هشاشة الحضارة المعاصرة.. وهشاشتنا؟!
في العقدين الماضيين ورُغم التقدم الصناعي وثورة الاتصالات وتقنيات المواصلات ومستقبل النانو، والريبورتات الصناعية الكبرى التي قد يستغنى بسببها عن أعمال كثير من البشر! ونظام الشرائح المعقدة التي ستتحكم بمصير العالم!!
رُغم كل القوى المادية التي تحاول أن تحكي لك هذه الحضارة المعاصرة؛ وتحمي نفسها بأنظمة دقيقة معقدة؛إلا وتكشف أنّها أشبه ببيت العنكبوت!
إنّ الحضارة المعاصرة رُغم أن بريقها يسرق الأنظار، ويخلب الألباب؛ فلابد من التصريح الدائم أنّها حضارة هشّة،
وأنّ تعطل كيبل كهرباء يجعل الدنيا عند الكثيرين لا تطاق، ويُصابوا بخيبة أملٍ في كثير من خطط حياتهم وأعمالهم!
ها نحن لحظنا كم تأثر العالم سريعاً بوباء عالمي أغلق الدنيا وتأثرت فيها حياة البشر كاملة ولا زالت كثير من أموره غامضة،
والعلماء يتحدثون عن موجة قادمة من الأوبئة الله أعلم بكميتها وحجمها وكيفية التعامل معها!!
ونحن اليوم وإلى هذه اللحظة نلحظ تعطل كثير من مواقع التواصل الاجتماعي وقتاً متواصلاً تأثرت فيه أسواق الأسهم المالية لمواقع التواصل الاجتماعي المالية، وتأثر الناس بسببها، وأمسى بعضهم يلهث ويبحث عمّا يسدّ فراغه…
فإن من كان جهاز الجوال معه وكأنه قطعة لحم في يده؛ ويتفاجأ بتعطل وسائل التواصل كالواتساب والفيسبوك والماسنجر والانستغرام؛
فانظر إلى فراغ الروح، وإلى درجة التعلق بهذه المواقع التي أثّرت في بنيتنا الفكرية،
وكان لها دورٌ في صناعة إدمان شبكي وجدنا أن بعضهم من شدّة تعلّقه به يتوجه لأطباء نفسيين لمعالجة الإغراق في التعلق بمواقع التواصل الاجتماعية التي أخذت حيزاً من فكرهم وممارساتهم وأسلوب حياتهم..!!
لا ندري لعل قابل الأيام تؤثر في أشياء جديدة مثل منصات العملات الرقمية المشفّرة،
خاصة في حال نجاح العالم الاقتصادي مالياً بالارتباط بهذه العملات تقنياً،فكم ستتعطل مشتريات الناس،
كما نرى حالياً تعطل كثير من مبيعاتهم ومشترياتهم في صفحات التواصل!
ولا اندهاش لاحقاً أن نرى أنّ منظومة التسليح العالمية قد يؤثر فيها فيروسات أو أشياء دقيقة حسّاسة تعطّل القوّة العسكرية فيها؛
فإنّ الله حكيم عليم يضع سرّه في أضعف مخلوقاته!
مشكلة هذه الحضارة المعاصرة أنّها طاغية فيها عوامل القوة، لكنها تحمل كوامن الضعف،
وأنها حضارة باغية فإن تأثر شيء بها بغت على العالم بأجمعه، ولم يقتصر ذلك على منطقة دون أخرى.
تذكرتُ كلمة كتبتها قبل مدة للروائي (غيوم ميسو) ذكرها في رواية (الصبية والليل)
حيث قال: «ليست الحضارة سوى قشرة رقيقة هشّة فوق أتون من الفوضى».
وبهذا ينكشف لنا بهرج زيف التعلق بهذه الحضارة القائمة على شوملة التقنية وكوننة العالم وربطه بسنّارة خيط مرتفعة تعيش فوق سطح البحر؛
فإن هوت إلى البحر هوى معها كل شيء وتأثر كل شيء؛ إلا إن أتى ما يمنعها ويدفعها ويُعيد لها بصيص الأمل من جديد.
إن من الاحتمالات أن تكون الأزمة التي نعايشها في مواقع التواصل الاجتماعي وليدة عطل تقني أو هجمات سيبرانية أو هاكر يعود لشخص شقي ليس كبيراً بالعمر؛ يكون متحكماً بهذه الأعطال رُغم كل الأعمال التي تحاول مجابهة أزمة المواقع!
أمامنا مجموعة من الدروس المستفادة من ذلك:
1- عدم التعلق التام بهذه المواقع،
وإيجاد البدائل الحيوية الحاضرة أمام عينك وفي متناول يديك لئلا يكون البديل هو الحضارة الطاغية فالحاضرة التي بين يديك هي ما يمكن أن تستغلّ فيها قدراتك الفكرية في محاولة معايشة الحياة بطريقة يخطط فيها المرء لنفسه لا أن ينضم لكينونة مجموع يُخطط له.
2- «لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة»
مبدأ مهم في عدم الاقتصار العلمي أو الدعوي على موقع أو وسيلة من الوسائل بل تنويع هذه الوسائل ليكون المرء أقدر في إرادته الإنسانية الحرة؛
لا أن يكون مسلوب الإرادة مجبوراً على ممارسة محددة لموقع من المواقع أو طريقة شبكية محددة؛ فإذا تأثرت تزعزعت أموره.
3- «غيّر عتبك دارك»
فإنّ المرء حين يستشعر بوجود إشكالات كثيرة ضمن حياة يعيش فيها المرء عالمية تطغى على فردانيته وشخصيته؛
وحياة جافة باردة تقوم على إظهار التواصل بين البشر وكأنهم آلات مادية يكتب بعضهم لبعض؛
مما أدّى لانعزال كثيرين منهم عن بعضهم في العلاقات الشخصية وأصبح كلّ يحتفظ بعلاقاته النتية فإن هذا مما يبين هشاشة هذه الحضارة،
ولا عجب أن نجد (زيجمونت باومان) يكتب كتاباً عن أوجاع الحضارة في زمن العولمة،
وعن هشاشة الروابط الإنسانية؛ ولهذا لابد أن يسعى المرء لتكوين علاقات قوية على أرض الواقع فيها يشعر فيها بمعنى الاندماج والتلقائية،
ويعتاد كذلك على العزلة وعلى أنّ الأحوال قد تتغير وتتبدل وأنّ النعمة قد تُفقد،
وأنّ اقتصار العيش في مواقع التواصل ضمن ثورة التكنولوجيا فيه ما فيه من قِصر نظر.
بكل حال قد تحمل الساعات القادمة إصلاح الخلل؛
لكن كان من واجب القول الإشارة لهذه النقاط؛ فالأيام القادمات حبالى يلدن كل أمر جديد!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق