حدود المواجهة مع مودي
ياسر أبو هلالة
لا يستحقّ رئيس الوزراء الهندي، ناريندا مودي، أن يُستقبَل ويؤخَذ بالأحضان، وخصوصا بعدما أهان أحدُ قيادات حزبه الإسلام.
يجب أن تتواصل الحملة عليه، ليس بسبب الإهانة فقط، ولكن أيضا بسبب السياسة العنصرية المتطرّفة للحزب ضد الهنود المسلمين، بوصفهم شركاء لنا في الدين والانتماء الحضاري، وبوصفهم بشرا يتعرّضون للاضطهاد بسبب الدين.
وهذا الحزب الذي وصل إلى السلطة في العشرية الأخيرة اختطف الهند، المناصرة لقضايانا في عدم الانحياز وفلسطين، وحوّلها إلى حليف للدولة الصهيونية التي تتماهى مع أفكاره في تحويل الدين إلى قومية.
يروي الكاتب منير شفيق، الذي كان قياديا في حركة فتح، ومديرا لمركز التخطيط الفلسطيني، أنه ذُهل عندما زار وفد من منظمة التحرير الهند في السبعينيات من تعامل مسلمي الهند معهم، عندما تمسّحوا بهم وبالسيارات التي أقلت الوفد.
والمطلوب العمل لاستعادة تلك اللحظة من خلال دعم المسلمين والقوى العلمانية المساندة لهم، وهي القوى التي ظلت تحكُم الهند منذ الاستقلال. والضغط ليس وسما على منصّات التواصل يتبخّر بعد ساعات؛ لا بد من استخدام ملفات الاقتصاد التي تمسّ كل مواطن في الهند، وخصوصا ملف العمالة والطاقة والموانئ وغيرها.
ليس مودي شخصية سياسية عادية، هو سليل منظمة إرهابية تعود إلى عام 1925، عندما أسّس طبيب يُدعى كيشاف باليرام هيدجوار منظمة راشتريا سوايا مسيفاك سانغ (آر أس أس)، وهي جماعة شبه عسكرية يمينية متطرّفة مكرسة لإيجاد إيمان هندوسي موحد. منذ نشأتها، كرهت الجماعة المسلمين والمسيحيين، واستلهم مهندسوها أفكارهم من الفاشيين الأوروبيين وهم يبنون منظمتهم. مادهاف ساداشيف غولوالكار، زعيم المنظمة من عام 1940 إلى عام 1973، أيد الحل النهائي لأدولف هتلر نموذجا لكيفية تعامل الهند مع مسلميها.
حظرت الحكومة الهندية المنظمة فترة وجيزة في 1948، بعدما اغتال أحد أعضائها القدامى المهاتما غاندي. ولكن المنظمة، على مدى العقود التالية، اكتسبت مكانةً، لأنها وجدت طرقًا أكثر ذكاء لتهديد المسلمين. في عام 1983، على سبيل المثال، أطلقت، من خلال إحدى المنظمات التابعة لها، حركة لهدم مسجد شهير في مدينة أيوديا بولاية أوتار براديش وإقامة معبد هندوسي مكانه، وقبل ذلك بثلاث سنوات، أنشأ حزبًا سياسيًا جديدًا (بهاراتيا جاناتا) من أجل خوض الانتخابات والفوز بها. سرعان ما انتشر الحزب على مستوى الدولة، مستفيدًا جزئيًا من حركة معبد أيودهيا.
في عام 1991، فاز في انتخابات ولاية أوتار براديش أول مرة. بعد عام، وقفت إدارة الدولة والشرطة جانباً بينما هدم حشد كبير، بقيادة كبار قادة الحزب، المسجد بشكل غير قانوني. وللتذكير، المسلمون في الهند ضحايا التطرّف والإرهاب الديني. وبالمناسبة، من قتل المهاتما غاندي متطرّف هندوسي، ومن قتل أنديرا غاندي متطرّف سيخي، ومن قتل ابنها راجيف متطرّف تاميلي.
يرجع سر نجاحات حزب بهاراتيا جاناتا السابقة واللاحقة إلى سنوات، إذ عمل القوميون الهندوس على جمع شتات الهندوسية المنقسمة في حركة سياسية موحدة.
نظّموا الهندوس من الطبقة العليا، الذين يتربعون على قمة التسلسل الهرمي للدين، ويشكّلون معظم النخبة الهندية.
ونجح الحزب في الحصول على الدعم من هندوس مهمشين عديدين، ومن الطبقات الدنيا أيضًا، من خلال التأكيد على أنهم ينتمون أيضًا إلى الهندوسية، وتمثيلهم لها في الحزب، وجميعهم تقريبًا في الرتب الدنيا.
كما عزّز حزب بهاراتيا جاناتا الإسلاموفوبيا، وحوّلها إلى سلاح لتحقيق تأثير كبير، ما زاد من توحيد الهندوس (966 مليونًا) بينما جعل الحياة صعبة بشكل متزايد على ما يقرب من مائتي مليون مسلم.
خطأ المسلمين التاريخي انفصال باكستان وبنغلادش عن الهند، ولو ظلّوا أمةً هندية واحدة لكانوا اليوم زهاء نصف السكان، والخطأ الأكبر تبنّي خطاب انفصالي، شجّع التطرّف الهندوسي الذي شرّع قوانين جنسية عنصرية.
والخطاب المطلوب، والذي يواجه التطرّف الهندوسي، إنساني جامع، يؤمن بالمساواة والعدالة، ويُعلي من قيمة التنوع والشراكة. المسلمون في الهند بناة حضارة يشهد لها تاج محل وغيره من معالم ثقافية، وآلاف المخطوطات، ولا يقلّل من شأنهم تطاول جاهل على نبيهم. ولن تتمكّن ثقافة متطرّفة طبقية، تقسّم أتباعها إلى آلهة ومنبوذين، في جعل المسلمين منبوذين. من يجب أن ينبذ هو مودي، حماية للهند، لا لمسلميها فقط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق