البحث عن شعبٍ يليق بمقام الضباط
عبد الحكيم حيدر
شعبٌ مرفوع الرأس، ويضع فوق رأسه فخراً بيادة، ويليق به أن يُصلّى على رموز أمواته في مسجد المشير، كي يرضى عنه الله والوطن، ولا يكون من أهل الشر، شعبٌ لا يعرف الجان ولا العفاريت ولا خنق القطط السوداء ولا يعذّب الكلاب، ولا يضرب أصحاب الاحتياجات الخاصة في قلب الشوارع، شعبٌ مهذّبٌ يليق بحكّامه، ولا يعرف التسول أبداً ولا يكشف عورات احتياجاته أمام الأجانب أو وكالات الأنباء العالمية، ولا حتى مدامع ظلمه حتى في أقسام الشرطة، هكذا يجب أن يكون أحفاد عرابي، وسامي البارودي، وسعد وناصر.
شعبٌ يستمتع فقط بمشاهدة مباريات كرة القدم في المنازل في كامل الأدب، ويبوس أصابع يديه ورجليه حمداً، لأنّنا وفرنا الكاميرات، وكانوا سوف يسرقونها في "الأسمرات" مع موبايل اللاعب والمذيع خالد الغندور، لولا يقظة الأمن، فجاء تلفون اللاعب خالد الغندور في ساعتين، وما زلنا نذيع المباريات. وتأملوا حال الأخوة حولنا في تونس وسورية وليبيا والسودان وغيرهم كي تعرفوا الفارق، علاوة بالطبع على جهودنا في ضبط وإحكام "كاميرات الفار" التي لا تفوّت صغيرة ولا كبيرة في الملعب.
شعبٌ يسمع كلام المذيعين مساء، خصوصاً اجتهادات أحمد موسى وإبراهيم عيسى، بعد تشفيتها من الدهون والإطنابات المملة في متشابهات الألفاظ نكاية في اللغة والوقت والعدّاد وبهاء طلته أمام الكاميرا. ولا تُنسى أبداً ريبورتاجات حمدي رزق المهمة، خصوصاً من خطوط إنتاج الفراولة والمانغو والبطاطس والطرق الممهدة التي تشبه الحرير. ولا يَنسى أبداً أن يأخذ بقية بركاته من خفة دم ورشاقة مواضيع الساعة من كاميرات عمرو أديب، لأنّها هي الساخنة والمفضلة في الشتاء.
شعب يتبرّع لنظامه في أسبوع واحد بمبلغ 68 مليار جنيه "منعرفش جابها من تحت أيّ بلاطة" مع العلم أنّنا فقراء جدّاً جدّاً جدّاً، لكنّ ذلك كلّه يهون أمام رفع الروح المعنوية للشعب. فقط لا نريد منه أيّ شيء بعد ذلك سوى أن يصبّح على حبيبته مصر بمكالمة بجنيه، أو يترك لها "الفكّة".
شعبٌ ملأنا له الشوارع والمدارس والجامعات بنوعية "تعليم عالى الجودة" تحسدُنا عليه السويد وسويسرا ولقاحات ومتنزهات وشواطئ بحار مفتوحة للجميع في شرم الشيخ ودهب والساحل الشمالي، وكبائن الإسكندرية المعروفة، بجنيهات بسيطة للنخبة، ويشهد على ذلك عدلي منصور والممثلة شمس البارودي التي قالت للرئيس: "إلّا الكباين يا ريّس" فترك لنا الكباين كما هي، ونرى منها المراكب والسفائن العائمة وأسماك البحر والنجوم والقمر، وسوف تعود شمس نفسها إلى التمثيل لو وجدنا لها سيناريو يليق بذلك العطاء.
شعبٌ يليق بأحمس وطريق الكباش والمتحف الكبير وأكبر مسجد وأكبر كنيسة وأطول علم، شعبٌ يأخذنا من ضيق أفق المشايخ والثورة ويناير والتشنجات، إلى نجوم "حمّالات إبراهيم عيسى" وفلسفات إسلام بحيري "الما بعد حداثية" وتفوّقت على تنظيرات رولان بارت ابن الفرنسية نفسه، شعب كريم معنا بالفؤاد، ويكون معنا وأمامنا في الحرب وخلفنا في السلم، ولا يتساءل عن أمر النيل أو المياه أو منسوبها ولا عطش الأرض، لأنّ الحسبة كلّها في يد الله لا في يد منسوب النيل أو أطماع الحبشة، حتى وإن كانت مشروعة، فنحن أهل إنصاف وعدل وحياء من قديم الزمان، والزمان نفسه يعرف وشاهد، والكتب تقول.
شعبٌ لا يسأل أبداً عن ديون مصر الداخلية أو الخارجية، فالداخلية من خير بنوكنا، وبنوكنا شهرتها عالمية، أما الخارجية فسنداتنا تكفي خير قارّتين، ويكفي الذهب المركون بآلاف الأطنان في باطن منجم السكري، ويكفي الغاز الذي تتعطش إليه أوروبا، لقرنين، كما يقول الخبراء. أما دكتور فاروق الباز، وهو عالم الفضاء، فقد رأى من كبسولاته الفضائية أنّها تكفي أوروبا خمسة قرون، والبحر المتوسط كلّه لنا والأحمر لنا وتيران وصنافير حتى خيرها لنا. أما عن الرمل والحلفاء والزلط، والقواقع الفارغة وأشجار الشوك، فالشعوب الكريمة لا تذكرها أبداً، خصوصاً ما بين الأخوة الذين وقفوا معنا في مواجهة قنابل ودبابات ومدافع أهل الشر... وإن كان الشعب هذا الكريم يريد أن "نطلّع له أهل الشر من السجون؟" فأهلاً وسهلاً، لكن تحمّلوا النتائج.
نريد بحق شعباً لا يستخف دمه، أمام الأمور الجليلة التي نخوض غمارها في المنطقة أمام أطماع اسرائيل وخونة الخارج والداخل أيضاً، نريد شعباً خلفنا في الملمّات بعدما كثرت، واضطرب المناخ، ونحن قادة نعرف الله منذ نعومة أظافرنا، ونقدّم أرواحنا سخية، ويدنا دائماً على الزناد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق