الدين بالدنيا ..!
روى ابن عساكر في تاريخ دمشق:
أنَّ رجلاً كان يخدم موسى عليه السلام، ويتعلم منه.
فاستأذنه أن يرجع إلى قريته، ثم يعود إليه، فأذن له بهذا.
فانطلق، فجعل يقول: حدثني موسى كليم الله بكذا، حدثني موسى نجي الله بكذا، حتى كثر ماله!
وجعل موسى عليه السلام يسأل عن حاله، فلا يجاب بشيء، وبينما هو قاعد إذ مر به رجل يقود أرنبا في عنقه حبل.
فقال له موسى عليه السلام: يا عبد الله، من أين أقبلت؟
قال: أقبلت من قرية كذا وكذا، من قرية الرجل.
فقال له: أتعرف فلانا؟
قال: نعم، هو هذا الأرنب الذي في يدي!
فقال موسى عليه السلام: يا رب، رده إلى حاله حتى أسأله فيمَ صنعت هذا به!
فأوحى الله عزَّ وجل إليه: لو سألتني الذي سألني آدم فمن دونه من النبيين، حتى يبلغ محمداً صلى الله عليه وسلم، لم أرده إلى حاله! وإنما صنعت هذا به، لأنه كان يطلب الدين بالدنيا!
إن صحت القصة فها هي أمامكم فلست إلا ناقلاً، وإن لم تصح ففي فلكها تدور أمثلة كثيرة وشواهد عن خشية العارفين بالله من الترزق بالدين!
كان الشافعي رحمه الله يقول: لأن أترزَّقَ بالرقص أحب إلي من أن أترزَّقَ بالدين!
ودخل عبد الله بن محيرز دكاناً يريد أن يشتري ثوباً.
فقال رجل قد عرفه لصاحب الدكان: هذا ابن محيرز فقيهنا وعابدنا، فأحسن بيعه!
فغضب ابن محيرز، وألقى الثوب، وقال: إنما نشتري بأموالنا ولا نشتري بديننا!
والترزُّقُ بالدِّين لا يدخل فيه إمام أوكلت له وزارة الأوقاف إمامة مسجد، فهو يخطب فيه، ويصلي بالناس، ويفقههم في أمور دينهم لقاء راتب شهريٍّ، ولا يدخل فيه قارئ متقنٍ للقرآن، يعمل في دار تحفيظ، يقوِّم الألسن، ويضبط الأحكام، ويشرح المعاني بدوامٍ كاملٍ نظير أجرٍ معلومٍ.
ولا يدخل فيه القضاة الشرعيون الذين تولوا هذه المناصب بعلمهم بالفقه وأصوله، فهم يقضون بين الناس بحكم ربهم.
وإلا فمن أين يعيش هؤلاء، وكيف يُقيمون أمور دنياهم؟!
إنما الترزُّقُ بالدين فهو تلبيس الدين على الناس، وليُّ أعناق النصوص، وجعل الباطل حقاً، والحقّ باطلاً، وإصدار الفتاوى على المزاج وتحت الطلب، لقاء لُعاعة من الدُّنيا!
فإن كان من الفئة الأولى فأجرٌ وأُجرة، ومالٌ حلال وسعي مشكور! وإن كان من الفئة الثانية فمال حرام، وسعي موزور!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق