“حل الدولتين أم حل العودتين!؟” (1)
تتردد على مسامعنا كثيراً عبارة "حل الدولتين" في سياق الحديث عن حل نهائي، وتسوية مُرضية للطرفين في الصراع بين الشعب الفلسطيني والمحتل الإسرائيلي، والمستمر منذ أكثر من سبعة عقود متوالية، وذلك على المستويين الرسمي والعام، ومن قبل جميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، ولكن النظر في الخلفية التاريخية لهذا الصراع بين الشعب الفلسطيني، والمحتل الإسرائيلي يُعطي تصوراً واضحاً عن استحالة تطبيق هذا الحل على أرض الواقع، فضلاً عن عدم إمكانية قبول هذا الحل على المستوى النظري لعدم مشروعيته؛ دينياً وأخلاقياً بالنسبة للشعب الفلسطيني، وأمة الإسلام، وأحرار العالم أصحاب الفطر السوية والعقول المستقيمة، فالحل غير قابل للتحقق من الناحية العملية أيضاً، فالجانب الإسرائيلي يُجدد رفضه لهذا الحل المقترح رغم كونه يحظى بقبول كثير من دول العالم، وذلك من خلال التردد، والتأجيل المستمر لأي اعتراف بقيام دولة فلسطينية مستقلة، كما يعمل بقوة على إعاقة مساعي الدولة الفلسطينية المستقلة إقليمياً ودولياً، ويجسد الكيان الصهيوني رفضه على أرض الواقع من خلال إجراءات فعلية، وممارسات عملية، وأهمها استمراره - بشكل متعمد وممنهج - في بناء المستوطنات في مناطق الضفة الغربية، وهي الجزء الأكبر من الأرض التي من المفترض أن تقام الدولة الفلسطينية المقترحة عليها، وتستمر تل أبيب في دعم عملية الاستيطان، رغم المخالفة الصريحة للقانون الدولي الذي ينص على أن تلك المستوطنات في الضفة الغربية غير مشروعة، وتعتبرها الأمم المتحدة احتلالاً للأراضي الفلسطينية.
وفي الحقيقة أن مشروع إقامة الدولتين تعرض للوأد، وهو في المهد، فلم يبق منه إلا الكلام فيه، فرغم أن "حل الدولتين " شكل حجر الأساس الذي قام عليه اتفاق أوسلو للسلام عام 1993م، والذي تم على أساسه اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بشرعية دولة إسرائيل وحقها في الوجود، ونبذ العنف ضدها، وإنشاء السلطة الفلسطينية التي تتمتع بحكم ذاتي على كامل الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن هذا الاتفاق كان مكسباً لطرف واحد منذ البداية، ففي حين انتزعت إسرائيل اعترافاً رسمياً بها من الممثل الرسمي للشعب الفلسطيني آنذاك، ظلت إسرائيل تماطل بعدها في الاعتراف بالدولة التي حلم بها بعض الفلسطينيين لأكثر من ثلاث عقود، فبدا، وكأن اتفاق أوسلو تنازل من طرف واحد مقابل لا شيء، بالإضافة إلى أن السلام المنشود لم يتحقق أبداً، بسبب استمرار الرفض الشعبي المتبادل من قبل الفلسطينيين والإسرائيليين، على حد سواء لحل الدولتين، فما لبث الرئيس الإسرائيلي "إسحق رابين" الموقع على اتفاق أوسلو أن اِغتيل على يد يهودي قومي متطرف اسمه "إيجال عامير" عام 1995م، اعتراضاً على خيار السلام مع الفلسطينيين، ومنعاً لإقامة الدولة الفلسطينية على لسان القاتل نفسه، والملفت أن الموقف الإسرائيلي الشعبي كان متعاطفاً بشكل ضمني مع هذا المتطرف، منذ عملية الاغتيال.
وقد استغل التيار اليميني الإسرائيلي الحدث، ليَصعد إلى السلطة بعد ذلك، ويُبعثر مسار السلام، ويعيق إقامة الدولة الفلسطينية.
وعلى الجانب الآخر، كان الموقف الشعبي الفلسطيني أكثر صرامة وحزماً في رفض مسار السلام، وحل الدولتين، وأكثر إصراراً على خيار المقاومة ضد الاحتلال، وعدم الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني، وتَرجم الشعب الفلسطيني إرداته تلك من خلال انتخابه لحركة المقاومة "حماس" بأغلبية ساحقة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006م، حيث فازت حركة حماس بـ 76 مقعد من أصل 132 في انتخابات شملت الضفة وغزة معاً، ومن المعلوم أن حركة حماس رفضت مسار أسلو منذ البداية، وأصرت على خيار المقاومة المسلحة، ونفذت العديد من العمليات الاستشهادية ضد الإسرائيليين في غزة، وداخل الأراضي المحتلة.
وحتى حين قَبلت حماس مبدئياً بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967م، فإنها شددت على عدم نيتها الاعتراف بإسرائيل.
ومازال الموقف الشعب الفلسطيني حتى اليوم ثابتاً، فاستطلاعات الرأي تُثبت أن أغلبية الفلسطينيين يؤيدون خيار المقاومة المسلحة، والحرب مع إسرائيل حتى بعد بدء معركة طوفان الأقصى لتحرير الأرض وطرد المستعمرين.
إن تعنّت المحتل الإسرائيلي الصريح، أحبطت بعض الفلسطينيين، ممن كانوا يُعلقون الآمال على مسار أوسلو، فحتى هؤلاء خاب أملهم، واجهوا الحقيقة التي تقول: إن العدو الإسرائيلي كان يُمنّيهم بإقامة الدولة الفلسطينية بالوعود الكاذبة، والتصريحات التي لم يكن الهدف منها إلا المماطلة التي تغطي على استمرار عملية الاستيطان والاحتلال التدريجي للضفة الغربية، حتى يصبح خيار إقامة الدولة الفلسطينية غير ممكن من الناحية العملية، وذلك بعد خنق المدن والأراضي الفلسطينية تدريجياً، فيجبر الفلسطينيون على التخلي عن طموحهم بحكم الأمر الواقع. بل إن الحكومات الإسرائيلية بدأت برفض حل الدولتين حتى على الصعيد الرسمي والدبلوماسي المعلن، والعمل بالتزامن مع ذلك على تصفية الوجود الفلسطيني، فبلغ الأمر برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنه أعلن على منبر الأمم المتحدة قبل بدء معركة طوفان الأقصى أن حل الدولتين بات من الماضي، وأن مسار التطبيع مع الدول العربية لن يتوقف.
وإن موقف نتنياهو، ومن تبعه من الصهاينة المحتلين ليس مستغرباً، فلطالما كانت الصهيونية كإيديولجيا وعقيدة سياسية-دينية، تؤمن بأن أرض فلسطين كلها حقٌ تاريخي وديني لليهود، وذلك بموجب النصوص التوراتية، وأنها أرض الميعاد لشعب بني إسرائيل المحروم من الأرض (حسب ادعاءاتهم)!
فقد كانت عقيدة أرض الميعاد حاضرة بقوة في المتأثرين بأفكار وثقافة، وتاريخ العهد القديم للديانة اليهودية، والمذهب البروتستانتي النصراني، وتتلخص هذه العقيدة في أن الله عز وجل، قد أعطى اليهود منذ أن كان اسمهم (بني إسرائيل) أرض فلسطين، ووعدهم بملكها للأبد، وأباح لهم -على حسب زعمهم- أن يَقتلوا، ويطردوا الأقوام كلهم، والذين كانوا يعيشون فيها، كما دعاهم ألا يمكنوا أحداً من العيش فيها إلى جوارهم، فهي مُلك خاص لهم، وميراث خاص بهم، هذا ما آمنت به بعض جماعات اليهود منذ القديم، وهذه هي العقيدة التي استقرت في نفوسهم، حتى بعد أن طُردوا منها منذ ألفي سنة تقريباً، ولقد ظلوا قروناً كثيرة، وهم ينتظرون الملِك المخلص، والقائد المنصور (الماشيح المنتظر)، ليجمعهم، ويقودهم إلى فلسطين من جديد، فجاءت اليهودية "الصهيونية" التي سبقت المسيح المنتظر، وقادتهم إلى فلسطين، حيث أعلنوا عن قيام دولتهم في مايو عام 1948م. فمن الواضح بأن من يؤمن بهذه المعتقدات لن ينسجم مع فكرة التخلي عن أي شبر من أرض فلسطين المحتلة مستقبلاً، ولن يمكّن الفلسطينيون من العيش فيها.
لقد غرست النبوءات الكثيرة التي نسبوها إلى أنبيائهم هذه العقيدة في قلوبهم، وأنا هنا لا أناقش هذه النبوءات، ومدى صدقها، فتاريخ اليهود القديم في فلسطين يُكذبها، وينسفها نسفاً، وهناك العشرات من النصوص المثبتة في العهد القديم، تقول: بأنهم أُورثوا الأرض بشرط الإيمان والطاعة، وإن هم أخلوا بالشرط فسوف يطردون، ويشتتون في أنحاء الدنيا كلها، وهذا ما كان.
ومن ثم، سعت الصهيونية -في محاولات جادة- لتشويه وطمس القضية الفلسطينية، وذلك في حملات من التضليل المتعمد، والادعاءات الكاذبة، والدعاية المخادعة، التي تراكمت طوال العقود؛ لكي تبرهن لليهود أولاً، وللرأي العام العالمي ثانياً، أحقيتها دون غيرها في فلسطين. وأسندت الدعاية الصهيونية في تبرير احتلالها لفلسطين، وما جاورها من مناطق (المشرق العربي)، على حقوق اخترعها اليهود، وكانت قبلاً لا وجود لها في أيّ قاموس علمي، أو سياسي، أو تاريخي، أو اجتماعي، أو غيره، في أي عصر من العصور؛ ومن ذلك:
أ- الحق التاريخي:
مضمون الحق التاريخي، استيطان اليهود الغابرين (فلسطين)، وإقامة كيان سياسي فيها، في فترات قصيرة ومنقطعة الزمن. وهذا الحق -المزعوم- ساقط لما يأتي:
- إن العرب أول من استوطن (فلسطين)، ولم ينقطع وجودهم فيها على مرّ التاريخ إلى يومنا هذا، وأقدمُ هجرةٍ حفظها التاريخ إلى فلسطين هي هجرة سكان الجزيرة العربية من الكنعانيين، فبعدما أخذ الجفاف ينتشر في المناطق الصحراوية، اضطروا إلى الهجرة إلى مناطق ذات موارد مائية وفيرة، فكانت الهجرة إلى فلسطين، وما جاورها شرقاً وغرباً، حيث كانت من أخصب الأراضي بالخيرات الزراعية والمعدنية منذ العصور القديمة، ويطلق عليها بلاد الشام، أي: سورية، ولبنان، وفلسطين، وشرقي الأردن.
وكانت النشأة الأولى لمدينة القدس على أيدي العرب اليبوسيين الذين وصلوا إلى موقع القدس في موجة انتقال بشري من شبه الجزيرة العربية في حدود عام 2300 ق.م. وقد أثبت علماء الآثار -بعد الحفريات والتنقيب، وبعد دراسة بعض الآثار من حصون المدينة- أنها أنشئت عام 1800 ق.م، أي قبل غزوة العبرانيين لها، قرابة 800 ق.م.
ومنذ عام 1967م، بدأ الإسرائيليون بالتنقيب، وإجراء الحفريات في محيط القدس، وخصوصاً أسفل قبة الصخرة والمسجد الأقصى، بحثاً عن الهيكل المزعوم، ولكنهم لم يجدوا شيئاً وأصابهم اليأس، بل وجدوا آثاراً وشواهد تؤكد عروبة المدينة وإسلاميتها. وإن كان ثمة شيء من آثارهم، فقد انتهت بعد حروب البابليين والإيرانيين، ولم يبق شيء من الآثار الإسرائيلية، وخاصة بعد حرب (تيتوس) الروماني، بل أقام مكانه معبداً عظيماً لأحد آلهته، وغيَّر اسمَ أورشليم إلى (إيليا)، كما ذكرنا سابقا.
إن العرب لم ينقطع وجودهم التاريخي من فلسطين منذ الحضارات القديمة إلى يومنا هذا، كما أن فلسطين قد تعاقب على حكمها عدة دول: الكنعانية، والمصرية، والفلسطينية، واليهودية، والآشورية، والبابلية، والفارسية، واليونانية، والرومانية، والإسلامية، والصليبية، ثم الإسلامية، فلو فتح الباب بناء على أن دولة حكمت أراضي شعوب دولة أخرى، لتغيرت خارطة العالم رأساً على عقب، ولكان حق النصارى في فلسطين أعظم من حق اليهود؛ لأنهم كانوا بعدهم تاريخياً في (فلسطين)، علماً بأن المسلمين فتحوا (فلسطين)، وهي تحت حكم النصارى لا اليهود.
ب- الحق الديني:
إن مضمون الحق الديني: الوعود الإلهية الواردة في (العهد القديم) لأنبياء بني إسرائيل -عليهم السلام- بتمكينهم ونسلهم ما بين النيل إلى الفرات، ولا سيما فلسطين ملكاً أبدياً؛ فقد جاء في العهد القديم: في ذلك اليوم قطع الرب على إبرام ميثاقٍ، قائلاً: لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى الكبير نهر الفرات. وهذا الحق المزعوم ساقط -أيضاً- لأن (العهد القديم) قد ثبت تحريفه، فلا تستبعد أن تكون هذه الوعود مما حُرّف داخل أسفاره، وعلى فرض صحة هذه الوعود -جدلاً- فليس لليهود حق؛ وذلك لما يأتي:
إن هذه الوعود الإلهية مشروطة بشرطين، وهما:
الشرط الأول: طاعة الله تعالى، حيث يقول سبحانه: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [البقرة: 40]. ولكنهم عصوه، ولذلك حكم عليهم الخبير بقوله سبحانه: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأعراف: 167].
الشرط الثاني: أنها محدودة بفترة زمنية تمت خلال حكم اليهود لـــــــــــ(فلسطين) حتى زوال ملكهم عام 586 ق.م.
- إن نسل إبراهيم (عليه السلام) لا ينحصر في إسحاق، والد يعقوب (إسرائيل) عليهما السلام الذي من نسله بني إسرائيل، وإنما يشمل أيضاً إسماعيل (عليه السلام) الذي من نسله (العرب) وعلى رأسهم رسول الإسلام محمد ﷺ، الذي نسخ دينه كافة الأديان الأخرى، وقد ملكت أمته ما جاء في هذه العهود وزيادة، إلى يومنا هذا، بل إلى أن تقوم الساعة بإذن الله تعالى.
- إن الامتداد الطبيعي والوارث الحقيقي لحضارة داوود وسليمان، وتراثهم الحقيقي وتاريخهم المنير هي الحضارة الإسلامية التي أسسها وقادها النبي الخاتم محمد (صلى الله عليه وسلم).
جـ- الحق القومي:
إن مضمون (الحق القومي): هو انتماء اليهود جميعهم في جميع أنحاء العالم، إلى قومية يهودية متميزة لها ذاتيتها، ومعالمها وقيمتها الروحية والمادية، وموطنه الوحيد فلسطين. وهذا الحق المزعوم ساقط أيضاً؛ لأن أكثرية يهود العالم بما يزيد على (90%) لا تنتمي إلى بني إسرائيل الأقدمين الذين كانوا يقطنون (فلسطين)، بل إنهم ليسوا من نسل (سام) أصلاً، وإنما هم من نسل (يافث) الذين اعتنقوا (الديانة اليهودية) في أثناء فتح التبشير بها فيما بين (القرنين الثالث، والثالث عشر الميلاديين).
إن الواقع يُكذب اليهود في دعواهم نقاء جنسهم، وذلك أن النظرة عامة في هيأتهم وسحنتهم تدل على تباين أصولهم، ففيهم ذو السحنة الأوروبية، وذو السحنة العربية، وذو السحنة الإفريقية.
ومع هذا التباين لا يمكن ادّعاء أن أصلهم واحد، إذ لا بد أن يكونوا اختلطوا بأمم أخرى أورثتهم هذا التباين في السمات، ثم إن اليهود ذكروا في كتابهم أن كثيراً منهم تزوجوا نساء أجنبيات، وأن نساءهم تزوجن رجالاً أجانب. وأن اليهود الذين يسمون (الأشكنازيم) هم يهود أوربا، ولا يمتُّون بصلة إلى يعقوب (عليه السلام) وذريته.
د- الحق الإنساني:
إن مضمون (الحق الإنساني): أن اضطهاد اليهود على مدى التاريخ، في كل بلد وجدوا فيه أقلية دينية مستضعفة، منذ العهد الفرعوني المصري، حتى العهد النازي الألماني، وكونهم لا يزالون عرضة لهذا الاضطهاد في أي حين، يخولهم إنشاء دولة خاصة بهم في موطن آبائهم -المزعوم- فلسطين، واضطهاد الأبرياء، وهذا الحق المزعوم ساقط -أيضاً- لما يأتي:
1- إن الاضطهاد عامٌّ لليهود وغيرهم، من الشعوب الأخرى، وهناك الكثير من الأمثلة:
- اضطهاد الشعب الجزائري على أيدي الفرنسيين
- واضطهاد الشعب الليبي على أيدي الإيطاليين
- اضطهاد الشعب والمصري والعراقي على أيدي البريطانيين
- اضطهاد الشعب الأفغاني على أيدي الأمريكان وحلفائهم.
- اضطهاد شعوب الجمهوريات الإسلامية والقوقاز من الروس. وكثير من الشعوب العربية والإسلامية والآسيوية والأفريقية تعرضت للاستعمار الأوربي الحديث.
2- العرب بشكل عام، والفلسطينيون بشكل خاص، لا يتحملون تبعات اضطهاد العالم لليهود، فهم لم يضطهدوهم؛ بل إن أزهى عصور اليهود كانت بين المسلمين. وإذا كان هناك من أحد يتحمل تلك الاضطهادات، فهو من اضطهدهم حقيقةً وليس ادّعاء.
ه- الحق القانوني:
إن مضمون (الحق القانوني) ثلاثة أقسام، هي:
- وعد بلفور: القاضي بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين عام 1917م.
- صك الانتداب: القاضي بانتداب بريطانيا على (فلسطين)، لتحقيق الوطن القومي اليهودي عام 1921م - 1339ه.
- قرار التقسيم: القاضي بتقسيم (فلسطين) إلى دولتين: عربية، ويهودية عام 1927م - 1367ه.
وإن هذا الحق المزعوم ساقط -أيضاً- لأنه ليس لـ(بريطانيا) التي وعدت -وهي لا تملك- اليهود -الذين لا يستحقون- بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، ولا لـ(عصبة الأمم المتحدة) التي انتدبت (بريطانيا) على (فلسطين)؛ لتحقيق هذا الوطن القومي لليهود ولا لـ(هيئة الأمم المتحدة) التي أقرت تقسيم (فلسطين) إلى دولتين بين العرب واليهود، والتي اعترفت بـ(إسرائيل) من خلالها عضواً فيها، ولا لأي أحد حق في التصرف في مصائر الشعوب.
وإن للفلسطينيين حقوقاً في أرض فلسطين، مماثلة لحقوق الفرنسيين في أرض فرنسا، ولحقوق البريطانيين في أرض بريطانيا. وحق العرب التاريخي لا يحتاج إلى أية جهود للدعاية والترويج له، فهو حق ثابت وواضح بذاته، والخطأ الذي يمارس بحقهم إنما هو حقيقي للغاية.
هذه بعض الحقائق التاريخية التي أوردتها في كتابي الأخير: "الأنبياء الملوك داوود وسليمان (عليهما السلام)، وهيكل سليمان المزعوم"؛ وفيه تتبعتُ الجذور التاريخية والعقدية والحضارية، واعتمدتُ على كتاب الله عز وجل، والسنة النبوية الصحيحة، ثم سبرت أقوال المفسرين، وتبحرت فيها، وفي كتب التاريخ والحضارة، ودراسة العهد القديم، وتاريخ التوراة، وطبيعة الصراع على فلسطين، والحضارات التي تعاقبت عليها، وحقوقنا العادلة في مسرى رسول الله والمسجد الأقصى، وحقنا في العيش الكريم، وتحرير بلادنا المغتصبة (فلسطين) من الظالمين، كما حُرّرت في عهد عمر بالأخلاق العمرية، وفي عهد صلاح الدين بالصفات الصلاحية. وإن قضية فلسطين لن تموت، إنها عقيدة في قلب كل مسلم، هل سمعتم أو قرأتم أن عقيدة يحملها في قلبه أكثر من مليار مسلم يمكن أن تموت؟
وهكذا، فإن الحل الوحيد العادل، والمشروع دينياً وأخلاقياً، والمقبول منطقياً هو "حل العودتين"، وليس "حل الدولتين"، وذلك بعودة المحتلين الصهاينة "المغتصبين للأرض" إلى بلادهم، والتي قدموا منها في روسيا وأوروبا الشرقية، وشتى بقاع الشتات اليهودي في العالم. وفي المقابل، يكتمل الحل، بعودة اللاجئين الفلسطينيين من شتاتهم ومخيماتهم إلى أرضهم الأصلية، وموطنهم الحقيقي الذي سُلب منهم عُنوةً، وإقامة الدولة الواحدة، وهي دولة فلسطين الحرة على كامل أرضها من النهر إلى البحر، وعاصمتها القدس الشريف، أما "حل الدولتين"، فهو وهمٌ كاذب، وسرابٌ يحسبه الظمآن ماءً، وليس إلا غِطاءً لكسب الوقت اللازم لإتمام عملية الاحتلال، والاستيطان الممنهج للإسرائيلين على كامل أراضي فلسطين التاريخية، وإكمال الطرد التدريجي للشعب الفلسطيني من أرضه بشتى السبل؛ لأن الكيان الصهيوني في حقيقته، هو دولة استعمارية استيطانية، هدفها السيطرة على المنطقة بأجملها في قلب الأمة العربية والإسلامية في قرارها السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي.
ولذلك فلا خيار لاستعادة الأرض، والمقدسات إلا خيار النضال والصمود، ومقاومة المحتلين بالوسائل المشروعة في الدفاع عن النفس، وحماية المقدسات والأعراض والأرض، وطبيعة هذه الأمة الإسلامية أن تقاوم وتكافح وتجاهد، حتى تسترد حقوقها الطبيعية؛ لأن المشكلة ليست مع الشعب الفلسطيني، بل مع الأمة الإسلامية، وأحرار العالم، وهم الذين يرفضون الظلم والاحتلال واغتصاب الحقوق، وقهر الشعوب. ومعادلة الصراع مع المحتلين واضحة: ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، والتاريخ شاهدٌ على أن النصر في النهاية للشعوب، وأصحاب الحق ضد الغزاة والطامعين، والظلم عاقبته وخيمة، ولا شك في أن العاقبة للموقنين بوعد الله تعالى، ونصره للمؤمنين. وما ذلك على الله بعزيز.
(وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين)
﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)﴾
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق