البلاشفة العرب: الانقلاب الضرورة والاحتلال الضرورة
وائل قنديل
أخرج العدوان الروسي على أوكرانيا عيناتٍ مختلفة الأحجام والأشكال من "البلاشفة العرب" الذين كانوا ينتظرون الفرصة ليرتدوا الأحمر، ويهتفون "لبيك روسيا .. لبيك بوتين".
مسألة الاحتياج الروسي الأراضي الأوكرانية، وإعمال آلة القتل والتدمير في الشعب الأوكراني، لا تحتاج إلى كثير من الأدلة والمعلومات، لكي يتخذ كل ذي عقل وضمير موقفًا أخلاقيًا منها، فهذا جنرال مخابرات روسي، يمتلئ هوسًا بأحلام إمبراطورية قيصرية، قرّر أن يغزو بلدًا مستقلًا ويقهر شعبًا حرًا، لكي يخضعه بالقوة العسكرية لنفوذه، ويلحقه بإمبراطوريته المتخيلة.
بموازين العدل والضمير والحس الإنساني الفطري، هذه عملية اغتصاب دولة واحتلالها والاستيلاء على أراضيها ومواردها الطبيعية، ما يجعلها جريمة كاملة الأركان، تستوجب الإدانة المطلقة، من دون التوقف عند أن أرشيف رئيس الدولة المعتدى عليها يتضمّن مواقف منحازة للاستعمار الصهيوني لفلسطين، أو أنه كان ممثلًا كوميديًا سابقًا، فالاعتداء ليس على رئيس أوكرانيا، وإنما هو على الدولة الأوكرانية وشعبها وسيادتها على أراضيها.
الانتهازية ذاتها تجلّت في تأييد معظم هذه النخب لجرائم بشار الأسد، المدعومة بالوجود العسكري الروسي المباشر، ضد ثورة الشعب السوري، بزعم الانحياز إلى ما يوصف بهتانًا معسكر المقاومة والممانعة، من دون أن يأخذ هؤلاء في الاعتبار أن الكيان الصهيوني أشدّ حرصًا منهم على عدم سقوط طاغية سورية، بالتنسيق مع بوتين، لتأتي اللحظة الراهنة، فتجد داعمي جرائم بشار هم مؤيدو جريمة بوتين في أوكرانيا، وكأن لسان حالهم يقول: مع الديكتاتورية وضد الحرية في كل مكان، وفي أي وقت، حتى لو كانت آثار صفعات هذه الديكتاتورية لا تزال ظاهرة على وجوههم حتى اليوم.
من التطوّع لخدمة "انقلابات الضرورة" في بلدانهم العربية، إلى التنظير والحشد من أجل "الاحتلال الضرورة" في أوكرانيا، يتحرّك هؤلاء في سياق منطقي للغاية، ومن ثم لا تدهشني أفعالهم أو ردّات فعلهم على الإطلاق، لكن الدهشة الحقيقية تأتي حين تجد جمهرة ممن أنفقوا واستثمروا في الجهاد ضد الغزو السوفييتي لأفغانستان في القرن الماضي، وقد اتخذوا الآن مواقف تبدو متواطئة، أو بالحدّ الأدنى تبريريةً للاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق