آثار فتح القسطنطينية على العسكرية العثمانية
– فتح القسطنطينية كان إيذانا بنشوء نظام عالمي جديد بعد أن أطاح العثمانيون بالإمبراطورية البيزنطية العتيقة…
– ارتفعت سمعة العسكرية العثمانية إلى عنان السماء بعد الفتح، وزاد اهتمام الغرب بالخطط والتكتيكات والوسائل الحربية العثمانية التي ظهرت أثناء الحصار..
– تمكن العثمانيون على إثر هذا الفتح من الربط بين الأراضي العثمانية القديمة في آسيا الصغرى والممتلكات الجديدة في أوروبا
كان لفتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح عام 1453م، دويّ هائل في العصور الوسطى، إذ بسقوطها بدأ العالم في التحول إلى نظام عالمي جديد، عندما أطاحت الدولة العثمانية بالإمبراطورية البيزنطية إحدى أبرز القوى المؤثرة في العالم بذلك الوقت، وكان إيذانا ببزوغ فجر قوة عسكرية أخرى يهابها الشرق والغرب.
يقول المؤرخ التركي يلماز أوزتونا في تاريخ الدولة العثمانية: “يعتبر فتح إسطنبول أكبر حدث في التاريخ التركي، فقد بشر ذلك الفتح بصورة قطعية بأن تركيا سائرة في طريق الدولة العظمى، والمعروف أن الفتح هو نهاية القرون الوسطى وبداية القرون الحديثة”.
ومن أكثر المجالات تأثرًا بهذا الفتح، العسكرية العثمانية، والتي ظهر بريقها بعد المعارك الطاحنة التي خاضها العثمانيون لفتح المدينة المنيعة، فارتفعت السمعة العسكرية لهم عن ذي قبل.
وقد أسهم في ذيوع صيت العسكرية العثمانية، ما تناقله المؤرخون البيزنطيون واللاتينيون الذين عاصروا الفتح من الخطط والوسائل الحربية التي ظهرت أثناء الحصار، ومن ذلك خطة تسيير السفن على البر، حيث نقل العثمانيون في ليلة واحدة السفن من مرساها في بشكطاش إلى القرن الذهبي، بجرها على الطريق البري بين المينائين.
وتم ذلك مع أن المسافة الواقعة بينهما تقدر بحوالي ثلاثة أميال، وهي أرض ليست ممهدة، بل كانت مرتفعات وتلالا تعلو وتنخفض وتتعرج، فقاموا بتسوية الطريق وتمهيده، وصف الألواح الخشبية ودهانها بالزيت والشحم، ثم تزليق السفن على الألواح بعد نشر أشرعتها، ثم جرى سحب السفن إلى المضيق وإنزالها في مياه القرن الذهبي وسط جو من الذهول خيم على البيزنطيين.
ومن ذلك أسلوب حرب الأنفاق الذي اتبعه الفاتح، فلقد فوجئ سكان القسطنطينية بسماع ضربات قوية تحت الأرض، ما دفع الإمبراطور إلى أن يجمع خيرة مهندسيه لينظروا في أمر تلك الأصوات، فأدركوا أن المسلمين يحفرون أنفاقًا تحت الأرض بهدف التسلل من خلالها إلى داخل المدينة، فأمر بحفر نفق تجاه نفق المسلمين، وظلوا ينتظرونهم حتى يخرجوا،
ولما رأى العثمانيون الفجوة التي حفرها البيزنطيون ظنوا أنهم اهتدوا إلى طريق يمكنهم من بلوغ المدينة، وما إن أبصروا النور في نهاية الحفر حتى سقط كثير منهم شهداء، فلقد كانوا على موعد مع المواد الحارقة المهلكة يصبها عليهم البيزنطيون.
ومن الأدوات التي زادت من سمعة العسكرية العثمانية، المدفع السلطاني الكبير، والذي عمل عليه جمعٌ كبير من المهندسين والصناع والعمال يعملون على قدم وساق، والسلطان بنفسه يشرف على خطوات الإنشاء والصناعة.
وبعد أيام طوال من العمل الدؤوب كان السلطان على موعد مع أضخم مدفع عرفه التاريخ آنذاك، تبلغ زنة قذيفته 1500 كيلو غرام، ويسمع صوتها من مسافة ثلاث عشر ميلًا، كان له دور فعال في إحداث ثغرات في أسوار القسطنطينية المنيعة وإنزال الرعب في قلوب البيزنطيين.
لقد بلغ الأمر إلى أن الجيوش الأوروبية تدارست الخطط والتكتيكات الحربية للعثمانيين بعد الفتح، وكيفية حصار واقتحام المدن، ووصل حد إعجابهم بالفرق الإنكشارية إلى أنهم قاموا بتشكيل فرق مشابهة.
وكان من آثار فتح القسطنطينية على العسكرية العثمانية، السيطرة على ضفتي مضيق البوسفور، والربط بين الأراضي العثمانية في آسيا الصغرى، والأراضي التي ضمتها الدولة العثمانية حديثا في قارة أوروبا، وهو ما أدى بدوره إلى تحسين أوضاعهم الاستراتيجية والسيطرة الكاملة على طريق التجارة الذي يؤدي إلى البحر الأسود.
ومن آثار فتح القسطنطينية، تعزيز جهود نشر الإسلام في أوروبا، إذ أن الفتح شجع العثمانيين على استكمال طموحاتهم العسكرية والالتفات ناحية بقية خصومهم والأخذ في التوسع الجغرافي للدولة العثمانية، ما أدى إلى تمكن الدولة من نشر الإسلام في أوروبا نتيجة الانتصارات المتتالية للجيوش العثمانية، والتي وصلت إلى فيينا ومحاصرتها مرتين.
ومن الآثار الظاهرة لفتح القسطنطينية على العسكرية العثمانية، تعاظم اهتمام العثمانيين بالقوات البحرية لتكون متوافقة مع القوة البرية الجبارة في الفتوحات الجديدة، حيث ظهر خلال أحداث فتح القسطنطينية قصور البحرية العثمانية مقارنة بالبحرية البيزنطية، ما جعل الدولة تولي اهتماما فائقا بالقطع البحرية.
ومن يتتبع مسار المعارك البحرية للدولة العثمانية بعد الفتح، سيدرك ازدياد نشاط الأسطول البحري بشكل قوي، على سبيل المثال: هجوم الأسطول البحري العثماني على جزيرة رودس التابعة لفرسان القديس يوحنا عام 1455م، كما خاض الأسطول معركة بلجراد عام 1456م، وبعدها تمكن الأسطول من فتح قسطموني وسينوب على ساحل البحر الأسود عام 1460م، ثم المساهمة القوية للأسطول في فتح طرابزون عام 1461م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق