الخِطبة والعقد والزّواج بين العيدين.. هل هي مكروهة؟ وما أصلُ التّشاؤم بها؟
في كثيرٍ من بلدان العالم الإسلاميّ يتداول النّاس أفكارًا وأقاويل عن كراهة أو تحريم أو شؤم الخِطبة أو عقد الزواج أو الدّخول بالزوجة بين عيدي الفطر والأضحى؛ أي في أشهر شوال وذي القعدة وذي الحجة، وهذه الأفكار تدفعهم إلى تأجيل الخطوبة أو الزّواج إلى ما بعد عيد الأضحى تشاؤمًا وتطيُّرًا.
أصل التّشاؤم والتطيّر بشهر شوّال
في الحقيقة أنّ هذا التّشاؤم وتداول الكراهية عادةٌ جاهليّة لا تزال آثارُها مستمرّةً إلى يومنا هذا.
وسبب التشاؤم عند العرب هو اسم الشهر “شوّال” فقد كانت العرب تعتقد أنّه يدلّ على الهلاك وتفرّق الجماعات فيتطيّرون به ويعتقدون أنّ أيّ علاقة تنشأ فيه بين زوجين فمصيرُها التفرّق والزوال، وأنّ العقد إن تمّ فيه فإنّ هذا سيؤدّي إلى نفور الزّوجة من زوجها وامتناعها منه.
يقول ابن منظور في لسان العرب: “شوّال من أسماء الشّهور معروف، اسم الشّهر الذي يلي رمضان، وهو أول أشهر الحج، قيل: سمّي بتشويل لبن الإبل، وهو تولّيه وإدباره، وكذلك حال الإبل في اشتداد الحر وانقطاع الرّطب، وكانت العرب تطيّر من عقد الزواج فيه، وتقول: إنّ المنكوحة تمتنع من ناكحها كما تمتنع طروقة الجمل إذا لقحت وشالت بذنبها”.
وكذلك تقول العرب: “شالت نعامتهم” والنعامة هنا يقصد بها الجماعة؛ أي ماتوا وتفرّقوا، وكذلك تقول العرب: “شال لبن الناقة أي ارتفع وقَلَّ”؛ فأيّ عقد أو زواج في شوال سيكون مصيره محق البركة أو ارتفاعه وانتهاؤه.
كيف أبطل الإسلام هذه العادة الجاهليّة؟
كان التطيّرُ والتشاؤمُ عادةً منتشرةً في المجتمع الجاهليّ بشكل عام؛ فنهى عنها الإسلام وحاربها وبيّن أنّها محض مشاعر سلبيّة يجدها الإنسان في صدره فعليه ألّا يخضع لها وألّا يحوّلها إلى سلوك؛ ففي حديث البخاري عن معاوية بن الحكم السلمي؛ قلت: “يا رسول الله، إنِّي حديث عهد بجاهليَّة، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منَّا رجالًا يأتون الكهان، قال: “فلا تأتهم”، قال: ومنّا رجال يتطيّرون، قال: “ذاك شيء يجدونه في صدورهم، فلا يصدَّنَّهم”.
وفي الحديث المتفق عليه عنْ أنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلّم: “لا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ، ويُعْجِبُني الفألُ، قالُوا: ومَا الْفَألُ؟ قالَ: كلِمةٌ طيِّبَةٌ”.
وأمّا في عادة التّشاؤم والتّطير بالخطوبة أو العقد أو الزواج في فترة ما بين العيدين فقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلّم على إبطال هذا الاعتقاد الجاهليّ بطريقةٍ عمليّة سلوكيّة، فقام بإنشاء عقد زواجه على أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها في شهر شوال وتزوّجها ودخل بها في شهر شوّال وذلك ليكون في هذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم إبطالًا عمليًّا لأفكار الجاهليّة.
وهذا الفعل حوّل العقد والزواج في شهر شوّال من عادة تبعث على التشاؤم إلى سنّةٍ مستحبّة؛ فعقد الزواج في شهر شوال مستحب امتثالًا لفعل النبي صلى الله عليه وسلّم.
أخرج مسلم في صحيحه؛ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَت: “تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي؟ قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِي شَوَّالٍ”.
ورغم فعل النبيّ صلى الله عليه وسلّم هذا فقد بقيت من عادة التشاؤم من الزواج والعقد في شهر شوال آثار تسري في المجتمعات المختلفة والأزمنة المتعاقبة، وكان العلماء في كلّ زمن يحاربون هذا الاعتقاد الجاهليّ.
ومن ذلك ما بيّنه الإمام النّووي في شرحه لحديث عائشة رضي الله عنها إذ يقول: “فيه استحباب التّزويج والتّزوّج والدّخول في شوّال، وقد نصّ أصحابُنا على استحبابه؛ واستدلّوا بهذا الحديث. وقصدَت عائشةُ بهذا الكلام ردَّ ما كانت الجاهليّة عليه وما يتخيّله بعض العوام اليوم من كراهة التزوّج والتّزويج والدّخول في شوّال؛ وهذا باطلٌ لا أصلَ له، وهو من آثار الجاهليّة؛ كانوا يتطيّرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرّفع”.
إذن فالشّعور بشؤم إنشاء عقد الزواج أو الخِطبة أو التزوّج بين العيدين هو محض شعورٍ جاهليّ، والامتناع عن القيام بذلك هو سلوك جاهليّ، وهذه المشاعر والسلوكيّات الجاهليّة أبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلّم، واستحضارها في هذا الزمان مخالفٌ لما عليه الهدي النبويّ.
فيا أيها الشباب اخطبوا وتزوجوا بين العيدين دون أدنى حرج، ويا أيها الآباء: زوّجوا أبناءكم وبناتكم بين العيدين وافرحوا بهم وفرّحوهم، وألف مبارك لكم جميعًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق