حدث سهم بن كنانة قال
أحمد بن راشد بن سعيّد
حدّث #سهم_بن_كنانة، قال: حضرت مجلس الفضل بن ميمون، فإذا هو يفسّر قوله تعالى: “إنّ عذابَ ربّهم غيرُ مأمون”، وقد كرّر وأعاد، لكنه أبلغ وأجاد، فسمعته يقول إنّ المؤمنَ لا بدّ أن يكون حيَّ الضمير، حذِراً من أيِّ تفريطٍ في جنب الله أو تقصير، خائفاً من العذاب، موقناً بأن إلى الله المتاب، حريصاً على سلامة قلبِه، يحذرُ الآخرةَ ويرجو رحمةَ ربّه، وإنّ من أكثر ما يعينُه على ذلك، النأيُ عن الوقوع في المهالك، وحفظُ الفرج، إلا على الزوج، فمن ابتغى وراء ذلك فقد اعتدى، وضلّ من شذّ عن فطرةِ الله وما اهتدى.
قال سهم بن كنانة: وسكت الفضل مليّاً ثم قال: وقد ذهب العالم بعيداً في الاعتداء، وتردّت أفواجٌ من البشر إلى هاوية الفناء، فألّهوا القوّة، وجعلوا السلطان للشهوة، وكما يفعل التائهُ والسّكّير، جرَوا وراء غرائزهم من غير تفكير، وماذا يحدثُ للإنسان إذا ترك شهوتَه من غير رباط، وأطلق لغرائزه العِنانَ من غير انضباط؟ إنه ليتحوّلُ إلى كائنٍ مسعور، لكثرةِ ما يمارسُ من الفجور، كلُّ همِّه أن يتمتّع، ومهما يفعلْ فلا يشبع، إذ كلّما جرّبَ متعةً ملّها، ويريدُ أن يذوقَ المُتَعَ كلَّها، لا نصّاً من الدين يمنعُه، ولا بنداً في القانون يردعُه، لقد داس القومُ على كلِّ القيَم، فكيف لا يصيبُهم الله بالأمراض ويحبسُ عنهم الدِّيَم؟
قال سهم بن كنانة: وعلمت أن الفضل يرمي إلى الشذوذ، فلم يَعُدْ مرتكبُ تلك الفاحشة بمخطئٍ ولا منبوذ، بل إنّ فعلتَه صارت مشروعة، وأعلامَه في السماء مرفوعة، وكان الفرنجةُ في البدء مختلفين فيه، وربما وصفوا صاحبه بالمريض والسفيه، وظلّوا في أمرٍ مَريج، ثمّ أخذوا يتقبّلونه بالتدريج، ودافعوا عنه بكلِّ لسان، وجعلوه من حقوق الإنسان، وزعموا أنّ ممارسيه ضحايا للتمييز، وهم في الأخلاق أنفَسُ من الإبريز، وفتحوا لهم في الجامعات المكاتب، فليس لهم من مُبغضٍ بعدُ ولا معاتِب، واستمرّ الانفلات، فجعلوا الشذوذ أصلَ الحياة، وسمَّوا صاحبه “المثلي”، وما هو والله مثلي، وصرتَ ترى حتى في منتجعات السياحة، من يضع من مزاياها أنها “صديقة” تلك القَباحة، وتنافست في رفع شعاراتها المطاعم، والدول بين مبتهجٍ بالأمر وداعم، بل أدخلوا هذا الشرّ إلى المدارس، وهي المربّي للأجيال والحارس، وجُنّت الدول فاحتفلت بما أسمته “شهر الفخر”،
وصاحت أميركا فيه: نحن لأهل تلك الفاحشةِ ذُخر، وأسدلت علمَهم على جدار قنصليتها في إسطنبول، فلتُدَقَّ إذن للحرب على هذا المنكر الطبول، ولتتقدّمْ الأمّةُ الإسلامية، لتردَّ عدوانَ الجاهلية، فهي المرشّحةُ لإنقاذ العباد، ورزقُ ربّك ما له من نفاد، والشياطين ضعيفة أمام الحقائق، يقذف الله بها على الباطل فإذا هو زاهق، فلا تغُرّنَكَ نصرتهم للشذوذ ودفاعهم عنه، فهم إن يسلبْهم الذبابُ شيئاً لا يستنقذوه منه، فالله الله في الثبات، ولنستعنْ بالصبر والصلاة.
قال سهم بن كنانة: وشعر الفضل أنّني سرحت، فقطع بمهارتِه حبل الصمت، وقال: سنقاومُ فتنةَ قوم لوط، ولو التفّتْ على الأرض كالأخطبوط، فليصدح بأمر الله المسلمون، “قل: أيُّ شيء أكبرُ شهادة؟ قل: الله شهيدٌ بيني وبينكم، وأُوحيَ إليَّ هذا القرآنُ لأنذرَكم به ومن بلغ، أئنّكم لتشهدون أنّ مع الله آلهةً أخرى؟ قل: لا أشهد، قل: إنّما هو إلهٌ واحد، وإنّني بريء مما تشركون”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق