الأربعاء، 1 فبراير 2023

حوار "مجلة البيان" مع الأستاذ الدكتور عبدالحليم عويس

حوار "مجلة البيان" مع الأستاذ الدكتور عبدالحليم عويس


أجرى الحوار: جمال سالم

مع مطلع شهر أبريل عام 2011م، أصدر الرئيس السوداني عمر البشير قرارًا بمنح وسام العلم والآداب والفنون - وهو أرفع وسام في الجمهورية السودانية، ولا يُعطى إلا للشخصيات التي أثَّرت في الحضارة الإنسانية - للمفكر الإسلامي الأستاذ الدكتور عبدالحليم عويس (أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية) على ما قدَّمه طوال سنين عمره للأمة العربية والإسلامية، وجاء في نص قرار البشير: أن الوسام يُعَد تسجيلاً صادقًا لجهده وعطائه المتصل في تفسير القرآن الكريم للنشء، ولبحثه المستمر في العلوم الإسلامية، وعِرفانًا لدوره المتميز في كل المحافل الإقليمية والدولية بالحجة والقلم، هذا وقد جاء القرار في ظل ظروف صحية بالغة الصعوبة، وهو ما خفَّف من آلامه الجسدية والنفسية.

 

هو الأستاذ الدكتور عبدالحليم عويس، من مواليد 1943م بمصر، حصل على ليسانس من كلية دار العلوم عام 1968م، وعلى الماجستير عام 1973م، وعلى الدكتوراه عام 1978م، وكانت في التاريخ والحضارة الإسلامية، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة.

 

عمِل أستاذًا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض سبعة عشر عامًا، وفيها وصَل إلى الأستاذية سنة 1990م.

 

درَّس في كثير من جامعات العالم الإسلامي، كما ناقش وأشرَف على عشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه - بل المئات منهما - في كثير من تلك الجامعات، وانْتُدِبَ أستاذًا في جامعة الزقازيق بمصر، وبالجامعة الدولية بأمريكا اللاتينية، وهو عضو مجلس أُمنائها، وعمِل نائبًا لرئيس جامعة روتردام الإسلامية بهولندا، وعمِل مستشارًا لرابطة الجامعات الإسلامية.

 

أنجز الدكتور عويس كثيرًا من الموسوعات العلمية الكبيرة؛ منها:

موسوعة في الفقه الإسلامي، وتفسير القرآن للناشئين، كما أشرف وأسهم في كتابة موسوعات في التاريخ، وتاريخ الإدارة، والحضارة الإسلامية، وهو صاحب أكثر من مائة مرجع وكتاب وبحثٍ علمي في التاريخ والحضارة، والثقافة والعلوم الإسلامية، إضافة إلى مئات المقالات والبحوث المنشورة.

 

وهو كذلك عضو اتحاد كتَّاب مصر، وخبير بمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وعضو نقابة الصحفيين المصرية، وعضو اتحاد المؤرخين العرب، ونائب رئيس جمعية رابطة الأدب الإسلامي بالقاهرة.

 

فإلى نص الحوار مع مؤرخنا الإسلامي:

البيان: يعتقد كثير من أعداء أُمتنا أننا يجب أن نحارب الناس حتى نُرغمهم على عقيدتنا، بمعنى آخر هو ادِّعاؤهم استخدام السيف لدعوة البشر للدخول في دين الله؟

 

أ.د. عبدالحليم عويس: هذا الادِّعاء كاذب، وخير شاهد على ذلك هو التاريخ نفسه؛ حيث توجد أقليَّات غير إسلامية عاشَت ولا تزال تعيش أطيب حياة في كل البلاد الإسلامية، ومع ذلك لم يسجل التاريخ حالة غصبٍ واحدة لغير مسلم لإجباره على الدخول في الإسلام، إلا حالات فردية قام بها بعض الجُهلاء ويرفضها الإسلام، بل إنك ترى أن الإرهاب العقدي يأتي من داخل الكنيسة نفسها، وما حدَث بوفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة في مصر عنا ببعيد.

 

وأيضًا شهِد التاريخ أنَّ التسامح كان صيغة أصيلة في كل سلوكنا وأحوالنا مع أهل الذمة قبل أهل المِلة، وها هو قول ربنا - تعالى -: ﴿ ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْـحِكْمَةِ وَالْـمَوْعِظَةِ الْـحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْـمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125]، ويقول أيضًا: ﴿ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ﴾ [الأنعام: 108]، وثمة عشرات الآيات التي تُبين وتُبرهن على الطبيعة السمحة للمنهج الإسلامي في التعامل مع العقائد الأخرى، فإن ما بيننا وبين العقائد الأخرى في الأرض قديمًا وحديثًا، إنما هو تعايُش مسالم من جانبنا.

 

البيان: شهِدت العصور الحديثة خللاً في موازين القوى في العالم، وللأسف احتل المسلمون مكانة متأخرة فيها؛ فما أسباب ذلك من وجهة نظركم؟

أ.د. عبدالحليم عويس: من أهم أسباب ما ذكرت: أنْ أهمل المسلمون الأخذ بأسباب القوة المادية والفكرية، والركون إلى الدعة والسكون، والاعتماد الخاطئ على المفاهيم المغلوطة في حق دينهم؛ فأصبح الزهد تواكُلاً، وأصبح القرآن لا يجاوز حناجرهم، وأخذوا ببعضه وتركوا بعضه الآخر، وانفصلوا حضاريًّا عن عصور تألُّقهم ومجدهم، فتسأل: هل يركنون إلى العقل أم إلى الوحي؟ وكأن العقل والوحي ضدان لا يجتمعان، وتفشَّت أمراض كثيرة حول هذا الموضوع ومن هذا القبيل، ففوجئ المسلمون في القرن الثامن عشر بأنهم في آخر السُّلم الحضاري، وبأن عصر السيف والرمح قد ولَّى، وحلَّ مكانة عصر المدفع والقنبلة والذَّرة.

 

البيان: وما النتائج المترتبة على ذلك؟

أ.د. عبدالحليم عويس: أخذ المسلمون موقع المُدافع، بعد أن كانوا قادة الأرض؛ يُنصَرون بالرعب مسيرة شهر في شخص نبيِّهم - صلى الله عليه وسلم - فأجهَز عليهم عدوُّهم بكل ثِقَله، مُستخدمًا كلَّ الوسائل غير الشريفة، وأفاق المسلمون على أخطاء داهمة: من تنصير لا يحاور بالحجة؛ وإنما بالمدفع الاستعماري، ومن يهودية تتعاون مع التنصير في هذا الغزو، وتَقتسم معه الأسلاب والمغانم، ومن شيوعية جدلية لا تقل عنهما خبثًَا ولا سفكًا لدماء المسلمين، وتهجمًا على عقائدهم، ومن وثنيَّات وفوضويَّات تُحاول بدورها أن تَغزو التراث الإسلامي بكل الصور والأشكال.

 

البيان: تؤكدون أنه منذ ظهور الإسلام، فقد أخذ موقفًا مُشرفًا من النصرانية، لم يشترك فيه دين غيره، فهلاَّ وضَّحت لنا أكثر؟

أ.د. عبدالحليم عويس: هذه بديهية من بديهيات التاريخ، لا تحتاج إلى كثيرٍ من الأدلة، وحسبنا أن نستشهد في هذا المجال بالكلمة التي ألقاها «أنريكي تراتكون» (مطران مدريد، ورئيس أساقفة إسبانيا)، في مناسبة افتتاح ندوة للحوار الإسلامي والمسيحي بمدريد؛ حيث قال: إن علينا نحن المسيحيين أن نعترف بالانشراح الذي نشعر به إزاء المكانة التي يحتلها عيسى وأمه مريم - عليهما السلام - في الإسلام، فهناك كثير من النصوص القرآنية التي تُسمي عيسى مسيحًا ورسولَ الله وكلمته: ﴿ إنَّمَا الْـمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [النساء: ١٧١]، وتؤكد بكارة مريم وقَداستها: ﴿ مَا الْـمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ﴾ [المائدة: 75]، وتوصي بمعاملة المسيحيين معاملة أخوية محترمة.

 

وأنه لمن العدل الاعتراف بأن الإسلام هو بلا ريبٍ الدين الوحيد غير المسيحي الذي يعظِّم المسيح تعظيمًا كبيرًا.

 

ولعل أنريكي لا يدري أن هذا جزء أساسي من ديننا نؤمن به: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْـمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [البقرة: 285]، ونعتبر أي مساس بشخص عيسى وأمه - عليهما السلام - إنما هو كفر بالله والإسلام مثل الكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وسارَت شعوبنا الإسلامية في هذا الجانب نظيفة مُطيعة لربها، مُلتزمة بتعاليم دينها وإسلامها.

 

مقارنة بيننا وبينهم.

 

البيان: إذا عقدنا مقارنة بين حال الأقليات غير الإسلامية في الدول الإسلامية، وأقلياتنا الإسلامية في الدول غير الإسلامية، فكيف ستكون النتيجة في رأيكم؟

أ.د. عبدالحليم عويس: لقد عاشت الأقليات المسيحية في المجتمعات الإسلامية على نحو أرقى بكثيرٍ من حياة الأقليات المسلمة التي كثيرًا ما تُضطهد بأبشع صور الاضطهاد، فعُقِدَت لها محاكم تفتيش في المجتمعات المسيحية، بل إنه لا وجه للمقارنة أصلاً، وهي الصورة نفسها بين تعامُلنا مع شخص نبي الله عيسى - عليه السلام - وبين معاملتهم لشخص نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - فالمسيح في ديننا لا نحتاج إلى الكلام فيه، فالكل يعلم مكانته في ديننا وقلوبنا، أما هم فقد أساء المستشرقون بصورة مُتعمدة، والغريب أن هؤلاء من رجال الكنيسة، ولقد ذكروا مغالطاتهم العلمية والفكرية والمعلوماتية عن الحبيب - صلى الله عليه وسلم - وهي التي روَّجوا لها وخدَعوا بها الإنسان الأوروبي قرونًا طويلة.

 

البيان: قد يقول قائل: هذا كان في العصور السابقة، فماذا عن الوضع في العصر الحديث؟

أ.د. عبدالحليم عويس: في العصر الحديث، ومع انحسار دور الكنيسة الروحي في المجتمعات الأوروبية والأمريكية، وانهزامها التام في روسيا والصين، ودول الكتل الشرقية التي كانت المسيحية هي السائدة فيها، مع أن الكنيسة قد غُلِبَت على أمرها في مواقعها الحيوية والأساسية - فإنها ما زالت متشبثة بالحروب الدائمة ضد الإسلام؛ سواء في مجال الفكر، أو الحركة، وهي في ذلك تضع أيديها في أيدي الاستعمار الحديث، ولعلها صوَّرت له أنها هي الستار الواقي لمنْع الزحف الإسلامي الذي من شأنه أن يحول دون تحقيق الأطماع الاستعمارية في إفريقيا وآسيا، والذي يمكن كما تتصور الكنيسة أن يهدِّد أوروبا وأمريكا.

 

البيان: وماذا عن المسيحية الصِّهيونية ومعاداتها للإسلام؟

أ.د. عبدالحليم عويس: تواطؤ الكنيسة مع الصِّهيونية ضد الإسلام - في أمريكا وأوروبا، وإفريقيا وآسيا - لا يحتاج إلى برهان، رغم أن اليهود هم أكثر من أساؤوا إلى المسيحية، وإلى المسيح - علية السلام - لكنها السياسة - يا صاحبي - هي التي تجعل أصحابها ينسون تحت ظلالها بعض أساسيات الدين؛ وصولاً للمصلحة المرجوَّة من وراء تلك التحالفات الشيطانية.

 

ثم تطوَّرت الأمور بين المسيحية والإسلام إلى ما هو أكثر من الحروب العابرة، والاتفاقات مع أعداء الإسلام وأعداء الأديان كلها ضد الإسلام، فتطوَّرت الأمور إلى ما هو أكثر من ذلك، فأعلنت الكنيسة في العصر الحديث حربًا عالمية شاملة على الإسلام، راغبة في التخلص منه إلى الأبد (كما يُخيَّل لها).

 

البيان: ما هي الأسباب التي تلجأ إليها الكنيسة في حربها على الإسلام رغم زعمها أنها تتحاور معه؟

أ.د. عبدالحليم عويس: تَلجأ الكنيسة في حربها مع الإسلام إلى الأسلوب السياسي (والميكيافيللي) المعروف، فهي تستغل كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة ضد الإسلام، كما أنها أيضًا مُستعدة أن تتعاون حتى مع الشيطان ضد الإسلام.

 

ومع أننا نرى «إعلانات بابوية» متكررة عن ضرورة الحوار بين المسيحية والإسلام، إلا أننا لم نر - ولو لحظة - هدنة واحدة في حرب الكنيسة العالمية ضد الإسلام؛ حتى باتت ضرباتها الآن في قلب العالم الإسلامي، ورمز الإشعاع الروحي للمسلمين، فترى أن مخالب الغزو التطويقي الذي دخل القرن الإفريقي؛ كالصومال وجنوب السودان الذي اشتراه التنصير الفاتيكاني في صفقة من أغرب الصفقات في التاريخ، كما أن أكثر الخطوط تعرضًا الآن لهذا الدمار الكنسي هو خط الفلبين وتايلاند وإندونيسيا في آسيا، وخط نيجيريا ومصر في إفريقيا.

 

البيان: هل ثمة تفسير تاريخي لتلك الحملات التنصيرية في قلب عالمنا الإسلامي؟

أ.د. عبدالحليم عويس: بالتأكيد، لقد كان ارتداد فلول الصليبيين منهزمة أمام جيوش المسلمين في الحروب الصليبية، باعثًا على التفكير في وسيلة أخرى للقضاء على المسلمين، ما دام الصدام المباشر والمسلَّح لم يُفلح في الإجهاز على هذه الأمة، بل كان في أكثر الأحايين باعثًا على وَحدتها وإظهار معدنها الأصيل.

 

ولقد عُقِدت مؤتمرات عدة، ودار جدلٌ جديد حول الأسلوب الجديد الذي يَصلُح اتباعُه للقضاء على الغارة الإسلامية والعالم الإسلامي، ثم تمخَّضت هذه المؤتمرات وهذا الجدل عن الإيمان بمعادلة بسيطة واضحة:

 

«إذا كان هدف الغرب هو القضاء على المسلمين، فلا بد من القضاء على الإسلام ذاته، وقوته السياسية والمعنوية؛ فالإسلام هو الطاقة المحرِّكة للعالم الإسلامي، وبضربه لن تبقى لهم قوة ولا مَنَعَة، وسيتكون وقتها فراغ يُمكن ملؤه بأي طاقات أخرى؛ كالمسيحية، أو الشيوعية».

 

وكانت هذه المعادلة هي المنهج الذي سار عليه الغرب منذ هزيمة وارتداد الجيوش الصليبية وحتى اليوم، ولم يكن تصادُمه المباشر مع المسلمين في القرنين التاسع عشر والعشرين، إلا مرحلة تأكيدية للقضاء على الإسلام، وعلى قوَّته السياسية والمعنوية، على أنه في نفس مرحلة الاستعمار العسكري هذه، كان يستغل انتصاراته التي كان يُطوق بها العالم الإسلامي من أطرافه، فيتَّبعها فورًا بمخطط تنصيري يقضي به على ما يكون قد بقِي لدى المسلمين من طاقة إسلامية مُحرِّكة.

 

أريد أن أقول:

إن إستراتيجية الغرب قد تَبلورت، فلم تَعُد هجومًا مباشرًا على المسلمين؛ لأن المسلمين حتى في الحروب التي هُزِموا فيها عسكريًّا على يد الاستعمار، كانوا يعودون بالإسلام أقوياءَ من جديد.

 

ويجب إعلام الجميع أن الميزانيات المخصصة للحملات التنصيرية تفوق ميزانية دول النفط مجتمعة، فعن آخر الإحصائيات الخاصة بالتنصير، وكما ورَد عن مصادر كنسية موثقة أن هناك ارتفاعًا شديدًا ومكثَّفًا في أعداد المؤسسات والهيئات التنصيرية العاملة في العالم الإسلامي، وأن عدد مؤسسات التنصير في العالم بلَغ حوالي رُبع مليون مؤسسة تنصيرية، تَمتلك أكثر من مائة مليون جهاز كمبيوتر، وأكثر من 35 شبكة إلكترونية موزَّعة على الكنائس الكبرى، وتصدر مئات الآلاف من الكتب والصحف والمجلات المطبوعة والإلكترونية بأكثر من150 لغة، وكلها تخدم التنصير وهناك 500 قناة فضائية وأرضية جديدة، كما أن هناك حوالي 100 ألف مركز ومعهد يتولَّى تدريب وتأهيل المنُصِّرين على مستوى العالم الإسلامي.

 

البيان: هلاَّ أوردنا للقارئ الكريم نموذجًا من نماذج التنصير والتبشير الصارخة في العالم الإسلامي؛ ليقف على حجم الخطر الحقيقي المُحدق بالأمة والإسلام؟

أ.د. عبدالحليم عويس: نكتفي بنقل تقرير سري أصدرته إرساليات التنصير البروتستانتي في جنوب شرق آسيا، ذكرت فيه ما نصه: «إن ما يُنفق على التنصير سنويًّا في إندونيسيا يزيد عن 350 مليون دولار، منها 50 مليون دولار لأعمال التنصير الإعلامية وحدَها».

 

كما تُقدِّم هيئة المعونات الكاثوليكية ستة ملايين دولار سنويًّا إلى حكومة إندونيسيا لمساعدة قطاع الإنماء القروي، وتقوم إحدى الهيئات التنصيرية الأجنبية في إندونيسيا، بتقديم المعونات الغذائية إلى 320 ألف شخص من مختلف أنحاء إندونيسيا ينتمون إلى مختلف دور الأيتام والمؤسسات الصحية وملاجئ العَجزة بجاكرتا، كما تقوم هيئة تبشيرية بروتستانتية بتقديم المعونات الغذائية إلى 31 ألف شخص في مختلف أنحاء إندونيسيا، كما أنها تقوم بتقديم معونات طارئة عند الحاجة، بالإضافة إلى مئات المشروعات القروية للإنماء؛ لترقية مستوى إنتاج المواد الغالية جدًّا، فلماذا كل هذا في نظرك؟

 

أما المؤسسة التنصيرية العاملة في أيريان الغربية، فهي تَمتلك 71 طائرة، فضلاً عن شبكة اتصالات لاسلكية من أعلى الشبكات تقدُّمًا في العالم، كما تَمتلك خمسة مطارات، وتقف هذه المؤسسة بكل كِياناتها وإمكانياتها وراء الحركة الانفصالية التي تَستهدف فصل أيريان الغربية عن إندونيسيا، وإقامة دولة نصرانية مستقلة عن إندونيسيا المسلمة.

 

وفي قطاع الشؤون التعليمية تقوم مؤسسة «مونتفورت فاذر» ببناء المدارس العامة، والمدارس المهنية، ومدارس التمريض، والعيادات، والصيدليات في كل من سنتاخ وبينومارتينوس، وبوتوس سيبا، وسيغرام وبنغهابينا، وبيكا وسراواي.

 

وفي قطاع ملاجئ الأيتام تقوم المؤسسات التبشرية الكبرى بتقديم المساعدات الغذائية والملابس لمئات ملاجئ الأيتام هناك، كما تقوم بتقديم البرامج والمساعدات التقنية، وتقديم المواد الغذائية والملابس والأدوية لمنكوبي الكوارث الطبيعية، واللاجئين والفقراء في مناطق إستراتيجية للتنصير.

 

أما في ميدان النشر والشؤون التعليمية، فتقوم مؤسسة تنصيرية متخصصة مركزها جاكرتا - ولها فروع أخرى - بنشْر كثير من الكتب سنويًّا في مختلف الموضوعات الثقافية والفلسفية والدينية.

 

كما تقوم المؤسسة بتسهيل تعليم الشؤون الفنية الخاصة بنشْر الكتب الدينية، ويَمتلك المنصرون مطابع متخصصة في طبع الأناجيل وبيعها بأقل سعر أو مجانًا، وفي قطاع المكتبات تتصدَّر عمارة دار النشر المسيحية بجاكرتا مكتبات دور النشر التنصيرية، وفي ميدان الصحافة يَملك التنصير صحيفتي كومبارس وأسينارهابان اللتين تَطبعان يوميًّا زهاء 200 ألف نسخة، هذا فضلاً عن ملكية التنصير في سومطرا لمستشفيات ومطابع على مساحة تقدَّر تقريبًا بأربعة آلاف هكتار، وأسطولاً من السفن، وطائرات، وزوارق سريعة جدًّا، وسيارات ودرَّاجات بخارية، وغير ذلك مما قد يحتاجونه في تضليل المسلمين وجَذبهم إلى النصرانية، وخاصة في ظل صمت وغيابٍ من الدول الإسلامية.

 

البيان: ما هي الأهداف السياسية للوجود الإسرائيلي في إفريقيا؟

أ.د. عبدالحليم عويس: تسعى إسرائيل لتحقيق كثيرٍ من الأهداف الإستراتيجية التي يمكن إيجازها في النقاط التالية:

 

أولاً: السعي لتحقيق متطلبات الأمن الإسرائيلي في جوهره، فلقد رأى الإسرائيليون بزعمهم أن خطر الاعتداء يحيط بهم ويحاك ضدهم؛ من جراء إحاطة العرب لهم، وأنهم في «جيتو» على شكل دولة؛ ولهذا عمِلوا على خرْق الجيتو بالضغط نحو الطريق خارج حدود الجيتو المزعوم، والالتفات نحو العرب باعتبارهم عناصر هذا الحصار، وكان ذلك يعني النزوع إلى توزيع ما أطلقوا عليه «المجال الإستراتيجي الحيوي»، وتُعَدُّ إفريقيا دائمًا هي أهم أقطاب هذا المجال الإستراتيجي الحيوي، وتم ترجمتها في إستراتيجية تعزيز الوجود الإسرائيلي في إفريقيا؛ لأن إسرائيل تسعى دائمًا إلى ما يسمى «بالأمن المطلَق»، والذي يعني في المقابل «انعدام الأمن» بالنسبة للدول العربية، وما يرتبط بذلك من ضرورة التحكم في المنطقة، من خلال مجموعة من الآليات، من أهمها: خلق علاقات ودية مع الدول الإفريقية، والوجود العسكري في بعض المناطق، ومن هنا كانت المحاولات الإسرائيلية للحيلولة دون أن يُصبح البحر الأحمر بحيرة عربية، وضمان هجرة اليهود الأفارقة إلى إسرائيل.

 

ثانيًا: كسر حد العُزلة الدولية التي فرَضتها عليها الدول العربية، ومحاولة كسْب قواعد للتأييد والمساندة، وإضفاء نوع من الشرعية السياسية عليها في الساحة الدولية، وفي هذا الإطار نظَرت إسرائيل إلى الساحة الإفريقية، باعتبارها ساحةً للنزال بينها وبين العرب.

 

ثالثًا: كسْب تأييد الدول الإفريقية؛ من أجْل تسوية الصراع العربي الإسرائيلي وَفْق الرؤية الإسرائيلية، باعتبار أن الدول الإفريقية بعيدة عن أي انحياز سابقٍ لأيٍّ من الطرفين، وهو ما يجعلها وسيطًا مقبولاً لدى إسرائيل.

 

رابعًا: العمل على تحقيق أهداف أيديولوجية توراتية خاصة بتقديم إسرائيل على أنها دولة نموذجية لشعب الله المختار، ويفسِّر ذلك أن إسرائيل اعتمدَت دائمًا على تقديم المساعدات التقنية والتنموية للدول الإفريقية، حتى في حالة عدم وجود علاقات دبلوماسية معها، ويعد مركز التعاون الدولي في وزارة الخارجية «الموشاف» - الذي يرأسه نائب وزير الخارجية - هو الجهاز المسؤول عن تصميم وتنفيذ سياسات التعاون مع الدول الإفريقية، وكان «الموشاف» من وسائل الاتصال السياسية مع كبار المسؤولين في الدول الإفريقية، وعلى الرغم من قطْع العلاقات الدبلوماسية - كما حدَث مع كينيا وزامبيا، وتنزانيا وأثيوبيا - حيث كانت العلاقات الاقتصادية والفنية أكثر قوة من العلاقات السياسية.

 

البيان: كيف نتصدى لهذه الحملات التنصيرية الكثيرة على طول العالم الإسلامي؟

أ.د. عبدالحليم عويس: لا بد أن تكون لدينا صحوة ويَقَظة إلى تلك الحملات التنصيرية المنظمة على جميع أنحاء العالم الإسلامي، التي لا يقل خطرها وشَراستها عن الحملات الصليبية العسكرية، ولكنها تَستتر في ثوبها الجديد، وتتقلَّد أسلحة جديدة، ألا وهي محاولة التشكيك في التراث الإسلامي وقِيمه، وتفريغه من محتوياته الإنسانية والحضارية، كما أنها تحاول الطعن في رموز التيار الإسلامي والعربي، والغمز في رجالاته، من خلال مواقف وسقطات بسيطة، جدُّوا في تضخيمها وتهويلها، وهو ما يُريحهم ويشرح صدورهم، ويُحقق مآربهم.

 

وللأسف فإنك تجد أن في بلادنا الإسلامية مَن يساعدهم في تحقيق أهدافهم، فتجد مَن يريد منْع جمع الزكاة، وإيقاف العمل الخيري التطوعي، وإيهام المسلمين أن مالهم يَذهب في غير محله إلى الإرهاب وقتْل الناس، وتجد فضائيَّات عربية - وللأسف إسلامية - تُرهب الناس من الإنفاق في سبيل الله، على الرغم من جميع ميزانيات كل الجمعيات الخيرية في دولة كمصر - مثلاً - لا تصل إلى ميزانية أقلِّ مؤسسة تنصيرية غربية.

 

المطلوب:

 إيجاد دعاة ملتزمين بتعاليم الدين الإسلامي، فاهمين ومطبِّقين لما جاء في القرآن، وعلى سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونهْجه سائرين.

 

 ضرورة دراسة معرفة القبيلة والبيئة التي سيدعو الناس فيها، ومعرفة الأمثال الواردة في القرآن والسُّنة عن الدعوة، واستغلالها بأحسن صورها؛ لجذْب المسلمين، وإعادتهم إلى دين ربهم الحنيف.

 

 محاولة التغلُّب على العقبات التي تُقابلنا في الدعوة، خاصة مع الأوروبيين.

 

 ضرورة التعامل الذكي والحذر في الرد على الشُّبهات التي يُطلقها الأعداء ضد الإسلام؛ كـ(المرأة، والرق، وعدم المساواة، وإكراه الناس في دخول الإسلام، وربْط الإرهاب بالإسلام، والتخلف والرجعية، والبعد عن التحضر والتمدُّن، وإقصاء الآخر)، وغيرها من الشبهات التي تجدها موجودة في أعدائنا، ويربطونها بنا ظلمًا وجَوْرًا وعُدوانًا.

 

 الثقافة الأوروبية ثقافة استعلاءٍ، والمسيحية دين الطبقة العليا، والدين لا يعرفه إلا القساوسة، فعلينا أن نُوجد جيلاً يستطيع التعامل مع مثل هؤلاء في مثل هذه الظروف.

 

 تقديم الخدمات التعليمية والصحية والغذائية والمياه للفقراء والمحتاجين، على الأقل في بلاد الإسلام؛ لنَقطع الطريق على المبشرين والمنصِّرين والإرساليات التبشيرية.

 

يجب أن تقودَنا الفطرة السليمة المُشبعة بالروح الإسلامية لدعوة الذين يتقبَّلون الرسالة، ولا نتوقَّف على إفهام المسلمين دينهم فحسْب.

 

♦ ضرورة تفهُّم ثقافات ونظام الآخرين، والرفق في دعوتهم، وتحويلهم خطوة خطوة؛ ليَفهموا الثقافة الإسلامية، وضرورة التأثير عليهم من داخل أُطُرِهم الثقافية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق