صكت هوشة.. هوشة عنيفة.. حلوة لطيفة !خواطر صعلوك
للمعارك الأدبية طعم شاعري خاص ومتعة فكرية، وتَتلمُذ من خلال التعرف على وجهات النظر المختلفة وفنون الردود وشرح المقصود، ومنذ مدة طويلة في الصحف العربية لم نعد نرى معارك أدبية وفكرية كتلك التي كانت بين الرافعي والعقاد وطه حسين وزكي مبارك ونجيب محفوظ وأحمد شوقي، ومحمود شاكر ولويس عوض وعبدالرحمن بدوي وسلامة موسى وأحمد الحوفي وغيرهم من رجال الأدب والفكر.
ولكن منذ ثلاثة اسابيع تقريباً «صكت هوشة» بين رابطة الأدباء وبين البلدية ووزارة الشؤون بسبب إزالة البلدية لملعب «بادل» كانت الرابطة قد وضعته، وبدأت الهوشة في مواقع التواصل ثم انتقلت إلى الصحف والقضاء وصدر بيان من الرابطة يوضح الأسباب القانونية التي أخطأت فيها البلدية.
أتذكر عندما كنا صغاراً في المدرسة أو الشارع، كانت إذا وقعت هوشة بين شخصين لا نهتم لهما، نتحلق حولهما بشكل دائري ونبدأ بالغناء «صكت هوشة... هوشة عنيفة... حلوة لطيفة» ونصفق بكلتا يدينا دون أن نفكر في حل النزاع... أما إذا كان أحد طرفي الهوشة شخصاً «بدين» أعطاه الله سعة في الكرش والأرداف فكنا نغني «صكت هوشة... بطة حميسه، هوشة عنيفة، حلوة لطيفة» دون أن نفكر أيضاً في المعاني المتضاربة بين هوشة عنيفة وحلوة لطيفة! وكيف تحولت الهوشة العنيفة إلى حلوة لطيفة؟ ربما كان خللاً في الإدراك أو خللاً في التصنيف أو لا أدري ما إذا كان خللاً في المنظومة نفسها.
لا أدري لماذا تذكرت هذه الأهازيج الوطنية وأنا أقرأ وقائع المعركة «القانونية» بين رابطة الأدباء وبين البلدية ووزارة الشؤون حول ملعب «البادل»، ولا أدري لماذا تذكرت المعارك الأدبية الكبرى في تاريخ الثقافة العربية وأنا أقرأ بيان الرابطة والذي أشارت فيه إلى أن هناك تضليلاً لـ«الرأي العام» من قِبل البلدية ووزارة الشؤون، ولا أدري أيضاً لماذا أصبحت أرى الرأي العام مثل حادثة تاريخية في منتصف الليل، خرج فيها المحلفون الستة على جمهرة من الناس المنتظرين، كي يخبروهم أن الأميرة عذراء، فتنفس الفرنسيون الصعداء، لأن شرفهم لم يلوث! ولا أدري لماذا تساءلت بيني وبين نفسي هل فعلاً الرأي العام ينتظر نتائج معارك من هذا النوع أم ينتظر الرواتب والمعاشات من أجل لبس وبدل العيد؟
أقسم لك بالله عزيزي القارئ وبعيداً عن كل اللا أدريات السابقة، فلا أقصد الإشارة إلى واقعنا الأدبي الذي تحول يوماً ما إلى مسخرة مبكية الابتذال، واقع من الممكن أن يجعل الرأي العام فعلاً مهتماً بمعركة «ملاعب» أحد طرفيها مؤسسة أدبية عريقة! ولكني اتداعى بالأفكار ولا شك أن أوضاعنا السياسية والتعليمية تجعلني أُحمل الرابطة الأدبية ما لا يُحتمل... وهو ما ينبغي الاعتذار له في حالة فُهم كلامي على اعتباره هجوماً على الرابطة وأعضائها المحترمين، ففي النهاية أرجو اعتبار هذا المقال «حجي مصفف ينباع بـ100 فلس».
بالتأكيد، من حق رابطة الأدباء أن تضع ملعب «بادل» تابعاً للرابطة، خصوصاً إذا كان سيستفيد منه السادة الأعضاء والأدباء، على اعتبار أن العقل السليم في الجسم السليم، فلربما نجد في ما بعد من هو قادر على ضرب الكرة، وبعدها نجد عودة معارك الأفكار والأقلام على صفحات الصحف وقد انتقلت من الملاعب إلى الجرائد... ربما. وليس هناك شيء بعيد عن قدرة الله في احياء الموتى. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.
moh1alatwan@
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق