تغريب الأمة: آفاقه وكيفية مواجهته
عندما ضعفت الأمة في نهايات الحكم العثماني، وبدأ الغرب في المقابل يتقوّى، وحضارته تشق طريقها إلى أمام، انعكس هذا الموقف على أمتنا فلاح خطر التغريب، وتجلّى في صورتين: تقليد أنماط سلوك الحياة الغربية، نسخ الحضارة الغربية...
عندما ضعفت الأمة في نهايات الحكم العثماني، وبدأ الغرب في المقابل يتقوّى، وحضارته تشق طريقها إلى أمام، انعكس هذا الموقف على أمتنا فلاح خطر التغريب، وتجلّى في صورتين:
الأولى: تقليد أنماط سلوك الحياة الغربية:
قلّد بعض المسلمين الغربيين، وتأثروا ببعض عاداتهم في الطعام والشراب واللباس... إلخ، ونقلوا بعض أنماط سلوكهم، وكان هؤلاء المقلّدون كلما ازدادوا انغماساً في الحياة الغربية، وتفاعلاً مع صورها، وتكيّفاً مع اهتماماتها، ازدادوا بعداً عن أمتهم، وانسلاخاً عن قيمها. وقد نفذت العادات والتقاليد الغربية إلى عموم الناس بالتدريج، وما زالت مستمرة إلى الآن.
الثانية: نسخ الحضارة الغربية:
دعا بعض المسلمين إلى أخذ الحضارة الغربية بكل تفصيلاتها، واعتماد فلسفتها، وقيمها، كما دعوا إلى تعميم فنونها، والانحياز إلى ثقافتها، ونموذج تفكيرها الذي يقوم على تناقض العلم والدين، والأخذ بأساليب تربيتها وبكل نظمها في الحكم والسياسة والقانون والدستور، والأخذ بنموذجها الاقتصادي.
الخلاصة: نادى دعاة الصورة الثانية بنقل الحضارة الغربية بكل جمالها وقبحها بكل حلوها ومرّها، وقد قام على هذه الدعوة آحاد من الناس وأبرزهم: الخديوي إسماعيل باشا، خير الدين باشا التونسي في القرن التاسع عشر، وطه حسين عميد الأدب العربي في القرن العشرين!! وللحقيقة فإن دعاة الصورة الثانية كان يقابلهم دعاة آخرون يتعاملون مع الحضارة الغربية تعاملاً متوازناً فيدعون إلى الحرص على ثوابت الأمة وأصولها والاستفادة في الوقت نفسه من ميزات الحضارة الغربية وإيجابياتها، وأبرز هؤلاء الدعاة: العلماء المتخرجون من صروح المعاهد العلمية العريقة: كالأزهر والزيتونة.
هذا تلخيص سريع ومختصر لوضع الأمة إزاء التغريب في القرنين التاسع عشر والعشرين. لكن خطر التغريب الآن أشد من السابق بكثير وذلك لعدة عوامل:
أولها: تنوع وسائل الاتصال والإعلام: من سينما وإذاعة وتلفزيون وفيديو وكمبيوتر وإنترنت... إلخ، وسرعة انتشارها، وسطوة تأثيرها، وضخامة الانجذاب إليها.
ثانيها: اتساع القطاع الذي تخاطبه تلك الوسائل وهم معظم الناس إن لم يكن كلهم: متعلّمهم وجاهلهم، غنيّهم وفقيرهم، صغيرهم وكبيرهم.
على ضوء الصورة السابقة، فما أبرز مخاطر التغريب؟
1- ضياع قسم من أبناء الأمة:
سيؤدي اصطراع القيم الوافدة والقيم الموروثة إلى ضياع قسم كبير من أبناء الأمة؛ لعدم استطاعتهم حل هذه الإشكالية بشكل صحيح من جهة، ولعدم تلاؤمهم مع القيم الوافدة من جهة ثانية، ولعدم استطاعتهم الاحتفاظ بقيمهم الموروثة من جهة ثالثة. وليس من شك بأن ضياع قسم من أبناء الأمة خسارة لنا في كل الموازين.
2- فقدان الهويّة:
قد يؤدي التغريب ونجاحه ضمن الصورة التي عرضناها إلى فقدان أمتنا لهويتها، وتصبح مجرد تابع للغرب يدور في فلكه، وهذا خطر حقيقي يهدد أمتنا ما لم تستدرك ذلك بزيادة عوامل مناعتها، وليس أدل على ذلك من قلّة حجم الإبداع الثقافي المساهم في الحضارة الإنسانية بالمقارنة مع دول وشعوب أخرى.
والسؤال الآن: على ضوء المخاطر السابقة ما سبل مواجهة التغريب والتغلب عليه؟
إن أفضل سبل مواجهة التغريب والتغلب عليه هي:
2- زيادة حجم الأوقاف:
كما كان فقدان الأوقاف سبباً في ضعف العلوم والجوامع والمعاهد الإسلامية، كذلك يجب أن يكون شعارنا في المرحلة القادمة إحياء هذه السنّة والإكثار من الأوقاف التي توقف على العلم والعلماء والأبحاث العلمية والمعاهد العلمية والجوامع التي تعتني بالعلوم الشرعية.
3- إنهاء ازدواجية العلوم في حياتنا الاجتماعية:
كما كان إيجاد المدرسة العصرية منافسة للمدرسة الشرعية سبباً في ضعف العلوم الشرعية وإيجاد نموذجين في حياتنا الاجتماعية: فكان هناك مسلم يعرف الكثير عن العلوم العصرية جاهل بأمور دينه، ومسلم يعرف الكثير عن العلوم الشرعية وجاهل بعلوم عصره. علينا أن يكون هدفنا الذي نسعى إليه هو إلغاء هذه الازدواجية، وإعطاء المتعلم المسلم حصيلة متوازنة من العلوم العصرية والشرعية، وسيكون انتشار العلوم الشرعية فاتحة لتلاقح كثير من العقول وتفاعلها معها، وبالتالي يصبح بالإمكان إعادة الحيوية إليها من خلال اتساع رقعة المتعاملين معها، وأن يكون هذا الاتساع معطياً الفرصة لمزيد من الإبداع، والمساهمة في حل الإشكالات المحيطة بالأمة حلاً مناسباً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق