الثلاثاء، 15 فبراير 2022

المساواة والتمكين| هل تنجح النسوية العالمية في قيادة العالم؟ (8)

 المساواة والتمكين هل تنجح النسوية العالمية في قيادة العالم؟ (8)

تعمل جمعية حقوق المرأة في التنمية في 180 دولة، ولها أكثر من 6 آلاف عضو من الأكاديميين والأعمال وصانعي السياسات

محمود عبد الهادي

ذكرت الموسوعة البريطانية في تعريفها للنسوية أن المرأة كانت معظم التاريخ الغربي محصورة في مجال المنزل، بينما كانت الحياة العامة مخصصة للرجال، وفي أوروبا العصور الوسطى حُرمت النساء من حق التملك أو الدراسة أو المشاركة في الحياة العامة، وفي نهاية القرن 19 كانت النساء في فرنسا مضطرات لتغطية رؤوسهن في الأماكن العامة، وفي أجزاء من ألمانيا كان للزوج الحق في بيع زوجته، ولم يكن بإمكان النساء التصويت أو شغل مناصب انتخابية في أوروبا وفي معظم الولايات المتحدة، كما مُنعت النساء من مزاولة الأعمال من دون ممثل ذكر، سواء كان الأب أو الأخ أو الزوج أو الوكيل القانوني أو حتى الابن.

كيف تحولت الحركة النسوية بعد ذلك لترفع سقف مطالبها، وتحولها تدريجيا إلى منظومة فكرية متكاملة، تتجاوز حدود المساواة الدستورية مع الرجل في الحقوق والواجبات، وتتجاوز حدود الجغرافيا الغربية، لتصبح حركة عالمية تسعى إلى تغيير النظام الاجتماعي للبشرية والهيمنة عليه؟

وكما أوضحنا سابقا، كانت هذه الأوضاع الدافع الرئيسي لانطلاق الموجة الأولى من الحركة النسوية، التي تنامت في أوروبا والولايات المتحدة، للحصول على حق المرأة في التعليم والانتخاب والترشح، ورفع الظلم الاجتماعي عنها. ولكن كيف تحولت الحركة النسوية بعد ذلك لترفع سقف مطالبها، وتحولها تدريجيا إلى منظومة فكرية متكاملة، تتجاوز حدود المساواة الدستورية مع الرجل في الحقوق والواجبات، وتتجاوز حدود الجغرافيا الغربية، لتصبح حركة عالمية تسعى إلى تغيير النظام الاجتماعي للبشرية والهيمنة عليه؟

بحثًا عن القوة

تصاعد نشاط الحركة النسوية بصورة لافتة في النصف الثاني من القرن الماضي، واتسعت دائرة مطالبها، وازدادت قدراتها على تحقيقها، بهدف امتلاك جوانب القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمكنها من المساواة مع الرجل، بعيدًا عن سلطة الدين أو العرف؛ فالنساء يمثلن نصف سكان الكرة الأرضية، ومن حقهن مقاسمة الدور الذي يقوم به الرجل في الحياة، بل وتنحيته عن هذا الدور باعتبار ما سبق وقام به طيلة المرحلة السابقة من فجر التاريخ. وبالتالي ينبغي النظر إلى مطالب الحركة النسوية بعيدًا عن مقاصدها الظاهرية المخادعة المغلفة بالنبل والعدالة والمساواة، ولكن بوصفها ركائز أساسية لامتلاك أنواع القوة التي تمكنها من الهيمنة وفرض الإرادة، أيا كانت النتائج.

فمع انطلاق الموجة الثانية من النسوية مع ستينيات القرن الماضي، تمّت إعادة صياغة المطالب، ووضعها في أطر منهجية علمية تفصيلية، وتبعتها تحركات تدريجية واسعة لحمل المؤسسات الحكومية والمدنية والمؤسسات الدولية على تأييدها وتبنّيها، وعلى رأس هذه المطالب ما يأتي:

  1. المساواة بين الجنسين

لا تقف مطالب الحركة النسوية عند المساواة بين الجنسين، بمعناها البسيط، المتمثل في الحقوق والواجبات الدستورية، وإنما يتسع مفهومها ليشمل مختلف جوانب الحياة، بصورة ندّية لم يسبق لها مثيل، ولم ترد في أدبيات ومطالب الموجات المبكرة للحركة النسوية، تحت شعار "دعونا نزيل التباين بين أدوار الجنسين من الأساس".
ومن مجالات المساواة التي تطالب بها الحركة ما يأتي:

  • المساواة الكاملة على أساس النوع الاجتماعي، وليس على أساس الاختلاف في الأعضاء التناسلية، فهذه ليس لها اعتبار.
  • المساواة في الفرص التعليمية في كافة المجالات من دون استثناء.
  • المساواة في العمل في كافة المجالات من دون استثناء.
  • المساواة الكاملة في الأجور والامتيازات.
  • المساواة الكاملة في تفاصيل الحياة الأسرية من دون استثناء؛ في الميول الجنسية، وقرار الإنجاب من عدمه، وتربية الأطفال، والتناوب على أعمال البيت، والنشاط الاجتماعي، وغير ذلك من الأعمال المنزلية.
  • المساواة في الاستقلالية الاقتصادية، وامتلاك المرأة مصادر الدخل الخاصة بها، وتمتعها بالتصرف بها على النحو الذي يناسبها، وامتلاك الحسابات البنكية، وبطاقات الائتمان، والاستقلالية في الشراء والبيع والمضاربة والقيام بكافة أنواع العمليات التجارية والاستثمارية، وفي التملك، والتفويض، وإبرام العقود وفسخها.
  • المساواة في السلوك الشخصي، وإقامة العلاقات، والتنقل، وممارسة كافة الأنشطة في كافة الأوقات.
  • المساواة في حرية التعامل مع الجسد من دون حياء ومن دون اعتبار للنوع الجنسي.

ينبغي النظر إلى مطالب الحركة النسوية بعيدا عن مقاصدها الظاهرية المخادعة المغلفة بالنبل والعدالة والمساواة، ولكن بوصفها ركائز أساسية لامتلاك أنواع القوة التي تمكنها من الهيمنة وفرض الإرادة، أيا كانت النتائج المترتبة على ذلك.

2. تمكين المرأة

أي تمكين المرأة من كافة المواقع القيادية في كافة المجالات وعلى جميع المستويات، على قدم المساواة مع الرجل، ومن دون استثناء، في رأس الدولة، ورئاسة الوزراء والبرلمانات والمؤسسات والهيئات والمنظمات، في مجالس الإدارة، والإدارة العامة، والإدارة التنفيذية، في الجيش والشرطة والسلك الدبلوماسي، والطيران والصناعة والزراعة والتجارة والاستثمار والتعليم والصحة، والبناء والطرق، وغيرها من المجالات. وتعتقد "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" أن إدخال المرأة في القيادة يساعد على حل الأزمات، وإحلال السلام، وتعزيز الاستقرار، وحماية المجتمعات المتضررة من تغييرات المناخ.

3. إنهاء العنف والتمييز

إنهاء العنف والتمييز الذي تعاني منه المرأة بكافة أشكاله، خاصة التمييز على أساس النوع الجنسي، والمطالبة بتمكين المرأة من ممارسة حقها في اختيار النوع الجنسي الذي تريده، وشريك الحياة الذي ينسجم مع ميولها الشهوانية، بغض النظر عن كونه ذكرا أو أنثى، وفي هذا الإطار تدعم الحركة النسوية العالمية الاتجاهات النسوية المثلية، وتؤيد مطالبها، وتوعية المجتمع بحقوقها، وضرورة قبولها والتعايش معها، بل وتعمل بلا هوادة على سن القوانين والتشريعات التي تحميها من ردود أفعال الأفراد والمجتمعات الرافضة.

4. هدم بناء النظام الأبوي وبناء النظام النسوي

تعتقد الحركة النسوية أن المجتمع البشري خضع للنظام الأبوي الذي يديره الرجال منذ فجر التاريخ، وأنه آن الأوان لتقويض هذا النظام الذي أذاق المرأة كافة أشكال الظلم والعنف والتمييز والاضطهاد، وملأ العالم اضطرابا وعدوانا وتقتيلا، وإحلال النظام "النسوي" مكانه، ليعم السلام والاستقرار ويسود العدل والمساواة. ومن أجل ذلك تنصح "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" النساء والفتيات قبل الخروج من البيت بألا تنسى الكمامة والمفاتيح والمحفظة والموبايل وقائمة تفكيك الأبوية التي تنص على ما يأتي:

  • ارفعي صوتك بالمساواة على أساس النوع.
  • تعرفي على حقوقك.
  • لتدعم إحدانا الأخرى.
  • مقاومة التصورات النمطية.
  • أوقفي الخجل من الجسم.
  • حاربي الذكورية السامة.
  • شاركي في عبء العمل.
  • لا تكوني متسامحة.
  • علّمي الجيل القادم.

وفي هذا السياق، قامت الهيئة بالترويج لمقولة رائدة النسوية الفرنسية والعالمية "سيمون دي بوفوار" (1908-1986)، بمناسبة ذكرى ميلادها الشهر الماضي، التي تقول فيها "ليست المسألة قيام النساء بنزع السلطة من الرجال، ولكنها بالتحديد تدمير ذلك المفهوم للقوة".

5. عولمة النسوية بين الجنسين

بالعمل على تعبئة النساء والفتيات بصورة متواصلة، وعن طريق العديد من الأنشطة المتنوعة، لتبني مبادئ وأهداف الحركة، ونشرها والترويج لها، وكسب المزيد من المؤيدين لها والمتعاطفين والمتفاعلين معها. وتغرّد هيئة الأمم المتحدة للمرأة في 23 يناير/كانون الثاني الماضي قائلة "علموا أطفالكم النسوية". وكذلك العمل على تعبئة الرجال والشباب والفتيان لمناصرة الحركة النسوية، وتبني أفكارها وقيمها وسلوكياتها، والوقوف إلى جانبها ومساعدتها على تحقيق أهدافها، والتكامل مع المرأة على تنشئة الأجيال القادمة على هذه الأفكار والقيم والسلوكيات.

ومع مرور السنوات، وتعاقب الموجات النسوية، توالت النجاحات والمكتسبات والإنجازات، وبدأت الحركة النسوية العالمية تتطلع إلى اليوم القريب القادم الذي تمتلك فيه أسباب القوة، وصولا إلى قيادة العالم. وإجابة عن السؤال الذي طرحناه في بداية المقال، ومعرفة من الذي وقف وراء هذا التحول في مطالب النسوية، والأسس الفكرية التي انطلقت منها، بحثنا مرارا وتكرارا في بحور المعرفة والمعلومات إلى أن تمكنا من الوقوف على ذلك، مما لم يكن يخطر على بال، وهو ما سنتناوله في مقالنا القادم بإذن الله.

يتبع…






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق