصورا من امتهان الحكام للعلماء جعلت الناس لا يأخذون كلام المفتي على محمل الجد.. بل كثيرا ما يكون موضعا للتندر..

ويوم أصدر فضيلة المفتي فتواه جاءني صديق يضحك وهو يقول:

- هل لي أن أروي لك طرفة عن شيخ كبير من شيوخ الأزهر؟..

وقلت له:

- أوافق بشرط ألا تكون على شيخ الأزهر شخصيا فالرجل لا يفحم أعداءه بل يسجنهم..

ووافق الصديق على الشرط وراح يروي طرفته:

- ذات يوم خرج الرئيس في رحلة صيد اصطحبه فيها شيخ من شيوخ الأزهر، وكان الرئيس قد بلغ أرذل العمر، وكان بالكاد يري، لكن الشيخ الكبير لم يتوقف عن نفاقه وامتداحه للرئيس  كصياد ماهر،  ومر سرب من البط، وحاول الرئيس اصطياد بطة منه ففشل وإذا بالشيخ الكبير ( أؤكد أنه ليس شيخ الأزهر) يصرخ : هذه معجزة.. هذه معجزة وكرامة للسيد الرئيس.. لقد مات سرب البط كله بعد أن أصابه السيد الرئيس لكنه بفعل المعجزة ما يزال يطير.. وهو ميت..

أنهي الصديق طرفته منتظرا أن أنفجر في الضحك لكنه وجدني صامتا.. ثم أجبت على نظرته المتسائلة هامسا في ألم..

-  لم تعد الطرف تضحك.. بل إنها تحرض على البكاء.

*** 

تقبل الناس ذلك من المفتي.. ( أرجو الرجوع إلى صدر المقال.. أنكر المفتي في التلفاز أمام الملايين ثم عاد ليعترف في مجلة محدودة التوزيع)..

لكن..

عندما صرح النائب العام بما صرح به انفجر الغضب.. 

وكان مما كتب ما قاله  المفكر القبطي جمال أسعد والذي انتقد بعنف التصريحات التي نشرتها صحيفة الأهرام منسوبة إلى النائب العام ، ونفى فيها وجود المسرحية المسيئة للإسلام التي أثارت أحداث العنف في الإسكندرية ، وذلك رغم اعتراف الكنيسة بعرض المسرحية وتسجيلها على " سي دي " ، وكتب أسعد يقول " إن الطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الحسنة يا سادة ، ولذا فهل تعلمون  حضراتكم ما هو رد الفعل الطبيعي لدى كل من المسلمين والمسيحيين من جراء تلك النيات الحسنة وتلك المعالجات الخاطئة ، والتي مازلنا نصر عليها والتي لا تخرج عن شعارات فارغة جوفاء أو اختلاق معلومات غير صحيحة أو التخفيف من الوقائع في وقت يجب فيه المصارحة أو الشفافية ، والتستر على المخطئ في وقت يجب فيه تحديد المسئولية ومحاسبة المخطئ. أقول إن رد الفعل تجاه ذلك الخبر لدى المسلمين هو الإحساس بالتستر على المخطئ وعدم تحيد المسئول ، والاهم هو عندما ننسب تلك التصريحات للنائب العام حتى نعطي الإيحاء بأنه نتيجة للتحقيق فتحدث هنا ردود فعل عكسية واستفزازية تؤكد التواطؤ للمداراة على الخطأ والمخطئين ، خاصة أن الخبر جاء في إطار نفي ما هو معلوم وما هو معترف به من صاحب الشأن وهو الكنيسة ، أفلا يعطي هذا إحساسا بأن هناك قوة أكبر من القانون تضغط لصالح طرف ، ألا يجعل المسلم يشعر بأن هناك تدليسا على الإساءة لدينه ، ألا يولد ذلك مزيدا من الكبت والاستفزاز الذي يتراكم ويولد انفجارا لا نعلم سببه ومكانه وزمنه .

وأضاف أسعد " أما رد فعل المسيحيين تجاه الخبر فهو الاستقواء حيث إنهم يعلمون أن المسرحية عرضت فعلا وبها إساءة خاصة بعد اعتراف الكنيسة بهذا ، ولكن قد انتابهم إحساس فعلا بالاستقواء يجعلهم يمارون ويدعون ، باسم النائب العام ، أنه لم تعرض المسرحية أصلا وهذا يعني أن الجانب المسلم قد اختلق تلك المسرحية وقد افتعل ذلك الحدث حتى تتم مهاجمة الكنائس وأن هذا هدف إرهابي للضغط على الأقباط واضطهادهم ، كما أن ذلك الخبر قد أعطى الحجة لأقباط المهجر للمزايدة والمبالغة.

الموقف لم ينته بعد ولم تنته آثاره الطائفية وإذا لم يتم التحقيق من خلال الشفافية والمواجهة لتحديد المسئول ومعاقبته قانونا ، فستكون تلك الحادثة مثل سابقيها ، حادثة طائفية تترك جرحا غائرا في نفوس المسلمين حيث إنه تمت الإساءة إلى دينهم ، وفي نفوس المسيحيين حيث إنه تم الاعتداء على كنائسهم ، خاصة وان كل طرف يعتبر نفسه المجني عليه " .

*** 

أما  القس فلوباتير فقد قال فلوباتير في "صوت الأمة" يوم الأحد 29-010-2005 :

1. " أعتبر هذه التصريحات مستفزة ولا تحترم عقلية الشارع المصري لأن السيد النائب العام لم يستطع الوصول إلي حقيقة معلنة للكل فهل سيادتكم لم تقرأ صحفا كثيرة ولم تستمع إلي بيانات كثيرة صدرت عن الكنيسة والمجلس الملي تؤكد وجود مسرحية فعلا ولكنها تنفي أنها تحمل أية إساءة للإسلام؟ إن كنت سيادتك تريد إطفاء لهيب مشتعل فنحن نطالبك بالصدق والشفافية بدون أية مجاملة لطرف علي حساب الآخر".

2. "هذه التصريحات يمكن أن تثير فتنة طائفية أخري لأن الأقباط يمكن أن يثاروا بسبب تصريحاتك هذه عن إخوانهم المسلمين بسبب إحساسهم بظلم وقع عليهم ويمكن أن يتساءلوا أنه إن لم تكن هناك مسرحية فلماذا كل هذه الثورة من شركاء الوطن ولماذا كل هذه الاعتداءات عليهم وهذه الخسائر التي مني بها الأقباط وهذه الإهانة الكبيرة التي حلت بمقدساتهم، فهل يمكن أن يطالب الأقباط باعتذار يقدمه فضيلة شيخ الأزهر لأقباط هذا الوطن عن كل ما قام به مسلموه؟"

3. لماذا لا تقوم النيابة بعمل تحقيق كامل في الموضوع لبيان مدي ما اخطأ به كل طرف وليخرج الأمر بشكل حيادي.

سيادتك بتصريحاتك هذه أغضبت الطرفين، فالأقباط لم يسعدوا كثيرا بها بسبب أنها تخالف الحقيقة وتظهرهم كما لو كانوا مسنودين من الدولة. إن تصريحات سيادتك لم ترض الإخوة المسلمين بل علي العكس يمكن أن يزيد حزنهم وضيقهم لأن إشاعة ازدراء الأقباط بعقيدتهم بل أكاد أقول أنها أكدتها وكأن النائب العام في مصر تأكد من أن هناك ازدراء وأراد أن ينفيه لتهدئة الجو فقام بنفي وجود المسرحية من الأساس فهل هذا مقبول!؟ ويبقي السؤال من المستفيد من هذه التصريحات؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات تصدر؟

أخيرا كررت كثيرا في مقالي هذا عبارة فتنة طائفية وأخشى أن يخرج لي السيد النائب العام بتصريح يقول إنه لم تحدث أصلا فتنة طائفية في حي محرم بك.. بل لا توجد في الإسكندرية منطقة تسمي محرم بك! .

*** 

المحامي الشهير الدكتور محمد سليم العوا، خاض أشرف و أذكي معاركه في هذه القضية ( أدعو الله أن يغفر له ما انتقدته فيه قبل ذلك من أخطاء وخطايا) وكتب عدة مقالات كانت آخرها في صحيفة الأسبوع وتمثل قطعة من الأدب الرفيع الذي تختلط فيها السخرية الخفيفة بالأدب الجم. إنه يعاتب  الناس لأنهم لم يفهموا ما قصده النائب العام بقوله أن المسرحية لم تعرض أصلا، يقول الدكتور العوا في صحيفة الأسبوع 7/11/2005 تحت عنوان "دور الضحية والبحث عن الحقيقة": 

تعجب الناس للعناوين التي نشرت بإحدى الصحف القومية في صفحتها الأولي وصفحتها الحادية عشرة من عدد يوم الجمعة 4/11/2005 تنسب فيها إلي السيد المستشار النائب العام أنه نفي عرض مسرحية 'كنت أعمي والآن أبصرت' في كنيسة مار جرجس بالإسكندرية، وهذه العناوين غير المعبرة عن حقيقة كلام النائب العام اغترت بها بعض الأقلام الشريفة واضطربت لذلك كلمتها في الموضوع بين تصديق النائب العام أولا ثم استنكار كلامه آخرا. (مجدي مهنا في عموده ب'المصري اليوم' ¬ السبت 5/11/2005).

والواقع أن كلام النائب العام مفتاحه هو كلمتا 'قبل الأحداث' فهو يقول إن تلك المسرحية لم تعرض قبل الأحداث، ومعني 'قبل الأحداث' أي في الأيام الأولي من شهر أكتوبر لأن الأحداث وقعت علي التوالي في أيام 13، 14، 21/10/2005 ، والمسرحية عرضت قبل عامين ثم أعيد عرضها في آخر أغسطس الماضي وفي هذا العرض صورت بالفيديو ونسخت منها نسخ علي القرص المدمج (C. D) الذي وزع أول ما وزع في جامعة حلوان كما بينته في مقالي المنشور في 'الأسبوع' عدد 449 بتاريخ 24/10/2005 وأبلغ بهذا التوزيع السيد المستشار النائب العام في حينه. ثم اتسع نطاق التوزيع ليشمل الإسكندرية ومدنا أخري غيرها، حيث وزعت عشرات الآلاف من نسخ (C. D) ولا أستطيع أن أحصي عدد الذين رأوه فغضبوا لدينهم ولنبيهم وقرآنهم(... )

حدث ما أصبح من العلم العام الذي لا يحتاج إلي مزيد بيان في شأن المسرحية التي عرضت علي مسرح كنيسة مار جرجس بالإسكندرية.

وتبينت الأدوار في الأمر كله لذي عينين، فلم يعد أحد يجهل من الجاني ومن المجني عليه، من الذي بدأ بخطيئة العدوان علي دين الغالبية العظمي من المصريين (...) ومن الذي تجاهل مشاعر الذين تظاهروا سلميا أمام الكنيسة نفسها يوم 14/10/2005 وضربوا بأجسادهم حصارا حول الكنيسة لحمايتها من انفعال غير متعقل قد يصدر من بعض المتظاهرين، وقدموا لرجال الأمن مطلبا متواضعا هو أن يعتذر البابا شنودة عن خطيئة القساوسة والمشاركين في المسرحية (عددهم 49 شخصا) التي تمثلت فيما تضمنته المسرحية من هزء بالقرآن الكريم، والنبي صلي الله عليه وسلم، وأحكام الإسلام القطعية في شأن نظام الزواج وفي شأن الجهاد وغيرهما.

وأصبح معلوما للكافة أن صمت أسبوع كامل علي جريمة هذه المسرحية، وهي توزع في الشوارع والجامعات في الإسكندرية وخارجها ستغضب عوام المسلمين وخواصهم.. (...) وأصبح الناس وأمسوا وهم ينتظرون قرارا من النيابة العامة بالإفراج عن جميع من لم يثبت عليه ارتكاب جرائم الاعتداء علي دور العبادة القبطية، وهو اعتداء يجرمه القانون ويحرمه الدين، وتأباه المروءة، وتنكره الوطنية، لكن الذين قبض عليهم وحبسوا احتياطيا يستحيل أن يكونوا كلهم ممن قامت أدلة كافية في نظر النيابة علي ارتكابهم هذه الجريمة، بدليل الإفراج عن بعضهم يوم 31/10/2005 ثم يوم 1/11/2005 والناس لا يجدون مسوغا لحبس شخص واحد، فضلا عن عشرات من الأشخاص، بتهمة لم تثبت أو لم تقم ضدهم في شأنها أدلة كافية. وهم يقارنون في هذا الشأن بين الشباب القبط الذين أفرج عنهم في خلال أيام معدودة بعد أن اعتكف البابا من أجلهم وهدد بإلغاء الاحتفال بعيد الميلاد الماضي (2004)، وهم كانوا قد أصابوا إصابات متنوعة بعضها خطير 64 ضابطا وجنديا وقفوا يحرسون الكنيسة المرقسية في العباسية خشية الاشتباك بين المتظاهرين الأقباط والمتظاهرين المسلمين. وتأتي المقارنة في غير صالح قرار استمرار حبس المتظاهرين السكندريين، فهم لم يصيبوا أي فرد بأي أذي، بل أصيب منهم نحو ثمانين أو يزيدون. وهم لم يساهموا كلهم قطعا في جريمة الاعتداء علي الكنائس والممتلكات. ومن فعل منهم ينبغي أن يحاكم بلا إبطاء. وبينما الناس يصبحون ويمسون تحيطهم هذه المشاعر والأفكار، فلا يتحدثون إلا فيها ولا يختلفون إلا حولها ولا يترقبون إلا نبأ جديدا عنها: بينما هم في هذه المشغلة: فوجئوا بالقيادات الكنسية القبطية تلعب دور الضحية، وتتجاهل دور مشعلي نار الفتنة، وتستبعد أن يثبت علي أحد جرم، ويتعهد الذين يحسنون من تلك القيادات استبقاء صلات الصداقة مع المسلمين 'بمحاسبة كهنة الكنيسة' بمعرفة الكنيسة نفسها: وفوجئوا بالبابا شنودة يستعيد إلي قلوب الأقباط وعقولهم مشاعر عصر الاضطهاد الروماني للقبط المصريين، في كلمته العامة التي يلقيها كل أربعاء في مقره بالقاهرة. (...)  وهذا الموقف لابد أن يتضمن أن يعامل كل بحسب جريمته ودوره فيها، وأن يطبق قانون واحد علي الجميع، وأن لا تسبغ حماية كنسية أو بابوية علي المخطئين الأقباط ويطبق القانون علي المخطئين المسلمين وحدهم. والذين يحرصون علي هذا البلد ويخافون أن يصيبه ما أصاب بلادا غيره من جراء العدوان علي المقدسات وامتهان دور العبادة، وترك الأمر فوضي في أيدي العامة والدهماء، عليهم جميعا أن تتكاتف جهودهم وآراؤهم لعودة القانون سيدا علي الجميع، وللحيلولة دون عودة الوطن إلي عهد المحاكم القنصلية والامتيازات الأجنبية، بترك القبط للكنيسة تودعهم الأديرة وتحاسبهم بطريقتها، بعيدا عن سلطان الدولة والحكومة، وبتقديم المسلمين وحدهم إلي سلطات التحقيق وإلي محاكم البلاد..(...) والكلام الذي نشر في عدد من الصحف والمجلات علي ألسنة بعض القيادات الكنسية يحاول كله أن يلقي اللوم علي المسلمين الذين أغضبتهم إهانة دينهم وقرآنهم ونبيهم. ويستعمل أدوات الشرط دائما في احتمال خطأ الكهنة، ويعد بأن تحقق الكنيسة معهم. وكلما سئل أحد القيادات الكنسية عن سر الصمت الكنسي أسبوعين كاملين تعلل بأنه كان 'لابد من فترة للدراسة والتقييم' وبأن الشحن والتظاهر جعل الكنيسة تشعر أن هناك 'شيئا مبيتا وأن مبدأ الاعتذار لن يكون هو الحل الأمثل'. ومثل هذه الإجابات التي تتهرب من المشكلة الحقيقية، ولا تواجه الأصل الذي تفرعت عنه سائر الأوضاع التي أدمت المسلمين وأضرت بممتلكات الكنائس وبعض الأقباط، هذه الإجابات إمعان في محاولة الظهور بمظهر الضحية الذي يحتاج إلي منقذ، وإبعاد صورة الكهنة والشباب والمسئولين عن كنيسة مار جرجس باعتبارهم أصحاب الخطأ الأول والجريمة الأكبر في الأمر كله.

وقد بلغت هذه المحاولات ذروتها في حديث البابا شنودة الثالث في الكنيسة المرقسية بالعباسية يوم الأربعاء 26/10/.2005 ففي هذه المناسبة الأسبوعية التي حضرها نحو ثلاثة آلاف شخص، تحدث البابا باكيا عن أحداث الإسكندرية فقال إن 'في ذهنه كلام كثير ليقوله وفي قلبه كلام أكثر، لكنه يفضل الصمت لكي يتكلم الرب'. وأثني البابا علي الرب بعبارات معتادة في الصلوات القبطية، ثم قال 'حينما تتعقد الأمور فإن يد الله تعمل وبقوة ووضوح' واستشهد البابا بجملة تقول: 'لتكن مشيئتك: إن أردت تحلها، لتكن مشيئتك، وإن أردت أن تأخذ بركة صليب نحمله لتكن مشيئتك أيضا'.

والإشارة في هذه الجمل البابوية لا تخطئها العين. إنها تقول إن الأقباط يعيشون اضطهادا يشبه اضطهاد نبي الله عيسي عليه وعلي نبينا الصلاة والسلام علي يد اليهود الذين كفروا به وأنكروا نبوته. وأن هذا الاضطهاد يشبه في نتائجه 'إن لم يحلها الله' ما يعتقده الأقباط من أن المسيح عليه السلام قد حمل صليبه علي ظهره إلي حيث علق عليه.

والواقع أن الأقباط يتمتعون في مصر 'مبارك' بمقادير من النفوذ والقوة والسلطان السياسي والاقتصادي والاجتماعي لم يسبق لهم أن تمتعوا بمثلها. والبابا نفسه له كلمة نافذة مسموعة لم يتخيل أحد أن تكون لممثل أقل من 6 % من السكان في مواجهة الذين يشكلون أكثر من 94 % من السكان. والذي حدث وكررت الحديث عنه في واقعتي وفاء قسطنطين وماري عبد الله كفيل بأن يؤكد ما أقول. والذي يحدث في كل أنحاء البلاد من بناء الكنائس القلاع في الوقت الذي تشترط فيه شروط معجزة لبناء المساجد، والذي يعرفه الخلق جميعا من حرية الكنيسة في اتخاذ دورها مدارس وملاعب ونوادي  وفصول تعليم ومستوصفات ومشاغل، وهي مفتوحة للعبادة والاعتراف وسائر أنواع النشاط، دون أي قيد حكومي أو أمني علي كهنتها وشعبها، 24 ساعة يوميا و365 يوما سنويا في الوقت الذي تغلق فيه المساجد بعد الصلاة بربع ساعة وتفتح قبلها بعشر دقائق، ولا يسمح فيها بأي نشاط إلا الدروس الرسمية لموظفي الأوقاف.. ويخضع داخلها وخارجها ويخضع خطباؤها وروادها لرقابة أمنية مكثفة.. هذا كله يؤكد مدي النفوذ الذي بلغته الكنيسة القبطية وسائر الكنائس الإنجيلية والكاثوليكية مقارنة بمؤسسة العبادة للأغلبية التي أصبحت شبه مغلقة في وجوه أصحابها إلا سويعة من النهار والليل معا.

وحين يكون هذا هو الحال فإن دور الضحية لا يليق أن تقوم به القيادات الكنسية، ولا يجوز أن تهراق له دموع البابا الذي هو أدري الناس بما تحقق له من نفوذ وسلطان في ربع القرن الذي أدار فيه شئون الكنيسة.

ولعب دور الضحية يزيد شعور المسلمين بالقهر، وينفخ لدي العوام في نار الغلو والرغبة في الانتصار لأنفسهم ودينهم من كل قول أو فعل تبدو فيه استهانة بشيء من ذلك أو إهانة له. وهو لذلك دور يجب الحذر من الاسترسال فيه والاستمساك به لأن عاقبته وخيمة لن يحتملها أحد، لا الضحية الحقيقية ولا الضحية المدعي..

*** 

*** 

بالنسبة لي فقد أعدت مشاهدة القرص لأستوثق.. ولم أستطع أن أستوعب قرار النائب العام رغم كل الاحتمالات، ثم خطر ببالي أن تكون الشرطة قد زيفت الحقائق أمامه، فقررت أن أبادر بعرض خدماتي عليه.. فإن كانت النيابة لم تحقق في الأمر لعدم وجود بلاغ فليعتبر هذا المقال بلاغا.. و إن لم يقبل بمقال كبلاغ فسوف أتوجه إلى دار القضاء العالي لأقدم البلاغ إليه.. وسوف أرفق بالبلاغ القرص المدمج الذي يحتوي على المسرحية ، لعله لم يشاهده.. ولعله.. ولعله.. ولعله..!!

إن القرص المدمج لا يحتوي على مسرحية مكتوبة  بل على مسرحية تمثل .. فهناك من يقدم.. وهناك صوت.. وهناك ممثلون لهم وجوه لها ملامح ولهم حناجر لها أصوات. وعلى الشاشة تظهر أسماء المتهمين. و إن كان الأمر كما نبحت حيوانات بلا ضمير يعود إلى تزوير في القرص المدمج فإننا نتساءل : إذا أمكن تزوير الصوت وتقليده فكيف يتم تزوير الصورة؟! الصورة المتحركة لعشرات يمثلون؟.. كيف يمكن تزييفها ودسها ؟!

كيف يمكن تزوير أصوات وأشكال 49 مجرما اشتركوا في تمثيل المسرحية الساقطة.. هذا غير الساقطين الذين أشرفوا عليها.. 

49 مجرما لم نسع نحن إلى حصرهم  ولكن من البداية فإن  الكتابة على الشاشة تقول:

كنيسة مار جرجس الأنبا أنطونيوس بمحرم بيك

كورال مار جرجس والأب أنطونيوس

نال هذا العمل بركة صوت قداسة البابا شنودة.

تم هذا العمل تحت رعاية كل من أبونا أوغسطينوس فؤاد و أبونا أنطونيوس فهمي..

نال بركة هذا العمل:

مينا جمال- فادي عياد- أندرو نجيب-

بيتر بيتل- مايكل ماهر- نجيب ماهر-

 نادر زكري- جون إتيل- مينا صبحي-

 بوساب عاطف- صبحي كمال- كيرلس كمال-

 مينا عادل- إيليا مينا إدوارد- ماجد مقار-

 أندرو سمير- روبير غطاس- فادي منير-

 أندرو أمجد- جورج سامي- فادي وصفي-

 بيتر جورج- جرجس لمعي- بيتر ألبير-

 مينا جرجس- مرقص هنري كيرلس نجيب-

 مينا نبيل- مينا نسيم- مينا عزت- مارك جيل-

 بيشوي مجدي- جورجيوس سمير- ريمون وديع-

 فادي فاروق- عماد فيكتور- أرساني القس- 

جون سامي- مينا عطية- كيرلس صبحي-

 مينا مجدي فائق- مينا طلعت- فادي وجنة-

 عماد عزت- مايكل جميل- مايكل عطية- 

مينا ميشيل- عماد سمير- عادل نصيف.

فريق التمثيل حسب الظهور:

جوزيف سامي- مارك سمير- مايكل مقار- 

مينا عبد الوهاب- أمجد فؤاد-

 بيتر القس أوغسطينوس-  جاكلين متري- 

سحر ماهر- جورج ناجي- مينا عادل عزيز-.

الموسيقى والتوزيع الموسيقي:

مينا ميخائيل.

أعمال الديكور:

 م/ نورة طلعت - م/ مايكل سمير- - ماريان سمير-

 ماريان حليم- ماري فؤاد- مارسيل فؤاد-

 ميرا عادل- جوستينا زكي- سالي عادل- 

ماري إيهاب- ماريان ماهر- كريستين إدوارد.

كتابة الترانيم بالكمبيوتر: سيلفانا إميل

صوت روك ساوند: أسامة لبيب.

إضاءة : أمير نسيم – سعد آدم..

أعمال الجرافيك والفيديو كليب: مركز الكمبيوتر بالكنيسة.

تم التصوير والمونتاج بوحدة فوتو ميشيل

مصور صحفي  ميشيل نبيل 4962062/0123605003

*** 

لقد عرض عليّ أحد خبراء الكمبيوتر أن أقدم لسيادتكم صورة لكل ممثل أو أن أنشرها على الشبكة لكي يستطيع أهل الإسكندرية الإرشاد عنهم، لكنني قدرت أن سيادتكم ستكتفون بالأسماء.

*** 

ملحوظة أخرى أقولها لعلها تفيد السيد النائب العام في التحقيق..

ذلك أنه يوجد بجوار الكنيسة مباشرة مسجد ( مسجد أولاد الشيخ) ، وقد كانت المسرحية تعمل أثناء أداء الصلاة، لذلك تسمع في الخلفية صوت المؤذن ثم صوت الإمام.. وهذه قرينة لا يستهان بها..

فإن عجزت يا سيادة النائب العام بعد هذا كله أن أقنعك برأيي ، وإذا كنت مصرا على أن هذا القرص المصطنع مزور ومدسوس، فإنني أرجوك أن تسمع رأيي في ذلك، لأن هذا القرص إن كان مزورا فلا يمكن لأحد أن يزوره إلا مباحث أمن الدولة..

فإن كان القبض على الكهنة الساقطين الذين باشروا عرض هذه المسرحية الساقطة مستحيلا..

و إن كان القبض على رئيس مباحث أمن الدولة صعبا..

فإنني أرجوك .. 

أن تأمر بالقبض عليّ أنا!!..بتهمة البلاغ الصادق وتكدير النائب العام!!

*** 

**** 

** 







***


حاشية 1

حجب

قامت الأجهزة السعودية بحجب موقعي.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. وحسبنا الله ونعم الوكيل..

لا أملك للإخوة الذين يستغيثون بي شيئا إلا محاولة إرسال المقال لهم فردا فردا.. لكنني أتمنى على قارئ يجيد كسر البروكسي أن يشرح للقراء طريقة دول المواقع المحجوبة..

***

حاشية 2


القرضاوي ومحمد اسماعيل 


في المقالة الماضية كتبت عنهم، وكان رد الفعل في عمومه متفهما ومؤيدا، ولكنني فوجئت  بالبعض الذين أساءوا فهم ما كتبت.. فالبعض ظن أنني أنقض بنيانا لإسلام و أهده  فبارك ذلك ، وما إلى هذا قصدت، والبعض بدا كما لو كان يمنحهما العصمة ويرفض توجيه أي نقد لهما، وذلك مرفوض، فكلٌ يؤخذ منه ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهنا أكرر أنني من أكثر الناس إعجابا بهما وتقديرا لفضلهما.. لكنني في نفس الوقت من أشد الناس مناصحة لهما وتقويما لأخطائهما بقلمي ( ورحم الله من كان يبارك تقويم عيوبه بالسيف) خاصة عندما يتعلق الأمر بالمجاهدين. وغفر الله لنا جميعا.

لكنني أعترف للقراء أن صدري قد ضاق باثنين من أتباع الدكتور محمد إسماعيل، فأحدهما أخذ يردد طول الوقت أنه لن يدخل في الموضوع لأنني من ناحية الشكل لم يكن يصح أن أدخل بيت الدكتور محمد إسماعيل ثم أنتقده. ومن الواضح أن أخانا لم يقرأ المقال أصلا.. لأنني ذكرت بوضوح شديد أن الحوار الذي دار قد حدث بيني وبين عالم آخر غير الدكتور محمد إسماعيل.. بل وذكرت أن مجموعة من الأصدقاء تمنوا علىّ زيارته لكن الفرصة لم تسنح والوقت لم يسمح. كان هذا مكتوبا بوضوح لكن الرجل أخذ يدور على المنتديات منددا ومهاجما .

الشخص الثاني كانت واقعته أشد و أنكى و إن كان يخفف منها أنها تثير الضحك. لقد كان موجودا أثناء الحوار مع الشيخ الجليل الذي دار الحوار معه، و إن كنا قد ابتعدنا عنه أثناء الحوار في غرفة أخرى. واعتبر هذا أن ما لم  يسمعه من الحوار لم يدر أصلا و أخذ يندد بذلك.

وكنت قد قلت – حزينا – أن رعب الشيخ الجليل من الملاحقة الأمنية جعلني أتخيل أن هناك ضابط أمن دولة يختبئ خلف الستائر يسجل عليه ما يقول كي يحاسبه عليه غدا..

ذلك الشخص الثاني راح يدور في المنتديات مؤكدا أنه حضر الحوار بنفسه، و أنه كان قريبا جدا من الستائر، و أنه يستطيع أن يؤكد أنه لم يكن هناك ضابط أمن دولة يختبئ خلف الستائر..

و..

و..

و.. ناقشني ألف عالم فغلبتهم وناقشني جاهل واحد فغلبني..

لكن ما أقلقني هو تدله البعض في تقديس شيخه..

ومرة أخرى أعبر عن إعجابي الشديد بشيخينا.. وانتقادي الشديد لموقفيهما من المجاهدين.

***


حاشية 3


تحية


تحية من الأعماق للشباب الذي غضب لدينه فلم يطأطيء رأسه عندما طأطأ الكبار رؤوسهم.

***


حاشية 4


هيكل


أتعرض كثيرا لمحمد حسنين هيكل، بالإعجاب أحيانا وبالنقد والإدانة معظم الأحيان، إلا أنني في كل المرات والأحوال كنت أتابعه باهتمام .. حتى لو كنت سأنقض غزله و أكشف أكاذيبه أو أستفيد من معلوماته..

في الأسبوع الماضي كانت المرة الأولى التي أشعر فيها بالاشمئزاز و أنا أسمعه يتحدث عن سبب الهزيمة في إحدى المعارك عام 48.. عندما – طبقا لروايته- جامل القائد المصري زميله السعودي فأشركه في معركة كان الجيش المصري قد كسبها بالفعل.. ولكن تدخل السعوديين أدى إلى انقلاب نتيجة المعركة فاستعاد اليهود الموقف الذي كانوا قد خسروه.. أما السبب فهو أن أحد اليهود المختبئين استسلم رافعا يديه.. فحملوه إلى القائد السعودي.. ورغم أنه أسير فقد ذبحه القائد السعودي.. فغضب اليهود وعادوا فاحتلوا الموقع..

يا له من كذب ويالها من خسة..

كيف احترمت هذا الرجل ذات يوم..

من الواضح أن الرواية تأليف و إخراج وسيناريو الموساد.. أما الممثل أو المؤدي فهو محمد حسنين هيكل..

دعنا من موقف الإسلام من الأسرى.. ودعنا من المرجع الذي لم يقله لنا هيكل ( أغلب الظن أنها مذكرات يهودية) بيد أنه قال للإخفاء أنه كان حاضرا دون أن يتورط في مزيد من الكذب بالقول أن شاهد بعينيه..

دعنا من أن السعوديين فعلوا ذلك أم لم يفعلوه..

دعنا من ذلك كله..

وسنفترض أن رواية هيكل صحيحة..

فهل ذبح الضابط السعودي أسيره اليهودي على شاشة التلفاز فرآه جميع اليهود الفارين والذين كانوا قد هزموا فعلا فعادوا للانتقام..

الرواية ساذجة.. وتأليفها سبق حدوثها.. تماما كرواية أسلحة الدمار الشامل.. وكرواية ميليس..

وهي تصب في نفس الاتجاه الصليبي في ازدراء العرب المتوحشين الهمج..

نفس المنهج الصليبي الذي يقطر من حلقات هيكل.. وتجنبه ذكر  أي دور للإسلام والمسلمين.. حتى في حرب فلسطين.. حتى وهو يتحدث عن معارك خاضوها وقواد قادوها..

الخط العام للحلقات حتى الآن:

- ليس للإسلام أو المسلمين أي دور سوى الهمجية والوحشية والتخلف..

- أمريكا عظيمة جدا.. وقد كانت ضد إنشاء إسرائيل لولا خيبة العرب وجهلهم وقصورهم ( لا ذكر على الإطلاق بالطبع للتحالف الصهيوني البروتستانتي.. ولا أن أمريكا كانت ستسمى إسرائيل بسبب التأثيرات التوراتية لولا أن التصويت بين الاسمين : إسرائيل أو أمريكا قد أسفر عن فوز الأخير بصوت واحد)..

- السودان لا يصلح أبدا أن يكون وطنا واحدا.. إنه في الحقيقة أربعة..

- عدو الإسلام أحمد لطفي السيد هو المثل الأعلى..

- عميل الداخل والخارج الصليبي العفن سلامة موسى.. لم ينل حقه من التقدير..

- طالباني الكافر صديقه الحميم..

هذه هي توجهات هيكل وخطوطه الرئيسية..

فلماذا لم يمنحوه إذن جائزة نوبل؟!..

(حاشية على الحاشية: علاء الأسواني ينهل من نفس المنهل.. مع الاعتذار لهيكل)


***

حاشية 5


علاء بدلا من جمال!!


سعدت سعادة بالغة في زمن لم يعد فيه إلا سعادة مزيفة.. سعدت عندما قرأت أن أحمد نظيف صلى الجمعة اليتيمة نائبا عن الرئيس مبارك..

كان مبعث سعادتي هو أنني ظننت ليس أنه لا يقيم الصلاة فقط.. بل أنه لا يستطيع أداءها أيضا، و أن مجرد السجود والركوع والجلوس للتحيات المباركات بالنسبة له محنة.. تمنيت لو أنني رأيته يصلي.. لكنني كنت مشغولا بالصلاة .. من المؤكد أن المشهد كان ممتعا.. لم يقلل سعادتي إلا سؤال حائر.. سؤال حقيقي يدمي قلبي.. والسؤال هو: هل يصلي الرئيس مبارك بعيدا عن شاشات التلفاز التي تكون الصلاة فيها للناس لا لله؟!.. 

وهل يصلى جمال.. الرئيس المقبل؟!..

إحقاقا لحق يجب ألا يغمط بين الناس فقد سارت الركبان بأن علاء مبارك يصلي..

فهل تغير القوى الإسلامية مجهودها الضائع في المطالبة بعدم التجديد أو التوريث إلى مجهود يمكن أن يجدي.. بأن نتوسل إلى سيادة الرئيس أن يستخلف علينا علاء لا جمال..

لكن..

إذا رضي الرئيس مبارك..

فهل يرضى الرئيس بوش؟!.. 

***

حاشية 6


متى توفق رئاسة الجمهورية أوضاعها..

دهشت من مهارة الأستاذ إبراهيم نافع في الاستثمار والتنمية.. ففي عشرين عاما نمت ثروته من ثلاثة آلاف جنيه إلى ثلاثة مليارات جنيه.. لقد ضاعف ثروته مليون مرة.. دعنا من مشاعر الإعجاب والحسد.. ودعنا من مدى تسامح  السلطة وهي تعتبر ذلك شأنا داخليا للصحافة عليها أن توفق أوضاعها فيه.. ذلك لا يهمني.. ما يهمني هو تساؤل آخر يكاد الفضول يقتلني لأعرف الإجابة عنه.. والسؤال يقول: إذا كان إبراهيم نافع قد استطاع بهدوء أن ينمي ثروته مليون مرة.. فكم مليون مرة ضاعف الرئيس مبارك – شخصيا- ثروته.. وكم مليون مرة ضاعفت العائلة ( الشريفة ) ثروتها.. وكم مليون مرة ضاعف من هم أقرب و أهم من نافع ثرواتهم..


***


حاشية 7

رحم الله أنور السادات..


كنت أبغضه في الله كثيرا.. والآن كلما رأيت الرئيس مبارك ترحمت عليه ( على السادات لا مبارك)..

في ليلة القدر كان مبارك يتلو آيات شيطانية  من سفر العلمانية مثل: الدين لله والوطن للجميع..

وكان أيضا يقول: أن أحدا لا يملك حق الزعم باحتكار الدين‏, ( ورددت في نفسي ساخرا: ولا حتى بوش؟!) ولكنه واصل القول: ‏ وما من جماعة تملك الزعم بأفضلية خاصة أو مرتبة أعلي‏,‏ ورددت وقد انتقل الجمر الذي كانت أصابعي تقبض عليه إلى قلبي: أما زال من حقنا أن نتلو: " كنتم خير أمة أخرجت للناس".. أو " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه" .. أو: " لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ".. 

هل ما زال من حقنا أن نفعل..

أم سيقرر علينا حكامنا – بوحي من بوش – أن نتلو الفرقان الأمريكي..

صرخت: رحم الله أنور السادات..

ففي لحظة مماثلة.. ثارت نخوة الرجل وكرامته  وعاطفته ليصرخ: فليعلموا أنني رئيس مسلم لبلد مسلم..

رحمه الله..

رغم كل عيوبه كانت لدية بعض كرامة.. وبقايا نخوة.. وآثار رجولة.. وذرات شرف..

رحمه الله رحمة واسعة..

***










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق