الأربعاء، 19 أبريل 2023

جمهورية فوزية والسودان

جمهورية فوزية والسودان

أحمد عمر 



قد انقرضت حزّورة رمضان في التلفزيونات، ولم يبق منها أكثر مما بقي من برقة ثهمد التي تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد، وأطلال الحزّورة أن ينصب مذيعٌ، مثل أحمد رأفت، حاجزًا طيّارًا في شارعٍ من شوارع القاهرة، ويستوقف واحدًا من أهل الله، ثم يتلطّف إليه فيستدرجه إلى كمين الحزّورة، فيقبل الضحية بعد تردّدٍ وريبة أو عجزٍ وكسل، فيسأله المذيع: اللي إنت راكبها يا حجّ اسمها إيه؟ فيقول الراكب: عَجَل، فيقول: مبروك كسبت ألفي جنيه. فيأخذ العجب صاحب الدرّاجة، وقد نسي أنَّ للراكب سهمين وللراجل سهما. 

أما حزازير أبو الهول السوري، شادي حلوة، فأسهل من حزازير زميله المصري، فهو يطلب من الطاعم الكاسي الناخب العدَّ من ثلاثة إلى سبعة، فيعدُّ وأحيانًا يخطئ بسبب آثار الكيميائي، فيقول: مبروك يا حجّ، وقد حسد أهل الساحل أهل الداخل على المذيع وعطاياه، فنزح بأسئلته إليهم خوفاً على الأمن القومي.

ثمّة أسئلة أصعب مثل: لماذا اعتقل الرئيس التونسي الفصيح رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، في ليلةٍ هي خير من ألف شهر؟ ولماذا عمل السيسي أذنًا من طين وأذنًا من أيس كريم على فعل كتائب حميدتي بفرقة فوزية ما فعل؟

وقد وجدت الجواب على هذه الأسئلة العاصية. وهتفتُ: أوريكا أوريكا. .. أوريكا هي صيحة أرخميدس صاحب قانون الطفو، وهو غير طفو الجنيه الذي يتعلّم السباحة في مياه الحواري والعشوائيات، ويغرق مثل عبد الحليم حافظ في قهوة قارئة الفنجان. ووجدت أنَّ رمضان قد أمسى عريًا من الحزازير، وهذا عبد الفتاح البرهان (أو حميدتي إن شئت) على تقهقر العقل، وإن كانت صفحات ناشطين تجذب ذباب وسائل التواصل ونحله وجراده على إشغال عقولهم ببعض المسائل الرياضية أو النحوية.

أبو الهول حزّورة صعبة وقديمة، وهي شائعةٌ في حكايات كثيرة، ومعروفة لدى المثقفين في قصة أوديب الإغريقية، وهي حزّورة سياسية ونفسية وسؤال مصير ومشيئة. 

جعل جواب هذه الحزّورة الساحر ينتحر، كأنه قال قبل إطلاقها: على جثّتي. 

ويظهر من الحزّورة أنَّ الساحر رأى أنَّ أحدًا لن يقدر على الجواب، وهي عن: كائن يمشي على أربع في الصباح، ثم على اثنتين في الظهيرة، ثم يعيش بقية عمره بالبطاقة الذكية أو بكرتونة الرئيس الكريم إذا كان من الرعيّة، أو على معونات الأمم المتحدة إن كان نازحًا في الخيام، أو على الجوب سنتر إن كان لاجئًا.

أما أشهر حزّورة معاصرة، فهي حزّورة البطّيخ، ومن شيوعها أنها وردت على لسان سيد الكواوي في مسرحية "الواد سيد الشغال"، عندما قال عاصم بيه وهو يراوده: يومين تلاته يجي المأذون تمضي، بعد يومين تلاتة يجي نفس المأذون تمضي، وخلاص، فيقول التيس المستعار: بطّيخة!

وقد تسرّب من اجتماعات وزير خارجية الكبتاغون (ليس البنتاغون)، فيصل المقداد، في السعودية أنَّه قيل له ما قال عاصم بيه لسيّد الكواوي: بطّيخة. فالمقداد يدرك أن البطّيخ لذيذ، وأنَّ إيران وراء الأسد وروسيا إلى جانبه في الميمنة، وأوروبا في الميسرة، وأميركا تصرّح بأنها تريد تعديل سلوكه وتصويبه وعلاجه، لا القضاء عليه، حرام فهو شخصٌ لا يعوّض، فهو وحيد أمه، وليس له مثيل بين الرجال.

البطّيخ إجابة كل حزّورة طريفة، وقد يعجب المرء من صراع حميدتي والبرهان، فكلاهما يلبس الزيّ العسكري وأعداد جيوشهما متقاربة كما تزعم الأخبار، وأظنّ أنَّ حميدتي كذّاب أشرّ. وقد سُئلت، فقلت عنهما: من يتزوّج منهما أمي أقول له يا عمّي، ليس لأني انتهازي، بل لأنَّ الحرب الأهلية كريهة، وستطول. والغرض هو تقسيم السودان بالشوكة والسكين، كما قسّمت سورية وليبيا واليمن، أما فوزية، يا حبّة عيني، فهي تذوب مثل الآيس كريم من العشق.

نصّ حزّورة البطّيخ هو: "مدينة حمراء، أسوارها خضراء، سكّانها عبيد، مفتاحها حديد". 

يردُّ كتاب الألغاز والأحاجي بالجواب: هي البطّيخ، وهي حمراء السجون والدوائر الحكومية والسوق، وخضراء حديقة الرئيس وحديقة الحيوان وإعلانات التلفزيون، وحديدة سكين الشرطي وقفل زنزانة القضاء الشامخ، أما سكّانها فعبيد كما ترى، يا أجمل الورى.

إنها حزّورة سياسية فاقع تسرُّ الناظرين، لن يجعل جوابها حبيب فوزية ينتحر من أجل عينيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق